أفكار

الوردة الأولى

لا أرى في المروج لي من قريع
أنا أولى زهور هذا الربيع
أبتغي في الغدير صورة نفسي
لأرى وجه مؤنس لي سميع
في سطوري رسالة بيراع
خط سطر الحياة في ترصيع
أمس قلبي وعبرة اليوم عيني
وغدي منيتي وكل بديع
وأنا النجم خلفته الثريا
نسج الترب ثوب ورد عليَّا

دعاء

أيا مالئًا كأسي بحانة فطرتي
أَذِبْ طين كأسي من حرارة خمرتي
وصيِّرْ أنيني ثروة العشق واجعلَنْ
ترابًا بسينائي تسعر شعلة
إذا مت فاجعلني سراج شقيقة١
وبالبِيد أحرقْني وزد نار وسمتي

رائحة الورد

وحوراء في الخلد ضاقت فقالت:
«جهلنا بما تحتنا من جهاتِ
يحير عقلي نهار وليل
وما قيل عن مولد أو ممات»
غدت ريح ورد وذرَّت بغصن
فحلَّت بعالم ماض وآت
وتفتح عينًا وتبسم كمًّا
وبعد نماء هوت في شتات
لهذي الطليقة لم تبق ذكرى
سوى آهة سمت بالشذاة٢

نشيد الوقت

قد أحاط الشمس حجري
وحوى الأنجم صدري
أنا لا شيء ولكن
فيكمُ روحيَ تسري
أنا في دورٍ وقفرِ
أنا في كوخٍ وقصرِ
أنا داء ودواء
وأنا عيشة يُسْرِ
أنا سيف الدوران٣
أنا عين الحيوان٤
إن جنكيزَ وتيمو
رَ قليلٌ من غباري
ثورة الإفرنج فيها
نفثات من شراري
إنما الإنسان والدنـ
ـيا نفوشي وابتكاري
ودماء من قلوب
في ربيعي كالبهار
أنا لفح النيران
أنا روض الرضوان
أنا سيَّار مقيم
إن هذا الأمر إمْرُ
إن في خمرة يومي
من غد يظهر سر
ألْفُ كَون فانظرَنْها
في ضميري تستسرُّ
ونجوم في حباك
وقباب فيَّ خُضْرُ
أنا ثوب الإنسان
أنا سر الرحمن
سرِّيَ التقدير والتَّد
بير من سحر فنونكْ
أنت مجنون بليلى
أنا صحراءُ جنونكْ
أنا كالروح بريٌّ
من خيالات ظنونكْ
أنت في جوفي سر
وأنا سر شئونكْ
أنا حاد أنت نُزْل
أنا حقل أنت حاصلْ
أنت فيَّاض بِلحْن
أنت نار في المحافل
يا أسير الطين فكِّرْ
أنت عن قلبك غافلْ
انظرَنْهُ ملءَ كأس
وهْو بحر دون ساحلْ
إن موجًا فيك يعلو
منه يبدو طوفاني

الربيع

١

هلم فإن سحاب الربيعِ
يخيم فوق الربى والوهادِ
وشدو العنادل في كل وادِ
ودُرَّاجه والقطا في تهادي
على حافة النهر جذلى شوادي
شقيق وورد ضحوك ينادي
فطرفك سرح بهذا المراد
هلم فإن سحاب الربيع
يخيم فوق الربى والوهاد

٢

هلم فملء الربى والسهول
قوافل أزهاره والورود
نسيم الربيع على كل عود
وللطير إبداعها في النشيد
ومزقت الجيبَ حمرُ الخدود٥
جنى الحسنُ ناشئ زهر نضيد
وللعشق إبداعُ غمٍّ جديد
هلم فملء الربى والسهول
قوافل أزهارِه والورود

٣

صفير البلابل ملء الجواء
وصوت الصلاصل ملء النسيم٦
دم المرج في جوفه كالحميمْ
فيا قاعدًا صامتًا لا يريمْ!
دع الصمت واترك وقار الحليمْ
وخَمْرَ المعاني اشْرَبَنْ يا سقيمْ
تَدَثَّرْ بوردٍ وغَنِّ النديمْ
صفير البلابل ملء الجواء
وصوت الصلاصل ملء النسيم

٤

دع الدور واطلب فسيح البراريِّ
وانظر إلى صفحات الجمال
على حافة الماء دون ملالِ
تأمَّلْ ترقرُقِ ماء زُلالِ
وحدق إلى نرجس ذي دلالِ
بُنَيَّاتُ نيسانَ ذاتُ اختيالِ
وقبِّل عيونًا لها كاللآلِي
دع الدور واطلب فسيح البررايِّ
وانظر إلى صفحات الجمال

٥

وعين البصيرة فانظر بها
أيا غافلًا عن عيان الخِلَقْ
شقيق بدا حَلَقًا في حلق
بأعطافه لهب قد علق
على كبد فيه ذات حرق
يلوح ندًى من دموع الفلق
فحدِّقْ إلى أنجم في شفق٧
وعين البصيرة فانظر بها
أيا غافلًا عن عيان الخلق

٦

ثرى المرج صرَّح في هيجه
بما أضمرت مُهَجُ الكائنات
فناء الصفات وكون الصفاتِ
وما أبدت الذات من جلوات
وما خلته من معاني الحياة
وما خلته من معاني الممات
فليس له ها هنا من ثبات
ثرى المرج صرح في هيجه
بما أضمرت مهج الكائنات

الحياة الخالدة

لا تظنَّ الخمَّار وافى ختامًا
كم من الراح في عروق الكرومِ!
يجمل المرح لا بثوب حياة
مزقته النسيم، كالبرعومِ
من يحط بالحياة لم يرض قلبًا
لم تخزه المنى بشوك أليمِ
محكمًا كالجبال عِشْ، لا ضعيفًا
واهن النار طائشًا كالهشيمِ

أفكار النجوم

سمعت بكوكب لأخيه يشكو:
لنا بحر وليس يلوح ساحلْ
خُلقنا للمسير بلا وقوف
فليس لركبنا أبدًا منازلْ

•••

فإن تمض النجوم كما نراها
فما جدوى العناء؟وما نفيد؟
بأشراك الزمان لنا إسار
سعيد من يجانبه الوجود

•••

لَهذا العبءُ محمله شديد
فليت وجودنا عدم أبيد
كرهت القبة الزرقاء أوجًا
حضيض الترْب خير. لو نريدُ٨

•••

فطوبى لأبي آدم في طعان
قد استولى على طرف الزمان
خليق بالحياة له قوام
يجد: أو يخلق كل آن

الحياة

بكى في الظلام سحاب الربيع
فقال: الحياة بكاء مديد
فقال له البرق في ومضه:
هي الضحك في لمحة، لا تزيد
فمن أبلغ الروض هذا الحديث
فصار حوار الندى والورود؟

محاورة العلم والعشق

العلم :
أنا سر الكواكب والجهات
وفي قيدي ثوى ماضٍ وآتِ
وعيني حدقت فيما أمامي
وما نظري وراء السابحات؟
وكم نغمت في عودي وبوقي
وأسراري عرضت بكل سوق
العشق :
بسحرك سُجِّرَتْ هذي البحار
وملء الجو سمُّك والشرار
وكنت لي الصديق فكنت نورًا
ونورك مذ هجرت حماي نار
ولدت الأمس في حرم الرحيم
وصرت اليوم في قيد الرجيم
هلم فرد روضا ذا اليبابا
ورد مشيب دنيانا شبابا
هلم بذرة من نار قلبي
أقم في الأرض فردوسًا عجابا
كلانا الدهر خل لا يجور
للحن واحد بم وزير

غناء النجوم

وجودنا نظامنا
وسكرنا انسجامنا
في دورنا دوامنا
لا يرتجى مقامنا
في فلك مرامنا
ننظر سائرات

•••

وجلوة الشهود
ومظهر البدود٩
ومعرك الوجود
والعُدم والموجود
والغيب والمشهود
ننظر سائرات

•••

وحلبة الطعان
ونشأة الشجعان
وغير التيجان
وذلة السلطان
ولعب الزمان
ننظر سائرات

•••

مضى زمان المولى
والعبد قد تولى
سكندر قد ولى
وقيصر قد ذلا
والوثن اضمحلا
ننظر سائرات

•••

والصمت والصياحا
والذل والكفاحا
والخنع والطماحا
وتارة أفراحا
وتارة أتراحا
ننظر سائرات
عقلك في عقد وحل
من كم وكيف في شغل
مثل غزال قد عقل
مضطرب ومضمحل
ونحن في العليا نحل
ننظر سائرات

•••

ما السر ما الظهور؟
وما الدجى ما النور؟
ما الغلب ما الشعور؟
ما فطرة ضجور؟
ما الغيب والحضور؟
ننظر سائرات

•••

كشرك عندنا أمم
حولك عندنا لمم
يا من بصدره خضم
قنعت بالطل انسجم
نحن بعالم نهم
ننظر سائرات

نسيم الصبح

أجيء من لُجِّ بحر
ومن قلال الجبال
مسيرًا لست أدري
من أين شدت رحالي
أزجي لطائر غم
بشرى ربيع الجمال
وناثرًا تحت عش
نثار زهر غوال
بخضرة أتردى
وبالشقيق اتصالي
حتى يهيج فيه
لونًا وريحًا وصالي
يمس أوراق ورد
تلطفي واحتيالي
فلا تميل غصون
من طوفي المتوالي
وشاعر هيجته
هموم عشق ثقال
مزجت أنفاس صدري
بلحنه والمقال

نصيحة صقر لفرخه

تعلم بنيَّ بأن الصقور
لها قلب ليث وجسم صغير
فكن مُحْكَمَ الرأي شهمًا جسورَا
عليَّ السجايا أبيًّا غيورَا
بغاث الطيور اهجرنْها بعيدَا
ودعها إذا لم تُرِدْ أن تصيدَا
فتلك الرعاديد نسل اللئام
تدس مناقيرها في الرغام
أرى الباز صيدًا لما اصطاده
إذا قلد الصيد ما اعتاده١٠
فكم باشق قد أتاه النوى
بصحبة لَقَّاطِ حَبٍّ هوى
فنفسك فاحفظ وعش في جذل
جريئًا متينًا قوي العضل
ودع للدراريج لين الجسد١١
وكن مخلبًا كالمُدَى أو أَحَد
متاع الحياة، تعلُّم، جهاد
وصبر على محنة واجتهاد
نقول لفرخِ عقابٍ عتيق:
«بريق الدماء يفوق العقيق»
ولا تبغ سربًا كسرب الغنم
توحَّدْ كقومك منذ القدم
سمعت وصاة الصقور العتاق
بألا نقيم بظل وساق
فليس لنا في رياض مجال
فسيح الفيافي لنا والجبال
ولقطك حبًّا بأرض خطاء
حبانا الإله عنان السماء
فإما خطا في التراب النجيب١٢
فأشرف منه حمام ربيب
فإن بساط البراة الحجر
يحد مخالبهن الصخر
نماك الأوابد زرق العيون
كأنك عنقاء جو متين
أصيل أبي بيوم الخطر
كفيل بإنسان عين النمر
جناحك من سطوات البروق
من الشهب فيك كريم العروق١٣
فطِرْ في السماوات لا تخش خطبَا
وكل ما أصبت يبيسًا ورطبَا
ولا تقبلن طعمة من أحد
وكن راشدًا واستمع للرَّشَدْ

سوس الكتب (الأرضة)

سمعتُ بمكتبي ليلة
ينادي الفراشة سوس الكتاب
يقول مررت بكتْب ابن سينا
ونقبت في كتب الفاريابي
ولم أدر حكمة هذي الحياة
وما زلت من ظلمتي في حجاب
تجيب الفراشة في حرقة:
أرى نكتة لا ترى في كتاب
رأيت الكفاح يعد الحياةْ
رأيت الكفاح يمد الحياةْ

الشقيقة١٤

نار بصدر عشق
في أزلٍ أنيرُ
شمسًا أرى وفي كلْ
لِ ذرة أثور
شرارها من ناري الـ
ـسماء تستعير
حللت صدر مرج
كنفس أدور
وكالندى من تُربى
غصن بدا نضير
قال: قفي قليلًا
ولهبي يغور
وما ثواء قلب
من ألم يسير؟
ثوي بضيق غصن
في قلق يفور
حتى كُسيت لونًا
وعبق العبير
رشَّ الندى طريقي
بلؤلؤ ينير
والصبح لي ضحوك
وبي الصبا تدور
حكى لعندليب
وَرْد له نضير:
أني سلبت ناري
وخمد السعير
فقال في نُواحٍ:
كم أُغْلِيَ الظهور١٥
أحمل من شمس
تشع في ضلوعي
فهل — وليت شعري —
للنار من رجوع

الحكمة والشعر

ابن سينا في غبار حائر
ويد الرومي في ستر الحبيب
غاص هذا يجتني دُرًّا وذا
كغثاء دار في اللجِّ المهيب
إن حقًّا دون نار حكمة
وهو شعر إن يصب نار القلوب

اليراعة١٦

وذرَّة حقيرة
قد جمعت قواها
كأنها فراشة
من حُرَق تصلاها
قد نَوَّرَت دجاها
فهي أياة خلفت
وانعقدت شرارَا
من حرقة في قلبها
تحولت نضارَا
وبصرًا نظَّارَا
فراشة في قلق
تطير كل ناحيةْ
على اللهيب رفرفت
حتى كأنه هيهْ
أنا وأنت قاليَةْ١٧
أو كوكب في صدره
مستتر الضياء
وقد تدلَّى هابطًا
في الأرض لاجتلاء
من فلك السماء
أو قمر مصغر
بجلوة تمام
فمنة الشمس على
شعاعه حرام
لم يحوه مقام
يا لك من يراعة
تصورت من نور
مسيرها سلسلة الـ
ـغياب والحضور
وسنة الظهور
يا مشعلًا للطير في
معتكر الظلام
ما حرقة أحسستها
فأنت في هيام؟
حرارة الأقدام
نحن وقد نبتنا
مثلك من تراب
نجهل في اضطراب
نبصر في اضطراب
نخفق في الطلاب
أقول قول واع
مجرب شفيق:
لا تَسْعَيَنْ لنُزْلٍ
وامض على الطريق
وارضَ بذا التوفيق

الحقيقة

تقول لبطة صحبت عقابَا:
أرى ما أدركت عيني سرابَا
أجابتها محاورةً بحق:
ولكني أرى ماء عبابَا
فقال الحوت في لجٍّ عميق:
هنا شيء ويضطرب اضطرابا

حداء: نغمة حادي الحجاز

يا ناقتي الخَطَّارة
وظبيتي المعطارة
وعدتي والشارة
والمال والتجارة
يا دولتي السيارة!
حثي الخطى قليلًا
منزلنا قريب
مطربة الرغاء
جميلة الرواء
محسودة الحسناء
وغيرة الحوراء
بنية الصحراء!
حثي الخطى قليلًا
منزلنا قريب
كم غصت في السراب
في وقدة اليباب
وسرت لم تهابي
في الليل كالشهاب
والنوم عنك نابي
حثي الخطى قليلًا
منزلنا قريب
قطعة غيم غادي
سفينة الرواد
كالخضر في البوادي
تمضين في سداد
فلذة قلب الحادي!
حثي الخطى قليلًا
منزلنا قريب
هيامك الزمام
وسيرك الأنغام
يتعبك المقام
لا الجوع والأوام
والسفر المدام
حثي الخطى قليلًا
منزلنا قريب
ممسية في اليمن
مصبحة في قرن
ترين حزن الوطن
كالخز تحت الثفن
إيه غزال الختن!
حثي الخطى قليلًا
منزلنا قريب
بدر السماء نعسا
خلف التلال خنسا
والصبح قد تنفَّسا
مزَّق هذا الغلَسا
والريح تزجي نفسًا
حثي الخُطى قليلًا
منزلنا قريب
لحني دواء السقم
والروح ملء نغمي
يحدو الركاب كلمي
من جارح وبلسم
هلمَّ بنت الحرم!
حثي الخطى قليلًا
منزلنا قريب

بين الله والإنسان

خلقت الأنام لطينٍ وماء
خلقت تتارًا وزنجًا وفرسَا
خلقت من الترب هذا الحديد
وسهمًا خلقت وسيفًا وتُرسَا
وفأسًا خلقت لجذع وغصن
وسجنًا صنعت لطير مغني
الإنسان :
خلقتَ الظلام فصغتُ السراج
وطينًا خلقتَ فصغتُ الكئوسا
خلقتَ جبالًا وبِيدًا ومَرجًا
خلقتُ حدائقها والغروسا
أنا من حجارٍ صنعت مرايا
أنا من سموم صنعت دوايا

اليراعة

تقول يراعة: لا تحسبنِّي
كنمل السوء يألمني رفيقي
ولا أعشو إلى نيران غيري
كما يهفو الفراش على الحريق
إذا حلك الظلام كعين ظبي
أنرتُ بنور أضلاعي طريقي

وحدة

قد قلت للبحر يومًا
في موجه المتعالي
أراك حِلف طلاب
فما تُكِنُّ ببال؟
وكم حويت بصدرٍ
من لامعات اللآلي
أفيك مثلي صدر
بجوهر القلب حالي؟
فصَدَّ عني بجزر
ولم يرُدَّ سؤالي
وقلت للطود يومًا:
يا خاليًا من عناء
أنال سمعك صوت
من زفرة وبكاء
إن كنت تحوي عقيقًا
به عروق دماء
فواسني بحديث
إني حليف شقاء
فصد عني صموتًا
ولم يرد سؤالي
جَدَدْتُ في السير حتى
أتيت بدر السماء
فقلت: يا نِضْوَ سير
إلى متى في مضاء
الأرض مرج زهور
من نورك اللألاء
أخلف نورك قلب
في حرقة وعناء
رأى الكواكب ترنو
فلم يرد سؤالي

•••

وقلت لله ربي
من بعد طوف البرية:
أما بدنياك هذي
من ذرة لي نجية؟
أكل طيني قلب
وذي البرايا خلية
طابت مروج ولكن
ليست بشدوي حرية
أجابني بابتسام
ولم يرد سؤالي

قطرة الندى

قد قيل لي تدلَّيْ
من فلك الدراري
واستحكمي وسيري
للبحر ذي التَّيَّار
في الموج لا تحاري
تحولي واختاري
في الدرر الكبار
فما رضيت بحرًا
لصحبتي بحال
عفت احتساء راح
تسلبني خلالي
ما ضفت من خصالي
وعشت في اعتزال
قطرت كاللآلي
الورد لي سئول
ما خطب طير السحر
وما جهات النظر؟
وما وراء البصر؟
ما الشوك حول الزهر
ما نحن في اصطحاب؟
من نحن يا ودود؟
ما طائري المغني
رجَّحه الأملود؟
ما يقصد الغِرِّيدُ؟
وما الصبا تريد؟
ما العالم العتيد؟

•••

قلت: المروج حرب الـ
ـحياة في الآفاق
حفل له نظام
من لذة الفراق
الروح من إشراق
ونفسي أشواقي
سر من الخلَّاق
من فلك هبوطي
من طينة فتقت
من لذة التجلي
نموت إذ أشرقت
في الغصن قد خفقت
كم حُجُب مزقت
نفسك قد حقِّقت
الدهر في اخضرار
من دمعنا في السحر
وذي الجهات طُرًّا
خداعنا في النظر
بالصدر سرب الزهر١٨
من قلبنا كالشرر
ونورنا في البصر
في ثوب ورد إبر
من شوكه تصول
شوك! أجل، ولكن
نادمه الجميل
من عشقه نحيل
وعنده الخليل
في روضه أصيل
القلب أَخْلِيَنَّهْ
من صحبة الدهور
عينك فافتحنها
للكوكب المنير
وصحبة البصير
مثلي هلم طيري
في الفلك الكبير

العشق

فكري قد أجدَّ كُلَّ سير
وطاف بين حَرَمٍ ودير
عدوت للطلاب في البراري
مرتديًا بالنقع كالإعصار
بغير خضر أطلب المنازل!١٩
يحمل رحلي للخيال كاهل
تطلب راحا كأسي الحطيم
كالصبح من شباكه النسيم
منطويًا كالموج في البحار
حيران كالإعصار في الصحاري
عشقك فاض بغتة بقلبي
وحل كل عقدة في لبي
عرفني الوجود والفناء
وصار ديري حرمًا وضَّاء
على حصيدي مر كالبروق٢٠
عرفني لذاذة الحريق
صُعقت توًّا وسُلبت حسي
فصلت من نفسي مثل العكس٢١
رفعت للعرش العلي تُربي
بالسر قد أفشيته لقلبي
وبلغت سفينتي مرساها
وفاض قبحي رونقًا وتاها
عندي حديث العشق لا سواه
لا أحمل الملام في بلواه
غنيت عن ومض العلوم حسبي
خفقي وناري ودموع الحب

حياتك فابغ في الخطر الجليل

غزال بث شكواه غزالًا
فقال سأقصد البلد الحرامَا
أرى الصيَّاد حولي كل حين
فلا أسطيع في أرضٍ مقامَا
أبدِّل خيفَةَ الصياد أمنَا
وأنفي الغم عن قلبي المعنَّى
أجاب رفيقه أن يا خليلي
حياتك فابغ في الخطر الجليل
ونفسك فاشحذن في كل آنِ
وعش أمضى من السيف اليماني
ففي الأخطار للهمم اختبار
لأرواح وأجساد عيار

الحياة

قد سألنا عن الحياة حكيمًا
قال: خمر يطيب فيها الأَمَرُّ
قلت بل دودة نمت في تراب
قال لا! بل سمندر لا يقر٢٢
قلت: والشر طبعها. قال لا بل
خيرها قد جهلت والجهل شر
قلت: ما شوقها يسير لنزل
قال: في الشوق منزل مستسر
قلت في الطين خلقها قال فانظر:
شقت الطين حبة فهي زهر

الحور والشاع (معارضة لقصيدة الحور والشاعر لگوته)

الحور :
لا الخمر يومًا تطَّبيـ
ـك ولا إلينا أنت ناظرْ
إني عجبت لشاعر
بهوى الأحبة غير شاعر
من حَرِّ أنغام الرجاء
وحرقة الطلب المثابر
نفس تذيب بلوعة
وتغزُّل يشجو المزاهر
وخلقت بالألحان دنيا
ك العجيبة خلق شاعر
تبدو لها إرم كما
يبدو لعين فعل ساحر
الشاعر :
تَخْدَعْنَ قلب مسافر
بالسحر من وخزات قائل
ما إن تحاكي لذة
وخزات شوك في المجاهل
ماذا أقول وفطرتي
لا ترتضي دعة المنازل
قلبي على قلق كما
تهفو الصبا حول الخمائل
فإذا نظرت إلى جميل
رائع حلو الشمائل
خفق الفؤاد إلى الذي
يعلوه حسنًا في المحافل
فمن الشرار إلى النجوم
إلى الشموس رُقِيَّ آمل
إني ليهلكني القرا
ر فما أعوج على المراحل
وإذا شربت من الربيع
الكاس تسري في المفاصل
أشدو بشعر آخر
وربيعي الآتي أغازل
طلبي النهاية في الذي
لا ينتهي فيه المُسائل
لا صابر نظري ولا
قلبي عن الآمال غافل
تودي قلوب العاشقين
بدارة الخلد المواصل
لا صوت محزون ولا
ألم ولا واسٍ يسائل

الحياة والعمل (جواب لنظم هاتنا المسمى سؤالات)٢٣

يقول الساحر المسكين: دهرًا
حييت ولم يَبِنْ لي ما أكون؟
فقال الموج في صخب وسير:
وجودي السير والعدم السكون

الملك لله

طارق أحرق السفين فقالوا:
ليس هذا من فعله برشيد
غرباء ومن لنا برجوع
ذا خطار في الشرع غير سديد
أمسك السيف طارق في ابتسام
قائلًا واثقًا بعزم شديد:
مُلكنا اليوم خالصًا كل ملك
إنه ملك ربنا المعبود

النهر٢٤

انظر النهر جاريًا في هيام
بين خضر المروج مثل المجَرَّةْ
كان في المهد في السحاب نؤومًا
شاقه السير في مروج وخضْرَةْ
يبعث اللحن جاريًا فوق صخر
صافي اللون في بهاء ونضْرَةْ
يقصد البحر ذا العباب طروبَا
وعزوفًا عن كل شيء غريبَا
منحته يد الربيع طريقًا
من أقاح ونرجس وشقيق
يضحك الورد أن تلبَّث لدينا
ويقول البرعوم: قف يا صديقي
وهو قالٍ عرائس المرج ماض
في الرُّبى والوهاد غير رفيق
يقصد البحر ذا العباب طروبَا
وعزوفًا عن كل شيء غريبَا
ومئات الأنهار في الحزن والسهـ
ـل تناديه: يا فسيح المجال
قد حمانا المسير قلةُ ماء
فارحمَنَّا من بغي هذي الرمال
أفسح الصدر للرياح سريعًا
حاملًا رفقةً ضعاف الحال
يقصد البحر ذا العباب طروبَا
حاملًا جوهرًا كثيرًا عجيبَا
هدر النهر جائزًا كل سَدٍّ
جاز ضيق السفوح والوديان
فاض سيلًا على رُبَى ووهاد
جاز كل المروج والبلدان
هائجًا زاخرًا سريعًا مشوقًا
بجديد يمر كل زمان
يقصد البحر ذا العباب طروبَا
وعزوفًا عن كل شيء غريبَا

الجنة

وأين بجنة لعب الليالي
وليس هناك من فلك يدور
ولا فيها ليوسف غم سجن
ولا فيها زليخا تستجير
وليس خليلها يَصْلَى بنار
ولا بكليمها شرر يثور
وليس لصَرْصَرٍ فيها هبوب
فزورقها على أمن يسير
ولا ليقينها «هل» أو «عسى أن»
ولا لوصالها هجر مرير
وكيف يلذ عقل ذو ضلال
إذا وضحت طريق لا تجور
فلا تحفل بكون فيه نقص
به المولى وليس به الغرور

العشق

العقل يحرق عالمًا
في جلوة منه تغيرْ
لكنه بالعشق يعـ
ـرف كيف في الدنيا ينيرْ
العشق في الأرواح يخـ
ـلق كل لون أو يثيرْ
إني لأذكر راقصًا
ذا الحرف أو هو بي يدورْ
بالعشق ترتاح القلو
ب وإنه فيها سعير
ما كل معنًى ينطوي
في اللفظ، كم معنى يثور
أنصت لقلبك ساعةً
فلعلَّما يدنو العسير

لغز السيف

ما جاهد يُنبطُ ماء الحجر
لا يهتدي بالخضر كالإسكندر؟
كنظر العين صفي مشرق
لا بلل وهْو غريق نهر
مصراعه مكمل منفرد
ليس عليه منة للأشطر

الجمهورية

تريد معنى العلى من ساقطي همم
وأين للنمل إقدام السليماني٢٥
فاتبع حكيمًا ودع جمهورهم، أترى
بألف رأس حمار عقل إنسان؟

إلى داعية الإسلام في بلاد الفرنج

الدهر عاد بنار نمرود
جوهر الإسلام رهن تجديد
هلم نُلقِ الحجاب عن حُرق
كالشمس تغشى الورى بتجريد٢٦
أمللت حور الفرنج من حكم
ورُعت أصنامهم بتوحيد
فقل لأهل الحجاز عن سلمى
وبث في الترك شوق معمود
على خراسان والعراق فعج
ورد للعجم شوق تغريد٢٧
كم انتظرنا لعازف ولكم
شجا «جمال» بلحن مفئود٢٨
جعلت عشقًا حديث ذوي هوس
نثرت درَّ الكلام بالبيد

غني الكشميري٢٩

غني أخو الشعر رب البيان
وبلبل كشمير ذات الجنان
يفتِّح أبوابه إن ندر
ويغلقها جاهدًا إن حضر٣٠
فقيل له يا أنيس القلوب
عجبنا وفعلك أمر عجيب
فماذا أجاب الهمام الفقير؟
فقير بمُلك المعاني أمير:
أإخواننا ما رأيتم سداد
أفي الدار غيري متاع يراد؟
إذا كان في الدار ربُّ العرين
غني ففيها متاع ثمين
وإن غاب عنها أنيس الورى
فلا دار أفرغ منها ترى

إلى مصطفى كمال باشا٣١ (حزيران ١٩٢٢)

أمة كانت ومن حكمتها
نحن آثار على مر العصور
قد عرفنا سر تقدير مضى
فمضينا نقتفي سر الدهور
شررًا كنا، أجدنا نظرًا
فإذا شمس على الكون تسير
شيخنا أطفأ في أحشائه
نار عشق فختعنا في فتور
صرصر البيداء في فطرتنا
أذبلتْ ريح الصبا فينا الزهور٣٢
وعلى الأفلاك دوَّى صوتنا
فاسمعنْه اليوم في نوح الأسير
رُبَّ صيد قد أخذنا وثبة
دون أشراك كما انقضَّت صقور
وغدونا يوقع الصيد بنا
ولنا قوس وسهم في الجفير
«كلما أمكن طرف فاركضنْ
كم أمات العزم تدبير الأمور»٣٣

الطائرة

على غصن ورد بوقت السحر
نغا طائر لطيور أُخَرْ:
«لقد سُلِبَ الأجنُحَ الآدَمِي
ومُكِّنَ في الأرض هذا الغبي»
فقلت له: «يا أمير الرياح
أفي الحق إن قلته من جناح؟
بطائرة قد ركبنا الهواء
شققنا بها في عنان السماء
وأية طائرة في الفلك
يفوت مداها جناح الملك
لها عزم صقر وأَيْدُ عقاب
بلاهور ترنو إلى فارياب٣٤
تُدَوِّي وتزفِر حين السفار
وفي العشِّ صمت كحوت البحار
من الطين صار لنا جبرئيل
من الأرض نحو السماء دليل
وغى الطائر الألمعي الكلام
وأبصر ما قلتُه في الخصام
فأهوى إلى ريشه ينقر
وقال مقالك لا أنكر
فيا من يروقك عقد وحل
وفي قيد سحرك عُلْوٌ وسُفْلُ
أأصلحت في الأرض بعد عناء
فجئت لتصلح جو السما٣٥

العشق

هو الحق ضاءت عليه القلوب
وليس بسر وسرًّا يرى
هلم أنبئْك قول الخبير
بمن قد رواه وعمَّن روى
وعاه الندى خلسة في السماء
وأسمعه الورد قطر الندى
وباح به الورد للعندليب
عن العندليب روته الصبا٣٦
١  يعني زهرة من الشقائق.
٢  الشذاة: الرائحة.
٣  دوران الفلك.
٤  ينبوع الحياة، وعين الحياة في الأساطير شرب منها الخضر فلم يمت.
٥  شقائق النعمان.
٦  الصلصل الفاختة أو طائر يشبهها. والكلمة نفسها في شعر إقبال.
٧  يشبه الندى على الشقيق بالأنجم في الشفق.
٨  لو كان لنا إرادة واختيار.
٩  جمع بد وهو الصنم، معرب بت.
١٠  يعني إن قلد الصقر الطيور الضعيفة التي يصطادها في عاداتها كان هو صيدًا لها مغلوبًا على أمره.
١١  دراريج: جمع دراج وهو طائر معروف.
١٢  يعني: الصقر ونحوه، وكلمة النجيب في الأصل.
١٣  الشهب أي البيض وفيها تورية بشهب السماء.
١٤  واحدة الشقائق، التي تسمى شقائق النعمان وهي في الشعر مثال لحرقة القلب. انظر المقدمة.
١٥  يعني أن الزهرة اشترت ظهورها بذهاب نارها وهو ثمن عظيم.
١٦  ذبابة تطير بالليل كالشرارة.
١٧  يعني تحب الوحدة وتكره التعدد الذي يقال فيه أنا وأنت.
١٨  الزهر: النجوم.
١٩  بغير دليل كما دل الخضر الإسكندر.
٢٠  يكثر في الشهر الفارسي ذكرى إحراق البرق البيدر ويكني به الصوفية عن قطع العشق علائق الإنسان بالدنيا.
٢١  العكس الصورة والكلمة نفسها في الأصل.
٢٢  السمندر حيوان خرافي يعيش في النار.
٢٣  هاتنا شاعر ألماني.
٢٤  ترجمة نظم گوته المسمى نغمة محمد مع تصرف كثير. وفي هذا النظم الذي كتب قبل «ديوان الغرب» بكثير أحسن الشاعر في بيان تصوير الإسلام الحياة، وقد أُرِيدَ بهذا النظم أن يكون جزءًا من قصة إسلامية لم تكمل، وإنما أردنا بهذه الترجمة أن نبين عن رأي لگوته فحسب.
٢٥  نسبة إلى سليمان الحكيم وقصته مع النمل معروفة.
٢٦  أي بظهورها دون حجاب وفي الأصل بالعري.
٢٧  خراسان والعراق من ألحان الموسيقى أيضًا.
٢٨  جمال الدين الأفغاني.
٢٩  محمد طاهر الكشميري الشاعر المتوفى سنة ١٢٨٧ﻫ.
٣٠  ندر خرج وهي لغة الحجاز اليوم.
٣١  كان الشاعر معجبًا بمصطفى كمال إعجابه بالعزم والإقدام، فلما رآه يقلد الفرنج عابه وقال: إن جديده قديم أوروبا.
٣٢  يعني خلقنا للجهاد فأضعفنا التراف.
٣٣  البيت الأخير للشاعر نظيري.
٣٤  لاهور في باكستان، وفارياب في تركستان.
٣٥  البيت الأخير للشيخ سعدي الشيرازي.
٣٦  أبيات تمثل تطور العشق من قطرة إلى غناء بلبل إلى خفق الريح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤