الفصل الثالث

الجزء الأول

الملك :
آن الأوان لأن أخاطر بالدم
من لم يخاطر بالدما لم يسلم
أجزيرة العرب التي أحببتها
كم من أكفٍّ قد رمتك بأسهم
قد عدت نحوك بعد طول تغرُّبي
فوجدت مجدك صار كالمتهدم
لعبت أكفُّ ذويك فيك فغادروا
في كل نهرٍ فيك نهرًا من دم
قتلوا رجالك واستذلوا من بقي
فسقطتِ صاغرةً سقوط المجرم
وتفرقت أحياء أهلك في الورى
أيدي سبا وبقيت كالمتيتم
وتقسمت أبناك مظلومًا يرى
فيك العذاب وظالما لم يرحم
وغدا نفوذك للقوي وقد غدا
فيك الضعيف يموت إن لم يظلم
باعوك بيع العبد في سوق الريا
فسقطت جرحى لليدين وللفم
سلبوا بلادك من يديك غنيمةً
حتى رأيتكِ غنم من لم يغنمِ
والفرس حولكِ يزأرون بجمعهم
فيضيع عندهمُ زئير الضيغمِ
ضاعت حقوق العرب في أطلالهم
ورمت بها ظلمًا أكفُّ الديلمِ
وغدا العراق مع الحجاز غنيمةً
وبلاد نجد سبيَّة المتقسمِ
هذا مصابك، وهو كل مصائبي
أبكي عليه بحسرة المتندم
فليرسل الله العلي جنوده
ولينقذ العرب التي لم تأثم

الجزء الثاني

(حسان – ثم ليلى)
حسان :
طاب الفؤاد وطابت البشرى به
وشفي الحبيب من الضنى بشرابه
أبرأتها وأنا السقيمُ فليتها
تشفي ضنى قلبي بنيل طلابهِ
أهلًا وسهلًا بالتي قد عوفيت
فشفت فؤادي من أليم عذابه
ليلى :
حسان إني قد نجوتُ من الردى
فليحيَ من صنع الدوا وأتى به
وغدوت سالمةً من الداء الذي
لزم الفؤاد وزاد في أوصابه
واليوم أقدر أن أحبك مثلما
يهوى فؤادي في ربيع شبابه
والآن فاسمح لي بأن أمضي إلى الـ
ـجدِّ الكبير إجابةً لخطابه
فلقد دعاني نحوه من مدةٍ
مع حاجبٍ قد جاء من حجابه
حسان :
لكن قفي كي نشكر الله الذي
أحيى فؤادينا بفضل ثوابه

الجزء الثالث

(حسان – شمطاء)
شمطاء : كيف حالك الآن هل أنت مسرور؟
حسان : هذا أنتِ.
شمطاء : أرأيت أنني قد وفيت بوعدي.
حسان : وأنا سأقوم بعهدي.
شمطاء : بلا رحمة.
حسان : ولا خوف … وبعدها أقتل نفسي.
شمطاء : أنا في انتظارك هذا المساء عند منتصف الليل.
حسان : في أي مكان.
شمطاء : أمام السجن المظلم.
حسان : ذلك مكان مخيف لا يمر فيه إنسان، ويقال: إن على الصخر هناك لطخة سوداء.
شمطاء : نعم، وهي أثر الدماء التي سالت على ذلك الجدار.
حسان : أثر دماء … أرأيت كيف يدنس الدم ويحرق؟
شمطاء : بل قل إن الدم يغسل ويطهر.
حسان : حسنٌ فمري بما تشائين … ومَن أجد في ذلك المكان.
شمطاء : تجد رجلًا مقنعًا ينتظر وحده.
حسان : وبعد ذلك.
شمطاء : وبعد ذلك تتبعه إلى حيث يسير بك.
حسان : لقد قضي الأمر.
شمطاء :
يا سماء اشهدي ويا كائنات الـ
أرض طرًّا، وأنت يا جو فاشهد
واشهدي لي يا شمس، واشهد أيا بد
ر وقل للنجوم في الأفق تشهد
واشهدي لي أيا حياتي التي مر
رت ويا عيشي الشقي المنكد
واشهدي يا قبور واشهد أيا حصـ
ـنًا حصينًا على الفساد تشيد
اشهدي أنني أبيح دم القا
تل عدلًا بذا السلاح المحدد
وبأني أبحت قتل غصوبٍ
وغصوبٌ عدو نفسي المؤكد
حسان : من هذا غصوب.
شمطاء : هو الذي يجب أن يموت من يدك هذا المساء، اذكر ولا تنسَ وعدك (تخرج).
حسان :
ويلاه من جرم يكاد يميتني
من قبل أن أقضي وفاء وعودي
إني وعدت بقتل نفسٍ حيةٍ
طمعًا بعيشٍ للحبيب رغيد
والآن قد نال الحبيب شفاءه
ودنت منية ذلك المنكود

الجزء الرابع

(حسان – سلمان – ليلى – شمطاء (مختفية))
ليلى : نعم لقد شفيت وصرت أقدر أن أجري … انظر يا مولاي ها قد أتينا.
حسان : هذا أنت يا مولاي.
سلمان : لقد شعرت اليوم أن حزني قد ازداد، وأن النصيحة التي أبداها لنا الفقير قد أثرت فيَّ كثيرًا ثم فكرت في أمرك، وإنك كنتِ على شفا الموت، وأن أمك المسكينة قد أوصتني بك قبل موتها، كنت افتكر في كل ذلك، وإذا بها دخلت عليَّ فرحة مسرورة والحياة تجول في عينها حتى كدت أبكي من السرور، وأحسب أنني في حلم لا في يقظة، وقد دنت مني وقالت لي: تعالَ واشكر حسانًا، فهو الذي شفاني فقلت لها: هيا بنا.
ليلى : وها نحن بين يديك.
سلمان : ولكن أخبرني بأية أعجوبة شفيتها تكلم ولا تكتم عني شيئًا.
حسان : شفيتها بعلاج أعطتني إياه أسيرة من أسارى القصر.
سلمان : إن هذه الأسيرة حرة لوجه الله، وأنا أنعم عليها بألف ناقة، وأعفو عن المحكوم عليهم، وأعفي ألف فلاح من الضريبة، وذلك سرورًا بهذا الشفاء، افرحا معي فإن قلبي مملوء فرحًا، ويكفيني سعدًا أن أراكما:
نعم أنا منكود طريد مشرد
أرى الناس من حولي كأني مفرد
أقيم بأقصى الحصن أندب ما مضى
وأذكر أيامي وربي يشهد
أرى العرب من حولي تمزق شملهم
وكل ولاة الأمر أشأم أنكد
يسوقون هذي الأرض نحو دمارها
فلا مهجة ترثي ولا يد تنجد
ولا بد أن نهوي مع الظالمين أو
تمد من الله العلي لها يد
فيرسل من يرثي لها في مصابها
فينجدها إن كان ينفع منجد
مصاب بلادي لي مصاب وفوقه
مصيبة أولادي الذين تمردوا
لئام أرى عيشي بهم وهو أسود
كما أن قلبي من ذنوبي أسود
وما لي سلوى غير هذا الفتى وذي الـ
ـفتاة فكل منهما لي مسعد
فهذي الفتاة كالغزالة بهجة
وهذا فتى من صفحة السيف أجود
إذا وقفا حولي تقول ملائك
تحن إلى الشيطان أو تتودد
حسان : مولاي ماذا تقول؟
ليلى : سيدي ما هذا الكلام؟
سلمان : تقدما إليَّ كلاكما، اقتربا مني لأعانقكما، فيا لله ما أجمل هذه الطلعة الباهرة، حقًّا، إنك شريف كريم ممن يفون بالوعد إذا وعدوا، كل ما يعد به هذا الفتى، فإنه يقوم بوفائه … أليس كذلك؟
ليلى : لا تسألني يا سيدي، فإن حياتي من عنده.
سلمان : لقد كنت مثله طاهرًا شريفًا قبل أن أسقط في ذنوبي وآثامي، انظري يا ليلى إلى هذا الوجه الجميل إنه يذكرني بولد لي يدعى سنانًا كان آخر أولادي رزقني الله إياه من عشرين عامًا، وأنا في شيخوختي فابتهجت به كما يبتهج الأعمى إذا نظر النور، وكما تزدهي الشجرة الذابلة بسقوط ندى الصباح، ولكن وا أسفاه، فإنه لم يكن يبلغ اثنتين من عمره حتى خطفوه مني، وهو يلعب على الطريق، ولا أدري من خطفه وقيل لي: إن خاطفيه قد قتلوه انتقامًا مني، فإياك إذا صرتِ أما أن تتركي أولادك يلعبون على الطريق بعيدًا عنك، فإن أعداء الإنسان كثيرون. ويلاه إني لا أزال أذكره، وأبكي كأنه خطف بالأمس، لو بقي حيًّا كان الآن في سنك ولكان جميلًا جريئًا مثلك. تعالَ إلى صدري فأنت مكانه عندي، وقد جعلتك ولدي فاجعلني بمثابة أبيك، تعالَ وكن ولدي أنت يا من كنت سلوتي وعزائي في هذا الحزن الذي أنا فيه، ويلاه من يقدر أن يراكما كليكما جميلين زاهرين متحابين، ولا يلين فؤاده فرحًا وسرورًا لهذا الحب بينكما، أبشرا أيها العاشقان فأنا سأجمع بينكما بعقد القران.
ليلى : يا رباه!
حسان : مولاي، ماذا تقول؟
سلمان : لقد ماتت أمكِ أختي، وهي توصيني بك وأنا أقسم لها بحفظ وصايتها، وما أنكر أن ولدي سنانًا قد خطف مني بعد ذلك، وإن امرأتي قد توفيت على أثره، وإن المصائب قد انهالت على رأسي من كل جانب، ولكني لم أنسَ ما قلته لأمك عند وفاتها فلقد قلت لها: اذهبي بسلام، فأنا أقوم لابنتك مقام الوالد وأدافع عنك إلى آخر نقطة من دمائي.
ليلى : شكرًا لك يا سيدي الحبيب.
سلمان : لا تشكريني، فإني قد أقسمت على ذلك … وأنت أيها الفتى الباسل اذهب وحارب وانتصر، وافعل كما فعلت أنا في شبابي، ولكن ما عدا الجريمة. واعلم أنني من يوم رأيتك قد عزمت على أن أزف ليلى إليك، وأن أجعلها سعيدة بقربك، ولكن اكتم هذا الأمر الآن، فإني أخاف عليك من حماد فهو شرس الأخلاق غدار لا شيء أهون عليه من قتل البريء، فأبشر أيها الفتى فإني أحبك وسأسعى لزواجك.
حسان : ولكن يا مولاي …
سلمان : أترفض هذا الزواج؟
حسان : حاشا يا مولاي، كيف أرفض وأنت تعرض عليَّ نعيم الجنان.
سلمان : إذن فاصنع كما قلت لك، وإياك أن تبوح بكلمة مما جرى بيننا الآن، وأنا في هذا المساء أسهِّل لكما سبل الفرار، وأمنع حمادًا من أن يتعقبكما فتذهبان من هنا خفية وتقترنان في مكان بعيد.
شمطاء (مختفية) : آه يا خائن.
سلمان : ذلك ما أريد أن أصنعهُ قبل وفاتي عساني أن أخفف بهذا القران بينكما بعض ما بي من العذاب والحزن الشديد، إن الغرفة التي أقيم فيها لها باب خفي إلى خارج الحصن هو الباب الذي تخرجان منه الليلة سرًّا، ويذهب معكما قائد حراسي ليدافع عنكما إذا أوجب الأمر، فانتظراني هنا قليلًا لأذهب وأحضر لكما مفتاح هذا الباب، يا رب سهل أعمالي وخفف بعض مصابي لسعادة سواي.
حسان :
يا ربِّ ما هذا أحلم ما أرى
أهي الحقيقة أم حديث يفترى
أأفر مع ليلى وأحظى بالذي
أهواه أم حلمٌ على عيني طرا
إن كنت في حلم فخليني به
ودعي فؤادي منه في سنة الكرى
لكنما لا فالحقيقة عينها
تبدو وها أنا في النعيم بلا مرا
إني أراك لديَّ فالحلم انجلى
عني ولاح لي الجمال مصوَّرا
قد صرت لي يا من أنا لك فابشري
فلقد غدا نيل الفرار ميسرًا
ليلى :
ماذا تقول … … … …
… … … … … … …
حسان :
أقول: لا تخشي فقد
تمَّ الفرار لنا كما قد قدِّرا
لكن يميني قد حلفت وإنما
ماذا يهم إذا هربت منكرا
يا رب فاحكم بيننا أتريد أن
أبقى وأرتكب الخطأ إلا كبرا
أم أن أفرَّ من الجريمة هاربًا
وأطيع أمرك مثلما قد سطرا
هيا لنهرب لم يعد من دوننا
أحد … … … … … …

الجزء الخامس

(حماد – حسان – ليلى – عامر – قيس – قراد – سلمان – الملك متنكرًا – جنود)
حماد :
… … … … … … …
… كذبت فإن دونك عسكرا
ليلى : يا رب … حماد …
حماد : اقبضوا على هذا الرجل وهذه الفتاة.
حسان : أيها الأمير حماد أنا أعلم أنك نذل جبان غادر خائن مخلوع الفؤاد، وها أنا أريد الآن أن أظهر لهؤلاء الأمراء حولك أنك جبان سافل لا تقوى على مصادمة الرجال، فأعلم أنني أقوم في هذا الموقف مقام الأميرة ليلى، وأدافع عنها دفاع الأبطال؛ لأنها لا تريدك بعلًا لها، وهي تهواني أنا، فأنا أدعوك الآن للبراز أيها الأمير حماد بالسيف أو بالرمح أو بالخنجر أو بأي سلاح شئت، ونجعل ميداننا ضفة النهر حيث ينفسح مجال القتال، وهناك نرمي بالقتيل منا في تيار المياه فاخرج معي لتقتل أو أُقتل، قفوا مكانكم جميعًا فإني أخاطب الأمراء، واسمعوا أيها الأمراء إني أدعو الأمير حمادًا من بينكم للبراز.
حماد : أفرغت الآن من كلامك؟ علم الله لقد تركته يتكلم كثيرًا أيها الأمراء، والآن فاسمع ما أقول لك أيها الغلام: إني أسألك من أنت بين الأبطال، هل أنت ابن ملك؟ هل أنت ابن أمير؟ هل أنت ابن شيخ قبيلة على الأقل؛ لكي تقف موقف البراز مع الأمير حماد؟ قل لي ما هو اسمك فقط؛ إن كنت تعرف اسمك ألا تدري إنك ولد لقيط لا أصل لك ولا نسب؟ أخبرني من هو أبوك، ومن أية قبيلة أنت؛ إن كنت ذا أصل وشرف؟ تأملوا أيها الأمراء لم يعد ينقصنا إلا مبارزة العبيد، فإذا كان فيكم من يأخذ بناصره ويدافع عنه، فأنا أمامكم كلكم فارس لفارس أو عشرة لفارس، ولكن عبدًا لقيطًا مثلك لا ينازله أمير مثلي، فاذهب وبارز الرعاة والغلمان.
حسان : آه يا نذل الرجال.
الملك : أيها الأمير إن لي من العمر تسعين عامًا أو تزيد، ولكني أبارزك الآن، أعطوني سيفًا.
حماد : حقًّا لقد كان ينقصنا مضحك في هذه الوليمة وها قد حضر، من أين جاءنا هذا الشحاذ، وكيف انتقلت من العبد إلى الفقير؟ أنا أبارزك أيها الفقير فلا بأس، ولكن ألا تخبرني قبل ذلك من أنت؟
الملك : أنا الملك أبو قابوس بن ماء السماء.
عامر : أنت أبو قابوس؟
الملك : هذا خاتم الدولة فانظروه، نعم أنا أبو قابوس المنذر ملك العرب، وحامل سيف العدل، قضيت عشرين عامًا من حياتي بين المقابر والكهوف آكل من نبات الأرض، وأشرب من مطر السماء، وأندب ما سلف من أيامي وأسأل الله حسن الختام، وقد حسبني الناس ميتًا، وما أنا بميت ولكني كنت وحيدًا منقطعًا في زي الأموات حتى سمعت صوت بلادي يئن من الظلم والجور، وتدعوني إلى وقايتها وإسعافها، فخرجت من مكمني الذي كنت فيه، وها أنا واقف بين أيديكم. أعرفتموني الآن؟
عامر : أرني زندك يا ملك العرب.
الملك : أتريد أن ترى أثر الضربة التي ضربني إياها واحد منكم؟ خذ وانظر …
عامر : نعم، هو بعينه وأنا أقول هنا على رءوس الأشهاد: إن هذا هو أبو قابوس المنذر ملك العرب.
الملك : قد كنتم تسمعون صوتي أيها الفتيان أيام كانت حمائل سيفي ترف على جنبي، أما الآن فقد عرفتموني حق عرفاني، وعرفتم السيد العظيم الذي حكم عليكم زمانًا طويلًا، وقد جاء يحاكمكم اليوم، هذا هو الملك الكبير الذي دانت له الممالك، وخضعت له بلاد العجم واقفًا يكلمكم الآن، هذا هو الشيطان الأكبر الذي حارب رجالكم، وأخذ بلادكم وهدم معالم ظلمكم وعصيانكم، قد شفق على مصائب بلاده، وجاء يحاسبكم على ما جئتم من المنكرات، فقد حان أوان عذابكم وسأُريكم كيف يكون العقاب، إني أقول لكم ذلك على مسمع من جنودكم، فإن هذه الجنود عساكري، وأنا أعتمد عليها، وهي لي قبل أن تكون لكم؛ لأنها كانت للمجد قبل أن تكون للعار، وكانت تحارب تحت أمري بعزة وازدهاء قبل أن تحارب حولكم بخيانة وذل … آه يا عصاة ويا قاطعي السبيل لقد حييتم بموتي فموتوا الآن بحياتي فها قد عدت إليكم حيًّا، فلا تحسبوا أنني ضيفكم بل أنا الملك الذي ينتقم منكم، لقد كانت آباؤكم جبابرة أبطالًا ينازلون أعداءهم نزال الأسود في ميدان القتال بلا خيانة ولا خداع، فما بالكم جئتم على أعقابكم كلابًا نابحة وعقبانًا خاطفة، وقاطعي طريق ورجال لصوصية وفساد؟ أُفٍّ لكم أتقطعون السبيل على العابر المسكين، وتغدرون المارة غدرًا وضربًا من وراء الظهور، وتحسبون أن هذا هو المجد العربي، وهذا هو الفخر الصحيح؟ أترون بلادكم ساقطة بلا رئيس ولا عضد ثم تظلمونها وتجورون من كل مكان …؟ إنكم مجرمون تستحقون العقاب الشديد على أعمالكم، فتقدموا أيها الجنود وضعوا في أرجلهم الأغلال والقيود.
عامر : هذا هو بعينه قد عاد حيًّا … ضاعفوا الحرس … أغلقوا الأبواب … أوقفوا الجنود في مراكزها … سلحوا الرجال … أرسلوا العساكر إلى الغابة تقطع لها حطبًا كثيرًا، وأشعلوا نارًا عظيمة لإحراق هذا الملك العظيم، لقد سلم نفسه بيده، وقد أخذناه في فخه:
لقد عدت لكن أين عسكرك المجر
وأين العلا والعز والمجد والفخر
وأين طبول كنت تقرعها هنا
فيهتز من أصواتها السهل والوعر
وأين صناديد حواليك جمة
لها الطوع فيما تشتهي ولك الأمر
وأين الخيول الدهم تجلبها لنا
فترجع عنا، وهي من دمنا حمر
عرفتك أنت السيد الملك الذي
أطاعك فيما قد مضى الفتح والنصر
وأنت الذي دست البلاد عوامرًا
وأقلعت عنها، وهي موحشة قفر
وأنت الذي دانت لك الأسد في الوغى
وأنت خطيب المجد والبطل الحر
عرفنا أبا قابوس قدمًا، وإنما
أتعرفنا من نحن أم فاتك الذكر
لقد سمعتك تخاطب هؤلاء الجند، وتقول: إنهم جنودك قبل أن يكونوا جنود العار، ولكن هل رأيت أحدًا منهم تحرَّك من مكانه وجاء إليك، إذن فأعلم أنهم جنود أبي لا جنودك، وأنهم للأمير سلمان قبل أن يكونوا لآبائهم، إن الضيف محرَّم علينا أيها الملك، وأنت قد قلت الآن: إنك لم تعد ضيفًا فأنت إذن عدو، انظر إلى هذا الشيخ الكبير إنه أبي الأمير سلمان، وهو الذي كوى زندك في المعركة، وجعل لك تلك العلامة التي عرفناك بها أكثر مما نعرفك بتاج الملك، وأنت تعلم أن الحقد بينكما شديد قديم، وأنك قد وضعت لرأسه ثمنًا، وقد وضع لرأسك ثمنًا كذلك، وها قد وقعت الآن في أيدينا وحيدًا شريدًا تحيطك أمراء أبطال وجنود بواسل، فماذا تصنع بنفسك أيها التعس الشقي.
حماد : أرجِع لنا بلادنا أيها الملك، فقد أخذتها منا اغتصابًا.
قيس : رد إلينا دماء رجالنا فقد سفكتها عدوانًا وظلمًا.
قراد : أرجِع لنا أصحابنا الأبطال، فقد قتلتهم جورًا وجبرًا.
عامر : لقد خرجت اليوم من قبرك أيها الملك، وإني لأرجعك إليه في الحال حتى لا يقال أبو قابوس حي، فيجاوبها الصدى قد مات، فمِت أيها الأحمق جزاء ما جنت يداك.
سلمان : أبيت اللعن يا مولاي إن ابني عامرًا قد صدق في قوله: إنك عدوي الألد، وأنا الذي تجاسرت ورفعت يدي على جلالتك فيما مضى من الزمان؛ لأني أكرهك وأريد قتلك، ولكني مع ذلك أريد أن تكون بلاد العرب سالمة من الدمار، وأن أرى بلادي ناهضة من سقطتها وخمولها الطويل، وأنت وحدك قادر على إنقاذها وإصلاحها، فخلص بلادك. أما أنا فأركع الآن طائعًا على قدميك، وأشكر الله الذي ردَّ إليَّ سيدي ومليكي … اركعوا كلكم معي، وارموا سيوفكم إلى الأرض، أبيت اللعن إن وجودك واجب لقبائل العرب الساقطة، وأنت وحدك تجمعها ولا أحد سواك يقدر على إنقاذها، وإنه لا يزال في بلاد العرب اثنان بحمد الله، أنا وأنت، وأنا وأنت نكفي فاحكم علينا يا مولاي، أما هؤلاء فقد تمادوا في كلامهم معك، ولكنهم لا يزالون صغارًا فاعف عنهم بحلمك، لقد حاربناك يا مولاي كثيرًا ونوينا لك الشر والقتل، وحاربتنا أنت كذلك، ولكنا كنا مخطئين وأنت وحدك المصيب العاقل، أطلقوا سراح الأسرى والآن تقدموا وضعوا القيود في أرجل الأمراء، مدوا أيديكم للقيود، فهكذا يريد الملك، ضعوا القيد في رجلي أولًا:
قد غدونا كما تشاء أسارى
أيها السيد الرفيع البناء
وغدا في القيود عندك سلما
ن الشريد الشهير في الأحياء
لست أرجو منك انفكاكًا لقيدي
فبحقٍّ قيدت مع هؤلاء
غير أني أهوى المسير وإيا
ك لنغدو معًا على الأعداء
خلنا في القيود ثمت خذنا
لقتال العدى وسفك الدماء
وأقمنا في أول الصف كي نلـ
ـقى المنايا في الغارة الشعواء
وعسى أن نريك منا جنودًا
قلبها مثل سيفها في المضاء
ثم نبقى أسرى لديك ونغدو
بقتال العدى من الأمراء
ضابط :
أمر مولاي، أمر مولاي …
… … … … … … …
الملك :
… … … … … للسجـ
ـن جميعًا خذهم بلا إبطاء
أغصوب … … … … …
… … … … … …
سلمان :
ويلاه … … … … …
… … … … … …
الملك :
… رح وانتظرني
حيث تمضي للندب كل مساء

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤