رحل النهار

رحل النهار
ها إنه انطفأت ذبالتُه على أفقٍ توهَّج دون نار،
وجلستِ تنتظرين عودة سندباد من السِّفار،
والبحرُ يصرخ من ورائك بالعواصف والرعود،
هو لن يعود!
أوَما علمتِ بأنه أسرتْه آلهةُ البحار
في قلعةٍ سوداءَ في جُزرٍ من الدمِ والمحار؟
هو لن يعود،
رحل النهار
فلترحلي، هو لن يعود!
الأفقُ غابات من السحب الثقيلة والرعود،
الموتُ من أثمارهنَّ وبعض أرمدة النهار،
الموتُ من أمطارهنَّ وبعض أرمدة النهار،
الخوف من ألوانهنَّ وبعض أرمدة النهار،
رحل النهار …
رحل النهار.

•••

وكأنَّ معصمكِ اليسار
وكأنَّ ساعدَكِ اليسار، وراء ساعته، فنار
في شاطئٍ للموت يحلم بالسفين على انتظار
رحل النهار
هيهات أن يقف الزمان، تَمُرُّ حتى باللحودِ
خُطا الزمان وبالحجار!
رحل النهار ولن يعود.

•••

الأفق غابات من السحب الثقيلة والرعود،
الموت من أثمارهنَّ وبعض أرمدة النهار،
الموت من أمطارهنَّ وبعض أرمدة النهار،
الخوف من ألوانهنَّ وبعض أرمدة النهار،
رحل النهار،
رحل النهار!
خصلات شَعرِكِ لم يَصُنْها سندبادُ من الدمار،
شربتْ أجاج الماء حتى شابَ أشقرها وغار،
ورسائل الحب الكثار
مبتلةٌ بالماء، مُنْطِمسٌ بها أَلَق الوعود،
وجلستِ تنتظرين هائمةَ الخواطر في دُوار:
«سيعود! لا، غرق السفين من المحيط إلى القرار،
سيعود! لا، حجزته صارخة العواصف في إسار
يا سندباد، أما تعود؟
كاد الشباب يزول، تنطفئ الزنابقُ في الخدود،
فمتى تعود؟
أوَّاه، مُدَّ يديك بين القلب عالمه الجديد
بهما ويَحْطم عالم الدم والأظافر والسعار،
يبني ولو لِهُنَيْهَةٍ دنياه،
آهِ متى تعود؟
أَتُرى ستعرف ما سيعرف، كلَّما انطفأ النهار،
صمتُ الأصابع من بروق الغيب في ظلم الوجود؟
دعني لآخذ قبضَتَيْك، كماءِ ثلجٍ في انهمار،
من حيثما وجَّهت طرفي … ماءُ ثلجٍ في انهمار
في راحتيَّ يسيل، في قلبي يصبُّ إلى القرار،
يا طالما بهما حلمتُ كزهرتين على غدير،
تتفتَّحان على متاهة عزلتي.»
رحل النهار
والبحر متَّسع وخاوٍ، لا غناءَ سوى الهدير،
وما يبين سوى شراعٍ رنَّحته العاصفات، وما يطير
إلا فؤادُك فوق سطح الماء يخفِق في انتظار،
رحل النهار
فلترحلي، رحل النهار.
بيروت، ٢٧ / ٦ / ١٩٦٢

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤