بين العلم والخرافة

(١) فعل الطلاسم

الطِّلَّسْمات عند جابر علمٌ من العلوم المعترف بها؛ بل إنها لعلمٌ ذو أهمية بالغة؛ لأنه بالطِّلَّسْم يُخرج العالِم ما يريد إخراجه من أشياء كانت كوامن، وظهورها مرهون بفعل الطلسم الفعَّال؛ وإنما يتم فعل الطلسمات عن أحد طريقَين؛ فإما عن طريق المماثلة وإما عن طريق المقابلة.

والمماثلة هي مشاكلة الأشياء بعضها إلى بعض؛ كمماثلة الكبريت للنار؛ والمقابلة هي مباينة الأشياء بعضها لبعض، وبُعدها عنها ومنافرتها لها؛ والمثيل إنما يُستخدم لاستجلاب مثيله، وأما المقابِل فيستخدم لإبعاد مقابلِه؛ والاستجلاب والإبعاد كلاهما فعل الطلسمات.

والمماثلة والمقابلة تكونان في طبائع الأشياء الأولية: الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة؛ فالحرارة تُماثلها حرارة وتُقابلها برودة، واليبوسة تُماثلها يبوسة وتُقابلها رطوبة؛ وليست هذه الطبائع الأربع من منزلة واحدة، بل إن منها اثنتَين فاعلتَين هما: الحرارة والبرودة، واثنتين منفعلتَين هما: اليبوسة والرطوبة؛ وذلك لأن الحرارة أسبق منطقيًّا من اليبوسة، والبرودة أسبق منطقيًّا من الرطوبة.

فالمماثلة بين الأشياء تكون على مرتبتَين:
  • (١)

    مماثلة في الكيفيتَين الفاعلتَين، وهي أقوى من المماثلة التي تكون في الكيفيتَين المنفعلتَين؛ أي أنه لو كان عندنا شيئان: أحدهما حارٌّ يابس والآخر حارٌّ رطب، كان هذان الشيئان متماثلَين في الحرارة، وهي كيفية فاعلة؛ ولذلك فالتماثل بينهما أقوى مما يكون بين شيئَين: أحدهما حارٌّ يابس والآخر بارد يابس؛ إذ المماثلة هنا تكون في اليبوسة التي هي كيفية منفعلة.

  • (٢)

    الأشياء التي تتماثل بالطرفَين معًا — الفاعل والمنفعل — أقوى مماثلة من الأشياء التي تتماثل بطرف واحد؛ فالنسبة بين شيئين أحدهما حارٌّ يابس والآخر حارٌّ يابس كذلك، هي أوثق عُرًى وأمكن صلةً من النسبة بين شيئين: أحدهما حارٌّ يابس والآخر حارٌّ رطب، ومن النسبة بين شيئَين آخرَين: أحدهما حارٌّ يابس والآخر بارد يابس.

وكذلك قُل في المقابلة، فهي أيضًا على مرتبتَين:
  • (١)

    فالأشياء التي تتقابل بالكيفية الفاعلة أقوى مباينةً من الأشياء التي تتقابل بالكيفية المنفعلة؛ فالتباين بين الحار اليابس والبارد اليابس أشد وأقوى وأمكن من التباين بين الحارِّ اليابس والحار الرطب.

  • (٢)
    والأشياء التي تتقابل بالطرفين معًا، يكون التباين بينها أقوى وأمكن من الناحية التي تتقابل بطرف واحد؛ فالتباين بين شيئين: أحدهما حارٌّ يابس والآخر بارد رطب، أبعد من التباين الذي يكون بين الحار اليابس من جهة والبارد اليابس من جهة أخرى، أو بين الحار اليابس من جهة والحار الرطب من جهة أخرى.١

قلنا إن الطلسمات يكون فعلُها إما استجلابًا واستكثارًا لما يُراد استجلابه واستكثاره، وإما نفيًا وإبعادًا لما يُراد نفيه وإبعاده.

وطريق الاستجلاب هو المماثلة، وطريق الإبعاد هو المقابلة؛ فإذا أردتَ استجلاب شيء؛ كالعقارب والحيات والضفادع والسمك والناس والوحوش، كان عليك أن تُماثل بين صفة الشيء المطلوب وبين الكواكب والبروج، وأما إذا أردت أن تُبعد شيئًا كأن تطرد عن مدينة ما كلَّ ما فيها من عقارب أو حيَّات أو ضفادع … إلخ، كان عليك أن تُباين بين الشيء المراد إبعاده وبين الكواكب والبروج؛ فللكواكب والبروج طبائعُ أسلفناها لك في حينها،٢ وكذلك لكل شيء طبائعه، وإنما تكون المماثلة والمباينة بين هذه الطبائع وتلك، إما مباشرة وإما بوساطة عُقَّار يُعَد لذلك.

فالمماثلة بين البروج تكون بين أولها وخامسها وتاسعها وهكذا على الصور الآتية:

(١) الحمل (٥) الأسد (٩) القوس …
حارة يابسة
(٢) الثور (٦) السنبلة (١٠) الجدي …
باردة يابسة
(٣) الجوزاء (٧) الميزان (١١) الدلو …
حارة رطبة
(٤) السرطان (٨) العقرب (١٢) الحوت …
باردة رطبة
والمقابلة بين البروج تكون بين أولها وسابعها، وثانيها وثامنها، وهكذا، على الصورة الآتية:
  • الحمل ضد الميزان.

  • الثور ضد العقرب.

  • الجوزاء ضد القوس.

  • السرطان ضد الجدي.

  • الأسد ضد الدلو.

  • السنبلة ضد الحوت.

ونسوق فيما يلي أمثلة للمماثلة والمقابلة:
  • (أ)
    المماثلة:
    • (١)

      تريد استجلاب الأسد إلى مدينة من المدن، فليكن الرصد إلى برج حار يابس، ويكون في ذلك البرج نجمٌ حارٌّ يابس كذلك؛ والبروج الحارة اليابسة هي — كما قدَّمنا — الحمل والأسد والقوس، والكواكب الحارة اليابسة هي: الشمس والمريخ والزهرة وعطارد.

    • (٢)

      تريد استجلاب السمك إلى ماء في مكان معين؛ فالرصد عندئذٍ يكون إلى برج بارد رطب، ويكون في ذلك البرج نجمٌ بارد رطب …

      ويضاف إلى فعل البروج والكواكب أدوية تُؤخذ إما من الحيوان وإما من النبات وإما من الحجر، لكن المأخوذة من الحيوان والنبات تجفُّ وتتحول فيبطل عملُها، وأما المأخوذة من الحجر فثابتة؛ فعلينا أن نختار الحجر الذي يُناسب طبعُه طبعَ البروج والكواكب من حرارة ويبوسة وبرودة ورطوبة.

  • (ب)
    المقابلة:
    • (١)

      تريد أن تطردَ العقارب من موضع ما، فما دامت العقاربُ باردةَ الطبع، فيجب أن يكون الرصدُ إلى برجٍ حارٍّ وإلى كوكبٍ حارٍّ، وأن يكون الدواء المستخدم من حجرٍ حارٍّ.

    • (٢)
      تريد أن تطرد الأفاعي، والأفاعي حارة، فيجب أن يكون البرج باردًا والكوكب باردًا والحجر الذي تأخذ منه الدواء باردًا.٣

هكذا «تُسَلِّط» على الشيء المستجلَب ما يماثله فيظهر، وعلى الشيء المُبعَد ما يقابله فيختفي.

وهنا نذكر قصة طريفة يرويها جابر مفسِّرًا بها كلمة «طِلَّسْم» كيف جاءت؟

قال جابر يروي عن شيخ له: «… قال: يا جابر! فقلتُ: لبَّيك يا مولاي؛ فقال: أتدري لمَ يُسمَّى الطِّلَّسْم طِلَّسْمًا؟ قلت: لا والله يا مولاي ما أدري؛ فقال: فكِّر فيه، فإنه من علمك؛ ففكرت فيه سنة فلم أعلم ما هو؛ فقلت: لا والله يا مولاي، ما أدري ما هو. فقال: لولا أني غرستك بيدي وأنشأتك أولًا وآخرًا إلى وقت هذا، لقلت إنك مظلم؛ ويلك اقلِبْه! فقلت: نعم يا مولاي، فإذا معناه مُسلَّط من جهة الغلبة والتسليط؛ فخررت ساجدًا، فقال: لو كان سجودك لي — وجَدِّك — لكنت من الفائزين؛ قد سجد لي آباؤك الأولون؛ وسجودك لي يا جابر سجودك لنفسك؛ أنت والله فوق ذلك. فخررت ساجدًا، فقال: يا جابر، والله ما تحتاج إلى هذا كلِّه، فقلت: صدقت يا مولاي، فقال: قد علمنا ما أردتَ، وعلمتَ ما أردتُ … فاشرح هذا في كتابي إخراج ما في القوة إلى الفعل؛ فالطِّلَّسْم — عافاك الله — مسلَّط في فعله، قاهر غالب بموازاة المماثلة والمقابلة.»٤

(٢) طبيب البحر

ذلك ما يقوله جابر في الطِّلَّسْمات وكأنما ليس هو جابرًا الكيمويَّ العالِم المدقق في مشاهداته وتجاربه؛ فانظر إلى قصة أخرى يرويها جابر في الطب والعلاج:

زعم بعضهم أن حيوانًا في البحر، جبهتُه من حجر أصفر؛ فإذا صِيد ذلك الحيوان — وهو على خلقة الإنسان — وذبَحه ذابحٌ وأخذ من الحجر الذي في جبهته قيراطًا فألقاه على عشرة أرطال قمرًا، قلَبَه شمسًا … وهذا الحيوان يُعرف بطبيب البحر؛ وذلك أنه إذا مَرِض كائنٌ حيٌّ، وجئناه بذلك الحيوان البحري فمسحنا على موضع العلة منه مرتين أو ثلاثًا بالحجر الذي في جبهته، عَرِق المريض وبَرِئَ من مرضه وعاد سليمًا؛ ولقد عُرف عن «طبيب البحر» أنه إذا صِيد، لبث يلتمس الوسيلة التي تُعيده إلى الماء … ولقد رأيتُ قومًا من البحرانيِّين الملجَّجين العلماء، وسألتُهم عن «طبيب البحر» فإذا أمرُه أشهرُ مما كنت أظن؛ وضمنوا إليَّ أن يُروني إياه؛ فلما أن لججنا في البحر وصلنا إلى جزيرة تُدعَى سنديات، إذا نحن بجماعة من «أطباء البحر» فقلت: اعملوا الحيلة في صيد واحد منها؛ وألقينا الشبكة، وحصرناهم، فوقع واحد منهم فيها؛ فلما لم يجد لنفسه مخلِّصًا، جعل يلطم — كلطمِ المرأة — على خدَّيه شديدًا، وتبيَّنتُ جبهتَه، فإذا هي حجر يلمع، فأخذتُه، فإذا هي جارية حسناء، كأحسن ما يكون من الصور؛ فبنيتُ له بيتًا في المركب وحبسته فيه؛ وعرض لبعض أهل المركب تشنُّج، فأخرجتُه — أي طبيب البحر — ومررتُ به على ذراعَي المتشنِّج وساقَيه، فأبرأه لوقته؛ ورآه غلامٌ معي، فعشقه، ولم يزَل يلحُّ فيه، إلى أن خِفت عليه الهلكة منه؛ فجعلته معه في البيت، فصبر الغلام معها على ذلك، وزواجها، وأحبلها، فولدت غلامًا، وتربَّى، إلا أن خِلْقته كخلقة الإنسان؛ وفي جبهته شيء يلمع، ليس كالأمِّ؛ فلم أرَ شيئًا قط أعجب من أمره، فلمَّا أن كَبِر الصبي ورأيت ميلَ الأمِّ إليه ميلًا عظيمًا، وهي مع ذلك لا تتكلم مع طول المدة بكلمة واحدة أكثر من الهمهمة شيئًا لا صوت له إلا خفي جدًّا، أمنَّا أن ترميَ بنفسها في الماء؛ فجعلت تدخل وتخرج، وللمركب جوانب عالية ليس تلحق أن تظفر منها؛ فلم تزل تؤانسنا وترتقي من موضع إلى موضع، حتى إذا وثقَت بأنَّا أمنَّاها صعدَت ورمَت بنفسها في الماء، فجزع الغلام — زوجُها — عليها، فأخذ الغلامُ ابنَه معه، وهو مع ذلك لا يتكلم؛ فلما أن سِرْنا بعد ذلك، وقعنا في شدة عظيمة لا فرجة لها فإذا نحن بالطبيب — طبيب البحر — جالس على الماء، ليس منه شيء غائصًا؛ وإذا هي تُومئ بالسلام، فأومأ الناس إليها كلهم؛ وأقبل القوم يقولون لها: ما الحيلة؟ وقوم يدعون، وقوم يبكون، وكل قوم في فنٍّ من الفنون؛ فأومأَت إليهم بشيء من الأشياء، فإذا الغلمان قد ألقَوا الأناجر، وإذا الأناجر لا تثبت، إلى أن ثبت منها ثلاثة أناجر؛ وإذا البحر قد انقلب، وإذا هي سمكة قد فتحَت فمها والماء يدخل إليها كأعظم ما يكون من البحار؛ وإذا نحن قد توهَّمنا أن شقَّ فمها الأعلى جبلٌ عظيم في البحر، قد أخذ البحرَ من أوله إلى آخره، فلم نشكَّ حين رأيناها أنها تُطبِق فمَها علينا فنكون في بعض أضراسها إلى أن كفَى الله تعالى، ثم انفلَت الصبي فوقع إلى الماء، فلما أن كان من غد، ظهَر، فإذا جبهتُه قد صارت حجرًا؛ فلم أزل إلى أن صِدْت من الأطباء ثلاثة، فأخذت جبهة واحد وألقيته، فنظرت إلى صَبْغِه، ففكرتُ حينئذٍ في قدرة البارئ عز وجل كيف عدل هذا الموضع من هذا الحيوان بما لما يمكن أحدًا من الناس، أو كلهم لو اجتمعوا على ذلك ما قدروا عليه؛ فتبارك الله أحسن الخالقين؛ فناديت أن لا إله إلا أنت سبحانك؛ ربنا وتعالَيت عمَّا يقول المبطلون.٥

(٣) ابتهال العلماء

أتريد أن تكون باحثًا عالِمًا؟ إذن فهاك وصية يراها جابرٌ كبيرة النفع للسالكين في سبيل العلم، علم الموازين وتركيب الطبائع على الجوهر تركيبًا من شأنه أن يُنتجَ لنا كلَّ ما أردناه من كائنات. يقول جابر في ذلك:

إني كنت آلفتُ سيدي٦ — صلوات الله عليه — كثيرًا، وكنت لَهِجًا بالأدعية وبخاصة ما كان يدعو به الفلاسفة، وكنت أعرضه عليه، وكان منها ما استحسنه، ومنها ما يقول عنه: الناس كلهم يدعون بهذا وليس فيه خاصيَّة؛ فلما أكثرتُ عليه علَّمني هذا الدعاء، وهو من جنس دعاء الفلاسفة، بل إنه لا فرق بينه وبين ما يدعو به الفلاسفة، غير أنه قد اختار من دعاء الفلاسفة أجزاء، وأضاف إليه أجزاء، وقال لي: لا يتمُّ لك الأمر إلا به. وعندي أنه لا يتمُّ لأحد ممن قرأ كتُبي خاصة إلا به، إن أزال صورة الشيطان عن قلبه وترك اللجاج واستعمل محض الإسلام والدين والنية الجميلة، وأما ما دام الشيطان يلعب به، ويُزلُّه قصدًا، فليس ينفعه شيء؛ وذلك أن اللجاج ليس هو من الشيطان وحده، إنما هو من فساد النية، فاتَّقِ الله يا هذا في نفسك، واعمد إلى ما أُوصيك به … وهذه هي الوصية:

ابدأ بالطهر؛ بأن تفيض على بدنك ماءً نظيفًا في موضع نظيف؛ ثم تلبس ثيابًا طاهرة نظيفة، لا تمسها امرأة حائض، ثم تستخير الله ألف مرة، وتقول في استخارتك: «اللهم إني أستخيرك في قصدي، فوفقني وأزغِ الشيطان عني، إنك تقدر عليه ولا يقدر عليك.» فإذا قلت ذلك ألف مرة، عمدتَ إلى موضع طاهر نظيف، وابتدأتَ فكبَّرتَ الله وقرأتَ الحمد، و«قل هو الله أحد» مائة مرة، وركعت وسجدت، ثم قمتَ وصليتَ مثل ذلك، ثم تشهَّدت وسلَّمت، ثم قرأت في الركعتين الثانيتَين مائة مرة «إذا جاء نصر اللَّه والفتح»، وإذا سلَّمتَ أعدتَ مثل الركعتَين الأوليَين، وقرأتَ «قُل هو الله أحد» مائة مرة، ثم أعدتَ اثنتين أخرى ﺑ «إذا جاء نصر اللَّه والفتح»، ثم صليت ركعتَين أُخريَين، وهما تمام العشر، وقرأت سورة سورة، ثم أتممت صلاتك؛ وإياك أن تُكلِّمَ أحدًا في خلال ذلك، ويشغلك شاغل؛ وأحرى المواضع بك الصحاري الخالية حتى لا يكلمَك أحد البتة، ثم اجلس وقُل بعد أن تمدَّ يدَيك إلى الله تعالى: «اللهم إني قد مددتهما إليك طالبًا مرضاتك، وأسألك ألَّا تردَّهما خائبتَين؛ وتبدأ وتقول: اللهم أنت أنت، يا مَن هو هو، يا مَن لا يعلم ما هو إلا هو، اللهم أنت خالق الكل، اللهم أنت خالق العقل، اللهم أنت واهب النفس النفسانية، اللهم أنت خالق العلة، اللهم أنت خالق الروح، اللهم أنت قبل الزمان والمكان وخالقهما، اللهم أنت فاعل الخلق بالحركة والسكون وخالقهما، اللهم إني قصدتك فتفضَّل عليَّ بموهبة العقل الرصين، وإرشادي في مسلكي إلى الصراط المستقيم، اللهم بك، فلا شيء أعظم منك، نوِّرْ قلبي وأوضح لي سبيل القصد إلى مرضاتك، اللهم إني قصدتك ونازعَتني نَفْساي: نفسي النفسانية نازعتني إليك، ونفسي الحيوانية نازعتني إلى طلب الدنيا، اللهم فيك، لا أعظم منك، يا فاعل الكل، صَلِّ على محمد عبدك ورسولك، وعلى آله وأصحابه المنتخبين، واهْدِ نفسي النفسانية إلى ما أنت أعلمُ به من مرادها منها، وبلِّغ نفسي الحيوانية منك غايةَ آمالها فتكون عندك، إذا بلَّغتها ذلك فقد بلَّغتها الدنيا والآخرة، إنه سهل عليك؛ اللهم إني أعلم أنك لا تخاف خلَلًا ولا نقصانًا يُوهنك برحمتك وكرمك، هَبْ لي ما سألتك من الدنيا والآخرة؛ اللهم يا واهب الكل فاجعل ذلك في مرضاتك ولا تجعله فيما يُسخِطك؛ اللهم واجعل ما يرزقني عونًا على أداء حقوقك وشاهدًا لي عندك، ولا تجعله شاهدًا عليَّ ولا عونًا على طلب ما يُعرضك عني؛ اللهم يا خالق الكل أنت خلقت قلبي، وأنت خلقت الشيطان ولعنتَه بما استحقَّه وأمرتَنا أن نلعنَه، فاصرفه عن قلبِ وليِّك أنت، وأعنِّي على ما أقصد له من كيت وكيت — واذكر حاجتك في هذا الموضع — فإذا فرغت من سائر ما تريده فعفِّر خدَّيك على الأرض، ثم قُل في تعفيرك: خضَع وجهي الذليل الفاني لوجهك العزيز الباقي، قُلْه عشر مرات، ثم اجلس مليًّا، وقُم فتوجَّه وكبِّر واقرأ الحمد وسورة ألم نشرح لك صدرك، واقرأها في الركعة الثانية، فإذا سلَّمت قُل: يا سيدي، ما اهتديتُ إلا بك ولا علمتُ إلا بك ولا قصدتُ إلا إليك، ولا أقصد ولا أرجو غيرك؛ اللهم لا تضيِّع زمام قصدي ورجائي لك، إنك لا تضيِّع أجر المحسنين، وإنك تقضي ولا يُقْضَى عليك، قد وعدتَ الصابرين خيرَ الجزاء فيك، ولأصبرنَّ بك لما خفَّفْتَ عني وصبَّرتَني على امتحانك؛ اللهم قد وعدتَ بعد العسر يسرًا، اللهم فامْحُ أوقات العسر واجعلها زيادة في أوقات اليسر، واجعل ذلك حظًّا من الدنيا وحظوظًا من الآخرة؛ اللهم إنَّ وسيلتي إليك محمد وصفوة أهل بيته، آمين آمين آمين.»

قال سيدي لي في ذلك: إن الله عز وجل أكرمُ من أن يتوسلَ إليه إنسان بنبيِّه فيردَّه خائبًا؛ فإذا تممتَ ذلك فصدِّق في أثره درهمَين وثلثين، واجعله أربعة أقسام، كل قسم أربعة دوانيق؛ فأول مَن يلقاك ممن يقبل الصدقة فأعطِه قسمًا، وكذلك الثاني والثالث والرابع، فإن الله تعالى يحمدك العاقبة في سائر أمورك، ويزجر الشيطان عن وجهك، واقصد لما أنت تشتهيه، فإنك ترى فيه الرشد … ويرزقك الله قريبًا إن شاء الله.

١  كتاب إخراج ما في القوة إلى الفعل، مختارات كراوس، ص٧٧-٧٨.
٢  راجع الفصل السادس.
٣  المرجع السابق، ص٨٠–٨٤.
٤  المرجع السابق، ص٧٩-٨٠.
٥  كتاب السبعين، مقالة ٦٠.
٦  المقصود هو جعفر الصادق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤