الفصل الثالث

كانت لورا تخطو إلى الثالثة والعشرين من سنها، يزينها جمال فاتن وطلعة مشرقة، وهي شقراء أميل إلى الطول منها إلى القصر، معتدلة القد خفيفة الروح والحركات، لها شعر ذهبي لمَّاع كأنه إكليل من نضار توجها به الجمال، وعينان زرقاوان فيهما السحر وفيهما الفتنة، وفيهما الوداعة وكرم الخلق وصفاء الضمير، وكان لها جسم بض كأنه البلور المذاب، يكاد لصفائه تنعكس عليه الأشباح والصور، وُلدت لورا في مدينة «بليموث» من مقاطعة «ديفنشير» بإنجلترا، حيث كان يقيم أبوها وأمها، وكانت أمها من أسرة ميسورة تشتغل بصناعة السفن، وما مر على ولادتها أربعة أعوام حتى مرضت أمها ولم ينجع في علاجها دواء، فماتت، وحزن عليها نيكلسون حزنًا أوشك أن يقضي عيه، وأقسم ألا يتزوج بعدها، وأصابه شيء من الذهول كاد يكون خبلًا، فأشار عليه أبو زوجته أن يرحل من إنجلترا، فغادرها إلى مصر، وأخذ يتجر في الصوف والحرير، وترك لورا بإنجلترا عند جدتها لأمها، فرأت فيها جدتها صورة من بنتها فشغفت بها وبذلت أقصى جهودها في تهذيبها وتعليمها، وبعثت بها إلى المدرسة في سن السادسة، فبرزت مواهبها وفاقت أتبرابها، واشتهرت بين التلميذات بالذكاء والأدب الجم وحسن المعاشرة، ولما بلغت الخامسة عشرة أتمت الدراسة وألمت بكل ما يجب أن تعرفه البنت من نظام البيت وشئونه، وسافر أبوها من مصر إلى إنجلترا في صيف سنة ١٧٩٠م فوجد ابنته وقد نضجت ثمرتها، وبدت فيها صورة ناطقة من أمها، ورأى أن بعده عنها في بلاد الغربة قد كدر عليه صفو حياته، وجعله عرضة للسأم والحنين والهواجس، فعاد بها إلى رشيد، وأخذ يلقنها العربية ويعمل على اتصالها ببنات الأسر العريقة بالمدينة، فالتقطت اللهجة الرشيدية صحيحة واضحة بعد سنة أو أكثر، وأصبحت تتكلم بها في طلاقة ويسر، وأغرم بها نساء المدينة وبناتها، فكانت قبلة أنظارهن وسمر مجالسهن، وطابت للورا الحياة في هذا المجتمع، وطبعت نفسها بكثير من عاداته وآدابه، وكانت إذا خرجت لزيارة صديقاتها تلبس الحبرة السوداء والبرقع الكثيف، الذي ليس به إلا ثقبان صغيران للعينين فلا يكاد يميزها أحد من بنات المدينة.

وكانت تختلط بمحمود العسال لكثرة زياراته لأبيها للمسامرة والحديث في التجارة، ولأنها كثيرًا ما كانت تراه عند زياراتها الكثيرة لأمه أو لزبيدة بنت البواب، وكان محمود على ما وصفنا من وسامة ورجولة وخلق عظيم، فأحسست نحوه أول الأمر بشيء من الإكبار، كما يُعجب الأطفال بأبطال القصص التي تُروى لهم، ثم زاد هذا الإحساس قليلًا فصار رغبة في مقابلته ومجالسته والحديث معه، ثم نما فصار شغفًا بالتحدث عنه والإكثار من ذكره، حتى كادت تسئم خادمتها الحاجة مبروكة، ثم انقلب هذا الإحساس ولوعًا وحبًّا بالغت في كتمانه، واستعانت بكل ما تستطيع المرأة من رياء لكبته ودفنه في صدرها، فلم يره أحد، ولم يشعر به أحد، وبقي سرًّا غامضًا في سويدائها لا تبوح به إلا لأحلامها، ولا تهمس به إلا لوسادتها، حينما تتقلب على سريرها قلقة تتمنى الأماني وتتوجس العقبات: لم تسمع أن مسيحية تزوجت بمسلم، وهي لا يمكن أن تفرط في دينها من أجل حب، وإذا كان قاتلًا، ثم إذا جاز في الإسلام أن يتزوج المسلم بمسيحية، فمن أين لها أن تعلم أن أباها سيرضى عن هذا الزواج ويُباركه؟ وإذا رضي أبوها فهل يحبها محمود كما تحبه؟ وهل يطغي على المأثور من العادات في سبيل ضمها بين ذراعيه؟ إنه لم ينظر إليها نظرة مريبة، ولم تظفر منه كلمة فيها أقل تورية أو تلميح، وكل ما في أمره أنه يختلط بالأسرة اختلاط الصديق الوفي الطاهر القلب، الذي يجري على سجيته ولا يبدو في كلماته أو لمحاته أو أعماله إلا اللطف والحنان، إنه لم يعرف الحب، ولم تهتز له أوتار قلبه، إنه مَلَك كريم، والملائكة لا يعشقون.

شغفت لورا بمحمود وكتمت غرامها، وأصبحت تعلل نفسها برؤيته بين الحين والحين، فطلبت إلى أبيها أن يدعوه لوليمة عيد ميلادها، واجتهدت في أن تجعلها حافلة بالألوان متقنة الطهو، فقضت النهار كله مع مبروكة وخادمها عبد الدايم في إعدادها، وأكثرت من أنواع الكعك، وتأنقت في عمل «البودنج» حتى إذا جاء وقت العصر تفرغت لزينتها ولبست أجمل ما لديها من الحلل، ونظرت في مرآتها، فرأت صورة للجمال الإنجليزي الفاتن، ثم نظرت في مرآة خيالها فبدا لها محمود العسال وهو صورة للجمال المصري الرائع، فتمنت لو اجتمع الشرق والغرب، وودت لو تدانى البعيدان، وتعانقت الصورتان!

أذن مؤذن جامع «الإدفيني» للمغرب، واتجه «نيكلسون» إلى داره حزينًا مفكرًا، حتى إذا قابلته لورا أخفى ما في نفسه وغمرها بالعناق والقبل، وقال باسمًا: ماذا صنعت لنا سيدة الدار في هذه الليلة؟ إني أشم روائح مشهية لألوان مختلفة، وأكاد من السرور والجوع ألتهم السيدة الطاهية قبل أن ألتهم ما طهته من أصناف الطعام.

– إن السيدة الطاهية تحكمت اليوم في مال أبيها، وبذرت فيه تبذيرًا.

– إن الأب والمال لك يا فتاتي الحلوة، فافعلي بهما ما شئت.

– نحن هنا يا أبي في الشرق موطن الكرم وحسن الضيافة، وقد أردت أن أحاكي زبيدة فيما تصنع من ولائم، فأكثرت من الألوان وخاصة بعد أن دعونا محمودًا العسال، أوعدك بالحضور يا أبي؟

– إنه أجاب مغتبطًا مسرورًا، هذا الشاب أحبه كما أحبك يا لورا، لم أر فيه منقصة ولم أقع له على زلة، وله أخلاق تقرب كثيرًا من أخلاقنا: فيه الشهامة والصراحة، والصدق والغضب للحق، ونصرة الضعيف، إنه شهم يا لورا، وطالما تمنيت لو يكون لي ولد مثله.

– لو كان ذلك لفزت بأخ كريم! وهنا سمعت دقات على الباب ودخل محمود فحياهما، وهنأ لورا فابتسمت له ابتسامة مشرقة، وصاحت بخادميها أن يعدا المائدة، وكان نيكلسون بادي السرور والمرح، كثير النوادر والنكات، مسرفًا في الضحك، أما محمود: فقد استولى عليه وجوم عجز عن إخفائه، وحاول كثيرًا أن يندمج في الحديث والضحك فظهر تكلفه، وبان تصنعه، فمال عليه نيكلسون قائلًا: ما بال بطلنا الليلة منقبض الأسارير على غير عادته؟

– هذه الحوادث التي جرت اليوم أزعجتني.

– حوادث شغب العوام وقذفهم ديوان الوالي بالأحجار؟

هذا يا بني يحدث في كل يوم حتى اعتادته النفس، ولو حزنَّا لكل ما نراه لقضينا العمر غمًّا وأسفًا، لا يا بني! أظن أن شيئًا آخر يحزنك، فإني ما رأيتك إلا باسمًا مستبشرًا، وهذه ليلة لورا فكان عليك أن تكون فيها على أحسن ما تكون.

– الحق أن هناك مسألة تنغص عليَّ حياتي كلها، ولست بغريب مني يا نيكلسون، ولا أعد لورا إلا أختًا لي لا يُكتم دونها حديث، لقد برَّح بي حب بنت خالتي زبيدة، وكثيرًا ما كاشفتها بهذا الحب وهي تروغ مني وتلتمس المعاذير، حتى إذا كدت أيأس منها وأيأس من نفسي ذهبت إليها في هذا الصباح لأظفر منها بوعد أو خيال من وعد، فلم أنل منها إلا المماطلة والتسويف، والإحالة إلى الأقدار.

سمعت لورا ذلك فأحست بقذيفة تنفجر في قلبها فتذهب به بددًا، فشخصت عيناها في ذهول، وأوشكت أن يغمى عليها، لولا عزيمة جبارة انتشلتها من يد العواطف الثائرة، ثم نظرت إلى محمود في شغف وألم وحسرة، وقد طارت آمالها مع الرياح، ودُكَّ ما بَنَتْهُ من الآمال والأحلام دكًّا، ورأت أن قلب حبيبها قد شغل عنها بسواها، وأنه لم يبقَ به زاوية صغيرة يلجأ إليها غرامها العنيف القاتل، وأن من عجائب القدر أن يُشغف محمود بزبيدة أحب صديقاتها إليها، وأقربهن إلى هواها وعطفها وحنانها، إن حبها له يحملها على صرفه عن زبيدة والضن به عن أية امرأة كيفما كانت، ثم إن هذا الحب نفسه وما فيه من حنان، يفرض عليها أن تبذل كل ما في قدرتها لإسعاده وهناءته، ولن يسعده إلا أن ينال يد زبيدة، فهل يدفعها حبها إلى التضحية بآمال حبها؟ وهل يستطيع ذلك الحب أن يبلغ ذروة الشرف فيكتم ناره في قلبه، ويقضي على الغيرة الطبيعية التي تمزقه، ويقنع بأن يرى حبيبه هانئًا سعيدًا؟ إن اجتذاب الحبيب بالإغراء وسيلة رخيصة لا تليق بحبها الطاهر، والحب الذي لا ينال إلا بغمز العيون ومضغ الكلام، قليلًا ما يدوم، وهناك مسألة أخرى: تلك أن تكون زبيدة مرائية ختَّالة، وأن فرط حبها به يحملها على فرط الإدلال عليه، فإذا عملت لورا على اجتذابه إليها فرَّقت بين عاشقين هما أحب الناس إليها، وأقربهم إلى قلبها.

نظرت لورا إلى محمود وهذه العواطف الجامحة تعتلج في نفسها، ولكن عزيمتها الإنجليزية أبت أن يظهر منها أي أثر على وجهها، وقالت: مسكين يا محمود!! لم أعرف أنك متعلق بزبيدة، ولكني أعرف أنها تهتم بذكرك، وتكيل لك الثناء والمديح كيلًا.

– يظهر أن الثناء غير الحب، ويظهر أن شيطانًا عنيدًا يتحكم في رأس زبيدة، ويحذرها من التزوج بي.

– هذا عجيب! إن مثلك يا محمود تتمناه وتشرُف به أية فتاة رشيدية.

– الذي يهمني أن أعرف هذا السر الذي يحول بينها وبيني.

– مسكين يا محمود! ثم قالت وقلبها يكاد يتقطع حسرة وألمًا: سأكون سفيرتك في هذا الأمر يا محمود، وسأبذل جهد الأخت الشقيقة حتى تفوز بأمنيتك، دع الأمر لي فإننا في هذا المجال أمهر من الرجال وأشد تأثيرًا.

– جزاك الله خيرًا يا لورا، وأرجو أن توفقي حيث خِبْتُ وتقطعت حبائلي وأشراكي.

وهنا أطل نيكلسون من النافذة، فرأى في الشارع طوائف من الناس يلغطون، فظن أنهم يتحدثون في شأن عثمان خجا، ولكنه سمع أحدهم يقول: «إنه جاء من الإسكندرية، ويقال: إن السيد محمد كريم هو الذي أرسله» فظهر عليه الاضطراب، وبرقت عيناه واصفرَّ وجهه، وقال لمحمود: يظهر أن الواقعة وقعت، وأن شيئًا جللًا حدث بالإسكندرية، هلم يا محمود لنعرف جلية الخبر، في وديعة الله يا لورا، وسأعود بعد ساعة.

ارتبكت لورا وظهر عليها الخوف، وألحَّت على أبيها أن يكشف لها عن حقيقة الأمر، ولكنه أسكتها بقبلتين، وأثار شكوكها بدمعتين سقطتا على خديها، وانصرف مع محمود مسرعين.

أخذ محمود يسأل المجتمعين عن سبب ضجيجهم، فقال له أحدهم: إن صديقًا أكد له أن الإفرنج نزلوا الإسكندرية وامتلكوها، وأن رسولًا أرسله السيد محمد كريم محافظ الإسكندرية إلى عثمان خجا ليخبره بالأمر، وأن الناس يذهبون أفواجًا إلى الديوان.

فأسرع محمود ونيكلسون إلى الديوان — وكان الزحام حوله شديدًا — فاخترقا الصفوف حتى دخلا، فرأيا عثمان خجا ومعه الأعيان والتجار — لأن العلماء أبوا أن يستجيبوا لدعوته — وقد جلسوا وهم صموت يبدو عليهم الذعر والحيرة، ورأيا رسول السيد محمد كُرَيِّم واقفًا أمامهم، فاتجه عثمان خجا، وقد جفَّ ريقه وارتعدت أوصاله وقال للرسول: نبئنا بخبر هذه الداهية مفصلًا.

فقال: وصلت بالأمس إلى مياه الإسكندرية عمارة فرنسية عند مطلع الفجر، فلما ارتفع النهار رآها أهل الثغر وقد غطت سفنها مياه البحر، ولكنها لم تقف بالميناء بل اتجهت إلى ناحية العجمي، فأرسل السيد محمد كريم طوائف العربان إلى هذه الجهة، فرأوا أنها أخذت تُنزل الجنود بالزوارق عند المكس بعد منتصف الليل، حتى إذا تجمَّع الجيش سار في ثلاث فرق نحو الإسكندرية، وحاول بعض عربان الهنادي مناوشة الجنود فلم يفلحوا إلا قليلًا، وجمع السيد محمد كريم كل رجاله وجنوده فانهزموا لقلة عددهم وسلاحهم، وقِدَم مدافعهم وتهدم حصونهم، ودخل الإفرنج المدينة في صباح اليوم بعد أن قاومهم الأهالي فمزقوهم بقذائفهم. أما رئيسهم: فيُدعى: نابليون، وهو شاب صغير السن نحيف الجسم، ولكن جميع قواده يبجلونه ويخضعون له خضوع العبيد للسيد، وهو يدَّعي أنه صديق الدولة العثمانية، وحبيب الإسلام والمسلمين، وأنه لم يأتِ إلى مصر إلا لإنقاذ أهلها من ظلم المماليك، ويبلغ جيشه نحو الثلاثين ألفًا، ومعهم من آلات الحرب ما لا عهد لنا به، وقد أظهر السيد كريم الخضوع لنابليون وشرع يساعده في الظاهر في جمع الخيل والجمال، ودعوة العربان إلى مناصرته، وأرسلني إليكم سرًّا لتأخذوا حذركم وأسلحتكم وتحصِّنوا المدينة، وتجمعوا الجنود والأهلين للقاء هذا الطاغية، فقد يسقط جيشه على رشيد في أي يوم، فقال عثمان خجا: لا بد من المقاومة والاستماتة في الدفاع، وربما استطعنا أن نلقِّن هؤلاء الإفرنج درسًا لا يُنسى.

فقال السيد محمد البواب، وكان شيخًا في الخمسين فارع الطول متين بناء الجسم، جريئًا شجاعًا: إن حصون المدينة ضعيفة وأسوارها مهدَّمة، ومحال أن يستطاع تقويتها في زمن قصير.

فقال خجا غاضبًا: هذا دأبكم دائمًا يا أبناء العرب، لا تثبتون على الشدائد.

– نحن أثبت على الشدائد من الجبال، ولكنا نحمل الآن أوزار ظلمكم وعبثكم بشئون البلد، أتظن يا أغا أن في المدينة رجلًا واحدًا يرضى أن يشد أزرك في قتال؟ لقد زهَّدتهم في الحياة، وأخمدت في نفوسهم البطولة وحب الوطن، حتى أصبحوا يؤثرون في قرارة نفوسهم أن يحكمهم مجوسي أو وثني، لقد زرعتم الحنظل واليوم تجنون ثماره، وقتلتم كل نازعة للرجولة في كل نفس، ثم جئتم تستنهضون الهمم بعد أن ماتت الهمم، إنما يدافع عن وطنه من يشعر أنه ملهى صباه ومصدر مجده، ومقر سعادته وموئل حريته، وأن ما فيه من أرض وماء وهواء ملك له ولسلالته من بعده، أما من يُعَذَّبُ في وطنه ويُحرم خيراته، ويُساق إلى العمل كما تُساق البهائم لينعَم غيره وهو جائع، فلن يعرف معنى للوطن، أو معنى للدفاع عن الوطن.

فبهت عثمان أغا والتفت إلى التجار، وقال: أهذا رأيكم في رجال مدينتكم؟ فانبرى إليه الحاج أحمد شهاب وقال: إن هذا ليس عارًا على أهل المدينة، إنما العار على من يطلب من المذبوح أن يدفع عن نفسه، وهنا قام السيد محمد البواب وقام الأعيان منصرفين خلفه، وتركوا عثمان خجا يتحرق غيظًا، ولو استطاع أن يقبض عليهم ويذيقهم صنوف النكال لفعل، ولكن اضطراب المدينة واقتراب الأعداء لم يدعا له سبيلًا لشفاء نفسه، ومال نيكلسون في الطريق على أذن محمود يقول في صوت خافت: سأرحل الليلة فقد أعددت كل شيء، ثم أسرعا إلى الدار وأحضرا من يحمل المتاع إلى السفينة، وغيَّر نيكلسون ملابسه وتزيَّا بزيِّ المغاربة، وحمل في منطقته مسدَّسين وأكياسًا بها من الذهب ما يزيد على ألف محبوب، ولبست لورا حَبرتها والدموع تتساقط من عينيها، وسارت معهما إلى السفينة، وهناك ودَّع نيكلسون صديقه وداع الأب الشفيق للولد البار، وهمس في أذنه: إذا قدمت القاهرة فسل عن الحاج محمد السوسي بسوق المغاربة. وتقدَّمت لورا نحو محمود باكية الطرف دامية القلب وهي تقول: إلى اللقاء القريب يا محمود! ثم أقلعت السفينة وهبَّت الريح شمالية فدفعتها إلى الجنوب، ووقف محمود حزينًا يقلِّب كفيه أسفًا، وقد أحس أنه كان له جناحان فرماه الدهر فيهما، ثم نظر فرأى السفينة وقد التقمها اليم وطواها الظلام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤