مقدمة

بقلم شيخ الأزهر المرحوم مصطفى عبد الرازق

موضوع التعليم ومناهجه موضوع جليل الشأن في كل العصور، وفي كل الأمم. وقد عُنِيَ به الباحثون من العلماء والفلاسفة، فَألَّفوا فيه الرسائل، وكتبوا فيه الكتب، منذ عهدٍ بعيد، ولا يزال مَوضع اهتمام المفكرين والمصلحين.

ولا غروَ فإنَّ العلم أساسُ كل إصلاح، وتاج كل نهضة. والتعليم ليس إلا السبيل إلى نشر العلم، وتثقيف العقول به وتهذيب النفوس.

والمُسلمون لم يتخلَّفوا عن غيرهم في ميدان هذا البحث؛ فقد كتَب في التعليم أئمتُهم ومفكروهم منذ القرون الأولى. وكانت لهم أنظار طريفة لم يُخْلِقْ تطاوُلُ الزمن جِدَّتَها. على أن كثيرًا من مؤلفات القُدامى ضاع فيما ضاع من آثار السلف الصالح، وكثيرًا من مؤلفات القُدامى ظلَّ مُتواريًا عن الأنظار في زوايا دور الكتب، بين أكداس المخطوطات، لا يهتدي إلى مكانه إلَّا المُولَعون بالبحث والتنقيب.

وهذا أثر من تِلكم الآثار القيمة هو كتاب تفصيل أحوال المُعلمين والمُتعلمين، لأبي الحسن علي بن محمد القابسي المُتوفَّى ٤٠٣ هجرية، ١٠١٢ ميلادية، ينهض لنشرِه الباحث المجتهد الدكتور أحمد فؤاد الأهواني، وينشُر معه بحثًا في «التعليم في رأي القابسي من علماء القرن الرابع».

ومن البحث والنص المخطوط تتألَّف الرسالة، التي نال بها إجازة الدكتوراه من كلية الآداب.

أما كتاب القابسي فهو كتاب جليل الفائدة للباحثين في التعليم وتاريخِه عند المسلمين، وهو يُصوِّر حالة التعليم في عصره من نواحٍ قلَّما فطن لها مؤلفو ذلك الزمان.

وقد عُنِيَ الأستاذ الأهواني في بحثه القيم، بأن يُترجِم للقابسي ثم يعرض موضوعات كتابه عرضًا جديدًا، فراعى فيه تنظيمها وتوضيحها، وردَّها إلى أصولها، وربطها بمذاهب الفقهاء، ومقالات المُتكلمين.

وعُنِي الدكتور الأهواني أيضًا بأن يُبرز ما في آراء المؤلف من طرافة، وما هو منها عُرضة للنقد، وأن يوازِن بين مذهب القابسي وبين المذاهب الحديثة في التربية والتعليم.

نال أحمد فؤاد الأهواني برسالته، حين قدَّمَها إلى كلية الآداب، إجازة الدكتوراه؛ وهو إذ ينشُر اليوم هذه الرسالة في الناس، جدير أن ينال التشجيع كله، والثناء الجميل.

وإن كان تلميذنا الأهواني من العلماء المُخلِصين، لا يبتغي في سبيل العلم وخدمته جزاءً ولا شُكورًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤