الفصل العاشر

آراء المُسلمين في التربية والتعليم

سنعرض في هذا الفصل طائفة من آراء المسلمين في التربية والتعليم، ونخصُّ بالذكر أصحاب الآراء الخاصة التي اشتُهِرت في تاريخ الفكر الإسلامي. ونحن نرمي من هذا الغرض أن نُبين أمورًا ثلاثة:
  • الأول: أن المستشرقين الذين كتبوا في التربية الإسلامية، ومن تبِعَهم من المؤلِّفين في الشرق، درجوا على تقرير آراءٍ مُعينة في التعليم قالوا عنها إنها آراء المُسلمين أو العرب فيما يختصُّ بأغراض التعليم، ومناهجه، وطرقه، وأحواله. وهذا التعميم خطأ؛ لأن أمور التعليم اختلفت باختلاف الأقاليم، واختلاف أشخاص القائلين بها. وقد نجد اتفاقًا على بعض الأمور، ولكنهم اختلفوا في أمور أُخرى كثيرة مما جعلنا نفرد لكل مُفكرٍ منهم كلمة خاصة تجمع رأيه، وتُبين ما امتاز به.
  • والثاني: أن الآراء التعليمية لمُفكرٍ ما وحدةٌ مُتماسكة في ذهن صاحبها، فقد يذكر منهجًا خاصًّا يُلائم الغرَض من التعليم الذي يذهب إليه، وكذلك طريقة التعليم التي سلكها في تحقيق ذلك المنهج، فلا يصحُّ أن ننقل جزءًا من مذهب مُفكر في التعليم ونترك سائر ما ذكره في هذا الصدد
  • والثالث: أننا نذهب إلى أبعد من ذلك، فنقول: إن مذهب المفكر في التعليم جزء أو صدى لمذهبه العام في الحياة أو فلسفته، إذا كانت الفلسفة هي النظر الشامل للحياة. وقد التزمْنا هذا المنهج في بحثنا، فبدأنا بذِكر مذهب القابسي، وهو مذهب أهل السُّنَّة، ثم بيَّنَّا أن طريقته في التعليم تُلائم هذا المذهب. وجمهور الفقهاء كانوا على مذهب أهل السُّنَّة، وهذا هو السبب في التشابُه الشديد في الرأي بين المُتقدمين والمتأخرين فيما ذكروا من فصولٍ متناثرة خلال كتُب الفقه، وكتب القرآن التي تعرَّضت لموضوعات التعليم. وإلى جانب هؤلاء ظهر في البيئة الإسلامية طوائف أخرى تُفكر بطريقة مُختلفة عن جمهور أهل السُّنَّة، كالمُعتزلة والفلاسفة والمُتصوِّفة وغيرهم؛ وسنرى في هذا الفصل أن ما نذكُره من مسائل التعليم المُستندة إلى صاحبها هي صدًى لمذهبه العام.

لهذا كله آثَرْنا أن نجمع أشهر آراء المسلمين في التربية، أو آراء أشهر المُربين في الإسلام في مكانٍ واحد، لتكون الموازنة بينهم وبين القابسي الذي يُمثل فريق الفقهاء بارزة جلية.

(١) إخوان الصفا والتعليم

أما إخوان الصفا وهم فريق من الفلاسفة، ألَّفوا جماعة سرية، واعتنقوا مذهبًا سياسيًّا، ويُقال إنهم من الباطنية، فطنوا إلى أهمية التعليم في طبع النفوس على العقيدة فأشاروا إلى هذا بقولهم: «واعلم أن مَثَل أفكار النفوس قبل أن يحصل فيها عِلم من العلوم واعتقاد من الآراء، كمَثَل ورقٍ أبيض نقي لم يُكتَب فيه شيء، فإذا كُتب فيه شيء، حقًّا كان أو باطلًا، فقد شغل المكان، ومَنَع أن يُكتَب فيه شيء آخر، ويصعب حكُّه ومحوه.»١

وقد نظروا إلى التعليم والتربية نظرًا عقليًّا لا عمليًّا.

عرَّفوا العلم بأنه: «صورة المعلوم في نفس العالم، وضده الجهل وهو: عدم تلك الصورة من النفس.»٢
وعندهم أن طريق اكتساب المعلومات يكون بثلاثة طرق: الأول الحواس الخمس التي بها يدرك الأمور الحاضرة في الزمان والمكان. والثاني استماع الأخبار التي ينفرد بها الإنسان دون سائر الحيوان، يفهم بها الأمور الغائبة عنه بالزمان والمكان جميعًا. والثالث طريق الكتابة والقراءة يفهم بها الإنسان معاني الكلمات واللغات والأقاويل بالنظر فيها.٣
والمعرفة كلها مكتسبة وليست فطرية. وأصل المعرفة هي الحواس. «والمعقولات التي هي في أوائل العقول ليست شيئًا سوى رسوم المحسوسات الجزئيات المُلتقطة بطريق الحواس. والدليل على ذلك قوله تعالى: وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا (النحل: ٧٨).»٤
والمقصود بالمعقولات الموجودة في أوائل العقول، المعرفة البديهية مثل: الكل أعظم من الجزء. وهذه الأوليات مُكتسبة. وقد ردَّ إخوان الصفا على القائلين بأنها «مركوزة» اعتمادًا على رأي أفلاطون بما يأتي: «وليس الأمر كما ظنوا، وإنما أراد أفلاطون بقوله إن العِلم تَذَكُّر أنَّ النفسَ عَلَّامَةٌ بالقوة فتحتاج إلى التعليم حتى تصير علَّامةً بالفعل، فسُمي العلم تَذكُّرًا ثم إن طريق التعاليم هي الحواس ثم العقل ثم البرهان.»٥

وأصحاب (رسائل إخوان الصفا) مُخطئون في فهم أفلاطون؛ لأن معنى رأيه «العلم تذكُّر والجهل نسيان.» أن النفس كانت تعيش مع الآلهة في عالَم المُثُل فعندها معرفة بكلِّ شيء، ولمَّا اتَّصلَت بالجسد نسِيَت، فإذا انكشف عنها ستار المعرفة، فإنها لا تكسِب شيئًا جديدًا، بل تتذكَّر ما كانت تعرفه في عالَم المُثل قبل اتصالها بالجسد.

ومذهب إخوان الصفا شبيه بمذهب لوك الذي يَعتبر أن أصل المعرفة هو الحواس، وأنه لا شيء في العقل لم يكن قبل ذلك في الحواس.

فإذا كانت المعرفة مُكتسبة، فكيف الطريق إلى تحصيلها؟

الطريق إليها بالاعتياد الذي يستند إلى المداومة والنظر. وفي ذلك يقولون: «واعلم بأن العادات الجارية بالمداومة فيها تُقوِّي الأخلاق المشاكلة لها، كما أن النظر في العلوم والمداومة على البحث عنها، والدرس لها، والمذاكرة فيها، يُقوِّي الحذق بها، والرسوخ فيها …»٦
والمحاكاة الناشئة عن الاختلاط من وسائل نقل الأفكار، وطبع المُعتقدات في النفوس: «والمثال في ذلك أن كثيرًا من الصبيان إذا نشئوا مع الشجعان والفرسان وأصحاب السلاح وتربَّوا معهم، تطبَّعوا بأخلاقهم، وصاروا مثلهم. وعلى هذا القياس يجري حُكم سائر الأخلاق والسجايا التي يتطبَّع عليها الصبيان منذ الصغر، إما بأخلاق الآباء والأمهات … والمُعلمين والأساتذة المُخالطين لهم في تصاريف أحوالهم.»٧
والمُحاكاة تسير من الكبير إلى الصغير، ومن العالِم إلى الجاهل، ولذلك كانت للخواص والعلماء تقليدًا وقولًا، أو كإقرار الصبيان للآباء والمُعلمين تعليمًا وتلقينًا.٨
ومن طرق كسب المعرفة أن تُؤخَذ عن مُعلم؛ لأن للمعرفة شرائط: «ليس في وسع كل إنسانٍ معرفتها في أول مرئياته. ومن أجل هذا يحتاج كلُّ إنسانٍ إلى مُعلم أو مؤدِّب أو أستاذ، في تعلُّمه وتخلُّقه وأقاويله واعتقاده وأعماله وصنائعه.»٩
فطِن إخوان الصفا إلى قيمة المُعلم وضرورته في تلقين العلوم والمعارف. ولكنهم اشترطوا في المُعلم شروطًا تتلاءم مع مذهبهم، وتخدم أغراضهم السياسية، وتتَّفِق مع الغاية من نشر دعوتهم، فقالوا: «واعلم أيها الأخ أن من سعادتك أيضًا أن يتفق لك مُعلم ذكي، جيد الطبع، حسَن الخلق، صافي الذهن، مُحب للعلم، طالب للحق، غير متعصب لمذهب من المذاهب.»١٠
ولا تتفق هذه الشروط إلا في جماعتهم، كما صرحوا بذلك قائلين: «ثم اعلم أن أصحاب الناموس هم المُعلمون والمؤدبون والأساتذة للبشر كلهم، ومعلمو أصحاب النواميس هم الملائكة، ومُعلم الملائكة هو النفس الكلية، ومُعلمها العقل الفعال والله تعالى مُعلم الكل.»١١
وأصحاب الناموس في الرتبة الثالثة من جماعة إخوان الصفا. ذلك أنهم رتَّبوا أنفسهم مراتب أربع بعضها فوق بعض:
  • (١)

    الأبرار والرحماء، يشترط فيهم صفاء جوهر نفوسهم وجودة القبول، سِنهم خمس عشرة سنة.

  • (٢)

    مرتبة الرؤساء وذوي الرياسات، عمرهم ثلاثون سنة، يشترط فيهم مراعاة الإخوان وسخاء النفس.

  • (٣)

    رتبة الملوك وذوي السلطان، وهي القوة الناموسية الواردة بعد ملوك الجسد بأربعين سنة.

  • (٤)
    الرتبة الرابعة «وهي التي ندعو إليها إخواننا كلهم في أي مرتبة كانوا، وهي التسليم وقبول التأييد، ومشاهدة الحق عيانًا، وهي القوة الملكية الواردة بعد خمسين سنة من مولد الجسد.»١٢

وقد نبَّه إخوان الصفا في غير موضعٍ إلى أهمية التربية والتعليم والمحافظة في طبع النفوس بالآراء والسجايا، مما يصعُب محوه بعد ذلك. ولكنهم أغفلوا مع ذلك حلقةً أولى في التعليم، تُعتبر من بنيانه كالأساس، وهي مرحلة تعليم الصبيان حتى سِن الخامسة عشرة.

ولعلهم تركوا الصبيان وشأنهم يتعلمون في الكتاتيب؛ لأن تعليمهم يتم بالتحفيظ لا بالتفهيم. فهم يحفظون مبادئ العلوم التي لا يُستغنى عنها فيما بعد، وفي ذلك يقولون: «كما أن الصبي إذا أحكم ما يُراد منه في المكتب استغنى عن حمل اللَّوح والدواة والمداد والقلم وسواده. لأنه كان يكتب به، ويقرأ منه ويمحو، ليحصل العلم في نفسه محفوظًا، من القرآن، والأخبار، والأشعار، والنحو، واللغة، وما شاكلَها مما يحفظ الصبيان في المكتب.»١٣

وفي هذا النص إشارة إلى منهج تعليم الصبيان في المشرق، وليس فيه خلاف عن المنهج المتبع في المغرب.

(٢) ابن مسكويه

وتكلم أحمد بن محمد بن مسكويه عن تعليم الصبيان في كتاب «تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق». وقد درج في هذا الكلام على طريقة الفلاسفة، ولكنه كأغلب الفلاسفة المسلمين، أخذ عن الفلسفة اليونانية دون أن يتبع فيلسوفًا بعينه، ولكنه أخذ من كل مذهب ما أعجبه، ومزج الآراء بعضها ببعض.

ويتَّضح تأثره الشديد بالفلسفة لا بالدين، مما ذكره من الغرض من الأخلاق والطريق الموصِّل إلى ذلك الغرَض، فقال: «غرضُنا في هذا الكتاب أن نحصل لأنفسنا خُلقًا تصدر بها عنا الأفعال كلها جميلة، وتكون مع ذلك سهلة علينا، لا كُلفة فيها ولا مشقة. يكون ذلك بصناعة وعلى ترتيب تعليمي. والطريق في ذلك أن نعرف أولًا نفوسَنا ما هي؟ وأي شيء هي؟ ولأي شيء أُوجدت؟»١٤
وإذا انتهى الصبي من كمال التمييز يُسمَّى عاقلًا: «إلى أن ينتهي إلى الغاية الأخيرة، وهي التي لا تُراد لغاية أخرى، وهو الخير المطلق.»١٥
ثم إن الفضائل التي يتعوَّد عليها الصبيان، وينشَّئون عليها: «تسوقهم إلى مرتبة الفلسفة العالية.»١٦

الحق والخير والجمال هي الغايات التي يتطلَّع إليها الإنسان. وهذه الثلاثة هي بذاتها مُثُل أفلاطون الأخيرة.

والنفس جوهر مخالف للجسد؛ لأن: «النفس تقبل صور الأشياء كلها على اختلافها من المحسوسات والمعقولات على التمام والكمال … ولهذه العلة يزداد الإنسان فهمًا كلما ارتاض وتخرَّج في العلوم والآداب. فليس النفس إذَنْ جسمًا.»١٧

وتنقسم النفس إلى ثلاث قوى: النفس الناطقة، والغضبية، والشهوانية. والناطقة هي القوة التي بها يكون التفكير والنظر في حقائق الأمور، والغضبية هي التي يكون بها النجدة والإقدام على الأحوال، والشهوانية يكون بها طلب الغذاء والملاذ.

وفضيلة النفس الناطقة الحِكمة، وآلاتها: الذكاء وهو سرعة انقداح النتائج وسهولتها على النفس؛ والذكر وهو ثبات ما يخلصه العقل أو الوهم من الأمور؛ والتعقُّل وهو موافقة بحث النفس عن الأشياء الموضوعة بقدر ما هي عليه؛ وصفاء الذهن وهو استعداد النفس لاستخراج المطلوب؛ وجودة الذهن وهو استعداد النفس لاستخراج المطلوب؛ وجودة الذهن وهو تأمُّل النفس لما قد لزِم من المقدم؛ وسهولة التعلم وهي قوة للنفس وحدة للفهم بها تدرك الأمور النظرية.١٨

والمعلومات بعضها مُكتسب، وبعضها فطري.

«فإن النفس وإن كانت تأخذ كثيرًا من مبادئ العلوم عن الحواس، فلها من نفسها مبادئُ أُخَر، وأفعال لا تُؤخَذ عن الحواس البتة. وهي المبادئ الشريفة العالية التي تنبني عليها القياسات الصحيحة.

وبالجملة فإن النفس إذا علمت أن الحس صدق أو كذب، فليست تأخذ هذا العلم من الحس … وهذا العلم من ذاتها وجوهرها أعني العقل.»١٩

وإذا أردنا التعبير عن هذا الرأي بأسلوبٍ آخر، نقول إن مادة المعلومات مُكتسبة، أما صورتها ففطرية.

والأحوال الخلقية بعضها مكتسب وبعضها فطري، «فمنها ما يكون طبيعيًّا من أصل المزاج، ومنها ما يكون مُستفادًا بالعادة والتدريب، وربما كان مبدؤه بالروية والفكر ثم يستمر عليه أولًا فأولًا حتى يصير ملكة واختيارًا.»

«ولهذا اختلف القدماء فقالوا مَنْ كان له خلق طبيعي لم ينتقل عنه، وقال أخرون ليس شيء من الأخلاق طبيعيًّا.»

وقد اختار ابن مسكويه المذهب الثاني وهو أننا: «ننتقل بالتأديب والمواعظ إما سريعًا وإما بطيئًا. ولأن الرأي الأول يؤدي إلى إبطال قوة التمييز والعقل، وإلى رفض السياسات كلها، وترك الناس همجًا مُهمَلين، وإلى ترك الأحداث والصبيان على ما يتفق أن يكونوا عليه بغير سياسة ولا تعليم، وهذا ظاهر الشناعة جدًّا.»

فالصبي قابل للتعليم والتأديب.

ثم وصف بن مسكويه العلوم والفضائل التي يأخُذ الناس بها أنفسهم منذ الصبا.

«فمن اتفق له في الصبا أن يُربَّى على أدب الشريعة، ويؤخَذ بوظائفها وشرائطها حتى يتعوَّدها، ثم ينظر بعد ذلك في كتب الأخلاق حتى تتأكد تلك الآداب والمحاسِن في نفسه بالبراهين، ثم ينظُر في الحساب والهندسة حتى يتعوَّد صِدق القول وصحة البرهان، ثم يتدرَّج في منازل العلوم، فهو السعيد الكامل.»٢٠

في هذا المنهج نجد ابن مسكويه يمزج بين الدين والفضيلة والعِلم على الأخص علم الحساب والهندسة، وهذا شبيه بالفيثاغوريين.

ثم ذكر ابن مسكويه فصلًا في تأديب الأحداث والصبيان خاصة، نقل أكثره من كتاب بروسن.٢١
وأكبر الظن أن بروسن هذا نقل عن فلوطرخس، ويقول العرب عنها إنها رسالة أفلاطون في آداب الصبيان؛ والتأديب في هذه الرسالة ينصرِف إلى أبناء الأشراف الذين: «لا يُربُّون أولادهم بين حشمِهم وخُدَّامهم خوفًا عليهم من الأحوال التي ذكرناها.»٢٢

والكلام في هذا الفصل ينصبُّ على التربية والتأديب، لا على كسب العلوم. وقد كانت عناية الروم والفرس مُتجهة في الغالب إلى تهذيب الخُلق وتعليم الأدب.

ولا ننسى أن الروم كانت دولة أرستقراطية انعزلت فيها الطبقات بعضها عن بعض، على عكس الإسلام الذي سوَّى بين الناس في الحقوق، ومحا فوارق الطبقات.

قال ابن مسكويه نقلًا عن هذا الكتاب: وأحوج الصبيان إلى هذا الأدب أولاد الأغنياء والمُترفين.

لذلك كانت آداب السلوك التي ذِكرُها بأهل الطبقة الرفيعة أليق.

ونفس الصبي ساذجة لن تنتقش بعد بصورة، ولا لها رأي وعزيمة تُمليها من شيءٍ إلى شيء. فإذا نُقِشت بصورة قبِلَتْها نشأ عليها واعتادها. وهذا يطابق الرأي الذي ذهب إليه من قبل، وقد ساد هذا الرأي بنصِّه عند أغلب المفكرين في الإسلام.

وأوْلى الآداب بالتقديم أدب المطاعم، التي تُراد للصحة لا للذَّة، ولدفع الجوع وحفظ صحة البدن. ولا يُرَغَّب الصبي في الألوان الكثيرة، وإذا جلس مع غيره فلا يُبادر إلى الطعام، ولا يُحدِّق إليه شديدًا، ولا يُسرع في الأكل.

أما الحلوى والفاكهة فينبغي أن يمتنع عنها البتة إن أمكن، وإلا فيتناول أقلَّ ما يمكن، فإنها تستحيل في بدنه وتُكثِر انحلاله. ونقول إن هذا الرأي لا يتفق ومبادئ الطب الحديث.

«فأما النبيذ وأصناف الأشربة المُسكرة فإيَّاه وإيَّاها، فإنها تضرُّه في بدنه ونفسه، وتَحمِله على سرعة الغضب والتهوُّر والإقدام على القبائح. ولا يحضر مجالس أهل الشرب إلا أن يكون أهل المجلس أدباء.» وهذا الرأي أجنبي لا إسلامي؛ إذ المُعلم ينهى عن الخمر لأن الدين حرَّمها، ولا ينصح البتة بحضور مجالس الشراب. ثم إن هذه المجالس يجتمع فيها الخاصة لا العوام، وهذا يطابق ما ذكرناه من أن هذا الفصل يُعالج تأديب الصبيان في الطبقة الرفيعة.

ويُمنع الصبي من النوم الكثير؛ فإنه يُقبِّحه ويغلظ ذهنه. ولا يتعود النوم بالنهار ألبتة، ويُعوَّد الحركة والمشي والرياضة.

فالغاية من هذه الآداب كلها هي أن يتعوَّد الخشونة ويصلُب بدنه. ولذلك: «يُؤاخَذ باشتهائه المآكل والمشارب والملابس الفاخِرة. ويُعلَّم أن أولى الناس بالملابس المُلوَّنة والمنقوشة النساء اللاتي يتزينَّ للرجال، وأن الأحسن بأهل النُّبل والشرَف من اللباس البياض.»

وأبلغ مما سبق في التعوُّد على الخشونة والرجولة: «أنه ينبغي إذا ضربه المُعلم ألا يصرخ وألَّا يستشفِع بأحد، فإن هذا فعل المماليك، ومن هو خَوَّار ضعيف.»

ومع ذلك فالصبي «يؤذَن له في بعض الأوقات أن يلعب لعبًا جميلًا ليستريح إليه من تعب الأدب.»

ومما يجري مجرى الرجولة والأدب أن يحفظ الأخبار والأشعار التي تُعوِّده الأدب: «ويحذَر النظر في الأشعار السخيفة، وما فيها من ذكر العشق وأهله، وما يُوهمه أصحابها أنه ضرْب من الظُّرف، وَرِقَّةِ الطبع. فإن هذا الباب مَفسدة للأحداث جدًّا.»

وطريقة التأديب إذا وقع من الصبي مُخالفات هي التغافُل أولًا، ثم التوبيخ، ثم الضرب؛ «لأنك إن عوَّدتَه التوبيخ والمكاشفة حملْتَه على الوقاحة.» ويُمدح بكل ما يظهر منه من خلق جميل.

هذه هي خلاصة ما ذكره ابن مسكويه في التعليم والتأديب. ومن الواضح أنه تأثر في آرائه بالفلسفة، فأخذ عن أفلاطون، وعن أرسطو، وعن الفيثاغوريين، وعن الفُرس، وجعل من كل ذلك مذهبًا جديدًا في الأخلاق، مُؤتلِفًا إلى حدٍّ كبير.

فهو يرمي إلى السعادة بالترقِّي إلى الحق والخير والجمال «مع حُسْن الحال في الدنيا، وطيب المعيشة، وجميل الأحدوثة.»٢٣

وهذا الرُّقي يقبله المرء بالتأديب.

(٣) ابن سينا

عرض ابن سينا في كتاب (السياسة)٢٤ لِواجب الرجل نحو ولده، فبسط أحوال تعليمه وتأديبه بكلام يدل على نفاذ الفكر وصِدق النظر، مما هو جدير بمقام فيلسوف الإسلام الشيخ الرئيس ابن سينا.

وآراؤه تدلُّ على حرية شديدة في التفكير، على العكس من ابن مسكويه الذي تقيَّد بآراء أفلاطون وأرسطو، وأراد أن يُطبقها على البيئة الإسلامية، فخرجت لذلك مُغايرة لطبيعة المسلمين. أما ابن سينا فينظر إلى البيئة الإسلامية، ويتحرى الأساليب المُلائمة لها في التعليم والتهذيب، بما يتَّفِق مع العقل السليم.

«إذا فُطِمَ الصبي عن الرضاع بُدئ بتأديبه ورياضة أخلاقه قبل أن تهجم عليه الأخلاق اللئيمة؛ فإنَّ الصبي تتبادر إليه مساوئ الأخلاق، فما تمكَّن منه من ذلك غلَب عليه فلم يستطع له مُفارقة.»

هذه هي نظرية تكوين العادة وصعوبة الإقلاع عنها، وأغلب المسلمين على هذا الرأي، ولهم في ذلك حِكَم مأثورة مشهورة مثل: «التعلُّم في الصغر كالنقش على الحجر.» إلى غير ذلك.

وقد رأينا القابسي أيضًا ينصح بتكوين العادات الحسنة منذ الصغر، ومنها المبادرة بتعليم الصبي الصلاة.

«فإذا اشتدَّت مفاصل الصبي، واستوى لسانه، وتهيأ للتلقين، ووعَى سمعه أخذ في تعلُّم القرآن وصور له حروف الهجاء، ولُقِّن معالم الدين.»

وابن سينا هنا يرجع بالذاكرة إلى نفسه حين كان صبيًّا صغيرًا، فأحضر مُعلم القرآن، ولم يبلُغ العاشرة من عمره حتى أتى على القرآن وعلى كثيرٍ من الأدب، كما ذكر في سيرة حياته.

فهو يريد أن يُنشئ أبناء المسلمين على الصورة التي نشأ هو عليها، ولا يَجِد في ذلك حرَجًا أو مطعنًا، ولهذا أقرَّ هذه الطريقة التي تبدأ بتعليم القرآن والكتابة، كما جرت العادة في الكتاتيب.

ويرى ابن سينا: «أن يُروى الصبي الرجَزَ ثم القصيد.» وهذا الاهتمام الشديد بالشِّعر والنص عليه، دليل على عناية ابن سينا بالفن وأثره في النفس، وقد كان ابن سينا شاعرًا نظم القصيدة العينية في النفس، وله قصيدة في المنطق. وأرجوزة في الطب، وعدة قصائد في الزهد وغير ذلك، فلا غرابة أن يحث على تعليم الشِّعر.

ومن رأي ابن سينا أن يكون التعليم جميعًا في المكتب، لا فرديًّا على مؤدِّب خاص. وكانت عادة الأغنياء والأشراف اتخاذ المُؤدِّبين لأولادهم.

«لأن انفراد الصبي الواحد بالمؤدِّب أجلب لضجرهما.» «ولأن الصبيَّ عن الصبي ألقن، وهو عنه آخَذُ وبه آنَسُ.»

ووجود الصبي مع غيره من الصبيان «أدعى إلى التعلم والتخرُّج فإنه يُباهي الصبيان مرة ويغبطهم مرة ويأنف عن القصور عن شأوهم مرة. ثم إنهم يترافقون ويتعاوَضون الزيارة ويتكارَمون ويتعاوَضون الحقوق، وكل ذلك من أسباب المباراة والمُباهلة والمساجلة والمحاكاة، وفي ذلك تهذيب لأخلاقهم وتحريك لهِمَمِهم وتمرين لعاداتهم.»

وليس في هذا الكلام جديد عما ذكر القابسي الذي حبَّذ المُخايرة بين الصبيان، وأجاز اتخاذ العريف لِما في ذلك من فائدة في تخريج الصبيان.

وإنما الجديد النصيحة لأبناء الطبقة الرفيعة أن يتَّصِلوا بأبناء الشعب في الكتاتيب مما يدل على تأصُّل الروح الديموقراطي في قلب ابن سينا. ولم يكن ابن مسكويه على هذا الرأي؛ لأن رسالة تأديب الأحداث التي نقلها في كتابه إنما تصِف تعليم صبيان الخاصة فقط، وينصرِف الرأي فيها إلى المؤدِّب وتلميذه، لا المُعلم وصبيانه.»

وقيمة المُعلم عند ابن سينا في خلقه وسيرته، لذلك ينبغي أن يكون: «عاقلًا، ذا دين، بصيرًا برياضة الأخلاق، حاذقًا بتخريج الصبيان، وقورًا رزينًا بعيدًا عن الخفة والسخف، قليل التبذُّل والاسترسال بحضرة الصبي.»

ورأي ابن سينا في العقوبة لا يخرج عما هو معروف عند فقهاء المسلمين، وعما ذكر القابسي، فهو ينصح بالترهيب والترغيب، والإيناس والإيحاش، والحمد مرة والتوبيخ مرة أخرى، والضرب بعد الإرهاب الشديد.

ونُحِب أن نقف قليلًا عند رأيٍ جديد لابن سينا لم يسبقه إليه أحد في الإسلام، وهو من الآراء الحديثة في التربية وعِلم النفس. ذلك هو مسايرة ميول الصبي، ثم توجيه الصبي إلى الصناعة أو المهنة التي تتَّفِق مع ميوله.

ذلك أنه: «ليس كل صناعة يرومها الصبي مُمكنة له مواتية، لكن ما شاكَلَ طبعَه وناسَبَه، وأنه لو كانت الآداب والصناعات تُجيب، وتنقاد بالطلَب والمَرام دون المُشاكلة والمُلائمة، إذَنْ ما كان أحد غفلًا من الأدب، وعاريًا من صناعته، وإذَنْ لأجمع الناس كلهم على اختيار أشرف وأرفع الصناعات.»

«وينبغي لمُدبِّر الصبي إذا رام اختيار الصناعة أن يزِن أولًا طبع الصبي، ويسبر قريحته، ويختبر ذكاءه، فيختار له الصناعات بحسب ذلك.»

ولكن ابن سينا لم يُوضِّح لنا طريقة اختبار الذكاء، وميزان الطبع والقريحة؛ ولعله ترك ذلك لفراسة المُعلم ورأيه. بينما الجديد في علم النفس الحديث هو ابتكار اختبارات الذكاء، واختبارات الشخصية.

(٤) الغزالي

ذكرنا التربية عند إخوان الصفا، وعند ابن مسكويه، وعند ابن سينا، لنُبين ما يراه بعض الفلاسفة في تعليم الصبيان.

ونذكر الآن رأي المُتصوفة، وسنتَّخِذ الغزالي ممثلًا لهم؛ لأنه أوفى مَنْ كتب في هذا الموضوع، ولأن آراءه أوسع انتشارًا من غيره.

يرى أبو حامد الغزالي المُتوفى عام ٥٠٥ هجرية، أن قيمة المُعلم كبيرة في انتشار المذاهب المختلفة، ونشوء الناس عليها. والمذهب: «هو نمَط الآباء والأجداد، ومذهب المُعلم، ومذهب أهل البلد فيه النشء، وذلك يختلف باختلاف البلاد والأقطار، ويختلف بالمُعلمين.»٢٥

وليس غريبًا أن يُنبه الغزالي على قيمة التعليم والمُعلمين، وهو الذي كان مُعلمًا في إحدى مدارس بغداد، ثم اعتزل التعليم وصناعته ليكون مُعلمًا للناس كافة عن طريق كتُبِه التي ألَّفَها، وأكبرُها «إحياء علوم الدين».

وبعد أن طاف الغزالي بجميع المذاهب في الكلام والفلسفة، انصرف عنها، وطعن عليها، وآثر طريق التصوف.

ولكنه اعتنق هذا المذهب عن روِيَّة وتفكير، لا عن اتباعٍ وتقليد.

وجانب العمل مُتفق عليه من الصوفية، فهو محو الصفات الرديئة، وتطهير النفس من الأخلاق السيئة، ولكن جانب العِلم مُختلف فيه. فإن الصوفية لم يحرصوا على تحصيل العلوم ودراستها، وتحصيل ما صنَّفه المُصنفون في البحث عن حقائق الأمور، بل قالوا الطريق المُجاهَدة بمحو الصفات المذمومة، وقطع العلائق كلها، والإقبال بكل همَّةٍ على الله. وأما النظار فلم يُنكِروا وجود هذا الطريق وإفضاءه إلى المقصد، ولكن استوعروا هذا الطريق … فالاشتغال بتحصيل العلوم أولى؛ فإنه يسُوق إلى المقصود سياقةً موثوقًا بها.٢٦
وأفضل المعلومات وأعلاها، وأشرفها هو الله الصانع المُبدِع الحق الواحد؛ وهذا العلم ضروري واجب تحصيله على جميع العقلاء كما قال : «طلب العلم فريضة على كل مسلم.» وهذا العلم لا ينفي سائر العلوم، بل لا يحصل إلا بمُقدمات كثيرة، وتلك المُقدمات لا تنتظِم إلا من علومٍ شتَّى.٢٧ وهذه المُقدمات التي تجري منه مجرى الآلات كعِلم اللغة والنحو. ومن الآلات علم كتابة الخط.٢٨
وإلى جانب ذلك فالعِلم فضيلة في ذاته وعلى الإطلاق من غير إضافة، فإنه وصف كمال الله سبحانه. وتعرف فضيلة العلم بثمرته، وهي القُرب من الله تعالى. أما في الدنيا فالعز، والوقار، ونفوذ الحُكم على الملوك، ولزوم الاحترام في الطباع.٢٩

والعلم الذي هو فرض عين على كل مسلم: اعتقاد وفعل وترك؛ أي اعتقاد بالله، وفعل بما أمر الله، وترك لما نهى عنه.

والعلم الذي هو فرض كفاية: فهو كل علمٍ لا يُستغنى عنه في قوام أمور الدنيا، كالطب إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان، والحساب فإنه ضروري للمُعاملات وقسمة الوصايا والمواريث.٣٠

وهنا نرى أن الغزالي يقترِب من رأي القابسي وهو رأي أهل السُّنَّة، الذين يجعلون عِلم القرآن والصلاة وبعض النحو والخط من العلوم الضرورية، أما الحساب فليس بِلازِم على المُعلم إلا أن يُشترَط عليه.

أما الطريق إلى تحصيل العلوم فهو على وجهَين:
  • (١)

    التعلم الإنساني وهو التحصيل بالتعلُّم من خارج.

  • (٢)

    التعليم الرباني وهو الاشتغال بالتفكُّر من داخل.

والتفكر استفادة النفس من النفس الكُلي، والنفس الكُلي أشد تأثيرًا وأقوى تعليمًا من جميع العلماء والفضلاء٣١ إلى أن قال: «والعلوم مركوزة في أصل النفوس بالقوة كالبذر في الأرض، والتعلُّم هو إخراجه من القوة إلى الفعل.» وليس ما يقوله الغزالي مُبتكرًا، فهذا مذهب ابن سينا والفارابي من قبل، وكلاهما أخذ عن الأفلاطونية الحديثة.
وقد مزج الغزالي هذه الآراء الفلسفية بما يقوله المُتصوفة، وما لا يخرج عن ذلك وإنما بأسلوبٍ آخر. «وقال قوم من المُتصوفة: إن للقلب عينًا كما للجسد، فيرى الظواهر بالعين الظاهرة، ويرى الحقائق بعين العقل.»٣٢
والإنسان لا يقدر أن يتعلَّم جميع الأشياء: الجزئيات والكليات، وجميع العلوم؛ بل يتعلم شيئًا، ويستخرج بالتفكُّر من العلوم شيئًا، وإذا انفتح باب الفكر على النفس علمت كيفية طريق التفكُّر، وكيفية الرجوع بالحدس إلى المطلوب.٣٣

وهذا المذهب في اكتساب المعرفة عن طريق الحسِّ أولًا ثم بالفكر والقياس والحدس، هو مذهب ابن سينا، كما هو مذكور في (النجاة) وغيره من الكتب.

أما التعليم الرَّباني فعلى وجهَين: إلقاء الوحي بأن يُقبل الله تعالى على تلك النفس إقبالًا كليًّا، وينظر إليها نظرًا إلهيًّا، ويصير العقل الكلي كالمُعلم، والنفس القدسية كالمُتعلم، فيحصل جميع العلوم لتلك النفس من غير تعلُّم وتفكُّر.

والإلهام تنبيه النفس الكلية للنفس الجزئية الإنسانية على قدْر صفائها وقبولِها وقوة استعدادها، والعِلم الذي يحصل على الإلهام يُسمَّى علمًا لدُنِّيًّا، ويكون لأهل النبوَّة والولاية.٣٤
ويحصل العلم اللدنِّي باتباع الطرق الآتية:
  • (١)

    تحصيل جميع العلوم وأخذ الحظ الأوفر منها.

  • (٢)

    الرياضة الصادقة والمُراقبة الصحيحة.

  • (٣)
    التفكر، فإن النفس إذا تعلَّمَت وارتاضت بالعلم، ثم تفكَّرَت في معلوماتها بشروط التفكر، ينفتح عليها باب الغيب.٣٥
فخُلاصة مذهب الغزالي أن: «الأولى أن يقدم طريق التعليم فيحصل من العلوم البرهانية ما للقوة البشرية إدراكه بالجهد والتعليم … فإذا حصل ذلك على قدْر إمكانه … فلا بأس بعده أن يُؤثِر الاعتزال عن هذه الخلق، الإعراض عن الدنيا، والتجرد لله.»٣٦

وهذا الرأي هو صورة من حياة الغزالي؛ لأنه لم يتصوَّف إلا في آخر حياته، بعد أن اشتغل بتحصيل العلوم.

ونعود إلى الكلام عن تعليم الصبيان.

وينبغي أن نُعلمهم منذ الصغر؛ لأن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر.٣٧ والطريق في رياضة الصبيان من أهمِّ الأمور وأوكدها. وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقشٍ وصورة، وهو قابل لكل ما نقش.٣٨
ثم نقل الغزالي في هذا الفصل الخاص برياضة الصبيان في أول نشوئهم ووجه تأديبهم ما ذكره ابن مسكويه في كتاب «تهذيب الأخلاق» نقلًا عن بروسن، وذلك بنفس الترتيب في الآراء، وبألفاظه في أكثر المواضع؛ وكل ما في الأمر أن الغزالي حذف منه الأغراض الفلسفية التي شرحناها سابقًا، ووضع أغراضًا جديدة تتلاءم مع مذهبه في التصوُّف. قال في بيان الغرض من تأديب الصبيان: «وإنما المقصود منها أن يقوى بها على طاعة الله … وإن الكيِّس العاقل مَنْ تزوَّد من الدنيا للآخرة حتى تعظم درجته عند الله تعالى.»٣٩
وذكر الغزالي في مكانٍ آخر الشروط التي ينبغي أن يأخذ بها المُتعلم٤٠ وهي:
  • (١)

    تقديم طهارة النفس على رذائل الأخلاق؛ إذ لا تصلح عبادة القلب بالعِلم إلا بعد طهارته عن خبائث الأخلاق.

  • (٢)

    أن يُقلل علائقه من الاشتغال بالدنيا ويبعد عن الأهل والوطن.

  • (٣)

    ألا يتكبَّر على العلم، ولا يتأمَّر على المُعلم، بل يُلقي إليه زمام أمره بالكلية.

  • (٤)

    أن يحذَر الخائض في العلم في مبدأ الأمر عن الإصغاء إلى اختلاف الناس، فإن ذلك يدهش عقله، ويحير ذهنه، ويُؤيِسُه عن الإدراك والاطلاع.

  • (٥)

    ألا يدع طالِب العلم فنًّا من العلوم المحمودة، ولا نوعًا من أنواعه، إلا وينظُر فيه نظرًا يطَّلِع به على مقصده وغايته … فإن العلوم متعاونة، وبعضها مُرتبط ببعض.

  • (٦)

    ألا يخوض في فنٍّ من فنون العلم دفعة، بل يُراعي الترتيب ويبتدئ بالأهم، فإن العمر إذا كان لا يتَّسِع لجميع العلوم غالبًا، فالحزم أن يأخذ من كل شيءٍ أحسَنه.

  • (٧)

    ألا يخوض في فنٍّ حتى يستوفي الفن الذي قبله، فإنَّ العلوم مُرتَّبة ترتيبًا ضروريًّا، وبعضها طريق إلى بعض.

  • (٨)

    أن يعرف السبب الذي به يُدرك الشرف في العلوم، فإن ثمرة علم الطب الحياة الدنيوية، وثمرة الدين الحياة الأخرى، فيكون علم الدين أشرف.

  • (٩)

    أن يكون قصد المُتعلم في الحال تحلية باطنه وتجميله بالفضائل، وفي المآل القُرب من الله … ولا يقصد به الرياسة والمال والجاه ومماراة السفهاء ومباهاة الأقران. ولا ينبغي أن ينظُر بعين الحقارة إلى سائر العلوم التي هي فرض كفاية.

  • (١٠)

    أن يعلم نسبة العلوم إلى المقصد، كما يؤثر الرفيع القريب على البعيد، والمُهم على غيره.

أما واجبات المعلم فهي:
  • (١)

    الشفقة على المُتعلمين، وأن يُجريهم مجرى بنيه.

  • (٢)

    ألا يطلب على العلم أجرًا، ولا يقصد به جزاءً ولا شكورًا.

  • (٣)

    ألا يدع من نُصح المُتعلم شيئًا، وأن يُنبه أن الغرَض من طلب العلوم القُرب من الله دون الرياسة والمنافسة والمباهاة.

  • (٤)

    أن يزجر المُتعلم عن سوء الأخلاق بطريق التعريض ما أمكن، ولا يُصرِّح، وبطريق الرحمة لا بطريق التوبيخ.

  • (٥)

    ألا يُقبِّح في نفس المتعلم العلوم التي وراءه، كمُعلم اللغة إذ عادته تقبيح علم الفقه.

  • (٦)

    أن يقتصر المُتعلم على قدْر فهمه، فلا يلقي إليه ما لا يبلغه عقله.

  • (٧)

    أن المُتعلم القاصر ينبغي أن يُلقي إليه الجلي اللائق به، ولا يذكر له أن وراء هذا تدقيقًا وهو يدَّخِره عنه؛ فإن ذلك يُفتِّر رغبته في الجَلي، ويشوِّش عليه قلبه.

  • (٨)

    أن يكون المُعلم عاملًا بعِلمه، فلا يُكذِّب قوله فعله.

في القواعد السابقة بعض المبادئ في التعليم تُعتبر من أسمى ما وصل إليه علماء التربية. وأهمها الترابط بين العلوم، والبدء بالأهم فالمهم، وبالواضح قبل الغامض، وبالأسبق في الترتيب.

ونأخذ على الغزالي ما يَعيبه على المُعلم من أخذ الأجر على التعليم، فهذا من الآراء المثالية التي لا تتفق مع الواقع. وهذا يختلف عن رأي القابسي.

ولكن الغزالي بسط هذه المبادئ العامة في إيجازٍ دون أن يخوض في تفصيل شئون التعليم والتربية. فلم يتكلم عن المنهج، أو مكان التعليم، أو اليوم المدرسي؛ أو العقاب، أو اختيار الصبيان إلى آخر ما جاء في رسالة القابسي.

وبعدُ فإننا نرى أن رأي الغزالي في التعليم جزء من مذهبه في التصوف، وهو مخالف بعض الشيء لمذهب أهل السُّنَّة.

فهو يتَّفِق معهم في الغرَض وهو معرفة الله تعالى، ومعرفة العبادات التي أمرنا بها، وأنواع الأفعال التي نهانا عنها.

ولكن الطريقة مُختلفة، فهو ينصح بطريق الصوفية وهو مُجاهدة النفس ورياضتها للوصول إلى قُرب من الله. وقد جرَّح الغزالي الفقهاء والمُتكلمين كما جرَّح الفلاسفة، فقال: «فكن حريصًا على معرفة ذلك السِّرِّ الخارج عن بضاعة الفقهاء والمُتكلِّمين.»٤١

(٥) الزرنوجي

ومن الكتب الذائعة الذكر عند العرب «تعليم المُتعلم طريق التعلُّم» لبرهان الدين الزرنوجي المُتوفى سنة ٥٩١ﻫ. وقد تُرجِم هذا الكتاب إلى اللغة اللاتينية.

ويَعُده الدكتور إبراهيم سلامة، إلى جانب كتاب القابسي، أهم كتابَين في التربية، وقد ترجم عناوين فصوله، ثم عرض بعض آرائه في إيجاز.٤٢

وعندنا أن السِّرَّ في شهرة هذا الكتاب راجع إلى عنوانه من جهة، وإلى أنه كتاب خاص بالتربية والتعليم فقط، ومثل هذه التآليف الخاصة قليلة عند المسلمين.

والرأي عندي أن قيمة هذا الكُتيِّب ضئيلة الشأن.

فهو صغير الحجم لا يكاد يبلُغ فصلًا من الفصول المؤلَّفة في التربية في كتب الفقه.

ولم يأتِ صاحبه بجديد، وإنما ذكر ما هو معروف متداول، ومزج الآراء بالحكايات وبعض الأشعار والأمثال.

وكثيرًا ما ينزل إلى مستوى العامة في الاعتقاد بأوهامٍ لا تستند إلى أساسٍ علمي. قال فيما يمنع الرِّزق كلامًا لا ينبغي أن يقوله العُلماء منه: «كنس البيت في الليل، وحرق قش البصل والثوم، والامتشاط بمشطٍ منكسِر، والتعمم قاعدًا، والتبوُّل قائمًا.»٤٣
وهو يجري في هذا الكتاب مجرى أهل السُّنَّة المائلين إلى التصوُّف، كما اشترط لطالب العلم أن: «يشتغل بالشكر باللِّسان والجنان، ويرى الفهم والعِلم والتوفيق من الله، ويطلب الهداية من الله بالدعاء منه والتضرُّع إليه، فأهل الحق وهم أهل السُّنَّة والجماعة طلبوا الحق من الله تعالى.»٤٤
وكان الغزالي من قبلُ مُتصوفًا، ولكنه كما ذكر عن نفسه أنه من فريق النظَّار، أي أهل النظر العلمي. ولذلك أوجب الغزالي معرفة العلوم في أول العمر، وهي التي تحصل بالدأب والاجتهاد، ثم ينقطع الإنسان إلى التصوُّف في آخِر العمر بعد تحصيل العلوم. أما الزرنوجي فإنه بعد أن نصح طالِب العلم بالمذاكرة والمناظرة والمطارحة والتأنِّي والتأمُّل، عاد فذكر أشياء لا تُوصِّل إلى العلم، وإنما تصلح لغاياتٍ أخرى. «قال أبو حنيفة: إنما أدركت العلم بالحمد والشكر.»٤٥ والحمد والشكر يأتيان بعد تحصيل العلم، وليس الحمد والشكر من أسباب تحصيله. ثم قال «ولا يعتمد على نفسه وعقله، بل يتوكَّل على الله ويطلب الحق منه.»٤٦

وهذه النصائح وأمثالها هي التي بثَّت في المسلمين روح التواكل والكسل وعدَم الاعتماد على النفس.

وبدأ الزرنوجي ببيان أنَّ طلب العِلم فريضة على كل مُسلم، وهو علم الحال كالصلاة والزكاة وما إلى ذلك، وبعد ذلك ينتقل إلى علم المآل.

وينبغي لطالِب العلم أن يصبر على أستاذٍ بعينه، ولا يشتغل بفنٍّ قبل أن يُتقن الأول، وأن يعظم أستاذه ويوقره، وأن يجوِّد الكتابة ولا يقرمط، «وينبغي ألا يكون في الكتاب شيء من الحمرة، فإنها صنيع الفلاسفة لا صنيع السلَف.»٤٧

وهذا منتهى الغاية في الجمود، والتعسُّف في الرأي دون عِلة معقولة؛ إذ أي عيب في الكتابة بالمداد الأحمر.

ولذَّة العلم من دواعي تحصيل العلم. أما الكسل والنسيان فعلاجهما تقليل الطعام. وينبغي أن يبدأ المُتعلم بما هو أقرب إلى فهمه، ولا يحفظ إلا بعد الفهم.

أما التكرار فيتبع فيه الطريقة الآتية: وهي خمس مرات أول يوم، ثم أربع مرات في اليوم الثاني، وثلاث مرات في اليوم الثالث، ومرتان في اليوم الرابع، ومرة في اليوم الخامس. فهذا أدعى إلى الحفظ.٤٨

وقد ضبط علماء التربية الحديثة طريقة التكرار بالتجارب، فوجدوا أن التكرار المُوزَّع على أيامٍ كثيرة، أفضل من التكرار المُستمر. وهذا يشبه ما قاله الزرنوجي، ولكنه لا يعتمد فيه على التجارب.

(٦) ابن عبد البر

ونعرض قبل أن نختم هذا الفصل بما ذكره ابن خلدون، لكتابٍ آخر في التعليم هو (جامع بيان العلم وفضله، وما ينبغي في روايته وحمله) لابن عبد البر النمري القرطبي المتوفَّى سنة ٤٦٣ﻫ.

وصاحب هذا الكتاب من أهل الحديث، ويتبع منهجهم في التأليف والتفكير، فهو لا يُجادل ولا يسُوق البراهين والأدلة، وإنما يتلمِس آثار السلَف، وقد ذكر المؤلِّف هذا المنهج في المُقدمة، فقال بعد ذكر الموضوعات التي سيعرِض لها ثم يجيب عنها: «ممَّا رُوِيَ عن سلف هذه الأمة، لتتَّبع هَديَهم، وتسلك سبيلهم، وتعرِف ما اعتمدوا عليه من ذلك.»٤٩

والجزء الثاني من الكتاب دفاع عن طريقة أصحاب الحديث، وفي وجوب الأخذ بالحديث في إقامة العلم، واتباع السلَف، وأن الرأي سبب في الوقوع في البِدَع.

فطريقة ابن عبد البر تُماثل طريقة القابسي في التأليف، إلا أن القابسي أكثر حرية؛ لأنه يرجح آراء الفقهاء إذا اختلفت، ويسلك في الرواية السبيل التي تتَّفِق مع العقل وتُلائِم طبيعة الأشياء، أما ابن عبد البر فيذكر الرأي ونقيضه بما ورد من أحاديث وآثار دون أن يُرجِّح أحدهما على الآخر، مثال ذلك ما جاء في ذكر النهي عن كتابة العِلم، ثم ما جاء عن الرخصة في كتابة العلم.٥٠

وبدأ المؤلف بالكلام عن وجوب طلَب العلم معتمدًا على الحديث: «طلَب العلم فريضة على كل مُسلم.» بعد أن خرَّج هذا الحديث من عدة طرق؛ ثم بيَّنَ أن العلم فرض عَين، ومنه فرض كفاية، وأن الأول هو معرفة أصول الإسلام، كالاعتقاد بوجود الله، والصلاة، والزكاة، والحج.

ثم استطرد إلى الآداب التي ينبغي أن يتحلَّى بها طالب العلم، كالصبر والزهد في الطعام والمال والرياسة.

ونصح المؤلف أن يكون طلب العلم في الصغر؛ لأن مَنْ تعلم العِلم وهو شاب كان كوشمٍ في حَجَر، ومن تعلم العلم بعد ما يدخل في السِّن كان كالكاتب على ظهر الماء.٥١

(٧) ابن خلدون

واتبع ابن خلدون — المُتوفَّى عام ٨٠٨ﻫ — مذهبًا مُخالفًا للفلاسفة والمُتكلمين والمتصوفة وأهل السُّنَّة، وهو المذهب الذي ابتدعَه وسبق به عصره، نعني المذهب الاجتماعي.

ذلك أن الإنسان حيوان مُفكر اجتماعي، خاضع في صِلة بعضه ببعض لقوانين اجتماعية، في جميع أمور معاشه وعمرانه.

ويمتاز الإنسان عن الحيوان بالفكر الذي يهتدي به لتحصيل معاشه، والتعاون عليه بأبناء جنسه، والاجتماع المُهيئ لذلك التعاون. «وعن هذا الفكر تنشأ العلوم.» «فيكون الفكر راغبًا في تحصيل ما ليس عنده من الإدراكات، فيرجع إلى مَنْ سبقه بعِلم، أو زاد عليه بمعرفة أو إدراك، أو أخذه ممن تقدَّمه من الأنبياء الذين يبلغونه لمن تلقَّاه فيتلقى ذلك عنهم.»٥٢
فالتعليم ضروري وطبيعي في البشر لحاجة الإنسان إلى معرفة العلوم المُختلفة التي لا تتيسَّر بالفَهم والوعي فقط، بل بملكةٍ خاصة. «والحصول على هذه الملَكَة في العِلم أو الفن يكون بالتعليم. ولهذا كان السَّنَد في التعليم في كل علم أو صناعة إلى مشاهير المُعلمين فيها مُعتبرًا عند أهل كل أفق وجيل.»٥٣
وانتشار التعليم، وتقدُّم العلم، مُتوقِّفان على الحضارة، «والمثال في ذلك أن القيروان وقرطبة كانتا حاضِرَتي المغرب والأندلس، واستبحر عمرانهما، وكان فيهما للعلوم والصنائع أسواق نافقة، ورسخ فيهما التعليم، فلمَّا خربتا انقطع التعليم من المغرب إلا قليلًا.»٥٤
والتفاوت بين الناس ناشئ عن حصول الملَكَات بواسطة التعليم، على عكس ما يظنُّه بعض الناس من أن هذا التفاوت راجع إلى اختلافٍ في حقيقة الإنسانية.٥٥
والعلوم المتعارفة بين أهل العمران على صِنفَين؛ علوم مقصودة بالذات كالعلوم الشرعية والطبيعية والإلهية؛ وعلوم آلية ووسيلة لهذه العلوم، كالعربية والحساب وغيرهما للشرعيات، والمنطق للفلسفة. وينبغي أن يُوجَّه الاهتمام إلى علوم المقاصد أكثر من وسائلها، ولهذا يجب على المُعلمين لهذه العلوم الآلية أن لا يستبحروا في شأنها.٥٦

والقرآن هو أول العلوم التي يتعلمها الصبي؛ لأن تعليم الوُلْدان للقرآن شعار من شعار الدين، أخذ به أهل المِلة، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم، لما يسبق فيه إلى القلوب من رسوخ الإيمان … وصار القرآن أصل التعليم الذي ينبني عليه ما يحصُل به بعضٌ من الملكات.

«وسبب ذلك أنَّ تعليم الصِّغَر أشد رسوخًا، وهو أصل لما بعده.»٥٧

وهذا مما أخذ به جميع المُفكرين في الإسلام.

ثم ذكر ابن خلدون بعد ذلك اختلاف الأمصار في الشرق والغرب في طريقة التعليم وما يبدءون به الصبي من العلوم المختلفة كما ذكرنا من قبل.٥٨

وعقد ابن خلدون فصلًا عن ضرر الشدة بالمتعلمين، يدلُّ على بصَرٍ شديد بعلم النفس، لأن: «مَنْ كان مَرباه بالعسف والقهر، سطا به القهر، وضيق على النفس في انبساطها، وذهب بنشاطها، ودعا إلى الكسل، وحمل على الكذب والخُبث وهو التظاهُر بغَير ما في ضميره خوفًا من انبساط الأيدي بالقهر عليه.» وهذا شبيه بما يذكره علماء التحليل النفساني المُحدثون في وجود عقدةٍ نفسية كامنة في اللا شعور هي التي تحرك أفعال المرء.

والعسف يفسد في الصبي معاني الإنسانية، فيفقد الحمية المُدافعة عن نفسه، ويصير عيالًا على غيره.

لذلك ينبغي للمعلم في مُتعلمه، والوالد في ولده، ألا يستبدوا عليهم في التأديب.

على أنه إذا استحق الضرب، «فلا ينبغي لمؤدب الصبيان أن يزيد في ضربهم إذا احتاجوا إليه على ثلاثة أسواطٍ شيئًا.»٥٩

وهذا هو رأي القابسي.

•••

والذين ألَّفوا في التعليم من المُتأخِّرين عن ذلك، لم يفعلوا أكثر من تلخيص آراء المُتقدمين دون ذِكر المراجع التي رجعوا إليها، كما هي الحال في أغلب الكتب المؤلَّفة في العصور المُتأخرة في جميع العلوم الإسلامية.

ومن هذه الكتب (رسالة في رياضة الصبيان) لشمس الدين الإنبابي، و(اللؤلؤ النظيم في رَوْمِ التعلُّم والتعليم) لشيخ الإسلام أبي يحيى زكريا الأنصاري، و(تحرير المقال) لابن حجر الهيثمي، وفضل علم السلف على الخلف لابن رجب البغدادي.

وكل مَنْ رجع إلى هذه الكتب، يستطيع أن يعثُر بسهولة على الأصل الذي استمدَّ منه أصحابها آراءهم. فهي إما لابن مسكويه كما فعل الإنبابي في نقل «رسالة تأديب الصبيان»، أو الغزالي كما فعل الأنصاري في نقل شروط المُعلم والمتعلم، أو ممَّا هو معروف في كتب الفقه والأدب.

١  إخوان الصفا، ج٤، ص١١٤.
٢  ج٣، ص١٩٨.
٣  ج٣، ص٣٨٤.
٤  إخوان الصفا، ج٣، ص٣٩٢.
٥  ج٣، ص٣٩٣.
٦  ج١، ص٢٣٦.
٧  إخوان الصفا، ج١، ص٢٣٦.
٨  ج٣، ص٤٢٣.
٩  ج٤، ص١٨.
١٠  ج٤، ص١١٤.
١١  ج٤، ص١٨.
١٢  ج٤، ص١١٩-١٢٠.
١٣  ج٣، ص٦٠.
١٤  تهذيب الأخلاق، ص٢.
١٥  تهذيب الأخلاق، ص١٩.
١٦  تهذيب الأخلاق، ص٢١.
١٧  تهذيب الأخلاق، ص٣.
١٨  تهذيب الأخلاق، ص٤.
١٩  تهذيب الأخلاق، ص٧ و٨.
٢٠  ص١٧.
٢١  ص١٩–٢٥: راجع مقدمة الأب لويس شيخو في كتاب «مقالات فلسفية لبعض مشاهير وفلاسفة العرب» ص٥٣.
٢٢  ص٢٢.
٢٣  تهذيب الأخلاق، ص٢١.
٢٤  مقالات فلسفية لبعض مشاهير فلاسفة العرب، بيروت ١٩١١م، المقالة الأولى: كتاب السياسة لابن سينا. وهناك شكٌّ في نسبة هذه الرسالة لابن سينا، لبُعدها عن أسلوبه.
٢٥  ميزان العمل، ص١٦٢.
٢٦  ميزان العمل، ص٣٤.
٢٧  الرسالة اللدنِّية ص٢٤، ٢٥.
٢٨  الإحياء، ج١، ص١٥.
٢٩  الإحياء، ج١، ص١١.
٣٠  الرسالة اللدنية، ص٤٨.
٣١  الرسالة اللدنية، ص٣٩.
٣٢  الرسالة اللدنية، ص٣٠.
٣٣  الرسالة اللدنية، ص٤٠، ٤١.
٣٤  الرسالة اللدنية، ص٤١، ٤٤.
٣٥  الرسالة اللدنية، ص٤٨.
٣٦  ميزان العمل، ص٣٨.
٣٧  ميزان العمل، ص٣٨.
٣٨  الإحياء، ج٣، ص٦٢.
٣٩  الإحياء، ج٣، ص٦٤.
٤٠  الإحياء، ج١، ص٤٣–٤٧.
٤١  الإحياء، ج١، ص٤٦.
٤٢  Bibl. Salama هذا وقد تُرجِم هذا الكتاب إلى اللغة الإنجليزية أخيرًا.
٤٣  تعليم المتعلم، من ٧١-٧٢.
٤٤  ص٤٨.
٤٥  ص٤٧.
٤٦  ص٤٨.
٤٧  ص٢٥.
٤٨  ص٥١.
٤٩  جامع بيان العلم، ج١، ص٣.
٥٠  ج١، ص٦٣–٧٢.
٥١  ص٨٢.
٥٢  مقدمة ابن خلدون، ص٣٠١.
٥٣  ص٣٠٢.
٥٤  ص٣٠٢.
٥٥  ص٣٠٤.
٥٦  ص٣٩٧.
٥٧  ص٣٩٧.
٥٨  انظر الفصل الثالث من هذا الكتاب، ص٧٧ وما يليها.
٥٩  ص٣٩٩.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤