من العرفان إلى الثورة١

دراسة مقارنة بين صدر المتألهين والإمام الخميني

(١) الموضوع والمنهج

في العالم السني هناك حكمٌ شائع أن الفلسفة انتهت بعد ابن رشد (٥٩٥ﻫ) في الأندلس؛ فقد كانت ضربة الغزالي للعلوم العقلية في الشرق قويةً للغاية، وكانت سيطرة الموحدين وأهل الظاهر في المغرب شبه كاملة؛ لذلك لم تستطع محاولة ابن رشد الإصلاحية في التحرُّر من الأشعرية، علم الأموية في مناهج الأدلة أو الدفاع عن الفلسفة في تهافُت التهافُت أو في التوحيد بين النظر والشرع، وجعل النظر واجبًا بالشرع، والتمييز بين القول الخطابي والجدلي والبرهاني في «فصل المقال»، وإحياء روح المالكية والفقه الطبيعي الفطري في «بداية المجتهد ونهاية المقتصد»، وإثبات قوانين الطبيعة في «الكليات» في الطب، ونقد وحدانية التسلُّط في «الضروري» في السياسة، تلخيصًا لجمهورية أفلاطون، وإحياء العقلانية الطبيعية ضد الإشراقية السينوية في شروحه وتلاخيصه وجوامعه على أرسطو، وإبراز مناهج الاستدلال لُب علم أصول الفقه في «الضروري» في علم الأصول اختصارًا للمستصفى لأبي حامد.٢
وكان ابن باجه أيضًا (٥٣٣ﻫ) قد حاول من قبلُ إنقاذ الأندلس في «تدبير المتوحد»، وبلورة الوعي الفردي اعتمادًا على منطق الفارابي، ولكنه مات مسمومًا، ثم حاول ابن طفيل (٥٨١ﻫ) أيضًا توجيه العقل نحو الطبيعة، وهما دعامتا الوحي في «حي بن يقظان»، ولكن ذلك لم يمنع من نهاية الإبداع، وبداية عصر الشروح والملخصات على الداخل، وليس على الخارج كالجمل يجتر نفسه، يأكل طعامه السابق ويختزنه، ويُعيد مضغه إذا ما أعوزَه الطعام الجديد، وعاش في فقر الصحراء وجَدْبها.٣

ويسود حكمٌ آخر في العالم الشيعي أن الفلسفة إذا كانت قد توقفَت عند ابن رشد في القرن السادس الهجري، فإنها استمرت في العالم الشيعي عند شرف الطوسي في نفس القرن، ونصير الدين الطوسي (٦٧٢ﻫ) وغيرهما من أعلام الفكر الفلسفي، الذي حمل الإشراق والعلم الرياضي في آنٍ واحد. وقد بلغ الذروة منذ صدر الدين الشيرازي (١٠٥٠ﻫ)، بل استمر بعده عند علماء الشيعة وحكمائهم حتى الإمام الخميني، الذي يعتبر تلميذ صدر المتألهين، وكما أن لملا صدرا أساتذةً مثل ميرداماد، فإن له تلاميذَ مثل الإمام الخميني.

والسؤال هو: ما الصلة بين العرفان عند صدر المتألهين والثورة الإسلامية عند الإمام الخميني؟ ما الصلة بين الفلسفة الإشراقية وتجرد النفس الناطقة من ناحية، ومتطلبات الثورة من علمٍ سياسي وتحليلٍ للواقع الاجتماعي من ناحيةٍ أخرى؟ ما الصلة بين «الحكمة المتعالية» و«دروس في الجهاد والرفض»، «شواهد الربوبية» و«الحكومة الإسلامية»، بين «تحرير الوسيلة» و«جهاد النفس»؟ كيف تحوَّل الداخل إلى الخارج، والمتعالي إلى المتداني، والمجرد إلى العيني، والميتافيزيقي إلى التاريخي، والنظري إلى العملي، والفلسفي إلى السياسي، والنخبوي إلى الجماهيري، والفردي إلى الاجتماعي، والحوزة العلمية إلى الشارع، والعقلي إلى الإرادي، والتصوري إلى الحركي، وباختصار العرفان إلى الثورة؟ وهي تساؤلاتٌ تدل على مسارٍ إيجابي وطبيعي وتاريخي من عصر الاستقلال إلى عصر الاحتلال، ومن حكم الأئمة إلى حكم الملوك.

وهناك تساؤلاتٌ أخرى تُوحي بمسارٍ سلبي على مستوى الخطاب الديني السياسي؟ كيف أمكن التحول من القول البرهاني عند صدر المتألهين إلى القول الخطابي عند الإمام الخميني؟ هل يربط القول الجدلي بينهما، دفع الشكوك والاعتراضات والشبهات عند الأول من حكيم الإشراق السهروردي، وفيلسوف الإشراق والرازي وشيخ الإشراق ابن سينا، وحجة الإسلام الغزالي، وابن كمونة، والعلامة الدواني، والطوسي من الموروث، وأرسطو وأفلاطون من الوافد والمشائين والمتكلمين والصوفية، والحكماء المتقدمين والمتأخرين. والجدل مع الخصوم عند الثاني، في الخارج الاستعمار والصهيونية وفي الداخل العلمانيين والماركسيين والرجعيين والرأسماليين والملوك وفقهاء السلطان، فهل هذا هو الثمن الذي يجب أن يدفعه التحوُّل من النخبة إلى الجماهير، ومن العقل إلى الثورة، ومن النظر إلى العمل، ومن الصوري إلى التاريخي، ومن العرفان إلى الثورة؟

قد تكون هناك مرحلةٌ متوسطة ناقصة بين «الحكمة المتعالية» و«ولاية الفقيه»، هي الأيديولوجية الثورية، مسار تحول العرفان إلى ثورة، تقديم العقل للثورة أُسسها النظرية. هناك حلقةٌ ناقصة بين صدر المتألهين والإمام الخميني، هو الفكر الإسلامي الثوري، والذي ما زال ناقصًا حتى الآن في شكلٍ كامل، باستثناء اجتهاداتٍ جذرية من أئمة الثورة الإسلامية، مثل الطالقاني وشريعة مداري وغيرهم داخل إيران مثل علي شريعتي، وربما قبله نواب صوفي وجماعة فدائي إسلام، وربما «مجاهدي خلق» بالرغم من أخطائهم في التحليل السياسي، والخروج على الثورة والارتماء في أحضان أعدائها، وحركة تحرير إيران وآراء بازركان، وربما بعض العلمانيين الذين قطعوا جسورهم مع الثورة، لخلافهم النظري مع ولاية الفقيه مثل بني صدر، وعبد الكريم سروج.

وربما كان ذلك أوضح عند أئمة الشيعة في لبنان، نظرًا لنضالهم في الجنوب مثل الإمام موسى الصدر، والعلامة محمد شمس الدين، وقد بلغ الذروة في أعمال واجتهادات آية الله محمد حسين فضل الله. ولو كان الإمام الشهيد محمد باقر الصدر قد عاش لكان تحوَّل من «اقتصادنا» و«فلسفتنا» إلى ثورتنا، ومن «الأسس المنطقية للاستقراء» إلى «الأسس الأيديولوجية للثورة»، ومن «تجديد علم الأصول» إلى «ثورة الفكر الشيعي».٤

ويمكن تناوُل الموضوع بطريقتَين؛ الأولى قراءة صدر الدين الشيرازي قراءةً نظرية خالصة، وتحويلها إلى أيديولوجية ثورية وثورة إسلامية، انتقالًا من الصوري إلى التاريخي، لعلها تستطيع أن تلتقي مع الإمام الخميني في الظاهر أو في الباطن، وإذا صح أن الإمام الخميني تلميذ صدر المتألهين، وأن ثورة الأول نابعة من عرفان الثاني، وأن إسقاط الشاه تطبيقٌ عملي للحكمة المتعالية، وأن حكم الشعب واستقلاله وتعدُّديته الفكرية، وحواره الخصب بين المدرستَين التاريخيتَين، المحافظة والإصلاحية، هو تحقيقٌ عيني في العالم لشواهد الربوبية.

والثانية قراءة الإمام الخميني، وتحويل الفقه السياسي العملي إلى أسسٍ نظرية، تقترب من الفلسفة النظرية لصدر المتألهين، ولعل هناك روابطَ خفية بين الاثنَين. ربما هناك أسس نظرية للثورة الإسلامية، كامنة ومسكوت عنها، تقترب من «الحكمة المتعالية» في «الحكومة الإسلامية» أو «ولاية الفقيه» و«شواهد الربوبية»، لا يراها إلا المدققون الفاحصون، المتألهون الثوريون الذين يجمعون بين العقل والثورة،٥ تُحاول هذه الطريقة تحويل العمل إلى نظر، والخارج إلى الداخل، والثورة إلى أيديولوجية، والمادية إلى نظرية.

فإن لم يحدث التقاء بين العرفان والثورة في منتصف الطريق في الأيديولوجية الثورية، فإنه يمكن القيام بذلك بطريقتَين أيضًا: الأولى تأويل «الحكمة المتعالية» بحيث يظهر الكامن الثوري فيها، والتعبير عن الباطن الثوري الكامن وراء الظاهر الميتافيزيقي. وهي قراءةٌ ثورية تأويلية لنصوصٍ ظاهرية مجردة. وإن لم تكن هذه القراءة الثورية هي نقطة الالتقاء غير المرئية، بين صدر الدين الشيرازي والإمام الخميني، فهي افتراض قراءة، وسد الحلقة الفارغة، لو صح افتراض أن الإمام الخميني قائد الثورة الإسلامية في إيران، وليس صاحب المزاج العرفاني الشخصي، تلميذ صدر المتألهين، وأن الثورة بنت العرفان.

والثانية قراءة الإمام الخميني قراءةً نظرية، بحثًا عن الأُسس النظرية والتصوُّرات للعالم وراء الثورة الإسلامية والممارسات العملية كاجتهادٍ خالص، إن لم تكن موجودة بالفعل كنقطة لقاءٍ تاريخي فكري بينهما، أو على الأقل تملأ الفراغ التاريخي النظري بين صدر المتألهين وروح الله، على نفس الافتراض وهو أن الإمام الخميني تلميذ صدر المتألهين، وأن العرفان هو نظرية الثورة.

والمنهج المتبع هو منهج القراءة والتأويل، ويتكون من عدة خطوات:
  • (أ)
    تحويل النص المقروء إلى تجربةٍ فكرية حية وراءه سابقة على التعبير والصياغة، ووضعها في عصرها الذي نشأَت فيه، وإعادتها إلى موقفها الحياتي الذي نشأَت منه، وتُعبِّر عن إحدى القوى الاجتماعية فيه، الشعبية والتسلطية.٦
  • (ب)

    المشاركة في هذه التجربة الحياتية عن طريق استدعاء الذاكرة الجمعية، وإعادة كتابة النص للتعبير عن قوةٍ اجتماعية أخرى، من أجل فك الانسداد التاريخي، والتعبير عن القوة الاجتماعية الشعبية، وحتى يتفكَّك النص القديم ويقضي على تكلُّسه، بعد أن أصبح مصدر معرفة وسلطة، ويتحوَّل النص الجديد إلى دافعٍ على التقدم.

  • (جـ)

    إعادة توظيف فك النص السلطوي القديم، وإعادة كتابة النص الشعبي القديم في ظروفٍ حاضرة مشابهة، وموقفٍ حياتي حاضر، حتى تُنتزع الجذور التاريخية التي ما زالت تفرز نصوصًا سلطوية مشابهة، وإعادة كتابة النصوص الشعبية القديمة، حتى يُفك حصارها التاريخي، وإرجاعها من هامش الذاكرة الجماعية إلى بؤرتها، ومن سكونها في اللاوعي التاريخي إلى حركتها في الوعي التاريخي.

وبطبيعة الحال يتم تحليل الغالب من النصوص، باعتباره عينةً ممثلة خالصة؛ فلم تصدر بعدُ الطبعات الكاملة المعتمدة لصدر المتألهين أو ترجمةٌ كاملة لأعمال الإمام الخميني. وإذا كانت أعمال صدر المتألهين في معظمها بالعربية، فإن كثيرًا من أعمال الخميني ما زالت بالفارسية.٧
والتقليد ليس أصلًا من أصول الدين، ولا مصدرًا من المصادر الشرعية. التقليد اعتقادٌ جازم بلا برهان، هو إيقافٌ لإبداع الأمة في فترةٍ زمنية معينة، فترة القدماء، وإيقاف التاريخ، وإعلان نهايته عند السلف أو الأئمة المعصومين. والاجتهاد مصدر التشريع، يأخذ صورًا متعددة، القياس عند أهل السنة، ودليل العقل والاستصحاب عند الشيعة عامة، والإمام محمد باقر الصدر خاصة.٨ وقد انقضى ما يزيد على ثلاثة قرون ونصف على صدر المتألهين، وانقضى حوالي عقدٍ من الزمان على الإمام الخميني. ونشأَت حركاتٌ إصلاحية جديدة بعد صدر المتألهين، ونشب صراعٌ حادٌّ بين المحافظين والإصلاحيين بعد الإمام الخميني؛ وبالتالي تكون مهمة أحفاد الصدر والإمام، تطوير الفكر الفلسفي من أجل المحافظة على الثورة.

(٢) من الصوري إلى التاريخي

استعمل صدر المتألهين القول البرهاني والتحليل الصوري المجرد الخالص موضوعه لا في مكان، في عالم الفكر الخالص، في «الحكمة المتعالية»، و«شواهد الربوبية»، و«الرسائل الإلهية». يغيب الجانب السياسي الاجتماعي لصالح الجانب الميتافيزيقي الإشراقي، وكما هو الحال عند السهروردي حكيم الإشراق، والرازي صاحب «المباحث المشرقية»، في حين أن حكماء الإشراق مثل الفارابي وابن سينا قد جمعا بينهما.

تدور «الحكمة المتعالية» على «الأسفار الأربعة»؛ الأول من الخلق إلى الحق، ويضم المبادئ العامة في الوجود والماهية، والوحدة والكثرة والعلة والمعلول، والقوة والفعل، والحركة والسكون، والقدم والحدوث، والتقدم والتأخر، والعقل والمعقول. وهي المبادئ التي يتم بها السفر من الخلق إلى الحق، كما هو الحال في الأدلة الطبيعية عند المتكلمين. وهو يعادل المنطق عند الحكماء.٩ والبعض الآخر في حاجةٍ إلى تأويلٍ قصدي، مثل الوجود وأقسامه، والوجود والعدم، وتحقيق الجعل، والماهية ولواحقها.

والثاني من الحق إلى الحق، وهو العلم الطبيعي، مبحث الجوهر والأعراض. ومع أنه أقرب إلى الخلق، إلا أنه صورة الحق في الخلق، الحق عندما يرى نفسه منعكسًا في الخلق؛ فهو من الحق إلى الحق، كنوعٍ من النرجسية عندما يرى الله صورة ذاته في الخلق. وهو ما يعادل الطبيعيات عند المتكلمين والحكماء. يتكون من أربعة فنون وستة مطالب، تدور حول المقولات العشر من الطبيعيات والإلهيات باعتبارها علمًا واحدًا.

والثالث من الحق إلى الخلق، وهو العلم الإلهي. والله يكشف عن ذاته في الخلق، صفاته مثل العلم والقدرة والحياة، والسمع والبصر والكلام، والإرادة التي تتضمن الخير والشر والعناية. وهو ما يعادل نظرية الذات والصفات والأفعال عند الأشاعرة، أو أصلَي العدل والتوحيد عند المعتزلة، والإلهيات عند الحكماء. الحق يهوى الخلق وينزل إليه ويتعين فيه. ويتكون من عشرة مواقف، كل خمسةٍ منها في فن.

والرابع من الخلق إلى الخلق، وهي النفس، أحكامها وماهياتها وقواها وإدراكاتها وتجردها وأحوالها، وملكاتها ومعادها الروحاني والجسماني؛ فالنفس تُحيل إلى عالم البشر، وتتحقَّق في محورٍ أفقي عن طريق الجسم. وهو ما يعادل الوعد والوعيد عند المعتزلة والمعاد عند الأشاعرة، والنفس ونظرية الاتصال بين الطبيعيات والإلهيات عند الحكماء.١٠ مساره من الإنسان إلى الإنسان، التحقق الذاتي العيني، ويتكون من أحد عشر بابًا. وهي قسمةٌ رباعية للحكمة مثل إخوان الصفا؛ الرياضي (المنطق) والطبيعيات، والنفسانيات العقليات، والرابع «العلوم الإلهية الناموسية والشرعية». وهو ما يعادل النفس عند صدر المتألهين، متجاوز القسمة الثلاثية التقليدية للحكمة عند ابن سينا؛ المنطقية والطبيعية والإلهية.١١
وهي أسفارٌ سلوكية عملية تجمع بين النظر والعمل، مما يُسهِّل تحويلها إلى أيديولوجيةٍ سياسية، ولفظ «سفر» لفظٌ متشابه، الذي يعني في نفس الوقت «كتاب» و«مسار» أو «رحلة» أو طريق، وكما هو الحال في الطريق الصوفي وقسمته إلى مقامات، ويمكن إيجاد دلالاتٍ حركية تاريخية لألفاظ صدر الدين مثل المرحلة؛ إذ يتكون من السفر الأول من الخلق إل الحق من عشْر مراحل، والمسلك والمنهج والمواقف والطرف. وهناك ألفاظٌ أخرى أقل دلالة مثل الباب والفضل والمبحث والفن. والمراحل في مجموعها عشر مثل العقول العشرة والأفلاك العشرة، في حين أن جدل التاريخ له إيقاعٌ ثلاثي.١٢

السفر الأول من الخلق إلى الحق، طريقٌ صاعد، يبعُد عن العالم ولا يقترب منه، يخرج منه ولا يدخل فيه. هو طريق التأويل لا التنزيل، طريق الصعود لا الهبوط. وفي الحديث القدسي أن الله ينزل إلى السماء السابعة. ينزل الوحي ويهبط جبريل، ويُبلغ النبي ليُبلغه للناس. وهو أكبر الأسفار وأهمها.

موضوعه النظر إلى طبيعة الوجود وعوارضه الذاتية، دون تخصيص بالمجتمع والناس. والوجود اسمٌ مشترك يُطلق على الله والعالم والإنسان. وهو اشتراكٌ معنوي، يُقال بالتشكيك أي بالمجاز والحقيقة. والسؤال هو: أيهما الحقيقة وأيهما المجاز، الوجود الإلهي أو الوجود الإنساني والطبيعي؟ الوجود موضوعٌ للعلم الإلهي لأن الله واجب الوجود. والوجود الإلهي هو الوجود بحق، قبل أن يتخصص في الأفراد، ويُفرد في الإنسان من خلال حريته، «أنا حر إذن أنا موجود» و«أنا مسئول إذن أنا عاقل». الوجود هُوِيَّاتٌ بسيطة. أنا موجود، والله موجود، والعالم موجود حقائقُ بديهية، والوجود موجود ولا سبب له، هو موجودٌ أصيل أول. وتعني أصالة الوجود أن الوجود غير مشتق، موجودٌ بديهي جذري؛ لذلك كان أول وصفٍ للذات عند المتكلمين بعد الأدلة على وجود الله والتأمُّل في الطبيعة، دليل الجوهر والأعراض، ودليل الجزء الذي لا يتجزأ، ودليل القِدَم والحدوث، ودليل الممكن والواجب عند الأشاعرة من نقد ابن رشد لها، وتقديم دليلَين بديلَين، دليل العناية ودليل الاختراع. الوجود أول أوصاف الذات قبل القِدَم أي ما لا أول له، والبقاء أي ما لا آخر له، والمخالفة للحوادث أي ما لا شبيه له، والقيام بالنفس أي ما لا مكان أو محل له، وواحد أي نفي الضد والشريك والمثيل له.١٣ والحقيقة أن الوجود هو وجود الإنسان في العالم. الوجود بمفرده عالمٌ للإنسان ومحيطٌ له. الوجود وعي الإنسان به وليس وجودًا مستقلًّا عنه، وجود الإنسان في العالم، ووجود العالم في الإنسان في لحظة الوعي به.١٤
والوجود ليس رابطة بين المحمول والموضوع في القضية الحملية، بل هو مُتضمَّن في الموضوع، ومتحقق في المحمول بفعل الذهن ونشاط الحكم. والعدم أيضًا ليس رابطة لأنه وجودٌ سلبي. الوجود نورٌ يتجلى للنفس وينكشف له، إنارة للوجود،١٥ وهو أكبر المراحل العشر،١٦ وهو ما لاحظه الفارابي من قبلُ في مقارنته فِعلَ الكينونة في اللغة العربية واللغة اليونانية.١٧
ومقولات الوجود ثلاث؛ الواجب والممكن والممتنع، طرفان هما الوجوب والامتناع، ووسط هو الإمكان، كلٌّ منها ضروريٌّ ذاتي، يتحقق أو لا يتحقق في داخله وليس بعواملَ خارجية. وهي مراحلُ ثلاث من عمليةٍ واحدة؛ فالوجود مشروع يتحقَّق. الممكن واجبٌ بالقوة، والواجب ممكن بالفعل. والإثبات والنفي مرحلتان في عملية الإيجاد، كل نفيٍ إثبات، وكل إثباتٍ نفي.١٨ الوجود وجودٌ نفسي، تجربةٌ شعورية، يمتنع الترجيح فيه بلا مُرجِّح. كما يمتنع القول بالاتفاق لوضوح العلة الفاعلة والقصد والغاية. هي عمليةٌ شعورية سماها صدر المتألهين «شعور الموجودات بمبدعها»؛ إذ ينطلق الوجود كعملية إيجاد من الشعور، تجاوزًا لثنائية المبدِع والمبدَع في تجربة الإبداع. الوجود والإمكان ثلاثُ مراحلَ لعملية الإيجاد، تحقيق الوجود كمشروعٍ ممكن.١٩

ومن الطبيعي أن يكون الواجب واحدًا لأنه المثال، مثال المثل من أجل وحدة الهدف والقصد والغاية. وإذا لم يجب الشيء لم يُوجد؛ فالوجوب علة الوجود؛ لذلك كان الله واجب الوجود. واجب الوجود ذات تتحقق (كل يوم هو في شأن)، عن طريق تحقُّق كلمته في التاريخ، وتحقق النبوة في المجتمع. واجب الوجود إمكانية قبل أن تتحقق. ويتعيَّن الحق في الخلق بهذا التحقُّق، عن طريق فعل الأفراد والجماعات. الوجود ليس من المعقولات الأولى أو الثانية، بل إمكانية تحقُّق. هو خيرٌ محض لا مثيل له ولا ضد له؛ لأنه تحقق بالفيض الذاتي. والشر قصور، فيضٌ سلبي، تحوُّل من الوجود إلى العدم، رجوع إلى الوراء. هو خيرٌ لا شر فيه.

والإمكان حرية، يتضمن أكثر من إمكانية، إمكانٌ ذاتي وإمكانٌ استعدادي، إمكانٌ فطري وآخر مُكتسَب. وهو مرهونٌ بالقدرة، وتحقُّق الإمكان في الزمان أي في التاريخ وليس تحققًا صوريًّا. وإمكان الأشرف اقتضاءٌ ومطلب، باعثٌ ودافع ونزوع.٢٠ والإمكان ليس عدمًا بل هو وجوب بالقوة. والإمكان والقوة من الأسباب الذاتية للوجود؛ فمن الإمكان يبدأ الصدور، والممكنات مرايا ومجالٍ للحق.

ولا يُوجد ممتنعٌ مطلق كما يُوجد وجودٌ مطلق؛ فالامتناع سلبٌ وغياب، والوجود أساسه. الممتنع قائمٌ على إمكانية الوجود، وليس الوجود قائمًا على إمكانية الامتناع. ليس الامتناع تناقُضًا منطقيًّا، استحالة اجتماع النقيضَين معًا أو رفعهما معًا، مقابل امتناعٍ قيمي وأخلاقي وسياسي، مثل امتناع إزهاق الروح والظلم والجَوْر والتسلط والطغيان والاستغلال والاحتكار. وامتناع الوجود بالذات أن يكون وجودًا بالغير، لامتناع الاغتراب، اغتراب الأنا في الآخر؛ وبالتالي امتناع التبعية، ووجوب الاستقلال، أن تكون الذات نفسها وليس غيرها. الوجود بالذات وجودٌ ذاتي فردي، لا يُقاس عليه وجودٌ ذاتي آخر.

وقد تصوَّر صدر الدين الشيرازي أنه لا واسطة بين الوجود والعدم، وأن الوجود مُساوِق للشيئية، والصيرورة وسط بينهما.٢١ الوجود يتضمن العدم، والعدم وجودٌ سلبي، ولا وجود للعدم المطلق؛ لأن الوجود هو الأساس.٢٢ هو مفهومٌ واحد مُجدب لأنه لا يفيض، في حين أن الوجود حرية، متعدد الاتجاهات في الفيض نحو القصد والغاية. والمعدوم لا يُعاد لأنه يتناقض أمام الوجود. الوجود تقدمٌ مستمر يطوي العدم فيه. ولمَّا كان الحكم السلبي يتضمن وجود طرفَين، كان الوجود متقدمًا على العدم. ولا يتصف الواجب بعدمٍ خاص، ولا الممكن، وبالأولى ولا الممتنع. الإمكان مثل الصيرورة الواسطة بين الوجود والعدم؛ أي بين الوجوب والامتناع، لا يتوقف على العدم بل يطويه.٢٣

والعدم ليس شرطًا في تقدُّم الفعل؛ لأنه وجودٌ سلبي يتحول إلى إيجاب عن طريق الفعل. والملكة والعدم ضدان لأن الملكة تحقُّق والعدم سلب.

والوجود الذهني يدل على أن الوجود مثل، قبل أن يتحوَّل إلى واقعٍ في العالم؛ فالوجود «مجعول» وعلى مراتب. والمراتب مراحلُ أفقية وليست رأسية. والنفس قادرةٌ على الإنشاء أي على الإيجاد؛ وبالتالي تتأصل التجربة الفلسفية في التجربة الصوفية عند ابن عربي. والوجود الذهني لا يحتاج إلى إثباتٍ بأدلةٍ عقلية، هو كل ما يختمر في الذهن، وما يشعر به الإنسان، هو استشعار الطبائع بأفاعيلها وغاياتها، كما يقول المحقق الطوسي؛ ومن ثَمَّ لا وجه لإشكالات على الوجود الذهني؛ لأنه ليس موضوعًا للعقل، بل هو إدراك النفس للصور الحسية والخيالية بالإنشاء، والصور العقلية بمشاهدتها عن بُعد. وهي ليست موجودة في القوى المادية، ولا هي موجودة في عالم وراء النفس والمادة، كما هو الحال عند الإشراقيين. والصفاتُ ما لها وجودٌ عيني، وما لها وجودٌ ذهني. والتحقُّق تحوُّل الذهني إلى عيني، والعيني إلى ذهني، تحوُّل المثال إلى واقع، والواقع إلى مثال. ولا يُوجد وجودٌ آخر وراء العيني والذهني، إلا كافتراض جامع بينهما في الوجود كإمكانية.٢٤
وما يُسمِّيه صدر المتألهين «الجعل» هو الإيجاد؛٢٥ فالوجود إيجادٌ وفعل وإبداع، وهو بسيطٌ ومركب، هو إيراد ذاتيات الشيء ولوازمه. والوجود مجعول أي أنه قابلٌ للفعل والانفعال، بصرف النظر عن تشخيص العلة في الوجود أو الماهية أو الصيرورة؛ لذلك يشتد الوجود ويضعُف ما دام الوجود إيجادًا تقع الحركة فيه. الشدة كيف والضعف كم.٢٦
والماهية أكثر المراحل تجريدًا، تعريفها وحالاتها بالقياس إلى عوارضها، وأنها غير ملحوظة، والكلي والجزئي فيها، والمعنى والتشخيص، والتعيُّن، وتقوُّمها بالجنس والفصل، وعلاقة الصورة بالمادة. ومع ذلك يمكن إدراك التحوُّل فيها بحصول الماهية وتقوُّمها بالفعل. مثال ذلك تحقيق الصور والمثل الأفلاطونية دونما حاجة بالضرورة إلى إثبات العقل المجرد كجوهر، بل إن أفلاطون وافق أستاذه سقراط، كما وافق أرسطو بعد نسبة «أثولوجيا» له. وافق أستاذه أفلاطون بالرغم من إبطال ابن سينا لها في الشفاء. العالم الأدنى ظلٌّ للعالم الأعلى، والعشق في النفوس يجبلها على اعتبار الأمور الجسمانية المحسوسة مثالاتٍ على الأمور الروحانية العقلية؛ فالماهية تتحقَّق في الواقع عن طريق عشق النفس.٢٧
والوحدة والكثرة أيضًا من أكثر المراحل تجردًا. الوحدة لا تستلزم المفسدة ولا التضاد والانقسام، بل هي مساوقة للوجود. وهي ليست مجرد أمرٍ اعتباري بل هي أمرٌ وجودي؛ لذلك كان الوجود واحدًا وكثيرًا في آنٍ واحد.٢٨ ونموذج ذلك الأنا والآخر؛ فالأنا واحدٌ والآخر كثير مثل الرسول والصحابة، والقائد والجماهير.
والعلة والمعلول أقرب إلى التاريخي منها إلى الصوري؛٢٩ فهما أقرب إلى الحركة والفاعلية والنشاط، وهما من مقولات القدرة والإرادة مثل القادر والمقدور، والإرادة والمراد. والعلة تدور مع المعلول وجودًا وعدمًا، كما هو الحال عند الأصوليين. لا فاعل دون مفعول، ولا مفعول دون فاعل. والعلة متقدمة على المعلول بالشرف وليس بالزمان. ويبطُل التسلسل والدور طبقًا للتصور الدائري الشهير، لصالح التصوُّر الطولي الذي يبدأ بعلةٍ أولى، مع أن التصور الدائري أقرب إلى العلم، والتصور الطولي أقرب إلى الدين. والعلة أقوى من المعلول؛ لأن المعلول صادرٌ عنها، والبسيط علَّة المركَّب مع أن البسيط قابل وفاعل، يُؤثِّر ويتأثر في علاقاته بالناس، وليس العلة المطلقة والمؤثِّر الذي لا يتأثر. والواحد علة الكثير لان الكثير يصدر عنه. والجوهر علة الأعراض لأن الأعراض تتقوَّم به. والتصورات مبادئ لحدوث الأشياء لأسبقية النظر على العمل والعلة على المعلول. العالم معلول والواجب علة، ولا يستغني المعلول عن العلة. والعلم بالمعلول يستلزم العمل بالعلة. وعلاقة الإنسان بأفعاله مثل علاقة الله بالعالم، يتشابهان في الكمال والنقص. والفاعل هو الفاعل المريد المختار. وقد تكون العلة شوقًا مثل شوق الهيولى إلى الصورة. ولا يُوجد بخت أو اتفاقٌ عرَضي أو عبَث، بل قصدٌ وغاية ضد أنبادقليس؛ فللأفعال الاختيارية غاياتها؛ لذلك كانت أفعال الله كلها مصلحة وحكمة، وكذلك غايات كل الكائنات الحية؛ فالعلة الغائية هي العلة الفاعلة بالحقيقة؛ إذ تتشبه الأشياء بالمبدأ الأعلى، وهو الغاية القصوى والخير الأقصى.
والقوة والفعل مقولتان صريحتان على الحركة والنشاط، وإمكانية تحويلهما إلى فعلٍ وتحقُّق، طاقة وحركة، كمون وظهور، وسهولة تحويلهما من المستوى الصوري إلى المستوى التاريخي.٣٠ والفعل يستلزم القدرة، ويُوجد مع الانفعال، والعدم لا يسبق الفعل بل القوة. والقوة ليست عدمًا بل إمكانية قبل أن تتحقق بالفعل. والقدرة ليست مجرد مزاج بل إرادةٌ قصدية. ولا يقتضي إثبات الحركة إثبات المحرك الأول؛ فالحركة والفاعلية والنشاط مقولات إنسانية لا كونية، ولا تقتضي إثبات سبق الفاعل على الفعل، والمحرك على الحركة لأنهما متلاصقان، لا فراغ أو مسافة بينهما؛ فالعدم الفاصل لا وجود له. وتتقدم القوة على الفعل كإمكانية، كما يتقدم الفعل على القوة كبداية. وذلك كله يتحقق في الزمان على نحوٍ تدريجي مرحلي. يبدأ الزمان ببداية الفعل والحركة. والآن لحظةٌ متميزة في الخلق والإبداع.
وأحوال الحركة مثل أحوال الصوفية، تدُل على علامات الطريق المزدوجة مثل الخوف والرجاء، الصحو والسكر، الغيبة والحضور، الهيبة والأنس، الفقد والوجد، جدل السلب والإيجاب.٣١ والحركة ليست في المكان بل في الزمان، ليست في الخارج بل في الداخل.٣٢ والسكون ليس أمرًا عدميًّا، بل هو غياب الحركة أو الحركة في المكان. والحركة سريعة أو بطيئة طبقًا لمنطق الجدل التاريخي. وقد تتضاد الحركات مثل تضادِّ الحركة المستديرة والحركة المستقيمة في تصوُّرَين متضادَّين، التصوُّر العلمي والتصوُّر الديني، الأولى حركةٌ دائمة، والثانية حركةٌ مؤقتة. وللنفس حركتان؛ إرادية واختيارية. وقد تجتمع عدة حركات في مكانٍ واحد في صراعٍ بينها.
والقديم والحادث هما المتقدم والمتأخر في الفعل وليس في الكون، يدُلَّان على مراحل التاريخ ومسار المجتمع بين قُطبَي التجاذب فيه.٣٣ وهي ألفاظٌ قرآنية لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ. وهو القادر على تحويل محاور الثقافة الموروثة من البعد الرأسي إلى البعد الأفقي، من العلاقة بين الأعلى والأدنى في «الحكمة المتعالية» إلى العلاقة بين الأمام والخلف في الحكمة «المتدانية».٣٤
والعقل والمعقول مثل الحاس والمحسوس، الذات والموضوع؛٣٥ فالعلم في النفس وجودٌ ذهني، والتعقُّل هو اتحاد العاقل بالمعقول. والعقل الفعال مجرد صورةٍ فنية للعلم الكلي. والمثل الأعلى وحدة العقل والعاقل والمعقول، الذات التي تضم المعرفة وموضوعها، وهو العقل البسيط. والإدراكات الخارجية والداخلية جزءٌ من العقل. ويمكن حدوث تعقُّلاتٍ كثيرة دفعةً واحدة مثل الحدْس. وفي هذه الحالة يكون العقل قوةً قدسية. العقل إمكانية واستعداد، يصير من العقل الهيولاني إلى عقلٍ بالفعل. أما العاقل فهو الفاعل بذاته، ليس من شرطه التجريد بل الوعي بالذات. والتعليم ليس تذكُّرًا كما هو الحال عند أفلاطون بل وعيٌ بالذات، والحواسُّ لا تعي ذاتها إلا بعد حصول الوعي بالذات أي التعقُّل، فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ. والعقل هو الجانب الناظر في الوعي الإنساني في العالم، هو العاقل والعالم معقول، عالمٌ والعالم معلوم.٣٦
والسفْر الثاني من الحق إلى الحق هو العلم الطبيعي، لا فرق بين الحق والخلق، بين الطبيعة وما بعد الطبيعة، بين الطبيعة المطبوعة، والطبيعة الطابعة بلغة اسبينوزا؛ لذلك يستمد العالم الطبيعي من العالم الإلهي بعض المبادئ؛٣٧ فالخلق حق، والحق خلق كما هو الحال عند ابن عربي، وذلك في تعريف الطبيعة ونسبتها إلى الصورة والنفس والمادة والحركة، وأن فعلها خيرٌ وصلاح.

ويتركَّز السفْر على مبحث الجوهر والأعراض، كما هو الحال في علم الكلام المتأخر، بداية بالأعراض ونهاية بالجوهر. وهي نفس بنية الذات والصفات، المركز والأطراف، الواحد والكثرة، البؤرة والمحيط على النحو الآتي:

والأعراض هي مقولات الكَم، والكَيف، والإضافة، والموضع، والأين (المكان)، والمتى (الزمان)، وأن ينفعل، والملكية. ويمكن تحويلها من المستوى الصوري إلى المستوى التاريخي؛ لأنها في الأصل تصورٌ مادي للشيء وصفاته. وهي صورة الإنسان في الموقف، والذات في العالم، والنص في السياق.

ويتصدر الكم والكيف. والكم متصل ومنفصل، لا يقبل الشدة والضعف، لا ضد له بالرغم من معارضته لكمٍّ آخر. والمكان ملاء لا خلاء فيه. والزمان وعيٌ ذاتي. والوضع تخيل، والفعل والانفعال تأثُّر وتأثير. والكيف غير الشكل بل حال الشيء. وهو على أنواع؛ الكيفيات المحسوسة، الملموسة المبصرة والمسموعة والمذوقة والمشمومة، طبقًا للحواس الخمس، وكما هو الحال في نظرية الوجود في علم الكلام.٣٨ وفي المبصرات يتم تحليل النور والضوء والشعاع والبريق. وكلها مظاهر للنفس والإرادة، والألم واللذة، والمزاج، والصحة والمرض. وهناك كيفياتٌ كمية مثل الاستقامة والاستدارة. والشكل لا ضد فيه ولا شدة ولا ضعف. والمضاف ليس موجودًا في الخارج بل علاقةٌ ذهنية. والتضاد نوعٌ من الإضافة.٣٩
ويأتي الجوهر بعد الأعراض.٤٠ ويستحيل أن يكون شيءٌ واحد جوهرًا وعرضًا في آنٍ واحد. الجوهر هو الشيء ويتحدد بالأبعاد الثلاثة. وهو متصلٌ مادي أي هيولى، وتصاحب الهيولى الصورة. وللأجسام طبائعُ خاصة تُحركها وتجعلها مؤثِّرة، لا تهم أقدمية الصورة على المادة ما داما متلازمَين. وتُوجد الأجسام على سبيل التجدُّد؛ فالعالم حادثٌ ومتجدد، متغيرٌ لا يثبت على حال، مما يجعله نموذجًا للمجتمع والتاريخ.
والسفْر الثالث من الحق إلى الخلق. هو العلم الإلهي النازل الذي لا يأتي إلا استقراء من العلم الطبيعي. ويتكون من عشرة مواقف مثل الإيجي حول نظرية الذات والصفات والأفعال، استدراكًا على السفر الأول حول واجب الوجود. والأدلة على وجوده صوريةٌ خالصة، في حين أن واجب الوجود مطلب واقتضاء، الشعور بالمثَل الأعلى والنزوع إلى تحقيقه. وهو واحدٌ لا شريك له، بسيطٌ لا تركيب فيه، كاملٌ لا نقص يعتريه، إلى آخر هذه الصفات الإنشائية لكامل الأوصاف.٤١ وهو وصف للذات الإلهية على نمط الذات الإنسانية قياسًا للغائب على الشاهد؛ فالأصل الإنسان والفرع اغترابه خارج ذاته.
والصفات على العموم هي عين الذات كما تقول المعتزلة، وفي نفس الوقت زائدةٌ عليها كما تقول الأشاعرة، جمعًا بين الموقفَين؛ فالذات واحدة بمفهوماتٍ كثيرة،٤٢ ولا حل لها إلا بالعودة إلى الأصل في الذات الإنسانية في تجربة الحب البشري أو القصاص؛ فالعدل يقتضي التوحيد بين الذات والصفات، والرحمة تقتضي التمييز بينهما.
والعلم اتحاد المدرِك بالمدرَك لا على طريقة المعتزلة أو الصوفية أو المثل العقلية الأفلاطونية، أو اتحاد العقل بالمعقول عند فرفوريوس، أو ارتسام صور الأشياء في الذات الإلهية، والانتهاء إلى إضافة العلم للعالم إضافةً إشراقية؛ فالعلم حال للعالم، وهو علمٌ كلي. ومع العلم تأتي رموزه مثل القضاء والقدر واللوح والقلم والعرش والكرسي، وهي مراتب العلم. العلم صفة للإنسان ثم يُعزى إلى الله قياسًا للغائب على الشاهد.٤٣ وهي صفةٌ يتحلى بها الإنسان ويعشقها الجاهل. وبدلًا من تجسيمها وتأليهها يمكن تحقيقها بالفعل في الأمة حاليًّا لمحو الأمية منها.
والقدرة في الإنسان عين القوة، وفي الله عين الفعلية، مما يدل على اشتراك الصفة. وهي قدرة وجوب وليست قدرة اختيار. ومع القدرة تُضاف الإرادة التي تعني عند المتكلمين الخلُو عن الهوى والانفعال. والقدرة والإرادة ينبعان من الحكمة. ويمثِّل صدر الدين أفعاله تعالى بأفعال النفس وقواها. وإذا كانت الإرادة قديمة فيجب الرضا بالقضاء، بما في ذلك المعاصي والشرور،٤٤ وهو ما يتعارض مع كسب الأفعال عند الأشاعرة وخلقها عند المعتزلة، وهي قيمة للتمثُّل للأمة العاجزة بدلًا من تأليه القدرة، والحياة ليست الحياة الجسمية بل الحياة الشعورية.٤٥ وهي شرط العلم والقدرة؛ فلا علم ولا قدرة لميت. وهي قيمة تتمثَّلها الأمة الميتة الهامدة الراكدة الخاملة، الكم دون الكيف، الجسد دون الروح، الثقل إلى الأرض دون الحركة في التاريخ.٤٦
والكلام ورموزه مثل الكتاب والقلم وإنزال الكتب وإرسال الرسل، وكيفية نزول الكلام وهبوط الوحي على القلب، والظاهر والباطن، ولغة الرمز والإشارة وألقاب القرآن، كل ذلك أدخل في علوم القرآن ودلالاته دون التعرُّض للنسخ والمكي والمدني. الكلام الرأسي أدخل في نظرية النبوة، والكلام الأفقي هو موضوع العلوم السياسية. وأهم دلالتَين «أسباب النزول» وأولوية السؤال على الجواب، والمكان والموقف و«الناسخ والمنسوخ»، وأولوية الزمان والقدرة والأهلية والتطور والتغير. وهو ما ينقص في التشريعات المعاصرة بعد أن تحول الكلام إما إلى عقائدٍ مطلقة، وليس أيديولوجياتٍ سياسية، أو إلى أحكامٍ مطلقة دون مراعاة مصالح العباد، وحرفية ونصوص دون روحٍ ومصالح، وعلى عكس الحكمة الصينية القديمة «لا أسمع، لا أبصر، لا أتكلم.»٤٧ والإرادة تتجلى في موضوعات العناية والرحمة والشر والضر والقضاء والتقدير، موضوعات العدل عند المعتزلة والفلاسفة والكسب عند الأشاعرة؛٤٨ فهذا العالم هو أفضل العوالم الممكنة، كما هو الحال عند ليبنتز. تبدو العناية في خلق السموات والأرض والإنسان.٤٩ وجميع الموجودات عاشقةٌ لله إذ يسري العشق في كل الأشياء. والله هو المعشوق الحقيقي، وللإنسان عشق الصور المفارقة، مثل عشق الظرفاء والفتيان للأوجه الحسان. وتتفاوت المعشوقات لتفاوت الموجودات. ويختلف الناس في المحبوبات طبقًا لوعيهم الذاتي. والمحبة الإلهية خاصة بالعُرفاء الكاملين. ومباحث العدل بطبيعتها ألصق بالناس والبشر والكون من مباحث التوحيد دون تأويل. والعلاقة بين القدرة والإرادة علاقة العام بالخاص، الطاقة بالفعل، الإمكان بالتحقُّق.٥٠
ولما كان السفْر الثالث من الحق إلى الخلق، تتجلى فيه نظرية الصدور أو الفيض تجاوُزًا لثنائية الخلق، ولإيجاد علاقة الله بالعالم على نحوٍ متصل وعلى مراحلَ في آنٍ واحد، جمعًا بين الاتصال والانفصال، إلا أنها مراحلُ أفقية وليست رأسية. والتاريخ مراحلُ أفقية وليست رأسية.٥١ والفيض أحد مظاهر الجود الإلهي؛ ومن ثَمَّ يمكن تحويل الفيض الكوني إلى فيضٍ إنساني، والتوفيق بين الشريعة والحكمة في دوام فيض الباري وحدوث العالم.٥٢
والسفر الرابع من الخلق إلى الخلق في النفس، عالم الشعور، انتقالًا طبيعيًّا من الصوري إلى المادي، ومن المجرد إلى العيني، ومن المتعالي إلى المتداني قبل العودة إليه من جديد، في تجرد النفس الناطقة ومفارقتها البدن والمعاد. أحكام النفس وتحديد مراتبها، والبراهين على وجودها وماهيتها وجوهريتها، تدل على الوعي بالذات كتجربةٍ حية بديهية، لا تحتاج إلى برهان مثل «الكوجيتو» الديكارتي، أو «الإنسان الطائر» عند ابن سينا.٥٣
وتثبُت ماهية النفس وجوهريتها وتميُّزها عن المزاج، وجمعها لأجزاء البدن وقواها المتشعِّبة في البدن، وانقسامها إلى المدركة والمحركة، وأنواعها الغازية والنباتية والحيوانية بالإدراك والعلم؛ فهي واحدةٌ وكثيرة في آنٍ واحد.٥٤ النفس واحدة وقواها ظلالٌ لها. تتعدد ملكات النفس والإنسان واحد، تتجزأ قواها والوعي بالذات واحد.
وتتعدد القوى النباتية المتميزة عن الغاذية والنامية في الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة، والقوى المصوَّرة في المني وتشابه أجزائه هي النفس البيولوجية، ثم تتميز في النفس قوتان العاملة والعالمة، ويُكوِّنان الإنسان الكامل. ولا يمكن تحديد وقت تعلُّق النفس بالبدن؛ لأن الوعي ينشأ كوعيٍ ذاتي دون انقسام بين النفس والبدن، بالرغم من أن فراقها للبدن سبب الموت.٥٥
وهناك قوًى مختصة بالنفس الحيوانية مثل الحس والإحساس بالملائم وغير الملائم والإدراكات الحسية طبقًا للحواس الخمس. وهو ما يتداخل مع الكيفيات في نظرية الوجود في العلم الطبيعي، وطرق الإدراك كالانطباع وتحليل الحوَل في الأبصار.٥٦
والإدراكات الباطنة مثل الحس المشترك والخيال والوهم والذاكرة والحافظة. والنفس واحدةٌ جامعة لكل هذه القوى، تُدرك الجزئيات والكليات. ولقد تصوَّرها القدماء متحركة؛ لأن الحركة شرط الحياة. وهي في نفس الوقت جسم؛ لذلك يُشتق لفظ «نفس» من «التنفُّس». هي حرارة ودم، من جنس المدرك وشبيهه، وفي نفس الوقت من الأعداد.٥٧ وهو ما يشبه التحليلات الوجودية المعاصرة لعلاقة النفس بالبدن، خاصة عند ميرلوبونتي في «ظاهريات الإدراك الحسي» و«بناء السلوك».
والنفس الناطقة متجردة عن البدن؛ فهي ليست جسمًا ولا مقدارًا. والصور العقلية فيها لا تنقسم. وتضعُف القوة العاقلة مع ضعف الجسم، مما يُضعِف إثبات وجود العقل المفارق للإنسان. ويعني تجرد النفس تميُّزها عن البدن والروح في آنٍ واحد، والروح باقية بعد الموت على عكس المتكلمين، الذين يرون أنها جسمٌ لطيف.٥٨
والسؤال هو كيفية تعلُّق النفس بالبدن، وحدوث النفوس البشرية ضد أفلاطون الذي قال بقِدَمها؛ فهي جسمانية الحدوث، روحانية البقاء، وهي صورة القدماء عن عالم القدس وسقوطها في هذا العالم، قِدَم النفوس في مقابل القول بحدوثها. لا تفسد بفناء البدن، جزئية وكلية، فردية وعامة، متعددة وواحدة. وهذا هو إشكال الثنائية القديمة في تاريخ الفكر البشري، في حين أن ثورة المستضعفين تتطلب تجاوُز الثنائية التقليدية، إلى وحدة النفس والبدن في الوعي بالجسم والوعي بالعالم. البدن ضعيف، مريضٌ جائع عارٍ. والنفس عليلة بعلة البدن.٥٩
وبالرغم من تجسُّم النفس بصور أخلاقها، إلا أن التناسُخ صاعدًا أو هابطًا باطل؛ لاستحالة تعلُّق نفسَين ببدنٍ واحد، بالرغم من فاعلية النفس بقبول الصور والأنواع المختلفة، دون علاقة بالأجرام السماوية ووجود برزخَين كما قال الغزالي. تنقطع صلة النفس بالبدن حين الموت لاستقلالها في الوجود، وتميُّزها عنه مثل السفينة الجارية في البحر. والحقيقة أن تناسُخ الأرواح يُلغي فردية النفس ومسئولية الإنسان، ولكن يثبت استمرار الحقيقة ووحدتها عَبْر التاريخ. وتتكرر النماذج في الواقع مثل حكماء الإشراق، وهو ما عناه المحدثون باسم «الأنماط المثالية».٦٠
والنفوس الشريفة كالمبادئ المفارقة. والإنسان له منازلُ ودرجاتٌ يترقَّى فيها، طبقًا لمراتب التجرد دون إبقاء بعض الصفات ونفي البعض الآخر، بل عن طريق الاعتدال. ينتقل الإنسان من العالم البشري إلى العالم النفساني العقلي، ارتقاءً بالروح، من المتداني إلى المتعالي. والموت هو انسلاخ النفس عن البدن، والعود إلى الإنسان الأول غير الجسماني كما قال أرسطو. ولا تختلف حواسُّ الإنسان في هذا العالم عنها في العالم الأعلى قياسًا للغائب على الشاهد.٦١
ويثبُت المعاد الروحاني ابتداءً من تعريف ماهية السعادة الحقيقية، وأجلُّها سعادة القوى العقلية، وهي في تجردها وتصورها للمعقولات. وضدها الشقاوة العقلية وخلو بعض النفوس عن المعقولات لأمورٍ مانعة. والسعادة والشقاوة حسيتان عند العامة، روحيتان عند الفلاسفة. الأولى في الدنيا، والثانية في الآخرة. وقد جعل الغزالي الأولى في الآخرة أيضًا.٦٢

والقضية في المعاد الجسماني بين الإنكار والإثبات، سواء عند فلاسفة اليونان أو فلاسفة الإسلام، خاصةً وأن آيات القرآن لها ظاهرٌ وباطن. وحُجج الإنكار تقوم على عدم وفاء الأرض للأبدان غير المتناهية، وطلب المكان للجنة والنار، والتزاحُم المكاني، وعدم استحالة التناسُخ، وإنكار البعث، وصعوبة إعادة الأجسام التي مضت عليها دهورٌ طويلة. والحقيقة أنه ما دام المعاد روحانيًّا فلا لزوم للأجساد. وإذا كانت النفس خالدة بعملها، فإن الجسد خالد بمادته؛ فالمادة لا تفنى ولا تتبدد في دورة الحياة والموت، من فوق الأرض إلى تحتها.

ولا يخرج صدر الدين عن التصوُّر التقليدي للمعاد ابتداءً من عذاب القبر، وما تبقَّى من الإنسان مثل «عجب الذنب»، الذي منه يبدأ نشر العظام. الموت والبعث الحسيان حق، فالأجسام قابلة للحياة الأشرف، بلا تمايُز بين الموجودات، الحشر للعقول والنفوس الحيوانية والإنسانية والنباتية، بل للجماد والعناصر وللهيولى وللأجسام المادية؛ فالله يفيض على الموجودات آخر الزمان، والكون مستمرٌ ودائم بدوام الله، بل ويتم الحشر بداية بعجب الذنب كما تروي أخبار الآحاد. والحقيقة أن هذه التمثيلات المادية لكيفية الحشر، تقوم على قياس الغائب على الشاهد، وبعقلية الغرائب والعجائب. مع أن الخلود مطلبٌ نفسي خالص من خلال الفعل والأثَر، بُعدٌ إنساني وليس في الأشياء.

ويستمر تجسيم المعاد في علامات الساعة مثل نفخ الصور، والقيامتَين الصغرى والكبرى، والميزان والصحائف والكتب، والأعراف والجنة والنار والنعيم والعذاب وشجرة طوبى وشجرة زقوم، والزبانية والملائكة والعرش وذَبحِ الموت في صورة كبشٍ أملح، وكلها ألياتٌ في التصوير الفني لعالم العجائب والغرائب. دلالتها في محاسبة النفس طبقًا للأعمال، راحة الضمير أو عذابه، ملحمة البداية والنهاية. لها تأويلاتها عند أهل العرفان، التطلُّع إلى المستقبل، وتحقيق الهدف؛ فالصراط صورة للمعرفة، والصحائف للأعمال، والميزان للعلوم، وأبواب الجنة والنار السبعة مشاعرُ إنسانية مجسمة.٦٣

(٣) من الثوري إلى الأيديولوجي

إذا كانت قراءة صدر المتألهين ممكنة من أجل رد الصوري إلى التاريخي، فإن قراءة الخميني تكون أيضًا ممكنة من أجل رد الثوري إلى الأيديولوجي، والعملي إلى النظري، والخطابة السياسية إلى النظرية السياسية؛ فقد استعمل الإمام الخميني في الخطاب الإسلامي الثوري، القول الخطابي في الخطب والبيانات الثورية، وهو الأغلب، والقول الجدلي وهو الأقل مثل «كشف الأسرار»، في جدله مع الخصوم في الداخل والخارج، والقول البرهاني في مؤلفاته الفقهية مثل تحرير الوسيلة، وملخصاته المختلفة مثل «من هنا المنطلق» و«زبدة الأحكام» وهو الأقل. ونادرًا ما يستعمل القول البرهاني من أجل التأصيل النظري للثورة الإسلامية، كما فعل في «الحكومة الإسلامية» وفي «جهاد النفس أو الجهاد الأكبر». وإذا كان صدر المتألهين قد اتجه نحو «الحكمة المتعالية» و«مشاهد الربوبية» على المستوى النظري، فإن الإمام الخميني قد انشغل بمجاهدة أعداء الأمة في الخارج وفي الداخل على المستوى العملي، الأول خارج الزمان والمكان، والثاني داخل الواقع والتاريخ. وعندما يجد نفسه مضطرًّا للظهور في أجهزة الإعلام الغربية، والإجابة على أسئلة الإعلاميين، تظهر بعض الجوانب الأيديولوجية. والإمام الخميني على وعيٍ بضرورة مواجهة العالم بأيديولوجيةٍ إسلامية ثورية لم تكتمل بعدُ، وعلى أحفاده إتمام المهمة وأداء الرسالة.٦٤

وتقل الشواهد النقلية في خطبه وبياناته السياسية، باستثناء إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ في بيانات التعزية للشهداء. التحوُّل إذن من الخطابة السياسية إلى التنظير السياسي ممكن نظرًا للاعتماد على الواقع مباشرة، الواقع الجماهيري أو على الأقل الواقع السياسي من خلال الجماهير؛ فالجماهير جزءٌ من الخطاب، طاقة الجماهير وليس عقلها.

وهو ليس بعيدًا عن روح الستينيات وخطاب الستينيات، خطاب حركات الاستقلال الوطني مثل عبد الناصر، وسوكارنو، ونكروما، وسيكوتوري، وبن بللا، ويمكن تحويله إلى خطاب ما بعد الاستقلال، من أجل بناء الدول وتربية العقول.

ويمكن تصنيف مؤلَّفات الخميني التي طُبعَت حتى الآن في أربعة أنواع؛ الفقه، وأصول الفقه، والحديث، والعرفان. ومع أنه أستاذ الفلسفة والعقيدة، تغيب المؤلفات الفلسفية أو الكلامية الخالصة. والفقه تقليدي باستثناء بعض الزيادات في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدفاع، وبعض المسائل المستحدثة. وأصول الفقه يدور حول الاجتهاد والتقليد، والمنافع والمضار، والحديث علمٌ نقلي خالص، لا يستطيع المُحدَثون مباراة القدماء فيه في نقد السند، وإن استطاعوا ذلك في نقد المتن. والعرفان لديه نابعٌ من العبادات وتأسيس الجانب الأخلاقي فيه، ثم الانتقال من الأخلاق على العرفان بعد تصفية النفس وتحليتها بالفضائل، وكما هو الحال في السفر الرابع في النفس، من الخلق إلى الخلق عند صدر المتألهين.٦٥
فمن حيث الكَم يغلب على المؤلَّفات العرفان والأخلاق والتصوُّف، ثم الفقه ثم أصول الفقه ثم الحديث؛ فالعرفان لديه أقرب إلى الأخلاق. وقد بدأ الإمام الخميني مدرسًا للأخلاق وانتهى مدرسًا للأخلاق. ويتبع أسلوب القدماء في الشرح والحاشية، وهي من متطلبات مراتب علماء الشيعة.٦٦
  • (أ)
    من ولاية الفقيه إلى ولاية الأمة. «الحكومة الإسلامية» أو «ولاية الفقيه» هو أهم كتابٍ نظري في الفقه السياسي، وتتم ممارستها عمليًّا بالرغم من الخلاف عليها جذريًّا بين الإسلاميين عمليًّا، وحول مداها بين الإصلاحيين والمحافظين. وبالرغم من أن العلماء ورثة الأنبياء، وأن الفقهاء أمناء الرسل إلا أن هذه الوراثة تتحقق في وظيفة الحسبة، وهي الوظيفة الرئيسية للحكومة الإسلامية؛ أي الرقابة على السلطة التنفيذية، كنوعٍ من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأسواق، وهو الأصل الخامس من أصول المعتزلة، هي أمانة «الدين النصيحة»، التي يقوم بها كل عالم من علماء الأمة من فوق المنابر أو في ساحات المساجد، أو في حلقات الدرس؛ أي بلغة العصر في أجهزة الإعلام.٦٧

    إن الفقهاء ليسوا سلطةً تنفيذية بل سلطةٌ تشريعية وقضائية. إنما الذي يقوم بالتنفيذ هي المؤسسات والسلطات التنفيذية منها، بما في ذلك وظيفة الإمام؛ أي رئيس الدولة، ورئيس الوزراء والوزراء وقواد الجيش. لا يمثل الفقهاء ولايةً اعتبارية إذا كانت تعني الولاية التنفيذية التي تقوم بها مؤسسات الدولة. تعني الحاكمية لله إذن ليس لشخص رجل الدين، بل الحاكمية للقانون. والشريعة وضعية بالرغم من أن الله واضعها والإمام مستنبطها، والحارس عليها وليس مُنفذها. السلطة التنفيذية في أيدي أهل الاختصاص، أهل الحل والعقد. العلماء هم المرجع في التشريع والقضاء وليس في الحكم، الحكم الشوري، والإمامة عقد وبيعة واختيار. العلماء ليسوا منصوبين للحكم بل للنصيحة، ولا يُعزلون لأنهم القادرون على عزل الحاكم الظالم، والخروج عليه إن لم يستمع إلى النصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونقض البيعة، ومصالحة الأعداء أو التهاون في الذب عن البيضة، وتقوية الثغور أو في استرداد حقوق المظلومين أو في عدم تحقيق المقاصد الكلية للشريعة. وليس الخميني ذاته رئيس دولة؛ فرئيس الدولة مدني وليس رجل دين، له فقط حق الرقابة والإشراف دون سلطة التنفيذ.

    أما الولاية التكوينية فإنها أقرب إلى عقائد الشيعة منها إلى النظم السياسية. هي تشخيصٌ كوني للإمام، وتأليه للسلطان، في حين أن الحكم مسألةٌ شرعية. وبالرغم من أن الله هو واضع الشريعة، إلا أنها شريعةٌ وضعية تقوم على أحكام الوضع؛ أي ميدان الفعل ومكوناته في العالم؛ السبب، والشرط، والمانع، والعزيمة والرخصة، والصحة والبطلان كما حدَّدَها الأصوليون. هي موضوع شهادة وليست موضوع غيب، في الأرض وليست في السماء، مع الناس وليست مع الملائكة، في مواجهة عروش الملوك ولا تحمل عرش الله، سلطةٌ إنسانية وليست مرتبةً كونية «لا يبلغها ملكٌ مقرب ولا نبيٌّ مرسل».٦٨

    إن التحوُّل من ولاية الفقيه إلى ولاية الأمة، يحفظ الدولة من جذور التسلُّط والتصوُّر الهرمي للعالم، وتحديد العلاقة بين طرفَيه بين الأعلى والأدنى في تصورٍ رأسي، وليس بين الإمام والخلف في تصورٍ أفقي. الأوامر من القائد إلى الشعب، والتثوير من الشعب إلى القائد خشية الانتقال من سلطة إلى سلطة، من الملك إلى الإمام، وتظل بنية التسلط قائمة. هي حكومة الشعب وليست حكومة الله، والجنود جنود الشعب وليسوا جنود الله، والثورة واجبٌ شرعي وليست وعد الله. الثورة ليست مجرد تغيير النظام السياسي عن طريق الانقلاب، بل تغيير بنية التسلُّط من الثقافة الموروثة، التي صبَّت في الثقافة الشعبية أساس الثقافة السياسية.

  • (ب)
    من جهاد النفس إلى الجهاد الأكبر. وربما كان «جهاد النفس أو الجهاد الأكبر» أقرب نصوص الإمام الخميني إلى صدر المتألهين. يبدو فيه الإمام مصلحًا أخلاقيًّا تقليديًّا، لا يُشكِّك في صحة حديث: «عدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.» الجهاد الأصغر هو جهاد العدو والجهاد الأكبر هو جهاد النفس، في حين يُشكِّك بعض المصلحين المعاصرين مثل أبي الأعلى المودودي وحسن البنا وسيد قطب في رواية الحديث نظرًا لضعف سنده وخطورة متنه على الصراع ضد الاستعمار والصهيونية.٦٩ الثورة الأخلاقية عند الإمام شرط الثورة السياسية، والأخلاق الفردية أساس البنية الاجتماعية، والقدوة الحسنة تسبق تجنيد الجماهير.
    وفي نفس الوقت يستشهد الإمام بقول الحسين بن علي، بأن الحياة عقيدة وجهاد في سبيل الحرية والاستقلال، واستعادة الحقوق السليبة، جهادًا يُنصر به المستضعفون والمظلومون، جهادًا يُدفع به الظلمة والجائرون، جهادًا في سبيل الرفعة والمنَعة والعزة والفضيلة والمجد.٧٠

    والمناجاة الشعبانية غير النظرية الثورية، وضيافة الله غير حركة التاريخ، وحجب النور والظلمة غير جدل التاريخ، تقدمًا ونكوصًا، وقيام الأمم وسقوطها، ونهضة الشعوب وانهيارها، وبعد العلمِ والعمل وليس الإيمان. الإيمان في حاجةٍ إلى برهانٍ من العلم، الإيمان هو الدافع والباعث، المحرِّك والمُنبِّه. صحيح أن اليقظة خطوةٌ أولى في السلوك، ولكن العمل الفعلي وسيلة تغيير المجتمع وحركة التاريخ.

  • (جـ)
    «من فقه العبادات إلى فقه المعاملات»، وللإمام الخميني «تحرير الوسيلة»،٧١ وهو كتابٌ تقليدي في الفقه باستثناء الكتاب السادس في «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، والفصل الملحق به في «الدفاع»، وفي نهاية الجزء الثاني «المسائل المستحدَثة» مجرد ملحقٍ إضافي، دون أن يكون كتابًا فقهيًّا جديدًا،٧٢ وتختلف الكتب فيما بينها من حيث الكم، أكبرها الصلاة ثم الطهارة. وبدأ التحول من فقه العبادات إلى فقه المعاملات.٧٣

    وأكبر تحديث في المسائل المستحدثة الصلاة والصوم في وسائل السفر الحديثة مثل الطائرات. وما زالت تغلب عليها المسائل الاقتصادية التقليدية مثل المعاملات البنكية، التأمين والكمبيالات والسرقفلية وبطاقات اليانصيب أو بعض المسائل الغيبية المعاصرة مثل التلقيح والتوليد، والتشريح والترقيع، وتغيير الجنس من ذكرٍ إلى أنثى أو العكس أو بعض المسائل الإعلامية مثل الراديو والتليفزيون. وفقه الثورة ليس هو فقه العبادات أو على أكثر تقدير فقه التجارة والبيع والشراء، بل فقه الصناعة والتصدير والشركات المتعددة الجنسيات والسوق العالمي ومنظمة التجارة العالمية. والمعاملات البنكية تُشكِّل البورصة ومنظمة التجارة العالمية واتفاقية الجات، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والديون، والمواد الأَوَّلية، والأسواق، والعمالة، والهجرة، والقطاع العام، والتأميم.

    والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو فقه المصالح العامة، فقه الأمة. ومع ذلك ما زال يدور عند الإمام الخميني على تصوُّرٍ فردي، وليس تصورًا جماعيًّا، أهم مسألة فيه هو الوجوب وبالطريقة التقليدية، فرض الكفاية وفرض العين. المسائل حُججٌ عقلية وحالاتٌ افتراضية أكثر منها «نوازل» واقعية. وعلى أكثر تقدير هي حالاتٌ اجتماعية بعيدة عن أحزان العصر ومآسيه. ويمكن أن تتطور أكثر في كيفية مواجهة الحاكم الظالم والخروج عليه كما هو الحال في الفقه السني. ويبدأ التغيير بالقلب وهو ليس السكوت حرصًا على نقاء الضمير، بل التعبير عنه بحركات الوجه ولغة الجسد، ثم يأتي اللسان أي الجهر بالحق، وأخيرًا تأتي اليد أي التغيير الفعلي؛ فمراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند الإمام الخميني، مراتبُ تصاعدية من القلب إلى اللسان إلى اليد، وهي عند أهل السنة مراتبُ تنازلية باليد ثم باللسان ثم بالقلب طبقًا للحديث الشهير: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وهذا أضعف الإيمان.»٧٤ كما أنه يعتمد على الشواهد النقلية من القرآن والحديث وأقوال الأئمة علي والحسين، نماذج البطولة في التاريخ.
    والأمثلة السياسية المباشرة على مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قليلة؛ فمن نماذج المرتبة الأولى وهو الزجر القلبي، أنه لو كان في إعراض علماء الدين ورؤساء المذاهب عن الظلمة وسلاطين الجور، احتمال التأثير في تخفيف ظلمهم أو تخفيف تجرِّيهم على مبتدعاتهم، وجب عليهم ذلك. ولو كان في رد هدايا الظلمة وسلاطين الجور احتمال التأثير في تخفيف ظلمهم أو تخفيف تجرِّيهم على مبتدعاتهم وجب الرد ولم يجُزِ القبول. وهناك عدة مسائل أخرى تدور كلها على كيفية مواجهة الجور.٧٥ وفي ختام كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فصل عن الدفاع.٧٦
  • (د)

    من فقه المعاملات إلى فقه الثورة. إن المشكلة الرئيسية في فكر الإمام الخميني هي ثنائية التقليد والثورة؛ فهو عالمٌ تقليدي في مؤلَّفاته العلمية خاصة في العلوم النقلية، الحديث والفقه أو العلوم النقلية العقلية خاصة أصول الفقه، وفي نفس الوقت صاحب خطابٍ سياسي، بيان أو نداء أو رسالة إلى الجماهير. وما بينهما فراغ في الأيديولوجيا السياسية، في الإبداع السياسي، في الفقه الثوري، الحلقة المتوسطة بين الفقه القديم والثورة الحديثة، وهو ما يُسمَّى بلغة العصر الثقافة الشعبية الحامل للثقافة السياسية أو ما سماه جرامشي الثقافة الوطنية، الغائبة في الجزائر مثلًا مما يجعل التضحية بها سهلًا ميسورًا من الخطابَيْن النقيضَيْن، السلفي التقليدي والعلماني الحديث. هناك نظريات بلا ممارسات، وممارسات بلا نظريات. والنية متوافرة لملء هذه المنطقة الوسطى بين التراث القديم والواقع المباشر، بين الفقه التقليدي والثورة المعاصرة. دور الفقهاء هو التحوُّل من فقه الحيض والنفاس إلى فقه المقاومة، ومن إمامة الصلاة إلى إمامة الأمة، كما أنشَد محمد إقبال من قبلُ:

    يا إمامًا لركعةٍ في الورى
    أما تدري ما إمامة الأقوام؟
    وهذه النية لم تتحقق، ولم يملأ أحد هذا الفراغ إلا القلائل، مثل طالقاني وعلي شريعتي ومحمد خاتمي. وهو ما لاحظه الإمام الخميني وتمناه للأجيال القادمة،٧٧ لم يشأ الإمام الخميني تثوير الثقافة الإسلامية الموروثة أو العالمة وتركها تقليدية، وهو في خضم الممارسات الثورية؛ لذلك تشتد المحافظة الدينية لدرجة خطورة التراجع عن مكاسب الثورة، عندما تصبح الثقافة التقليدية معادية للثقافة الثورية، كما هو الحال الآن في الصراع بين المحافظين والإصلاحيين. والاستقلال فرضةٌ شرعية. لقد فرض الله على كل مؤمنٍ ومؤمنة، المحافظة على البلاد الإسلامية والذود عن استقلالها.٧٨

    الإسلام ثورةٌ سياسية وليس مجرد شعائر وعباداتٍ فقهية. الثورة والتحرر والتقدم أسماء تدل على نفس الشيء. والإسلام أو الجهاد يعني في العصر الحاضر الثورة ضد الظلم والطغيان. العلماء هم العلماء الأحرار وليس فقهاء السلطان أو فقهاء الحيض والنفاس. رجال الدين الفقهاء هم حصون الإسلام، والأئمة علي والحسين نماذج البطولة في التاريخ. للعلماء إذن دورٌ في الثورة والوقوف أمام الحاكم الظالم؛ فتثوير رجال الدين شرط الثورة السياسية. وربما تحتاج المرحلة الراهنة للخطاب الديني السياسي للثورة الإسلامية، إلى التحول من فقه الثورة إلى أيديولوجية الثورة. كان الرسول ثوريًّا وكان الصحابة حوله يشاركونه في التجربة الثورية. الثورة واجبٌ شرعي كما أن النظر عند ابن رشد واجبٌ بالشرع. والطلبة هم علماء المستقبل؛ ومن هنا أتت ضرورة تثوير المؤسسات الدينية والحوزات العلمية؛ فالنبوة ثورةٌ على الطاغوت، والوحي ثورةٌ على التسلُّط والطغيان.

    كان يمكن استعمال فقه القدماء، فقه المظالم وديوان المظالم، وفقه الخروج على الحاكم الظالم، والتوحيد والعدل عند المعتزلة والخوارج، وتصوف المقاومة من إعادة بناء الموروث القديم من جانبه التسلُّطي إلى جانبه الثوري، ومن ثقافة الحاكم إلى ثقافة المحكوم، ومن عقائد السلطة إلى عقائد المعارضة.٧٩
  • (هـ)
    من الممارسة السياسية إلى التأصيل النظري. وأعداء الأمة اليوم نوعان؛ من الخارج ومن الداخل، وكلٌّ منهما سبعة؛ فأعداء الخارج هم:
    • (١)

      الاستعمار هو الأخطبوط الحديث لنهب ثروات المسلمين، والسيطرة على مقدراتهم وتفتيت صفوفهم، طبقًا لمبدأ «فرِّق تسُد»، شيعة وسنة باسم الغَيْرة على الطائفة في العراق وإيران. تحتاج مقاومة الاستعمار إلى نظريةٍ في المقاومة وربطه بالرأسمالية كما فعل لينين، وبالمركزية الأوروبية وبالعنصرية وبالهيمنة كقصدٍ كما حاول «علم الاستغراب».

    • (٢)

      وأمريكا هي الشيطان الأكبر، المستكبر الأعظم. تُريد غزو العالم كله والسيطرة عليه، تتحالف مع الصهيونية ضد العرب والمسلمين. ولا فرق بين أمريكا وروسيا والصين وكل الدول الكبرى في النيل من الإسلام كلٌ على طريقته؛ لذلك على الجميع الاتحاد ضد أمريكا العدو الأول؛ فالتفرقة رأس كل رذيلة. والحقيقة أنه لا يكفي الهجوم عليها، بل يُضاف إلى الهجوم تحليل نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومعرفة نقاط ضعفها وقوتها، حتى يتحول العدو إلى موضوع دراسة، وليس موضوع خطابة تحشد الجماهير وتهزم الجيوش.

    • (٣)
      والصهيونية نوعٌ من الاستعمار الاستيطاني الجديد. استولت على أكثر من نصف فلسطين في ١٩٤٨م، وواصلت إسرائيل اعتداءاتها على فلسطين والعرب في ١٩٥٦م، و١٩٦٧م، حتى احتلت فلسطين كلها؛ ومن ثَمَّ لا يجوز شرعًا الصلح معها، منفردًا أو جماعة. وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة؛ لذلك على كل مسلم أن يتأهب ويُسلِّح نفسه ضد إسرائيل. لا فرق بين الإمام الخميني وعبد الناصر في الستينيات في نفس العصر؛ لذلك سلَّحه عبد الناصر وأيده ضد عدوهما المشترك الاستعمار والشاه وإسرائيل. مسألة تحرير القدس في حاجةٍ إلى لاهوت الأرض،٨٠ اعترف بها الشاه، واعترفَت بها مصر، ولا يجوز شرعًا الصلح بين إسرائيل أو الصلاة في الدار المغصوبة.٨١
    • (٤)

      والرأسمالية تقوم على نهب ثروات الشعوب؛ فالمشروع الاستعماري الغربي هو مشروعٌ مادي استهلاكي، يقوم على الربح والمضاربة والاستغلال والاحتكار، قانون الغاب الذي وضعه دارون ونيتشه. وقد يكون ذلك صحيحًا، فـأين الاشتراكية الإسلامية القادرة على إعطاء البديل؟ وأين تطوير الاقتصاد الإسلامي ومُكوِّناته؟ وأين ممارساته في العالم الإسلامي الخاضع للنظام الرأسمالي العالمي؟

    • (٥)

      والماركسية مذهبٌ مضاد للإسلام، مادية وإلحاد وشيوعية كما هو الحال في التصور الشعبي، ونقد الوعاظ والدعاة من رجال الدين. والماركسيون الإسلاميون تعبير الشاه؛ فالإسلام عدو الماركسية حتى مع تحالُف الاثنين لإسقاط الشاه، ومع ذلك للماركسيين الحق في المواطنة وحرية التعبير. وماذا عن الاتفاق في المبادئ، العدل الاجتماعي والمساواة بين البشر، والعمل مصدر القيمة، ورفض الاحتكار والاستغلال والتكوين الطبقي للمجتمع؟ ولا يجوز اتهام أحدٍ بالكفر والإلحاد؛ لأنه لم يشق أحد على قلوب الناس، ولا يجوز الحكم على أحدٍ أو جماعة بأنهم مجرمون يجب قتلهم بعد ثبوت هويتهم، حتى بلا تحقيق ورحمة بهم بعد التحقيق، ما دام الحكم قد صدر قبل المداولة، وإلا سالت الدماء أنهارًا، وأُخذ الحابل بالنابل، وعمَّت موجة التكفير كما كان الحال في عصر الإرهاب بعد اندلاع الثورة الفرنسية.

    • (٦)

      والعلمانية كما غرزها كمال أتاتورك في تركيا ورضا خان في إيران، نبذٌ للدين وقضاءٌ عليه، وفصل للدين عن الدولة، وتقليد التجربة الغربية. تجعل الغرب نموذجًا يُحتذى به، مع أن الغرب تجربة ضمن تجاربَ أخرى شرقية، تقول بالتحاور بين القديم والجديد، وإسلامية تقول بالاجتهاد. وماذا عن قيمها الإسلامية مثل العقل والعلم والإنسان والحرية والديمقراطية والتقدم والحرية؟ وماذا عن مقاصد الشريعة ابتداء، الحياة، والعقل، والحقيقة، والعرض؛ أي الكرامة الوطنية، والمال؛ أي ثروات الشعوب؟

    • (٧)
      والمنظمات الدولية ألعوبة في أيدي الدول الكبرى وأداة لتنفيذ سياستها، تقوم على المعيار المزدوج في تطبيق مواثيقها، إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف طبقوا عليه الحد. وتمثل هذه القوى ميزان العلاقات في العالم بعد الحرب العالمية الثانية لصالح الغرب وأمريكا، ولهما السيطرة على الإعلام والرأي العام الدولي. إن الدول الكبرى لا تفكرُ في حقوق الإنسان إلا للرجل الأبيض، وتستعملها ضد الحكومات التي تخرج على بيت الطاعة وتعصي أمريكا. وثيقة حقوق الإنسان في الغرب تُستخدم لتضليل الأمم «لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون».٨٢
    والأعداء في الداخل أيضًا سبعة:
    • (١)
      الملكية وتأخذ شرعيتها من الوراثة وليس من الشعب، من الدم وليس من البيعة؛ لذلك تجد أحلافها في الخارج وليس في الداخل، مع الأجنبي وليس مع الوطني. والإسلام يعارض مبادئ الملكية، وكل من يلاحظ السيرة النبوية، يرى أن الإسلام جاء لهدم الظلم والملكية، وأن الملكية من أرذل مظاهر الرجعية القذرة.٨٣
    • (٢)
      التسلُّط والطغيان وما يصاحب ذلك من تعذيبٍ وقهر للشعوب نتيجة للملكية الشاهنشاهية. والدستور ما هو إلا قناع لإخفاء التسلُّط. والهدف من إقامة الحكم الإسلامي إسقاط النظام الاستبدادي؛ لذلك كان دور الشعوب بقيادة المثقفين والعلماء والأحرار الثورة ضد الحكام؛ فمشكلة المسلمين هم حكام المسلمين المستبدين. الثورة واجبٌ شرعي، ثورة المستضعفين ضد المستكبرين دون انتظار المهدي.٨٤
    • (٣)

      الفساد ومظاهر الانحلال في السر والعلن، ليس فقط الانحلال الخلقي بل الفساد السياسي، والرشوة، وتهريب الأموال. وهو ما عرض الإمام في الأمور المستحدثة مُجدِّدًا فقه المعاملات القديم. وبعد أن تخلَّى العالم الإسلامي عن اختياره الاشتراكي في الستينيات، ودخل في العولمة والخصخصة وقطاع الأعمال زاد الفساد؛ لأن القيم الليبرالية التي تقوم عليها الرأسمالية لم يتمثَّلها مثل العقلانية والمنافسة الشريفة.

    • (٤)
      والرجعية يُمثِّلها رجال الدين، فقهاء السلطان وفقهاء الحيض والنفاس، يُزيِّنون للسلطان ما يشاء ويُبرِّرون له من القرارات ما يريد. تُخلق طبقة من رجال الدين، تتوسط بين الحاكم والمحكوم وتستفيد من الاثنَين. الرجعية ضد التمدن والعصرية، والإسلام دين التقدُّم. وتُمثِّلها الحكومات العميلة للغرب، ومشاريع الأحلاف الإسلامية، والتي تبدد أموال المسلمين من عائدات النفط، وتعتبرها ملكيةً خاصة للعائلات، مع أنها من الركائز مما في باطن الذي هو ملك للأمة.٨٥ وتتجلى مظاهر الرجعية في النعرات القومية والطائفية والحكومات العميلة المهزومة، ووعَّاظ السلاطين والإسلام الممسوخ والمهزومين.٨٦
    • (٥)

      البهائية والمجوسية والزرادشتية وكل الطوائف والأقليات، التي تظن واهمة أن الإسلام دين الأغلبية، أتاها وافدًا من الخارج، وأنها تمثل الديانات الوطنية في البلاد قبل الإسلام. والبهائية قراءةٌ صهيونية للعرفان، معبدها الرئيسي في تل أبيب، تُسقِط الجهاد السياسي وتتستَّر بالمحبة، لتُخفي أبشع أنواع الاستغلال. والمجوسية والزرادشتية نِحلٌ وثنية، تُعلي من شأن ديانات فارس القديمة على حساب دين التوحيد.

    • (٦)

      التبعية للغرب نظرًا لارتباط الإسلام بالوطن ومصالح الناس؛ لذلك كان الشاه حليفًا للغرب وصنيعة له، وكان الغرب أكبر نصير له. أصبح الغرب مثلًا يُحتذى به عند معظم الحكومات الإسلامية؛ فالغرب لا يتعاون إلا مع الحكومات العميلة، ويعادي النظم الوطنية، كما هو الحال في معاداة الثورة الإسلامية في إيران، والنظم الوطنية في ماليزيا والصين.

    • (٧)

      نهب ثروات الشعوب في مظاهر البذخ وعُنجُهية السلطان كما فعل الشاه فيما سماه بأعياد قورش، وبناء القصور وتبديد الأموال حتى اشتد التفاوت بين الأغنياء والفقراء، بين من يملكون ومن لا يملكون. وانشق الوطن قسمَين، في السياسة؛ راعٍ ورعية، حاكم ومحكوم، جائر ومظلوم. وفي الاقتصاد؛ غني وفقير، مالك ومملوك، عامل وعاطل.

  • (و)
    من الروحانيين الأحرار إلى الثوار الأحرار. التحول من العرفان إلى الثورة إذن ممكن، من «الروحانيين الأحرار»، مجموعة ١٥ خرداد إلى الثوار الأحرار أو المسلمين الثوار، الصوفية المناضلين، الإشراقيين المجاهدين.٨٧ ويدعو الإمام الخميني إلى الالتحاق بالانتفاضة الإسلامية من أجل الشعوب المستضعفة؛ فالهتافات والمظاهرات عبادة وصلاة.٨٨ الإسلام حاضرٌ في أي جزءٍ من العالم به نهضةٌ ضد المستكبرين، والله تحرُّر، الله أكبر قاصمٍ للجبارين وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ. «لا إله إلا الله» إعلان تحرُّر البشر، نفي الآلهة المزيفة بفعل النفي «لا إله»، ثم إثبات الإله الحق الذي يتساوى أمامه البشر جميعًا بفعل الاستثناء «إلا الله».٨٩
    دور المثقفين والعلماء في تثوير ثقافة الشعوب؛ فالأعياد الدينية مناسباتٌ لتثوير الثقافة الشعبية، والفتاوى قادرة على التأثير في حركة الجماهير، مثل فتوى التمباك الشهيرة نموذجًا للأمر الثوري، وفي العالم ما يفوق المليار مسلم؛ فالتوحيد عقيدةٌ وثورة، الدعوة إلى توحيد الأمة الإسلامية دعوةٌ سياسية قائمة على التوحيد، والأمة الواحدة نموذجٌ تاريخي للإله الواحد. ويغيب هذا الربط بين النظر والعمل، بين التوحيد الديني والتوحيد السياسي في «الحكومة الإسلامية».٩٠
    الإسلام دينٌ سياسي، الأولوية فيه للسياسة كما هو الحال عند ماوتسي تونج. وأي دعوةٌ لفصل الدين عن السياسة، والسياسة عن الدين كما كان يُقال في مصر أثناء الجمهورية الثانية (١٩٧٠–١٩٨١م): «لا دين في السياسة، ولا سياسة في الدين.» هو قضاءٌ على الدين والسياسة في آنٍ واحد. يعلم السلطان أن الدين ثقافة الأمة، وأن تثويره يقضي عليه، وأن السياسة فعل الأمة للوقوف في مواجهة السلطان. الفصل بين الدين والسياسة هو فصل بين النظر والعمل، بين العقل والثورة، بين القصد والأداة.٩١

    والوعي الجماهيري موضوع لعلم السياسة، كما فعل فريري في «تربية المضطهدين». وتثوير الخطاب الديني أيضًا موضوع لتحليل الخطاب السياسي والثقافة السياسية. ويمكن التحوَّل من البيانات السياسية القصيرة النفس إلى التنظير السياسي المعمَّق، ومن الفتاوى الثورية إلى التنظير الثوري، ومن النتائج العملية إلى المقدمات النظرية. وتلك مهمة أجيالٍ قادمة بوعيٍ تاريخي في التحول في الخطاب السياسي، من مرحلة الاستعمار إلى مرحلة ما بعد الاستقلال؛ حفاظًا على مكتسبات الثورة.

  • (ز)
    من الهجاء السياسي إلى التحليل السياسي. وهناك فرقٌ بين الهجاء السياسي والسب السياسي من ناحية، والنقد السياسي والتحليل السياسي من ناحيةٍ أخرى. ربما تستطيع بعض التعبيرات مثل «مزبلة التاريخ»، «الرجعية القذرة» وغيرها حشد الجماهير وإلهاب حماسها، ولكن بطريقةٍ وقتية واستجداءً لتصفيقها، ثم يعود الظلام السياسي من جديدٍ دون فهم أو إدراك. إن الهجاء السياسي مثل التفكير الديني والإقصاء الاجتماعي. وهو تحولٌ من الفكر إلى الشخص، ومن الوضع إلى الفرد. والظواهر الاجتماعية والسياسية لها بنياتها المستقلة عن الأشخاص؛٩٢ لذلك لا يجوز تشخيص النظم السياسية في رموزها؛ فالنظام السياسي مستقلٌّ عن الأشخاص.٩٣

    إنها مهمة الجيل الثاني للثورة الإسلامية، تأسيس الأيديولوجية الإسلامية الثورية، التي تربط بين الماضي والحاضر، القديم والجديد، التراث والمعاصرة، وتُحوِّل فقه العبادات والمعاملات إلى فقه الثورة والانتفاضات، وتصوُّف الاستسلام إلى تصوُّف المقاومة، والحكمة المتعالية إلى الحكمة المتدانية، ومن العقيدة إلى الثورة، ومن النص إلى الواقع، ومن النقل إلى العقل، حتى تأمن الثورات الإسلامية انشقاقها وصراعها بني الإخوة الأعداء، المحافظين والإصلاحيين، والذي يصل في بعض الأقطار الإسلامية إلى حد الصراع المسلَّح، والدين والوطن هما الخاسران.

١  المؤتمر الدولي الثاني لمللا صدرا، جزيرة كيش، إيران، ١٥–١٧ مارس ٢٠٠١م.
٢  أحيا السلطان محمد الفاتح العثماني النقاش من جديد بطلبه من العلامة خوجه زاده أوحد علماء الروم في عصره (٨٥٣ﻫ) كتابة تهافُتٍ ثالث للتحكيم بين التهافُتَين السابقَين، وشهد له بالتبريز العلامة الدواني وسائر معاصريه. انظر النصوص الثلاثة، طبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، «د.ت».
٣  ابن باجه، «تدبير المتوحد»، تحقيق د. معن زيادة، دار الفكر الإسلامي، دار الفكر، بيروت، ١٣٩٨ﻫ/١٩٧٨م.
ابن طفيل، «حي بن يقظان»، تحقيق أحمد أمين، دار المعارف، القاهرة، ١٩٦٦م.
٤  يُعتبر مشروع «التراث والتجديد» محاولة لسد هذا الفراغ في الأيديولوجية الثورية، خاصة في الجبهة الأولى، إعادة بناء التراث القديم مثل علم الكلام في «من العقيدة إلى الثورة»، وعلوم الحكمة في «من النقل إلى الإبداع»، وعلم أصول الفقه في «من النص إلى الواقع»، وعلوم التصوف في «من الفناء إلى البقاء»، والعلوم النقلية الخمسة؛ القرآن والحديث والتفسير والسيرة والفقه في «من النقل إلى العقل».
٥  وهذا ما فعله ماركوز في «العقل والثورة»، انظر دراستَينا: هربرت ماركوز، «العقل والثورة»، «الفلسفة والثورة»، قضايا معاصرة، في الفكر الغربي المعاصر، دار الفكر العربي، القاهرة، ١٩٧٧م، ج٢، ص٤٦٦–٥٢٥.
٦  وهذه التجربة السابقة على العمل المنطقي يُسمِّيها هوسرل Vorverstandniss، وقد طبَّق ذلك بولتمان في «المسيحية البدائية».
٧  اعتمدنا أساسًا على «الحكمة المتعالية»، الطبعة الثالثة (٩ أجزاء)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ١٩٨١م.
٨  انظر دراستنا: «تجديد علم الأصول عند الإمام محمد باقر الصدر»، قضايا إسلامية معاصرة، العددان ١١، ١٢، ١٤٢١ﻫ/٢٠٠٠م، ص١١٥–١٣٤، وأيضًا «المنهاج»، السنة الخامسة، ١٤٢١ﻫ/٢٠٠٠م، بيروت، ص١٥١–١٧٤، وأيضًا «من السنن التاريخية إلى فلسفة التاريخ»، بحثٌ مقدم لمؤتمر محمد باقر الصدر، قم، فبراير ٢٠٠١م.
٩  أخذنا فقط «الحكمة المتعالية» كنموذجٍ لفكر صدر المتألهين.
١٠  السفر الأول أكبر الأسفار من حيث الحجم، ج١، ٢، ٣ (١٣٦١ص)، ثم الرابع، ج٨، ٩ (٧٨٣ص)، ثم الثالث ج٦، ٧ (٧٥٨ص)، ثم الثاني ج٤، ٥ (٦٣٥ص).
١١  الأسفار الأربعة، ج١، ص٢٠.
١٢  يتكون السفر الأول من مراحلَ عشر، والثاني من فنونٍ عشْرة، والثالث من مواقفَ عشرة، والرابع من أبوابٍ أحد عشر.
١٣  حسن حنفي، «من العقيدة إلى الثورة»، التوحيد، مدبولي، القاهرة، ١٩٨٨م، ج٢، ص٧٦–٣٣٨.
١٤  وهذا ما سماه هوسرل نشأة العالم Ursprung der Welt. وقد أصبح الوجود في العالم أحد المقولات الرئيسية في الوجودية خاصة عند هيدجر وميرلو بونتي وياسبرز.
١٥  الحكمة المتعالية، السفر الأول، المرحلة الأولى، المنهج الأول، ج١، ص٢٣–٨٣. وإنارة الوجود مصطلح هيدجر.
١٦  أكبر المراحل كمًّا الأولى (٣٠٤ص)، ثم العاشرة (٢٤١)، ثم السادسة (٢٦٩)، ثم السابعة (١٨٣)، ثم الرابعة (٨٠)، ثم الثانية (٦٧)، ثم الثامنة (٦٠)، ثم الثالثة (٥٢)، ثم الخامسة (٤٤)، ثم التاسعة (٣٤).
١٧  وقد جعل ذلك عثمان أمين أحد مظاهر الجوانية. انظر «الجوانية، أصول عقيدة وفلسفة ثورة»، دار القلم، بيروت، ١٩٦٤م، ص٢٦٧–٢٧٤، وأيضًا «فلسفة اللغة العربية»، المكتبة الثقافية، مكتبة مصر، القاهرة، ١٩٦٥م.
١٨  وهذا هو معنى Aufhebung عند هيجل.
١٩  وهو ما قصده سارتر بجعله الوجود مشروعًا Project وياسبرز أيضًا Entwurf.
٢٠  كما هو عند كانط وفشته. المطلب أو الاقتضاء Exigence.
٢١  وهذا ما لاحظه هيجل في «علم المنطق».
٢٢  وهذا عكس جان بول سارتر الذي جعل العدم أساس الوجود في «الوجود والعدم».
٢٣  هذه هي المرحلة الثانية، ج١، ص٣٢٧–٣٩٤.
٢٤  «الحكمة المتعالية»، ج١، ص٢٦٣–٣٢٧.
٢٥  هذه هي المرحلة الثالثة، ج١، ص٣٩٤–٤٤٦.
٢٦  وهذه هي تفرقة برجسون بين الكيف والكم، التوتر والامتداد، الزمان والمكان، الحدس والعقل.
٢٧  هي المرحلة الرابعة، ج٢، ص٢–٨١.
٢٨  هي المرحلة الخامسة، ج٢، ص٨٢–١٢٦.
٢٩  هذه هي المرحلة السادسة، ج٢، ص١٢٦–٣٩٦.
٣٠  هي المرحلة السابعة، ج٣، ص١–١٨٤.
٣١  هي المرحلة الثانية، ج٣، ص١٨٤–٢٤٤.
٣٢  وهي تشبه تحليلات برجسون للزمان والحركة.
٣٣  هذه هي المرحلة التاسعة، ج٣، ص٢٤٤–٢٧٨.
٣٤  انظر دراستنا: «من الحكمة المتعالية إلى الحكمة المتدانية»، قراءة في صدر الدين الشيرازي، المؤتمر الدولي الأول، طهران، ٢٠٠٠م.
٣٥  هذه هي المرحلة العاشرة، ج٣، ص٢٧٨–٥١٩.
٣٦  وهو ما سماه هوسرل Noéme, Noése.
٣٧  «الحكمة المتعالية»، ج٥، ص٢٣٨–٣٥٠.
٣٨  «من العقيدة إلى الثورة»، المقدمات النظرية، الفصل الرابع: نظرية الوجود، ج١، ص٤١١–٦٢٦.
٣٩  السابق، الكم، ج٤، ص٨–٣٩، المكان، ج٤، ص٣٩–٥٨، الأين، ج٤، ص٢١٥–٢١٩، الزمان، ج٤، ص٢١٩-٢٢٠، الوضع، ج٤، ص٢٢٠–٢٢٣، أن يفعل وأن ينفعل، ج٤، ص٢٢٣–٢٢٨، الكيف، ج٤، ص٥٨–١٨٨، الكيفيات الكمية، ج٤، ص٥٨–٦٢، الاستقامة والاستدارة، ج٤، ص١٦٢–١٨٨، المضاف، ج٤، ص١٨٨–٢١٥.
٤٠  السابق، ج٤، ص٢٢٨–٢٨٥.
٤١  هذا هو الموقف الأول، السابق، ج٦، ص١١–١١٨.
٤٢  الموقف الثاني، ج٦، ص١١٨–١٣٩.
٤٣  الموقف الثالث، ج٦، ص١٣٩–٣٠٧.
٤٤  الموقف الرابع، ج٦، ص٣٠٧–٤١٣.
٤٥  الموقف الخامس، ج٦، ص٤١٣–٤٢١.
٤٦  الموقف السادس، ج٦، ص٤٢١–٤٢٦.
٤٧  الموقف السابع، ج٧، ص٢–٥٥. انظر دراستنا: «الوحي والواقع»، دراسة في أسباب النزول، هموم الفكر والوطن، التراث والعصر والحداثة، دار قباء، القاهرة، ١٩٩٨م، ج١، ص١٧–٥٦.
٤٨  الموقف الثامن، ج٧، ص٥٥–١٩٢.
٤٩  الموقف التاسع، ج٧، ص١٩٢–٢٨٢.
٥٠  الموقف العاشر، ج٧، ص٢٨٢–٢٣٢.
٥١  الموقف التاسع، ج٧، ص١٩٢–٢٨٢.
٥٢  الموقف العاشر، ج٧، ص٢٨٢–٣٣٢. وانظر أيضًا: حسن حنفي، «من النقل إلى الإبداع»، تكوين الحكمة، الفصل الثاني: الإلهيات والطبيعيات، دار قباء، القاهرة، ٢٠٠١م، مج٣، ج١.
٥٣  الباب الأول، السابق، ج٨، ص١–٣٨.
٥٤  الباب الثاني، السابق، ج٨، ص٣٨–٧٨.
٥٥  الباب الثالث، السابق ج٨، ٧٨–١٥٥.
٥٦  الباب الرابع، السابق، ج٨، ص١٥٥–٢٠٥.
٥٧  الباب الخامس، السابق، ج٨، ص٢٠٥–٢٦٠.
٥٨  الباب السادس، السابق، ج٨، ص٢٦٠–٣٢٥.
٥٩  الباب السابع، السابق، ج٨، ص٣٢٥–٤٠٠.
٦٠  السابق، ج٩، ص١–٧٨، الأنماط المثالية Archetypes.
٦١  السابق، ج٩، ص٧٨–١٢١.
٦٢  السابق، ج٩، ص١٢١–١٨٥.
٦٣  السابق، ج٩، ص١٨٥–٣٨٢.
٦٤  مقابلة لوموند، الإمام الخميني، ص٣١٣.
٦٥  في الفقه: آداب الصلاة، تحرير الوسيلة، متن كامل للدورة الفقهية، البيع، دروس فقهية في النجف الأشراف (أربعة مجلدات)، كتاب الطهارة، بحوث فقهية (ثلاث مجلدات)، المكاسب المحرمة (مجلدان)، رسالة تتضمن بعض الفوائد في المسائل العويصة الصعبة. في أصول الفقه: الرسائل، بالنسبة إلى قاعدة لا ضرر ولا ضرار والاستصحاب، التعادل والتراجيح والاجتهاد والتقليد والتقية (جزآن)، تهذيب الأصول، تقريرات دروس أصول الفقه في مدينة قم بخط العلامة الشيخ جعفر السبحاني (ثلاثة مجلدات)، نيل الأوطار في قاعدة لا ضرر ولا ضرار، رسالة في الاجتهاد والتقليد، توضيح المسائل، زبدة الأحكام. في الحديث: أربعون حديثًا، حاشية على شرح حديث رأس الجالوت للقاضي سعيد وشرح مستقل على ذلك الحديث، شرح حديث جنود العقل والجهل. في العرفان: مصباح الهداية، دعاء السحر، أسرار الصلاة أو معراج السالكين، رسالة في الطلب والإرادة، كشف الأسرار، جهاد النفس أو الجهاد الأكبر، حاشية على مفتاح الغيب، حاشية على فصوص الحكم للقيصيري. الإمام الخميني، «دروس في الجهاد»، وثائق ومواقف من مسيرة جهاد الإمام القائد آية الله الخميني، منشورات مجلة فلسطين المحتلة، «د.ت»، ص٢٢–٢٤.
٦٦  وقد رجعنا إلى المؤلفات العربية المؤلفة أو المترجمة الآتية:
  • «الحكومة الإسلامية»، نشر د. حسن حنفي، القاهرة، ١٩٧٩م.

  • «جهاد النفس أو الجهاد الأكبر»، نشر د. حسن حنفي، القاهرة، ١٩٨٠م.

  • «دروس في الجهاد والرفض» (نسخة مصورة)، «د.ت».

  • «موقف الإمام الخميني تجاه إسرائيل»، منشورات ١٥ خرداد، ١٣٩٤ﻫ/ ١٩٧٤م.

  • «تحرير الوسيلة» (جزآن).

  • «من هنا المنطلق»، الآداب، النجف الأشرف، ١٩٧٤م.

  • «زبدة الأحكام»، مؤسسة الوفاء، بيروت، «د.ت».

  • «الإمام في مواجهة الصهيونية»، مقتطفات من خطب الإمام حول الصهيونية، مركز إعلام الذكرى الخامسة لانتصار الثورة الإسلامية في إيران، طهران، ١٤٠٣ﻫ.

  • «دروس في الجهاد»، وثائق ومواقف من سيرة جهاد الإمام القائد آية الله الخميني، منشورات مجلة فلسطين المحتلة، «د.ت».

  • «مختارات من أقوال الإمام الخميني»، وزارة الإرشاد الإسلامي، «د.ت».

  • «الإمام الخميني و١٥ خرداد»، ترجمة محمد جواد المهدي، وزارة الإرشاد الإسلامي، طهران، ١٤٠٢ﻫ ق.

  • «الإمام الخميني و١٢ فروردين»، وزارة الإرشاد الإسلامي، طهران، ١٤٠٢ﻫ ق.

  • «مشاكل وعقبات أمام وحدة المسلمين»، إعداد: محمد علي حسين كما يتحدث عنها الإمام القائد، وزارة الإرشاد الإسلامي، طهران، ١٤٠٣ﻫ.

  • «مسألة تحرير القدس»، مركز الإعلام العالمي للثورة الإسلامية في إيران، «د.ت».

  • «مسألة المهدي المنتظر»، مركز الإعلام العالمي للثورة الإسلامية في إيران، «د.ت».

  • «نداء إلى أبناء العالم الإسلامي»، وزارة الإرشاد الإسلامي، «د.ت».

٦٧  ابن تيمية، «السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية»، تحقيق محمد أحمد عاشور، جريدة الشعب، القاهرة، ١٩٧١م، وأيضًا: ابن القيم، «الطرق الحكمية في السياسة الشرعية»، القاهرة، «د.ت»، وأيضًا ابن تيمية، «الحسبة أو وظيفة الحكومة الإسلامية»، المكتبة العلمية، القاهرة، «د.ت»؛ القرشي، «معالم القربة في أحكام الحسبة»، تحقيق محمد محمود شعبان، صديق أحمد عيسى المطيعي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٧٦م.
٦٨  الإمام الخميني، الحكومة الإسلامية، ص٥١-٥٢.
٦٩  حسن البنا، سيد قطب، أبو الأعلى المودودي، «الجهاد في سبيل الله»، دار الاجتهاد، دار الاعتصام، القاهرة، ١٩٩٧م.
٧٠  الإمام الخميني، «جهاد النفس أو الجهاد الأكبر»، ص٩–٣٢.
٧١  الإمام الخميني، «تحرير الوسيلة»، ط٣، ١٣٩٧ هجري قمري (جزآن).
٧٢  وقد طبعت هاتان الإضافتان لأهميتهما في «من هنا المنطلق» الآداب، النجف الأشرف ١٩٧٤م؛ «زبدة الأحكام»، مؤسسة الوفاء، بيروت، لبنان، «د.ت».
٧٣  يضم الجزء الأول ثمانية عشر كتابًا هي: (١) الطهارة، (٢) الصلاة، (٣) الصوم، (٤) الزكاة، (٥) الحج، (٦) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، (٧) المكاسب والمتاجر، (٨) الشفعة، (٩) الصلح، (١٠) الإجارة، (١١) الجعالة، (١٢) العارية، (١٣) الوديعة، (١٤) المضاربة، (١٥) الشركة، (١٦) المزارعة، (١٧) المساقاة، (١٨) الدين والفرض.
ويتكون الجزء الثاني من سبعة وعشرين كتابًا هي: (١) الرهن، (٢) الحجر، (٣) الضمان، (٤) الحوالة والكفالة، (٥) الوكالة، (٦) الإقرار، (٧) الهبة، (٨) الوقف والحوالة، (٩) الوصية، (١٠) الأيمان والنذور، (١١) الكفارات، (١٢) الصيد والذباحية، (١٣) الأطعمة والأشربة، (١٤) الغصب، (١٥) اللقطة، (١٦) النكاح، (١٧) الطلاق، (١٨) الخلع والمباراة، (١٩) الظهار، (٢٠) الإيلاء، (٢١) اللعان، (٢٢) المواريث، (٢٣) القضاء، (٢٤) الشهادات، (٢٥) الحدود، (٢٦) القصاص، (٢٧) الديات.
أما ترتيب كتب الفقه من حيث الكم فعلى النحو الآتي (عدد الصفحات):
الصلاة (١٤٣)، الطهارة (١٢٣)، الحج (٩١)، النكاح (٨٩)، المكاسب، المتاجر (٦٢)، الزكاة (٥٩)، الديات (٥٥)، الحدود (٥٣)، القضاء (٥١)، القصاص (٤٥)، المواريث (٤١)، الصيد (٣٤)، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (٣٩)، الوقف وأخواته (٢٩)، إحياء الموات والشركات (٢٦)، الطلاق (٢٤)، الأيمان والنذور، الغصب (٢٣)، الصيد والذباحية (٢١)، الوصية (١٨)، الإجارة (١٦)، اللقطة (١٥)، المضاربة (١٤)، الشركة، الحجر (١٣)، الوديعة (١٢)، الوكالة، الكفارات (١٠)، الصلح، الرهن (٩)، الحوالة، الكفالة (٨)، المزارعة، الإقرار (٧)، الشفعة، الضمان، الهبة (٦)، الجعالة، العارية، المساقاة، الخلع، المباراة (٥)، اللعان (٤)، الظهار (٣)، الإيلاء (٢).
٧٤  الإمام الخميني، «من هنا المنطلق»، ص٩٠–٩٩.
٧٥  مثل: مسألة (٣) عدم الخوف من حكام الجور، مسألة (٥) لا يجوز تولي الحدود والقضاء من قِبَل الجائر، مسألة (٦) لو أكره الجائر على تولي أمرٍ من الأمور جاز إلا القتل، مسألة (٧) جواز تولي الفقيه الجامع للشرائط أمرًا من قِبَل والي الجور، مسألة (٨) جواز تصدِّي الفقيه من قِبل الجائر لإيجاب الأحكام الشرعية دون أن يؤدي ذلك إلى مفسدةٍ أعظم، مسألة (١٠) لا يجوز الرجوع في الخصومات إلى حكام الجور.
٧٦  الإمام الخميني، «من هنا المنطلق»، ص١٠٣–١٢٤.
٧٧  «إن حصر واجبات الفقهاء وعلماء الدين بمراسم العبادات وبيان أحكامها وشرائعها من طهارةٍ ونجاسة ودعاء ومناجاة فحسب، هو من مخلَّفات سموم المستعمرين أعداء الإسلام، قاتلَهُم الله أنَّى يُؤفَكون. إن أول واجبات الفقيه العارف بأحكام الشريعة الإسلامية هو النهضة والقيادة من أجل إعلاء كلمة الله في الأرض، والجهاد المستمر لتطهير أرض الله من أعداء الله عز وجل، ومن واجبات الفقيه حمل السلاح وقيادة الجيوش ومكافحة الأعداء في ميادين الجهاد المشرفة. إن من صلب واجباتنا الدينية العمل الدائم من أجل تشكيل دولةٍ إسلامية صحيحة قائمة على أساس العدل والمعرفة والجهاد» (دروس في الجهاد، ص٥).
٧٨  الإمام الخميني، «جهاد النفس أو الجهاد الأكبر»، ص٧٠-٧١، ٧٦، ٩٣.
٧٩  د. حسن حنفي، «تراث السلطة وتراث المعارضة»، هموم الفكر والوطن، التراث والعصر والحداثة، دار قباء، القاهرة، ١٩٩٨م، ج١، ص٣٦١–٣٧٢.
٨٠  الإمام الخميني، «مسألة تحرير القدس»، ص٢–١١؛ «موقف الإمام الخميني تجاه إسرائيل»، ص١٠٨–١١٥، ١٤٥–١٤٨، ٢٢١–٢٦٥؛ «دروس في الجهاد والرفض»، ص١٢٣–٢٥٦.
٨١  حسن حنفي، «هل يجوز شرعًا الصلح مع بني إسرائيل؟»، اليسار الإسلامي، القاهرة، ١٩٨١م، ص٤٩–١٢٧.
٨٢  الإمام الخميني، «دروس في الجهاد»، ص٢٧٥–٢٨٦.
٨٣  الإمام الخميني، «من هنا المنطلق»، ص٤٨.
٨٤  الإمام الخميني، «مسألة المهدي المنتظر»، ص٢٢-٢٣.
٨٥  الإمام الخميني، «نداء إلى أبناء العالم الإسلامي» بمناسبة الإعلان عن مشروع فهد الاستسلامي.
٨٦  الإمام الخميني، «مشاكل وعقبات وحدة المسلمين»، إعداد محمد علي حسين.
٨٧  الإمام الخميني، «من هنا المنطلق»، ص٦١.
٨٨  الإمام الخميني، «دروس في الجهاد»، ص٣٧٧.
٨٩  د. حسن حنفي: «ماذا تعني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؟» الدين والثورة في مصر ١٩٥٢–١٩٨١م، اليمين واليسار في الفكر الديني، مدبولي، القاهرة، ١٩٨٩م، ج٧، ص١٤٧–١٦١.
٩٠  الإمام الخميني، «من هنا المنطلق»، ص٤٩-٥٠.
٩١  «فالإسلام دين السياسة بشئونها، ويظهر ذلك لمن له أدنى تدبُّر في أحكامه الكونية، والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، فمن توهم أن الدين منفكٌّ عن السياسة، فهو جاهلٌ لم يعرف الإسلام ولا السياسة» (من هنا المنطلق، ص٥؛ تحرير الوسيلة، ص٢٣٤).
٩٢  «ليعلم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أنه أقذرُ إنسانٍ على وجه الأرض لدى الشعب الإيراني» (من هنا المنطلق، ص٣٤؛ مزبلة التاريخ، الإمام الخميني و١٢ فروردين، مركز إعلام الذكرى الثالثة لانتصار الثورة الإسلامية، ص٨).
٩٣  يذكُر الإمام الخميني كثيرًا الشاه وصدام والسادات.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤