ما؟
تأمُّلات بصرية
يختفي الكثير من الأعمال الفنية، ويبدو أن جزءًا كبيرًا من تراثنا البصري يتوارى ببساطة في غياهب النسيان. البعض منه ينتهي نهاية عنيفة؛ فيُحطَّم، ويُحرَق، ويُسرَق، ويُهمَل، ويصبح ضحية بريئة لتبادل إطلاق النار في إحدى المعارك، أو يُعدَم علانيةً بسبب ما يحضُّ عليه من جرائم. يُخلِّف اختفاء العديد من هذه الأعمال فراغًا كبيرًا؛ فيبحث عنها الناس، ويحاولون استعادتها، أو إقامة مراسم تأبين تحفظ ذكراها.
وتختفي أعمال أخرى بالطريقة نفسها التي أُنشِئت بها، دون أن يُحدِث ذلك صخبًا كبيرًا، ودون أن يسترعي انتباهًا، ودون وجود مَن يحتفي بها أو يفتقدها. فبعض الصور البصرية يحظى بالحب، بينما لا يحظى به معظمها.
تمثال «الملك أوثال» هو جزء من مشروع للفنانة موره شين اللهياري لعام ٢٠١٥ بعنوان «تأملات مادية: داعش». تُعرِّف اللهياري نفسَها بأنها فنانة، وناشطة، وكاتبة، ومعلمة، وقد عُرض عملها في العديد من المعارض الدولية التي تُقام كل سنتَين (البيناليات)، وضمن مقتنيات العديد من المتاحف. صُنِع هذا العمل — وهو عبارة عن نسخة طبق الأصل لتمثالٍ كان يُحتفظ به سابقًا في متحف الموصل، ثاني أكبر متحف في العراق — باستخدام طابعة ثلاثية الأبعاد وبمادة البلاستيك الشفاف. لا يُعرف سوى القليل جدًّا عن التمثال الأصلي، الذي يرتبط بمدينة الحضر شمال العراق ويُعتقد أنه يعود إلى الفترة ما بين القرن الأول قبل الميلاد والقرن الثاني الميلادي. لا يتاح لدينا الكثير من المعلومات حول هُويَّة الملك أوثال أو الظروف المحيطة بالعمل، أو الغرض منه، أو موقعه الأصلي.

يمكن النظر إلى عمل اللهياري، بشكلٍ مباشر وواضح، على أنه استعادةٌ أو ترميم؛ أيْ إعادة إنشاء العمل المُدمَّر بتفاصيل دقيقة باستخدام تكنولوجيا الطباعة الثلاثية الأبعاد. ويمكِن اعتبار نسختها المُقلَّدة حدادًا على التمثال الأصلي، مع محاوَلة للتعويض عن العنف الذي تعرَّض له. يمكِن اعتبار النسخة المقلَّدة بمنزلة عكس للزمن، وإعادة القوة إلى العمل الفني في صورته الكاملة (مقابل صورته المُدمَّرة المجزَّأة).
بنشر الفنانةِ العملَ عبر الإنترنت في صورة معلومات، فإنها لا تُنتِج بذلك نسخة طبق الأصل للعمل القديم أو شيئًا أصليًّا. ولكنها تُفعِّل نشر المعلومات، والأشياء المرئية، والبيانات على نحوٍ يتجاوز حدودَ النشر والتفسير. إذ يمكِن لأي شخص لديه طابعة ثلاثية الأبعاد أن يصنع تمثال «الملك أوثال»، وهو ما يضاعف توفُّر العمل المفقود؛ ومن ثَم يقلل كثيرًا من قيمته «الأصلية». فقد فُقِد تمثال «الملك أوثال» إلى الأبد، ولكنه موجودٌ ككِيان قابل للتكرار إلى ما لا نهاية (حيثما توافرت أجهزة الكمبيوتر وتكنولوجيا الطباعة المتوافقة).
هل من الوارد أن يُظهر عمل اللهياري في الواقع قدرة التكنولوجيا على محو فكرة العمل «الأصلي» بعدم إعطائه الأولوية للعمل الفني التاريخي، أو الأصلي، أو الفريد بالحداد على تدميره؟ ألَا يقوِّض عملها قوة داعش المتمثلة في الصدمة والترويع من خلال أعمال التدمير، ومن ثَم تسلب السيطرة من «جميع» المؤسسات المُنشأة للتحكم في الصور، وقيمتها، وتداولها؟ بعبارة أخرى، يمكن اعتبار أن اللهياري تسعى إلى تحرير جميع الصور من سيطرة داعش، والحكومة الأمريكية، والمتاحف، ومن أي تدخل مؤسسي آخر في حركة البيانات المرئية. كما يمثِّل الأمر إيماءةً إلى أن دور الفنان، بل في الواقع دورنا جميعًا، لا يتمثَّل في إنشاء أعمال «أصلية»، ولكن في نقل البيانات.
يمكِن للحركة الجمعية أن تحرِّرنا.
ستقضي الحركة الجمعية علينا.
نريد تحفيز الإمكانات الكامنة في المناطق المحظورة، والأمور غير المرئية، والفكرة الجذرية للطابعة الثلاثية الأبعاد، والصدام مع كل ذلك وتفكيكه.
يجب أن يكون الإبداع اعتداءً عنيفًا على قوى المادة، لاستخراج شكلها، وإطلاق إمكاناتها الخام.
في النهاية، ليس واضحًا إذا كان عمل اللهياري، تمثال «الملك أوثال»، يهدف إلى تكريم عمل فني مفقود من متحف الموصل، أو الاستعاضة عنه، أو تذكُّره، أو الحداد عليه من خلال إعطائه بعض الوجود المادي، أم أن هذا التجسُّد الجديد جعل التمثال واضحًا وشفافًا إلى درجةِ أنه لم يَعُد في مقدورنا التعرُّف عليه.
«مَن» يريد «ماذا»؟
أريد أن أذهب إلى السينما.
أريد أن أنظر إلى الحيوانات في حديقة الحيوان.
أريد أن أرى المعرض.
أريد أن أرتدي ملابس جديدة.
أريد أن أرى النجوم.
أريد أن أرتدي هذا القميص ذا الأكمام القصيرة الخاص بالحفل الموسيقي.
أريد أن أعلِّق ذلك على جداري.
أريدك أن ترسل إليَّ تلك الصورة.
الهدف من هذا الفصل هو استكشاف إجابات الأسئلة التي تبدأ ﺑ «ما» في مجال الثقافة البصرية: ما الثقافة البصرية؟ ما تاريخ الثقافة البصرية؟ ما الأفكار أو الفلسفات التي تشملها «الثقافة البصرية»؟ ما حدود الثقافة البصرية؟
للإجابة عن هذه الأسئلة، من المهم أولًا التفكير فيما يجلبه كلٌّ منا إلى الجانب البصري في حياتنا. ما التجارب، أو العواطف، أو المواقف، أو الثوابت التي نسعى إليها عندما ننظر إلى الأشياء أو نراها؟ فلِفَهْم «ما» هي الثقافة البصرية، يجب أن نفكر أولًا فيما نريده منها.
وكما توحي قائمة قصيرة جدًّا كهذه، فإننا بصفتنا مشاهدين «نريد الكثيرَ» من الجانب البصري. يمكِن القول بأن البشر، في الواقع، أرادوا، لفتراتٍ طويلة، أمورًا كثيرة جدًّا من الجانب البصري. توجد آثارٌ على هذا الاحتياج على جدران الكهوف، وفي التماثيل المنحوتة، وفي الأحجار المكدَّسة، وفي الرسوم حول الأيدي البشرية. وقد اشتد الاحتياج مع تطور المهارات والأدوات والتكنولوجيا المستخدَمة في إنتاج الصور واستنساخها. حينما نستطيع، وأينما نكون، نريد صورًا. فنحن نَتُوق إلى التمثيل، والتكرار، وإمكانية ترك بصمتنا. وبقدر ما نَتُوق إلى بعض الصور، نريد أيضًا بشدة «عدم رؤية» بعضها الآخر. نرغب في الرؤية ونرفضها. من هذا المنطلق، لم يتغيَّر الكثير منذ أن بدأ أسلافنا في تكديس الحجارة، وإنشاء المخطوطات، والتأمل لأول مرة في القدرات الإبداعية للذكاء الاصطناعي.
ما الذي يجذبنا إذن — في كل مكان، وفي كل زمان، وفي كل مرحلة من مراحل الحياة، وبأشكالٍ متزايدة باستمرار — إلى الصور؟ ربما نسعى إلى السلوان، أو إلى إيصال المشاعر والمخاوف والأفكار التي يصعب التعبير عنها بالكلمات. نريد مواجهة الموت، نريد تجنُّب الموت، نريد إيقاف الزمن، نريد الجمال، نريد رؤية المعاناة ومعرفة إلى أيِّ مدًى قد تصل الحياة في وحشتها، نريد أن نتغير، أن نخرَّ على رُكَبنا ونبكي فرحًا، نريد أن نرى الأرض، نريد أن نرى الأرض التي لا نستطيع رؤيتها، نريد أن نرى النجوم وما وراءها، نريد أن نضحك، نريد أن نرى مدى ضآلتنا في العالم، نريد أن ندرك مدى أهميتنا وتمتُّعنا بالنِّعَم، نريد أن نتخيَّل مَن صنعنا أو ما الذي صنعنا، نريد أن نرى مدى محدودية ما يمكِننا رؤيته. لا قاعَ لعُمق رغبتنا، ولا نهايةَ لأسبابنا. الثابت الوحيد المستقر عبر الزمان والمكان هو الرغبة نفسها.
بقدر ما نَتُوق إلى بعض الصور، نريد أيضًا بشدة «عدم رؤية» بعضها الآخر. نرغب في الرؤية ونرفضها.

يمثِّل الإصرار الذي تكتسب به الصور حياةً خاصة بها، كما يقترح ميتشل، ما «تريده» الصور. فالحياة بكل أشكالها تبدو قائمة على الإرادة والرغبة، سواء أكانت هذه الرغبة واعيةً أم لا، ونجد ذلك في الاستنساخ أو الطباعة؛ فالحاجة إلى لفت الانتباه أو الاختباء عن عمدٍ وتخطيطٍ، والحاجة إلى التحوُّل والتغيُّر في ظروفٍ جغرافية أو مادية مختلفة، والحاجة إلى التقدم في العمر، والحاجة إلى الحركة، كلها حاجات يمكِن للصور أن تُظهِرها. ولكن بالإضافة إلى هذه الحاجات، فإن الرغبة في التحدث والتواصُل والإقناع هي ما يجعل الصور أكثر نبضًا بالحياة. إذا كان الناس يريدون أمورًا من الصور، فإنه يبدو أيضًا أن الصور تريد أمورًا منا، ولكن لا تتوافق رغبات الطرفَين دائمًا.
تبدأ أسطورة بيجماليون كقصة حبٍّ، ولكنها تتحوَّل إلى قصة عن الهوس، وعن الانغماس في صورة، وقدرة الصور على عزل الناس بعضهم عن بعض. لولا هدية أفروديت، لم تكن القصة لتترك لنا شيئًا نتخيَّله عن مستقبل بيجماليون سوى العُزلة، وتفكُّك بطيء للذات، وربما في النهاية الجنون. وربما لن يكون موضوع القصة بيجماليون على الإطلاق بل جالايتيا. فقد وهبتها أفروديت الإرادة. وقد صُنعَت لتكون مرغوبة؛ وتلك الرغبة، المتمثلة في قُبلة بيجماليون، توقظ رغباتها، ويُولَد الطفل الذي تنجِبه متمتِّعًا أيضًا بالإرادة.
كانت جودة الفيديو سيئة؛ فقد استمر فيه التذبذب في تكبير الصور وتصغيرها. يظهر الرجل في الفيديو من بعيدٍ مشغولًا بقَطْع شجرة. لا يمكِن التأكد من ملامحه، لكن يبدو أنه كان يكافح من أجلِ عملٍ يتطلَّب مجهودًا بدنيًّا. ثم يصبح الفيديو مشوَّشًا، حيث تفقد الكاميرا التركيز، وتبتعد عن الرجل تمامًا لحظة. يستمر القطع، لكن الأمر يستغرق بِضْع ثوانٍ حتى تعود الكاميرا إلى بطل العرض. هذا الاضطراب، على الرغم من كونه عرضيًّا وغير فني، فإنه يُذكِّر المُشاهِد بمراقَبة الرجل. فيُحرَم المُشاهِد من عنصر الجذب الرئيسي، وهو ما يثير إحباطه ويُلهِب رغبته في رؤيته مرة أخرى. يعود التصوير إلى مساره الطبيعي، ولعدَّة لحظات يزداد التركيز ثم ينحسر. يمكِن سماع همسات المصوِّرين وهم يحثُّون على زيادة تركيز الصورة. طوال الوقت، يواصل الرجل قطع الشجرة. ثم، من دون أن تسقط الشجرة، يمشي بعيدًا وينقطع الفيلم. مدة الفيلم أقل من دقيقة ونصف، وقد شُوهِد أكثر من ثلاثة ملايين مرة على موقع «يوتيوب».

أصدرت المؤسسة الوطنية للسكان الأصليين، ربما استجابةً لشعبية الفيديو، فيديو قصيرًا آخَر بعد انقضاء بِضْعة أسابيع. صُوِّر هذا الفيديو بطائرة مسيَّرة، وهو يُظهِر أعضاءً من قبيلة منعزلة أخرى. يصوِّر الفيديو عدة أشخاص يتحركون عبر المَشهد، وتركِّز الطائرة المُسيَّرة عدستها على الأجسام وهي تظهر وتختفي وسط خطوط الرؤية التي تُعِيقها أوراق الشجر. حقَّق هذا الفيديو نحو خمسة ملايين مشاهَدة، ونشرت شبكات إخبارية مثل «بي بي سي» و«ناشيونال جيوجرافيك» مقالات عنه، وعرضَته مرارًا وتكرارًا، مع التوقُّف عند مقاطع بعينها، والتركيز على الرجال والنساء غير الواعين في أعماق الأمازون.
هل الرؤية فِعل بريء؟ متى تصبح الرؤية عملًا من أعمال العنف أو العدوان؟ ما الحقوق التي لدينا كي نُرى أو لا نُرى، كي نجعل أنفُسنا غير مرئيين؟
يسهل على المؤسسة الوطنية للسكان الأصليين الاستناد إلى هذه السردية، وسرعان ما يقبلها الجمهور العالمي؛ لأن منطقها ليس جديدًا. فهو المنطق الذي استخدمته الحكومات في حالات الطوارئ، مثلما فعلت الولايات المتحدة بعد أحداث ١١ سبتمبر، من توجيه الكاميرات إلى الشوارع العامة، وإرسال الطائرات من دون طيار إلى أطراف الأرض لرؤيةِ ما يفعله «الإرهابيون»، والمراقبة السرية لاستخدام مواطنيها الإنترنتَ و«يوتيوب» وعمليات البحث على جوجل. فالحماية هي لغة دولة الأمن.
أمكن الكشف عن المنشورات لأن مَن هم خارج دائرة الجمارك وحرس الحدود لم يعتبروها بريئة، وسرعان ما تنصَّلوا منها باعتبارها عملًا أقبلَت عليه قلَّة قليلة فاسدة. احتشدت الصحافة واشتعلت مقالات الرأي. أصبحت الصور الآن الطرفَ المذنِب، نذيرَ الشؤم، الممثِّل للشر. ووُجِّه غضب شديد للغاية إلى صورة لرجلٍ غريقٍ وطفله الصغير ظهرت على موقع ضباط الجمارك وحرس الحدود على «فيسبوك»، حيث جُرفَت جثتاهما إلى ضفة النهر الذي كانا يحاولان عبوره. مجددًا، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تُرى فيها هذه الصورة؛ فقد وُزعت على نطاقٍ واسع توضيحًا لأزمة الهجرة في مقالات الصحف ومقالات الرأي التي تندِّد بسياسات الهجرة الأمريكية والظروف غير الإنسانية على الحدود الجنوبية. لم تتغيَّر الصورة نفسها التي كانت في الصُّحف عن تلك التي كانت في منشور «فيسبوك»، ولكن تغيَّر السياق، والأهم من ذلك القصد من نشرها. فما الذي يقوله ذلك عن الصورة؟ أيجعلها مذنِبة أم بريئة؟
وكما حدث مع صور السكان الأصليين في الغابات البرازيلية المَطيرة، لم يُعطِ أحدٌ إذنًا بإعادة إنتاج صور المهاجرين وطالبي اللجوء المتوفَّين، تمامًا كما لم تُعطِ أوكاسيو-كورتيز إذنًا بتشويه صورتها لتظهر كما لو كانت تداعب أحد المهاجرين.
لم يَعُد يهمُّ كثيرًا الحصول على إذن من أصحاب الصور. ففي مرحلةٍ ما، أصبح التصوير والمراقبة أمرَين واسعَي الانتشار. نفترض أن الجميع لديهم الحق في النظر، وأن هناك دائمًا مَن لديه الحق في النظر إلينا. عندما تُستخدَم الصورة من أجل «الخير» — لتحذير الناس، وتعليمهم، وإظهار التعاطف — تكون حليفًا بريئًا. ولكن من المحتمل أن يتغيَّر دور هذه الصور نفسها، لانتهاك حقوق الناس، أو فضحهم، أو تحريضهم.
كيف يمكِننا الحكم على الصور من حيث كونها متَّهَمة أو بريئة في أي موقف؟ هل يمكِن الاعتماد عليها دائمًا باعتبارها وسيلة لفعل الخير؟ هل في مقدورنا حتى أن ننتظر منها أمرًا كهذا؟ أم إنها دائمًا أداة للعنف أو الانتهاك أو التعدي؟ مَن مِنَّا يقرِّر ذلك؟
هذه هي بالضبط القضية التي كانت هارتمان تسلِّط الضوء عليها عندما قالت إننا «مَدعوُّون للمشاركة». ربما نريد من الصور أن تخدم أمورًا معيَّنة، لكن ذلك لن يحدث. إضافةً إلى أن ما نريده من الصور دائم التحوُّل والتغيُّر. كيف يمكِننا الوصول إلى أرضية ثابتة وسط هذا التضاريس الوعرة؟
هنا يأتي دور النظريات النقدية والأكاديمية حول الثقافة البصرية.
ما الثقافة البصرية؟
تمثِّل الثقافة البصرية حقلًا دراسيًّا وتخصصًا أكاديميًّا جديدًا نسبيًّا. ولكن على الرغم من نُموها في مساحتها التخصصية الخاصة، يجادل الكثيرون بأنها ليست «مجالًا» بقدر كونها «موقفًا»، أو طريقة للتفكير والنظر، أو وسيلة للإدراج غير مقيَّدة بتقاليد التخصصات العلمية. سنبدأ بتاريخٍ مختصرٍ للغاية لنمو دراسات الثقافة البصرية للوقوف على مَعالِم هذا الحوار الفكري، ثم ننظر كيف يمكِن لهذا التحوُّل العلمي أن يساعدنا في البحث في الثقافة البصرية بطريقة أقرب إلى الواقع المَعيش، وربما أقل أكاديمية.
لا تدور الأسئلة الكبرى حول التفسير فحسب، ولكن حول الفلسفة والقِيَم؛ إذ تتطرَّق إلى كيفية بناء المعرفة البصرية، وتستكشف التوترات الناجمة عن تلك المعرفة.
من هنا تطوَّر تاريخ الفن إلى مجالٍ للدراسة وإنتاج المعرفة عُني عناية كبيرة بالفنانين الأفراد بصفتهم مبدِعين، وبالتسلسلات الزمنية التاريخية التقدمية. كانت بعض الأشياء أكثر أهميةً من غيرها، وفقًا لمنطق تاريخ الفن، وشكَّلت هذه الأشياء مجموعة عظيمة من الأعمال الفنية المَرجعية. كان التحليل البصري — تفحُّص الأشياء من حيث الشكل، والتقنية، والتكرار، والموضوع، والرمز، وما إلى ذلك — أداة حاسمة لفك رموز المعنى، وتحديد الأسلوب، وتحديد القِيمة المالية والتاريخية. بعبارة أخرى، كان تاريخ الفن طريقة للتفكير في عالَم الأشياء البصرية الهائل والعَصِي على الانضباط من خلال تضييق نطاق الفوضى وترتيبها. تزامَن هذا النظام مع تأسيس مجموعة من الأعمال الفنية المتميزة — أعمال فنية مرجعية — رسمَت مَعالم مجال تاريخ الفن. ستُقدَّر الأعمال التي تتمتع بالجودة والمعنى وتمثِّل الثقافة والأسلوب والتقدُّم، لقدرتها على إلهام التقدُّم الفكري والفني. في بحرٍ واسعٍ من الأشياء والعناصر البصرية، يمكِن لتاريخ الفن أن يوفر الاستقرار والنظام السردي؛ فقد كان بمنزلةِ ملاذٍ آمِن وسط عاصفة.
وقد أصبح ما يُطلق عليه «فن» محدودًا بأهم الأشياء البصرية، التي يحددها الخبراء من مؤرخي الفن. تطوَّر الفن تطوُّرًا خطيًّا من جيوتو إلى ليوناردو دافنشي، ومن ليوناردو إلى دييجو فيلاسكيز وإلى جاك لويس ديفيد، ثم إلى جوستاف كوربيه، ومن كوربيه إلى بابلو بيكاسو وجاكسون بولوك. في خط منتظم، مستقيم جدًّا، ورجالي جدًّا، وأبيض جدًّا.
يميل هؤلاء المنظِّرون إلى التقليل من شأن الشيء والإبداع الفردي أو من إرادة صانعه، مُشيرين إلى أن كِليهما نتاج اجتماعي محدد؛ أي أن جوهر الصورة وصاحبها ليسا إلا عناصر عرضية ضمن وظائفها الاجتماعية والسياسية والثقافية الأعم. فكلٌّ من الفنون، والعمارة، والتليفزيون، وجميع الأشياء المادية تعكس القِيَم والرغبات الموجودة سلفًا، ولا تصنعها.
حتى مصطلحات مثل «النهضة» و«الحداثة» تفرض تسلسلًا زمنيًّا وإحساسًا بالتقدم مرتبطَين ارتباطًا صارمًا «بالغرب» وبفكرة الإمبراطوريات، وبعصر التنوير والمعرفة الاستعمارية، مستثنيةً الصور والتاريخ والثقافات غير الغربية. وهذا ليس فقط في الماضي؛ فالعنف المروع وإنتاج المعرفة المشوَّه مستمران، ويتفاقمان في مظاهر القمع واللامساواة العالمية في عصرنا.
بحلول تسعينيات القرن العشرين ثم العقد الأول من الألفية الثانية، أدَّت هذه الاتجاهات والتدخلات والانتقادات الجديدة إلى تغييرٍ جذري في معايير مجال تاريخ الفن. في الواقع، خلال هذه الفترة، تخلَّت بعض أقسام الجامعات والكليات عن تسمية «تاريخ الفن» تمامًا لصالح دراسات الثقافة البصرية. يشير كل هذا إلى وعيٍ متزايدٍ بأن الثقافة البصرية تمثِّل طريقة فريدة لمواجَهة العالم وتنظيم المعرفة وإنتاجها. لقد أثَّرت قوة «التحوُّل إلى الثقافة البصرية» حتى في المتاحف، وهي الأماكن المرتبطة بشكلٍ أساسي بالمُثل العُليا، ومخططات القِيم، والأطُر الفكرية لتاريخ الفن. أدَّى توسيع مجال ما يشكل «فنًّا» إلى تمكين المتاحف من إقامة معارض للدراجات النارية، ولمسلسل تليفزيوني مثل «داونتون أبي» (دير داونتون)، وصور المانجا، ولمجال الأزياء وتصميم الملابس الذي تتزايد شعبيته يومًا بعد يوم. إن حقيقة أن متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك يستضيف حفل «ميت بول» السنوي للأزياء — الذي يجذب نخبة المشاهير في أي عام — بالاشتراك مع مجلة «فوج»، تدل على كيفية استفادة مديري المتاحف اليائسين من الثقافة البصرية من أجل زيادة جماهير المتاحف وجذب الزائرين إليها (سنتناول المزيد في الفصل التالي عن فكرة الفن وتاريخ المتحف).
لم تُطلِق دراسات الثقافة البصرية هذه التيارات، ولكن تطوُّرها بوصفها حقلًا معرفيًّا ومفهومًا فكريًّا لا ينفصل عن تلك التيارات. في هذا الصدد، ربما تكون نقطة انطلاقنا من أول معرض متحفي وحدث ثقافي «ضخم»، وهو معرض «كنوز توت عنخ آمون»، الأكثر شهرةً باسم «معرض الملِك توت»، الذي افتُتِح في متحف متروبوليتان للفنون عام ١٩٧٦. لم يُنشأ المعرض من منطلق اهتمام خاص بالدفع بحواراتٍ جديدة حول القِيَم الجمالية والشكلية للمقتنيات المصرية، بل من واقع المفاوَضات السياسية بين الرئيس ريتشارد نيكسون، ووزير الخارجية هنري كيسنجر، والرئيس المصري أنور السادات. لم يمضِ وقتٌ طويل حتى فَهمت المتاحف أن التركيز الجديد على الثقافة البصرية في الدوائر العلمية سيكون مفيدًا لتوسيع جمهورها ورسالتها في أواخر القرن العشرين. وهكذا، يمكِن اعتبار الثقافة البصرية لغةً لتطوير هُوية المؤسسات وتنويع جمهورها.
باختصارٍ، ومن منظورٍ أكاديمي، لم يكن هناك سببٌ واحدٌ لظهور دراسات الثقافة البصرية، بل سلسلة من التحوُّلات في المعرفة والقوة والسلطة، التي رافقت تغييرات فكرية وسياسية واجتماعية واسعة النطاق في النصف الأخير من القرن العشرين.
هذا ما يجعل لمفهوم «البيئة» البصرية تلك الفائدة الكبيرة. لا يوجد كِيانٌ بصري معزول عما حوله. بل عندما نرى شيئًا ما، فإننا نرى أيضًا ما يحيط به، وما يذكِّرنا به من الماضي، وذكريات أخرى للأشياء التي رأيناها أو سمعنا عنها من قبل. وكل هذه المتفرقات البصرية الأخرى، كل هذه القِطَع المنفصلة عن الرؤية، تتجمَّع في التجرِبة، وهو ما يجعلنا لا نستطيع أبدًا رؤية أي شيء أو النظر إليه بمعزلٍ عن غيره من الأمور. فثَمَّة ماضٍ ومستقبل لكل المَشاهد في الوقت الحاضر، ويَظهران معًا. ومن هنا يأتي الدافع إلى التفكير في الثقافة البصرية بوصفها أنماطًا وبيئات ومجموعات.
وقد يكون من المفيد أكثر رؤيتها من حيث كونها «أجواءً» بصرية. غير أن ثَمة صعوبة في هذا المنحى لأنه على الرغم مما للأجواء من تعريفٍ وحدودٍ واضحة، فهي لا تظهر في تجرِبة حياتنا اليومية؛ فنحن غالبًا لا يمكِننا إدراك مَعالِمها إلا عند مغادرتها. بعبارة أخرى، فإن الثقافة البصرية لها حضورٌ دائمٌ في كل مكان، ولكن يصعب غالبًا ملاحظتها. ربما تبدو طبيعية، بل عضوية أيضًا، ومستمرة، ولا تنتهي؛ إنها مثل الهواء الذي نتنفَّسه.
هذا إلى أن يأتي الوقت الذي لا تكون فيه كذلك. إلى أن يأتي الوقت الذي ندخل فيه إلى أجواء أخرى نشعر بالتِّيه فيه، ولا نستطيع التنفس، ولا نكون على دراية فعلية ومادية بفضاءٍ يرفض وجودنا. وفي حين توفر البيئات البصرية والأجواء البصرية نماذج لمعانٍ وآثار مختلفة، فإنها تسلِّط الضوء على التأثير الشامل للعنصر البصري في حياتنا وهُويَّاتنا وأجسادنا، كما تُظهِر عجزنا عن رسم حدودٍ واضحة للثقافة البصرية أو الإفلات من قبضتها.
ما الإمكانات؟
ولكن في الوقت نفسه، كان هناك على الأرجح عددٌ كبير جدًّا من المشاهدين الذين لم يفهموا سبب هذه الضجَّة. فقد كان فيديو موسيقيًّا عاديًّا إلى حدٍّ ما، يُظهِر أسلوب الفنانَين الواضح وقوتهما، وملابسهما المذهلة، ويحيطهما راقصون مدهِشون في مكان فخم. إذا كنت لا تعرف المكان سابقًا أو لم تنتبه جيدًا، فلربما فاتك أن الفيديو صُوِّر في متحف اللوفر، أحد أشهر المتاحف في العالم وأهمها كما يُقال. إذا لم يكن المُشاهِد يعرف اللوفر، أو كيف يبدو، أو الأعمال الفنية الموجودة به، وربما الأهم من ذلك الأعمال الفنية «غير» الموجودة به، فإن الفيديو فقَدَ — بالنسبة إلى هذا المُشاهِد — الكثيرَ من تأثيره الثوري وإعادة تشكيله العِرقي.
فلا تكتسب الثقافة البصرية معناها الكامل إلا بوضوح السياق، ووصول الرموز إلى المشاهد. ربما بدَت لك لحظة وقوف بيونسيه وجاي-زي مع لوحة «الموناليزا» رائعة، ولكن إذا لم تدرك أن التصوير حدث بالفعل في متحف اللوفر، وأن الصورة التي بينهما هي لوحة «الموناليزا» الحقيقية، فسيضيع الكثير من تأثير الصورة.
بالإضافة إلى ذلك، هناك قلقٌ كبيرٌ في هذه اللحظة التاريخية بشأن الظروف المتغيِّرة للثقافة البصرية: ما هي؟ ومَن يسيطر عليها؟ وكيف تُستخدَم للتحكُّم فينا؟ ومَن يحق له دراستها؟ ومَن يربح المال منها؟ وما هي حدودها؟ يُقال لنا مرارًا وتكرارًا إننا نعيش في عصر بصري، وإننا غارقون في الصور وخيارات الصور؛ حيث تظهر تقريبًا كلَّ أسبوع تقاريرُ حول كيفية تغيير الصور والشاشات قدراتنا المعرفيةَ، وتدميرها إدراكَنا وتركيزَنا. ولكن ماذا لو أن كثرة الثقافة البصرية المزعجة هذه لا تمثِّل مشكلة على الإطلاق؟ ماذا لو كانت كثرة الصور، وكثرة مَن يتحدثون عنها، نتيجة بطولية وليست انحطاطًا للثقافة البصرية؟
ماذا يحدث عندما تدفع الصور ثقافتنا البصرية إلى الوراء؟ كما ذكرنا سابقًا، فالصور تريد أشياء من الجماهير، ويمكِنها أخذها بالقوة ومن دون سابق موافَقة في كثير من الأحيان. يشير المزيد والمزيد من البيانات العصبية والنفسية إلى أن الناس عاجزون عن عدم الرؤية، وعن عدم سرد ما يروَنه بطرقٍ مُحفزة خارجيًّا. ولكن حتى هذه «البيانات» مرتبطة بالأفكار السابقة حول الإدراك والإملاءات الرأسمالية القهرية. هل يمكِننا حتى أن نعرف ما نريد من الصور، أم إن كل ما تريده منَّا مقدَّر لنا مسبقًا؟
بصرف النظر عن طريقة نظرتنا إلى الأمر، فليس ثَمة وضوح فيما يخص معنى الثقافة البصرية، وقوَّتها، وحدودها. إن الرغبة في استيعاب كل صورة وفهمها بشكلٍ كامل، والسيطرة على العقل للتغلُّب على الإكراه البصري؛ لَهي ضرب من الجنون. حولنا جميعًا، تطالب الصورُ الجماهيرَ بأشياء، تريد منهم الالتزام. وهو التزام معقَّد لأنه يورِّط الجماهير في أنظمة ورموز شاسعة لا يستطيع أحد فَهمها بالكامل طوال الوقت. فمن المستحيل معرفة قصة أصل كل صورة، ومعرفة ما يشير إليه كل إيحاء، وفهم علاقات القوى في كل تمثيل. والأهم هو التعمُّق في تأثير الصور فينا وتأثيرنا فيها.
هذا يعني أنه حتى لو كنت لا «تعرف» مَن هما بيونسيه وجاي-زي، وسبب وجودهما في اللوفر، يمكِننا البدء في التفكير في الثقافة البصرية بالسؤال عن سبب تقديم هذه الصور بطريقة معيَّنة، وعن مدى التعارض بين الصور، وعن أي الأجساد مرئية أو أيها مخفية، وعن علاقة الأجساد بالصور التي تقف بجانبها. أخيرًا، لماذا يُضفِّر شخصان شعرهما فيما يبدو أنه متحف؟ إن طرح هذه الأسئلة يقرِّبنا كثيرًا من معنى الفيديو أكثر من مجرد «المعرفة» عنه. تدفعنا هذه الأسئلة إلى الأسئلة المُلحَّة للثقافة البصرية: ما الحقيقي؟ وما الدائم؟ وما نعتبره ثمينًا؟ وما التزاماتنا التي تنطوي عليها رؤية كلٍّ منا للآخر؟ وهل يمكِننا فهم العالم من حولنا والأماكن التي نتشاركها؟
تدفعنا الفنانة والمنظِّرة هيتو شتايرل إلى رؤية الإمكانات في هذا الافتقار إلى الثبات، في هذه الأسئلة الكبيرة التي تتطلَّب إجابات كبيرة. فتكتب ما يلي:
تتحدث شتايرل عن القمع والتحرر، أو عن جانبٍ من «الحقيقة» كما تسمِّيه. معظم ما نراه ليس هو «الحقيقة». على سبيل المثال، كل صورة في هذا الكتاب هي من ملفٍّ رقمي جرت معالَجته وقصُّه وإعادة حفظه عدَّة مرات حتى أصبح ما نراه هو مجرد شبح للشيء الذي نرغب في تمثيله أو رؤيته. ولكن التركيز على هذا الأمر، بالانغماس فيه أو الرعب منه، والتحدث عن الصورة باعتبارها لم تكن موجودة حقًّا من قبلُ يعرِّضنا للغرور، ويمنعنا من رؤية إمكانات التحرر البصرية الكبرى. لا يمكِننا أبدًا معرفة «الحقيقة»؛ لذلك كل ما يمكِننا التعامل معه هو ما لدينا. ما لدينا إذن هو الثقافة البصرية. وهنا تكمُن إمكاناتها.
في ضوء ذلك، ما الذي يمثِّله بالضبط تمثال «الملك أوثال» لِلهياري؟ من منظور الثقافة البصرية، يتحدى الشيء نفسه، وصانعه، والجمهور. يكاد لا يوجد فعليًّا في مكانٍ واحد؛ حيث يمكِن مشاركة الملفات الخاصة بصناعته إلى ما لا نهاية، وتوزيعها، ومحوها، وفي كل مرة يتجزَّأ العمل قليلًا كما تنبَّأت شتايرل آسفة. هل يمكِن للمُشاهِد الاعتماد على هذا الشيء، أم أن العمل يحاول دائمًا الانزلاق بعيدًا عن قبضة الجميع؟ بعبارة أخرى، يصبح العمل عالقًا في حالة بين الإنشاء والدمار.
عند النظر إلى تمثال «الملك أوثال» للهياري باعتباره عنصرًا من عناصر الثقافة البصرية، نحتاج إلى «رؤية» هذا الشيء بطُرقٍ مختلفة جذريًّا، بل متناقضة أيضًا. إنه قطعة من البلاستيك تتعاطى مع الزمن والفن والذاكرة والعنف بطرقٍ عديدة. وفي الواقع، ما الذي تراه أنت أيها القارئ هنا؟ هل ترى الشيء فحسب في مكانه، أم تفكر في تمثال «الملك أوثال» الأصلي؟ هل تفكر أيضًا في الإصدارات الأخرى الموجودة لعمل اللهياري، وأين تقع أماكنها؟ أم أن وضوح البلاستيك يذكِّرك بالتماثيل الجليدية وأدوات المائدة البلاستيكية الرخيصة، التي تختفي وتُستهلك كما هي الحال ربما مع هذا العمل؟
تُعَد دراسة الثقافة البصرية عملًا شاقًّا ومعقدًا. ولطالما كانت كذلك. فالصور تحب الصراع.
لا تأخذ الثقافة البصرية على الإطلاق شكلًا واحدًا أو ثابتًا. فالصور تنتشر وتتغير في بيئة من المعاني المحتمَلة والنتائج الممكنة التي ليست بلا نهاية، ولكنها في الوقت نفسه ليست بمعزلٍ تام عن التأثير الخارجي. لا تعرف الثقافة البصرية الحدود الصارمة والتقييد الزمني؛ إذ تدمج الماضي والحاضر والمستقبل. إنها واسعة الانتشار بشكلٍ كبير، وتتسرب بسهولة من بين أيدينا، ولكن يمكِننا النظر في عناصرها داخل مجموعة متنوعة من التيارات، والتيارات العكسية، والاندفاعات المفاجئة.
تُعَد دراسة الثقافة البصرية عملًا شاقًّا ومعقدًا. ولطالما كانت كذلك. فالصور تحب الصراع. علينا التفكير بجدية وذكاء في كيفية التعامل مع هذا الصراع. فمع كل بصمةِ يدٍ قديمة نراها على جدار أحد الكهوف، يجب أن نسأل: أي يد لم تترك بصمتها؟ ومع كل موقع تاريخي ننظر إليه بدهشة، علينا أن نهمس لأنفسنا أيضًا متسائلين: لماذا حُفِظ هذا الموقع، ولم يُحفَظ ذلك الموقع الآخر؟ ما الذي دُمِّر أو هُدِم كي يُبنى هذا المكان؟ نحن في حاجة دائمًا إلى النظر من كثب والتساؤل: لمَ هذا وليس … هل مِن شيء آخر؟ ما الذي نريده؟ وكيف أردناه؟