شقائق الطور

١

شهيدُ دلاله حفل الوجود
وكل الكائنات من السجود١
ألم تر أن شمس الأفْق لاحت
بوجه الصبح من أثر السجود؟

٢

بقلبي من تَحَرُّقه ضياءُ
ويجلو النورَ في عيني البكاءُ
فزاد من الحياة نوى غبي
يقول: العشق مس أو هراء

٣

نسيم العشق في الجنات جارِ
ويُنمي العشقُ أزهار البراري
ويخترق البحارَ له شعاعٌ
فيهدي العشقُ حيتان البحار

٥

رموز العشق في ورق الشقائقْ
وغمُّ العشق في رُوح الخلائق
وإن تصدعْ طباقَ الأرض تبصرْ
نصيب العشق من دمِ كل عاشق

٦

وما كلٌّ له في الحب كِفل
وما كل الوَرَى للحب أهلُ
على ورق الشقائق وسْمُ غمٍّ
ويخلو من شَرَارِ القلب لَعْلُ٢

٧

بهذا المرْج مثلَ الريح أسْري٣
علام أهيم فيه؟ لست أدري
فإن أظفر وإن أخفق فإني
شهيد تضرم الآمال عمري

٩

يقول العندليب: أيا صحابي!
أغيرُ الغمِّ في هذا التراب؟
يشيخ الشوك في عرض الفيافي
ويذوي الورد في عمر الشباب

١٢

لبدءٍ أو ختام لست أُسري
أنا سرٌّ أحاول كشف سرِّ
فإن بَدَتِ الحقيقة دون ستر
رجعت إلى «لعلَّ» و«ليت شعري»

١٣

أقلبي! كالفراش هوًى، إلامه؟
ولا تمضي مضاء فتًى، إلامه؟
بنارك فاحترقْ يومًا وأقدمْ
بنار الأجنبي صلًى، إلامه؟٤

١٤

أقم بدنًا على كف الغبارِ٥
شديد الأسر صلبًا كالحجارِ
وقلبًا فيه جيَّاشًا بهمٍّ
كنهرٍ في حِمى الأطواد جارِ

١٧

أنَجمَ الصبح تُسرع في فراقِ
لعلك من رقادي ضقت ذرعَا
ضللتُ بغفلتي سُبُلي ولكن
أتيتَ وجزتنا يقظانَ تسعى

٢٠

وكم ذا في الوجود من الحبور!
أرى اللذاتِ في شوق الظهور
ويَصْدَعُ غصنَه برعومُ زهرٍ
فيبسم للحياة من السرور

٢١

تقول فراشة من قبل خلقٍ
أنلني لمحةً قلقَ الحياة
رمادِي فاذْره سَحَرًا ولكن
أذِقْني ليلةً حُرَق الحياة

٢٢

نبي الإسلامِ! سر في ضميري
يُضيء كروح جبريل الرسول
أخادع آزَريَّ الطبع عنه٦
فهذا السر من سر الخليل

٢٤

أراك بسرِّ أفلاكٍ تجولُ
وتجهل سر نفسك يا جهول
فوجِّه — كالنواة — إليك عينًا
ليُنبت من قرارتك النخيل

٢٥

تغنَّى طائر سحرًا طويلَا
فأبدع شدوه نغمًا وقيلا:
أبنْ عمَّا بصدرك لا تدعْه
غناءً أو أنينًا أو عويلا

٢٨

أتبغي عند مثلي من شراب
يَرُدُّك من وجودك كالبعيد
فلا تطلب بسوقي من متاع
سوى صدر تَمزق كالورود٧

٢٩

تسوءُك روضتي مرأي إذا لم
يسرَّك في طِلابٍ بذلُ روحِ
أُبيِّن في عروق الورد سرًّا
ربيعي ليس من لون وريح

٣١

أنا في الروض منفردٌ غريبٌ
على غصني أَنوحُ مع الرياح
فإن تك من رِقاق القلب فابْعُد
فإن دمي لَيرشح في نُواحي

٣٣

أهاب اسكندرٌ بالخضر: أقبلْ
وعانِ الكدَّ في بحر وبر
وموتن في الوغى تزددْ حياة
إلام تحيد عن كرٍّ وفرِّ؟

٣٦

له نقش يجدد كل حين
فلا تبقى الحياة على غرار
فإن صورت يومك مثل أمس
فما يحوي ترابك من شرار

٤١

بهذا المرج ما علَّقت قلبي
مضيتُ ولم تعوِّقْني القيودُ
كريح الصبح طفت به قليلًا
مضيت ونضَّرت منِّي الورودُ

٤٣

أجاش بقطرتي بحرًا وردَّت
حُميَّاه ترابي جام جم٨
أقام العقل أصنامًا برأسي
خليلُ العشق بادَرَها بهدمِ

٤٦

أتيتَ الطُّورَ تلتمس التجلِّي
فروحك منك ليست في وصال
فأقدم في طِلابك آدميًّا
كذاك الله في طلب الرجال

٥٠

لخوف الموت قلبك في ارتعاد
ولونك حالَ من خوف الشتات
فنفسَك أحكمَنْ وازددْ نضوجًا
فإن تفعل تعش بعد الممات

٥٣

دع الرازيَّ في تفسير آيٍ
فإن ضميرنا نِعم الدليلُ
يضرم عقلنا والقلب يصلى
بذا نمرودُ فسَّر والخليلُ

٥٥

فأبلغْ شاعر الألوان عني
لهيبك كالشقائق لا يضير
فنفسك لا تذيب بنار قلب
ولا ليلًا لمحزونٍ تنير

•••

جميلك أو قبيحك لا أراه
جعلت عياره ربحًا وخُسرا
بهذا الحفل مَن مثلي وحيدًا؟
أرى الدنيا بعين فيَّ أخرى

٦٠

دع الشُطآن لا تركنْ إليها
ضعيف عندها جرْس الحياة
عليك البحر صارع فيه موجًا
حياة الخلد في نصبٍ تواتي

٦٢

أتُكثر لي حديثًا عن حياة
ولستُ أراك فيها بالحقيق؟
سكرت بلذة التَسيار حتى
جعلتُ منازلي ميل الطريق٩

٦٧

مررت بزهرة ذبُلت فقالت
وجودي مثل ما طار الشرار
يذوب لمحنة النقاش قلبي
فليس لنقش ليقته قرار

٦٨

أرى الدنيا على سعة كَحوت
من الأيام في بحر عميق
فقلبَك أبصرَنْ واعْجب لبحر
من الأيام في كأس غريق

٦٩

أنا في المرح حِدِّيثُ الطيور
ومِقْوَل كل برعوم صغير
فأسلم للصبا تُربي بموتي
فما لي غير طَوف بالزهور

٧٠

أوادي الورد تبدي كل شيء
فما سر الشقائق في لهيب؟
بأعيننا الربى أمواج لون
فكيف تُرى بعين العندليب؟

٧٣

دماغي يعشق الأصنام كفرًا
يربيها ويعبد كل حين
فأبصِر في فؤادي نار عشق
بعيد أنت من سنني وديني

٧٥

عوالم من نجوم لا تُحدُّ
يطير الفكر فيها لا يُردُّ
ولكنْ في خفايا القلب يُلفى
لما يحتويه قد الحدُّ، حدُّ

٧٦

بسلسلة القضاء ربطت رِجلًا
وفي سعة العوالم ضقت حالَا
فقم إن كنت في ريب وحاولْ
تجدْ للرِّجْل في الدنيا مجالَا

٧٨

بضربك قد علت أنغام روحي
أفي روحي وخارجها تكون؟
بدونك خامد وبك اشتعالي
بلا كيفٍ فكيف تُرى بدوني

٧٩

أرى الأنفاس من جدواه مَوجًا
ومن أنفاسه نابي ونغْمي
على النهر المؤبد قد نبتنا
وقطر نداه أعصابي وجسمي

٨٢

أيا طفل السجايا اسْمع عتابي
أإسلام وفخر بانتساب؟
فإن تعتز بالأنساب عرب
فإن جزاءها هجر الصحاب

٨٣

أأفغان وتاتار وترك
وفي مرج ومن غصن نَمَوْنا
حرام بيننا تفريق لون
ربيع واحد فيه زهونا

٨٤

ثَوتْ في صدرنا همم كبار
بطينتنا فؤاد فيه نار
من الخمر التي فينا أضاءت
مُقيم في زجاجتا شَرار

٨٥

أيا قلبي، أيا قلبي، أيا قلبي
أيا فلكي ويا بري وبحري
قطرتَ على ترابي كالندى أم
نبتَّ بتربتي بُرعوم زهر؟

٨٨

أتسأل من أنا من أين جيت؟
حبيت بما على نفسي طُويت
بهذا البحر مثل الموج أسرى
إذا لم أطو في نفسي فنيت

٩٠

عليك السير لا ترغب مقيلا
وسر كالشمس لا ترقب دليلا
وهب للآخرين متاع عقل
ونار العشق فاحفظها بديلا

٩١

ألا يا عشق يا رمز الفؤاد
ويا زرعي النضير ويا حصادي
تقادم أهل هذا الترب فاخرج
بآدم محدث من ذا الرماد

٩٦

يرى قلبُ الشجاع الليث وهمًا
وفي قلب الجبان الظبيُ ببْرُ
فإن تَجْبُنْ رأيت الموج وحشًا
وإن تشجعْ فإن البحرَ برُّ

٩٧

أخمرًا خلتني أم كأس خمرِ؟
ودرًّا خلتني أم كيس درِّ؟
أراني غير روحي وهي غيري
متى أنظر إلى مكنون سرِّي

٩٨

تقول: بطيرنا علقت قيود
وفي شرك الجسوم لها همود
ومعنى الروح بالأجسام يعلو
مِسنُّ سيوفنا هذي الغمود

٩٩

فكيف بقلبنا ولد الرجاء؟
وكيف سراج منزلنا يضاء؟
ومن في العين يبصر؟ما يراه؟
وكيف حوى النُّهى طين وماء؟

١٠١

لنا كون لأزميل ونحت
يقلبه صباحك والمساء
مثال من تراب لم يكمل
يسويه بمبرده القضاء

١٠٣

طريقك فانحتنه في كفاح
طريق سواك مسلكه عذاب
فإن أبدعت في عمل فريٍّ
وإن يك مأتمًا فلك الثواب

١٠٤

دليل القلب لا يرضى نزولًا
ولا يرضيه ماؤك والتراب
فلا تحسبْه في جسد مقيمًا
فلا يرضى بشط ذا العباب

١٠٦

تخذتُ لخلوتي طيني ومائي
وبُوعد بين أفلاط وبيني
فلم أستجد وما عين غيري
ولم أر عالمي إلا بعيني

١٠٨

ترى رمز الحياة بكل كمٍّ
مجاز فيه يا قلبي الحقيقه
بترب مظلم ينمو ولكن
له عين إلى شمس الخليقه

١٠٩

يضيء على المروج وكل سهب
وكاس الورد فيه نور حب
وما تغشى الورى ظلمات ليل
فحرقته السراج لكل قلب

١١١

وبالعدم استرابت ثم راغت
فحلت قلب آدم للثواء

١١٢

بقلبي سر جثمان وروح
فلا فزع إذا أجَلي أتاني
فإما غاب عن عيني كَوْن
فباقٍ ألف كون في جناني

١١٤

مزاج الزهر أعرف في يقين
وريح الورد في خلد الغصون
وحبَّبَني إلى الأطيار أني
عَرَفْتُ لها مقامات اللحون

١١٥

نظام الكون من شعر الرجاء
له الأوتار من وتر الرجاء
بعيني كل ما يمضي ويأتي
هو اللمحات من دهر الرجاء

١١٦

يهيم القلب في أثر الرجاء
وصدري من ضجيج في عناء
فلا تطمع جليسي في حديثي!
فإني من فؤادي في نداء

١١٩

أرى الحكماء تَحْطِمُ كل شكل
ومن هذا الوجود بسومنات١٠
يريدون الملائك في طِلاب
وما ظفروا بآدم في الحياة

١٢١

جلست مع الطبيعة ألف عام
وُصلتُ بها وعن نفسي فصمت
قصارى سيرتي في ذاك أن قد
نحتُّ، وقد عبدتُّ، وقد حطمت

١٢٣

بنفسي جلوة الأفكار، ما هذا؟
وحولي محشر الأسرار، ما هذا؟
ابن لي يا حكيم: يقيم جسمي
وروحي دائم التسيار، ما هذا؟

١٢٥

بكَيفِك إن تُحطْ خُبْرًا وكَمِّكْ
يَفِضْ من قطرة لك فيض يمِّك
فيا قلبي لِمَ استجداء شمس؟
من الأنفاس نوِّر ليل غمِّك

١٢٦

أَفِقْ ما القلب بالأنفاس يحيا
ولا هو رهن ما يفنى ويبقى
أخا الأوهام لا تَرهبْ حِمامًا
فإن نَفَسٌ مضى فالقلب يبقى

١٣١

إلى أهل التصوف والصفاء
رجالِ الله أرباب الضياء:
أنا عبد لِهِمَّة عبد نفس
بنور النفس للخلاق راءِ

١٣٤

بسُدَّة حاننا الغَبْرَا غبار
ودورة كأسنا الفلك المُدار
حديث جهادنا مضنٍ طويلٌ
ودنيانا لقصتنا اختصار

١٣٨

وما علَّقت بالأنغام قلبي
وفي نغم الحياة أنا الخبير
وقد غنَّيت في الأغصان حتى
تصيح الطير: من ذا يا زهور؟

١٣٩

أثَرتُ بنغْمتي كل النوادي
ومن شرر الحياة جعلت زادي
أضاء القلب من عقلي ولكن
جعلت عيار عقلي في فؤادي

١٤٠

رددتُ العُجم فتيانًا بزمري
وراج متاعهم من بعد خسْر
وكانوا هائمين بكل وادٍ
وقافلةً نَظمتُهمُ بشِعري

١٤١

بروح العُجْم من نَغَمي شرار
قَرعتُ لهم بأجراسي فساروا
وعاليت الحداء لهم كعرفي١١
تباطأ محمل ونأت ديار

١٤٢

نفثتُ النار من روحي نفثتُ
وصدرَ الشرق قلبًا قد وهبتُ
وصيَّر طينَه لهبًا نُواحي
كبرق في سجاياه نفذتُ

١٤٥

بأغصان الرجاء جنيت أكلًا
وأفضى الدهر بالسر المنيع
أراميَّ اخشَ للبستان ربًّا
فإن معي رسالات الربيع

١٤٧

بحار العجم ليس لها قرار
وفي أحشائها درر كبار
ولكن لا أحب ركوب بحر
إذا لم يُخشَ في موج خطارُ

١٤٨

على دنياك تقضي بالهوان
وستَّر للمغيَّب كلُّ آنِ
فأحكم يومك المشهود واعلمْ
بأن غدًا ضميرٌ في الزمان

١٤٩

كرهت سيادة الإفرنج لكن
سجودك للقباب وللقبور
ألِفْتَ عبادة السادات حتى
لَتنحتَ سادةً لك من صخور

١٥٠

إلام تعيش في رث الإهاب؟
إلام تعيش نملًا في تراب؟
فَطِرْ كالصقر معتزمًا وحَلِّقْ
إلام أسير حبًّا في اليباب

١٥١

تخذْ في الورد والأزهار عشًّا
ومن طير دروسًا في انتحاب
وإن ينقص قواك الشيبُ فأْخذ
من الدنيا نصيبًا من شباب

١٥٣

أهاب بمسمعيَّ تراب قبر:
وتحت الأرض يمكن أن يُعاشا
له نفس وليس لديه روح
ذليل في مراد سواه عاشا

١٥٧

سماطي ليس فيه ما يروق
ولا في الكأس لألأت الرحيق
غزالي يغتذي عشب الموامي
ولكنْ صدره مسك فتيق

١٥٨

قلوب المسلمين قبسن ناري
ودمعي من عيونهمُ هتون
بروحي محشر قد غاب عنهم
فلم ترَ ما رأيتُ لهم عيون

١٦٠

أرى للعشق تصريفًا عجيبَا
يقلب كيف ما يهوى القلوبا
رماك بأدمع وسباك نفسًا
وصيَّرني إلى نفسي قريبَا

١٦١

رأيتك لا تزال أسير طين
إلى ترك وأفغان تُردُّ
أنا بشر بلا لون وريح
وللتوران أو للهند بعد

١٦٦

أثار الشعر في جنبيَّ نارَا
وردَّ الترب في طُرقي شَرارَا
حديث الحب حاوله لساني
فزاد السر تبياني سِرارَا

١٦٣

تولى بعدُ عن عقل الفنون
وأدمى قلبَه عشقُ الشجون
فلا تستفت إقبالًا لشيء
فإن حكيمنا رهن الجنون
١  جمع ساجد.
٢  اللعل: العقيق.
٣  الريح: الرائحة.
٤  هذه الرباعية مردوفة. فيها الروي قبل الكلمة المكررة.
٥  يكثر التعبير في الفارسية عن الإنسان بكف غبار «مشت خاك».
٦  آزري الطبع: الذي يشبه آزر والد إبراهيم. وكان ينحت الأصنام، وكان ولده الخليل يدعو إلى التوحيد.
٧  جمع ورد. والورد في خياله يمزق صدره ليتجلى جماله.
٨  كأس جمشيد أحد ملوك الأساطير الفارسية كان يرى فيها العالم.
٩  يعني أن كل منزل يبلغه يعده علامة على الطريق لا غاية. والميل الحجر يبين المسافة.
١٠  معبد أصنام معروف في الهند.
١١  إشارة إلى بيت عرفي الشيرازي:
نوارا تلخ تر مي زن چوذوق نغمه كم يابي
حدى را تيز ترمي خوان چون محمل را گران بيني

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤