الجامعة العربية والترجمة

عند الحديث عن الترجمة من حيث دورها الثقافي النهضوي وفعاليتها الاجتماعية لا يسعنا أن نغفل دور الجامعة العربية ووعيها بدور الترجمة، وكذا جهودها في سبيل إصلاح هذا الوضع المتدني. ولا سبيل إلى إنكار أن ثمة وعيًا عربيًّا بهذا القصور الشديد؛ حيث إن الجامعة العربية هي تجسيد للمسئولين الرسميين في الأقطار العربية، ومن ثم جهودها تعبير عن رغبة أو فكرة جرت مناقشتها وألحَّت على الأذهان، ولكن سوف تنكشف عادةٌ سائدة في حياتنا، وهي الفصل بين الفكر والفعل.

هناك مرحلتان للترجمة تحت رعاية الجامعة العربية تعكس صورةً صادقة للوعي بالوضع الثقافي العربي وحالة الترجمة؛ المرحلة الأولى مع الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية. وقد أُنشئت هذه الإدارة في منتصف الأربعينيات بِناءً على المعاهدة الثقافية المبرمة بين الدول العربية عام ١٩٤٥م. وتنص المادة السابعة من هذه المعاهدة على «تنشيط الجهود التي تبذل لترجمة عيون الكتب الأجنبية القديمة والحديثة، وتنظيم تلك الجهود، وتنشيط الإنتاج الفكري في البلاد العربية بمختلِف الوسائل».

وضمَّت الإدارة الثقافية عددًا من أئمة الفكر العربي المستنير من أمثال طه حسين، وسليمان حزين، وغيرهما. وعُنيت الإدارة بموضوع الترجمة، واتجهت إلى ترجمة بعض الأعمال الثقافية والعلمية والأدبية. وصدر عنها عدد قليل من أمهات الكتب العالمية، من بينها على سبيل المثال: «قصة الحضارة» تأليف ويل ديورانت، وكتاب «السلطة والفرد» تأليف برتراند رسل، وكتاب «العلم والموارد في الشرق الأوسط» … إلخ. وكانت تعتزم — بناءً على اقتراح طه حسين — ترجمة روائع الأدب العالمي الخالدة، وأن تبدأ بأعمال شكسبير، ولكنها توقَّفت.

المرحلة الثانية تأتي عقب توقيع ميثاق الوحدة الثقافية العربية الذي أقره مجلس جامعة الدول العربية عام ١٩٦٤م، وتضمن الدعوة إلى ما دعت إليه المعاهدة الثقافية المبرمة عام ١٩٤٥م؛ أي الدعوة إلى تنشيط الترجمة والإنتاج الفكري. وأضاف الميثاق الدعوة إلى توحيد المصطلحات العلمية والحضارية، ومساعدة حركة التعريب. وتحوَّلت الإدارة الثقافية عام ۱۹۷۰م إلى «منظمة التربية والثقافة والعلوم»، اقتداءً بمنظمة اليونسكو العالمية، وتمَّ وضع دستور لها. ونذكر من بين الأعمال التي اضطلعت بها:

  • (١)

    الدعوة في عام ١٩٧٣م إلى عقد حلقة الترجمة في الوطن العربي، وانعقدت في الكويت في ٣١ / ١٢ / ١٩٧٣م. وبحثت الحلقة في «تنسيق حركة الترجمة في البلاد العربية، وإقامة جهاز تنسيق على صعيد العالم العربي يتولى وضع خطة قومية للترجمة بالاشتراك مع الأجهزة الوطنية، وبالتنسيق مع المنظمات الدولية والمؤسسات العلمية الأجنبية المعنية بالثقافة العربية».

  • (٢)
    أُنشئت بالفعل وحدة للترجمة عام ۱۹۸۱م، ووضعت هدفًا لها:
    • (أ)
      إقامة مشروع المعهد العالي العربي للترجمة، وقد استضافته الجزائر ولم يُفتح.١
    • (ب)

      إنتاج الترجمات. وأُنشئ المركز العربي للتعريب والتأليف والترجمة. وقد استضافته سوريا، ولكنه بدأ العمل منذ ۱۹۹۰م.

    • (جـ)
      التنسيق والتخطيط من أجل:
      • نشر دراسات عن واقع الترجمة في الوطن العربي.

      • إصدار دليل المترجمين ومؤسسات الترجمة والنشر، وقد صدر.

      • نشر الخطة القومية للترجمة، ونُشرت عام ۱۹۸٥م.

  • (٣)
    وفي الفترة من ٨ إلى ١١ نوفمبر/تشرين الثاني ۱۹۸۲م، عقدت أمانة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت الندوة الثانية بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والعلوم واتحاد الناشرين العرب، وأصدرت الندوة توصيات من بينها:
    • (أ)

      إنشاء مؤسسة عربية للتعريب والترجمة والتأليف والنشر تُكمل عمل المؤسسات القائمة.

    • (ب)

      تنفيذ الخطة القومية للترجمة التي أقرتها المنطقة العربية عام ۱۹۸۲م، وأقرَّها من بعدها مؤتمر الوزراء المسئولين عن الشئون الثقافية عام ۱۹۸۳م.

  • (٤)
    في محاولة من المنظمة لدراسة واقع الترجمة وجمع المعلومات، أرسلت استبانات تتضمَّن عددًا من النقاط والأسئلة، ولكنها تلقَّت إجابات سبع دول فقط. علاوةً على هذا توقف المشروع في أواخر عام ۱۹۸٥م بسبب إلغاء وحدة الترجمة بإدارة الثقافة، ولوحظ أن الجهات المختصة في الدول العربية لم تبذل الجهد اللازم لتنفيذ الخطة. ويكفي الإشارة إلى أن عددًا من الدول العربية لم يعبأ بالرد على الاستبانات المرسَلة إليها، هذا علاوةً على أن الردود التي وصلت تكشف عن وضع مأساوي؛ مثال:
    • تونس: تضمَّنت إجابة تونس أنها أصدرت من ١٩٦٦م إلى ۱۹۸۱م، أي على مدى ١٤ سنةً ۳۷ كتابًا فقط من بينها ۸ قصص أطفال. وبعض المترجمات من العربية إلى لغات أجنبية هي ترجمات لخطب الرئيس بورقيبة خلال هذه السنوات.
    • الجزائر: أفادت أنها ترجمت خلال الفترة من ۱۹۷۰م إلى ۱۹۸۰م، من وإلى العربية، ۲٤ كتابًا فقط.
    • السودان: ترجم ۱۸ كتابًا من ۱۹٦۰م إلى ۱۹۷۰م، ولم يترجم أي كتاب من ۱۹۷۰م إلى ۱۹۸۰م.
    • سوريا: نشطت حركة الترجمة بعد إنشاء وزارة الثقافة والإرشاد القومي مع قيام الجمهورية العربية المتحدة. والجانب الأكبر من الكتب المترجمة مخصَّص لتلبية حاجات الجامعة وبضعة كتب ثقافية. والغالبية كتب مترجمة من العربية تتضمَّن الخطب الرسمية وموضوعات حزبية.
    • ليبيا: أفادت بأنه أُنشئ معهد الإنماء العربي بطرابلس سنة ۱۹۷٥م؛ من أجل تنمية البحوث وترجمتها. أصدر حوالي ۱٥ كتابًا معظمها كتب مدرسية، وبعضها من العربية، مثل: «الكتاب الأخضر»، الذي تُرجم إلى عدة لغات.
    • السعودية: أفادت أن وزارة التعليم لديها شكَّلت لجنةً لاختيار وترجمة المصطلحات العلمية، يشارك فيها أعضاء من مكتب التربية العربي لدول الخليج، وحتى الآن — ۱۹۸۰م — لم يصدر كتاب واحد.
    • الأردن: أفاد في تقريره بعنوان: «واقع الترجمة في المملكة الأردنية الهاشمية»، وكتبه د. عيسى الناعوري فقال: «… تزدهر حركة الترجمة حيث توجد المؤسسات الداعية إلى تشجيعها … وهذا ما لم يتوافر في الأردن، ولا يبدو أنه سيوفَّر في القريب …»

    ثم يضيف: «والحقيقة أن عدد المترجمين في الأردن قليل جدًّا، ومن المؤسف أن الكثيرين منهم، حتى بين أساتذة الجامعة، يترجمون بلغة عربية ضعيفة، وبعض المترجمين لا يُتقنون اللغة التي يترجمون عنها؛ ولذلك يزداد الشك في قيمة ما يترجَم إلى العربية. وهذه مصيبة لا في الأردن وحده، بل في العالم العربي برمته.» وإن كان الوضع قد تغيَّر نسبيًّا الآن.

    ونعود إلى جهود المنظمة العربية للتربية:

  • (٥)

    أصدرت المنظمة «دليل المترجمين»، ولكنه قاصر؛ لأن الإجابات جاءت على لسان موظفين حكوميين لا علاقة لهم بالعمل الثقافي، أو أساتذة جامعات لا يعملون بالترجمة وإن أجادوا اللغة.

    وفي عام ١٩٩٤م أصدر وزراء الثقافة العرب توصيةً إثر الدورة التاسعة لمؤتمرهم المنعقد في بيروت ۱۹۹٤م نصَّت على:

    «دعوة المنظمة إلى تحديث الخطة القومية للترجمة التي أقرَّها المجلس التنفيذي في دورته الثلاثين، وكذلك أقرَّها المؤتمر العام في دورته الرابعة التي عُقدت في الجزائر عام ۱۹۸۳م، على أن تقدُّم للمؤتمر العام في دورته القادمة.»

    ولكن المنظمة تشكو حتى الآن من تعثُّر إجابات الدول العربية وضياعها بين دهاليز مكاتب الموظفين.

    وتحاول المنظمة الآن وضع ببليوجرافيا عامة تتضمَّن جميع الأعمال المترجمة في العالم العربي وأسماء المترجمين ومؤسسات الترجمة والنشر. وأسهمت المنظمة أيضًا في صياغة لائحة قانونية لرابطة المترجمين العرب، إذا ما حدث وأُقيمت هذه الرابطة. وتحمل مُسودات اللائحة العنوان التالي: «مشروع قانون نموذجي بشأن تنظيم مهمة الترجمة»، من إعداد الدكتور محمد حسام لطفي أستاذ القانون المدني. ويتمثَّل المشروع في خمسة أبواب تتعلق بالموضوعات الآتية: في إنشاء النقابة وأحكام العضوية، النظام المالي للنقابة، إدارة النقابة، التزامات المترجمين وتأديبهم، وصندوق المعاشات والإعانات.

    ووضعت مُسودة «دستور اتحاد المترجمين العرب»، ويتناول النظام الداخلي والأهداف وأجهزة الاتحاد والأمور المالية والإدارة.

  • (٦)

    مكتب «تنسيق التعريب» الذي أُنشئ عام ۱۹٦۰م تحت اسم «معهد الأبحاث والدراسات للتعريب» في الرباط (المغرب)، ثم أصبح من عام ۱۹۷۰م جهازًا من أجهزة المنظمة العربية، ويُعنى أساسًا بتوحيد المصطلح العربي، وأنتج حوالي ٥٠ معجمًا في التخصصات المختلفة، ويتبع منهجًا خاصًّا في دراسة المصطلح والاتفاق عليه واعتماده، ولكنه مع هذا منعزل عن النشاط العلمي الاجتماعي.

١  الشروع في تنفيذه هذا العام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤