خذيني

خذيني أَطِرْ في أعالي السماء،
صدى غنوةٍ، كركراتٍ، سحابهْ!
خذيني، فإنَّ صخورَ الكآبهْ
تشدُّ بروحي إلى قاعِ بحرٍ بعيد القرارِ
خذيني أَكُنْ في دجاك الضياء،
ولا تتركيني لليلِ القفارِ!
إذا شئت ألَّا تكوني لناري
وقودًا، فكوني حريقا!
إذا شئتِ أن تخلُصي من إساري،
فلا تتركيني طليقا!
خذيني إلى صدرك المثقلِ
بهَمِّ السنين
خذيني فإني حزين،
ولا تتركيني على الدرب وحدي أسير إلى المجهَلِ
وكانت دروبي خيوطَ اشتياق
ووجدٍ وحبٍّ
إلى منزلٍ في العراق
تضيء نوافذُه ليلَ قلبي،
إلى زوجةٍ كان فيها هنائي
وكانت سمائي
كواكبها ترسم الدرب، دربي
وهبَّت عليها رياح سموم
تبعثر خيطان تلك الدروب البعيدهْ،
فعادت جَذًى كلُّ تلك النجوم،
صُلبتُ عليها وعادت مسامير نعشِ،
وعادت دروبي دربًا، إذا جئت أمشي
رماني إليك، كوزنٍ يقود القصيدهْ
فوا لهفَ قلبي عليكِ!
ودرب رماني إليكِ!
أما تعلمين بأني تشهَّيتُك البارحهْ؟
أشم رداءكِ حتى كأني
سجينٌ يعود إلى داره يتنشَّق جدرانها؛
هنا صدرُها، قلبها كان يخفق، كان التمني
يدغدغه، يُشعل الشوق فيه إلى غيمةٍ رائحهْ
لأرض الحبيب، ستنضح أركانها
بذوب نداها
تشهَّيتُكِ البارحهْ
فقبَّلت ردن الرداء؛ هنا ساعداها،
هنا إبطها، يا لكهف الخيالْ!
ومرفأ ثغري إذا جرفتْه رياح ابتهال
ودحرجه مدُّ شوقٍ مُلِحٍّ، وقد حار فيه السؤال:
«تحبينني أنتِ؟ هل تخجلين؟
أم استنزفت شوقَك الكبرياء،
فلم يبقَ إلا ابتسام الرثاء؟
أترثين لي، أم تُرى تُشفقين
على قلبك انهدَّ تحت الصليب المعلَّق في صخرة الكبرياء؟»
نباح الكلاب المبعثرُ في وشوشات النخيل
ينبِّه في قلبيَ الذكريات العتاق،
ويربط دقات قلبي بأرض العراق،
لأسمع: «بابا»؛ فيُطفأ حبي وتبرد نار الغليل،
وأعدو على الدرب سدَّت خطاي عليه
نوافذ بيتي تجمَّد فيها الضياء،
تغربتُ عنه وعدتُ إليهِ.
بيروت، ٣ / ٧ / ١٩٦٢

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤