الترجمة عن العربية (التعجيم)

نعود لنقول: إن نقل المعرفة، بما في ذلك الترجمة، التماس معرفة بهدف التفاعل الحضاري؛ أي لاستثمارها في إطار استراتيجية إنجاز قومي محلي، على اختلاف مجالات أنشطة المجتمع؛ علمية، وثقافية وصناعية … إلخ. وإذ نقول تفاعلًا حضاريًّا؛ فهذا يعني الأخذ والعطاء معًا في سياقٍ من الوجود الشبكي لحضارة عصر المعرفة، على أساسٍ من الكفاءة والندِّية، وضمانًا للاستقلال الذاتي، وتطويرًا للهُوية وللغة القومية. وحضارة العصر هي كما أشرنا العلم والتقانة في سياق مجتمع المعرفة، ومن ثم لنحاول أن نستشرف الواقع العربي تأسيسًا على هذه النظرة، لنرى ماذا يأخذ وماذا يعطي، وقدرته على العطاء اتساقًا مع مستوى ومقتضيات حضارة العصر.

نلحظ بدايةً غيابًا كاملًا لأي دراسات أو بيانات إحصائية منهجية ونسقية عن نشاط الترجمة والمترجمين عن العربية، ولكن المراقب لِمَا يجري تحت هذا المسمَّى في العالم العربي يرصد ما يلي، وإن بدا رصيدًا يشوبه قصور للسبب المذكور:

الترجمة عن العربية تنهض بها:
  • (أ)

    مؤسسات أو دُور نشر أجنبية.

  • (ب)

    مؤسسات إقليمية.

  • (جـ)

    مؤسسات حكومية ودُور نشر محلية.

المؤسسات أو دور النشر الأجنبية

نذكر منها:
  • (١)

    الجامعة الأمريكية في القاهرة: أصدرت عام ۲۰۰۱م عدد ۲٦ عنوانًا، تأليفًا وترجمة، وأصدرت عام ۲۰۰۲م عدد ۳۰ عنوانًا، تأليفًا وترجمة. المؤلفات الأجانب، والترجمات شارك في بعضها مصريون. وتدخل جميع الإصدارات ضمن مجال نقل المعرفة عن واقع عربي. وتشمل الترجمات أعمالًا أدبيةً وروائية أساسًا، وقضايا فكريةً واجتماعية أحيانًا.

  • (٢)
    مراكز دعم الأدب العربي والأفريقي: التي تتلقى دعمًا من الاتحاد الأوروبي؛ مثل: جمعية دعم الأدب في ألمانيا، التي تُصدر ترجمات لأعمال روائية عربية، وكذلك الجمعية الدولية SECUM ومركزها ميلانو، والمعنية بعلوم وثقافات البحر المتوسط؛ حيث شرق وجنوب المتوسط بلدان عربية.
  • (٣)

    مدرسة طليطلة في إسبانيا: المعنية بترجمة أعمالٍ عربية إلى الإسبانية وبالعكس، وجميعها دراسات تاريخية وأدبية.

  • (٤)

    مؤسسات رسمية أمريكية معنية بترجمة أعمال تراثية في العالم العربي إلى الإنجليزية، وتضمينها بنوك المعلومات، وقد عهدت إلى مركز الترجمة والنشر بجريدة الأهرام بمثل هذه المهام.

  • (٥)

    حَرًى أن نذكر هنا اليابان والصين: أصدرت دور نشر في اليابان عددًا من المترجمات الأدبية العربية، وبدأت الصين تهتم أيضًا بثقافة العالم العربي، وحرصت أكاديمية العلوم الاجتماعية بجامعة شنغهاي على ترجمة العديد من الأعمال الروائية والفكرية العربية، علاوةً على «معجم الأدباء العرب»، لمؤلفين صينيين، للتعريف بالأدباء والحياة الأدبية العربية، وأنشأت الصين منذ عام مركز دراسات الشرق الأوسط.

  • (٦)

    مجلة بانيبال: بريطانية، صدرت ۱۹۹۸م، وتخصَّصت في التعريف بالأدب العربي (الحياة ٢٣ / ١١ / ٢٠٠٢م).

  • (٧)

    السويد، حركة الترجمة الجديدة: وتُمثِّل مدرسةً حديثة العهد منذ خمس سنوات. وعدد المترجمين عن العربية إلى السويدية حوالي أربعة مترجمين غير متفرغين. ولا تزيد الأعمال المترجمة عن خمسة أعمال روائية كل عام، وبعضها ترجمة غير مباشرة، كما يقول الدكتور تتس روك المستعرب، وأستاذ اللغة العربية، والمترجم بجامعة أوسلو.

مؤسسات إقليمية (على سبيل المثال لا الحصر)

  • (١)

    المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (الإيسيسكو): وتضم قسمًا خاصًّا بالترجمة. ومقرُّها الرباط، وأُنشئت تنفيذًا لتوصيات مؤتمر قمة الدول الإسلامية المنعقد في فاس عام ۱۹۸۲م. وتعمل على نشر الثقافة الإسلامية، وتصدر مجلة «الإسلام اليوم» باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، وتنهض بترجمة بعض الكتب التي تخدم الثقافة الإسلامية من العربية إلى لغات أخرى.

  • (٢)

    مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود: مقرها الدار البيضاء، وتُموِّلها المملكة العربية السعودية. وتصدر عنها بعض الترجمات عن العربية لخدمة العقيدة. عملت منذ أول التسعينيات على تأسيس شبكة للترجمة والنشر بالاشتراك مع معهد العالم العربي في باريس، وقسم الترجمة التابع للبعثة الفرنسية للبحث والتعاون بالقاهرة. وضعت خطةً في منتصف التسعينيات تهدف إلى توسيع الشبكة باسم «المبادرة الأوروبية العربية للترجمة». وكان الهدف التعاونَ مع الجهات المعنية بالترجمة من اللغة العربية وإليها على صعيد أوروبا والعالم العربي. وتقول د. الحبابي تعقيبًا على هذا: «ولكن المؤسف له أن كل ذلك بقي حبرًا على ورق.»

  • (٣)

    جامعة الدول العربية: تُصدر وثائق، ومجلات، وكتبًا وثيقة الصلة بالقضايا العربية.

مؤسسات حكومية ودُور نشر محلية

نذكر من بينها:
  • (١)

    مجمع البحوث الإسلامية في مصر: يُصدر دراسات وكتبًا عن العقيدة للمسلمين في غير البلدان العربية.

  • (٢)

    الهيئة العامة للكتاب، القاهرة: وتُصدر ترجماتٍ أدبيةً وسياسية لكُتاب مصريين.

  • (٣)

    المكاتب الإعلامية التابعة لوزارات الخارجية أو الدواوين الملكية والرئاسية: وتُعنى بترجمة خطب وأحاديث الملوك والرؤساء وسِيَرهم الذاتية، وتُصدر مجلات أو كتبًا عن الاتصالات والعلاقات مع الدول الأخرى أو للتعريف بالبلاد.

  • (٤)

    بيت الحكمة في تونس: تأسس ۱۹۸۲م، ويقول د. عبد اللطيف عبيد إنه «أصدر ما يزيد على ٩٠ كتابًا منها ۲۳ كتابًا مترجمًا عن العربية وإليها، من بينها ۱۹ كتابًا معربًا» (أي أربعة كتب معجمة وهي من الأدب التونسي) (ص۱۰)، ويذكر أيضًا أن دراسة عبد الوهاب الدخلي (۱۹۸٥م) تشير إلى أنه بلغ عدد النصوص المترجمة من الأدب التونسي الحديث والمعاصر إلى اللغات الأخرى ٦٤٥ نصًّا، تتراوح ما بين نص نثري أو شعري قصير أو مجموعة مختارات، ولا يزيد عدد الكتب عن ۱۱ عنوانًا (ص۱۲).

  • (٥)

    الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالرياض: تهتم بترجمة الكتب المختصة بالعقيدة الإسلامية الموجَّهة لغير العرب من المسلمين.

  • (٦)

    رابطة العالم الإسلامي: مقرها مكة، تهتم بترجمة الكتب والبحوث التي تهم الشعوب والأقليات المسلمة في غير البلدان العربية.

  • (٧)

    منظمة المؤتمر الإسلامي، والمؤسسات المنبثقة عنها: مقرها جدة، ولها إصدارات تربوية ودينية بلغات عدة.

  • (٨)

    الندوة العالمية للشباب الإسلامي: مقرها الرياض.

  • (٩)

    مكتب التربية لدول الخليج: عقد اتفاقات مع منظمات دولية وبعض دُور النشر العالمية، واتحاد الطلبة المسلمين بالولايات المتحدة؛ لترجمة كتب دينية إلى اللغة الإنجليزية (دراسات عن واقع الترجمة في الوطن العربي ص۲۲۸).

فلسطين

حرًى أن نخص بالذكر نشاط الترجمة عن العربية لدى أبناء فلسطين. يشير د. حسام الخطيب في «دراسات عن واقع الترجمة» ص٦٤–۸۳ إلى أن الفلسطينيين لهم جهد مُميَّز في مجال الترجمة عن العربية، لعرض قضاياهم وثقافتهم بلغات أجنبية، على الرغم من حالة الشتات. ويقول: على الرغم من النكبة وعدم توافر أجهزة ومؤسسات للترجمة، فإن هذا لم يمنع ظهور حركة ترجمة موازية للحركة النضالية؛ للتعريف بقضايا وآداب الشعب الفلسطيني، ويُشيد بدَور الشاعرة الباحثة المترجمة سلمى الخضراء الجيوسي، صاحبة مشروع «بروتا» الذي تولَّى نقل روائع التراث العربي، ماضيه وحاضره، هذا علاوةً على جهود نقل الشعر، والنتاج الأدبي الفلسطيني إلى لغات أخرى عديدة.

المغرب العربي

من الأهمية بمكان إضافة كلمة ذات دلالة عن وضع متمايز للمغرب العربي في مجال الترجمة عن وإلى العربية؛ إذ تُعاني بلدان المغرب العربي من أزمة ثنائية أو ازدواجية اللغة. ويقول شحادة الخوري «دراسات» ص۱۳۸: «إن ازدواجية اللغة (أي العربية والفرنسية في التعليم والتأليف والصحافة) أثَّرت تأثيرًا فعالًا على حركة الترجمة، فأبطل الشعور بالحاجة إليها.» ويبلغ إجمالي الكتب المطبوعة في المغرب عام ۱۹۸۰م، عدد ۲٥۳ كتابًا بالعربية، و۲۰۰ كتاب بالفرنسية. وفي عام ۱۹۸۳م، ۱۲۳ كتابًا بالعربية، و١٠٢ كتاب بالفرنسية. ويضيف أن الكتاب والمُثقَّفين يُفضِّلون الكلام والكتابة بالفرنسية (وطبيعي أن يدخل هذا ضمن نقل المعرفة والثقافة العربية بلغة غير العربية).

وتقول د. الحبابي في هذا الصدد: «الترجمة تتم عمومًا من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية …»

وتضيف: «ترجمة الإبداعات الروائية غالبًا ما تتصدى لأعمال حديثة الصدور»، «وإن ما يُترجَم في كثير من المجالات الأخرى قد تفصله عن تاريخ صدوره سنين، بل قرون (مثل ترجمة نقد الشعر عند العرب لمؤلِّفه الطرابلسي). وتُستثنى من هذه الظاهرة المحاضرات الرمضانية السنوية التي تُلقى في شهر رمضان في حضرة صاحب الجلالة الملك … وتُترجم إلى اللغات الفرنسية والإنجليزية والإسبانية، وتُمثِّل وحدها كميةً مهمة ممَّا يُترجَم في مجال الفكر والدين الإسلامي، كما تُستثنى من ذلك الخطب السياسية الملكية، وخطب بعض القيادات الحزبية والسير الذاتية السياسية»، ص۹۸–۹۹. وتشير إلى وجود بيوت معنية بترجمة الثقافة العربية مثل؛ بيت آل الحبابي، الذي عُني بنقل كتب فلسفية، وأدبية ودواوين شعرية من اللغة العربية إلى الفرنسية، ص۷۱.

ونقرأ في هذا الشأن للدكتور عبد اللطيف عبيد ما يلي: «وتتصف الوضعية اللغوية في تونس بالثنائية التي تُهيمن ضمنها اللغة الأجنبية (الفرنسية أساسًا) على اللغة العربية، وتستأثر دونها بالمجالات الحيوية في التعليم والإدارة والاقتصاد؛ إذ تستخدم الفرنسية في تدريس المواد العلمية والتقنية، وفي تدريس التخصُّصات العلمية والهندسية … إلخ.» ويضيف: «إنه لمن الجائز القول: إن الثنائية اللغوية في تونس قصرت استخدام العربية كليًّا أو غالبًا على المجالات السياسية والدينية والأدبية، وعلى الإعلام والثقافة الجماهيرية، في حين استأثرت الفرنسية بالمجالات العصرية.» ثم يستطرد قائلًا: «وإن فرض اللغة الفرنسية في التعليم، واحتكارها للتعبير العلمي، يجعلان من الترجمة عملًا لا جدوى من ورائه» ص۳.

الخلاصة

نخلص ممَّا سبق إلى ما يلي:

يدور نشاط الترجمة عن العربية في المجالات التالية حصرًا:

  • (١)

    الهم الأول ترجمة خطب وأحاديث الملوك والرؤساء وسيرهم الذاتية.

  • (٢)

    نشر العقيدة وتأكيد الصلات بين المسلمين في مختلِف بلدان العالم.

  • (٣)

    ترجمة أعمال أدبية من شعر أو قصص أو تراث.

ويبين جليًّا أن العطاء العربي (النقل المعرفي) محصور في نطاق إفادة الغرباء بحياة الملوك والرؤساء، أو اطراد رسالة إبلاغ العقيدة؛ فهذان هما الهم الأول الذي يستوعب جُل الجهد، ثم يليهما بمسافة أو مسافات نقل دراسات تراثية تاريخية وأعمال أدبية، ولا شيء بعد ذلك من المعارف العلمية.

والسؤال: ماذا لو تأمَّلنا هذا الوضع الذي نسميه تجاوزًا «العطاء المعرفي العربي للعالم»، في ضوء تعريفنا لمعنى نقل المعرفة، تأسيسًا على السياق الكوكبي؛ أي في عصر المعلوماتية، ونشوء مجتمعات المعرفة، وثورة العلم والثقافة؟ وماذا لو تأمَّلنا واقعنا المعرفي العربي من منظور الواقع المعرفي الشبكي، والمشاركة الإيجابية في المعرفة على الصعيد الكوكبي، وإلى أي مدًى تتوافر لنا مؤهِّلات لكي نسهم كطرف منتج في حوار علمي ثقافي مؤسسي كوكبي، شرطه إبداع جديد، واستثمار هذا الجديد، وتمكين المجتمع وللإنسان في مُناخ من حرية المعرفة والتفكير والإبداع؛ من أجل اطِّراد التقدم والتغيير والمنافسة، وتجنبًا لهيمنة الآخر؟

إن عطاءنا من احتياجات ومقتضيات عصر العلم والثقافة صفر. هذا على عكس الحال حين ينهل الغرب بنهم شديد في مطلع نهضة علوم العرب الأسبقين؛ إذ كانت علومهم دعامةً لحركته، وخطوةً على درج سُلَّم ارتقى به مدارج حضارة، بلغت عصر الصناعة، ثم المعلوماتية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤