سر اللغة وسحرها

(١) اللغة والعالم

سؤال طرحَه الفلاسفة على أنفسهم طرحًا صريحًا أو متضمَّنًا، وما يزالون يطرحونه إلى يومنا هذا، وهو هذا: إلى أيِّ حدٍّ نستطيع أن نستدلَّ طبيعة العالم الخارجي من طبيعة اللغة التي نتحدث بها عن ذلك العالَم؟ ها نحن أولاء قد أنشأنا لأنفسنا مجموعةً ضخمة من رموز — هي الكلمات — واتفقنا معًا على الطريقة التي نبني بها هذه الرموز فتكون جُمَلًا مفهومة ينطق بها المتكلم فيفهم عنه السامع؛ وواضح أن هذه المجموعة الرمزية الضخمة، وهي تختلف باختلاف الجماعات البشرية؛ إذ إن لكل جماعة منها لغتها الخاصة بها في عمليات التفاهم بين أبنائها، واضح أن هذه المجموعة الرمزية الضخمة — أعني اللغة — ليست هي نفسها الأشياء التي جاءت تلك الرموز لترمز إليها؛ فليست «كلمة» خبز هي الخبز نفسه الذي يُؤكَل، ولا «كلمة» الماء هي الماء الذي يروي الظمأ؛ فالرمز اللغوي شيء والمرموز إليه شيء آخر. وإذا ما تكاملت لدينا لغة للتفاهم، كان لدينا جانبان مختلفان هما: هذه اللغة من ناحية، ثم العالَم الخارجي الذي تتحدث عنه بهذه اللغة من ناحية أخرى. أقول إن هذه الثنائية بين رموز اللغة وبين أشياء العالم الخارجي المرموز إليها برموز اللغة، هي من الوضوح بحيث لم تكن تستدعي منَّا ذِكْرًا وتوضيحًا؛ ولكن ما ظنُّك وهذه الحقيقة الواضحة كثيرًا ما تحتاج إلى لَفْت الأنظار إليها، ثم هذه الأنظار لا تلتفت إلا بعد جهد شديد؟ فكأنما اللغة هواء شفاف لا يحجب الأشياء التي وراءه، فنحسب أن لا هواء بيننا وبين تلك الأشياء.

ونعود بعد هذا إلى سؤالنا الأول: إلى أيِّ حدٍّ نستطيع أن نستدلَّ طبيعة العالم الخارجي من طبيعة اللغة التي أنشأناها لنرمز بها إلى ذلك العالم؟ في هذا يختلف الفلاسفة — أو معظمهم — فينقسمون إزاءَه فئاتٍ ثلاثًا:
  • (١)
    فريق يستدل خصائص العالم من خصائص اللغة؛ فإن كان تركيب الجملة — مثلًا — لا يكون إلا بتوافر جانبَين، هما: المسنَد إليه من جهة والمسنَد من جهة أخرى، فلا بد أن تكون أشياء العالم على هذا النحو من التأليف، فيكون لكل شيء جوهره من جهة والخصائص التي تطرأ على ذلك الجوهر من جهة أخرى، وكذلك إذا كان في اللغة كلمات مختلفة النوع، فلا بد أن تكون مسمياتها مختلفة أيضًا؛ فهنالك — مثلًا — أسماء جزئية وأسماء كلية، فلا بد أن يكون في العالم الخارجي ما يقابل هذه وتلك؛ ففيه كائنات جزئية، وفيه أيضًا كائنات كلية، وهذا هو بعينه ما دعَا «أفلاطون» إلى افتراض وجود عالم بأَسْره لهذه الكائنات الكلية — أسماه بعالم الأفكار أو بعالم المثل — إلى جانب عالمنا هذا المادي الذي كل ما فيه أفراد جزئية … هكذا تستطيع أن تمضيَ في مفردات اللغة وفي طرائق تركيبها، فتستدل من كل مفرد لغوي ومن كل تركيب ماذا ينبغي أن يكون مقابلًا له في عالم الأشياء؛ وفريق الفلاسفة الذين يرتكزون على طبيعة اللغة ليفهموا طبيعة العالم هم: أفلاطون، واسبينوزا وليبنتز، وهيجل، وبرادلي١ وسنرى أن عالِمَنا الفيلسوف جابر بن حيان هو من هذه الزمرة.
  • (٢)

    وفريقٌ ثانٍ من الفلاسفة يذهب إلى أن الإنسان محالٌ عليه أن يجاوز بعلمه حدود كلمات اللغة إلى حيث العالم الخارجي في ذاته، وإن شئت أن تفهم وجهة نظر هذا الفريق فحاوِلْ أن تنقل إلى مَن شئت أمرًا تريد أن تُحيطَه به علمًا، كأن تقول له — مثلًا — «إن الورقة بيضاء» تجد أنك تشرح له كلمة بأخرى، وهذه بثالثة فرابعة وهلمَّ جرًّا، أي أنك ستظل مع زميلك حبيسَ الكلمات التي تتفاهمان بها، ولا وسيلة أمامكما تخرجان بها من سجن الكلمات إلى حيث «البياض» الخارجي الذي يصف الورقة، فما بالك إذا أردت لزميلك أن يعرف — مثلًا — أنك خائف أو حزين أو نشوان أو عاشق ولهان؟ مجاوزة اللغة هنا إلى الحقيقة المرموز إليها باللغة أمرٌ محال. وخلاصة الرأي عند هذا الفريق الثاني من الفلاسفة هي أن أي أن معرفة وكل معرفة — حتى المعرفة العلمية — إنما هي معرفة كلمات لغوية لا أكثر ولا أقل، ومن هذا الفريق أولئك الذين يُسمَّون بالاسميِّين في تاريخ الفلسفة، مثل وليم أوكام في العصور الوسطى (١٢٩٠–١٣٤٩ تقريبًا) ومثل «باركلي» في العصور الحديثة (١٦٨٥–١٧٥٣) ومثل طائفة من جماعة الوضعيين المنطقيين في الفلسفة المعاصرة.

  • (٣)

    وفريق ثالث من الفلاسفة يذهب إلى أن الإنسان في وسْعه أن يدرك حقيقة ما غير كلمات اللغة التي يتكلمها، ويعتقد هذا الفريق أن مثل هذه الحقيقة يستحيل على اللغة أن تعبر عنها، ومع ذلك ترى مدركيها يكتبون عنها ويتكلمون على الرغم من اعترافهم بأن الكتابة والكلام لا يجديان في نقلها إلى القارئ أو إلى السامع، اللهم إلا على سبيل الإيحاء، وهؤلاء هم المتصوفة والفلاسفة الذين يأخذون بالإدراك الحدسي مثل برجسون.

ولسنا في هذا المقام بصدد تحليل هذه الآراء الثلاثة في اللغة، ودلالتها أو عدم دلالتها على حقيقة الواقع الخارجي الذي هو من طبيعة غير طبيعة اللغة، ولكن الذي يعنينا هنا هو أن نضع جابرًا في موضعه من مذاهب الفلسفة اللغوية، فهو من القائلين بأن طبيعة اللغة بأحرفها وكلماتها وجملها تشفُّ عن طبائع الأشياء؛ فدراسة الاسم هي في الوقت نفسه دراسة للمسمَّى، كما سنرى تفصيلًا فيما بعد.

يقول ابن حيان: «إن تركيب الكلام يلزم أن يكون مساويًا لكل ما في العالم من نبات وحيوان وحجر.»٢ ولو حلَّلنا هذه العبارة تحليلًا وافيًا، لكشفَت لنا وحدها عن وجهة نظر منطقية تُحدِّد موقف ابن حيان إزاء اللغة وعلاقتها بعالَم الأشياء، وهو موقف جد شبيه بفرع من فروع المنطق الحديث الذي يأخذ به فتجنشتين٣ وبرتراند رسل وغيرهما من فلاسفة التحليل في عصرنا الحاضر؛ ومؤداه أن كلمات اللغة هي ضرب من التصوير، بل إنها قد كانت تصويرًا فعليًّا في بعض الكتابات القديمة، ولئن اخترعت أحرف الهجاء تيسيرًا لتركيب الصور التي نصور بها الأشياء، لسهولة حلِّها وجمعها في صور لا نهاية لعددها، فإن ذلك لم يسلب من الكتابة قوتها التصويرية؛ فلا فرق من حيث الجوهر بين أن ترسم شجرة وترسم طائرًا على أحد فروعها، وبين أن تكتب هذه العبارة: «الطائر على الشجرة»، فهذه العبارة — لو أمعنت فيها النظر — هي «صورة»، فكلمة «الشجرة» تنوب عن صورة الشجرة، وكلمة «الطائر» تنوب عن صورة الطائر، وكلمة «على» تنوب عن العلاقة التي تصل الطائر بالشجرة لو صورناها بصورة تعكس الواقع عكس المرآة، وما دامت الكتابة في حقيقتها «تصويرًا» للواقع، وجبَ أن نحاسب المتكلم أو الكاتب على هذا الأساس، فنطالبه — منطقيًّا — بأن يرسم بكلامه صورًا للواقع، والكلام الذي لا يرسم مثل هذه الصور لا يكون ذا معنى ولا يقوم بمهمة الكلام التي خُلق الكلام أساسًا من أجلها. ولو كانت لنا اللغة المنطقية الكاملة لوجدنا تراكيبها — كما ورَد في عبارة ابن حيان السالف ذكرها — «مساوية لكل ما في العالم من نبات وحيوان وحجر».

(٢) محاورة أقراطيلوس

كان من أهم الأسس التي اعتمد عليها جابر بن حيان في فهمه للطبيعة، أساس اللغة وتحليلها؛ فعن طريق معرفتنا بالحروف والكلمات وما لها من طبائع وخصائص، نعرف طبائع الأشياء وخصائصها، ولم تكن هذه الفكرة وليدة جابر، بل إن لها لجذورًا قديمة تضرب في أعماق الماضي حتى تَصِل إلى عصور السحر والكهانة؛ حيث لم تكن الكلمات والحروف رموزًا اصطلح عليها اتفاقًا، بل كان لها مشاركة في طبيعة الأشياء التي يُرمز إليها بها، وعن طريق الاسم تستطيع أن تفعل بالمسمَّى ما شئت مستعينًا بوسائل معينة.

فلئن كنَّا اليوم قد فرغنا تمامًا من مشكلة اللغة: أهي مجرد رموز متفق عليها اصطلاحًا، أم هي ذات طبيعة تشارك بها طبيعة الأشياء، فلم يكن الأمر كذلك فيما مضى، بل كان للموضوع وجهتان من النظر، سجَّلهما أفلاطون في محاورة «أقراطيلوس» بصفة خاصة، كما تعرَّض لهما في محاورات أخرى، مثل ثيتاتوس وطيماوس، وعلى الرغم من أن جابر بن حيان قد نسَّق الموضوع تنسيقًا فريدًا خاصًّا به، من وجهة النظر التي أخذ بها في أمر اللغة ودلالتها على الأشياء، إلا أننا لا نشك في أن التراث الفلسفي اليوناني قد كان معروفًا يؤثر في الفكر الإسلامي بطريق مباشر حينًا وغير مباشر حينًا آخر.

وفيما يلي موجز لمحاورة أقراطيلوس، التي عرفها العرب منقولة بترجمة حنين بن إسحاق عن الصورة المشروحة التي تناولها بها جالينوس، وللفارابي في كتابه عن فلسفة أفلاطون تعليق على محاورة أقراطيلوس هذه؛ إذ يقول إن أفلاطون قد: «فحص … هل تلك الصناعة هي صناعة علم اللسان، وهل إذا أحاط الإنسان بالأسماء الدالة على المعاني على حسب دلالتها عند جمهور تلك الأمة التي لها ذلك اللسان … يكون قد أحاط علمًا بجواهر الأشياء، وحصل له بها ذلك العلم المطلوب؛ إذ كان أهل هذه الصناعة يظنون بأنفسهم ذلك، فبيَّن أنه لا تعطي هذه الصناعة ذلك العلم أصلًا … وهذا في كتابه المعروف بأقراطلس.»٤

وموضوع محاورة أقراطيلوس (أو أقراطلس) هو نشأة اللغة: هل الأسماء دالة على مسمياتها «بطبيعتها» وبحكم خصائص نابعة من الرمز اللغوي نفسه تجعله ملائمًا للشيء المرموز إليه به، أم أنها تكتسب قوتها الدلالية بحكم «الاتفاق» الذي يصطلح عليه الناس في عملية التفاهم؟ فإن كانت الأولى، كان لا مندوحة لنا عن اسم معين للشيء المعين، وإن كانت الثانية كان أمرُ الاختيار متروكًا لنا، وكان الأمر جزافًا.

يأخذ أقراطيلوس بوجهة النظر الأولى، ويأخذ هيرموجنيس — في المحاورة — بوجهة النظر الثانية، فيقول أقراطيلوس بأنه ما لم نُطلق على الشيء اسمه الصحيح الطبيعي الوحيد، فنحن بمثابة مَن لا يسميه إطلاقًا، حتى لو اتفق الناس جميعًا على اسم يختارونه له ويُطلقونه عليه، فيرد هيرموجنيس بأن أيَّ اسم يتفق أصحاب اللغة على إطلاقه على شيء ما كان اسمًا له، وليس في طبائع الأشياء ما يحتِّم اسمًا دون اسم سواه؛ ويُسأل سقراط عن رأيه في هذا النزاع، فيقول إنه ليس خبيرًا باللغة واستعمالها الصحيح، ولو أدلى في الأمر برأيٍ فسيكون رأيًا مستمدًّا من البداهة الفطرية.

والحق أن هذا الاختلاف في وجهة النظر إلى اللغة، إن هو إلا وجه من عدة وجوه لاختلاف أكبر وأوسع، يُقابَل فيه بين «الطبيعة» من ناحية و«الأوضاع الاجتماعية» من ناحية أخرى، وهو اختلاف شمل عصر «بركليس» في يونان القديمة شمولًا لم يكَد يترك مسألة إلا أدخلها في هذه المقابلة: أيستند الإنسان في حياته الأخلاقية والسياسية والفكرية إلى فطرة الطبع، فتحكمه قوانين الطبيعة كما تحكم كل شيء، أم يستند إلى تقاليد المجتمع وأوضاعه كائنة ما كانت؟

على أن الهدف الرئيسي للمحاورة ليس هو نشأة اللغة، بل هو المهمة التي تؤديها؛ فلو كانت اللغة تؤدي مهمَّتَها على الوجه الأكمل لوجب أن تلتزم قواعدَ وأصولًا، مع أننا لو أخذنا بوجهة النظر القائلة إن اسم الشيء هو ما يصطلح الاتفاق عليه جزافًا، لأدَّى بنا ذلك إلى موقف تُسلَب فيه اللغة من أصولها وقواعدها الثابتة، مما لا يتفق مع حقيقتها كما هي قائمة فعلًا.

لقد بدأ هيرموجنيس عَرْض رأيه — في المحاورة — في شيء من الإسراف، فبالغ في قوله إن اللغة جزافٌ واعتساف، قائلًا إنه لو أراد هو أن يُطلق اسمًا على شيء ما، أصبح هذا الاسم اسمًا للشيء عنده هو، حتى لو خالف به كلَّ المتحدثين باللغة؛ فلو أطلق اسم «حصان» على ما قد اتفق بقية الناس على تسميته «إنسانًا» لأصبحت كلمة «حصان» هي الاسم الصحيح في لغته هو الخاصة، كما أن اسم «إنسان» هو الاسم الصحيح للكائن نفسه عند سائر الناس.

وهنا تنشأ مسألة شائكة، وهي: الاسم جزء من جملة، والجملة من الجمل تكون إما صادقة وإما كاذبة؛ فهي صادقة إذا حكَت عن واقع حقيقي، وكاذبة إذا كانت على خلاف ذلك، لكننا إذا قلنا عن الجملة الواحدة أو عن الفكر المؤلَّف من عدة جمل إنه إما صادق وإما كاذب، فكذلك ينبغي أن تكون الحال بالنسبة إلى كل جزء من أجزاء الجملة؛ فكل جزء من أجزاء جملة صادقة لا بد أن يكون بدوره صادقًا، فكيف يكون الصدق أو الكذب بالنسبة إلى الكلمة الواحدة إلا إذا افترضنا بأن هنالك من الكلمات ما هو صحيح بطبيعته وما هو مغلوط بطبيعته؟ وإن سقراط لَيُدلي في هذا الموضع من المحاورة برأي سديد؛ إذ يقول: إن اللغة نشاط «اجتماعي» فهي في أساسها أداة للتفاهم بين عدة أفراد في مجتمع واحد؛ فلو أطلقتُ أنا وحدي اسمًا على شيء ما، ثم زعمت أنه الاسم الصحيح بالنسبة لي، على الرغم من اختلافه عمَّا قد تواضع الناس عليه في تسمية ذلك الشيء، لما أدَّت اللغةُ عندئذٍ مهمَّتَها الاجتماعية؛ وبهذا جاز لنا أن نقول عن اسم ما إنه باطل حين نقصد بالبطلان أنه يعوق عملية التفاهم.

على أن هذا الرأي يُبطل أن تكون الأسماء من وضْعِ فردٍ واحدٍ يضعها لاستعماله الخاص، لكنه لا يُبطل أن تكون الأسماء من وضعِ جماعة بعينها، وأنه لا فرق بين اتفاق واتفاق، فلا فرق بين لغة اليونان ولغة الهمج، ما دامت كلٌّ منهما اتفاقًا يسري بين أبنائها؛ وإن تعدُّدَ اللغات في شعوب الأرض لهو وحده دليلٌ كافٍ على أن اللغة إن لم تكن مقصورةً على اصطلاح الفرد الواحد بينه وبين نفسه، فهي اصطلاح تصطلح عليه كلُّ جماعة على حدة.

لكنه إذا كانت أسماء الأشياء مرهونة بأي اتفاق شاءت الجماعة أن تتواضع عليه، فليس الأمر كذلك بالنسبة لحقائق الأشياء ذاتها. نعم إن بروتاجوراس قد ذهب إلى أن حقيقة أي شيء هي أمر نسبي يختلف من شخص إلى شخص حسب طريقة إدراك الشخص المعين للشيء، لكننا نغضُّ النظر الآن عن مثل هذا الرأي، ونقرِّر أن حقائق الأشياء ثابتة، وليست هي بالأمر المرهون باتفاق الناس واصطلاحهم؛ لكن أليست ضروب الفاعلية الإنسانية هي من بين الأشياء؟ وإن كانت كذلك، ألَا يكون لها «طبيعة» خاصة بها و«حقيقة» ثابتة لها؟ إننا إذا أردنا أداء فعل معين يحقِّق هدفًا معينًا، لم يكن لنا الاختيار في طريقة أدائه ولا في الأداة التي نستخدمها في فعله؛ بل يتحتَّم علينا أن نراعيَ طبيعة الشيء الذي نصبُّ عليه الفعل، كما نراعي نوع الأداة المستخدمة؛ فشقُّ الخشب مثلًا له طريقة خاصة وأداة خاصة، وهكذا؛ لكن «الكلام» عن الأشياء، وإطلاق «أسماء» على الأشياء هو ضربٌ من الفاعلية ولا شك؛ وإذن فليس هو متروكًا لنزواتنا وأهوائنا، بل هو ملزم باصطناع طريق خاص وأداة خاصة، فإذا أسمينا شيئًا، تحتَّم علينا أن نراعيَ طبيعة ذلك الشيء وأن نراعيَ في الوقت نفسه طبيعة الأداة — أي الاسم الذي نُطلقه — حتى تتفق الطبيعتان معًا.

إن المادة الخامة التي نصوغ منها الكلمات هي الحروف والمقاطع، فلتكن هذه المادة الخامة ما تكون، ما دامت تُمكِّننا من صياغة الكلمة التي تصلح أداةً للشيء الذي تسميه؛ فالأمر هنا شبيهٌ بالنجار يصنع مغزلًا لغزَّال، فعليه وهو يَنجُر الخشب أن يضعَ نُصْبَ عينَيه طبيعةَ الغزل لكي تجيء الأداة صالحة لها، وله أن يتخذ أيَّ مادة يختار، ما دام هذا الهدف نُصْب عينَيه، وكذلك الأمر في اللغة؛ فواضعها له الحق في اختيار ما شاء من الحروف والمقاطع، ما دام يضع نُصْب عينَيه طبيعة الأشياء التي تُوضع اللغة لها؛ وهذا يفسِّر تعدُّدَ اللغات، مع اشتراكها جميعًا في كونها لغاتٍ طبيعيةً تتفق مع طبائع الأشياء، كما يفسر تفاوت اللغات في قوة الأداء، فأكملها هي أقربها إلى مسايرة الأشياء على طبائعها الحقيقية، وإذن فقد كان أقراطيلوس على صواب في وجهة نظره عن اللغة، وكان هيرموجنيس على خطأ.

(٣) الحروف وطبائع الأشياء

كان عالِمنا الفيلسوف جابر بن حيان على نفس الرأي الذي عبر عنه أقراطيلوس، من أن اللغة مسايرة للطبائع، فهو في ذلك يقول: «انظر إلى الحروف كيف وُضعت على الطبائع، وإلى الطبائع كيف وُضعت على الحروف، وكيف تنتقل الطبائع إلى الحروف والحروف إلى الطبائع.»٥ والمعنى واضح، فلكل حرف ما يقابله من طبائع الأشياء.
ولا يقف جابر — بالطبع — عند هذه التعميمات التي لا تُفيد كثيرًا، بل يُوغل في التفصيل الذي سنورد بعضَه ونُهمل بعضَه مضطرين لضيق المقام، ونسبق ترتيب الكتاب لنقول في هذا الموضع: إن موجودات الطبيعة هي إما حيوان وإما نبات وإما حجر، وهذه مركَّبة كلها من العناصر الأولية الأربعة: النار والهواء والماء والأرض، وكل عنصر من هذه العناصر يتألَّف من اتحاد اثنتين من الكيفيات الأربع: الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة؛ فمن الحرارة واليبوسة معًا تتكوَّن النار، ومن الحرارة والرطوبة معًا يتكوَّن الهواء، ومن البرودة واليبوسة معًا تتكوَّن الأرض، ومن البرودة والرطوبة معًا يتكوَّن الماء؛ فإذا عرفنا أيُّ الحروف دالٌّ على هذه الكيفية أو تلك، عرفنا بالتالي الحروف الدالة على العناصر الأربعة، وعرفنا أخيرًا الحروف الدالة على مختلف الطبائع. ويقسم جابر الحروف الثمانية والعشرين إلى مجموعات أربع، يجعل كلَّ مجموعة منها مقابلة لإحدى الكيفيات الأربع على الوجه الآتي:
  • الحرارة: أ ﻫ ط م ف ش ذ.
  • البرودة: ب و ي ن ص ت ض.
  • اليبوسة: ج ز ك س ق ث ظ.
  • الرطوبة: د ح ل ع ر خ غ.٦

على أن هذا تقسيم كيفي للطبائع من جهة وللحروف التي تقابلها من جهة أخرى، ولكنه لا بد إلى جانبه من معرفة كمية للمقادير التي تتفاوت بها هذه الكيفيات في تركيبها للأشياء، وما يقابلها من دلالات كمية للحروف المختلفة، فما كل حرف ككل حرف آخر في قوته، ونترك التفصيل في هذه النقطة الآن لنعود إليها عند الحديث على نظريات ابن حيان في علم الكمياء.

وقد أسمى جابر كتابَه الذي أخذ يوازي فيه بين الحروف والطبائع «كتاب التصريف» تشبُّهًا بما يسميه النحويون تصريفًا؛ إذ لا فرق في حقيقة الأمر بين تصريف الكلمات وتصريف طبائع الأشياء، حسب النظرية التي نحن الآن بصدد بسطها؛ فلو شاء العالم أن يحوِّل شيئًا ما ليصيِّرَه شيئًا آخر، فليدرس الأسماء وتصاريفها أولًا، لينتج له من هذه الدراسة كيف يكون طريق السير في تحويل الأشياء بعضها إلى بعض. يقول جابر: إنه لما كان «الكلام كله على الحروف، ولا كلام إلا بتأليف الحروف، لم يكن بدٌّ من أن يقع في الطبائع مثل ذلك، فحقيق أن يكون تصريفُ الطبائع كتصريف الحروف.»٧
قلنا إن الأصل الذي تكوَّنت منه الموجودات كافة هو الكيفيات الأربع: الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة؛ لكن هذه الكيفيات محالٌّ أن تقوم الواحدة منها على حدة بمعزل عمَّا عداها؛ ولذلك كان لا بد من اتحادها اثنتين اثنتين على الأقل؛ فالحرارة لا تكون وحدها أبدًا، بل لا بد أن تمتزج بها، أما اليبوسة وبهذا تتكوَّن النار، وأما الرطوبة وبهذا يتكوَّن الهواء، وكذلك البرودة لا تكون وحدها أبدًا، بل لا بد أن تمتزج بها، أما اليبوسة وبهذا تتكوَّن الأرض، وأما الرطوبة وبهذا يتكوَّن الماء، فما الذي يقابل هذا في اللغة؟ يقابله أن الحرف الواحد المعزول عما عداه محالٌ على النطق٨ ويكون في حكم المعدوم من الناحية اللغوية، «فنحن لا نقدر أن نتكلم بحرف واحد حتى نضيفَه إلى حرف آخر، كذلك لا يمكننا وزن طبع واحد إلا بإضافته إلى طبع آخر ليتبيَّن»٩ «فكما أن الشيء الواحد لا يكون على أقل من عنصرين (من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة) أو ثلاثة، ولا يكون على واحد … «فكذلك» قولنا كلمة ما، مثل محمد وجعفر وغير ذلك من الأسماء، لا يكون إلا بتراكيب الحروف، وقد تكون كلمة من حرفين وثلاثة وأكثر من ذلك وأقل، إلا أن كلمة لا تكون من حرف واحد … لأنه لا تكون كلمة أقل من حرفين: حرف النطق وحرف الاستراحة؛ فقد وجب أن يكون تركيب الحروف كتركيب الطبائع في سائر الموجودات.»١٠ ويقول جابر أيضًا: «كما أن النحويِّين يعالجون تصريف الكلمات فيردونها إلى أحرفها التي منها نشأت، فكذلك للفلاسفة تصريفٌ خاصٌّ بهم.»١١ إذ هم يردُّون الأشياء إلى بسائطها؛ فعلم النحو وعلم الطبيعة يتبعان منهجًا علميًّا واحدًا.

ولا أحسبني أُسرِف في التأويل والتخريج إذا قلت إن هذا المنهج بعينه هو الطابع المميز لإحدى مدارس المنطق المعاصرة، وهي مدرسة برتراند رِسل المعروفة باسم «الذَّرِّية المنطقية»، وخلاصتها أن العالم الطبيعي من ناحية يقابله عالَم اللغة من ناحية أخرى، وأنه إذا كان علم الطبيعة الذرِّي قد فتَّت الأشياءَ وحلَّلها إلى ذرَّات، كل ذرَّة منها مكوَّنة من كهارب، فعِلْم المنطق الذرِّي هو الذي يقابله في عالَم اللغة، وإذن فالطريق الصواب هو أن يفتِّت اللغة ويحلِّلها إلى ذرَّات بسيطة، يستحيل تحليلها إلى ما هو أبسط منها على الرغم من أن كل ذرَّة منها قد تكون مؤلَّفة من أكثر من مقوم واحد، وهذه الذرات المنطقية هي ما يسمونه بالقضايا البسيطة أو القضايا الذرية. لكن حذار أن نفهم كلمة «الذرَّة» وكلمة «الذرِّي» هنا بالمعنى المادي، وإلا لفاتنا فهمُ الطبيعة والمنطق المعاصرَين، كما يفوتنا أيضًا فهمُ جابر على حدٍّ سواء؛ إنما الذرَّة والذرِّية هنا معناهما لا مادي؛ فالذرَّة في علم الطبيعة الحديث قوامها طاقة، وكذلك القضايا الذرية في منطق برتراند رِسل لا يُوصل إليها إلا بالتجريد، فهي لا تَرِد في الحديث والكتابة أبدًا؛ لأن كل ما يَرِد في الحديث والكتابة قضايا مركَّبة يمكن تحليلها بالعقل وحده إلى البسائط التي منها تتكوَّن، وكذلك الأمر في فلسفة جابر بن حيان؛ فهو ذريٌّ بالمعنى الحديث لكلمة الذرَّة وكلمة الذريَّة، لا بمعنى الذرَّة عند ديمقريطس مثلًا، وهو المعنى الذي يجعل من الذرَّة جسمًا ذا حيِّز وأبعاد؛ فيكفي أن تتذكَّر أن جابرًا يَحِلُّ الطبيعة إلى كيفيات أربع: الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة، وأن هذه الكيفيات أمور مجردة لا وجودَ للواحدة منها في الطبيعة وجودًا مفردًا. أقول إنه يكفي ذلك لتعلُّم أنه حين يردُّ الطبيعة إلى بسائطها فلا يرتد إلى بسائط مادية بالمعنى الضيق لهذه الكلمة، وكذلك حين يُحلل اللغة التي هي القسيم المقابل للطبيعة، فإنما يُحللها إلى أحرف، والحرف الواحد — كما أسلفنا — مستحيل على النطق وهو مفرد وحده، ولا وجود له من الناحية اللغوية إلا على سبيل التجريد العقلي.

فهنالك أشياءُ في عالم الطبيعة ثم تصوُّرٌ لها ولعناصرها في العقل، ثم النطق تعبيرًا عما قد تصوره العقل، ثم كتابة هذا الذي نطقنا به؛ أربع خطوات في مرحلة واحدة، أو أربع حلقات في سلسلة واحدة، كل حلقة منها تُعيد مضمون الحلقة السابقة في صورة أخرى، لكن جوهر المضمون واحد، وإذن فمسافة الخلف ليست بعيدة بين الشيء الخارجي في طبيعته، وبين الكلمة المنطوقة أو الكلمة المكتوبة الدالة على ذلك الشيء في طبيعتها. يقول جابر: «إن الأشياء كلها تُقال على أربعة أوجه: الأول منها أعيان الأمور وذواتها وحقائقها؛ كالحرارة في ذاتها والبرودة في ذاتها، وإن كانَا غير موجودين لنا، ثم تصوُّر ذلك بالعقل … ثم النطق به … وذلك بتقطيع الحروف … ثم كتابتها.»١٢ ويقول أيضًا في هذا المعنى نفسه: قالت الفلاسفة بأن الكتابة دالة على ما في اللفظ المنطوق، واللفظ دالٌّ على ما في الفكر، وما في الفكر دالٌّ على ماهية الأشياء.١٣

(٤) ميزان الحروف

لو بلغت اللغة حدَّ كمالها المنطقي — هكذا قال جابر بن حيان، وهكذا يقول رودلف كارناب أمام الوضعية المنطقية اليوم١٤ — لجاءت مفرداتها مقابلة تمام المقابلة لما في الطبيعة من أشياء بما لها من صفات وما بينها من علاقات، بحيث لا تدل الكلمة الواحدة إلا على مقابل طبيعي واحد، كما أنه لا يقابل الشيء الواحد في الطبيعة إلا كلمة واحدة في اللغة، فعندئذٍ لا تجد كلمة تدل على أكثر من مسمًّى واحد، كما لا تجد شيئًا واحدًا يُشار إليه بإحدى كلمتين على حدٍّ سواء؛ في مثل هذه اللغة الكاملة منطقيًّا لا يكون ازدواج معنًى ولا يكون غموض، وفي هذا نفسه يقول جابر بن حيان: «إن المسمِّي للأشياء بهذه الأسماء قد ترك أشياء كثيرة بلا أسماء البتة، وسمَّى أشياء كثيرة باسم واحد، وسمَّى شيئًا واحدًا بأسماء كثيرة، فقال في السيف: السيف والصمصام والباتر والحسام وأمثال ذلك، وجعل في الأول كاسمِ العين دالًّا على معانٍ كثيرة؛ كالعين المبصرة وعين الماء وعين الشمس وأمثال ذلك.»١٥

ويلاحِظ جابر أن اللغة كما هي قائمة لا تجعل الأسماء وفاق المعاني وبقدر عددها؛ إذ يزيد فيها مقدار المعاني على مقدار الأسماء زيادة كبيرة.

وإن جابرًا ليتصور الأمر على نحو ما يتصوره فلاسفة التحليل في عصرنا هذا؛ إذ يشترط — لكي يكون للكلام معنًى — أن يكون له مقابل في الطبيعة، فهو يقول: «الأشياء كلها تنقسم قسمين: إما نطق وإما معنًى (= إما كلام وإما مدلولاته)، والكلام الذي لا معنى تحته فلا فائدة فيه.»١٦

بل إنه كذلك ليتفق مع فلاسفة التحليل المعاصرين في حقيقة بالغة الأهمية، ألا وهي أن رجل الفكر العلمي والفلسفي لا يعنيه من اللغة إلا ما كان منها ذا قسيم مقابل في جانب الطبيعة الخارجية، أعني أن يكون مخبرًا بخبر ما عن شيء ما في العالَم الخارجي؛ وذلك لأن من اللغة تركيبات ينطق بها صاحبها لا ليُنبئ سامعه بنبأ عن أشياء الدنيا المشتركة بينهما، بل ليعبِّر له عن حالة وجدانية تضطرب بها نفسُه من داخل؛ كأن يتوجع أو يتمنَّى أو أن يأمر وينهَى. والحق أن رجال المنطق العقلي منذ نشأَ هذا المنطق لم يَفُتْهم أن يضعوا هذه الحدود التي تفرِّق بين ما هو فكر وما ليس هو بفكر، حين قالوا إن وحدة الفكر هي «القضية» والقضية هي ما يجوز أن يُقضى فيها بحكم عليها إما بأنها صادقة وإما بأنها كاذبة؛ وبطبيعة الحال لا يكون الصدق أو الكذب ذا معنى مفهوم إلا إذا وصف به نبأ يقرر به صاحبه تقريرًا ما عن شيء ما، أما إذا تمنَّى أو أمَر أو نَهى أو صرخ صرخةَ ألم أو ضحك ضحكة مسرور، فليس هذا مما يقال عنه إنه صدق أو كذب. وبعبارة مختصرة، لا يكون الكلام تفكيرًا علميًّا وفلسفيًّا إلا إذا كان أحكامًا على أمور الواقع، وأما ما كان منه تعبيرًا عن ذات النفس من داخل فهو أدب وفن وليس علمًا ولا فلسفة.

هذا المعنى نراه في قول جابر عن أقوال اللغة إنها مما لا تدخل في اختصاص الفلاسفة إذا كانت أمرًا أو نهيًا أو طلبًا أو تمنِّيًا أو ما إلى ذلك؛ وأما إذا كانت تحمل خبرًا ففيها عندئذٍ الفائدة العظمى، «وقد ينقسم القول إلى المبتدأ والخبر؛ وأما الخبر فهو الذي فيه الفائدة العظمى … وهو الذي يحتمل الصدق والكذب، وفيه تُدفَن العجائب من الكلام، من المحال والحق؛ ومن لم يحسن يقين الأخبار، ويقايس بعضها ببعض، فإنه عَرِيٌّ من علم الفلاسفة والفلسفة …»١٧ «ونقول أيضًا في الشعر والبلاغة الخطبية، إنه لا فائدة من علومنا فيها ولكنها نافعة في مواضع أُخَر من ترتيب الحروف نفسها.»١٨ — وهذه تفرقة من جابر بن حيان كانت وحدها تكفي لنُحيِّيه عالِمًا فيلسوفًا له من دقة التحليل والتمييز ما يحاول بلوغَه أصحابُ مدرسة التحليل المعاصرة التي ينتمي إليها مؤلِّف هذا الكتاب.

نعود فنقول إنه لو بلغت اللغة حدَّ كمالِها المنطقي، لجاءت كلماتُها مساوية لأشياء العالم الخارجي، ثم لجاءت أحرف الكلمات مقابلة لطبائع تلك الأشياء — ونحن نتكلم الآن بلسان ابن حيان — فلا زيادة فيها ولا نقصان؛ لكن الذي يحدث فعلًا في اللغة القائمة المتداولة هو أنها بعيدة عن هذا الكمال، فكلمات زادت حروفها عن الأصل المطلوب، وكلمات أخرى نقصت حروفها عن الأصل المطلوب، وإذن فالخطوة الأولى التي يتحتم علينا البدء بها، إذا أردنا أن نستشفَّ طبائع الأشياء الخارجية من أسمائها في اللغة، هي أن نُسقط الزوائد من الكلمة إن كان فيها زوائد، أو أن نُضيفَ النواقص إن كان فيها ما هو محذوف.

لكننا لكي نحذف أو نضيف، ينبغي أولًا أن نستوثق من أصول الكلمات ما هي، ومن الأحرف الزائدة ما هي؛ فأما الأحرف الزائدة فهي عشرة، وهي: الهمزة، واللام، والياء، والواو، والميم، والتاء، والنون، والسين، والألف، والهاء — وهي حروف يجمعها قولك: «اليوم تنساه».

ويفصل جابر القول في هذه الأحرف الزائدة، فيقول:١٩ «أما الميم واللام فمخصوص بهما الاسم، واللام يصحبها الألف وهما للتعريف … وتزاد اللام أيضًا في «الذي» … أما الميم فإنها تزاد في مَكْرُم ومُستَضْرَب وما شاكل ذلك …»
وأما الهمزة فتزاد في أحمد وأفضل وهما اسمان، وفي أحْسَنَ وأكرَمَ وهما فعلان؛ وإنما نريك ذلك — وليس مقصدنا تعليمك النحو — لأن من الأحجار والعقَّار والحيوان ما يقع اسمه كالاسم وما يقع اسمه كالفعل، فنريك الحروف التي هذه زائدة في الأفعال وزائدة في الأسماء؛ أو زائدة في الأسماء وأصلية في الأفعال، أو أصلية في الأسماء وزائدة في الأفعال، ليُحكم على كل شيء بحكمه، والياء تزاد في «يَعمَلُ»٢٠ وهو اسم، وفي «يَضْرِبُ» وهو فعل، والواو تزاد في «جوهر» وهو اسم، وفي «حوقَلَ» وهو فعل، والتاء تزاد في «تنضُبُ» وهو اسم، وفي «تضرب» وهو فعل، والنون تزاد في «نرجس» وهو اسم، وفي «نضرب» وهو فعل، والسين تزاد في «مُسْتَضرَب» وهو اسم وفي «اسْتَضْرب» وهو فعل، والألف تزاد في «مُضارِب» وهو اسم، وفي «ضارَبَ» وهو فعل، والهاء تزاد في «قائمة» وهو اسم، وفي «ارْمِهْ» وهو للموقف.
ويضرب لنا جابر أمثلة كثيرة لأسماء مواد يراها هامة في تركيب الدواء، ليبيِّن لنا أيها نَعدُّه أصيلًا لا زيادة فيه، وأيها فيه الزيادة حتى نعمد إلى حذفها قبل أن نحسب ميزان الحروف، وهو ما نستدل به على طبيعة الدواء المستخرج من المادة المحسوب قدرها بهذا الميزان؛ ومن قبيل كلامه في هذا الباب قوله:٢١ «ينبغي أن تعلم أن الإثمد سالمٌ ما لم تدخله الألف ولام التعريف، وكذلك الأبهل من النبات؛ فأما الأقاقيا فتسقط الألف الثانية والأخيرة؛ فينبغي أن يوزن على أنه أ ق ق ي، وأما النحاس والأنزروت فإنهما سالمان إذا سقط منهما الألف ولام تعريف، وكذلك الذهب والكبريت، وأما الفضة فتحذف منها كذلك تاء التأنيث … إلخ» وبعد أن يذكر لنا جابر قائمة طويلة من الأسماء على هذا النحو، يختم الحديث بقوله: «ولولا أن يطول الكتاب ويسخف، لأثبتنا فيه — كما أثبتنا في كتاب النبات وكتاب الأحجار وكتاب الحيوان — من تعديد ما فيها من أنواعها كلها، ولكن مِلْنا إلى التخفيف وقد علَّمناك وجه القياس فيه.»٢٢
وهو — بالطبع — إذ يقرر الأحرف الزائدة في الكلمة، فإنما يقرر ذلك بعد معرفة مبنى الكلمة في أصلها واشتقاقها؛ ففي الذهب والفضة — مثلًا — يقول: «… فمعلوم أن الذهب أصل؛ إذ هو بريء من «الزوائد»، وصار هجاء الفضة «فضَّى»؛ إذ الهاء إنما دخلت للتأنيث ولا ذكر لها.»٢٣ وعن البنية الأصلية للكلمات يقول: «ومبنى الكلام المنطوق به كله على ثلاثة أوضاع: ثلاثي؛ كقولك جَمَل، ورباعي؛ كقولك جعفر، وخماسي؛ كقولك جحمرش … أما الثلاثي فإنه ينقسم من قِبَل طبعه اثنَي عشر قسمًا، وهي: إما فَعِل متحرك العين؛ كقولك مَلِص، وإما فُعْل ساكن العين؛ كقولك بُعْد، وإما فَعَل كقولك جَمَل، وإما فِعْل كقولك مِلْك، وإما فُعَل كقولك جُرَذ، وإما فَعُل كقولك سَبُع، وإما فَعْل كقولك ضرب (… جزء محذوف من المخطوط …) هذا من الفُعِل ولم يَرِد شيء من الأسماء على وزنه، وأما فِعُل فليس ينطق به، فذلك في الثلاثي.»

«وأما الرباعي فإنه ينقسم على خمسة أنواع، وهي: إما فَعْلَل كقولك جعفر، وإما فِعْلِل كقولك زِبْرِج، وإما فُعْلُل كقولك صُبْرُج، وإما فِعْلَل كقولك دِرْهَم، وإما فِعَلْل كقولك قِمَطْر، فهذا في الرباعي.»

«والخماسي يكون على أربعة أمثال، وهي: فَعْلَلِل مثل جحمرش، وعلى فَعَلْلَل مثل خَزَعْبَل، وعلى فِعْلَلْل مثل جِرْدَحْل، وعلى فُعَلْلَل مثل قُذَعْمَل».٢٤
فقد تتفاوت أسماء الأشياء في عدد حروفها، لكن أصولها تكون على واحد من الأوضاع الثلاثة السالف ذكرها. يقول جابر: «إنه لا يخلو الشيء المحتاج إلى معرفة وزنه من أن يكون على حرفين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة أو ثمانية أو تسعة أو عشرة؛ وما أقل ما يقع شيء من العشرة أو التسعة، ولكنَّا ذكرناه استظهارًا واحتراسًا من ذم الطاعنين أن ذلك إنما عملناه على حسب الهوى والعادة، ولسنا نفعل ذلك في علم من العلوم، ولكن على ما يوجبه حكم النظر وصحة التفتيش والقياس الغير مضطرب ولا مشوب بإهمال النظر …»٢٥ — وفي هذه الفقرة ما يدل على دقة جابر وعلى حرصه في البحث والنظر؛ ويهمنا أن نلفتَ نظرَ القارئ إلى دفْعه عن نفسه نقيصةَ الجري في بحثه العلمي على حسب الهوى والعادة، وإلى التزامه صحةَ التفتيش والقياس الذي لا يتعرض للخطأ والإهمال.
على أن حروف الكلمة الكاشفة عن طبيعة مسمَّاها لا تتكافأ في قوتها ولا في مقدارها؛ فمن الحروف ما يدل على ظاهر الشيء ومنها ما يدل على باطنه؛ وكذلك من الحروف ما يقابل في الوزن أكثر من غيره. يقول جابر: «… إن في الحروف الواقعة على الأدوية وغيرها من الثلاثة الأجناس (النبات والحيوان والحجر) ما يُنبئ عن باطنه ولا يُنبئ عمَّا في ظاهره، وفيها ما هو بالعكس؛ مثل أن يُنبئَ عمَّا في الظاهر ولا يدل على الباطن، وفيها ما يوجد جميعًا فيها، وفيها ما يدل على ما فيها (ظاهرًا وباطنًا) وزيادة تحتاج إلى أن تُلقَى ويُرمَى بها، كما يحتاج الناقص إلى أن يتم ويُزَيَّد …»٢٦
هذا من حيث دلالة الحروف على الأشياء ظاهرًا، أو باطنًا، أو ظاهرًا وباطنًا معًا، أو ظاهرًا وباطنًا معًا مضافًا إليهما زيادة يُستغنى عنها، أو محذوفًا منهما ما يستوجب الإضافة لتكمل للشيء طبيعته. وأما تفاوت الحروف في موازينها فالكلام فيه طويل عريض؛ لأن أساس الصنعة عند جابر هو ضبط هذا الميزان لحروف الكلمة، لكي ينضبط بالتالي ميزان المادة التي يتناولها بالتحويل والتركيب في تجاربه؛ وحسبنا في هذا الموضع أن نقول إنه يقسم الحروف سبع مجموعات تتدرج في موازينها، ويطلق على كل مجموعة منها اسمًا يدل على منزلتها،٢٧ وذلك على النحو الآتي:
  • (١)

    مرتبة: أ ب ج د.

  • (٢)

    درجة: ﻫ و ز ح.

  • (٣)

    دقيقة: ط ي ك ل.

  • (٤)

    ثانية: م ن س ع.

  • (٥)

    ثالثة: ف ص ق ر.

  • (٦)

    رابعة: ش ت ث خ.

  • (٧)

    خامسة: ذ ض ظ غ.

على أن كل حرف في إحدى المنازل يساوي ما تحته أربع مرات؛ فالألف تساوي الهاء مكررة أربع مرات؛ والهاء تساوي الطاء مكررة أربع مرات، وهكذا؛ وكذلك الياء تساوي الواو مكررة أربع مرات، والواو تساوي الياء مكررة أربع مرات، وهكذا، وعلى هذا المنوال قِسْ بقية الحروف.٢٨
ولقد يفيدنا أن نسبق ترتيب السياق في هذا الكتاب فنقول في هذا الموضع إن الأعمدة الأربعة في القائمة التي أسلفناها هي التي تقابل الكيفيات الأربع في الطبيعة:
  • فالحرارة يقابلها: أ ﻫ ط م ف ش ذ.

  • والبرودة يقابلها: ب و ي ن ص ت ض.

  • واليبوسة يقابلها: ج ز ك س ق ث ظ.

  • والرطوبة يقابها: د ح ل ع ر خ غ.

وستكون لنا عودة إلى هذه الكيفيات عندما نتحدث عن الطبيعة ومقوماتها في الفصلَين التاليَين.

(٥) اختلاف اللغات

إذا كانت الكلمة من كلمات اللغة دالة بذاتها على طبيعة مسماها، بحيث يكفي أن تحسب حساب حروفها لتعرف ممَّ يتركَّب ذلك المسمَّى، فإن سؤالًا ينشأ لنا على الفور، وهو ما يأتي: إن لغات الناس المختلفة شعوبهم مختلفة، فليس اللسان العربي هو اللسان الناطق وحده على هذه الأرض، بل إن هنالك إلى جانبه لسانًا للفُرس وآخر للروم وهلمَّ جرًّا، فأي الكلمات في هذه اللغات المتباينة يكون هو الدال على طبيعة المسمَّى؟

وقد كان محالًا بالطبع أن تفوت هذه المشكلة على عالِم مثل جابر بن حيان؛ فتناولها بالبحث في كتابه «الحاصل»٢٩ إذ يعرض المشكلة بقوله: «إنَّا نجد الأشياء باللغات المختلفة تختلف، وإذا وجد اختلافها في الكتب، وجب اختلاف ما علَّمناك (أي ما قد ورَد في كتُبِه السابقة على كتاب الحاصل) وانتقض الأصل الذي رتَّبناه على الطبائع قياسًا بها …»

ويمضي جابر بعد ذلك يعرض على قارئه أسماءَ الأحجار الرئيسية بلغات مختلفة، فيقول: «إنَّا نجد الأحجار السبعة التي هي قانون الصنعة يعبَّر عنها باللغة العربية أنها الذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص والزيبق والأسرب؛ ووجدنا يعبَّر عنها باللسان الرومي ما يوجب نقضَ الأول أو نقض بعضه وائتلافه مع بعض في حروف وأشخاص لا في أنواع وأجناس؛ وذلك أني وجدتها يعبَّر عنها بأن يقال للذهب رصافي، وللفضة اسمي، وللنحاس هركما، وللحديد سيداريا، وللرصاص قسدروا، وللزيبق برسري، وللأسرب رو. وهذه بينها وبين العربي بَون ليس باليسير؛ إما لطول كلامها وكثرة حروفها، وإما لاختلاف مواقع الحروف بين نطق العرب بالسين والرومي بها، ولعِلَل أُخَر مما جانس ما ذكرناه؛ ووجدت هذه الأحجار باللسان الإسكندراني تخالف الاثنين — أعني العربي والرومي — أيضًا؛ وكان هذا أزيد في إيقاع الشك في نفوس المبتدئين والمتعلمين؛ وذلك أني وجدتهم يسمون الذهب قربا، والفضة كوما، والنحاس جوما، والحديد ملكا، والرصاص سلسا، والزيبق خبتا، والأسرب قدرا؛ ووجدت هذه أيضًا ربما وافقت الشيء من ذلك في الخاص لا في العام، ووجدت الفارسي أيضًا يخالف الثلاثة بأسرها؛ وذلك أني وجدتهم يدعون الذهب زر، والفضة سيم، والنحاس رو، والحديد آهن، والرصاص أرزيز كلهي، والزيبق جيبا، والأسرب أرزيز …» (هذه الكلمة الأخيرة غير واضحة في المخطوط).

«ولقد تعبت في استخراج الحميريِّ تعبًا ليس بالسهل؛ لأني لم أرَ أحدًا يقول إنه سمع مَن يقرأ به فضلًا عن أن أرى مَن يقرأ به، إلى أن رأيت رجلًا له أربعمائة سنة وثلاث وستين سنة (؟!) فكنت أقصده، وعلَّمني الحميري، وعلَّمني علومًا كثيرة ما رأيت بعده مَن ذكرها ولا يُحسن شيئًا منها — قد أودعتُها كتُبي في المواضع التي تصلح أن أذكرها فيها — وذلك إذا سمعتنا نقول: «قال الشيخ الكبير» فهو هذا الشيخ؛ وإذا قرأت كتابنا المعروف بالتصريف، فحينئذٍ تعرف فضل هذا الشيخ وفضلك أيها القارئ والله أعلم أنك أنت هو …»٣٠

«ولنَعُد الآن إلى غرضنا الذي كنَّا به وأقول: إني وجدت الحميري أيضًا أشدَّ خلفًا لسائر اللغات مما تقدم؛ وذلك أني وجدت الذهب في لغتهم — على ما علَّمني الشيخ — يُدعَى أوهسمو، والفضة هلحدوا، والنحاس بوسقدر، والحديد بلهوكت، والرصاص سملاخو، والزيبق حوارستق، والأسرب خسحد عزا، فيا ليت شِعْري كيف يصل العالم من كتب الفلاسفة في علم الموازين إلى إيضاح هذا الخلف؟ …»

لقد أوردت هذا النص الطويل لأبيِّن به كيف أن جابرًا لم يغفل عن مشكلة تعدُّد اللغات، ولأبيِّن في الوقت نفسه منهجَه العلمي في تقصِّي الأمور؛ فقد أراد أن يعلم إلى أيِّ حدٍّ تتشابه اللغات المختلفة وإلى أيِّ حدٍّ تتباين في تسميتها للشيء الواحد المعين كالذهب مثلًا، فاستعرض العربية والرومية والإسكندرانية والفارسية والحميرية؛ بل إنه بالنسبة إلى هذه الأخيرة لمَّا لم يجد أحدًا يعرفها راح يسعى حتى وجد الشيخ الذي قصَّ علينا قصته.

وقد انتهى البحث بجابر إلى أحد حلَّين: أولهما هو: «أن تمتحن الأدوية والعقاقير في العربي، ثم في الفارسي، ولسان لسان مما ذكرناه … فأيها صحَّ فالْزَمْه في سائر تدبيراتك». والحل الآخر هو أن يعمل في كلِّ عمل بلسانه.

أما الحل الأول فمقتضاه ألَّا يقصُرَ الباحثُ نفسَه على لغة واحدة، بل يختار من مختلف اللغات مجموعةَ الأسماء التي تدل التجاربُ على أنها دالةٌ على طبائع مسمياتها دلالةً واضحة؛ فلا ضير على العالِم في هذه الحالة أن يستعمل للذهب — مثلًا — اسمَه العربي، ثم يستخدم للنحاس أو الرصاص اسمَه الفارسي أو الرومي. وأما الحل الثاني فمؤداه أن يلتزم الباحث لغةً واحدةً بحذافيرها في شتى أبحاثه، وسيجد أن كلَّ لغة مكتفيةٌ بذاتها في الدلالة على طبائع الأشياء؛ لأن حقائق الأشياء ثابتة لا تتعدد بتعدُّد اللغات، لكن جابرًا يروي الرأي الثاني نقلًا عن فيلسوف لم يذكر اسمَه، ثم يرفضه؛ لأنه يرى أنه ما دامت كلماتُ اللغات المختلفة مختلفةَ البنية، فلا يعقل أن تكون كلُّها على حدٍّ سواء في الدلالة على حقائق الطبيعة، وهذه هي عبارة جابر في ذلك: «وسمعت بعض الفلاسفة من فلاسفة زماننا يقول في ذلك الوجه أن يُعمل في كل عمل بلسانه. وليس القول كما ظن هذا الرجل؛ إذ كان الحق لا يكون في وجهَين مختلفَين.»٣١
وخلاصة القول: إن الرأيَ عند «ابن حيان» في اللغة هو أنها نتاجٌ ظهَر بالطبع لا بالاتفاق العرضي؛ ولهذا فهي ذات دلالة أصيلة على حقائق مسمياتها؛ فهو يقول: «… وهل ذلك (أي كلمات اللغة) بالاصطلاح على ما جاء واتفق أو بقصد طبيعي نفساني؟ وهل ذلك عَرَض أو جوهر؟ فأقول: القول بأنها وضعٌ واصطلاحٌ وعرَضٌ خطأ؛ لأنه جوهر بالطبع لا بالوضع، لكنْ بقصد نفساني؛ لأن الأفعال النفسانية جوهرية كلها … فالحروف التي هي هيولَى الكلام ابتداعٌ نفساني».٣٢ ويقول أيضًا: «إذا كان قد ظهر أن لكلِّ شيءٍ موجودٍ فعلًا ما، فليعلم أن للإنسان خاصة أكثر الأفعال وأكبرها؛ فليعلم ضرورة أن عمله واستخراجه علم المنطق والنحو والهندسة والطب والنجوم — وإن كان موضوع كثير منها باطلًا — فإن جميع ذلك حق؛ وغير مدافع أن الكلام وتأليف الحروف وعمل أشكالها من تأليف الإنسان، إلا أنها قد وقعت بالطبع … فغير شك إذن أن الكلام ونظم الحروف له طبع ما؛ إذ كان كل موجود له طبيعة ما، وهذا موجود».٣٣
١  Russell, B., On Onquiry ints Meaning and Truth ص٣٤١.
٢  كتاب الميزان الصغير، مختارات كراوس، ص٤٤٩.
٣  Wittgenstein, L., Tractatus Logico - Philosophicus.
٤  منقول عن كتاب «جابر بن حيان» لبول كراوس، جزء٢، ص٢٣٨.
٥  كتاب التصريف.
٦  كتاب التصريف، مختارات كراوس، ص٣٩٧ — لاحظ أن طريقة اختيار هذه المجموعات هي أنه أخذ للحرارة الحرف الأول والخامس والتاسع والثالث عشر وهكذا؛ وللبرودة الحرف الثاني والسادس والعاشر والرابع عشر وهكذا، ولليبوسة الحرف الثالث والسابع والحادي عشر والخامس عشر وهكذا، وللرطوبة الحرف الرابع والثامن والثاني عشر والسادس عشر وهكذا، وترتيب الحروف هو أ ب ج د، ﻫ و ز، ح ط ي، ك ل م ن، س ع ف ص، ق ر ش ت، ث خ ذ، ص ط غ.
٧  كتاب التصريف، مختارات كراوس ص٣٩٣.
٨  المرجع السابق، الصفحة نفسها.
٩  كتاب الحاصل، ٩٦أ.
١٠  كتاب التصريف، ٩٥ب. هذه الفكرة موجودة في التراث الفلسفي اليوناني؛ فهي مشروحة بإسهاب في محاورة ثيانوس (فقرة ٢٠١ب، وفقرة ٢٠٨ﻫ)؛ ففيها يَرِد القول بأنه لا يمكن النطق إلا بمقطع مؤلَّف من حرفين أو عدة حروف، وأن الحروف المفردة لا تُنطق ولا تُعرف، «فكما أن العناصر الأولى التي منها صنعنا وصنعت الأشياء كلها لا تكون معقولة وهي فرادى فكذلك الأمر في الكلمات» — وكذلك يُشبِّه أرسطو حروف الكلمات بالعناصر الأولية في الطبيعة. (ميتافيزيقا ١٠٤١ب).
١١  كتاب التصريف.
١٢  كتاب التصريف، ١٤٠ب وما بعدها.
١٣  كتاب الخمسين، ١٣٤أ وما بعدها.
١٤  وُلد سنة ١٨٩١، وهو الآن أستاذ بجامعة لوس أنجلس بأمريكا، ومن أهم كتبه: Philosophy and Logieal Syntax.
١٥  كتاب السر المكنون، ٥٤ب وما بعدها.
١٦  كتاب إخراج ما في القوة إلى الفعل، مختارات كراوس، ص٨.
١٧  كتاب إخراج ما في القوة إلى الفعل، مختارات كراوس، ص٩-١٠.
١٨  نفس المرجع، ص١١.
١٩  الجزء الأول من كتاب الأحجار على رأي بليناس، مختارات كراوس، ص١٣٦-١٣٧.
٢٠  «يعْمَل» و«ننضُب» ليسَا من الأسماء المألوفة لنا اليوم.
٢١  نسوق هنا أمثلة قليلة، فارجع إلى التفصيل في «الجزء الأول من كتاب الأحجار على رأي بليناس» — مختارات كراوس ص١٤٦–١٥٤.
٢٢  نفس المرجع، ص١٥٤.
٢٣  نفس المرجع السابق، ص١٣٤.
٢٤  كتاب إخراج ما في القوة إلى الفعل، مختارات كراوس، ص١٢-١٣.
٢٥  كتاب الحاصل، مختارات كراوس، ص٥٢٤.
٢٦  الجزء الأول من كتاب الأحجار على رأي بليناس، مختارات كراوس، ص١٣٢.
٢٧  الجزء الثاني من كتاب الأحجار على رأي بليناس، مختارات كراوس، ص١٦٢-١٦٣.
٢٨  كتاب الخواص الكبير، المقالة الأولى، مختارات كراوس، ص٢٣٩.
٢٩  راجع مختارات كراوس، ص٥٣٥–٥٣٨.
٣٠  أعتقد أنه يقصد بقوله: «أيها القارئ» سيدَه جعفر الصادق الذي طالما يوجِّه إليه الخطاب؛ وفي توحيده بين هذا القارئ المخاطب وبين الشيخ الذي يروي عنه ويقول عنه إن عمره ٤٦٣ عامًا، ما أظنه يرمز إلى توارث العلم خلال أجيال الأسرة العلوية الشريفة، ولنذكر أن جابرًا كان من الشيعة.
٣١  كتاب الحاصل، مختارات كراوس، ص٥٣٨.
٣٢  كتاب الخمسين، مقالة ٤أ، ورقة ٣أ ٢ب وما بعدها (بول كراوس هامش ص٢٥٦).
٣٣  كتاب السر المكنون، ورقة ٥٤أ وما بعدها (بول كراوس هامش ص٢٥٧) قارن الجزء الأخير من الفقرة المذكورة بما جاء في هذا المعنى في محاورة أقراطيلوس التي لخصناها لك في «ب» من هذا الفصل، وستجد التشابه تامًّا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤