الفصل التاسع

سجلٌّ جنائي

خلال الفترة المنقضية بين أحداث الصباح الباكر هذه، وعرض هاربورو أمام قُضاة البلدة في محكمةٍ مكتظَّة، عقد بريريتون عزمه بشأن ما سيفعله. عزَم على أن يتصرَّف بناءً على اقتراح أفيس هاربورو، وأثناء مراقبة مسار الأمور نيابةً عن المشتبه به، سيكتشف كل ما يمكنه اكتشافه بشأن القتيل. في تلك اللحظة، على حدِّ علم بريريتون، كان شخصٌ واحد فقط في هاي ماركت يُحتمَل أنه يعرف أي شيء عن كايتلي، وقد كان هذا الشخص، بالطبع، هو مُدبِّرة منزله الغريبة المظهر. وبناءً على ذلك قرَّر، حتى في تلك المرحلة المبكِّرة من الإجراءات القضائية، أن يضع الآنسة بيت على منصَّة الشهود.

لم يَمثُل هاربورو، الذي كان قد اعتُقِل رسميًّا ووجَّهَت إليه الشرطة الاتهام بعد المحادثة التي جرت في مركز الشرطة، أمام المحكمة حتى الساعة الحادية عشرة، وبحلول ذلك الوقت كانت المدينة كلها والحي بأكمله في حالٍ من الإثارة. ومما أدهش بريريتون نوعًا ما، أن محامي الادِّعاء، الذي كان قد استُدعي على عجلٍ من نوركاستر وبُلِّغ بتفاصيل القضية في الطريق، انغمس تمامًا في القضية أكثر مما كان معتادًا. لقد توقَّع بريريتون أن تطلُب الشرطة تأجيل الجلسة بعد تقديم الأدلة المعتادة للحقائق الظاهرية، وللقبض على السجين؛ ولكن بدلًا من ذلك، استدعى الادِّعاء عدة شهود، من بينهم مدير البنك، الذي قال إنه عندما صرف لكايتلي حوالته في صباح اليوم السابق، في حضور هاربورو، أعطى كايتلي نصف ماله بعملاتٍ ذهبية. ظهَرتْ أهمية هذا الدليل على الفور؛ إذ تلا شرطيٌّ مدير البنك في الشهادة وشهد أنه بعد تفتيش السجين بعد القبض عليه، وَجَدَ معه أكثر من عشرين جنيهًا ذهبيًّا ونصف جنيهٍ ذهبي، موضوعة في حقيبةٍ جلدية من الشمواه.

أدرك بريريتون على الفَور الانطباع الذي أحدثَه هذا الدليل. فقد رأى أنه أحدث تأثيرًا كبيرًا على نصف دُزَينة الرجال الأقوياء والبطيئي الفهم الذين جلسوا على جانبَي مالاليو على مِنصَّة القضاء؛ وشعَر بجوِّ الشك الذي أحدَثه في المحكمة. ولكنه لم يفعل شيئًا؛ فقد عرف بالفعل ما يكفي من أفيس بعد التشاور معها ومع محامي بينت، ليعلم أنه سيكون من السهل جدًّا أن يُثبت لأيِّ هيئة محلَّفين أنَّ حَمْل هاربورو لعشرين أو ثلاثين جنيهًا ذهبيًّا لم يكن أمرًا غير مُعتادٍ عليه. لم يُوجِّه بريريتون إلى كل هؤلاء الشهود أي سؤال تقريبًا، ولكنه أوضح أنه عندما التقى شرطيان بهاربورو بالقرب من كوخه في فجر ذلك الصباح، وأبلغاه بما حدث، أعرب عن دهشته الشديدة، وسَخِر من فكرة أن يكون له أي صلةٍ بجريمة القتل، ودون التوجُّه إلى منزله، عرض طواعيةً الذهاب مباشرةً إلى مركز الشرطة.

ولكن عندما اعتلَت الآنسة بيت — التي كانت قد تخلَّت عن عمامتها الحمراء والصفراء، وظهَرتْ في ثيابٍ سوداء باهتة أبرزَت اللون العاجي لوَجهها العجوز المميز — مِنصَّة الشهود وأجابت على بضعة أسئلةٍ عادية متعلِّقة بتحرُّكات القتيل في مساء اليوم السابق، استعد بريريتون للجزء الذي كان يَعرف أنه مُهم. ووسَط صمتٍ عميق — إذ أوحى شيءٌ ما للجميع أن صديق السيد بينت اللندني بادي الأناقة كان على وشك البدء في التعمُّق في الأمور — طَرَح سؤاله الأول على السيدة بيت.

«منذ متى وأنتِ تعرفين السيد كايتلي؟»

أجابت الآنسة بيت قائلة: «منذ أن بدأتُ التعامل معه بصفتي مدبِّرة منزله.»

سأل بريريتون: «منذ كم من الوقت؟»

«منذ تسع إلى عشر سنوات؛ قرابة عشر سنوات.»

«هل عملتِ لديه مدبِّرة منزلٍ ما يقرب من عشر سنوات … بصفة مستمرة؟»

«لم أتركه منذ مجيئي إليه أول مرة.»

«أين ذهبتِ إليه أول مرة … أين كان يقطن في ذلك الوقت؟»

«في لندن.»

«أجل، أين في لندن؟»

«في ٨٣ أكاسيا جروف، كيمبيرويل.»

«عشتِ مع السيد كايتلي في ٨٣ أكاسيا جروف، كيمبيرويل، منذ أصبحتِ مدبِّرة منزله حتى الآن؛ أي قرابة عشر سنوات في المجمَل. أيُمكننا إذن أن نعتبر أنكِ كنتِ تَعرفين السيد كايتلي حق المعرفة؟»

أجابت الآنسة بيت بتجهُّم: «بقَدْر ما كان أي شخصٍ آخر يعرفه.» وأردفَت: «فهو لم يَكن من النوعية التي يَسهُل معرفتها.»

تابع بريريتون، مُركِّزًا نظرته على ملامح السيدة بيت الفضولية: «ومع ذلك، فقد عرفتِه لعشرة أعوام. من كان السيد كايتلي؟ وماذا كان عمله؟»

دقَّت الآنسة بيت بأصابعها داخل القفَّاز الأسود على حافةِ منصة الشهود وهزَّت رأسها.

وأجابت: «لا أعرف.» «وأضافت: «لم أعرف أبدًا.»

«ولكن لا بد أن لديكِ فكرةً، فكرةً ما عنه … بعد معرفة استمرَّت عشر سنوات! بربكِ! ما الذي كان يفعله في لندن؟ ألم يكن لديه عمل؟»

أجابت الآنسة بيت: «كان لديه عمل.» وتابعت: «كان يَغيب معظم اليوم ويقضيه فيه. ولكني لا أعرف ماذا كان.»

«ألم يذكُره لكِ مطلقًا؟»

«ولا مرة.»

«ألم تُكوِّني أي فكرة عنه؟ على سبيل المثال، هل كان يجعله يَغيب عن المنزل في ساعات العمل العادية؟»

«لا، لم يكن يفعل. أحيانًا كان يغادر مبكرًا جدًّا، ومُتأخرًا في أحيانٍ أخرى، وفي بعض الأيام لم يكن يغادر مطلقًا. وأحيانًا كان يغادر ليلًا، ويغيب لعدة أيامٍ متتالية. لم أسأله مطلقًا عن أي شيء بالطبع.»

«أيًّا كان عمله، فقد تقاعد منه في النهاية، صحيح؟»

«أجل، قبل مجيئنا إلى هنا مباشرةً.»

«هل تعرفين لماذا جاء السيد كايتلي إلى هنا؟»

أجابت قائلةً: «حسنًا، لقد كان يقول دائمًا إنه يُريد بيتًا صغيرًا لطيفًا في الريف، ويُفَضَّل أن يكون في الشمال. جاء إلى هنا لقضاء عطلة منذ بضعة أشهر، وعندما عاد قال إنه قد وجد المنزل والحي المناسبَين تمامًا؛ لذا، بالطبع، انتقلنا للعيش هنا.»

«ومنذ متى وأنتِ هنا؟»

«ما يزيد قليلًا عن ثلاثة أشهر.»

صمت بريريتون للحظة أو لحظتَين قبل أن يطرح سؤاله التالي، والذي صاحبتْه نظرةٌ فاحصة أخرى إلى الشاهدة.

«هل تعرفين أي شيء عن علاقات السيد كايتلي؟»

أجابت الآنسة بيت: «لا!» وأردفَت: «لسببٍ بسيط. كان يقول دائمًا إنه ليس لديه أي علاقات.»

«ألم يزُرْه من قبلُ أي أحد يدَّعي أنه قريبه؟»

«ليس خلال السنوات العشر التي عرفتُه فيها.»

«هل تظنِّين أنه كان لديه ممتلكاتٌ أو أموال قد يتركها لأي شخص؟»

بدأت الآنسة بيت تعبث بوشاح الفرو الذي كان يتدلى من رقبتها الرفيعة.

أجابت بتردُّد: «حسنًا، أجل، قال إنه كان لديه.»

«هل سَمعتِه من قبلُ يقول ماذا سيَحدث لهذا المال عند وفاته؟»

نظَرتِ الآنسة بيت حولها في أرجاء المحكمة وابتسمَت قليلًا.

وأجابت بقَدْرٍ كبير من التردُّد: «حسنًا، لقد كان … كان يقول دائمًا إنه بما أنه لم يكن لديه أقارب، فسيَتركها لي.»

انحنى بريريتون قليلًا عَبْر الطاولة باتجاه منصة الشهود وأخفض صوته.

وسألها قائلًا: «هل تعرفين أن كان السيد كايتلي قد كتب وصية؟»

أجابت السيدة بيت: «أجل.» وأردفَت: «لقد فعل.»

«متى؟»

«قبل مغادرتنا لندن مباشرةً.»

«هل تعرفين محتويات تلك الوصية؟»

قالت الآنسة بيت: «لا!» وأضافت: «لا أعرف، ولا أهتم!»

«هل شهدتِ عليها؟»

«لا، لم أفعل.»

«هل تعرفين مكانها؟»

«أجل، أعرف.»

«أين هي؟»

أجابت الآنسة بيت: «مع ابن أخي.» وأردفَت: «إنه محامٍ، وهو من كتبها.»

سألها بريريتون: «ما اسم ابن أخيكِ وعنوانه؟»

على الفور، أجابت الآنسة بيت: «السيد كريستوفر بيت، ٢٣ بي شارع كورسيتور.»

«هل أعلمتِه بوفاة السيد كايتلي؟»

«أجل. كان أول ما فعلتُه هذا الصباح أنني أرسلتُ إليه برقية.»

«تطلبين منه إحضار الوصية؟»

صاحت السيدة بيت بسخط، قائلةً: «لا، لم أفعل.» وأضافَت: «لم أذكُر أي شيء عن الوصية. كان السيد كايتلي مُولعًا بابن أخي؛ فقد كان يعتبره شابًّا شديد الذكاء.»

علَّق بريريتون قائلًا: «سنَسعد، بلا شك، برؤية ابن أخيكِ عما قريب.» وتابع: «حسنًا، الآن أريد أن أطرح عليكِ سؤالًا أو سؤالَين عن نفسكِ. ماذا كان عملكِ قبل أن تُصبحي مدبرة منزل السيد كايتلي؟»

أجابت بطريقة فظة: «مدبِّرة منزل سيدٍ آخر!»

«من كان هذا السيد؟»

«حسنًا، إن كنتَ تريد أن تعرف، كان الرائد ستيلمان، ضابطٌ متقاعد … ومع ذلك، ما علاقة ذلك …»

«أين كان يعيش الرائد ستيلمان؟»

أجابت السيدة بيت، التي ظَهرتْ عليها حينئذٍ بوادر غضبٍ مُتصاعد: «كان يعيش في قندهار كوتيدج، ووكينج.» وأردفَت: «ولكن …»

قال بريريتون: «أجيبي على أسئلتي، من فضلكِ، ولا تُدلي بأي تعليقات.» وأضاف: «هل الرائد ستيلمان ما زال على قيد الحياة؟»

أجابت قائلة: «لا، مات منذ عشر سنوات.» وأردفَت: «وإن كنتَ ستطرح عليَّ المزيد من الأسئلة حول هُويَّتي وعملي، أيها الشاب، فسأُوفِّر عليك العَناء. لقد قضيتُ سنواتٍ عديدة مع الرائد ستيلمان، وقبل ذلك كنتُ أمينة مخزن في أحد فنادق لندن، والمسئولة عن الأغطية والبياضات في فندقٍ آخر، وقبل ذلك كنتُ أعيش في المنزل مع والدي، الذي كان مُزارعًا محترمًا في ساسكس. وما علاقة كل هذا بما نحن هنا من أجله؟ أَودُّ أن …»

قاطعها بريريتون سائلًا: «فقط أعطيني اسم الفندقَين اللذَين كنتِ تعملين فيهما في لندن، هل تُمانعين في ذلك؟»

أجابت الآنسة بيت: «أحدهما كان «رويال بيلفيدير» في بايزووتر، والآخر «ميرفين كريسينت» في كينجستون.» واستطردَت: «كلاهما مُحترمان للغاية.»

«وأنتِ في الأصل من أين في ساسكس؟»

«مزرعة أوكبارو، بالقرب من هورشام. هل تُريد معرفة أي …»

قال بريريتون بلباقة: «لن أزعجك أكثر من هذا.» وأضاف: «ولكن هل يُمكنكِ فقط أن تخبريني، هل استقبل السيد كايتلي أي زوَّارٍ منذ قدومه إلى هاي ماركت؟»

أجابت الآنسة بيت: «واحدٌ فقط.» وتابعت: «وكان ابن أخي، الذي جاء في عطلة نهاية الأسبوع لرؤيته في مسألةٍ ما. بالطبع لا أعرف ماذا كانت. كان لدى السيد كايتلي أملاك في لندن؛ منزل و…»

قاطعها بريريتون: «ولا شك في أن ابن أخيكِ، بصفتِه مُحاميه، جاء لرؤيته لهذا الشأن.» وأضاف: «شكرًا لكِ يا آنسة بيت، لا أريد أن أزعجك أكثر من ذلك.»

جلس بينما كانت مدبِّرة المنزل تغادر منصة الشهود، وهو واثق من أنه نجح في إضفاء جوٍّ جديد على القضية. كانت تسري بالفعل همسات في المحكمة المزدحمة؛ وشعر بأن هؤلاء الريفيِّين، الذين يتسرَّعون دائمًا في التشكُّك، بدءوا يسألون أنفسهم ما إذا كان هناك أمرٌ مبهم وشرِّير وراء لغز مقتل كايتلي، وقد كان قاسيًا بما يكفي — من وجهةِ نظرٍ مهنية بحتة — لئلا يهتمَّ مطلقًا إن كانت الشكوك بدأَت تساورهم حول السيدة بيت. وذلك لأن بريريتون كان يعلم أنه لا شيء ناجعٌ بحق في تقويض أحد الأحكام المُسبقة سوى تشكيل حكمٍ آخر، وقد كان هدفه الكبير في ذلك الوقت هو تحويل مسار تحيُّز الناس بعيدًا عن موكله. ومع ذلك، كما كان يعلم جيدًا، لم يكن يُمكن لأي شيء أن يمنع إدانة هاربورو إدانةً نهائية في تلك المرحلة، إلا إذا اختار هاربورو نفسه إثبات «حُجة غيابه» التي كان قد تَباهى بها بتبجُّح. ولكن هاربورو رفض فعل أي شيءٍ حيال ذلك، وعندما أُجِّلَت القضية لمدة أسبوع، ونُقِل السجين إلى زنزانة في انتظار نقله إلى سجن نوركاستر، فشلَت زيارة بريريتون وأفيس مجتمعَين في تغيير رأيه.

قال هاربورو عندما ناشداه أن يتحدث: «لن يجدي هذا نفعًا يا فتاتي؛ لن يجدي نفعًا يا سيدي.» وأردف: «أنا مُصمم! لن أقول أين كنتُ الليلة الماضية.»

حثَّه بريريتون قائلًا: «أخبرني، سرًّا، ثم دعني أستفِد من المعلومة، سرًّا أيضًا.»

أجاب هاربورو: «لا يا سيدي، بحسمٍ، لا.» وتابع: «لا تُوجد ضرورة. قد أظلُّ محتجزًا لبعض الوقت، ولكن الحقيقة حول هذا الأمر ستظهر، أو يتعين أن تظهر، قبل أن أحاكَم. اتركاني وشأني، أنا بخير. كل ما يزعجني الآن يا فتاتي هو … أنتِ!»

قالت أفيس: «إذن لا تنزعج.» وأضافَت: «سأُقيم مع السيدة نورثروب. لقد أصرُّوا على ذلك.»

كان بريريتون يخرج من الزنزانة تاركًا الأب وابنته معًا، عندما عاد فجأة.

وقال: «أنت رجلٌ متعقِّل يا هاربورو.» وأرَدف: «هيا أخبرني، هل لديك أي اقتراحٍ حول كيفية مساعدتك؟»

ابتسم هاربورو ونظر إلى مُحاميه نظرةً تنطوي على دراية.

وأجاب: «أجل يا سيدي!» وتابَع: «سأقدم لك أفضل اقتراحٍ يمكن أن تحصل عليه. إن كنتَ تريد معرفة من قتل كايتلي، ارجع لتاريخه! راجع كل تفصيلةٍ صغيرة في تاريخ حياته!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤