معوِّقات الترجمة في العالم العربي

أزمة الترجمة هي أزمة مجتمع. وإذا كان لنا أن نُحدِّد طبيعة المعوِّقات في ضوء دراستنا الميدانية فإننا نُجملها فيما يلي:

  • (١)

    فقدان خطة أو استراتيجية تنموية شاملة تُعبِّئ طاقة البلد أو البلدان العربية، وتكون أساسًا لنشاط علمي مجتمعي إبداعي. وتُشكِّل هذه الاستراتيجية الأساس المجتمعي المادي لحرية الفكر والإنسان، وهذه هي أيضًا مشكلة القارئ واللغة والكتاب.

  • (٢)

    الثقافة والتنمية الفكرية العقلانية العلمية تحتل — إن وُجدت — مرتبةً ثانية.

  • (٣)

    التنشئة الاجتماعية التي تُرسِّخ حالة الانحصار الذاتي وتقتل الفضول المعرفي وروح المغامرة والتمرد.

  • (٤)

    النظام التعليمي الذي يعتمد على الحشو ولا يُنمِّي القدرات العقلية والفضول المعرفي والنهج العلمي النقدي والتحصيل الثقافي، وأيضًا عدم الاهتمام باللغات. والقيمة العليا في التعليم هي لاستظهار النص.

  • (٥)

    الطابع الفردي في اختيار الموضوعات، وكذا على مستوى النشر، فضلًا عن أولية اعتبار الربح.

  • (٦)

    عدم توحُّد المصطلح العربي.

  • (٧)

    التخلف الحضاري والعلمي (ومن مظاهره شيوع أمية القراءة والكتابة، ناهِيَك عن أمية التعامل مع تكنولوجيا المعلومات المعاصرة، واستيعاب دلالة ومحتوى هذه المعلومات ومواكبتها، وسيادة نزوع هروبي باسم القناعة بعلوم السلف أو أسلمة العلوم).

  • (٨)

    عدم توافر القواميس العلمية، وهذا طبيعي؛ نظرًا لعدم حاجة النشاط الاجتماعي السائد والفكر المتخلف لمثل هذه القواميس.

  • (٩)

    الافتقار إلى تنظيم مؤسسي للمترجمين يكفل حقوقهم، ويرتفع بمستوى الأداء والعطاء.

  • (١٠)

    الأمية العلمية والثقافية، وأهم مظاهرها تدهور قيمة العلم اجتماعيًّا، وشيوع الخرافة والدجل والشعوذة.

  • (١١)

    الافتقار إلى التمويل في بعض البلدان، وإن كانت جميعها تُعطي أولويةً لأمور أخرى مظهرية ولا تعتبر الثقافة، ومن بينها الترجمة، استثمارًا إنتاجيًّا اجتماعيًّا بعيد المدى.

  • (١٢)

    الجامعات ومراكز البحث ليست على مستوى المنافسة العالمية، وهو ما يتمثَّل في إنتاجها وإسهاماتها في المؤتمرات العلمية العالمية.

  • (١٣)

    لعل من أهم معوقات الترجمة العلمية أو الانصراف عنها، أن الترجمة العربية لا تزال تفتقر إلى البرامج على المستويين القُطري والقومي؛ أعني كفالة وحدة اللغة والفكر قوميًّا. والقدرة على المساهمة الحضارية عالميًّا، انطلاقًا من تأكيد الذاتية القومية. وحريٌّ بنا أن نطرح السؤال التالي: كيف نساهم في بناء الذات دون دراسة الواقع بلغة التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بمنهج علمي، ودون رؤية مستقبلية، ودون قارئ ناضج علميًّا أو يفكر علميًّا ونهج للمعرفة توَّاق للاستكشاف والبحث؟ من هنا نجد ضرورة إنشاء مؤسسة عربية للترجمة، وفي ضوء هذا يتحدد دورها القومي.

    وفي ضوء ما سبق يَبين أن ازدهار حركة الترجمة رهن وضع استراتيجية تستهدف ازدهار المجتمع والإنسان ماديًّا وفكريًّا، وأن تُعبِّر عن زخم أو قوة دفع وحراك في المجتمع. إننا ونحن نفكر في الترجمة يجب أن نفكر في القارئ — الذي هو المجتمع — ومشكلاته وأثر بيئته عليه سلبًا وإيجابًا.

    ونُشير هنا — على سبيل المقارنة والتحدي — إلى أن إسرائيل كانت تعي حتى وهي لا تزال مجرَّد حركة صهيونية، وقبل أن تكون دولةً كانت تعي مقتضيات التحدي الحضاري وبناء قاعدة علمية نظرية وتطبيقية تكون ركيزتها وأساسها؛ إذ عُنيت بإنشاء الجامعات ومراكز البحوث، وأصبح لديها ضعف ما لدى أفريقيا كلها أو أمريكا اللاتينية كلها من العلماء الذين ينشرون أبحاثهم. كذلك فإن العلماء الإسرائيليين وهم أساتذة جامعات ومعاهد بحوث لا يتركون مؤتمرًا علميًّا ينعقد دون أن يشاركوا فيه بعدد كبير من أوراق البحث. ويحرصون على التواصل عن بُعد وعلى الاتصال المباشر بعلماء وجامعات البلدان المتقدمة وتبادل المعلومات. ويحظى أساتذة العلوم الأساسية بأطول الإجازات لمعايشة البحث العلمي والعلماء في الخارج. وهكذا تُعبِّر الجامعات والمعاهد ومراكز البحوث عن مجتمع يموج بالحركة والنشاط العلميَّين؛ ممَّا يجعل العلم يحتل مكانةً أولى، على عكس الحال في البلدان العربية؛ إذ نرى أن هذا الضرب من النشاط محدود جدًّا (أنطوان زحلان، العلم والتعليم العالي في إسرائيل، ترجمة محمد صالح العالم، دار الهلال ۱۹۷۰م).

  • (١٤)

    الملاحظ انحسار نشاط الترجمة بعامة في بلدان المغرب؛ نظرًا لأن البرجوازية المثقفة تجيد — بحكم النظام التعليمي في ظل الاستعمار الفرنسي — اللغة الفرنسية؛ لذلك نرى هذه الفئة تُعرب عن عدم الحاجة إلى الترجمة. ويعيش المجتمع بلغتَين؛ ممَّا يُفضي إلى شيوع الجهل بالحضارة وعلومها بين من يتحدثون لغتهم الأم فقط، سواء من العرب أم من الأمازيغ (البربر). هذا علاوةً على انحسار سوق التوزيع والانصراف عن القراءة العلمية، وهي آفة شائعة في جميع البلدان العربية.

  • (١٥)

    الملاحظ أن كتاب المشرق لا يُجسِّد سبيله إلى المغرب، والعكس صحيح، على الرغم من أن الثقافة أداة لتوحيد الوجدان العربي. وأحد أسباب ذلك الافتقار إلى نظام توزيع وتنسيق شاملًا بلدان العالم العربي. وطبيعي أن هذا يؤثر على رواج الكتاب المترجم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤