الفصل الرابع والعشرون

خطوط عمل صارمة

دخل كريستوفر بِيت على أطراف أصابعه إلى غرفة المعيشة، بعدما حذرَته عمَّته برفع سبَّابتها إلى فمها، وبعد أن وضع حقيبة سفرِه الصغيرةَ على الطاولة شرع في خلع معطفه السميك، ووشاح تدفئة، وزوجَي قفَّازات صوفيَّين، وقبعةً حريرية. وأغلقت الآنسة بِيت البابَين الخارجيَّ والداخلي، ثم اقتربت منه ونظرت إليه بتساؤل.

سألته: «من أيِّ طريق جئت؟»

أجاب كريستوفر: «هاي جيل.» واستطرد: «ركبت قطارَ ما بعد الظهيرة السريع الذي توقف هناك. كان البرد قارسًا وأنا أعبر تلك الأراضيَ السَّبخة، أقول لكِ: قارسٌ حقًّا! أحتاج إلى جرعة شراب. اسمعي، هل يوجد أي شيء يحدث في الجوار؟ أي شيء يجري؟»

سألتْه الآنسة بِيت، وهي تُخرج الويسكي وحبات الليمون: «لماذا؟» واستطردَت: «وما الذي تقصده؟»

سحب كريستوفر كرسيًّا وثيرًا إلى جوار المدفأة ومدَّ يدَيه إلى اللهب.

أجاب: «هناك، في الأرض السبخة.» وتابع: «يوجد رجال يَمضون هنا وهناك بأضواء … مصابيح، على ما أظن. لم أشاهدها عن قرب … كان العديد منها يقطع المنطقةَ هناك، مثل اليراعات، كما لو كان الشبَّان الذين يحملونها يبحثون عن شيءٍ ما.»

وضعَت الآنسة بِيت الدورقَ ومكونات تحضير شراب التودي على الطاولة التي بجانب ابن أخيها، وأخذَت طبقًا مغطًّى من الصِّوان الذي في الركن.

قالت: «هذه شطائر لحم مُعَلَّب.» وأضافت: «ستجدُها شهيةً جدًّا؛ لم أُعِدَّ الكثير، لأنني كنت أعرف أنك ستتناول عَشاءك في القطار. أجل، في الواقع، ثَمة شيء يجري؛ إنهم يُجرون عملية بحث. ولكن، ليس عن شيء ما، وإنما عن شخصٍ ما. مالاليو!»

بينما كان فمُ كريستوفر ممتلئًا بالشطائر، ويده موضوعة على الدورق، رفع وجهًا مفعمًا باهتمام مستجِدٍّ وانتباه.

هتَف بذهول، قائلًا: «العمدة!»

صَدَّقَت الآنسة بِيت على قوله، قائلةً: «بالضبط.» وأردفت: «أنطوني مالاليو، المبجَّل، عمدة هاي ماركت. يريدون الإمساك به، أعني الشرطة؛ أمر سيِّئ!»

كان كريستوفر لا يزال مذهولًا. كان الدورق مائلًا بالفعل في يده، ولكنه لم يُمِله أكثر؛ وظل خدُّه منتفخًا بالشطيرة.

قال: «يا إلهيَ الرحيم!» وأضاف: «ليس من أجل …» وتوقَّف عن الكلام، وهو يُشير برأسه نحو مقدمة الكوخ حيث كان الحطب موضوعًا، «… ليس من أجل … ذلك؟ أيرتابون … في … أنه مَن فعلها؟»

أجابت الآنسة بِيت: «لا، وإنما لقتل كاتبه، الذي اكتشف شيئًا.» واستطردَت: «قُتِل الكاتب يوم الأحد، وقبَضوا على مالاليو وشريكِه اليوم، وحاكَموهما، وأفلت مالاليو من الشرطة بطريقةٍ ما، بعد تأجيل القضية، وهرب. و… هو هنا!»

كان كريستوفر قد بدأ في صب الويسكي في كأسه. ومن شدة ذهوله اصطدم الدورق بحافة الكأس محدثًا صوتَ صلصلة.

هتف بذهول: «ماذا!» وأردف: «هنا؟ في هذا الكوخ؟»

أجابت الآنسة بِيت: «بالداخل هناك.» وتابعت: «في غرفة كايتلي. سليمًا ومُعافًى. لا يوجد خطر. لن يستيقظ. مزجتُ له كأسًا من التودي قبل أن يأويَ إلى سريره، ولن توقظه الزلازلُ ولا صفارات إنذار الحريق قبل الساعة التاسعة من صباح الغد.»

قال كريستوفر: «يا للعجب!» وأضاف: «ممم! هذه لعبة خَطِرة؛ إنه إيواءٌ لمتهَم هارب، كما تعرفين. على أي حال، سيَشتبهون في أنه سيأتي إلى هنا. ما الذي جعله يأتي إلى هنا؟»

أجابت الآنسة بِيت: «أنا أتيتُ به إلى هنا.» وتابعَت: «لمحتُه في الغابة بالخارج هناك، بينما كنتُ عائدةً من مبنى البلدية؛ لذا أتيتُ به إلى هنا. سأجني الكثير من ذلك، يا كريس.»

كان السيد بِيت يرفع كأسه إلى شفتَيه، فأوقفه في منتصف الطريق إليها، وغمَز من فوق حافته إلى عمته، وابتسم بفِطنة.

علَّق بإعجاب، قائلًا: «يجب أن أُقر بأنكِ بارعةٌ في أمور العمل، أيتها السيدة العجوز!» واستطرد: «بالطبع، بالطبع، إن كنتِ ستَخرُجين بصفقة جيدة من هذا …»

قالت الآنسة بِيت، وهي تجلس أمام الطاولة وتنظر إلى حقيبة ابن أخيها: «سيَحينُ وقتُ ذلك غدًا.» وأضافت: «سنَعتني بشأننا الليلة. حسنًا، كيف كان ما أنجزتَه من عمل؟»

أخذ كريستوفر يمضغ طعامه ويشرب دقيقةً أو دقيقتَين. ثم أومأ برأسه، بطريقةٍ توحي بقدرٍ كبير من الرضا.

أجاب: «جيدًا جدًّا.» وأضاف: «حصلت على ما أعتبره سعرًا جيدًا جدًّا. بعتُ قطعة الأرض كلها لمالك عقارات في بريكستون، وقبضت الثمن، وأحضرت لكِ النقود. كلها؛ لم أقتطع حتى أتعابي، مصاريفي، وعمولتي منها … بعد.»

سألته الآنسة بِيت: «بكم بِعتَها؟»

سحب كريستوفر حقيبته إلى جانبه وأخرج منها حزمةَ وثائق ملفوفة بشريط أحمر.

قال، وهو يهزُّ رأسه بعتاب لعمَّته: «يجب أن تعتبري نفسَكِ محظوظة جدًّا.» واستطرد: «إنني أعرف الكثير عن حالة سوق العقارات، ويمكنني أن أؤكدَ لكِ أنني أبليتُ بلاءً حسنًا بدرجة غير عادية من أجلِكِ. ما كنت سأحصل على ما حصلت عليه لو أنها كانت قد بِيعت بالمزاد. ولكن الرجل الذي بعتُها له كان حريصًا بعض الشيء على امتلاكها؛ لأنه يَمتلك عقارًا مُلاصقًا لها، ودفع أكثرَ بكثير مما كان سيدفع في ظروف أخرى. حصلت على …» وتابع، وهو يُراجع الورقة الموضوعة فوق بقية أوراقه: «حصلتُ، تقريبًا، على ثلاثة آلافٍ وأربَعِمائة … بالضبط، ثلاثة آلاف وأربعمائة وسبعةَ عشر جنيهًا، وخمسة شلنات، وأحدَ عشَر بنسًا.»

سألته الآنسة بِيت: «أين النقود؟»

أجاب كريستوفر: «معي هنا»، وهو يُربت على صدره. وأضاف: «في محفظتي. أوراق نقدية، كبيرة وصغيرة، حتى يُمكننا تسوية الحساب.»

مدَّت الآنسة بِيت يدها.

وقالت: «أعطني إياها!»

نظر كريستوفر إلى عمَّته شزَرًا.

قال، مقترحًا: «أليس من الأفضل أن نحسب مصاريفي وعمولتي أولًا؟» وتابع: «ها هو بيانٌ بالمصاريف؛ وبالطبع، سنتَّفق أنا وأنتِ على العمولة.»

قالت الآنسة بِيت: «سنتفق على كل شيء بعدما تُعطيني النقود.» وأضافت: «لم أعدَّها بعد.»

كان ثَمة بعضُ الإحجام في طريقة كريستوفر بِيت وهو يُخرِج ببطء محفظةً متينة ويأخذ منها رزمةً سميكة من الأوراق النقدية. أعطاها لعمَّته، وعليها كومةٌ صغيرة من العملات المعدنية الفضية والنحاسية.

قال بقليلٍ من الشك: «حسنًا، أنا أثق بكِ، كما تعرفين.» واستطرد: «لا تنسَي أنني أبليتُ بلاءً حسنًا من أجلِكِ.»

لم تُجِب الآنسة بِيت. كانت قد أخرجت عوينات من جيبها، وبعدما وضعتها على أنفها الحادِّ شرعَت في عدِّ الأوراق النقدية، بينما كان ابنُ أخيها يتناوب ارتشاف مشروب التودي وتمسيدَ ذقنه، وفي الوقت نفسه يُراقب ما تفعله قريبته بنظراتٍ توحي نوعًا ما بالندم.

قالت الآنسة بِيت بهدوء: «ثلاثة آلاف، وأربعمائة وسبعة عشر جنيهًا، وخمسة شلنات، وأحد عشر بنسًا.» وتابعت: «ومصاريفك، وأتعابك … كم تبلغ، يا كريس؟»

أجاب كريستوفر، وهو يُمرر إحدى أوراقه عبر الطاولة بسرعة ولهفة: «واحد وستون جنيهًا، وشلنان، وتسعة بنسات.» وأردف: «ستجدين هذا معقولًا جدًّا؛ فعلتُ ذلك بأقلِّ تكلفة ممكنة من أجلكِ.»

وضعت الآنسة بِيت مرفقها على كومة أوراقها النقدية بينما كانت تُدقِّق في البيان. وبعد أن انتهت من ذلك، نظرت من فوق عويناتها إلى كريستوفر المترقِّب.

قالت: «حسنًا، بخصوص العمولة.» وتابعت: «بالطبع، أنت تعرف، يا كريس، أنك يجب ألا تتقاضى مني ما كنتَ ستتقاضاه من الآخرين. يجب أن يكون ما تتقاضاه مني معقولًا. ما المبلغ الذي كان يدور بخلَدك؟»

علَّق كريستوفر بتفكير: «لقد حصلت على أعلى سعر.» واستطرَد: «حصلتُ لكِ على ما يربو على أربعمائة جنيه أكثرَ من سعر السوق. ما … ما رأيكِ في خمسةٍ بالمائة؟»

قذفَت الآنسة بِيت العمامة الملونة باستغراب.

قالت باقتضاب: «خمسةٌ بالمائة!» وتابعت: «كريستوفر بِيت! ما هذا الذي تقوله؟ عجبًا، هذا سيُساوي مائة وسبعين جنيهًا! يا إلهي! لا … لا شيء من هذا القبيل؛ هذه ستكون سرقة. أنا مندهشةٌ منك.»

قال كريستوفر، مزمجرًا: «حسنًا، كم، إذن؟» وأردف: «بحق الجحيم! لا تكوني بخيلةً مع ابن أخيكِ.»

قالت الآنسة بِيت، بحزم: «سأُعطيك مائة جنيه، شاملةً المصاريف.» وأضافت: «لن أُعطيك بنسًا أكثر، ولكن»، وأضافت، وهي تميل إلى الأمام وتُشير برأسها نحو ذلك الشطر من الكوخ الذي كان مالاليو نائمًا فيه في سُبات عميق، «سأعطيك شيئًا تغنمُه، فرصة أن تستغلَّه لتحصل على ثروة … منه!»

تهلَّل قليلًا وجهُ كريستوفر، الذي كان مُكفهرًّا، عندما سمع هذا، وألقى هو الآخرُ نظرةً سريعةً على الباب.

سألها بتشكُّك: «هل سيَستحقُّ الأمرُ العناء؟» وتابع: «ما الذي يُمكن استخراجه من منه إن كان هاربًا من العدالة؟ سيكون خاليَ الوفاض، ولا حتى يستطيع أن يتحصَّل على أي شيء مما يملك.»

أطلقت الآنسة بِيت ضحكة مكتومة غريبة؛ دائمًا ما كان صوتُ ضحكتها يجعل ابن أخيها يفكر في صوت طقطقة آلة يُعوِزُها التزييت بشدة.

همسَت: «إنَّ معه كومةً من المال!» واستطردت: «بعدما غلبه النعاس سريعًا الليلة فتَّشتُ جيوبه. لا يتعيَّن علينا سوى أن نُضيِّق عليه الخناق بشدة لنحصل منه على ما نشاء! لذا … ضع المائة جنيه خاصتَك في جيبك، وسنتباحث في المسألة الأخرى غدًا.»

قال كريستوفر: «أوه، لا بأس، بالطبع، في تلك الحالة!» والتقط الورقة النقدية التي دفعتها عمتُه نحوه ودسَّها في محفظته. وعَقَّب، قائلًا: «يجب علينا أن نستغلَّ مخاوفه قليلًا، كما تعرفين.»

أجابت الآنسة بِيت بفتور: «أظن أننا — أنا وأنت — نِدٌّ لذلك.» وتابعَت: «هؤلاء الرجال الضخام المترهلون يسهل إخافتهم.»

كان مالاليو مرتعبًا بالتأكيد عندما استيقظ فجأةً في الصباح التالي ليجدَ الآنسة بِيت واقفةً بجوار سريره. حدَّق فيها بسخط للحظة سيطرَ عليه فيها الجزعُ وأجفل معتدلًا على وسائده. وضعت الآنسة بِيت إحدى يدَيها التي تُشبه المخالب على كتفه.

قالت: «لا تجزع، يا سيد.» وأضافت: «كل شيء آمن، وها هو شيء سيُفيدك، كوبٌ من القهوة الساخنة الجيدة، بنٌّ يمَني حقيقي، كان الراحل كايتلي مولعًا به، مع جرعة من شراب الرَّم. اشربْه، وستتناولُ إفطارك بعد نصف الساعة. الوقت تجاوز الساعة التاسعة.»

قال مالاليو، وهو يتبع أوامر سجانته: «لا بد أنني نِمتُ نومًا عميقًا.» وتابع: «أتقولين إن كل شيء آمن؟ ألم تسمَعي أو ترَي شيئًا؟»

أجابت الآنسة بِيت: «كل شيء آمن، كل شيء هادئ.» وأردفت: «والحظ حليفك؛ لأنَّ ابن أخي وصل من لندن؛ ليُعاونني في تسوية أموري ونقلِ أغراضي ومنقولاتي من هذا المكان، وهو مُحامٍ وسيُسديك نصائحَ جيدة.»

زمجرَ مالاليو بسخط قليلًا. كان قد رأى السيد كريستوفر وكان يَميل إلى التشكُّك فيه.

تمتم: «هل هو جديرٌ بالثقة؟» وأضاف: «أتوقع أنه سيتعيَّن أن يكون مستقيمًا، أيضًا!»

أجابت الآنسة بِيت: «ليس على نحو غير معقول.» وتابعت: «لسنا أُناسًا غيرَ عقلانيين، أعني عائلتنا. إنه شاب متَّزن جدًّا، أعني كريستوفر. كان الراحل كايتلي يُحسن الظن جدًّا بقدراته.»

لم يشكَّ مالاليو في قدرات كريستوفر بِيت في ناحيةٍ معينة بعدما تبادلَ بضعة أسئلة وإجابات مع ذلك السيد الشاب. إذ كان كريستوفر فطنًا، وأريبًا، وعمَليًّا، وحصيفًا.

بينما كان هو والسجين يجلسان متقاربَين في غرفة النوم والمعيشة التي لم تزَل درفتا نافذتها مغلقتَين وستائرها مُسْدَلة، قال: «ذلك التصرف الذي أقدمتَ عليه، يا سيد مالاليو بالغُ الخطورة، وسامحني على صراحتي في الظروف الراهنة، يا سيدي، عندما أقول إنه شديدُ الحمق.» وأردف: «مجرَّد حقيقة أنك هرَبت، سيعتبرها البعضُ إثباتًا للجُرم؛ إنها كذلك بالفعل! وبالطبع عمَّتي، وأنا على نطاقي الصغير، نتعرَّض لمخاطر كبيرة، يا سيد مالاليو، حقًّا، مخاطر كبيرة!»

قال مالاليو: «اسمعني جيدًا، لن تخسَر وأنت بجانبي.» وتابع: «أنا لستُ شخصًا ضعيفًا أو لا وزن له.»

أجاب كريستوفر: «كل ذلك ممتاز، ولكن لو كنتَ مليونيرًا وعوَّضتَنا بما يمكن أن أُسمِّيَه تعويضَ الأمراء — لا يعني هذا أننا نتوقع ذلك، يا سيد مالاليو — فإن مِن شأن المخاطر أن تكون استثنائية … إحِم! أعني ستكون استثنائية. لأنه كما ترى، يا سيد مالاليو، يوجد أمران أو ثلاثةُ أمور مؤكَّدة. بادئ بَدْءٍ، يا سيدي، من المستحيل تمامًا عليك أن تهرب من هنا بنفسك؛ لا يمكن فعلُ ذلك!»

زمجر مالاليو: «ولِمَ لا؟» وأضاف: «يمكنني أن أهرب في جُنح الظلام.»

قال كريستوفر، مؤكدًا بقوة: «لا، يا سيدي.» واستطرد: «لقد رأيتُ الوضع في الأراضي السَّبخة الليلة الماضية. توجد دورياتٌ تجوب المنطقة بلا توقُّف، يا سيد مالاليو، بلا توقف! ويُجريها رجالٌ يحملون مصابيح. تلك الدوريات، يا سيدي، سوف تستمرُّ لياليَ كثيرة. ضع في اعتبارك، يا سيد مالاليو، أنك إن خطوت خطوةً واحدةً خارج هذا المنزل، ستصبح بداخل سجن نوركاستر بعد مضيِّ ساعتين!»

سأله مالاليو: «ما الذي تَنصح به، إذن؟» وأضاف: «اسمع! أنا واقعٌ في محنة كبيرة؛ لذا سأخبرك بما كنتُ أنوي فعله. إن استطعتُ أن أصل إلى مكان معيَّن في نوركاستر، سأكون في أمان. يمكنني أن أهرب إلى أوروبا من هناك.»

أجاب كريستوفر: «إذن، يا سيدي، يتعين وضعُ خُطة يمكن بها إيصالُك إلى نوركاستر دون إثارة الريبة. سيتعيَّن أن أتولى أنا وعمتي تدبيرَ ذلك فيما بيننا؛ من الآن سنواجه المخاطر من أجلك.»

عَقَّب مالاليو قائلًا: «عمتك قالت إن لديها خُطة.»

قال كريستوفر: «ليسَت مكتملةً تمامًا، يا سيدي.» وتابع: «تستلزم القليلَ من التدبُّر والتشذيب، إن جاز التعبير. والآن ما أنصح به، يا سيد مالاليو، هو الآتي: ابقَ مرتاحًا مُنَعَّمًا هنا، في حراسة عمتي؛ إنها تؤكد لي أنه، حتى لو أتى رجال الشرطة … لا تجزع، يا سيدي! … حتى لو أتى رجال الشرطة إلى هنا، يمكنها أن تُخبئك بأمانٍ تام قبل أن تفتح لهم الباب. ومن ناحيتي، سأذهب، بطريقة عَفْوية، إلى البلدة، وبهدوء سأسمع وأرى ما يدورُ حولي. وسأتمكن من تبيُّن الوضع، يا سيدي، وعندما أعود سأُبلغك بكل شيء، وسنتشاور ثلاثتنا فيما يتعيَّن فعلُه.»

بعدما ترك كريستوفر الأسيرَ في عُهدة الآنسة بِيت، وفرشَ قبعته الحريرية ومعطفه وارتدى زوجَين من القفازات الجلدية السوداء، تجوَّل بوقار في هاي ماركت. كان قلةٌ من الناس يعرفونه هناك، وحرَص على أن يُخبر من الْتقى بهم من معارفه بأنه قد جاء ليتولَّى تنظيم شئون عمته، وليُساعد في نقل الأغراض المنزلية التي كان الراحل كايتلي قد وَرَّثَها لها في وصيته. ولإثبات هذا، ذهب إلى محلِّ نقل الأثاث، ليحصل على تقديرٍ لتكلفة نقل الأثاث إلى مرفأ نوركاستر، وقال كريستوفر إنه من هناك يُمكن نقل الأثاث بحرًا إلى لندن، حيث تعتزمُ الآنسة بِيت أن تُقيم مستقبلًا. استقى كريستوفر قدرًا كبيرًا من المعلومات من محلِّ نقل الأثاث، ومن المتاجر الأخرى التي زارها، ومن حانة «هاي ماركت آرمز» التي مكَث فيها ساعةً أو نحوَ ذلك، يُثرثر مع مرتادي الحانة، ويحتسي كأسًا أو اثنتَين من مشروب الشيري الجاف. وعند الظهيرة عاد إلى الكوخ، بعدما عرَف أن الشرطة وجميعَ الناس في هاي ماركت يعتقدون يقينًا أن مالاليو قد لاذ بالفرار دون أثر في الليلة السابقة، وأن مطاردته قد صارت بالفعل بلا طائل. كانت نظرية الشرطة أنه كان ثمَّة تواطؤًا، وأنه فور هروبه، نقله شخصٌ لم تُعْرَف هُويَّتُه بعد.

ولكن كريستوفر بِيت روى قصةً مختلفةً تمامًا لمالاليو. إذ قال له إن دوريات بحثٍ تجوب منطقة الأرض السَّبخة ليلًا ونهارًا، وإنه يُعتقَد أن الهارب يختبئُ في أحد المحاجر القديمة. وأخبره أن كل طُرُق نوركاستر ومداخلها ومداخل جميع البلدات والمحطات المجاورة تخضعُ للمراقبة والحراسة. ومن ثَمَّ لا يوجد أملٌ لمالاليو سوى لطفِ وطيبة قلب الآنسة بِيت وابن أخيها، وأدرك مالاليو أن وجوده معهما كان أمرًا لا مفرَّ منه، واضطُرَّ إلى الخضوع لرحمتهما وحنوهما.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤