مراسلات مكماهون

وفي تلك الأثناء، وإذا برجل يسمى علي أفندي البزار — مصري الأصل — جاء إلى الطائف وأحب أن يقابلني فقابلته، وإذا به يحمل كتابًا من مستر ستورس الكاتب الشرقي في دار القنصل العام البريطاني بمصر — وقد جرى ذكره قبلًا في هذه المذكرات — يقول فيه:

إلى الشريف عبد الله بك

بما أن الدولة العثمانية قد ضربت بصداقتها التقليدية مع بريطانيا العظمى عرض الحائط وانضمت إلى صفوف أعداء بريطانيا الألمان، فإن بريطانيا ترى نفسها في حل من تلك التقاليد التي كانت تربطها بتركيا من القديم. فهل إنكم وسمو والدكم المعظم على رأيكم الأول في القيام بما يجر إلى استقلال العرب استقلالًا تامًّا؟ فإن كنتم وسموه على ذلك الرأي إلى الآن، فإن بريطانيا العظمى على استعداد لإمداد الحركة العربية بكل ما هي بحاجة إليه.

وبالطبع لم أبتهج بهذه الرسالة، للخطر المحقق الذي كانت تجر إليه، لو عرف عنها أو سقطت في يد غير أمينة أو تفوَّه هو بشيء أو باع نفسه. وبالطبع أجبته بأنك رجل مخاطر بذاتك وقد ارتكبت الشطط فيما فعلت، ولولا الأمانة بأنك رسول لما ابتهجت مني في قدمتك هذه بشيء. وأخذت الرسالة إلى الوالد وعرضتها عليه، فابتسم وقال: اكتب إليهم بوصول الرسالة وقل «بأنا على غير استعداد البتة في الوقت الحاضر للمطالبة بحق العرب» واصرفه أمينًا مكرمًا. ففعلت وذهب.

وبعد شهر، أي على مسافة وصول الباخرة وقدوم أختها بعد الثانية، عاد برسالة أخرى من السر رولاند ستورس إليَّ، وبها كتاب من السر هنري مكماهون إلى سمو الشريف. أما كتاب ستورس إليَّ، فيرجوني فيه أن أقدم الرسالة إلى الشريف. وبالفعل قدمت، وبها صيغ من التعرف والإكرام وبيان حسن نية بريطانيا نحو العرب، وأنها — أي بريطانيا — قد انفكت من تقاليدها الودية مع تركيا … إلى آخر ما قاله. فأجاب، بواسطتي، إلى ستورس فقط، بأن قال: الصيف ضيعت اللبن.

ثم تتابعت مراسلات مكماهون المعروفة. وخلاصتها أن بريطانيا العظمى ستساعد العرب في حربهم التحريرية، بكل ما سيحتاجون إليه، حتى يتم جلاء الأتراك والألمان عن البلاد العربية، التي حددها المرحوم، وفق ما جاء من الهيئة المركزية لحزب العربية الفتاة في سوريا من حدود وهي: من إسكندرونة جنوبًا إلى الحدود المصرية برفح ثم التيه، فالبحر الأحمر غربًا حتى باب المندب، ثم يشرق مارًّا بمسقط وعمان وينحرف إلى الشمال محترفًا حدود البحرين والكويت، ثم يشرق مع حدود ولاية البصرة فحدود إيران، ثم يشمل إلى التقاء البلاد العربية ببلاد الكرد، ثم يغرب فيدخل الجزيرة والموصل ويترك ولاية حلب إلى الجنوب فينتهي عند الإسكندرونة.

وقد قال مكماهون في إحدى رسائله عن حكومته، إنها ستثابر على الحرب والمساعدة حتى يتم تحرير هذه الأقطار. وإن إنكلترا لا تستثني أي منطقة عربية لها فيها نفوذ، ما عدا الإمارات الواقعة على خليج فارس والبحر الهندي، تلك البلدان التي لها صلات عهد بحكومة الهند من القديم، وهي إمارة الأمير عبد العزيز العبد الرحمن الفيصل آل سعود وإمارة الكويت وإمارة البحرين وسلطنة مسقط وعمان ومشيخات حضرموت وسلطنة لحج. ثم إنها لا تقول بمحض عروبة أضنه ومرسين وغرب ولاية الشام — وقد عنت بذلك لبنان الصغير بالطبع — وقال: إن لحليفتنا فرنسا فيها حقوقًا.

ثم سأل في إحدى كتبه عن الكيفية التي ستدار بها البلاد المقدسة — يعني فلسطين — متى صارت في الحوزة العربية، فأجيب بأن النية منصرفة والعزم على إدارتها على حرية الديانات الثلاث. فجاء الرد بالشكر على ذلك، وأن بريطانيا العظمى ترحب بالخلافة الإسلامية إن هي عادت إلى الدوحة الهاشمية مرة أخرى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤