لاهوت التحرير بين علم العقائد والتغير الاجتماعي١

نموذج واحد أم نماذج متعددة؟

(١) هل النموذج الغربي هو النموذج الوحيد؟

«لاهوت التحرر» وإن كان حديثًا كمصطلح في الستينيات مواكبًا لحركات التحرر الوطني في العالم الثالث خاصة في أمريكا اللاتينية، بعد الثورة الكوبية، وحُلم جيفارا، ووجود بُعدٍ شاسع بين العقائد اللاهوتية والأيديولوجيات السياسية، بين الكنيسة والجبهات الشعبية، فإنه قديم بقِدَم الإنسان على الأرض ونشأة الأيديولوجيات والديانات والفنون؛٢ فكونفوشيوس أنزل الدين الصيني التقليدي في كتاب «التغيرات» من السماء إلى الأرض، من عالم الآلهة إلى عالم البشر. وبوذا تجاوَزَ تعدُّد الآلهة في الهندوكية إلى ضبط النفس والسيطرة على الأهواء. وذلك يعني في كلتا الحالتَين أن الدين في خدمة الإنسان. والشنتوية التي تعبُد الإمبراطور تجعل الدين عماد الدولة والجماعة. وكذلك كان الحال في دين مصر القديم، والزرادشتية دين فارس، الأمة والدولة. ودين إبراهيم كان ثورةً اجتماعية منذ نوح، ثورة على الجهل والرذيلة دفاعًا عن العلم والفضيلة. لاهوت التحرير إذن أحد أشكال الدين الطبيعي السابق على دين الوحي. وهو قديم بقدم الزمان، كما كان يُقال عن المسيحية كدينٍ طبيعي في القرن الثامن عشر، عصر التنوير. ينشأ في كل المجتمعات في ظروفٍ متشابهة.
والسؤال هو: كيف يُعرض «لاهوت التحرير» في ثقافتنا المعاصرة؟ هل هو نتاجٌ غربي منذ الستينيات يُروج له بالترجمة والعرض والتأليف، كما هو الحال في باقي المذاهب والأيديولوجيات الغربية بناءً على موقفٍ شائع من الغرب، أنه مصدر العلم وليس موضوعًا للعلم، أم أن الباحث العربي متعدُّد الثقافة؛ فهو على الأقل ذو ثقافتَين، ثقافةٍ غربية حديثة وثقافةٍ عربية إسلامية قديمة، ويمكن الاستفادة منهما كرصيدٍ علمي في ظاهرة الصلة بين الدين والتحرُّر؟ إن عرض لاهوت التحرير على أنه تجربة غربية أولًا انتشرت بعد ذلك في أفريقيا وآسيا وإن لم تنتشر بعدُ في الوطن العربي، وأمريكا اللاتينية في نشأتها هي جزء من الثقافة الغربية المسيحية بعد أن استأصلَت ثقافات الشعوب الأصلية ولغاتها، هو ابتسار لتجربةٍ قديمة قِدَم البشر بآلاف السنين في خمس وثلاثين عامًا عمر تجربة لاهوت التحرير في الغرب، فلا يكفي عرض تجارب لاهوت التحرير في الغرب أو الشرق دون مزاوجتها بمادةٍ جديدة عربية إسلامية من لاهوت التحرير في الثقافة العربية الإسلامية. تعريب المادة ضروري من الثقافات المحلية والتجارب الخاصة. عرض المادة وتجارب الآخرين ضروري سواء في مرحلة الترجمة مثل «لاهوت التحرير الآسيوي» الألويزيوس بيريس حتى ولو كانت الترجمة تعريبًا بتصرف.٣ ولماذا يكون النشر في بيروت في دار المشرق وليس في القاهرة مثل «وثيقة الحرية المسيحية والتحرير» للمجمع المقدس للعقيدة الإيمانية؟٤ وفي المراجع العامة للكتاب الأول «لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية» ما زالت تغلب المصادر الغربية باللغات الأجنبية.٥
وظروف أمريكا اللاتينية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية خاصة في الستينيات مشابهة لظروفنا في الوطن العربي؛ فأمريكا اللاتينية محاصرةٌ بين قوًى ثلاث؛ الأولى الولايات المتحدة الأمريكية في الشمال وما تمثله من هيمنة على الجنوب إما مباشرة بالتعاون مع نظم سياسية عسكرية أو مدنية تابعة أو عن طريقٍ غير مباشر، الشركات الاقتصادية الكبرى التي تستغل الثروات الاقتصادية للجنوب. والثانية الجيش الذي يمثل سلطة القهر المتعاونة مع سلطة الهيمنة في الشمال. والثالثة الإقطاع ومُلَّاك الأراضي الكبار المتعاونين مع الأمريكيين والعسكر ضد الفلاحين من أجل نهب محاصيلهم والاستيلاء على أراضيهم. والكنيسة الرسمية متعاونة مع هذه القوى الثلاث ضد الشعب، والشعب مطحون بالفقر والجهل والمرض والمخدرات والجريمة وشتى ألوان الحرمان. ولم يعارض هذه الصور المختلفة للهيمنة إلا الماركسيون، كبؤرة لتجمُّع كل الوطنيين، كما حدث في الثورة الكوبية والثورة الفيتنامية، فظهر الرهبان الشبان مثل كامیو توريز لينضم إلى القوى الوطنية باسم الدين وليس باسم الأيديولوجيا، وباسم الله وليس باسم الماركسية، وبدافع الإيمان وليس تطبيقًا للمادية التاريخية أو المادية الجدلية،٦ فنشأ لاهوت التحرير كأيديولوجيةٍ ثورية تحرُّرية شعبية للجماهير تربط بين الدين والثورة، والإيمان والعدالة، والله والشعب، والعقائد والمطالب الاجتماعية، والوحي من ناحية، والحرية والإخاء والمساواة من ناحية أخرى. لاهوت التحرير إذن هي أيديولوجيةٌ ثورية شعبية تنبثق من بؤرة الثقافة الوطنية؛ فالنخبة المثقفة وحدها مع طليعة الطبقة العاملة القادرة على فهم الماركسية. أما جماهير الشعب فلا يُحرِّكها إلا تثوير التراث، كما فعل الأنبياء والمصلحون والثوريون الشعبيون والمثقفون العضويون.
وهي ظروف مشابهة للوطن العربي قبل الثورات العربية الأخيرة في منتصف الخمسينيات، سيطرة الاستعمار البريطاني والفرنسي بقوات احتلال، والنظام الملكي القاهر المتعاون مع كبار قواد الجيش والشرطة وأجهزة الأمن، والإقطاع والباشوات الذين كانوا يتوالَون على الحكم. ورجال الدين كانوا مع النظام، وكبارهم مُعيَّنون من الدولة، مُوظَّفون رسميون فيها، يُفتون بما يريد الحكام، أقرب إلى «فقهاء السلطان وفقهاء الحيض والنفاس». والشعب مطحون، يرزخ تحت الفقر والقهر والتسلُّط، فقامت الثورات العربية كما قامت الثورة الكوبية والثورة الفيتنامية باسم الحركات الوطنية، والتي كان الماركسيون أحد عناصرها، مع مصر الفتاة والوفد والإخوان المسلمون. ونشأ لاهوت التحرير عند الأفغاني من قبلُ في صياغاتٍ بسيطة «الإسلام في مواجهة الاستعمار في الخارج والقهر في الداخل» مستعينًا بأقوال السابقين مثل: «عجبتُ لرجل لا يجد قوت يومه ولا يخرج للناس شاهرًا سيفه!» أو بقوله هو: «عجبتُ لك أيها الفلاح، تشق الأرض بفأسك ولا تشق قلب ظالمك!» ومع ذلك ظلت الصياغات النظرية تقليدية في «الرد على الدهريين» واتهام الاشتراكيين والشيوعيين بأنهم ماديون وملحدون ووضع العدميين معهم. وتكوَّن من تلاميذه مثل عبد الله النديم وأديب إسحاق من يستأنف الإسلام الثوري أو الدين الوطني. وقوَّى ذلك كتابات سيد قطب الأول صاحب «العدالة الاجتماعية في الإسلام»، «معركة الإسلام الرأسمالية»، «السلام العالمي والإسلام»، قبل أن يُعذَّب في السجون ويكتب «معالم في الطريق»، وهي أيضًا صرخةُ بريء لمقاومة الظلم والطغيان. واستأنف «اليسار الإسلامي» لاهوت التحرير على مستوى الثقافة الشعبية من أجل تحويله إلى تیارٍ شعبي عام يُقلِّل المسافة بين الدين والثورة، بين التقليدية والتقدُّمية، بين الإخوان والشيوعيين.٧
وإذا عُقدَت مقارناتٌ فإنها تكون بين تجربتَي أمريكا اللاتينية وأفريقيا دون آسيا أو الوطن العربي والعالم الإسلامي.٨ هناك في الخاتمة فحسب، بعد الحديث عن التحوُّلات الأساسية في القارة الأفريقية، وأنه من المطلوب تحرير قارة، يظهر في آخرها «وماذا عن مصر؟» بلغة الماينبغيات، والإحالة إلى إخناتون في مصر القديمة والديانات التوحيدية الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام.٩ وكان من الممكن أن تتم الإشارة إلى لاهوت التحرير الإسلامي في جنوب أفريقيا وقد ساهم في لاهوت التحرير في أفريقيا، وبرز قادتهم مثل الإمام هارون شهيد العنصرية، ورابطة العلماء المسلمين في جنوب أفريقيا، وحركة الشبيبة الإسلامية، ونداء الإسلام، والقبلة. كان يمكن تحليل كتابات هذه التيارات الإسلامية في لاهوت التحرير الأفريقي، وكما عرض فريد إسحاق أول مؤسس لحركة «نداء الإسلام» في كتابه «القرآن ولاهوت التحرير»،١٠ بل إن الأمير يوسف، هذا البطل الذي حارب الاستعمار الهولندي في ماليزيا، قد أخذه الهولنديين أسيرًا مُكبَّلًا بالسلاسل في القرن السابع عشر في مستعمرتهم الثانية في جنوب أفريقيا، فكان أول من نشر الإسلام هناك، الإسلام المقاتل المجاهد، مؤسسًا بذلك لاهوت التحرير الإسلامي. ويقدسه المسلمون كأحد أبطال النضال الوطني لاستقلال الشعب باسم الإسلام، بل إن ديزموند توتو حالةٌ واحدة من حالاتٍ أخرى ساهم فيها المؤتمر الوطني الأفريقي ANC، ومؤتمر أفريقيا الواحدة PC وحركات الوعي الأفريقي. هي حالةٌ واحدة مركزة على التفرِقة العنصرية أكثر من الفقر والاستقلال، كما هو الحال في أمريكا اللاتينية.

(٢) لاهوت التحرير بين النقل والإبداع

لذلك تتراوح الأعمال الرائدة الأربعة في العقد الأخير، ١٩٩٣–٢٠٠٣م، في «لاهوت التحرير» بين الترجمة والعرض والتأليف والترجمة بتصرُّف؛ أي مع الحذف أو الإضافة أو التعليق؛ تجاوزًا للترجمة الحرفية أُسوة بالقدماء.١١ الترجمة في «لاهوت التحرير الآسيوي» لألويزيوس بيريس، ليست ترجمةً حرفية بل بتصرُّف. ولا يقتصر التعريب على الترجمة بتصرُّف فقط، بل بزيادة مقدمة عن «لاهوت التحرير الآسيوي» تُبيِّن أهميته وأهم قضاياه.١٢ وتضيف خاتمة «نحو لاهوت تحرير مسيحي إسلامي لعالمنا المعاصر» لإيجاد دلالةٍ عربية للاهوت التحرير. والغريب تجاهُل الإسلام في الكتاب مع أنه دينٌ آسيوي، والدين الثاني في آسيا من حيث عدد السكان. وإشارات المترجم لا تتجاوز إشارتَين في المقدمة والخاتمة.١٣
وفي داخل العرض يكون التلخيص، تلخيص مع أن العرض مرحلةٌ متقدمة عن التأليف.١٤ والتلخيص نوعٌ أدبي فلسفي قديم.١٥ وفي داخل العرض قد تكون الترجمة، بل قد تفوق الترجمة كمًّا العرض، كما هو الحال في «لاهوت التحرير في أفريقيا، ديزموند توتو واللاهوت الأسود».١٦ إن الاكتفاء بالنقل، ترجمة وعرضًا، دون التحوُّل إلى التأليف والإبداع هو قصر للاهوت التحرير على الثقافة الغربية بوجه عام والمسيحية بوجهٍ خاص. والتأليف المزدوج بين ثقافتَين من أجل التحليل والتأصيل، والعرض والنقد هو خطوة نحو التحوُّل من النقل إلى الإبداع.
ثم يأتي التأليف في «كلام في الدين والسياسة» وهو عنوانٌ صحفي عام، وعنوانٌ فرعي أدق «نحو لاهوت تحرير مصري عربي»، ومطبوع في دار المحروسة في مصر، وتقديم جمال البنا مما يوحي بمصريته وعروبته وثقافته الوطنية. وهو آخر المجموعة الرباعية.١٧ وهي مقالاتٌ متفرقة مجمَّعة تمَّت تحت أربعة أجزاء، ولكلٍّ منها فصول، والجزء الرابع ملاحق. ويعرض لثلاث قضايا رئيسيةٍ نظرية في لاهوت التحرير؛ الأول التحول من الخلاص الفردي إلى الخلاص الجماعي، يجمع بين النظرية والتطبيق، النظرية في الاشتباه في لاهوت التحرير بين الديني والسياسي، وفي تعدد نماذج لاهوت التحرير بين الغربي والشرقي، ومحاولة تأصيل لاهوت تحرير مسيحيٍّ إسلامي لعالمنا العربي.١٨ والتطبيق على القضية الفلسطينية، الانتفاضة الأولى، والكنيسة في فلسطين المحتلة، وقيامة المسيح وتحرير فلسطين، وتطبيق حقوق الإنسان في الكنيسة في مصر.١٩ والثانية، إشكالية الهوية بين الالتزام الديني والالتزام الوطني والإنساني، وتُعبِّر عن قضية التعدُّدية الطائفية، وقضية الطائفية والمواطنة والأقلية والأغلبية، وهو ما يتعارض مع التصور الكيفي للتعدُّدية الثقافية، والكنيسة الكاثوليكية وجماعة الكاثوليك في مصر نموذجًا.٢٠ وهو أكبر من الجزء الأول، إن لم يكن ضعفه.٢١ والثالثة التعدُّدية وقبول الآخر كشرطٍ ضروري للخلاص، وموضوعاتها تبدو خارج الموضوع مثل التأويل عند ابن رشد، وتجديد الحياة الروحية في الرهبنة المصرية في مائة عام، الأب متى المسكين نموذجًا، والتيارات السياسية في مصر.٢٢ وملاحق الجزء الرابع تبدو كتابات مناسبات مثل مصر والفاتيكان، العلاقات التاريخية، وكلمتي الرئيس والبابا.٢٣ وهو «كلام» بالفعل، خطابٌ عام للناس تنقصه مواصفات الخطاب الفلسفي، لاهوت التحرير في أسسه النظرية وتأويلاته الفلسفية المعاصرة للعقائد. ويُبنى على تراكُمٍ انتقائي سابق.٢٤ والمقدمة من مفكرٍ مجدد، يغلب عليها المنهج النصي القرآني، ولا تضع المحاولة في إطار لاهوت التحرير باعتباره علمًا وليس ثقافة.٢٥

ويمكن عرض لاهوت التحرير بطريقتَين؛ الأولى مراجعة الأدبيات التي تمت في اللغات الأجنبية وفي اللغة العربية سواء العارضة منها للأدبيات الغربية أو المستقلة عنها على درجاتٍ متفاوتة. والثانية بناء نموذجٍ للاهوت التحرير مستقلٍّ عن النموذج المسيحي أو الآسيوي المعروض في الأدبيات الأجنبية أيضًا من أجل إبداع نماذجَ متعددة وعدم تكرار نموذجٍ واحد عُرف به في نشأته. ويمكن الجمع بين الطريقتَين، المراجعة والإبداع، النقد والبناء، بداية بالتاريخ وليس انتهاء إليه، بداية بالأدبيات السابقة ثم عدم الوقوف عندها من أجل تطويرها.

(٣) لاهوت التحرير من التاريخ إلى الفكر

«لاهوت التحرير» ليس مجرد تجربةٍ تاريخية عامة لدى كل الشعوب منذ قدم الزمان أو خاصةً لدى الغرب الحديث منذ ثلاثة أو أربعة عقود من الزمان، بل هو نسقٌ عقائدي أو بنيةٌ فكرية تتجاوز التسلسُل التاريخي للأحداث والشخصيات والمؤلفات.

ولاهوت التحرير ليس مرتبطًا بالمؤسسات الدينية بالضرورة، الكنيسة أو المحكمة أو اليهودية (السانهدرين) أو «السانجا» في الهندوكية؛ لأن الدين باعتباره تحررًا إنما نشأ ضد المؤسسة الدينية التي ارتبطَت بالملك أو برجال الدين، وارتبطَت مصالحها بالنظام السياسي الإقطاعي أو القبلي القائم. وكان الدين أولًا ثورة ضد المؤسسة الدينية ورجال الدين، فتصدى أنبياء بني إسرائيل للأحبار المتعاونين مع الملوك، والملوك المتحالفين مع الإقطاع، خاصة النبي عاموس. كما نقد السيد المسيح الفريسيين والكتبة والأحبار الذين تعاونوا مع السلطة الرومانية وحوَّلوا الدين إلى أشكال ورسومً خارجية دون تقوى باطنية وإيمانٍ صادق بعيدًا عن النفاق والمصالح الشخصية. ولا يُوجد رجال دين في الإسلام ولا سلطةٌ دينية متوسطة بين الإنسان والله، تحتكر التفسير، وصياغة العقائد، والفصل بين الصواب والخطأ. تلك مهمة العلماء. وكل مسلمٍ يستطيع أن يكون عالمًا؛ فالإسلام والبروتستانتية بالنسبة لحق التفسير، ورفض التوسُّط بين الإنسان والله، واعتبار الكتاب وحده مصدر الإيمان وليس أقوال آباء الكنيسة، والإقلال من أهمية الطقوس والمراسم، والخلاص بالإيمان وحده متشابهان في التجربة التاريخية. لاهوت التحرير استئناف للبروتستانتية القديمة في بروتستانتيةٍ جديدة طبقًا لظروف العصر ومصادر القهر؛ فقد كتب لوثر «في حرية المسيحي» ودافع عن حق كل إنسان في حرية تفسير الكتاب المقدس ضد احتكاره من الكنيسة، وكيركجارد، لوثر الثاني، أراد العودة إلى الذاتية، والتحول من الوجود إلى الصيرورة، ومن اطمئنان الإيمان إلى قلق الوجود الإنساني.

ولاهوت التحرير ليس فقط مجموعة من الممارسات الاجتماعية لخدمة جماعة المؤمنين داخل المؤسسات الدينية أو خارجها، أو حتى النضال الثوري لبعض الرهبان الشبان مثل كاميو توريز؛ فالممارسات الاجتماعية والأفعال الثورية تعبير عن رؤًى للعالم ونظریات فلسفية. لاهوت التحرير له أسسه النظرية الخالصة قبل أن يكون ممارساتٍ عملية، وإن كانت الممارسات العملية تُعيد إحكام النظرية وتبلورها، وتجعلها أكثر مطابقةً وقدرة على تحقيق المثال في الواقع.

ولاهوت التحرير ليس من إبداع أشخاص فقط، بل هو تأسيسٌ جاد وأصيل للاهوتٍ جديد يأخذ بعين الاعتبار أنه لا يُوجد لاهوتٌ واحد عبر العصور. اللاهوت جزء من العلوم الاجتماعية، في علم اجتماع الثقافة، مثل باقي الأنشطة الذهنية في الأيديولوجيات والفلسفات والعلوم والفنون. والتركيز على الأشخاص يجعل لاهوت التحرير مرتبطًا بها أكثر من ارتباطه بالواقع الاجتماعي والسياسي للشعوب التراثية المضطهدة.٢٦ كذلك ركَّز في «لاهوت التحرير في أفريقيا» على شخصيةٍ واحدة، ديزموند توتو.
لاهوت التحرُّر ممارسةٌ فعلية للتأويل، ومنهجٌ جديد فيه، قراءة الحاضر في الماضي، وتفسير النص الديني بالعودة إلى التجربة الذاتية التي نشأ فيها؛ فالنص الديني ليس له معنًى تاريخي ثابت يتجاوزه الزمن وإلا أصبح قديمًا ليس صالحًا لكل زمان ومكان، بل له بنيةٌ ثابتة يمكن ملؤها بمادة من كل العصور. وما أكثر الآيات من العهدَين القديم والجديد التي أصبحَت شعارات للاهوت التحرير في اليهودية والمسيحية! فقد ارتبط النص التوراتي بتحرير بني إسرائيل من المادة وعبادتها إلى عبادة الله وحده، وتحريرهم من الأسر الفرعوني والبابلي. كما قال السيد المسيح «ما جئت لأُلقي سلامًا بل سيفًا.» وما أكثر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في «لاهوت التحرير» والتي أُحسن استعمالها في الثورة الإسلامية في إيران! وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ. وارتباط الإيمان بالله بالأمن ضد الخوف وبالإشباع ضد الخوف فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ. وتنهار المجتمعات الإقطاعية، عند بناء القصور للأغنياء، وتعطيل الآبار للفقراء وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ، بل يجوز القتال بالسلاح دفاعًا عن النفس ودفعًا للعدوان أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ. لاهوت التحرير تأويل للثنائيات الدينية التقليدية التي أرست قواعدها المانوية القديمة، الصراع بين النور والظلمة، الخير والشر، الحق والباطل، الصواب والخطأ، والتي استمرت في الثنائيات الدينية المسيحية والإسلامية، العالم والله، الدنيا والآخرة، الخير والشر، الجنة والنار، النعيم والعذاب، الثواب والعقاب، الذكر والأنثى، الملاك والشيطان … إلخ، إلى ثنائياتٍ حديثة الصراع بين القاهر والمقهور، الغني والفقير، الظالم والمظلوم، الحاكم والمحكوم، المركز والأطراف … إلخ.٢٧

ويمكن القول بأن أركان الإسلام الخمسة ومقاصد الشريعة الخمسة التي من أجلها وُضعَت الشريعة ابتداءً هي نوعٌ من لاهوت التحرير بفعل التأويل، كما مارسه ابن رشد في «قانون التأويل» في آخر «مناهج الأدلة»؛ فالشهادة إعلان وقول وبيان على العصر وأزماته، باللسان وبالفعل وبالقلب، طبقًا لدرجات تحمُّل الواقع لفعل التغيُّر الاجتماعي. والشاهد والشهيد من نفس الاشتقاق. الشهادة بالقول والفعل في البداية، والشهادة بالحياة في النهاية. والصلاةُ أداء فعلٍ في الوقت في الحال لا إرجاء ولا قضاء، إحساس بالواجب اليومي، فعل في الزمان وشهادة في الخلود. والصيام مشاركة للفقراء، وتربية للنفس. والزكاة مشاركة في الأموال بين الأغنياء والفقراء، وتداول للمال ضد الاكتناز والاحتكار والاستغلال. والحج موقفُ إعلان المساواة بين البشر، وإجماعٌ عام على حال الأمة ونضالها في التاريخ.

ومقاصد الشريعة ابتداءً هي رعاية المصالح العامة التي هي أشبه بإعلانٍ عالمي لحقوق الإنسان والشعوب معًا وليس فقط لحقوق الإنسان، بل لحق كل شعب في تقرير مصيره. وهي خمسة؛ الأول، الدفاع عن الحياة؛ فمن قتل نفسًا فكأنما قتل الناس جميعًا، ومن أحيا نفسًا فكأنما أحيا الناس جميعًا وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ. والثاني، الدفاع عن العقل؛ فالعقل أساس النقل، ومن قدَح في العقل فقد قدَح في النقل، وموافقة صحيح المنقول لصريح المعقول. والثالث، الدفاع عن الدين؛ أي الحقيقة المطلقة الشاملة ضد النزعات الشكلية والنسبية واللاأدرية والعدمية، يحتكم إليها الناس جميعًا، معيارًا إنسانيًّا واحدًا ضد ازدواجية المعايير. والرابع، الدفاع عن العِرض والكرامة وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. والخامس، الدفاع عن الثروة الوطنية، التي كانت في عُرف القدماء المال، وهي الآن الثروات الطبيعية والبشرية، المادية والمعنوية.

(٤) المنطلقات الرئيسية للاهوت التحرير

ويبدأ لاهوت التحرير من منطلقاتٍ أساسية، وهي أن الدين ظاهرةٌ اجتماعية ينشأ في المجتمع تعبيرًا عن قوًى اجتماعيةٍ وسياسيةٍ جديدة؛ فالدين في هذه المسألة «زفرة المضطهدين» هكذا نشأَت اليهودية في مواجهة موسى لفرعون، الحرية ضد التسلط، والتحرر ضد القهر. كما نشأَت المسيحية تعبيرًا عن الطبقات المهمَّشة في المجتمع الروماني، العبيد والمرضى والضعاف ضد جبروت القوة وسلطان الجسد. ونشأ الإسلام في شبه الجزيرة العربية تعبيرًا عن القوى الضعيفة، العبيد والفقراء في المجتمع المكي ضد الأغنياء والأقوياء من أشراف مكة. ثم يقوم الدين بعد ذلك بعد أن يفقد دفعته الثورية الأولى ويتحول إلى مؤسسة ورجالِ دينٍ وطبقةِ مصالحَ وأداةٍ في يد السلطة إلى أن يصبح «أفيون الشعب» وحقنةً مخدرة لتسكين المضطهدين والمهمَّشين والغاضبين وجعل طاعة أولي الأمر من طاعة الله، والرزق مقدر، والغنى والفقر قضاء وقدَر مقسومان قبل أن يُولد الإنسان، وأن الجنة والنعيم والرخاء والغنى كل ذلك موعودٌ للفقراء يوم القيامة.

كما يبدأ لاهوت التحرير من مسلَّمة ثانية، وهي أن اللاهوت من الطبقة، وأن كل لاهوت يُعبِّر عن مصلحة طبقةٍ بعينها. وهي طبقةٌ سياسية واجتماعية واقتصادية في آنٍ واحد، سياسية لأنها تمثل سلطةً جديدة صاعدة أو قديمةً متهاوية، واجتماعية لأنها طبقة العبيد المهمَّشة التي بيدها السلطة الجديدة أو طبقة الأشراف القديمة المتهاوية، واقتصادية لأنها تمثل الحرفيين والصناع أو كبار التجار. وهكذا نشأَت الفرق الإسلامية في بداياتها إما تعبيرًا عن السلطة السياسية القادمة مثل أهل السنة أو عن سلطة المعارضة مثل الشيعة. وداخل أهل السنة نشأَت فرقة السلطة مثل الأشاعرة وفرق المعارضة مثل المعتزلة والخوارج. ونشأَت الفرق المسيحية بنفس الطريقة بعد تحوُّل قسطنطين إلى المسيحية، مسيحية السلطة التي كان يُمثِّلها أوغسطين في روما وسلطة المعارضة في المستعمرات الرومانية مثل دوناتوس في شمال أفريقيا، وآريوس في مصر.

«لاهوت التحرير» تعبير عن العقل البديهي ولا يحتاج إلى جدلٍ لاهوتي مجرد أو انتصارٍ على الخصوم أو الدخول في سجال مع اللاهوت التقليدي الخالص. هو أقرب إلى اللاهوت الطبيعي الاجتماعي التلقائي مثل «الموعظة على الجبل» أو التأمل في العالم وفي النفس وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ. والتجارب التاريخية ما هي إلا تعيُّنات لهذه البداهات العقلية؛ فالعقل والتاريخ شيء واحد.

ولغة لاهوت التحرير ليست اللغة العقائدية المدرسية كما هو الحال في «الخلاصة اللاهوتية» لتوما الأكويني، بل هي لغةٌ عادية تُخاطب عامة الناس لتجنيد الجماهير جمعًا بين الحمية الدينية وأزمة العصر؛ لذلك يصعُب استعمال الألفاظ المعرَّبة حتى لا يبدو الخطاب الديني الاجتماعي غريبًا على الناس مثل «الأفخارستيا». وما أسهل من استعمال الألفاظ العربية النصرانية في المسيحية العربية مثل المناولة أو القربان المقدس.٢٨ وكذلك تعبير التيار «المسيحاني الكريستولوجي» ويعني التيار الذي يتعلق بشخص السيد المسيح باعتباره مُخلِّصًا؛ فالترجمة لا تعني بالضرورة لفظًا بلفظ أو عبارة بعبارة، بل قد تفي لفظًا بعبارة وعبارة بلفظ طبقًا لدرجة التركيز في اللغتَين، المترجَم منها والمترجَم إليها.٢٩ وكذلك استعمال تعبير «العقلية الميثولوجية» وقد استقر في الأسلوب العربي الحديث لفظ «الأسطورية» ولفظ «الأنثروبولوجي» وقد استقر في العربية الحديثة أنه «الإنساني» أو ما يتعلق بالإنسان.٣٠

(٥) أنواع اللاهوت وأنساق لاهوت التحرير

ولا يُوجد نوع واحد من اللاهوت، بل هناك عدة أنواع أشهرها، ومرتبة طبقًا لأبعدها عن لاهوت التحرير ثم نهاية بأقربها، وهي:
  • (١)
    اللاهوت العقائدي أو القطعي Dogmatique، وهو أكثر أنواع اللاهوت غرورًا، لا يفرق بين التصورات الذهنية لله والله في ذاته، ويعتبر العقائد حقائقَ ثابتة ومطلقة، غايات في ذاتها وليست وسيلة لهداية البشر وإسعادهم.
  • (٢)
    اللاهوت الوضعي Positive، ويعتبر العقائد أشياءَ مادية موجودة بالفعل مثل التجسُّد والصلب والخلاص وليست دلالاتٍ وبواعث على فعل الخير، ويخضع لأثَر الوضعية.
  • (٣)
    اللاهوت الطبيعي Naturelle، ويعتمد على نتائج العلم الطبيعي والنظريات الكونية لإثبات وجود الله وخلق العالم وخلود النفس. ويتغير بتغير النتائج العلمية وتقدُّم العلم.
  • (٤)
    اللاهوت الجدلي Dialectique، ويقوم على جدلية الله والإنسان؛ فلا يمكن تصوُّر الله دون الإنسان ولا تصوُّر الإنسان دون الله، وأحيانًا يُسمَّى لاهوت الكلمة، كما هو الحال عند كارل بارت.
  • (٥)
    اللاهوت العقلي Rationelle، ويقوم على العقل وحده وليس على الإيمان أو النص أو سلطة الكنيسة، كما هو الحال عند المعتزلة وابن رشد.
  • (٦)
    اللاهوت النقدي Critique، الذي يقوم على نقد النصوص الدينية وعدم إصدار حكم على عقيدة قبل تحليل نصوصها تحليلًا تاريخيًّا؛ ومن ثَمَّ تظهر العقائد مرتبطة بنشأة النص وتكوينه.
  • (٧)
    اللاهوت السلبي Negative، ويقوم على تطهير العقائد كمُثلٍ عليا مفارقة من كل الصياغات البشرية المحدودة في الزمان والمكان، طبقًا للحديث المشهور «كل ما خطر ببالك فالله خلاف ذلك.»
  • (٨)
    اللاهوت الرعوي Pastoral، وهو نوع من اللاهوت الأخلاقي يبدأ بالنفس قبل الآخر بناءً على التفسير الشائع لآية إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ. وهي نظرةٌ فردية للتغيير، من الفرد إلى المجتمع.
  • (٩)
    لاهوت التحرير Liberation Theology أو Theology of Liberation وهو الذي يربط اللاهوت بقضية العصر الرئيسية في الستينيات في العالم الثالث، خاصة في أمريكا اللاتينية؛ مساعدةً ثقافية لحركات التحرَّر الوطني ابتداءً من ثقافة الجماهير.
وقد صدَرَت مجلاتٌ عديدة في الشرق والغرب ولدى كل الحضارات والشعوب وفي كل الثقافات تحت عنوان «اللاهوت الجديد New Theology»، وفي العالم الإسلامي أيضًا مثل «قضايا إسلامية معاصرة (قم)»، «الفكر الإسلامي المعاصر (دمشق)»، «المسلم المعاصر (الكويت-القاهرة)، «المنهاج»، «المنطلق» (بيروت) … إلخ.٣١
وهناك أنساقٌ عديدة للاهوت التحرير وليس نسقًا واحدًا أهمها:
  • (١)

    النسق الأخلاقي الفردي الذي يقوم على القيم الأخلاقية أو النزَعات الصوفية.

  • (٢)

    النسق الأخلاقي والاجتماعي الذي يقوم على قيم الجماعة والمشاركة والتضامن والعدالة وإعادة توزيع الثروة بين الأغنياء والفقراء.

  • (٣)

    النسق العملي من خلال فعل الرهبان الاجتماعي وسعيهم في مصالح الناس، أو من خلال دور الكنيسة كمؤسسةٍ اجتماعية تحلُّ مشاكل المجتمع.

  • (٤)
    النسق العقائدي التأويلي لإيجاد معانٍ تحرُّرية للتجسد، المسيح في العالم وليس بعيدًا عنه، أو للخلاص، خلاص البشر من الآلام أو الصلب، الشهادة في سبيل الآخرين.٣٢
  • (٥)

    النسق الفلسفي الخالص لدراسة تصوُّرات العالم وأيها أكثر فعالية في التغير الاجتماعي والفعل التاريخي.

وقد تم عرض نموذجٍ نظري في الوطن العربي، ابتداءً من علم العقائد الإسلامية في «من العقيدة إلى الثورة»، كجزء من مشروعٍ أعم هو «التراث والتجديد».٣٣ بل لا يقتصر الأمر على علم العقائد وحده بل يتسع ليشمل كل العلوم التراثية من أجل إعادة بنائها كاستجابةٍ لتحديات العصر؛ من أجل تأسيس لاهوت الإبداع في «من النقل إلى الإبداع»، ولاهوت المصالح العامة في «من النص إلى الواقع»، ولاهوت إثبات الوجود التاريخي والوعي القومي في «من الفَناء إلى البقاء»، ولاهوت العقل في «من النقل إلى العقل» من أجل نقل المجتمع كله من مرحلةٍ تاريخية إلى مرحلةٍ تاريخية أخرى وليس اللاهوت فقط؛ فاللاهوت عصب التاريخ، ومحور التغيير فيه.
والهدف من هذا اللاهوت العصري الشامل هو تطوير لاهوت التحرير النسبي إلى لاهوت تحريرٍ جذري، من اللاهوت الأخلاقي إلى اللاهوت السياسي، ومن اللاهوت الفردي إلى اللاهوت الجماعي، ومن نظرية الذات والصفات والأسماء والأفعال إلى الإنسان الكامل، ثم من الإنسان الكامل إلى الإنسان المُتعيِّن، ومن النبوة والمعاد إلى التاريخ، الماضي والمستقبل، ومن الخلود إلى الزمان، ومن الآخرة إلى الدنيا، ومن الإمامة إلى الدولة، ومن الإيمان والعمل إلى المواطن، ومن التاريخ المنهار، خیر القرون قرني، إلى التاريخ الصاعد من أجل التقدُّم والنهضة.٣٤
إن «لاهوت التحرير» ليس لاهوتًا أبديًّا كما هو الحال في اللاهوت العقائدي، بل هو مُتغير بتغيُّر الأزمات في كل عصر. ربما هو جزء من «لاهوت الأزمة» Predicament ولا يكاد يخلو كل عصر من أزمات. تعرض الأزمة أو القضية أو التحدي في علاقتها باللاهوت؛ أي بالفكر الديني، باعتباره مُكوِّنًا رئيسيًّا من مكونات الثقافة الشعبية، بعد أن تحولت العقائد إثْر تراكُمها الطويل عبر السنين إلى أمثالٍ شعبية وحكم للشعوب. وأصبحت الدراسات اللاهوتية الآن تتعرض لموضوعات العصر باسم لاهوت التقدُّم، لاهوت العدالة، لاهوت المساواة، لاهوت الوحدة، لاهوت التنمية، لاهوت الأرض، لاهوت الألم، ولاهوت حقوق الإنسان … إلخ.٣٥
ولا يعني أن لاهوت التحرير ليس لاهوتًا أبديًّا بل لاهوتٌ يُعبِّر عن مرحلةٍ تاريخية محددة، هي مرحلة التحرر الوطني، أنه مرتبطٌ بالتغير في العلاقات الدولية، وأنه كان مرتبطًا بعصر الاستقطاب،٣٦ وبعد انهيار أحد القطبَين فإنه يتغير طبقًا لنظام القطب الواحد، والتحوُّل من الاشتراكية إلى الليبرالية، ومن الماركسية إلى الرأسمالية. ولا يعني تراجع النظُم الاشتراكية في العالم الثالث نهاية لاهوت التحرير إلى لاهوتٍ آخر مرتبط بالخصخصة والانفتاح الاقتصادي؛٣٧ فالتحرير غايةٌ دائمة للجنس البشري بالرغم من تعدُّد صور القهر والتسلُّط السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وليست قيمة «الحفاظ على الحياة» بديلًا عن قيمة «التحرير» بل تُعَد أحد مظاهره. ويمكن توسيع مفهوم الطبقة الدنيا دون الوقوع في الدفاع عن الطبقة المتوسطة؛ فقد ازداد الفقراء فقرًا والأغنياء غنًى في عصر القطب الواحد في دول العالم الثالث، وفي دول العالمين الأول والثاني أيضًا. والمجتمع المدني ليس بديلًا عن المجتمع السياسي؛ فالسياسة أحد مظاهر التعبير في المجتمع المدني، وإلا كانت الدعوة إلى مجتمعٍ مدني غير مسيس أساس الانفتاح الاقتصادي وركيزته الأولى في دول العالم الثالث. والمقاومة تتعدد أشكالها من المقاومة المسلحة إلى المقاومة الثقافية. كما تشمل المقاومة السلبية الممثلة في العصيان المدني، والمقاومة الشعبية بنزول الملايين إلى الشوارع، والمقاومة الاقتصادية بمقاطعة البضائع الأجنبية. وهي أشكالٌ تتكامل فيما بينها ولا تتعارض.

هل هناك شبهات حول لاهوت التحرير؟

إن الشبهاتِ التي أُحيطت بلاهوت التحرير غير صحيحة، والاتهاماتِ التي أُلقيَت عليه باطلة، وأهمها:
  • (أ)
    لاهوت التحرير ماركسية مُقنَّعة أقرب إلى الماركسية منها إلى الدين.٣٨ فهذا إعطاء للماركسية أكثر مما تستحق وللدين أقل مما يستحق؛ فلا يمكن اختزال كل تحليلٍ اجتماعي تاريخي جدلي وكل تحليلٍ طبقي ولصراع الطبقات إلى الماركسية. كما أن هناك نماذجَ من لاهوت التحرير بعيدة عن التحليل المادي التاريخي والتحليل الطبَقي ويقوم على نزعةٍ مثالية، ومثالية فعل ومقاومة «الأنا تضع نفسها حين تقاوم» كما هو الحال في فلسفة المقاومة عند فشته؛ فهو فيلسوف قبل أن يكون لاهوتيًّا.٣٩ كما أن الوحي متحقق في التاريخ، والنبوة متطورة طبقًا لمراحله. والمكان والزمان حاضران فيه بفعل «أسباب النزول» و«الناسخ والمنسوخ». ولولا التدافُع بين الناس لما قامت حضارة ولا نشأ تاريخٌ إنساني. وقد نشأت عدة حوارات بين المسيحية والماركسية (ابتكر Apteker) استئنافًا لما قاله كاوتسكي من قبلُ في «المسيحية البدائية».
  • (ب)
    يقول لاهوت التحرير بالصراع الطبقي ولا يمنع من ممارسة أنواع العنف المختلفة بما في ذلك الصراع المسلح كما فعل كامیو توريز؛ فالإيمان فعل وقوله ممارسة وإيمان. وحمل البندقية لا يقل أهمية عن حمل الصليب. يدفع المؤمنين إلى نيل الشهادة في سبيل الحق تأسيًا بصلب المسيح، ولكن بنضالٍ إيجابي، دون الاكتفاء بالشهادة على العصر وبالبقاء في العالم كأسطورةٍ خالدة للخلاص، وفداء خطايا البشر.٤٠
  • (جـ)
    لاهوت التحرير إلحاد صريح؛ فقد استبدل بالله الإنسان وبالوحي التاريخ، وبالأنبياء قادة الشعوب، وبالملائكة زعماء حركات التحرُّر الوطني، وبالآخرة الدنيا، وبالإيمان الثورة، وبالصليب البندقية، وبالقدَّاس الخلية، وبالكنيسة الحزب الثوري، وبالتجسُّد الشعب والأرض، وبالمؤمنين العمال والفلاحين. وهو اتهامٌ غير صحيح إنما هو عودٌ إلى الدين، إلى مساره الطبيعي، بعد القضاء على اغترابه خارج العالم؛ ومن ثَمَّ يُعَد فيورباخ هو المنظر الفعلي للاهوت التحرير. ولاهوت «موت الإله» أحد فروع اللاهوت المعاصر Death of God Theology أو اللاهوت بلا إله Atheistic Theology عند جابریل فاهانيان G. Fahanian و ألتزير Altzier. بل لقد تبنَّاه عديد من القساوسة والأحبار والرهبان مثل روبنسون في «مخلص لله» Robinson: Honest to God.
  • (د)
    لاهوت التحرير علمانيةٌ صريحة فهو دين بلا إله، وأرض بلا سماء، وبدن بلا روح. وهو اتهامٌ غير صحيح لأن الوحي كلام الله إلى الإنسان، ورسالة من السماء إلى الأرض؛ فالغاية الإنسان في العالم وليس الله خارج العالم. لاهوت التحرير متفق مع مقصد الوحي ومساره في التاريخ. واللاهوت العلماني Secular Theology أحد فروع اللاهوت الجديد، كما عَبَّر عن ذلك هارفي كوكس في «المدينة العلمانية The Secular City».
  • (هـ)
    لاهوت التحرير تسييس للدين وخلط بين ملكوت السماء وملكوت الأرض، مع أن السيد المسيح فصل بينهما «أعطِ ما لقيصر لقيصر، وما لله لله.» وهو تفسيرٌ غير صحيح للدين؛ فالوحي نظام حياة للإنسان في الداخل والخارج، وللجماعة في علاقاتها ونظُمها. غرضه تحقيق السعادة في الدنيا قبل مثيلها في الآخرة. وقد كانت دعوة كل النظم التسلُّطية الفصل بين الدين والسياسة؛ حتى لا يتحول الدين إلى ثورة ضد الطغيان.٤١
ولا تأتي الشبهات فقط من اليمين الديني والاتجاهات المحافظة، بل تأتي أيضًا، وإن كان بدرجة أقل، من الاتجاهات اليسارية الجذرية، وأهمها:
  • (أ)

    لاهوت التحرير لاهوتٌ أكثر منه تحريرًا، ودينٌ أكثر منه دنیا. وهو نوع من التبشير الاجتماعي الجديد يستعمل المجتمع وسيلة، والدين غاية. ويبدأ من مآسي الناس كي يعيدهم إلى الإيمان. السياسة وسيلة، والدين غاية. ما زالت مقولاته في التجسُّد والخلاص والصلب والخطيئة والإيمان والكنيسة هي مقولات اللاهوت التقليدي حتى ولو أخذت دلالاتٍ جديدة.

  • (ب)

    لاهوت التحرير في النهاية نوع من المعارضة الفكرية والثقافة العالمة أكثر منها معارضةً سياسية فعلية في الدولة. لا تُكوِّن حزبًا سياسيًّا معارضًا في مواجهة السلطة القائمة بل تكتفي بالوعي الديني السياسي، وتقوم بدور التنوير العام بالحقوق والواجبات. ترفضه الكنيسة الرسمية ولا يعترف به مجموع اللاهوتيين بل وكتبَت الكنيسة ضده بيانًا تُبيِّن مخاطره وإن لم تُحرِّمْه.

  • (جـ)
    لاهوت التحرير أقرب إلى النزعة الأخلاقية الفردية؛ فخلاص العالم يبدأ بخلاص الفرد. هو «إحياء ذكرى» صلب المسيح كما يقول جوتيريز.٤٢ والنزعة الفردية أقرب إلى التيار اليميني في السياسة.
  • (د)
    لاهوت التحرير انتهى منذ الستينيات، وطغت عليه في العقد الأخير روح العولمة والسوق ومقولات حقوق الإنسان والمجتمع المدني والأقليات والمرأة، وهي الموضوعات الأثيرة في المجتمعات الغربية في عالمٍ ذي قطبٍ واحد ضد النظم الشمولية «لا للنظم الشمولية»، «من أجل ديمقراطية تخدم حقوق الإنسان وترفض النظم التسلطية».٤٣

ومع ذلك تظل مجموعة «لاهوت التحرير» الأربع، في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا والوطن العربي، بين الترجمة والعرض والتأليف، خطوةً رائدة للتعريف به في الوطن العربي، كنموذجٍ لعبور هذه الهُوَّة الواسعة التي شقَّت الصف الوطني بين الخطاب السلفي والخطاب العلماني، وقد وصل إلى حد الاقتتال وسفك الدماء في الجزائر، وكلَّف مائة ألف قتيل؛ من أجل إبداع خطابٍ ثالث يُحقِّق أهداف الخطاب العلماني بآليات الخطاب السلفي، فتتحقق وحدة الصف الوطني ووحدة الثقافة الوطنية بل ووحدة الأمم والشعوب عبر التاريخ.

١  وجهات نظر، سبتمبر ٢٠٠٣م.
٢  لذلك غلبت على «لاهوت التحرر» في أمريكا اللاتينية، نشأته، تطوره، مضمونه، للأب وليم سيدهم، النزعة التاريخية في الفصل الأول: لاهوت التحرير وإطاره التاريخي في أمريكا، والفصل الثاني: لاهوت التحرير، نظرة تاريخية من الداخل ص٢١–٧٧، وأيضًا «لاهوت التحرير في أفريقيا» ديزموند توتو و«اللاهوت الأسود»، دار الشرق، بيروت، ١٩٩٧م، الباب الأول: لمحة تاريخية، الفصل الأول: المطران ديزموند توتو، الفصل الثاني: نبذة تاريخية عن دولة جنوب أفريقيا، ص١٣–٤٧.
٣  ألويزيوس بيريس، «لاهوت التحرير الآسيوي»، عرَّبه بتصرُّف وليم سيدهم اليسوعي، دار المشرق، بيروت، ٢٠٠١م. ويرجع الفضل في ذلك للأب وليم سيدهم اليسوعي بالرغم من النشر في بيروت لمعظم الأعمال مثل «لاهوت التحرير في أفريقيا»، دار المشرق، بيروت، ١٩٩٧م.
٤  المجمع المقدس للعقيدة الإيمانية، «وثيقة الحرية المسيحية والتحرير»، ترجمة الأب وليم سيدهم اليسوعي، مطبوعات الآباء اليسوعيين، الفجالة، القاهرة، ٢٠٠٢م.
٥  في المراجع العامة اثنان وعشرون مرجعًا أجنبيًّا في مقابل ستة مراجع عربية. ومن الدوريات تسع مقالات، اثنتان مترجمتان (ترثيان، سكاندریت أريك). والباقي في التاريخ والاقتصاد وفي أمريكا اللاتينية باستثناء قاسم نبيل، «تجديد المسيحية وثورة الكهنة في أمريكا اللاتينية»، ولا يذكُر: حيدر إبراهيم علي، «الدين والثورة»، لاهوت التحرير في العالم الثالث، منشورات نجمة، الدار البيضاء، ١٩٩٢م؛ حسن حنفي، «كاميو توريز»، القديس الثائر، قضايا معاصرة، في فكرنا المعاصر، دار الفكر العربي، القاهرة، ١٩٧٦م، ج١، ص٢٨١–٣١٨ (وهو منشور في مجلة الكاتب عام ١٩٦٩م). كما لم يُشِر إلى مجلة Compass التي تصدُر في لوفان ودراسات هوتار Houtard أستاذ توريز وعديد من لاهوتيي التحرير في لوفان، ببلجيكا.
٦  حسن حنفي، «كاميو توريز»، القديس الثائر، قضايا معاصرة، في فكرنا المعاصر، دار الفكر العربي، القاهرة، ١٩٧٦م، ج١، ص٢٨١–٣١٨.
٧  حسن حنفي، «جمال الدين الأفغاني»، بمناسبة المئوية الأولى (١٨٩٧–١٩٩٧م)، دار قباء، القاهرة، ١٩٩٨م.
٨  الأب وليم سيدهم، «لاهوت التحرير في أفريقيا»، الباب الثالث: بين لاهوت التحرير الأمريكي اللاتيني ولاهوت التحرير الأفريقي، ص١١٧–١٣١.
٩  السابق، خاتمة، ص١٣٧–١٤٠. وأيضًا الدين وحقوق الإنسان «رؤية مسيحية»، ص٦٢.
١٠ 
  • Fuad Hendricks: Imam Abdullah Haron, Martyrdom comes to life, Furgan publications Impress, Durban 1988.
  • Barney Desai, Chardiff Martney: The killing of the Imam, Quartet books, London 1978.
  • F. Isaak: But Musa went to fir-aun, Clyson Printers, Maitland, 1989.
  • Achmed Cassiem: Eid Message, the intercultural roots of the oppressed and the Islamic Triumph over Apartheid, Qibla, Cape Town, 1992.
  • Achmed Cassiem: Iqraa, freedom from ignorance, Qibla, Cape Town, 1992.
  • Achmed Cassiem: Quest for unity, Qibla, Cape Town. 1992.
  • Achmed Cassiem: Ramadaan, the month of high intensity training, Qibla, Cape Town 1992.
  • Ahmed Essop: The Hajji and the other stories, Ravan press, Johannesburg, 1978.
  • Abdulkader Tayob: Islamic Resurgence in South Africa, The Muslim Youth Movement, UCT press, Cape Town, 1996.
  • Achmat Davids: The Mosque of Bo-Kaap, South Africa Institute of Arabic and Islamic Research, Athlone, Cape, 1980.
  • Aziz A. Batran: Islam and Revolution in Africa, Amana Books, Brattleboro, Vermont 1984.
وأيضًا مجلة «برهان الإسلام» التي تصدر باللغة الإنجليزية وهي لسان حركة تحمل نفس الاسم في جنوب أفريقيا في مدينة فلابرج Vlaeberg.
١١  حسن حنفي، «من النقل إلى الإبداع»، المجلد الأول: النقل، الجزء الثاني: النص، الفصل الأول: الترجمة، دار قباء، القاهرة، ٢٠٠٠م.
١٢  وتشمل المقدمة التعريف بالمؤلف، ووضع الترجمة كعملٍ رابع من مجموعة لاهوت التحرير للمترجم. ويُحدد أهمية الكتاب في أربعة؛ انتماء المؤلف إلى دولة آسيوية يشكل فيها المسيحيون أقلية ٣٪ عكس أمريكا اللاتينية، إدخال لاهوت التحرير في إطار علم الأديان المقارن، تفاعُل المسيحية كدين وحي مع الديانات الآسيوية البوذية والهندوسية والشنتوية كديانات تاريخ، تناوُل قضية الفقر والفقراء من منظورٍ جديد. وأهم القضايا خمس؛ تلازُم تحرير الشعوب والحوار بين الأديان، نقد لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية والدفاع عن تعدُّد النماذج والمناهج والاعتماد على اللاهوت الجدلي عند كارل بارت، نقد اللاهوت الليبرالي عند كارل رانر؛ فالمسيح ليس ضد الدين بل مع الدين، التغريب في الكنيسة الآسيوية، الخصوصية الدينية بين المسيحية والديانات الآسيوية. ثم يأتي وصف الأبواب والفصول. ألويزيوس بيريس، «لاهوت التحرير الآسيوي»، عرَّبه بتصرف وليم سيدهم اليسوعي، دار المشرق، بيروت، ٢٠٠١م، ص٥–١٦.
١٣  الإشارات هي: التجربة الصوفية في الإسلام، السابق، ص٦، والإشارات إلى بعض الدارسين والكتاب الذين تعرضوا لموضوع لاهوت التحرير مثل ميلاد حنا، حسن حنفي، حيدر إبراهيم، وليم سليمان في هوامش الخاتمة.
١٤  السابق، المجلد الثاني: التحول، الجزء الأول: العرض.
وليم سيدهم، «لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية»؛ سر الأفخارستيا، «ملخص كتاب جواتير لاهوت التحرير»، ص٨١–١٠٨؛ «الحرية المسيحية والتحرير تعليم مجمع العقيدة الإيمانية». الحق يُحرِّرنا، وهي فقراتٌ منتقاة من الوثيقة. السابق، ص١٤٥–١٥٦.
١٥  من النقل إلى الإبداع، المجلد الأول: النقل، الجزء الثالث: الشرح.
١٦  الباب الثاني كله بفصوله الستة وهو ما يعادل نصف الكتاب نصوصٌ مترجمة من ديزموند توتو وهي: (١) اللاهوت الخاص بالسود، (٢) البحث عن الأصالة والكفاح من أجل التحرير، (٣) الألم الذي يعانيه الأسود، (٤) المسيحية والفصل العنصري، (٥) هل اللاهوت الأفريقي هو لاهوت السود؟ (٦) لاهوت التحرير في أفريقيا. الأب وليم سيدهم، «لاهوت التحرير في أفريقيا»، ديزموند توتو واللاهوت الأسود، دار المشرق، بيروت، ١٩٩٧م، ص٤٩–١١٦. ويعترف المؤلف في المقدمة بأنها مقالاتٌ مترجمة، ص٥.
١٧  الأب وليم سيدهم اليسوعي، «كلام في الدين والسياسة»، نحو لاهوت تحرير مصري عربي، تقديم جمال البنا، دار المحروسة، القاهرة، ٢٠٠٣م.
١٨  السابق، ص٢٥–٥٥.
١٩  السابق، ص٥٩–١٠١.
٢٠  السابق، ص١٠٠–١٨٧.
٢١  السابق، الجزء الأول (٤٢ص)، الثاني (٨٣ص)، الثالث (٤٣ص)، الرابع (٧٣ص).
٢٢  السابق، ص١٩١–٢٣٣.
٢٣  السابق، ص٢٤١–٣١٣، كلمة ترحيب فخامة الرئيس مبارك، كلمة قداسة البابا في مطار القاهرة.
٢٤  مثل وليم سليمان، والكتاب مُهدًى إلى روحه.
٢٥  «كلام في الدين والسياسة»، ص٩–١٥.
٢٦  أضاف الأب وليم سيدهم ملحقًا لبعض الشخصيات الهامة في لاهوت التحرير مثل: جوستافو جواتيريز (بيرو)، ليوناردو بوف (البرازيل)، جون سوبرينو (إسبانيا)، إنريك دوسيل (الأرجنتين) جونزالو أرویو (شیلی)، كاميو توريز (كولومبيا)، دومنجو لاييني (إسبانيا)، دوم هلدر كامارا (البرازيل)، خوان لويس سيجوندو (أورجوای). «لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية»، ص١٥٩–١٦٣.
٢٧  حسن حنفي، «ثنائية الجنس أم ثنائية الفكر؟» هموم الفكر والوطن، التراث والعصر والحداثة، دار قباء، القاهرة، ١٩٩٨م، ج١، ص٥٢١–٥٣٦.
٢٨  وليم سيدهم، «لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية»، ص٨١.
٢٩  السابق، ص١١٤.
٣٠  الأب وليم سيدهم، «لاهوت التحرير في أفريقيا»، ص١٣٨.
٣١  «لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية»، ص١١١–١١٤.
٣٢  يذكُر الأب وليم سيدهم ثمانية تيارات: الروحي الرعوي، المنهجي، الاجتماعي، التاريخي، السياسي، الكنيسة الشعبية القاعدية، المسيحاني الكريستولوجي، التربوي، النقد الذاتی.
٣٣  حسن حنفي، «التراث والتجديد»، موقفنا من التراث القديم، المركز العربي للبحث والنشر، القاهرة، ١٩٨٠م؛ «من العقيدة إلى الثورة» محاولة لإعادة بناء «علم أصول الدين»، مدبولي، القاهرة، ١٩٨٧-١٩٨٨م.
٣٤  يلخص وليم سيدهم الأبعاد الجديدة للاهوت التحرير في اثنتَي عشرة نقطة كالآتي:
(١) التوجُّه نحو الفقراء اقتداءً بیسوع الفقير.
(٢) تأویل ملكوت الله لإلغاء التمييز بين ملكوت الأرض والسماء توحيدًا بين المثال والواقع، كما هو الحال في الإسلام؛ جمعًا بين ملكوت الأرض في اليهودية وملكوت السماء في المسيحية.
(٣) الكنيسة تمثل جماعةً حية من المؤمنين.
(٤) تفسير «الكلمة» في ضوء الواقع المعيشي.
(٥) العلاقة بين الخطيئة الاجتماعية والخطيئة الفردية وتحويل الخطيئة الدينية الموروثة إلى مآسٍ اجتماعية مكتسبة.
(٦) تعني البشارة في الإنجيل التحرير والرقي الإنساني.
(٧) تضامُن الكنائس الكبيرة والمحلية لصالح جماعة المؤمنين.
(٨) خلق حياةٍ روحانية صوفية اجتماعية ولا تقوم على العزلة.
(٩) السخاء قيمةٌ نضالية إلى حد الاستشهاد في سبيل الإيمان والعدالة.
(١٠) تأويل السيد المسيح بما يتناسب مع تحديات العصر ومآسي اليوم.
(١١) رؤية جديدة للكنيسة في خدمة الشعب.
(١٢) التضامن مع النشاط الإنساني للعلمانيين باسم الإيمان.
«لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية»، ص١١٦-١١٧.
٣٥  الأب وليم سيدهم اليسوعي، «الدين وحقوق الإنسان»، رؤية مسيحية، دار المشرق، بيروت، ١٩٩١م. وأيضًا:
Hassan Hanafi: Islam in the Modern World (2 Vols) I- Religion, Ideology and Development, II- Tradition, Revolution and Culture, Ist Ed. Anglo-Egyptian Bookshop, Cairo 1995, 2nd Ed. Dar Kebaa, Cairo 2000.
٣٦  يلخص وليم سيدهم في الفصل الخامس «المتغيرات الدولية ومستقبل لاهوت التحرير» بالتمييز بين الثوابت والمتغيرات. الثوابت مبدأ المشاركة ومبدأ الممارسة، والمتغيرات هي: (أ) التحول من التحرير إلى المحافظة على الحياة. (ب) توضيح مفهوم الطبقة والفقراء. (ﺟ) من المجتمع السياسي إلى المجتمع المدني، من المجابهة العسكرية إلى المواجهة الثقافية والأخلاقية والروحية. «لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية»، ص١٢١–١٣٠.
٣٧  يذكُر وليم سيدهم الأحداث الآتية في أمريكا اللاتينية: غزو الولايات المتحدة الأمريكية لبنما في ديسمبر ١٩٨٩م، سقوط الحكومة الساندنيستية في نيكارجوا في فبراير ١٩٩٠م، وقوع مذبحة السلفادور في نوفمبر ١٩٨٩م. السابق، ص١٢٢.
٣٨  وليم سيدهم، «لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية»، الفصل السادس: وثائق كنسية-التحليل الماركسي، ص١٣١–١٥٦.
٣٩  حسن حنفي، «فشته»، فيلسوف المقاومة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ٢٠٠٣م.
٤٠  «لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية»، ص٩٧–١٠٨.
٤١  وليم سيدهم «لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية»، ص٨١.
٤٢  السابق، ص٩٣-٩٤.
٤٣  الأب وليم سيدهم اليسوعي، «الدين وحقوق الإنسان»، ص٤٠.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤