الفصل الثاني عشر

قلقٌ أبوي

للحظة، تبادل بريريتون والمفتش النظرات في صمت. ثم قام بينت من على مكتبه في الجانب الآخر من الغرفة، وتَوجَّه هو وكاتب المحامي الضئيل نحوهما.

تمتَم بريريتون قائلًا: «أبقِ هذا سرًّا إذن.» وأردَف: «سنتحدَّث عنه لاحقًا. قد يكون مهمًّا.»

همس المفتش وهو يتراجع قليلًا وعينه على الرجلَين الآخرَين: «حسنًا، يُوجد الكثير مما يجب وضعه في الاعتبار.» واستطرد: «لم يُعثَر على أي شيءٍ من ذلك القبيل مع موكلك! وقد قضى الليل كله بالخارج. ذلك أمرٌ يستحقُّ التفكير — بناءً على موقف، يا سيد بريريتون.»

أومأ بريريتون برأسه مُوافقًا واستدار بنظرة تنبيهٍ أخرى. بعد قليلٍ غادر بيت والمفتش، وجلس بينت على كرسيِّه المريح وهو يضحك.

وقال: «إرثٌ غريب غير مُتوقَّع نوعًا ما!» وأضاف: «أتساءل هل حقًّا ظَنَّ كايتلي العجوز أنني سأهتم بسجلِّ قُصاصاته؟»

علَّق بريريتون، وهو يُلقي نظرةً خاطفةً على السجل الذي وضعه بينت جانبًا فوق أحد أرفف الكتب: «قد يحوي الكثير من الأشياء المثيرة للاهتمام.» وأردَف: «اعتنِ به. حسنًا، ما رأيك في السيد كريستوفر بيت؟»

أجاب بينت: «أظن أنه جريء.» وتابَع يسأل: «ولكن، ما رأيك أنتَ فيه؟»

قال بريريتون بغلظة: «أوه، لقد قابلتُ أشخاصًا من نوعية السيد كريستوفر بيت من قبلُ.» واستطرد: «إنه ممارسٌ قانوني مِن نوعية مَن ينتمون إلى مكتب محاماة «دودسون وفوج»، وهو نوعٌ لم يَنقرِض بأي حال من الأحوال. أرغب بشدة في أن أعرف أكثر عن تعاملاته المختلفة مع كايتلي. سنرى ونسمع المزيد عنها، ولكن، لاحقًا. أما في الوقت الحاضر، فثَمَّةَ أمورٌ أخرى.»

غَيَّر الموضوع بعد ذلك إلى شيءٍ بعيد تمامًا عن جريمة القتل وغموضها. وذلك لأن الموضوع الوحيد الذي كان يشغل عقله تمامًا، كان أيضًا هو نفسه الموضوع الذي لم يَستطع مناقشته مع بينت. هل كان لكوذرستون ومالاليو أي علاقة بموت كايتلي؟ بدأ ذلك السؤال يستحوذ على انتباهه بالكامل؛ فكر في هذه المسألة أكثر من تفكيره في مخطَّطاته لدفاعٍ ناجح عن هاربورو، مدركًا تمامًا أن أفضل وسيلة لإثبات براءة هاربورو تَكمُن في إثبات جرم رجلٍ آخر.

قال بريريتون في نفسه وهو يأوي إلى الفِراش في تلك الليلة: «إنني على استعدادٍ لأن أفعل أي شيء في مقابل أن ألقي نظرةً سريعة على ما يدور في عقل كوذرستون، أو في عقل مالاليو أيضًا! فأنا أُقسِم أن هذَين الاثنَين يعرفان شيئًا، وربما يُهنِّئان أنفسهما على أنه لن يعرفه أي شخصٍ آخر أبدًا!»

لو كان بريريتون يستطيع قراءة ما يدور في ذهن أيٍّ من الشريكَين في هذا المنعطف الدقيق، كان سيجد مجالًا كبيرًا للتفكير وللتأمُّل بفضول. فقد كان كلاهما يراقب مجريات الأمور عن كثب من ناحية؛ ويراقب أحدهما الآخر من ناحيةٍ أخرى. لقد راقبا الإجراءات القضائية والشرطية ضد هاربورو ووجَدا، بارتياحٍ مطلق، أنه لم يطرأ أي شيء يبدو معاديًا لهما. لقد راقبا إجراءات التحقيق الذي يجري حول كايتلي؛ كما أنهما لم يُفسِحا المجال لأي شيء من شأنه أن يلفت الانتباه إليهما بالطريقة التي كانا يخشيان منها. عندما مرت عدة أيام وبدا أن تحقيقات الشرطة قد استقرَّت على أن تنصَبَّ على توجيه أصابع الاتهام إلى المشتبه به، اعتقد كلٌّ من مالاليو وكوذرستون أنهما في مأمن من افتضاح أمرهما؛ فقد بدا أن سرَّهما المشترك قد دُفِنَ تمامًا مع المحقق العجوز. ولكن السر كان حيًّا نابضًا في قلبَيهما، وعندما واجه مالاليو الحقيقة، كان يَعلم أنه يشتبه في كوذرستون؛ وعندما وضع كوذرستون الأمور في نصابها أمام نفسه، وجد أنه يعلم أنه يشتبه في مالاليو. وآل الأمر بالرجلَين إلى أنهما أخذا يتبادلان النظرات خِلسةً بمكر، ويتحدثان معًا بفظاظة واقتضاب، وعندما كان يتصادَف أن يكونا بمفردهما، كان يسود بينهما جوٌّ ثقيل من الكراهية والشكِّ المتبادل.

كانت حقيقةً نفسية غريبة أنه على الرغم من أن هذَين الرجلَين كانا شريكَين طوال الفترة الأهم من حياتهما، لم يكن يجمعهما أي شيءٍ مشترك. كانا شريكَين مُمتازَين في مسائل العمل؛ فقد كان كلاهما يعرف الآخر جيدًا في كل ما يتعلَّق بجني المال. أما فيما يتعلق بالذوق، والمزاج، والشخصية، والفهم، فقد كانا على طرفَي نقيض. عندما اختُبرَت بشكلٍ أكبر عَبْر الأحداث الأخيرة المربكة، تجلَّت هذه الفجوة في صورة عزوف عن الثِّقة. كان مالاليو، أيًّا كان ما يفكِّر فيه، يعلم جيدًا أنه لن يفصح أبدًا عما يدور في عقله لكوذرستون؛ وكان كوذرستون يعلم الشيء نفسه تمامًا فيما يتعلق بمالاليو. ولكن هذا الصمت ولَّد غضبًا، وبمرور الأيام صار الغضب فوق قدرة كوذرستون على التحمُّل. كان رجلًا شديد التوتُّر والعصبية، وانفعاليًّا ومتسرعًا؛ لذا بدأَت النظرات المتحاشية والملاحظات والردود المُقتضبة لرجلٍ لا يستطيع تحاشي صحبته، في دَفعِه إلى ما يُشبه الجنون. وفي أحد الأيام، عندما بقيَ وحده في المكتب مع مالاليو بعدما غادر الموظَّف ستونر لتناول العشاء، أصبح الغضب فوق احتماله، وانفجر في شريكه في ثورة غضبٍ عارمة لا يمكن السيطرة عليها.

هَسَّ غاضبًا وهو يُصِرُّ أسنانه: «عليك اللعنة!» وأضاف: «أعتقد أنك تظنُّ أنني من قمتُ بهذا الأمر! وإن كان هذا ما تظنُّه، فسحقًا لك، لِمَ لا تقول هذا وننتهي من الأمر؟»

دَسَّ مالاليو، الذي كان واقفًا عند المدفأة يُدفئ ظهره العريض، يدَيه في جيبَيه حتى آخرهما ونظر نظرةً شبه هازئة إلى شريكه من عينَيه المرهقتَين.

قال بهدوءٍ متصنَّع: «أنصحك بأن تحافظ على هدوئك.» واستطرد: «ستُساور الشكوك بشأنك أناسًا غيري إن تصادَف وسمحتَ لنفسك بالخروج عن شُعورك هكذا.»

كرَّر كوذرستون بعصبية: «إذن فأنت تظنُّ ذلك!» وأردَف: «اللعنة، هل تظن أنني لم ألاحظ؟ إنك تنظر إليَّ دائمًا كما لو كنتُ … كما لو …»

قاطعه مالاليو قائلًا: «إذن حافظ على هدوئك.» وأضاف: «يُمكنني أن أنظر إليك أو إلى أي شخصٍ آخر، بأي طريقة تروق لي، أليس كذلك؟ لا داعي لأن تُزعج نفسك — لن أقول شيئًا. إن كنتَ قد قررتَ أن تتولى زمام تسوية الأمور بنفسك — كما حدَث فعلًا — فحسنًا، لن أتفوَّه بكلمةٍ واحدة. هذا إلا إذا … أتفهَم ما أعنيه؟»

صرخ كوذرستون قائلًا: «أفهم ماذا؟»

أجاب مالاليو: «إلا إذا كنتُ مُضطرًّا لذلك.» وتابَع: «لا بد أن أقول بكل وضوحٍ إنه لم يكن لي أي علاقة بتلك المسألة بالذات، أتفهَم؟ فمبدأ أن كل إنسانٍ مسئول عن نفسه، هو مبدأٌ سليم. ولكنني لا أرى أي حاجة لذلك. ولا أعتقد أنه ستكون ثَمَّةَ أي حاجة. ولا تهمني قيمة ذلك القلم الذي يَرتجف هكذا في يدك، مثلما لا يهمني أن يعاني شخصٌ بريء، فإذا كان بريئًا من تلك التُّهمة، فهو مذنبٌ بأخرى. أنت بأمانٍ معي.»

ألقى كوذرستون القلم على الأرض وسحقَه بقدمه. فضحك مالاليو بسخرية ومشى ببطء نحو الباب.

وقال: «أنت أحمقُ يا كوذرستون.» وأردَف: «استمرَّ على هذا المنوال، وستبوح بكل شيءٍ إلى شخص لن يحتفظ بالأسرار بقَدْر ما أستطيع. اهدأ يا رجل، اهدأ!»

صاح كوذرستون قائلًا: «سحقًا لك!» وأضاف: «اهتمَّ بألا أبوح بشيء عنك! أودُّ معرفة أين كنتَ تلك الليلة؟ أو بالأحرى، أعرف أين كنتَ! إنك لستَ بمأمَن أكثر منِّي! وإن قلتُ ما أعرفه فعلًا …»

استدار مالاليو ويدُه على مزلاج الباب، ونظر إلى شريكه نظرةً مباشرة غير مختلَسة لمرةٍ واحدة.

وقال بهدوء: «وإن قلتَ أي شيء تعرفُه، أو تتخيل أنك تعرفه، فسيحلُّ الخراب ببيتك، أيها الأحمق الضعيف! كنتُ أظن أنك ترغب في أن يَبقى كلُّ شيء سرًّا من أجل ابنتك، أليس كذلك؟ أُف! إنك تَفقد عقلك تمامًا!»

غادر مالاليو بعد قوله هذا، بينما انهار كوذرستون، الذي كان يرتجف غضبًا، جالسًا على كرسي ولعن مصيره. وبعد فترةٍ استعاد زمام نفسه وبدأ يفكِّر، وتحوَّلَت أفكاره غريزيًّا إلى ابنته ليتي.

كان مالاليو محقًّا — بالطبع كان محقًّا! فأي شيءٍ يُمكن أن يقوله أو يفعله كوذرستون من شأنه أن يجلب إلى السطح أشياءَ لا بد أن تظل مدفونة، سيُفسِد فرص ليتي. هكذا بدا له الأمر على أي حال. فقد كان تفكير كوذرستون تفكيرًا ماديًّا في الأساس، وكان يصعُب عليه تصديق أن شابًّا طموحًا مثل ويندل بينت سيَرغب في الارتباط بابنة مجرمٍ سابق. سيكون لدى بينت كل الأعذار المُقنعة لقطع كلِّ الصلات التي تربطه بعائلة كوذرستون إن انكشفَت الحقيقة البغيضة. لا! — أيًّا كان ما فعله، لا بد أن يحافظ على سرِّه آمنًا حتى يتزوَّج بينت وليتي في أمان. بعد تحقُّق ذلك، لم يكن كوذرستون يهتمُّ كثيرًا بالمستقبل؛ إذ لن يَستطيع بينت أن يتخلى عن زوجته. لذا حاول كوذرستون أن يُهدِّئ من رُوعِه، حتى يتمكَّن من التخطيط والتدبير، وقبل حلول الليل زار طبيبه، وعندما عاد إلى المنزل في ذلك المساء، كان قد وضع خططه بالفعل.

كان بينت مع ليتي عندما وصَل كوذرستون إلى المنزل، وفي الحال أدخلَهما غرفةً صغيرةً كان يقتصر دخولها عليه هو فقط كقاعدةٍ عامة. جلَس على كرسيه المريح، وأشار إليهما بالجلوس بالقرب منه.

وقال: «أنا سعيد أنني وجدتُكما معًا.» وأردف: «ثَمَّةَ ما أودُّ قوله. لا يُوجد ما يدعو إلى الخوف يا ليتي، ولكن ما أُريد قوله هو أمرٌ جاد. وسأقوله مباشرةً، وبينت سيتفهَّم. حسنًا، لقد رتَّبتُما للزواج في الربيع المقبل؛ أي بعد ستة أشهر. أريدكما أن تُغيِّرا رأيكما، وأن تتزوَّجا في أقرب وقتٍ ممكن.»

نظر بتوقٍ وأسًى شديد إلى ليتي، متوقِّعًا أن يراها تجفل من الصدمة. ولكن مع ولعه بابنته، كان كوذرستون قد فشل حتى ذلك الحين في فهم التطورات الأخيرة التي حلَّت بشخصيتها. لم تكن ليتي كوذرستون من الشابَّات التي تَسمح لأي شيء بأن يفاجئها. كانت رصينة على نحوٍ لافت للنظر، وهادئة، وذات قدرةٍ جيدة على الاعتناء بنفسها من كل النواحي، وواعية تمامًا بالفرص المحتملة التي يحملها زواجها من رجل الصناعة الشاب الواعد. وبدلًا من أن تبدي أي دهشة، سألَت والدها بهدوء عما يقصده.

«سأخبركِ»، هكذا أجاب كوذرستون وهو في قمة الارتياح عندما وجد أن كلَيهما يميل إلى مناقشة الأمور بهدوء. وأردَف: «الأمر وما فيه أنني لم أكن بخير مؤخَّرًا. الحقيقة يا بينت أنني كافحتُ كثيرًا في شبابي. يُمكن للرجل أن يعمل بكد، كما تعلم، وتظهر عليه الآثار السلبية لهذا في النهاية. هكذا يقول الطبيب، على أي حال.»

صاحت ليتي قائلة: «الطبيب!» وأردفَت تسأل: «هل زرته؟»

أجاب كوذرستون: «زرتُه بعد ظهر اليوم.» وتابع: «لا تخافي. ولكن ذلك هو ما قاله؛ لا يُوجد أي مكروه، كل شيء بخير؛ ولكن آنَ الأوان لأرتاح. أحتاج إلى الراحة والتغيير، التغيير التام. وقد اتخذتُ قراري؛ سأتقاعَد من العمل. ولِمَ لا؟ أنا رجلٌ ثري، وأفضَل حالًا مما يظن معظم الناس. سأخبر مالاليو غدًا. أجل، أنا عازم على هذا. وبعد أن أفعل ذلك، سأسافر لعام أو عامَين؛ فدائمًا ما كنتُ أرغب في أن أجوب العالم. سأذهب؛ هذا كبداية على أي حال. وكلما كان ذلك أسرع كان أفضل، كما يقول الطبيب. و…»، وهنا نظر بتمعُّن إلى مُستمعيه، وتابَع: «أودُّ أن أراكِ مستقرة قبل أن أسافر. ما الأمر؟»

ظهرت شخصية ليتي الهادئة والحصيفة في الكلمات الأولى التي نطقَت بها. كانت قد أنصتَت بعناية إلى كوذرستون؛ والآن التفتَت إلى بينت.

قالت، بهدوءٍ شديد كما لو كانت تطرح سؤالًا عاديًّا جدًّا: «ويندل، ألن يُفسِد هذا كل ترتيباتك للعام المقبل؟ كما ترى يا أبي!» تابعَت، ملتفتةً إلى كوذرستون، «لقد رتَّب ويندل كل شيء. كان سيقضي الربيع والصيف بأكمله في إجازة عن العمل؛ كنا سنُسافر إلى أوروبا لمدة ستة أشهر. وذلك من شأنه أن يتطلَّب إجراء تغييرٍ تام، و…»

قاطعها بينت قائلًا: «يمكننا تغيير ترتيباتنا.» كان يُراقب كوذرستون عن كثَب، وإذ ظن أنه رأى نظرةً متوترة ومتلهفة ترتسم على وجهه، قرَّر أنه كان يُخفي شيئًا، وأنه لم يُخبرهم بالحقيقة الكاملة عن صحته.

«المسألة كلها تتعلَّق بالترتيبات. يُمكنني ترتيب أن آخذ إجازتي خلال فصل الشتاء يا ليتي.»

اعترضَت ليتي قائلة: «ولكنَّني لا أريد السفر في الشتاء.» وتابعَت: «كما أنني أجريتُ كل ترتيباتي بخصوص فساتيني والأشياء الأخرى.»

قال بينت: «يُمكن ترتيب ذلك أيضًا.» وأضاف: «يمكن للخياطة أن تعمل ساعاتٍ إضافية.»

أجابت ليتي: «ذلك يعني أن كل شيءٍ سيتم على عجلٍ وسيَفسَد.» وأردفَت: «علاوةً على ذلك، لقد رتَّبتُ كل شيء مع وصيفات الشرف. لا يُمكن أن أتوقَّع منهم …»

قال بينت وهو يضع يده على ذراع ليتي: «يُمكننا الاستغناء عن وصيفات الشرف.» واستطرد: «إذا كان والدك يشعر حقًّا أنه لا بدَّ أن يحصل على الراحة والتغيير اللذَين تحدَّث عنهما، ويريدنا أن نتزوَّج أولًا، فلِمَ إذن …»

قالت ليتي: «لكن لا يُوجد ما يمنعكَ من الحصول على قسط من الراحة والتغيير الآن يا أبي.» وتابعَت: «ولِمَ لا؟ لا أحب تغيير ترتيباتي؛ فقد خطَّطَت لكل شيء بعنايةٍ شديدة. عندما استقررنا على الربيع المقبل يا ويندل، كان لديَّ بالكاد ما يكفي من الوقت للتحضير!»

رد بينت: «أُف!» واستطرد: «يمكننا الزواج بعد غدٍ إذا أردنا! وصيفات شرف، وفساتين؛ ما نفع كل هذه السخافات؟»

أجابت ليتي: «إنها ليست سخافات.» وأردفَت: «إن كنتُ سأتزوَّج، فأريد أن أتزوج بالطريقة اللائقة.»

نهضَت غاضبة وهي تُميل رأسها إلى الخلف قليلًا بعصبية، وغادرَت الغرفة؛ وتبادل الرجلان النظرات.

قال كوذرستون أخيرًا: «تحدَّث إليها يا بُنَيَّ.» وأضاف: «بلا شك، تُفكِّر الفتيات كثيرًا في … في كل التفاصيل المصاحبة، أليس كذلك؟»

أجاب بينت: «أجل، أجل، سيكون كل شيءٍ على ما يُرام.» نقَر على ذراع كوذرستون ورمقَه بنظرةٍ فاحصة. وسأله: «إنك لا تُخفي أي شيء بشأن صحتك، أليس كذلك؟»

نظر كوذرستون إلى الباب وأخفض صوتَه حتى صار همسًا.

وأجاب: «إنه قلبي!» وتابع: «إنه مرهَق … مرهَق أكثر من اللازم، كما يقول الطبيب. الراحة والتغيير أمران ضروريان! ولكن لا تَنطِق بكلمةٍ واحدة عن هذا إلى ليتي يا بينت. تحدَّثْ معها، ورتِّب الأمر. سيُشعِرني هذا بالأمان أكثر، أتفهمني؟»

كان بينت شديد الطيبة، وعلى الرغم من أنه كان يَفهم تمامًا، فقد كان أمرًا طبيعيًّا أن يشعر الأب بمثل هذا القلق على ابنته الوحيدة. لذا، وعده أن يتحدَّث بجدية مع ليتي في الحال عن إتمام الزواج مبكرًا. وفي تلك الليلة، أخبر بريريتون بما حدث، وسأله عما إذا كان يعرف كيفية الحصول على تراخيصَ خاصة، وأبلغه بريريتون بكل ما يعرفه عن تلك النقطة، ولكنه التزم الصمت حيال أمرٍ كان يزداد لديه أهميةً وجدية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤