الفصل الثاني

(ترتفع الستار عن غرفة صغيرة في منزل كمال بك في محرم بك بالإسكندرية ذات بابين على اليمين وعلى اليسار، وفي نهاية الغرفة بلكون مزين بالأزهار والورود على إحدى جدران الغرفة بندقية صيد.)

المشهد الأول

زينب – مريم
مريم : كفاك تعبًا يا سيدتي لقد أنهكت قواك، لا ريب أنني سأكون عرضة لتأنيب سيدي كمال بك لهذا التعب.
زينب (تدخل من البلكون وفي وسطها مريلة سوداء وبيدها رشاشة الزهور) : كادت الزهور تذبل من قلة الري.
مريم : ما رأيت سيدة في مثل نشاطك وهمتك يا سيدتي، تغيرت معالم المنزل في نصف ساعة فقط، أخشى أن يتوهم سيدي كمال بك عند حضوره أنه يدخل بيتًا غير بيته.
زينب : لماذا غاب كمال بك كل هذا الغياب؟ ألم تقولي: إنه سيحضر بعد نصف ساعة؟
مريم (تضحك برنة سرور وتعريض) : وهل مضت النصف ساعة يا سيدتي الهانم؟ سيحضر حالًا فلا تستسلمي إلى القلق، إنها لصدفة سيئة، يجلس كل يوم غارقًا بين كتبه الساعات الطوال دون أن يسأل عنه إنسان لو رأيتِ يا سيدتي ارتباكه عندما طلب منذ هنيهة لأشفقتِ عليه، جلس منذ الصباح في نافذة الطابق العلوي يرقب بمنظاره قدوم القطار، وبينما هو على مضض الصبر والانتظار إذا بالباب يدق، وإذا هو مطلوب لمقابلة المحافظ في أمر مهم، اضطرب المسكين في أول الأمر واعتذر بأنه مريض لا يستطيع الذهاب، غير أنه بعد عشر دقائق جاء الرسول يقول بأن المحافظ يلح في طلبه، وأنه إذا لم يحضر فسيجيء هو إليه أثناء انصرافه إلى البيت، فجمع المسكين أوراقه وكلفني بأن أستقبل سيدتي الهانم ريثما يعود بعد نصف ساعة، يا للمسكين! لن أنسى حالة سيدي واضطرابه في هذا اليوم.
زينب (بتعب) : حقًّا يا مريم قد تعبت فإن العمل بعد السفر الطويل أنهك جسمي.
مريم : لقد نسيتِ أن تخلعي عنك المريلة يا سيدتي.
زينب : لا أريد أن أخلعها؛ لأنني أرغب في مقابلة كمال بك وأنا في هذا الزي، (تشير إلى الباب المفتوح على اليسار) ما أجمل الطابق العلوي يا مريم! يكاد الإنسان يشاهد جميع بساتين محرم بك وهو واقف في النافذة العلوية، حقًّا إنه منزل بديع يشابه أوكار الطيور في الأشجار العالية.
مريم : وما فائدة الأوكار إذا كانت خالية من الطيور يا سيدتي الهانم؟ ألم تلاحظي كيف أشرق المنزل بأنوار السرور والنشاط في هذه اللحظة القصيرة لوجودك بيننا؟ كم نصحت لسيدي البك أن يجد له عروسًا جميلة تليق بمقامه لكنه لم يعبأ بنصائحي، ولا أنكر عليك يا سيدتي الهانم أنه كان يساورني شيء من الارتياب لمعيشته، ألم أكن على حق؟ ألا يرتاب الإنسان في شاب جميل نشط أوتي حظًّا وافرًا من الوجاهة والمال إذا ظل أعزبًا؟ نعم، كنت أقول في نفسي لا بد أن يكون سيدي البك مغرمًا بصبية جميلة تحول دونه ودونها ظروف قاسية، ولكن كل شيء تبع القسمة وما هو مكتوب على الجبين لا بد أن تراه العين وها قد صدق ظني.
زينب : كيف؟
مريم : هل خيل إليك يا سيدتي الهانم أنني خادم فقط عند كمال بك؟ كلا، إنه ليخصني بمنزل الأم، لقد قص عليَّ أمس كل شيء يتعلق بك وبسبب زيارتك.
زينب (بامتعاض ظاهر واضطراب خفي) : ماذا قال عني؟
مريم : إنك يا سيدتي الهانم أرملة أحد الباشاوات، وإنكما عازمان على الزواج بعد الانتهاء من مشكلة تتعلق بميراث وإن المشكلة سوف تنتهي على أحسن حل بعد ثلاثة أشهر أو أربعة على الأكثر، (بشيء من الغرور) أرأيت كيف أعلم عنك كل شيء؟ إن سيدي كمال لا يكتم عني شأنًا من شئونه، إنني عليمة بكل أسراره.
زينب (تضحك ضحكة الارتياح) : حقًّا يا مريم الأمر كما تقولين، ولكن ليس للقسمة دخل في شأننا، (تحس بخطئها) آه، كيف أستطيع إفهامك بالاختصار يا مريم، سنقترن ببعض في القريب العاجل، وقد حضرت اليوم لرؤية المنزل الذي سيصبح فيما بعد منزلنا المشترك، لكن إياك أن تبوحي بهذا السر إلى الهانم والدة كمال بك أو إلى أخته عندما تحضر واحدة منهما إلى الإسكندرية.
مريم : اطمئني يا سيدتي من هذه الناحية فقد أوصاني بذلك كمال بك أيضًا، إن فمي كالقفل المتين وصدري صندوق محكم الغلق لا ينفذ منه سر.
زينب : إذن فأنتِ عليمة بأسرار أخرى لكمال بك؟
مريم : أرجوك أن تقلعي عن هذا الوهم يا سيدتي الهانم، إن كمال بك مثال الوداعة والاستقامة فأي سر يكون لمثل هذا الشاب؟ تكاد جميع الفتيات الجميلات هنا يترامين على سيدي، ولكنه لا ينظر إلى واحدة منهن، ليس له في هذه الدنيا محبوبة سواك يا سيدتي الهانم وسوى محسوبتكم مريم، لكن أتوسل إليك يا سيدتي منذ اليوم أن تفكري في إبقائي لديكما بعد الزواج؛ لأخدمكما معًا كما كنت أخدمه أيام العزوبة، إما إذا عولت على إقصائي عنكما فإنني سوف لا أحتمل الحياة إذ كيف أنساها بعد خدمتي لكمال بك، إنني لأكاد أطير فرحًا منذ اليوم عندما أفكر في مصير هذا المنزل بعد وجودك فيه، سيكون بهيجًا بلا ريب، وسيغدو جنة ترفرف فيها الملائكة الصغار، هل أعيش لأرى أطفال سيدي البك، فأنعم بتربيتهم وتدليلهم على أكتافي؟!

(جرس الباب يدق.)

زينب (تقوم في عجلة) : ها هو كمال، ها هو كمال سأفتح له الباب بنفسي يا مريم (تعدو نحو الباب، ولكنها تقف فجأة واضعة يدها على قلبها) آه، لا أستطيع ذلك بنفسي، هيا اذهبي أنت يا مريم.

المشهد الثاني

زينب – كمال
كمال (يدخل الغرفة في حالة تعب) : زينب.
زينب (في مثل اضطراب كمال) : مهلًا يا كمال، لقد اشتدت ضربات القلب (تشير إلى قلبها مبتسمة) لقد كان وقع هذه الدقيقة شديدًا على قلبي.
كمال (بتوسل وأنين) : أنتِ، أنتِ يا زينب في بيتي؟ رباه ما أجمل هذا الحلم! يستحيل أن يكون ما أراه الآن حقيقة، هل طال غيابي؟ وهل طال انتظارك؟ لم يدعوني مستريحًا حتى في يومي هذا. (يتأمل شكلها ويرى المريلة عليها) آه، أكنتِ تنوين انتظاري مساء كل يوم في هذا الزي؟ أكنت سأجدك في مثل هذه الحالة تحاولين اليوم أن تفهميني مقدار الهناء الذي فقدته، يا له من انتقام مريع.
زينب (بتأثر عميق) : كلا يا كمال، إنني لا أنتقم منك، إنما أنتقم لنفسي من سوء طالعي، أنتقم اليوم من دهري الذي حرمني تذوق هذا النعيم، أردت أن أتغلب في هذا اليوم على الدهر القاسي لأشرب — رغم إرادته — نهلة من كأس السعادة، لقد اختلست من الأقدار هذا اليوم، استعرت من الزمن الجائر يومي هذا لأشعر بأنني سيدة في دارك.
كمال (بنغمة حزن) : وبعد اليوم غدًا، وبعد غد، ماذا يكون شأني عندما تقفر هذه الربوع من أنسك اللطيف عندما تفترسني أنياب الوحشة؟ كيف أطيق؟ وكيف أتجلد؟
زينب : لا تفكر في الغد، لك الساعة التي نحن فيها، لنا هذه الساعة، لنا هذا اليوم، فهيا مد يدك يا كمال وعاهدني وأقسم كما أقسمت.
كمال : علامَ؟
زينب : على أن تحتفظ بذكرى اليوم أحسن احتفاظ، فلا نعكر صفو جماله بسموم الألم ووخزات الندم، لكن، آه، لكنك غدًا سوف لا تحبني مثل حبك اليوم.
كمال : لماذا؟
زينب (متنهدة) : طبعًا؛ لأنني كنت في نظرك حتى اليوم المرأة الطاهرة العفيفة، أما غدًا فسوف أغدو المرأة الخائنة لعهد زواجها، المرأة الخادعة لبعلها، وهل في مقدوري أو في مقدور أية قوة أن تمنعك عن احتقاري؟ هل في الإمكان ألا أعتقد غير ذلك؟ وألا أكون بعد اليوم في نظرك.
كمال (مقاطعًا) : أنتِ في نظري يا زينب.
زينب : لا، لا يا كمال، لقد ماتت زينبك القديمة، ماتت وهي تطأ اليوم عتبة دارك، ولكنني لم أتأسف على موتها، سوف لا أبكي على فقدها، ولا أذرف عليها دموع الحزن بعد اليوم؛ لِتمُت لأنها كانت شقية بائسة تتعذب في جحيم من الآلام، ولا يدورن في خلدك يا كمال أنني طائشة سفيهة إذ حضرت إليك بمثل هذه السهولة، ولا يجولن في ذهنك أن تقول قد أحسنت صنعًا عندما أحجمت عن الاقتران بها، أقسم لك بكل عزيز مقدس أنني ما كنت لأخونك، وما كنت لأقف اليوم مثل هذا الموقف الشائن لو أنك كنت زوجي ورفيقي في الحياة.
كمال (يلامس ذقنها مداعبًا) : ما أطهر قلبها! ما زالت طفلة معصومة.
زينب (تقترب منه) : ما كنت أرجو يا كمال أن يكون قدومي إليك على هذا الوجه، ما كنت أرجو أن أحضر إليك متخفية متنقبة كاللصوص الذين يتسللون البيوت في خوف ووجل، وإنما كنت أتوق إلى القدوم إليك وأنا أجر أذيال ثياب العرس، قضيت أيام الطفولة وليالي الصبا أرتع في ظلام هذا الحلم، لكنك قضيت على هذا الأمل فلم ترغب في يدي، وأحجمت عن الاقتران بي، ولا أخفي عليك أنني لبثت أعوامًا حانقة عليك أبطن لك الحفيظة والحقد في طيات صدري، عازمة على نسيانك، معولة على تعويد نفسي محبة بعلي، لكنني لم أجد فيه الرجل الذي يفهم ألم نفسي ويقدر حالتي الروحية، وإذ ذاك صفحت عنك وصالحتك بيني وبين نفسي في أيام وحدتي، ثم بدأت أحبك يا كمال حبًّا صادقًا عميقًا، أحببتك دون أن يكون لي أمل في رؤيتك رأي العين وأنا على قيد الحياة.
كمال (يلاطفها ملاطفة المريضة) : مسكينة يا زينب.
زينب : ولقد تعمق أثر ذلك الحب في نفسي إلى حد أنك استطعت أن تكسر قيود صبري وتجلدي بنظرة واحدة، ببضع كلمات، فككت قيود صبري لتغلني من جديد بقيود أسرك، وهكذا تم لك الفوز فاجتذبتني إليك وجئت بي تحت أقدامك كالطير المصاب عندما يقع تحت أقدام الصياد، كيف جئت هنا؟ وكيف أقدمت على هذا العمل؟ لا أدري وإنما الذي أعلمه أنني كنت أمزح معك على غير روية فما كدت أقول لك اعتباطًا: هل أحضر إليك في دارك؟ حتى وجدت وجهك يترقرق بشرًا، وعندما ذكرت لك أن لا سبيل إلى ذلك تجهم وجهك وانقبض صدرك، فلم أتمالك نفسي إذ ذاك، لم أستطع التجلد، خشيت أن أقضي حياتي في ندم مريع إن أنا حرمتك وحرمت نفسي من هذا الأمل.
كمال : إنني مدين لكِ بكل شيء يا زينب (يحاول أن يضمها إلى صدره).
زينب (تمانع) : لا، لا تقترب يا كمال، مهلًا، ولا تظن أنني أبتعد الآن دلالًا؛ لأنني أعلم تمامًا معنى حضوري إليك وما يترتب على هذا الحضور، لكن عليك أن تنتظر حتى يخيم الظلام، حتى نلتف برداء الليل فيغدو كل شيء شبيهًا بالأحلام، وسأفضي إليك الآن برغبة في نفسي، سأطلب منك أن تقسم لي بأنك تنزل عند إرادتي في تلك الأمنية.
كمال : اطلبي ما تريدين يا زينب، واعلمي أن كل رغبة من رغباتك مقدسة عندي وكل أمنية لك مقضية، فما هي رغبتك؟
زينب (بعد تردد قصير) : سأحدثك عن رغبتي فيما بعد.
كمال : ولم لا يكون الآن؟
زينب : هكذا أريد، والآن أتذكر يا كمال كيف كانت عادتي معك أيام الصغر عندما كنت أروم منك شيئًا؟
كمال : كيف أنسى ذلك يا عزيزتي، كنت إذ ذاك صبية خجولة كثيرة الحياء، وكنت تغطين عيني بيديك الناعمتين قبل أن تبوحي برغبتك.
زينب (ضاحكة) : أتعلم لماذا كنت أصنع ذلك؟ لأتمكن من مشاهدة وجهك كما أريد على مقربة منك وأنت مغمض العين.
كمال : ما زلتِ طفلة يا زينب، هيا حدثيني عما كنتِ تريدينه الآن.
زينب : أما قلت لك فيما بعد؟ (متنهدة) أما الآن فأريد أمرًا آخر.
كمال : إذن حدثيني عن الرغبة الجديدة.
زينب (محدقة في وجهه) : أريد أن أقتلك يا كمال.
كمال (ضاحكًا) : أمنية غريبة أتقبلها منكِ بكل سرور، لكنني أرجو أن تمهليني يومًا واحدًا حتى الغد.
زينب : نعم، أريد أن أقتلك يا كمال، وأن أقفل عينَيك بيدي، وأن أهيل التراب على قبرك بنفسي، أريد ذلك لأنني أغار عليك.

(يسمعون جرس الباب يقرع بشدة.)

زينب (يبدو عليها الاهتمام بقرع الجرس) : من الآلام، ولا يدورن أنت قرع الجرس؟ من يكون القادم؟
كمال : لا تهتمي بالأمر؛ لأن مريم ستصرف القادم أيًّا كان.
زينب : أعلم ذلك، لكن المذنب المتخفي يضطرب لأقل حركة.

(يطل كمال من النافذة وتقترب أيضًا زينب فيمنعها من النافذة برفق.)

كمال : أظنه أحد الجيران يريد الاستفهام عن أمر من الأمور، هيا اصعدي أنتِ إلى غرفتنا في الطابق العلوي، وسألحق بك بعد دقيقتين.

(تدخل مريم أثناء خروج زينب من باب اليسار.)

المشهد الثالث

مريم – كمال
مريم (مضطربة وجلة) : هل الهانم في الطابق العلوي؟
كمال : نعم، ماذا جرى؟ من هؤلاء الواقفون على الباب؟
مريم : مأمور القسم شكري أفندي يرغب في التحدُّث معك.
كمال : أمر غريب، ما الداعي إلى طلبي في هذا الوقت؟
مريم : لقد توجستُ خيفةً من هذا القدوم الفُجائي؛ لأنني لمحت وراءه بعض عساكر.
كمال (مقطب الوجه) : ها أنا ذا قادم إليه (يسير خطوتَين نحو الباب ثم يقف)، والأفضل أن تخبريه بأن يتفضل هنا يا مريم، وتصعدين بعد ذلك إلى الهانم فإذا سألتك انتحلي لها أي شيء.

المشهد الرابع

كمال بك – شكري أفندي
شكري : مساء الخير يا سعادة المفتش.
كمال (متظاهرًا بالسكون) : أسعد الله أوقاتك، تفضل يا شكري أفندي، أحمد الله حيث اهتديت أخيرًا إلى زيارتي.
شكري : يعلم الله كم أنا خجل لتقصيري في زيارتكم. (متلعثمًا وباضطراب ظاهر) ليتني ما حضرت اليوم للتشرف بهذه الزيارة.
كمال : خيرًا؟ ماذا جرى؟
شكري (بحيرة وارتباك) : آه يا سيدي المفتش، هناك ظروف قاسية تجعل الوظيفة صعبة في بعض الأحيان، ويعلم الله كم نحترمك ونقدر مواهبك، ومما يزيدنا إكبارًا وتعظيمًا مكانة سعادة والدكم في الإسكندرية عمومًا وفي دائرة هذا القسم خصوصًا، تلك الحقيقة التي عرفتها من علية القوم مذ تسلمت عملي بهذا القسم، كما أنكم مذ حللتم في هذا الحي الذي حُرم من طلعة سعادة والدكم.
كمال (مقاطعًا) : أشكرك يا شكري أفندي، ولكن الغرض من زيارتكم الآن.
شكري : كُلفت من قِبل سعادة البك الحكمدار، وهو يُهدي سعادتكم السلام، هناك حادثة غريبة يا سيدي البك، وردت إلى الحكمدارية برقية منذ ساعة من حكمدارية بوليس مصر تتلخص في أن سيدة كانت موقوفة في قسم الوايلي بالقاهرة فرت من وجه العدالة، وأدت التحريات الأولية إلى الظن بأنها نالت تعضيدًا وتسهيلًا إلى الفرار من قبل سعادتكم.
كمال (بحدة) : ما هذه السخافة؟ ما علاقة منزلي بسيدة تفر من سجنها؟
شكري : أرجوكم الحِلم يا سعادة المفتش، فأنا أؤدي واجب وظيفتي.
كمال : لا أقبل اتهامي بمثل هذه التهمة الشائنة، وما كان بيتي ملجأ للفارين من وجه العدالة، ويمكنكم أن تقولوا ذلك لسعادة الحكمدار يا شكري أفندي.
شكري : ولكن مع الأسف توجد مسألة أخرى يا سيدي البك، لأن القسم بدأ في تحرياته هنا بناء على أمر سعادة الحكمدار، وتبين له قدوم سيدة مع القطار الأخير تنطبق أوصافها على أوصاف السيدة التي فرت، ودلت التحريات أيضًا أن هذه السيدة استقلت العربة رقم … (يبحث في ورقة صغيرة بيده) رقم ١٣٨ من المحطة إلى منزلكم.
كمال : هذا أمر بعيد عن الصواب، لقد حضرت إلى منزلي سيدة، لكن كيف لكم أن تؤكدوا أنها هي بعينها التي فرت من القاهرة؟
شكري : إنني لا أكابر يا سيدي البك، قد يكون الأمر كما تقولون ولكن جميع الأدلة ضدكم، فإن البرقية تقول: إن السيدة كانت ملتجئة إلى منزلكم في حدائق القبة ليلة وجودكم هناك، ثم قدوم سيدة غريبة إليكم في نفس الساعة واليوم الذي ترد فيه البرقية، ودخول هذه السيدة إلى منزلكم، كل هذه الأمور كيف يمكن تعليلها؟
كمال : ولكن السيدة نزيلتي ليست هي التي تبحثون عنها، إني أؤكد لكم ذلك.
شكري : إذن فما عليكم إلا تكليف خاطركم بالذهاب مع السيدة نزيلتكم إلى القسم، حيث تثبت هناك شخصيتها فينتهي الأمر.
كمال : لا سبيل إلى ذلك يا شكري أفندي، ليس في الإمكان تنفيذ هذا الأمر.
شكري (متحيرًا) : ولكن ما هو وجه الضرر في ذلك؟
كمال : لا تستطيع نزيلتي أن تذهب إلى القسم ولا سبيل إلى إثبات شخصيتها؛ أي إنه ليس في الإمكان أن أذكر من هي.
شكري : آسف إذا قلت: إنه ليس لدى الحكمدارية طريق آخر للحل.
كمال : أرجو يا شكري أفندي أن تعتقد يقينًا بأن السيدة نزيلتي ليست هي التي تبحثون عنها، أقسم لك بشرفي أنها ليست هي، ولكنني لا أستطيع أيضًا أن أقول من هي، لأن واجب الشرف يحتم عليَّ كتمان شخصيتها، فأرجوكم أن تفكروا في وجه معقول لحل هذه المشكلة.
شكري : فكروا أنتم يا سيدي البك في الطريقة المعقولة لتنفيذها، ما أنا كما تعلمون إلا موظف يؤدي واجبه ويبدي أوامر صريحة؛ فلا تضيقوا في وجهي المسالك أو تحرجوني، السيدة نزيلتكم أُوقفت بناء على أمر أصدرته إدارة الأمن العام، وأستطيع عدا ذلك بأن أقول لكم بصفة أخوية إن طائفة من الناقمين عليكم أَلَّبوا فريقًا من الأشرار لاستغلال هذا الموقف ضدكم؛ إذ ما كاد يذاع حادث البرقية الواردة من القاهرة حتى أسرع هؤلاء الخصوم إلى نشره بين حثالة الحي للنكاية بكم والتشهير بسمعتكم، الأمر الذي فشلت فيه محاولاتهم عندما رشحتم نفسكم لعضوية مجلس النواب؛ لتحتلوا ذلك المركز الذي خلا بوفاة سعادة والدكم، إنهم اليوم على ساق وقدم شمروا السواعد لمنازلتكم والحط من كرامتكم، صادفت أثناء قدومي إليكم بعض هؤلاء الزعانف يطوفون في الطرقات المؤدية إلى منزلكم، والحق أقول: إنهم أوغاد أشرار قد يكونون سببًا في إحداث أمور تعكر صفوكم، ها أنتم يا سيدي البك ترون الآن وجه الخطر، وأن لا حل للمسألة إلا بالطريقة التي تشرفت بعرضها عليكم.
كمال (بشدة) : لا يمكنني تنفيذ ذلك.
شكري : ولكن الأوامر المعطاة لي صريحة يا سيدي البك.
كمال : ليس أمامي في هذه اللحظة إلا أمر واحد، هو الإذعان لوحي القلب، والرضوخ لواجب الاحتفاظ بشرف نزيلتي، ومنزلي مصون من التعرض، وأصمم على القول بأن نزيلتي ليست هي الموقوفة عدوة الحكومة التي تبحثون عنها، وإذا حدث أي تعد ضد منزلي المصون قانونًا فإنني سأقاوم.
شكري : تقاومون؟ كيف؟
كمال : بالسلاح.
شكري (بدهشة) : ما هذا الذي أَسمعه منكم يا سعادة المفتش؟! أرجوكم التروي فيما تقولونه كما أرجوكم سحب كلمتكم لأن عملكم هذا يعتبر … يعتبر …
كمال : نعم، أخطروا سعادة الحكمدار بأنني عزمت ألا أسلم السيدة نزيلتي إلا إذا أسلمت روحي.
شكري : ولكن …
كمال : ولكن لا شيء، ليس عندي ما أقوله أكثر من ذلك.
شكري : حسنًا، سأعرض عليه الأمر مع العلم بأنني مضطر لمحاصرة المنزل منذ هذه اللحظة، فلن يخرج منه أحد حتى صدور أوامر أخرى.

(يخرج شكري أفندي بعد التحية.)

المشهد الخامس

كمال – زينب
زينب : ماذا جرى يا كمال؟ ما الذي حدث؟ أخبرني بربك، أريد أن أفهم، أريد أن أعلم كل شيء (تشير إلى مريم الخارجة بهدوء من الباب اليمين) منعتني هذه من الاطلاع على جلية الأمر ووقفت أمامي لتحول دوني ودون معرفة الحقيقة.
كمال (يحاول التجلد) : لا شيء يا زينب، لا تخشي شيئًا، ليست المسألة من الأهمية بحيث تستلزم التفكير فيها، إنها فقط سوء تفاهم بسيط.
زينب : قلبي يحدثني بأنها ليست كما تقول، فإنك ممتقع اللون، هل علموا بوجودي هنا؟
كمال : لا شيء من ذلك، في الأمر خطأ، بل هي صدفة ملعونة، أما شخصيتك فلم تكن موضع بحث بتاتًا.
زينب : إذن لماذا كل هذا الارتباك؟ أطلعني على الحقيقة يا كمال، أعدك بأن أتجلد، صارحني بربك، هل نحن في خطر يتهددنا؟
كمال : نعم يا زينب، تهبُّ الآن فوق رأسَينا عاصفة من الخطر؛ فقد ارتابوا في أنني أخفيت في منزلي إنسانًا هاربًا من وجه القضاء، ولقد كان من السهل دفع هذه الريبة بكلمة واحدة، انطلاقها من فمي أشق من انطلاق روحي من جسدي، فأنا اليوم في أخطر ساعة من ساعات حياتي، أوقعتك بسبب طيشي ورعونتي في مهاوي التهلكة، ولكنني سأبذل روحي وما ملكت يداي في سبيل إنقاذك، سأضحي بكل شيء من أجلك، إنني في حاجة إلى شجاعتك وثباتك وتجلدك.
زينب (بخوف ووجل) : بالله يا كمال لا تطالبني بما فوق مقدرتي، فكر في عجزي وضعفي كامرأة، كل ما أستطيعه هو التجلد، هو الصبر دون بكاء ولا انتحاب، افعل ما يتراءى لك، جاهد بكل ما تستطيع، تناساني في جهادك، دعني أتروى في ركن منعزل أنتظر عاقبة أمري.

(جلبة وضوضاء خارج المنزل وأحجار يقذفها المتجمهرون، وتسقط قطعة حجر صغيرة على إحدى القصاري في البلكون وتتلوها أخرى.)

زينب (يشتد خوفها) : ما هذا؟ (تحاول الذهاب نحو النافذة فيمنعها كمال.)
كمال : لا تقتربي من النافذة.
زينب (تحاول التملص) : كلا، أريد أن أرى ما يحيط بنا، أريد أن أعرف سبب التجمهر؟
كمال : أتوسل إليك ألا تفعلي.
زينب : كلا، أريد أن أعرف الحقيقة.
كمال : يجب عليك أن تطيعي؛ فإنك …

(وبينما يحاول كمال منعها من الاقتراب تسقط قطعة حجر على زجاج البلكون، فينكسر وتقع القطعة وسط الحجرة، وتصرخ زينب صرخة ألم خفيفة متراجعة إلى الوراء، فإن شظية من شظايا الزجاج تصيبها في شفتها بخدش صغير.)

كمال (متراميًا على يديها) : هل أصابك مكروه؟ ماذا جرى؟
زينب (وهي تمسح نقطة من الدم على شفتها بمنديلها) : لا شيء (متنهدة)؛ لأنني ألاقي جزائي.
كمال (بعصبية وتهيج) : ماذا؟ هل جرحوك؟ هل خدشوك اللئام؟ أنا السبب، آه من الأشرار، سوف ترين كيف أتقاضى منهم الثمن (يسرع إلى بندقية صيد معلقة على الحائط فيأخذها ويهجم بها على البلكون).
زينب (تترامى عليه) : بربك لا تفعل ذلك، اقتلني أنا أولًا.
كمال (يهزها وهو ممسك بمعصمها) : لا، لا، نحن فيما بعد، بعد أن أنتقم من الأنذال.
زينب : أتوسل إليك يا كمال، أبتهل إليك، أبتهل وأنا أقبل يدك بفمي الجريح.
كمال (تهدأ ثورته قليلًا ولكنه يعود فتهيج ثائرته بين ذراعيها) : دعيني يا زينب أطرح كلبًا منهم، (يبكي من شدة الحنق) لقد جرحتِ بسببي ونالكِ كل هذا من أجلي، فيا لشقاوتي!
زينب : لا، يا كمال، إنك بهذا العمل تضرني ولا تنفعني، إنك لتدفعني إلى الهلاك فلا تنسَ وعدك الذي قطعته على نفسك، تجلد وكن قوي العزيمة.

(جرس الباب يدق).

مريم (من خلال الباب) : حضر جلال بك القاضي يا سيدي البك.
كمال : اتركيني لحظة قصيرة يا زينب. (يشير إلى باب اليسار) اصعدي إلى الغرفة.

(زينب تخرج.)

المشهد السادس

كمال – جلال

(جلال قاضٍ بمحكمة الإسكندرية ومن أعز أصدقاء كمال.)

جلال (يدخل الغرفة مسرعًا) : ما هذا الخطب يا صديقي؟ ما هذا البلاء الداهم يا عزيزي؟
كمال (يمد يده بيأس) : لقد جئت في الوقت المناسب، ما هذا التجمهر في الخارج؟
جلال : جمع من حثالة الناس أَلَّبَهم عليكم الخصوم إلا أن البوليس شتت شملهم الآن، (يرى قطع الزجاج) إذن قذفوا المنزل بالحجارة يا لهم من أنذال!
كمال : لا تهتم بذلك وإنما خبرني هل من جديد؟ هل علمتَ شيئًا جديدًا؟
جلال : سمعت بالحادثة وأنا في المحكمة منذ نصف ساعة فأسرعت إلى القسم ومنه إلى الحكمدار، ويلوح لي أن المسألة خطيرة فسوف لا نستطيع إنقاذ سنية هانم.
كمال (متحيرًا) : من تكون سنية؟ أهي التي يبحثون عنها تسمى سنية؟
جلال (متحيرًا أيضًا) : إذن أليست السيدة نزيلتك تسمى سنية هانم؟
كمال : كلا يا عزيزي.
جلال : ومن تكون إذن؟
كمال : هذا ما لا أستطيع أن أبوح به حتى إليك.
جلال : أنسيت أننا أصدقاء حتى لنكاد نكون إخوة؟!
كمال : نعم، ولكن واجب الشرف يدعو إلى كتمان اسمها حتى عن أعز الأصدقاء.
جلال : ما أغرب ذلك! لقد شرحوا لي المسألة بالتفصيل وأطلعوني على البرقيات الواردة من القاهرة؛ ولذلك كنت مقتنعًا بأن نزيلتك هي سنية.
كمال : ما هي التفصيلات التي وقفت عليها؟
جلال : علمت من الأوامر الواردة أنهم في القاهرة بعد فرار سنية أخذوا يبحثون في الأوراق التي عثروا عليها في منزلها، فوجدوا بينها خطابات بإمضائك …
كمال (بخشية) : ماذا؟ ماذا تقول؟ (يتجه نحو الباب الذي دخلت منه زينب فيغلقه) تكلم بصوت منخفض.
جلال : وقد استدلوا من هذه الخطابات على وجود علاقات قديمة بينك وبين سنية هانم.
كمال : صدفة غريبة.
جلال : وقد تمسكت إدارة المباحث بهذا الأثر فارتابت بوجودك في القاهرة يوم فرارها، وأخذت في عمل التحريات حتى توصلت إلى معرفة أن المتهمة التجأت أولًا إلى منزل بحي العباسية، ثم إلى منزلكم القريب من تلك الجهة بحدائق القبة في نفس الليلة التي قضيتها بالقاهرة.
كمال : أكاد لا أصدق من شدة الحيرة وقائع هذه الصدفة الغريبة، أتثق بي يا جلال؟ تعلم أنني لا أكتمك سرًّا من أسراري، إن النزيلة التي عندي ليست سنية، إنها سيدة أخرى طاهرة بريئة يحتم عليَّ الشرف كتمان شخصيتها؛ ولذلك يجب أن أدافع عنها.
جلال : سنبذل ما في وسعنا لذلك، هذا مؤكد، ولكن شكري أفندي المأمور حدثني عن فكرة خطيرة، عن أمر مريع تنوي تنفيذه، وما أظن الفكرة إلا هاجسًا فقط من الهواجس التي تنتاب الإنسان في أوقات اليأس.
كمال (بسكون) : إنه لعزم أكيد إذا لم أجد وسيلة أخرى.
جلال : لا، لا يا كمال، أقلع عن مثل هذه الأفكار المريعة، إن الحكمدار رجل عاقل وأنت تعلم علاقاته الودية مع المرحوم والدك، فأنا ذاهب لأتوسل إليه وأظن أنه سيكتفي بوضع الحصار على المنزل يومًا واحدًا، وما دام لا يستطيع اتخاذ القوة ضدك بعد إجابتك الأخيرة، فسوف ينتظر أوامر جديدة من القاهر، ولذلك ستربح يومًا.
كمال : وبعد هذا اليوم، ماذا تكون النتيجة إذا لم يتمكنوا من القبض على المجرم الحقيقي؟
جلال : كل يوم هو في شأن، وقد بدأت فعلًا في التدابير اللازمة؛ لأنني بعد مقابلتي لشكري أفندي تذكرت أن أحد أنسبائكم تعين حديثًا في منصب مساعد الحكمدار في القاهرة، وخطر ببالي أن مثل هذه الأمور يمكن تسويتها على أحسن وجه بين الأهل والأقارب.
كمال : إياك أن تفكر في مثل هذا الأمر.
جلال : لا يا كمال، علينا أن نستعين بكل التدابير الممكنة في مثل هذه المواقف الحرجة والظروف السيئة، لأن الحكمدار سيطلب من القاهرة أوامر جديدة عقب عنادك في الإذعان والخضوع، ولذلك في استطاعة نسيبكم شريف بك أن ينهي المسألة.
كمال : حذار يا جلال، حذار أن تفعل ذلك.
جلال (مذهولًا) : ولكنني لم أنتظر تحذيرك هذا؛ لأنني أرسلت له منذ هنيهة برقية طلبت فيها أن يسرع بالحضور لإنقاذك.
كمال (يصيح بتأثر وهياج) : آه ماذا فعلت يا جلال؟ ماذا ارتكبت يا جلال؟ إن المرأة التي في منزلي هي … آه، ستكون سببًا في سفك دمي.
جلال : ماذا تقول؟ إذن السيدة التي عندك؟ آه.
كمال : أسرع، أسرع بالله يا جلال، استرجع البرقية، افعل كل ما تستطيع لاسترجاعها.
جلال : رباه، ما هذه الظروف القاسية؟ ما هذه الصدمات العنيفة؟

(يجري مسرعًا ويخرج من الباب.)

المشهد السابع

زينب – كمال
كمال (يرى زينب واقفة بجانب الباب مرتبكة فيخطو نحوها) : هل أنت هنا؟ إذن قد سمعت الحديث.
زينب (تشير إليه بيدها تمنعه من القدوم نحوها) : آه يا عديم الإحساس، (لا تتمالك أن تقف وتكاد تسقط فيسارع كمال لمعونتها فتتراجع إلى الوراء بتوحش) إليك عني، لا تقترب مني، اغرب عن وجهي.
كمال (مضطربًا) : ماذا يا زينب؟ كيف أوضح لك الأمر؟ حظي سيء، موقفي عصيب.
زينب (ترمي بنفسها على أحد المقاعد بتعب) : كفى يا كمال، كفى، المروءة الأخيرة التي أنتظرها منك ألا تحاول خداعي بعد …
كمال : ما هذه الأقوال يا زينب؟ أترتابين بي؟ هل كان مقدورًا عليَّ أن أسمع ذلك منك أنت؟
زينب (بتوجع كأنها تشكو إلى نفسها) : ما أفظع ذلك يا ربي! أيعجبك ما تفعله يا كمال؟ طبعًا يعجبك؛ لأنه انتصار مريع، فوز باهر على امرأة ضعيفة لا حول لها ولا قوة، وكيف لا يحق لك بأن تبتهج؟ ألم تتمكن من نفس امرأة عاجزة فدفعتها إلى معاداة أهلها وكراهة بعلها والانتقام من خدرها؟ ألم تكن مبدعًا حين فزت على هذه المرأة؟ فألقيت بها إلى مواطئ قدمك بكلمة واحدة؟ أبهذا تمتازون عنا يا معشر الرجال؟ أبمثل ذلك تَفْضلوننا؟ أهذه الشهامة التي تَدَّعون؟ أهذه المروءة التي تتشدقون؟ وهل الدماء خضاب أيديكم؟
كمال : لا تحيدي عن طريق الحق والإنصاف يا زينب، لقد أفقدك اليأس طريق الصواب، لا أنكر أنني اجترمت في حقك ولكن غرامي …
زينب : نعم غرامك، غرامك بي، غرامك بسنية، غرامك بمئات البائسات اللواتي لا أعلم عنهن شيئًا بعد، ولكن لماذا أشكو؟ فأنا المجرمة، وهذا جزائي.
كمال : بالله لا تقولي هذا يا زينب، لا أنكر أنه كانت بيني وبين سنية علاقة من ستة أعوام غير أنني، أرجو أن تكوني منصفة، أي شاب في الحياة لا ينزو به الطيش أيام شبابه إلى مثل هذه العلاقة؟ وهل لتلك العلاقة أن تقاس أو تقارن بالرابطة الأزلية التي تربطني بك؟ تلك كانت جريمة الشباب التي …
زينب (مقاطعة) : التي أتحمل أنا اليوم عقابها … لا بأس؛ فأنا وأنت اليوم سعيدان، أنا سعيدة لأن زوجي سيقتلني ولأنني سأتخلص … وأنت … أنت سعيد بظفرك الباهر (تتنهد بحقد) وإنه لظفر باهر وايم الحق … تصور يا كمال بك مجيء زوجي إليك مرفوع الرأس في غرور الرجل القادم لتأدية وظيفته، يتقدم إليك ليلقي القبض على خليلتك، فترفع أنت الرأس أيضًا في غرور وتصفعه بقولك: «أتريد خليلتي، ها هي الخليلة.» فتقذف بي … تقذف بزوجته تحت قدميه (يزداد هياجها) ومن يدري؟ ربما كانت لك مآرب أخرى، ربما كان في الأمر دسيسة مُحكمة التدبير.
كمال (مادًّا ذراعيه بتوسل) : زينب.
زينب (بتوحش) : نعم، ولم لا تكون دسيسة أحكمت تدبيرها؟ إنها دسيسة بلا ريب مدبرة لتضليل زوجي ريثما يتسع لديك الوقت لتهريب الأخرى.
كمال (متوسلًا بحرارة) : قليلًا من الإنصاف يا زينب؟
زينب : ومن المحتمل أنك دبرت هذا الأمر لتُخير زوجي بين الفضيحة وبين إطلاق سراح سنية، نعم أنا اليوم رهينتك، شرف زوجي رهن يدك لإنقاذ سنية.
كمال (بتأوه وأنين) : كفى يا زينب، لم يبقَ في جسمي قطعة لحم لم تنزف دماؤها، سترين يا زينب كيف أبرهن لك عن سوء ظنك بي، سأبرهن لك ذلك بدمي.
زينب (تشير بيدها إلى الباب وتتأهب للخروج) : سآوي إلى تلك الغرفة وسألازمها حتى الصباح بمفردي، أجَل بمفردي، لأقضي ليلتي الأخيرة في انتظار القصاص.
كمال : زينب، زينب.
زينب : سأقضي ليلتي لأول مرة في حياتي بقلب مقفر عن ذكرك وخيالك.
كمال (مغطيًا وجهه بيديه) : آه يا ظالمة.
(ينزل الستار.)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤