هَرِمَ المُغنِّي

بالأمسِ كنتُ إذا كتبتُ قصيدةً فرحَ الدمُ
فأغمغمُ
وأهيم ما بين الجداول والأزاهر والنخيلْ
أشدو بها، أترنَّمُ،
زادٌ لروحي منذ سقسقة الصباح إلى الأصيل
زادٌ، ولكن عنه قد صدفت، تجوع ولا تريد
ما يُنعش الآمالَ فيها،
هي حشرجات الروح أكتبها قصائد لا أفيد
منها سوى الهُزْء المرير على ملامح قارئيها
هَرِمَ المغنِّي، هدَّ منه الداءُ فارتبكَ الغناء
بالأمس كان إذا ترنَّم يُمسك الليلُ الطروب
بنجومه المترنحات فلا تخر على الدروب،
واليوم يهتف ألفَ آهٍ لا يهزُّ مع المساء
سَعَفَ النخيل، ولا يُرجِّحُ زورقَ العرس المحلَّى
بعيون آرامٍ ودفْلى،
ودرابك ارتعدت حناجرها فأرعدتِ الهواء.

•••

هَرِم المغني فاسمعوه — برغم ذلك — تُسعدوه،
ولتُوهموه بأنَّ من أبدٍ شبابٌ من لحون،
وهوًى ترقرقُ مقلتاه له وينفح منه فوه
هو مائتٌ أفتبخلون
عليه حتى بالحُطام من الأزاهر والغصون؟
أصغوا إليه لتسمعوه
يرثي الشباب ولا كلام سوى نشيجٍ: «بالعيون
سلِّم عليَّ إذا مررتَ!»
أتى وسلَّم … صَدِّقوه!
هَرِمَ المغني فارحموه.
درم، ٥ / ١ / ١٩٦٣

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤