نقل المعرفة والترجمة في العالم العربي

تعريف

الترجمة التماس معرفة وتفاعل حضاري، عن طريق النقل البشري أو الآلي من لغة إلى لغة تحريريًّا أو شفاهيًّا، وبهدف معرفي علمي وثقافي، أو بهدف مهني مثل؛ ترجمة الرسائل والخطب والنشرات … إلخ. ونقل المعرفة أوسع وأشمل؛ إنه التماس معرفة بوسائل عديدة متباينة من بينها الترجمة، وقد يكون من خلال المشاركة في المؤتمرات استضافةً أو ضيافة، والعلاقات الشخصية بين العلماء والتقانيين، واللقاءات المباشرة أو عبر الشبكات (الإنترنت). وقد يكون من خلال جهود البحث، وهي جهود تعتمد على الإبداع العلمي التقاني الذاتي، مع الإفادة بحصاد خبرات الآخرين، خاصةً وأن الإنجاز العلمي التقاني لم يَعُد محليًّا، بل عالمي وشبكي مؤسسي، معتمدًا في تطوره المطرد على التغذية والتغذية المرتدة بين إنجازات المجتمعات في العلم والتقانة. وقد يكون نقل المعرفة من خلال الدراسة في جامعات الخارج، أو تبادل البعثات والمنح، أو التأليف المشترك بين أساتذة الجامعات. وقد يأتي نقل المعرفة استراقًا من رصيد يحرص صاحبه على الاحتفاظ به سرًّا، لأنه مصدر هيمنة وقوة علمية أو تقانية، وهذه من مهام حرب الذكاء. وقد يأتي عن طريق استنزاف العقول، على نحو ما نرى من جهود البلدان المتقدمة في جذب عقول متميزة من أبناء البلدان النامية، أو على نحو ما فعلت الولايات المتحدة في أعقاب الحرب الثانية من جذب العلماء الألمان، أو في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي السابق من جذب العلماء السوفييت الذين استهوتهم الولايات المتحدة وإسرائيل وغيرهما.

وهنا تنقسم المجتمعات إلى مجتمعات جاذبة للعقول وأخرى طاردة. ونشهد اليوم نقل المعرفة وتبادلها عبر الإنترنت، أو طريق المعلومات فائق السرعة، الذي يستلزم توافر مؤهلات للتمكين من المشاركة والاستفادة معًا، مثل؛ مستوى ونوع التعليم، وحرية التعبير، والقدرة على الاستيعاب، وقيام مجتمع نَهِم للمعرفة واستثمار الجديد، وقدرة على التعلم مدى الحياة.

ويُمثِّل نقل المعرفة — بما في ذلك الترجمة — رصيدًا استثماريًّا وإبداعيًّا، بما يضيفه ويُهيِّئه من فرص لتجديد البنية الذهنية للفرد وللمجتمع، وما يهيئه من قيمة جديدة وفكر جديد للمجتمع، وطاقة جديدة للتمكين وممارسة النفوذ، واطِّراد عملية التحديث. وكذا فُرص جديدة للاستيعاب والعطاء في إطار المشاركة المعرفية الكوكبية، عبر شبكة الاتصالات الكوكبية التي هيَّأتها ثقافة الاتصالات، وللتأثير المتبادل دون التأثر سلبًا فقط حين يجف نبع العطاء. وأدَّت عملية نقل المعرفة وتبادل الآراء والحوارات عبر شبكة الاتصالات الكوكبية إلى نشوء مجتمعات افتراضية، أضحت تُشكِّل قوة تأثير على نحو ما حدث في سياتل وغيرها من جانب المناهضين للعولمة، علاوةً على ما حقَّقته من مضاعفة الشفافية في نقل المعلومات عن المجتمعات دون اعتبار للحدود والقيود.

وتُمثِّل المعارف والثقافات في جميع الأحوال قاسمًا مشتركًا، وهدفًا إراديًّا منشودًا لاستثمارها وفاءً لحاجة مجتمعية، وإن تنوَّعت آليات التحصيل. ونقصد بالمعرفة مرحلةً تتجاوز مرحلة المعلومات والبيانات. إنها بناء نسقي منهجي وهادف من المعلومات، صاغه المجتمع في ضوء تجاربه وخبراته وثقافته وحاجاته الراهنة والمستقبلية؛ ليكون أداة تكيف فاعلةً في علاقاته الاجتماعية الداخلية، وفي تفاعله الأيكولوجي، وعلاقاته مع المجتمعات الأخرى.

وترصد جميع الأمم على مدى التاريخ جهود المحيطين بها، والمنافسين لها، أو المتصارعين معها. ويحرص البلد الناهض على استيعاب جهود الآخرين، وتَمثُّل الإيجابي منها، ضمن جهوده الهادفة إلى التفوق؛ ضمانًا وأمانًا لوجوده المادي والفكري. وإن تَمثُّل المعرفة الإبداعية المتجددة والمتفاعلة مَعلَم على قدرة المجتمع على التفكير والتحليل وفهم الأوضاع، والتي بدونها يكون التخلف والضياع. والمعرفة منذ البدء هي وليدة فعل ونشاط الإنسان/المجتمع وتفاعله لإنتاج وجوده، وهي بذلك شرط اطِّراد وجود تقدم الإنسان/المجتمع. غير أن المعرفة تحتَلُّ اليوم صعيدًا أرقى، وباتت مصدر تمكين ومنافسة في سياق كوكبي، وهي ثروة المجتمع وعماد إنتاجه. وفائض قيمة المعرفة هو رصيد البناء والتطوير، وتراكم أو تنامي رأس المال الاجتماعي البشري. وجدير بالذكر أن المعرفة الإبداعية لا حدود لها؛ فهي إنتاج متجدد متسارع. إنها رسملة الثروة المعرفية، وبدونها يئول المجتمع إلى نكسة متسارعة في سياق التنافسية الكوكبية.

ويقول في هذا الصدد مانويل كاسل في سفره المرجعي «عصر المعلومات»: «وفي نمط التطور المعلوماتي الجديد يتمثَّل مصدر الإنتاجية في ثقافة توليد المعرفة، ومعالجة المعلومات والاتصال الرمزي. حقًّا إن المعرفة والمعلومات عنصران حاسمان في جميع أنماط التطوير؛ نظرًا لأن عملية الإنتاج تعتمد دائمًا وأبدًا على مستوًى ما من المعرفة ومعالجة المعلومات. ولكن ما يُميِّز نمط التطور المعلوماتي هو تأثير المعرفة على المعرفة نفسها كمصدر رئيسي للإنتاجية. وتتركز عملية معالجة المعلومات على تحسين تقانة معالجة المعلومات كمصدر للإنتاجية في دوائر تفاعل متباينة، بين مصادر معرفة التقانة واستخدام التقانة لتحسين توليد المعرفة، وتحسين عملية معالجة المعلومات.»

صفوة القول: ثمة معايير جديدة خلقها مجتمع المعرفة لتقدير القيمة التنافسية بين المجتمعات؛ من ذلك براءات الاختراع، والبحوث، والتطوير، وتوافر عمالة المعرفة. والمعرفة في جميع الأحوال هي معيار التقييم والتقسيم بين المجتمعات، وهي قوة الإنتاج ومناط الفائض، وقاطرة التقدم، وأداة الهيمنة، وعماد المنافسة؛ ومن ثم فإن المجتمعات المهمَّشة الآن، أو مستقبلًا، هي المُهمَّشة معرفيًّا؛ أي أرادت لنفسها ذلك بسبب تقاعسها؛ لأن المعرفة لا حواجز تحول دون إنتاجها وتحصيلها ونقلها سوى حواجز ذاتية.

السياق الكوكبي

الحديث عن النشاط الاجتماعي لنقل المعرفة، بما في ذلك الترجمة، لا يستقيم دون الإشارة إلى السياق الكوكبي الذي يُمثِّل في آنٍ واحد بيئة صراع وتحدٍّ، وبيئةً للفعل الاجتماعي لنشاط المعرفة، في تكامل أو تباين مع السياق المحلي، تأسيسًا على المقارنة بين مستويات الفعل هنا والفعل هناك، والتفاعل وبيان أوجه القصور أو التميز، ومن ثم طبيعة التحديات ومؤشرات الحركة.

وإذا كانت المقارنة ضروريةً لتعرف الذات موقعها من الآخر، ودفع خطوها في تفاعلها وتنافسها مع هذا الآخر، ومن أجل بناء نفسها وتصحيح أوضاعها الذاتية؛ فإنها الآن أكثر ضرورةً في ظل شرط وجودي عالمي جديد، تداخلت فيه العلاقات بين الأمم والجماعات والأفراد، بحيث يقال: إن الوجود الاجتماعي على الصعيد العالمي وداخل المؤسسات وفيما بينها، أضحى وجودًا شبكيًّا، ومن ثم لا يمكن لمجتمع أن يبني ذاته تأسيسًا على رصيده الذاتي أو بمعزل عن الآخر أو عالةً عليه، مستهلكًا للفكر والعلم والتقانة.

لقد تحوَّلت الاقتصادات الكوكبية المتقدمة إلى اقتصادات معرفة، وأضحى الكوكب بؤرة تواصل متداخل، وتشارك وتقاسم للمعرفة في سياق تفاعل وتنافس محليًّا وعالميًّا. وتُمثِّل المعرفة بذلك مصدر ثروة عالي القيمة للغاية، يتعيَّن حيازته وإحراز السبق فيه والسيطرة عليه؛ لمنافعه الاقتصادية، وضمان أمن واطِّراد الوجود المجتمعي.

وإن نقل المعرفة والترجمة بالمعنى الذي أسلفناه، وباعتباره الوجه المتكامل مع الإبداع المحلي للمعرفة، يُمثِّل مؤشرًا على موقفنا من المعرفة؛ لكي نقارن بين حالنا وحال غيرنا ممن يخطون على عتبة عصر جديد، عصر الثورة المعرفية أو مجتمع المعرفة، عصر يُمثِّل طَورًا جديدًا في سُلَّم التطور الارتقائي للبشرية، يكاد يماثل مرحلة اختراع الكتابة، وستكون له تجلياته الفيزيقية والعصبية والنفسية والاجتماعية. طَور ربما يكون حدًّا فاصلًا بين نوعين من البشر، بحيث يُخلِّف وراءه من هم أدنى مستوًى، وأعجز عن الملاحقة والتكيف.

وإذ تقف البشرية المتقدمة والناهضة على أعتاب عصر الثورة المعرفية، فإنها بصدد تشكُّل ما يمكن أن نسميه بُعدًا كوكبيًّا إضافيًّا للذاتية المحلية؛ أي ذاتية كوكبية مضافة، تتحدَّد معالمها ومكوناتها أكثر فأكثر، وتتفاعل مع ما هو محلي من خلال الاتصال عبر اللغات والثقافات، والتفاعلات في مجالات العلم والتقانة والاقتصاد والفكر. قد تكون الذاتية المضافة تهجينًا وثمرة تفاعل يُفضي إلى ظهور أنماط جديدة من الأفكار، وقد تكون هيمنةً تصل إلى حد الطمس لثقافات اجتماعية جفَّت ينابيعها، أو جهود أصحابها عن العطاء، وهكذا تفرض الذاتية الكوكبية أبعادًا وأُطرًا جديدةً للصراع الأبدي بين المجتمعات على الأصعدة الثقافية والاقتصادية. وتدور هذه الأبعاد الآن حول محور المعرفة، أو الكثافة المعرفية إبداعًا واستثمارًا وفائضًا.

يعيش العالم اليوم صراعًا محمومًا تقوده تقانة الاتصالات والمعلومات من أجل سرعة إنتاج واستثمار المعلومات والسيطرة عليها، باعتبار المعلومة مادةً وهدفًا استراتيجيًّا شأن الطاقة. ويتجلى الصراع في جهود البحث العلمي والتطوير، والذي يعني كما تشير مقدمة الكتاب السنوي لليونسكو: «الأنشطة المنهجية والإبداعية التي تمارَس بُغية زيادة رصيد المعارف، بما في ذلك المعارف الخاصة بالإنسان والتقانة والمجتمع، واستخدام رصيد المعارف هذا لابتكار تطبيقات جديدة. ويشمل نطاق البحث العلمي والتطوير التجريبي البحوث الأساسية (أي الأنشطة النظرية والتجريبية التي تُجرى بدون هدف تطبيق عملي مباشر). كما يشمل البحوث التطبيقية في مجالاتٍ كالزراعة والطب والكيمياء والصناعة … إلخ (أي الموجَّهة أساسًا نحو هدف عملي مُحدَّد)، وكذا أنشطة التطوير التي تؤدي إلى استحداث أنظمة وطرائق ومنتجات جديدة.»

وينفق العالم سنويًّا على البحث والتطوير أكثر من ٥٠٠ مليار دولار، ويعمل في هذا المجال ٤٫٣ مليون باحث. وتُخصِّص البلدان الصناعية حوالي ٣٪ من إجمالي الناتج الوطني للبحث والتطوير، ويُنتج هذا رصيدًا متزايدًا من المعرفة العلمية، ويُمثِّل هذا الجهد مجال المشاركة الكوكبية في المعرفة. وتطمح كل البلدان المتقدمة والناهضة إلى استيعاب هذا الكم المتزايد من المعلومات من مصادر المنشأ عن لغته الأصلية. وتُمثِّل اللغة الإنجليزية قُرابة ۸٥٪ من جملة هذا الرصيد العلمي التقاني. وهنا تبدو الترجمة بالنسبة للمجتمعات العربية تحديًا ثقيل الوطأة، ومطلبًا حيويًّا يستلزم تنظيم وتخطيط الجهود على الصعيد العربي كله، في إطار استراتيجية عربية متكاملة وطَموحة، تشمل التعليم والإدارة والاقتصاد … إلخ، وإعادة هيكلة اجتماعية. وسوف يبين خطر هذه المهمة حين نعرض إحصاءات الترجمة العلمية وجهود البحث العلمي العربي.

وتُبدي الدول المتقدمة والناهضة اهتمامًا كبيرًا بنقل المعرفة وبالترجمة من شتى مصادرها، ولا تقتصر الجهود على الجديد والحديث من المعارف، بل وأيضًا القديم والتراثي؛ ليكون البلد المَعنيُّ موسوعةً ومرجعًا كبنك معلومات ومصطلحات. وهذا ما تفعله الولايات المتحدة تحديدًا. وظهرت شركات تخصَّصت في الترجمة، علاوةً على جهود المؤسسات الرسمية؛ مثال ذلك: شركة بريطانية تحمل اسم Wordbank، ويعمل لديها وحدها ٥٥۰ مترجمًا محترفًا. وتُقدِّر مجلة نيوزويك كُلفة الترجمة عام ۱۹۸۹م بمبلغ ۲۰ مليار دولار. ويُصدر العالم سنويًّا أكثر من مائة ألف عنوان مُترجَم. وجاوزت جملة الإصدارات تأليفًا وترجمةً ٨٣٠٠٠٠ عنوان سنويًّا.

وجدير بالذكر أن اليابان مع مطلع نهضتها في عصر «الميجي»، حرصت على نقل جميع المعارف العلمية والثقافية إلى اليابانية، علاوةً على إيفاد البعوث من الطلاب النابهين؛ لتحصيل علوم الغرب المتقدم والعودة إلى اليابان، حيث المجتمع يعيش نهضةً حقيقية تُمثِّل للخريجين مجالًا حيويًّا لتوظيف واستثمار معارفهم. قرَّرت اليابان آنذاك أن العلم أداتها للنهوض، شريطة أن تمتلك ناصيته بحثًا وتجريبًا. ولذلك عُنيت بتعليم اللغات الغربية، وتهيئة مُناخ تنمية الإبداع من خلال التنشئة الاجتماعية في البيت والمدرسة والمجتمع. واقترنت جهودها بنهضة تعليمية ودستورية شاملة لصناعة عقل جديد. وأصابت اليابان آنذاك — ولا تزال — حُمَّى التهام علوم وثقافة الغرب. لم يكن منطقها محاكاة الحداثة الغربية، بل استيعاب علوم الغرب من موقع المنافسة والندية لتحديث اليابان. وأُقيمت في بداية عصر «الميجي» المؤسسة الهولندية التي اضطلعت بأعباء إنشاء حركة ترجمةٍ واسعة النطاق، وعقدت اليابان اتفاقات مع كُبرى دُور النشر العالمية لإصدار طبعة باللغة اليابانية من إصداراتها العلمية حال صدورها بلغتها الأصلية. ويُقدَّر عدد العناوين المترجمة آنذاك ۱۷۰۰ عنوان سنويًّا.

ويقول الدكتور محمد إسماعيل صالح (الصيني) — الأستاذ بجامعة الملك سعود: إن اليابان تترجم سنويًّا ۳۰ مليون صفحة. كذلك الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية التي تحرص على أن تكون هي بنك المعلومات الكوكبي والمرجع. وعلى الرغم من أن قرابة ۸٥٪ من الإنتاج العلمي العالمي باللغة الإنجليزية، فإننا نجد الولايات المتحدة حريصةً على ترجمة كل شاردة وواردة من المنشورات العلمية، علاوةً على ترجمة الرصيد الثقافي لحضارات العالم. ويشير الدكتور الصيني إلى أن قسم الترجمة التقنية الأجنبية التابع لسلاح الجو الأمريكي قد ترجم إلى الإنجليزية عام ۱۹۸۷م ما بين ۷۰ و۷٥ ألف صفحة. كذلك إدارة الخدمات المشتركة الخاصة بالمنشورات البحثية — وتتبع المكتبَ الفيدرالي للمعلومات العلمية والتقنية في وزارة التجارة الأمريكية — ترجمت في النصف الأول من العقد السابع ٢٧٣٤٤٩ صفحة، ويعمل لديها ۳۳۰ مترجمًا في المتوسط. ويُذكر أن هاتَين هيئتان من بين آلاف الهيئات والمؤسسات الأمريكية العامة والخاصة. وأصدرت المؤسسة الوطنية للعلوم NSF في واشنطن نسخةً ببليوجرافية للمواد العلمية المترجمة تحت عناوين بحوث وكتب تقع في ٤٧ صفحةً لعام واحد ۱۹۷٨/۱۹۷٩م، ص۱۳۹–۱٤۰.

وإذا ألقينا نظرةً على نمور شرق آسيا، نجد أن تكثيف الجهود لدعم البحث والتطوير وراء نجاحها؛ إذ خطَّطت ماليزيا ١٤٨ مليون دولار في الخطة الخمسية ۱۹٨٦/۱۹٩٠م، لتمويل مشروعات البحوث والتطوير، و۲۲۲ مليون دولار في الخطة السادسة. ويُمثِّل الإنفاق على البحوث والتطوير أكثر من ١٪ من إجمالي الناتج المحلي. وحرصت سنغافورة على تعزيز أنشطة البحوث والتطوير لدعم القدرة الإنتاجية لتصدير المعرفة التقانية وتطوير الميزة التنافسية. وتُنفق سنغافورة نحو ٣٫٤ مليار دولار أمريكي على تقانة المعلومات في مجال التعليم، وتُنفق كوريا الجنوبية على البحوث والتطوير ٢٪ من إجمالي الناتج المحلي.

وتدمج نشاط البحوث والتطوير في اقتصادها الصناعي بحيث إن كل مجمع صناعي (شيبول) يضم مركزًا متقدمًا للبحوث والتطوير (د. محمود عبد الفضيل، العرب والتجرِبة الآسيوية).

وحرًى أن نُلقي نظرةً على تجربة إسرائيل في مجال الترجمة والعلم والتقانة؛ لتكون النظرة سببًا لشحذ الهمم. أدرك الصهاينة من قبل نشأة إسرائيل دور المعارف العلمية والتقانية، وضرورة توطينها لضمان وجودها، وأنشئوا في حيفا عام ۱۹۱۲م المدرسة التقنية العليا «التخنيون»، وأقاموا عام ۱۹۳٤م معهد «دانييل زيف» للأبحاث العلمية. وفي عام ١٩٤٦م تمَّ وضع حجر الأساس لمعهد «وايزمان للعلوم» … إلخ. وأسَّست إسرائيل منذ عام ١٩٥٦م مؤسسة «البرنامج الإسرائيلي للترجمة العلمية»، وتُعتبر من أهم مؤسسات الترجمة العلمية، تُعتبر من أهم مؤسسات الترجمة في العالم الآن. وكان لديها عام ۱۹٦۷م عدد ۲٥۰ مترجمًا متفرِّغًا، و٤٤٠ مترجمًا نصف الوقت، وحوالي ۱۰۰۰ مترجم من الخارج. وتُنتج المؤسسة وحدها أكثر من مائة ألف صفحة مترجمة سنويًّا، وتنشر حوالي ۲۰۰ كتاب جديد سنويًّا. وتضم الآن أكثر من ٥۰۰ مترجم متفرِّغ، بينهم عدد كبير من العلماء. وبلغت ميزانيتها عام ۱۹٦۰م، ۳۰۰ مليون دولار، تضاعفت الآن عشر مرات (د. صفاء عبد العال محمود، التعليم العلمي والتقاني في إسرائيل). وتُخصِّص إسرائيل ٢٫٢٪ من إجمالي الدخل القومي للبحوث والتطوير، وتُرسل علماءها إلى جامعات العالم المتميِّزة في تخصُّص ما، في إجازات تفرُّغ دراسية دورية مدتها أربع سنوات؛ لاستيعاب إنجازات الخارج. وتُوجِّه الدعوات لعلماء الخارج للتدريس في جامعاتها بشكل دوري.

الواقع العربي

إن وصف مجتمع ما بالتقدم أو التخلف لا يكون ضربًا من أحكام القيمة، أو الانحياز تفاؤلًا أو تشاؤمًا، إذا استند إلى إحصاءات مقارنة مصدرها منظمة دولية. والدفع بأنها إحصاءات معيبة أو قاصرة حجة مردودة؛ ذلك لأن منظمة اليونسكو استقتها من البلدان المعنية.

ولكن وجه القصور هذا أن البلدان صاحبة الشأن قصَّرت في إعداد إحصاءات مدققة، ولا تلتزم منهجًا علميًّا في المتابعة الإحصائية لأنشطتها، يُيسِّر لها صَوغ نظرة نقدية تُحدِّد وقع خطواتها على طريق التطوير.

إذ المقارنة المستمرة بين الذات والآخر هي العين الناقدة، والضوء الهادي لخطى المجتمع في سباق الصراع أو التنافس الكوكبي. وإبراز جانب التخلف ليس مدعاةً للإحباط، بل دافع لشحذ الهمم وقَبول التحدي. هذا كان حال اليابان مثلًا عقب هزيمتها على يد الجنرال بيري؛ إذ بحثت عن أسباب الغلبة، وعرفت أن السر في امتلاك العلم والتقانة. والنظرة المؤكدة أن الصراع أو التنافس مكون رئيسي للحياة داخل المجتمعات وفيما بينها، والسياسة العلمية الحكيمة هي الفهم والتحليل ورسم منهج العمل مع قَبول التحدي. ولكن المجتمع الذي يقنع راضيًا بذاته وبالموروث التاريخي، دون ملاحقة نقدية على أساسٍ من المقارنة والمنافسة مع المجتمعات الأخرى، يُضيِّع من أقدامه الطريق، وتخفى عنه الحقيقة، وتصدمه وقائع الأرقام؛ فيُكذِّبها سعيًا إلى تطويع الواقع قسرًا؛ ليتلاءم مع فكره الانفصامي.

الترجمة في التاريخ العربي الحديث موقف ثقافي اجتماعي من المعرفة، إنتاجًا وإبداعًا وتحصيلًا واستثمارًا. فالترجمة كنشاط اجتماعي هادف لا تزال قضيةً خلافية؛ هناك من يراها تغريبًا للمجتمع أو صرفًا للأذهان والوجدان عن علم نافع، وهناك من يراها حقًّا للمجتمع في أن ينهل ما شاء من علوم الآخرين بحرية وعقل ناقد؛ وفاءً لحاجات اجتماعية، وأداةً تكميلية للتطوير والتغيير.

والقضية في ضوء واقعنا وتحدياتنا يُجسِّدها السؤال التالي: ما نصيبنا من الفكر العلمي أخذًا وعطاءً، وكذا التفكير العلمي المنهجي؟ وما نصيبنا من ترجمة الفكر العلمي ودوره الفاعل في حياتنا، وليس فقط نصيبنا من الإنجازات التقانية، التي هي وجه مكمل ومتكامل مع إبداع الفكر العلمي. وإنما قنعنا باستيرادها سلعًا استهلاكية، وهكذا وكأن الحداثة حيازة، وليست توطينًا وتطويرًا للعلوم والتقانة. وكيف يجري اختيار هذا النصيب؟ هل من أساس نسقي، أم اختيارات فردية عَفْوية؟ وهل الفكر العلمي المترجم — إن وُجد — يُمثِّل ركائز علوم العصر الأساسية والتطبيقية، ويُجسِّد دعامةً أساسية في بنية تنموية استراتيجية، ورؤية مستقبلية لمجتمعاتنا العربية؟

بدأ تاريخ الترجمة في العصر الحديث انطلاقًا من مصر ولبنان مع اختلاف الحوافز والدوافع والمسار. بدأت في لبنان ضمن جهود المحافظة على اللغة العربية ضد حركة التتريك العثمانية، وبدأت الترجمة في مصر في عهد محمد علي، وأخذت صورة تيار اجتماعي نشط. واستطاع الشيخ رفاعة الطهطاوي أن يجعل الترجمة مؤسسةً اجتماعية تساهم في إنجاز مشروع قومي اجتماعي لتحقيق نهضة في العلوم والصناعات، ومن ثم نقلة تطويرية لمصر إلى عصر جديد. ولكن تعثَّر النشاط وانحسر، بعد أن أصابت النهضةَ انتكاسة؛ بسبب الدور الاستعماري الغربي، والنظم الاستبدادية الأوتوقراطية في الداخل، واطِّراد نظم اقتصاد الريع المحافظ بطبيعته.

والملاحَظ أن أي محاولة لاستكشاف الجهد العربي المعاصر في مجال الترجمة، من حيث الكم والنوع، تصطدم بعقبة غياب الإحصاءات أو تشوُّشها وعدم دقتها. مثال ذلك: أصدرت الهيئة العامة للكتاب في مصر فهارس تعريف بالإصدارات تحت عنوان «الثبت الببليوجرافي للمؤلفات والمترجمات»، وجملتها خمسة: من ۱۹٥٦م وحتى ۱۹٦۷م، ثم الأعوام ۱۹۷۹م و۱۹۸۳م و۱۹۹۰م و۱۹۹۳م، ثم توقفت. وجميعها سرد للعناوين المؤلفة والمترجمة منذ الخمسينيات، وتكرارها في السنوات التالية دون تخصيص، أو تحديد عام الإصدار. ولكنها تكشف بعد مراجعتها عن ضآلة عدد العناوين المترجمة إجمالًا، والتي تتجاوز ۲۰۰ عنوان، كما تكشف عن التدني الشديد للترجمات العلمية. ثم إننا نجد تحت عنوان «العلوم التطبيقية» عناوين مثل؛ الطب الروحاني، والجبن الدمياطي وصناعته، والرضى لمن يرضى (دليل الكتاب المصري ۱۹۹۰). وإذا استوفينا الإصدارات المترجمة منذ الأربعينيات، ومشروع الألف كتاب الأول والثاني؛ نجد انحسارًا واضحًا في نوع وكم الكتب ذات التوجُّه العلمي الحضاري من حيث النسبة العامة.

وتنص الخطة القومية للترجمة — المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس ۱۹۹٦م — على ما يلي: «ولم يجرِ حصر شامل لِمَا تمَّت ترجمته من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية وبالعكس منذ بداية عصر النهضة حتى اليوم.» بيد أن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم أجرت إحصاءَين لهما دلالة مهمة؛ أحدهما عن الكتب العلمية المترجمة منذ ۱۹۷۰–۱۹۷٥م في خمس دول عربية، فبلغ العدد ۸۷۲ كتابًا. وثانيهما عن الكتب المترجمة بدايةً من عام ۱۹۷۰م لغاية ۱۹۸۳م في ست عشرة دولةً عربية، فبلغ ۲۸٤۰ كتابًا. وتشير الإحصاءات إلى أن حركة الترجمة في الدول العربية دون المستوى المنشود. معنى هذا أن معدل الترجمة السنوي من ۱۹۷۰م لسنة ۱۹۷٥م يبلغ ۱۷٥ عنوانًا. ومعدل الترجمة السنوي من ۱۹۷۰–۱۹۸۰م يبلغ ۲۸٤ عنوانًا. وسوف نجد في ضوء الإحصاءات التالية أنه قارب الضِّعف في التسعينيات وأواخر القرن العشرين؛ وهو ما يعني أن المجتمعات العربية حقَّقت إنجازًا. ولكن إذا ألقينا نظرةً مقارنة في ضوء حركة المجتمعات الأخرى وتطوُّرها الحضاري، نجد أن الهُوَّة اتسعت.

دولة الإمارات العربية

عرفَت نشاط الترجمة والتأليف المؤسسي مع مطلع العقد الأخير من القرن العشرين. ويُمثِّل المجمع الثقافي — أبوظبي — المؤسسة الرسمية المنوط بها هذا الدور. وإصداراته من الترجمة كالآتي:

السنة ۱۹۹۳م ۱۹۹٥م ۱۹۹۷م ۱۹۹۸م ۱۹۹۹م ۲۰۰۰م ۲۰۰۱م ۲۰۰۲م
عدد ٢ ١٣ ٣ ٢٣ ١٠ ٥ ٣ ٥

تونس

في دراسة بعنوان «حال الترجمة في تونس وعلاقتها بالوضعية اللغوية»، ۱۹۹۸م للدكتور عبد اللطيف عبيد يقول: تمَّت ترجمة ٤٦ عنوانًا إلى العربية من ۱۸٣۸م إلى ۱۸۸۱م؛ أي ٤٦ عنوانًا في ٤٣ سنة، قبل الاحتلال. وتمَّت ترجمة ۲۰٤ عناوين خلال النصف الأول من القرن العشرين حتى عام الاستقلال ۱۹٥٦م، بمتوسط ٤ عناوين في السنة. ويضيف أن ما تُرجم في تونس منذ الاستقلال (۱۹٥٦م)؛ أي على مدى ٤٠ عامًا، يبلغ ۱٥۰ عنوانًا بمتوسط ٤ عناوين في السنة. ويقول: الترجمات العلمية قليلة الأهمية عددًا ونسبة.

المملكة العربية السعودية

في دراسة للدكتور عبد الله الفقاري ۱۹۹۸م، يشكو من صعوبة الحصول على بيانات. ويشير إلى دراسة للباحثة نورة صالح الناصر بعنوان «ترجمة الكتب إلى العربية في المملكة العربية السعودية»، من۱۳٥۱–۱٤۱۲ﻫ؛ أي ۱۹۳۲–۱۹۹۲م. وتقرَّر أن المترجمات ٥۰۲ كتاب خلال ستين عامًا مع سيطرة العلوم الاجتماعية الإنسانية؛ أي بمعدل ٨ كتب سنويًّا. ولكن د. الفقاري يذكر أن الترجمات على مدى خمسين سنةً حتى ۱۹۹۸م بلغت ۷۲۹ عنوانًا، بمعدل ۱٥ عنوانًا في العام. وأن الترجمات خلال السنوات الست الأخيرة بلغت ۲۲۷ عنوانًا، بمعدل ٣۸ عنوانًا في السنة. ويشكو من قلة عدد الأفراد السعوديين الممارسين للترجمة. ويقرِّر أن جميع المترجمات التي قام بها أفراد سعوديون خرجت من قاعات الدرس في الجامعات أو المراكز البحثية المخصَّصة. ويضيف أن الكتب المترجمة الصادرة هي في أغلبها نشاطات لأعضاء هيئة للتدريس والباحثين في مجالات تخصصهم.

سوريا

يشير الإحصاء السنوي لليونسكو عام ١٩٩٢م إلى أن إجمالي المترجمات كما يلي:

السنة عدد المترجَمات
١٩٨٤م ٤٣
١٩٨٥م ٤١
١٩٨٦م ٥٩

العراق

في دراسة للأستاذ سمير عبد الرحيم الجلبي ۱۹۹۷م، يقرر أن مجموع الكتب المترجمة الصادرة عن دار المأمون بيت الحكمة في ست سنوات ۱۲٥ عنوانًا، وتقلَّص النشاط بسبب ظروف الحصار.

مصر

بدأت حركة الترجمة بمصر الحديثة منذ عهد محمد علي أواخر القرن ۱۹م، واستطاع الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي — رائد النهضة الفكرية — خلق مدرسة أو حركة ترجمة نهضوية تضع مصر على أعتاب عصر الصناعة.

وظهر في مطلع القرن العشرين عديد من رُوَّاد الترجمة من أمثال: الشيخ محمد عبده، الذي ترجم كتاب هربرت سبنسر «التربية»، وأحمد فتحي زغلول، وأحمد لطفي السيد، وآخرين. وتوجد في مصر أجهزة حكومية معنية بالترجمة، علاوةً على دُور النشر الخاصة، وعدد من مراكز الترجمة التابعة لسفارات أجنبية.

ونذكر من المؤسسات الحكومية؛ الهيئة العامة للكتاب، والمجلس الأعلى للثقافة، وهيئة الاستعلامات.

وجدير بالتنويه أن المجلس الأعلى للثقافة عمل منذ عام ١٩٩٤م على إنجاز المشروع القومي للترجمة، وهو الأول من نوعه في العالم العربي، ويُصدر سنويًّا قرابة ۸۰ عنوانًا مترجمًا في مختلِف العلوم والفنون، وبلغت جملة إصداراته أكثر من ۷٥۰ عنوانًا. هذا علاوةً على إنشاء وِرش عمل لتدريب مترجمين من الشباب، وإصدار مجلة بعنوان «الترجمة».

دولة الكويت

في دراسة للدكتور عبد الرحمن أحمد الحمد ۱۹۹۸م، يشكو من عدم وجود إحصاءات، ثم يقول: «من العقبات التي تواجه مؤسسة الكويت للتقدم العلمي عدم وجود ببليوجرافية محلية أو عربية.» ويوضِّح الجهات المعنية بالترجمة وإصداراتها من كتب ومعاجم:

  • (أ)

    مؤسسة الكويت للتقدم العلمي: عُنيت بنشر قواميس ومعاجم وموسوعات علمية، وأصدرت سلسلةً من الكتب المترجمة، صدر عنها منذ ۱۹۸۲م حتى ۱۹۹۱م ۲۲ عنوانًا، وتعمل على توحيد المصطلحات، وتُصدر مجلة «علوم» — المترجمة — شهريًّا، وتُعنى بمنح جوائز عن النشاط العلمي ومن بينه الترجمة.

  • (ب)

    المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب: يُصدر كتبًا مترجمةً ضمن سلسلة عالم المعرفة، صدر منها قرابة ٨٦ عنوانًا من ۱۹۷۸م وحتى ۱۹۹۸م، وتُصدر كذلك سلسلة المسرح العالمي (إبداعات عالمية)، علاوةً على مجلة الثقافة العالمية المترجمة، وتصدر كل شهرَين.

ويشير الإحصاء السنوي لعام ١٩٩٢م (اليونسكو) إلى إصدارات الكويت المترجمة:

السنة عدد المترجَمات
١٩٨٤م ١٧
١٩٨٥م ١٧
١٩٨٦م ٢١

لبنان

يوجد أكثر من ۱۷۰ دار نشر للتأليف والنشر. مجموع الدراسات المترجمة في لبنان ۱۹۷۰–۱۹۸٥م، ۳۹٦ عنوانًا، جميعها علوم إنسانية، و٦ عناوين في علوم الطب والتداوي بالأعشاب.

المغرب

تشير الدكتورة فاطمة الجامعي الحبابي في دراسة لها عن الترجمة في المغرب ۱۹۹۸م، إلى أن نشاط الترجمة بدأ محدودًا في القرن ۱٦م، وشهد منتصف القرن ۱۹م بدايات جديدة، اقترنت بمحاولات نهضة علمية، وتذكر أنه يوجد بالمغرب عشرة مكاتب أو معاهد أو أكاديميات معنية بالترجمة، من أهمها؛ مكتب تنسيق التعريب، الذي أُنشئ عام ١٩٦١م ثم أصبح اسمه عام ١٩٦٢م المكتب الدائم لتنسيق التعريب، وأُلحق بالأمانة العامة للجامعة العربية عام ١٩٦٩م، ثم بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم عام ۱۹۷۲م، وأن مهمته الأساسية تنسيق تعريب المصطلحات على الصعيد العربي، وأنه أصدر أكثر من ٥٠ معجمًا. وهناك أيضًا معهد الدراسات والأبحاث والتعريب الذي أُنشئ عام ١٩٦٠م، وهدفه إنجاز الدراسات والأبحاث للتعريب، ويعمل الآن على إنشاء قاعدة معجمية (بنك بيانات) يضم قرابة ۲ مليون كلمة.

وتشكو الباحثة من عدم وجود إحصاءات، وتضع عدة مقاربات. وتذكر إحداها أنه تمَّت ترجمة ٥٠ عنوانًا من ۱۹۷۰م إلى ١٩٨٥م؛ أي في ١٥ سنة، وتشير مقاربة أخرى إلى أن جملة المترجَمات ۹۸ عنوانًا من ۱۹۳۲م إلى ۱۹۹۲م، وتذكر مقاربة رابعة ٤٦ عنوانًا في الفترة من ۱۹۸٦م إلى ۱۹۹۰م، وأن المترجمات على مدى الأعوام ۱۹۹۲–۱۹۹۷م تبلغ ١٢٥ عنوانًا.

وتعرض الباحثة الإحصائية التالية:

السنة ١٩٩٢م ١٩٩٣م ١٩٩٤م ١٩٩٥م ١٩٩٦م ١٩٩٧م
العدد ١٣ ٢٤ ١٩ ٢٣ ٢٧ ١٩
إصدارات الكتب تأليفًا وترجمة، الإحصاء السنوي، اليونسكو ۱۹۹۹م.
اسم البلد ١٩٧٤م ١٩٨٥م ١٩٩٠م ١٩٩١م ١٩٩٣م ١٩٩٤م ١٩٩٦م
مصر ١٧٦٥ ١٣٦٦ ٢٠٣٦ ٢٥٥٩ ٣١٠٨ ٢٢١٥
ليبيا ٢٦
تونس ١٠٧ ٤٥٠ ٥٣٥ ٥٦٩
الأردن ٦٦٣ ٥٠٠ ٤٦٥
السعودية ١٢٥ ٢١٨ ٣٩٠

مقارنة إحصائية

إصدارات الكتب لكل مليون نسمة (تأليف وترجمة)، الكتاب السنوي، اليونسكو ۱۹۹٥م.
١٩٧٠م ١٩٨٠م ١٩٩٠م ١٩٩١م
العالم ١٨٢ ١٦١ ١٥٩ ١٦٠
أفريقيا ٢٢ ٢٥ ٢٠ ٢٠
آسيا ٥٩ ٥٤ ٧٣ ٧٠
أوروبا ٥١٥ ٦٨٢ ٧٢٦ ٨٠٢
الدول المتقدمة ٤٢٨ ٤٩٠ ٤٨٨ ٥١٣
الدول النامية ٣٩ ٤٦ ٦٠ ٥٥
البلدان العربية ٣٨ ٤٠ ٢٩ ٢٩
أفريقيا بدون العرب ١٧ ٢٥ ٢٠ ٢٠
أمريكا الشمالية ٣٦٦ ٣٩٣ ٣٨٥ ٣٦٥

إجمالي الترجمة في عدد من الدول للمقارنة (نفس المصدر)

إسرائيل ٤٫٥ مليون نسمة.
السنة إجمالي ملاحظات
١٩٨١م ٣٨٧ ما بين ۹۳ و۷٦ كتابًا لكل مليون نسمة، مع ملاحظة شيوع الإنجليزية، وأن ٥٠٪ من سُكَّان إسرائيل مهاجرون، يقرءون بلغاتهم الأصلية علاوةً على العربية.
١٩٨٢م ٣٤٨
١٩٨٣م ٢٣٢
١٩٨٤م ٣٦٦
١٩٨٥م ٣١٣
١٩٨٦م ٤٦٢
المجر، التعداد ١٠٥٧١٠٠٠ نسمة (المصدر نفسه).
السنة إجمالي ملاحظات
١٩٨١م ٤١٩ حوالي ۱۰۸ كتب لكل مليون
١٩٨٢م ١٢٢٧
١٩٨٣م ١٣٩٧
١٩٨٤م ١٢٣٨
١٩٨٥م ١٢٠٢
١٩٨٦م ١١٤٤
إسبانيا ۳۹ مليون نسمة.
السنة إجمالي ملاحظات
١٩٨١م ٦٣٦١ حوالي ٢٤٠ عنوانًا لكل مليون نسمة
١٩٨٢م ٦٣٨١
١٩٨٣م ٧٤٤٧
١٩٨٤م ٧٧٤١
١٩٨٥م ٧٩٤٤
١٩٨٦م ٩٦٤٧
إجمالي الإصدارات في العالم تأليفًا وترجمة.
١٩٧٠م ١٩٨٠م ١٩٩٠م ١٩٩١م
العالم ٥٢١٠٠ ٧١٥٠٠٠ ٨٤٢٠٠٠ ٨٦٣٠٠٠
أفريقيا ٨٠٠٠ ١٢٠٠٠ ١٣٠٠٠ ١٣٠٠٠
أمريكا ١٠٥٠٠٠ ١٤٢٠٠٠ ١٤٨٠٠٠ ١٤٤٠٠٠
آسيا ٧٥٠٠٠ ١٣٨٠٠٠ ٢٢٨٠٠٠ ٢١٥٠٠٠
أوروبا ٢٤٦٠٠٠ ٣٣٣٠٠٠ ٣٦٤٠٠٠ ٤٠٣٠٠٠
الاتحاد السوفييتي سابقًا ٨٠٠٠٠ ٨٠٥٠٠ ٧٧٠٠٠ ٧٦٠٠٠
البلدان المتقدمة ٤٥١٠٠٠ ٥٦٢٥٠٠ ٦٠٠٠٠٠ ٦٣٥٠٠٠
البلدان النامية ٧٠٠٠٠ ١٥٣٠٠٠ ٢٤٢٠٠٠ ٢٢٨٠٠٠
أفريقيا بدون العرب ٤٦٠٠ ٩٠٠٠ ١٠٠٠٠ ١٠٠٠٠
آسيا بدون العرب ٧٣٧٠٠ ١٣٤٥٠٠ ٢٢٤٠٠٠ ٢١٥٠٠٠
البلدان العربية ٤٧٠٠ ٦٥٠٠ ٦٤٠٠ ٦٥٠٠
أمريكا الشمالية ٨٣٠٠٠ ٩٩٠٠٠ ١٠٦٠٠٠ ١٠٢٠٠٠
أمريكا اللاتينية والكاريبي ٢٢٠٠٠ ٤٧٠٠٠ ٤٢٠٠٠ ٤٢٠٠٠
إجمالي الترجمة في العالم العربي (۲٥۰ مليون نسمة).
السنة إجمالي ملاحظات
١٩٨١م ٢٢٥ حوالي كتاب واحد لكل مليون نسمة، إحصاء اليونسكو ۱۹۹۲م
١٩٨٢م ٧٢ (لم ترِد مصر والعراق)
١٩٨٣م ٧٠ (لم ترِد مصر والعراق)
١٩٨٤م ٤٥٩
١٩٨٥م ٢٧٢ (لم ترِد مصر والعراق)
١٩٨٦م ٢٦٨ (لم ترِد مصر والعراق)

البحوث والتطوير والمؤتمرات العلمية

ذكرنا أن من آليات نقل المعرفة، أو المشاركة في المعرفة المتاحة كوكبيًّا نشاطات البحوث والتطوير R & D، والمؤتمرات العلمية وتبادل بعثات العلماء. ونورد هنا بعض الإحصاءات التي ذكرها أنطوان زحلان، ولعله أهم باحث عربي متابع لنشاطات العلم والتقانة في العالم العربي وفي إسرائيل. وتتطابق إحصاءاته مع إحصاءات منظمة اليونسكو.

يقول زحلان: «منذ عام ١٤٩٨م والوطن العربي مذعن لتقدمات تقانية أُنجزت في أوروبا. وكانت العلوم والتقانة هي الأداة الرئيسية التي جرى عبرها التفكيك المستمر للوطن العربي خلال السنوات الخمسمائة الماضية (ص ۱۷)، ويعتمد العالم العربي على المشروعات الجاهزة «تسليم المفتاح»، دون توطين العلم والتقانة في كل محاولات التحديث المعاصرة. وإحدى نتائج تبني ثقافة المشروعات الجاهزة هي أن المرء يرى نفسه فقط عبر عيون أجنبية (ص٤٣). وينعكس عدم توطين العلم والتقانة سلبًا على أي جهد للنهوض بالبحث والتطوير.»

ويشكو من أن المعلومات الإحصائية عن أي ناحية من العالم العربي محدودة. وقاعدة المعلومات الموثَّقة الوحيدة هي تلك التي تصدر عن مؤسسة المعلومات العلمية في فيلادلفيا، عن منشورات في دوريات مستشهد بها (ص١١٤).

ويذكر في إحصائية أن إجمالي نتاج البحث في الوطن العربي مقارَنًا بإسرائيل كما يلي، وتُعبِّر الإحصائية عن مجمل التفاعل المعرفي إنتاجًا محليًّا، وتحصيلًا من الخارج، مع ملاحظة أن نتاج البحوث يتركَّز في الجامعات العربية التي بلغ عددها ١٧٥ جامعةً عام ١٩٩٥م.

١٩٦٧م ١٩٧٧م ١٩٨٧م ١٩٩٠م ١٩٩١م ١٩٩٢م ١٩٩٣م ١٩٩٤م ١٩٩٥م
المجموع العربي ٤٦٥ ١٣٤٨ ٤٥٦٩ ٥٥٩٥ ٥٤٦٠ ٥٤٠٨ ٥٣٤١ ٦١٤٤ ٦٦٥٢
إسرائيل ١١٢٥ ٣٢٨٤ ٧٩٦٩ ٧٥٧١ ٧٣٧٧ ٨٠٥٣ ٩١٨٢ ٩٥٦٧ ١٠٢٠٦

ويُضيف أن غالبية المنشورات العربية هي في حقول لينة، والكثير من نتاج البحث ذو طبيعة تطبيقية وصفية ومستوصفية. ومستوى النشاط البحثي في العلوم الأساسية لا يكاد يُذكر (ص٦٦–۷۲). وتفتقر البلدان العربية إلى منظومات علم وتقانة، علمًا بأن صمام الأمان الوحيد هو تعزيز اندماج العالم في منظومة علم وتقانة وطنية، ثم عبر هذه المنظومات إلى أسرة العلم الدَّولية للمشاركة في المعرفة الكوكبية (ص۱۰۲).

ويقول د. إبراهيم قويدر مدير عام منظمة العمل العربية في حوار معه على صفحة الأهرام ١٢ / ١١ / ٢٠٠٢م: «إننا نحتاج لمضاعفة برامج البحث العلمي ۷۷۰ ضعفًا لنصل إلى المستوى المماثل في إسرائيل …» ويدعو إلى أن نلتفت بعمقٍ إلى مستوى التنمية البشرية؛ لأن النوع البشري وإبداعه أفرادًا ومجموعات هو الذي يضع الفارق في التفوق والتقدم؛ حيث إن ترتيب إسرائيل في دليل التنمية البشرية هو ۲۳ بين بلدان العالم، بينما يتراوح ترتيب الدول العربية بين ۸۲ و۱۱۹.

ويُنفق العالم أكثر من ٥٠٠ مليار دولار سنويًّا على البحوث والتطوير؛ ممَّا يعطي حصادًا متسارعًا من المعارف العلمية والتطبيقية التي يتعيَّن ترجمتها واستيعابها (١٦١).

وتُخصِّص البلدان الصناعية حوالي ٣٪ من إجمالي الناتج الوطني للبحث والتطوير. هذا بينما خصَّصت الأقطار العربية ٧٥٠ مليون دولار؛ أي حوالي ٠,٢٪، وأن ندرة النشاط البحثي العربي تعني أن أساتذة الجامعات تتعرَّض معارفهم للتقادم بسرعة؛ ممَّا ينعكس على مستوى التعليم، خاصةً مع توقف تبادل بعثات الأساتذة. وبينما يبلغ شبه العائد من الإنفاق على البحث الأكاديمي في الولايات المتحدة حوالي ٪۳۰، نجدها حوالي الصفر في الأقطار العربية (ص١٧٥، ٢٢٤).

الإنفاق على البحث والتطوير كنسبة مئوية من إجمالي الناتج الوطني، إحصاء اليونسكو ١٩٩٥م.
البلد النسبة
الولايات المتحدة ٣٪
إسرائيل ٢٫٢٪
اليابان ٢٫٩٪
فرنسا ٢٫٤٪
ألمانيا ٢٫٤٪
العالم العربي ٠٫٢٪
كوريا (ج) ٢٪
ماليزيا أكثر من ١٪

أزمة المصطلح العلمي

الثورة المعرفية تعني أيضًا ثروةً لغوية؛ ممَّا يفرض على أي مجتمع ناهض أن يواكب الفيض الدافق من المصطلحات العلمية والتقانية الجديدة. ويقول عبد الحفيظ الهرفام في مقال له — «الحياة» ٤ / ١٠ / ١٩٩٨م: «التطور الراهن تفجير لثورة لغوية؛ إذ يتعيَّن على كل لغة تَنشد البقاء أن تتوافق دلاليًّا ومفاهيميًّا وتعبيريًّا مع المستحدثات. ونحن نَشهد من الآن ثورةً في مستوى المفاهيم والمصطلحات والمضامين فرضتها ضرورة مواكبة التطور العلمي التقاني.»

وهكذا أصبح لزامًا على كل لغة أن تتكيَّف في دينامية ومرونة مع الجديد من المصطلحات. ويشهد العالم كل عام ميلاد قرابة أربعين ألف مصطلح جديد على الأقل.

وتصدر ۲۰۰ ألف قضية رياضية جديدة، تجرُّ معها عددًا كبيرًا من مئات المصطلحات (محمد شفيق، عضو أكاديمية المملكة المغربية).

ولعل أهم الإشكاليات التي اعترضت ولا تزال تعترض نجاح تعريب المواد العلمية، هي عدم توافر المصطلحات العلمية باللغة العربية، وغياب كتابة علمية بلغتنا الوطنية، وندرة الاهتمام بالبحث العلمي في الدول العربية، بالإضافة إلى فوضى وضع المصطلح للمقابل الأجنبي بين عدة مجامع لغوية عربية، علاوةً على الجهود الفردية؛ ممَّا يضاعف من تعثر توحيده.

وإدراكًا من المسئولين عن الثقافة لهذه المشكلة انعقدت مؤتمرات عدة لتعريب المصطلح. ويُمثِّل المكتب الدائم لتنسيق التعريب الذي أسلفت ذكره، المَنسق العربي العام لتوحيد المصطلح العربي؛ إذ يعمل على تتبُّع جهود العلماء والمجامع اللغوية ونشاط الكُتاب والأدباء والمترجمين. ويقوم بتصنيف ذلك تمهيدًا لعرضه على مؤتمرات التعريب. وأصدر أكثر من ٥٠ معجمًا في العلوم المختلفة، هذا غير جهود مجامع اللغة العربية في القاهرة والأردن وغيرها، وجهود الأفراد.

ولكن الملاحظ: أن حجم التعريب دون الكم الهائل من المصطلحات التي تولد جديدةً كل عام في العلم والتقانة. ثانيًا: تعثُّر توحيد المصطلح على الصعيد العربي. وثالثًا: أن المصطلح العلمي المعرب في مجتمع راكد علميًّا لن تُكتب له الحياة؛ إذ يولد في وضع سكوني فاقد لعنصر التطور الحياتي. وإنما يحيا ويتجدَّد المصطلح في مجتمع يُمثِّل العلمُ فيه فعاليةً نشطة؛ أي يحيا المصطلح من خلال شيوع استعماله في الحياة؛ ممَّا يعني أن نجاح التعريب مرهون بالتطور العلمي التقاني. لذا نرى أن أزمة المصطلح هي أزمة الإنسان/المجتمع العربي الراكد علميًّا وتقانيًّا. رابعًا: نجاح التعريب يُعزِّز الشعور بالذاتية القومية. ونلحظ كذلك أن نشوء بنوك للمعلومات العلمية التي تتوافر في بلدان المركز، بشكل يتجاوز القدرات العربية الحالية؛ ممَّا يعني ضرورة تطويرها، وإعادة هيكلة البنية الاجتماعية، والتحول إلى مجتمع التصنيع والمعرفة وتطوير التعليم.

الترجمة الآلية

نظرًا لأهمية الترجمة وثورة المعلومات تمَّ إعداد وتطوير بنوك المصطلحات الآلية، وتُيسِّر هذه البنوك البحث عن المصطلح وأية معلومات عنه؛ مثل: التاريخ، والمصدر، ودرجة الاعتمادية، وشرح موجز، والمرادفات مع صور ورسوم توضيحية، وأية تعديلات طارئة. لذلك تبذل الدول جهودًا مضنيةً لتطوير بنوك المصطلحات؛ لتكون أداتها لكسر الاحتكار اللغوي، وسرعة متابعة ونقل الجديد.

وتقترن هذه الجهود بجهود تطوير أنظمة ترجمة آلية، وإن لم تصِل بعدُ إلى حد الكمال أو الأمان، إلا في مجالات محدودة. ويبذل العالم العربي جهودًا في هذا الصدد، ولكنها مُشتَّتة في عدد من البلدان العربية، وحبذا لو أمكن توحيد هذه الجهود توفيرًا للوقت والجهد والمال، ومنعًا للازدواجية، وضمانًا للسرعة. وتوجد الآن في العالم العربي عدة برامج أو نظم للترجمة هي بنوك مصطلحات، منها:

  • (١)
    برنامج المترجم العربي ATA للترجمة من الإنجليزية.
  • (٢)

    العالمية (صخر)، طوَّرت عددًا من البرمجيات للترجمة الآلية.

  • (٣)

    المعهد الإقليمي للعلوم الإعلامية والاتصالات عن بُعد في تونس.

  • (٤)

    البنك الآلي السعودي للمصطلحات.

  • (٥)

    معهد الدراسات والأبحاث للتعريب بالرباط، الذي أعدَّ بنك المصطلحات (معربي).

  • (٦)

    بنك المصطلحات التابع لمجمع اللغة العربية الأردني.

  • (٧)
    أعدَّ مجمع اللغة العربية في القاهرة CD بجميع المصطلحات المعربة.

أين المشكلة؟

ليس جديدًا ولا غريبًا كلُّ ما سبق على السلطات العربية المسئولة عن السياسة والثقافة. وهذا ما تؤكده جهود جامعة الدول العربية لإصلاح الوضع المتدني في مجالات الترجمة، ونقل المعرفة، والبحث العلمي، والتطوير.

هناك مرحلتان للترجمة تحت رعاية الجامعة العربية؛ الأولى: حيث أنشأت الجامعة إدارةً ثقافية بِناءً على المعاهدة المبرمة بين الدول العربية عام ١٩٤٥م، وتنص المادة السابعة من هذه المعاهدة على: «تنشيط الجهود لترجمة الكتب الأجنبية القديمة والحديثة، وتنظيم تلك الجهود، وتنشيط الإنتاج الفكري في البلاد العربية بمختلِف الوسائل». وصدر عن الإدارة عدد من الترجمات التي ترتكز على الإنسانيات.

المرحلة الثانية: عقب توقيع ميثاق الوحدة الثقافية العربية عام ١٩٦٤م، الذي تضمَّن الدعوة التي دعت إليها المعاهدة الثقافية السالفة الذكر. وتحوَّلت الإدارة الثقافية عام ۱۹۷۰م إلى «منظمة التربية والثقافة والعلوم»، اقتداءً بمنظمة اليونسكو العالمية.

واضطلعت بأعمال منها:

  • (أ)

    الدعوة عام ١٩٧٣م إلى عقد حلقة الترجمة في الوطن العربي. وانعقدت في الكويت في ٣١ / ١٢ / ١٩٧٣م. وبحثت الحلقة «تنسيق حركة الترجمة في البلاد العربية، وإقامة جهاز تنسيق على صعيد العالم العربي يتولى وضع خطة قومية للترجمة بالاشتراك مع الأجهزة الوطنية، وبالتنسيق مع المنظَّمات الدولية.»

  • (ب)
    أُنشئت بالفعل وحدة للترجمة عام ۱۹۸۱م، ووضعت هدفًا لها:
    • (١)

      إقامة مشروع المعهد العالي العربي للترجمة الذي استضافته الجزائر ولم يُفتح. وبدأ أخيرًا ۲۰۰٤م الإعداد لافتتاحه في الجزائر.

    • (٢)

      إنتاج الترجمات: وقد أُنشئ المركز العربي للتعريب والتأليف والترجمة، واستضافته سوريا، لكنه بدأ العمل منذ ۱۹۹۰م، وإنتاجه محصور في حدود ۱٥۰ ملزمةً سنويًّا.

    • (٣)

      نشر الخطة القومية للترجمة. وكانت قد أقرَّتها المنظمة العربية، ثم أقرَّها مؤتمر الوزراء المسئولين عن الشئون الثقافية عام ۱۹۸۳م، ونُشرت عام ۱۹۸٥م. ولكن توقف المشروع في أواخر ۱۹۸٥م بسبب إلغاء وحدة الترجمة بإدارة الثقافة؛ نتيجة تراخي الدول العربية.

وفي عام ١٩٩٤م أوصى وزراء الثقافة العرب خلال الدورة التاسعة لمؤتمرهم في بيروت بما يلي: «دعوة المنظمة إلى تحديث الخطة القومية للترجمة ونشرها»، ونشرتها عام ۱۹۹٦م، ولكن المنظمة العربية تشكو حتى الآن من تعثُّر إجابات الدول العربية وضياعها بين دهاليز مكاتب الموظفين.

وفيما يتعلَّق بالبحث العلمي والتطور التقاني نُشير إلى أحد القرارات الرئيسية لمؤتمر الوزراء العرب المسئولين عن تطبيق العلوم والتقانة في التنمية، والمنعقد في الرباط من ٦ إلى ۲٥ آب/أغسطس ۱۹۷٦م، وينص القرار بالإجماع على تأسيس صندوق برأسمال ٥۰۰ مليون دولار لدعم البحث والتطوير بالوطن العربي. ولكن لاقى الاقتراح الإهمال من الدول العربية بعد ذلك (زحلان).

وفي عام ۱۹۸۳م وضع اتحاد مجالس البحث العلمي العربية سلسلة أوراق بهدف تطوير استراتيجية عمل مشترك في العلم والتقانة. ولم يُثمر هذا الجهد شيئًا يُذكر. وقامت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في أوائل الثمانينيات بجهد آخر، وعهدت إلى إحدى اللجان إعداد استراتيجية عربية للعلوم والتقانة. وقدَّمت اللجنة تقريرها المُعنون «استراتيجية للتطوير العلمي والتقانة في الوطن العربي»، إلى مؤتمر ألكسو عام ۱۹۸۸م، وأقرَّت اللجنة التقرير. ويقول زحلان: وكان الاستقبال الشديد التواضع الذي لقيَته الاستراتيجية المقترحة في النقاشات العامة، وردود الفعل لها، مثالًا على حالة السبات الذي تُبتلى به الأقطار العربية (ص۱۰۸–۱۰۹).

والسؤال: إذا كان المسئولون على وعي بأبعاد الأزمة، فأين تكمن المشكلة، أو مُعوِّقات النهوض في مجالات الترجمة، ونقل المعرفة، وتطوير العلم والتقانة؟

المعوِّقات

  • (أ)

    الثقافة الاجتماعية التقليدية السائدة الحاكمة للسلوك، والتي تتجلى في أساليب التنشئة الاجتماعية والتعليمية والإعلامية والسياسية. إنها ثقافة تقتل الفضول المعرفي وحرية البحث، وتئد نزوع مغامرة البحث عن المعرفة والمجهول، أو التمرد المنهجي المعرفي، وتجعل النظر إلى الإبداعات التقانية وكأنها ضرب من المعجزات، وتصرف الأذهان عن منهج فهم العلل والأسباب الواقعية لظواهر الحياة، وتُرسِّخ أن العلم النافع غير علم الدنيا، وترى الحياة ابتلاءً وليست تحديًا وإرادة، وتغرس فضيلة الطاعة والخضوع والتبعية لمركز القوى الأيديولوجي (السلف)، والسياسي (الأب المهيمن)، لا فضيلة التغيير الذي يستلزم البحث عن المعرفة المنهجية.

  • (ب)

    نظام اقتصاد الريع الأبوي المنتمي إلى تقاليد عصر ما قبل الصناعة، والقائم على الثقة في الأقارب والأصدقاء، ويتنافى مع طبيعة بنية المنظومات الشبكية، بين مؤسسات اجتماعية فاعلة مستقلة ذاتيًّا، وشرطها الأهلية والكفاءة. ويتبع نظامًا تراتبيًّا هرميًّا، حيث الحق والحقيقة هما رأس المجتمع، ومن ثم غلبة السياسة الفوقية على تفاصيل الأنشطة الاجتماعية. ويرى هذا النظام الحداثة حيازةً ومحاكاة، وليست إنجازًا إبداعيًّا ذاتيًّا، وإراديًّا جمعيًّا ومنافسة، ويُرسِّخ ثقافة المحافظة على الهيكل الاجتماعي الأبوي، ومن ثم لا يتبنى استراتيجية تطوير بعيد المدى، وأي تغيير رهن الإرادة العلوية. ولا يلتزم سياسةً تربط بين العلم والتعليم والتنشئة كمثال، وتشيع فيه روح الاتكالية، ويُعزِّز حالة الانفصال بين الفكر والفعل.

لهذا نلحظ المعوِّقات التالية على طريق نقل المعرفة والترجمة والتي هي تجليات لهيكل اقتصاد الريع التقليدي المحافظ:

  • (١)

    غياب استراتيجية تطوير اجتماعي شاملة تعبئ وتنظم طاقة الشعوب العربية، ويجري بناء الإنسان على هديها، وتكون أساسًا لنشاط علمي مجتمعي إبداعي، وإطارًا حاكمًا لأي استراتيجية فرعية لنشاط اجتماعي مثل الترجمة ونقل المعرفة.

  • (٢)

    النظام التعليمي تقليدي ويعتمد على الاستظهار والحشو، ولا ينمي القدرات العقلية النقدية والإبداعية، ومحوره الحفاظ على الموروث الثقافي باعتباره ثوابت، والطاعة وعدم التمرد.

  • (٣)

    غياب المنظومات المؤسسية؛ ممَّا أشاع الفردية الأنانية في النشاط، سواء في مجال الترجمة أو العلم، ومن ثم عدم وجود خطة قومية على الصعيد العربي والقطري للترجمة أو للبحث والتطوير؛ فالترجمات فردية عَفْوية، والبحث العلمي جهد فردي.

  • (٤)

    التخلف الحضاري والعلمي، ومن مظاهره شيوع الأمية الأبجدية، وأمية تقانة المعلومات، وكذلك الأمية العلمية والثقافية، ومن أهم مظاهرها تدني قيمة العقل والعلم والفكر الحر، وسيادة الدجل والشعوذة؛ ممَّا يضع سدًّا أمام دخول مجتمع المعرفة.

  • (٥)

    أزمة المصطلح العلمي العربي التي هي تعبير عن أزمة البحث العلمي وغياب السياسة العلمية في أيٍّ من المجتمعات العربية.

  • (٦)

    غياب جيل جديد من المترجمين الخبراء، خاصةً في الترجمة العلمية.

  • (٧)

    غياب إحصاءات ببليوجرافية، سواء عن المترجمات أو المترجمين والعلماء، وكأننا مجتمع بدون ذاكرة.

  • (٨)

    الكتاب العلمي الأجنبي غير ميسور في المجتمعات العربية، إلا لمن يحصل عليه بجهد فردي، سواء للاطلاع أو للترجمة، وكأن المثقف العربي معزول عن النشاط الفكري والعلمي في الخارج، إلا ما تُعوِّضه به الآن شبكة الإنترنت. ولم تعد المكتبات العامة تفيد في هذا الصدد.

لهذا نرى أن نشاط الترجمة موقف ثقافي اجتماعي من المعرفة، إنتاجًا وإبداعًا واستثمارًا، والتي هي بطبيعتها خلق متجدِّد ويتجاوز الواقع. ونرى أن الأزمة هي أزمة كتاب وقارئ وبنية اجتماعية صانعة لإنسان عربي تقليدي؛ لذلك فإن التطور الحضاري الشامل، ودخول عصر الصناعة المعلوماتية بكل ما يقتضيه من تحولات هيكلية، هو ضمان البقاء والازدهار.

المراجع

  • (١)

    أنطوان زحلان: «العرب وتحديات العلم والتقانة»، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ۱۹۹۹م.

  • (٢)

    الخطة القومية للترجمة، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، ۱۹۹٦م.

  • (٣)

    دراسات عن واقع الترجمة بالوطن العربي، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، ۱۹۸۷م.

  • (٤)

    د. محمود عبد الفضيل، العرب والتجربة الآسيوية، مركز دراسات الوحدة العربية، ۲۰۰۲م.

  • (٥)

    د. صفاء محمود عبد العال، التعليم العلمي والتكنولوجي في إسرائيل، الدار المصرية اللبنانية، ۲۰۰۲م.

  • (٦)

    شوقي جلال، الترجمة في العالم العربي، الواقع والتحدي، المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة، ۱۹۹۹م.

  • (٧)

    الكتاب السنوي لمنظمة اليونسكو، سنوات عدة.

  • (٨)

    دليل الكتاب المصري، الهيئة العامة للكتاب، ۱۹٦۸م، ۱۹۷۹م، ١٩٨٨م، ١٩٩٠م، ١٩٩٣م.

  • (٩)

    د. عبد اللطيف عبيد، دراسة بعنوان: «حالة الترجمة في تونس وعلاقتها بالوضعية اللغوية».

  • (١٠)

    تقرير رسمي عن مركز الترجمة، جامعة الملك سعود، مرسل من الدكتور محمود إسماعيل صالح (الصيني).

  • (١١)

    د. فاطمة الجامعي الحبابي، دراسة حال الترجمة في المغرب، ١٩٩٨م.

  • (١٢)

    د. عبد الرحمن أحمد الحمد، دراسة بعنوان «الدراسة المسحية لجهود الترجمة في دولة الكويت ۱۹۹۸م».

  • (١٣)

    إحصاء الترجمة والتأليف بالمجمع الثقافي، أبوظبي، مرسل بفاكس.

  • (١٤)

    د. محمود إسماعيل صالح (الصيني)، الاتجاهات المعاصرة في حركة الترجمة في العالم، ۱۹۹۸م.

  • (١٥)

    سمير الجلبي، النشاط الترجمي في العراق، دراسة مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ۱۹۹۸م.

  • (١٦)

    د. عبد الله سليمان الفقاري، دراسة بعنوان «حال الترجمة في المملكة العربية السعودية»، ۱۹۹۸م.

  • (١٧)
    Manuel Castell; Information Age, 3 voi. Rlackwell, London, 1996.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤