لا مساعدة من أحد!

قضى الشياطين اﻟ «١٣» الأيام الثلاثة الباقية في تدريبات عنيفة … وكانت حمامات السباحة الكبيرة في المقر السري تتحول إلى جبال من الأمواج، بواسطة محركات خاصة، حتى يتمرن الشياطين على مواجهة ثَوْراتِ البحر … كما كانت درجة الحرارة منخفضة في هذه الحمَّامات، إلى درجة التجمُّد.

وفي صباح اليوم الرابع كان الاجتماع لمناقشة الخطة، وكان الشياطين قد وصلوا إلى درجة رائعة من الاستعداد … وعندما تحدَّث إليهم رقم «صفر» عن الخُطَّة، بدأ حديثَه بالثناء على درجة الاستعداد التي وصلوا إليها … ثم قال: إن الخُطة ستقوم على إرسال سفينةٍ محملةٍ بموادَّ مشعةٍ خلال المنطقة التي تعمل فيها سفينة «القرصان»؟

هز الشياطين رءوسهم، فسوف تقع هذه السفينة في يد القرصان طبعًا … وسرعان ما كان رقم «صفر» يؤكد هذه الحقيقة قائلًا: وبالطبع فسوف تقع السفينة في يد «القرصان».

ومضى رقم «صفر» يقول: سيكون هناك عدد من الشياطين على السفينة في ثياب البحارة، والعدد المطلوب خمسة … وفي سفينة أخرى تسير في خط موازٍ للسفينة الأولى، سيكون هناك خمسة شياطين آخرين … وعندما تظهر سفينة «القرصان» فعلى شياطين السفينة الأولى الاتصال بشياطين السفينة الثانية، وإخطارهم بكل ما يحدث على ظهر السفينة الأولى … وربما تفضل المجموعة الثانية أن تكون في ميناء قريب.

وصمَتَ رقم «صفر» لحظات، ثم قال: ستكون معكم أجهزة متطورة للاتصال اللاسلكي، لتحديد موقع سفينة «القرصان» واتجاهها.

المطلوب من واحد أو أكثر من الشياطين التسلل إلى سفينة «القرصان»، وهذا هو الجزء الخطر من العملية، والمطلوب أن تدرسوا هذا الجزء باهتمامٍ ودقةٍ … هل يتم التسلل ساعة الالتحام، أم يتم بالتسلق إلى سفينة «القرصان» من المياه، أم في قاربٍ صغيرٍ يتبع السفينة فترة من الوقت؟

ومضت لحظات، ثم قال رقم صفر: إن رجالنا في قسم العمليات الخاصة يدرسون الآن إمكانيات هذه العملية … وعلى المجموعة المسافرة أن تعقد اجتماعًا معهم، فهناك عشرات التفاصيل التي لا بد من درسها قبل العملية.

وتنهَّد رقم «صفر» وقال: والآن … الأسئلة.

انطلق سؤال على الفور من فم «زبيدة»، فقالت: ما هو المطلوب بالضبط؟

رد رقم «صفر»: المطلوب هو القضاء على عصابة قرصان البحر، أو على الأقل كشف ومعرفة المكان الذي تأوي إليه سفينته، حتى يمكن اتخاذ إجراء أولي ضدها.

عثمان: هل ننتظر مساعدة من جهات أخرى؟

رقم «صفر»: لا …

أحمد: في حالة عدم ظهور سفينة «القرصان» … ماذا نفعل؟

مضت لحظات قبل أن يرد رقم «صفر»، ثم قال: لقد سرَّبنا أخبارًا يَسيل لها لُعاب «عصابة القرصان» … قلنا إن الشحنة ضخمة وتساوي ملايين الجنيهات، وحددنا نوع السفينة، وجهة إبحارها، بحيث تغري القراصنة بالهجوم.

خالد: هل باعت عصابة القرصان كمية المواد المشعة التي حصلت عليها في الأسبوع الماضي؟

رقم «صفر»: حتى الآن لم تعرض صفقة من هذا النوع في العالم … ولكن يجب أن تتوقع ألا تكون هذه الصفقات علنية، إن أغلبها يتم في الخفاء … فهي أولًا موادُّ ذريَّةٌ ممنوع تداولُها إلا بين الدول … وثانيًا موادُّ مسروقة.

خالد: هذا يعني أن من الممكن العثور على هذه الكمية في حوزة العصابة؟

رقم «صفر»: نعم … وستكون ضربة حظٍّ موفقة إذا عثرتم عليها، ولهذا فقد أعددنا لكم — كما قلت سابقًا — ساعات من نوع معين للكشف عن أي موادَّ مشعة.

ولم ترد أسئلة أخرى. فقال رقم «صفر»: الليلة تعقدون اجتماعًا مع رجال العمليات الخاصة، وغدًا السفر … وستكون عندكم جميع تفاصيل الحركة في مظروفات مغلقة، تُحرق بعد قراءتها.

وغادر رقم «صفر» قاعة الاجتماعات … ووقف الشياطين يتحدثون معًا، ثم غادروا القاعة أيضًا.

•••

في صباح اليوم التالي كان الشياطين على استعداد للسفر … عقدوا الاجتماع الهام مع رجال العمليات الخاصة وتسلموا الأسلحة المجهزة خصوصًا للصراع القادم، والأجهزة اللاسلكية، والعدادات الصغيرة المركبة في ساعات عادية بريئة المظهر.

وانقسم الشياطين إلى قسمين … القسم الأول الذي سيركب السفينة الأولى، ويتكون من «أحمد» و«عثمان» و«بو عمير» و«فهد» و«قيس» … والقسم الثاني الذي سيذهب إلى الميناء القريب، وتكوَّن من «إلهام» و«هدى» و«ريما» و«باسم» و«رشيد».

وعقد العشرة اجتماعًا قصيرًا في الصباح الباكر، على مائدة الإفطار، لتنسيق خطوات العمل، ثم بدأت السيارات الحمراء تنطلق مع شمس الصباح الباكر، في طريقها إلى أقرب مطار من المقر السري للشياطين اﻟ «١٣».

وفي مساء هذا اليوم كانت المجموعة الأولى قد وصلت إلى «برجن» … الميناء النرويجي الكبير … وكان عليهم أن يقضوا فيها يومًا قبل أن تصل السفينة «وايت إيجل» التي سيستقلونها، وكان مع «أحمد» رسالة من رقم «صفر»، لا تفتح إلا بعد ركوب «الوايت إيجل» … ونزلوا في فندق الشاطئ، وعندما اجتمعوا في المساء، قال «أحمد»: عندي خُطة بسيطة سأتحمَّل مسئوليتها وحدي … إن وقوع مجموعة سرقات المواد المشعة في هذه المنطقة لا بد أن تكون مثار أحاديث الناس هنا … وأتصور أن من الممكن الحصول على المعلومات الإضافية التي قد تنفعنا في هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر … وبالطبع فإن هذه المعلومات ستتردد في الأماكن التي يغشاها بحارة السفن … لهذا أقترح أن ننقسم إلى قسمين، وأن نقضي المساء وجزءًا من الليل في محاولة التعرف على شيء جديد وحتى إذا لم نحصل على أية معلومات فإن «برجن» مدينة جديدة علينا، ولا بأس أن نعرف شيئًا عنها، أكثر مما عرفناه من الكتب.

وتقرر أن يذهب «أحمد» و«عثمان» معًا، و«فهد» و«قيس» معًا، وأن يبقى «بو عمير» في الفندق، فقد يحدث اتصال مع المجموعة الثانية، التي لا بد أن تكون قد وصلت إلى ميناء «وبك»، في شمال إنجلترا. وبينما تمدد «بو عمير» في فراشه، ارتدى «أحمد» و«عثمان» ملابس ثقيلة كملابس البحارة، وانطلقا في تاكسي إلى الميناء.

رغم برودة الجو كان ميناء «برجن» يعجُّ بالحركة، وكانت المقاهي المقفلة تستقبل روادها … وأعجب «عثمان» بِاسْم أحد المقاهي، كان اسمه «السمكة التي أفلتت» … وقال ﻟ «أحمد»: بما أننا نقوم بجولة عشوائية، فدعنا ندخل هذا المقهى.

واجتازا الباب الدوار إلى داخل المقهى … كان مزدحمًا بالبحارة ورائحة التبغ، وأصوات المتحدثين، وعثر «أحمد» بالصدفة على مائدة في وسط المقهى، وجلس الشيطانان.

كانت بجوارهما مجموعة من البحارة يتحدثون بأصوات مرتفعة، عن رحلاتهم في البحر … كانت أحاديث عادية مما يتحدث به البحارة، في كل ميناء … وعندما جاء الشاي الساخن قال «عثمان»: آسف لاختياري، إننا لم نسمع شيئًا هامًّا.

أحمد: مَن يدري؟ أنت لا تبحث عن شيءٍ معين، إننا جئنا فقط لنستمع.

ومضى بعض الوقت، وما إن وضع «أحمد» يده في جيبه ليدفع الحساب، حتى سمِع أحدَ الجالسين يقول: إن «جانسن» لم يظهر منذ يومين!

قال بحار آخر: إنه بلا شك مُلقًى في مكان ما … لقد أصبح كالمجنون بما يرويه من حوادث غريبة عن ميناء الضباب.

لفتت كلمتا «ميناء الضباب» سَمْعَ «أحمد»، فمضى يستمع هو و«عثمان»، عندما قال الرجل الأول: المدهش أنني سمعت أن بعض الأشخاص يبحثون عن «جانسن»!

الثاني: لعلهم من هواة الاستماع إلى الخرافات!

قال ثالث: إن الأشخاص الذين يبحثون عن «جانسن» موجودون هنا! ويبدو أنهم في انتظاره.

الأول: أين هم؟

الثالث: إنهم الثلاثة الذين يجلسون قريبًا من الباب … إنهم يأتون كل يوم ويسألون عنه.

ضحك الثاني وقال: إنهم لا يعرفون «جانسن»، هو يظهر ويختفي دون أن يعرف أحد أنه …

وفجأة توقف الرجل عن الحديث، ونظر إلى الباب وقد بدت في عينيه نظرة دهشة، ثم قال: تصور … إنه «جانسن»!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤