هذه الشجرة

  • وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ [الأعراف: ١٩–٢٢].
  • وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ [البقرة: ٣٥، ٣٦].

رأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون شهية للنظر، فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضًا معها فأكل، فانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان … ونادى الرب آدم وقال له: أين أنت؟ فقال: سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت. فقال: من أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك ألا تأكل منها؟ فقال آدم: المرأة التي جعلْتها معي، هي أعطتني من الشجرة فأكلت. فقال الرب للمرأة: ما هذا الذي فعلت؟ فقالت المرأة: الحية غرَّتني فأكلت. فقال الرب للحية: لأنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرِّيَّة، على بطنك تَسْعَيْنَ وترابًا تأكلين كل أيام حياتك، وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها، هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه.

العهد القديم «الإصحاح الثالث، سفر التكوين»

هي القصة الخالدة في الأديان الكتابية.

وهي الرمز الخالد إلى طبيعة المرأة التي لا تتغير: هي تفعل ما تُنهى عنه وهي تغري الرجل، وفي كل من هذين الخُلُقَيْنِ دليل مجمل على خلائق أخرى مفصلة تنطوي في ذلك الرمز الكبير.

•••

قال الشاعر الجاهلي طفيل الغنوي:

إن النساء كأشجار نبتن لنا
منها المرار، وبعض المر مأكول
إن النساء متى يُنهَيْنَ عن خلق
فإنه واجب لا بد مفعول

وقد ألهم هذا الشاعر البدوي — ابن الفطرة وابن البادية — خلاصة قصة الشجرة في بيتيه المطبوعين، وخلاصتها أن المرأة تغري بأكل المر الذي لا يساغ أو لا يسوغ، وأنها تفعل ما تُنهى عنه، فهو عندها «واجب لا بد مفعول».

وكل خلق كامن في المرأة يظهر من هذا الولع بالممنوع.

فلِمَ كانت كذاك؟ ألأنها ضعيفة؟ لا، إن قبل ذلك خطوة نخطوها ثم نصل منها إلى هذه الخطوة التالية.

قبل ذلك أنها محكومة، ثم هي محكومة لأنها ضعيفة، وما زال من دأب المحكوم أن يحن إلى التمرد والعصيان، وأن يلتذَّ المخالفة للمسيطرين عليه؛ لأنه بهذه المخالفة يثبت وجوده أو يستوفي حياته، فهي عنده ضرب من حب الحياة.

وأحب شيء إلى الإنسان ما مُنعا

كما قيل.

نعم إلى الإنسان كافة لا إلى المرأة خاصة، ولكن المرأة قد خُصَّت بهذه الشهوة لأنها محكومة لا تحكم غيرها إلا من طريق الإغراء، أو تنبيه النفوس إلى ما هو «شهي، بهجة للعيون» كما جاء في العهد القديم.

•••

كل خلق من أخلاق المرأة مرموز إليه في قصة «هذه الشجرة»، ومن هنا اخترنا الإشارة إليها عنوانًا لهذا الكتاب.

فالولع بالممنوعات خلاصة طبائع المرأة التي تنمي إلى أسباب كثيرة ولا تنحصر في سبب واحد.

ولكن السبب الأكبر منها أنها تؤمر وتُنْهى كثيرًا، وأنها تؤمر وتُنهى لأنها أضعف من آمِرِها وناهيها، ولا تزال معه أبدًا بين لذة الخضوع ولذة العصيان، ولعلها لا تعصي إلا لتعود كَرَّةً أخرى إلى خضوع أعمق وأشهى من خضوع البداية والارتجال.

ولا تولع المرأة بالممنوع لأنها محكومة وكفى، أو لأنها محكومة لضعفها واعتمادها على من يمنعها.

بل هي تولع بالممنوع لأنها تتدلل، ولأنها تسيء الظن، ولأنها تعاند، ولأنها تجهل وتستطلع، ولأنها موهونة الإرادة لا تطيق الصبر على محنة الغواية والامتناع.

وكل أولئك عنوان لخصلة أخرى من ورائها: هي خصلة الضعف الأصيل.

هي تتدلل لأن قيمتها موقوفة على غيرها، أو معلقة بنظرة غيرها إليها؛ فهي تحب أن تعرف قيمتها، ولا تعرف قيمتها إلا بمقدار ما تكلف الرجل من الصبر عليها واحتمال الدالة المحببة منها.

والدلال نوع من الإباء، أو نوع من المخالفة والعصيان، وإغراء بتكرار الطلب وتكرار الممانعة … ويتمنعن وهن الراغبات!

ولو لم تكن قيمتها معلَّقة بمشيئة غيرها لما كانت بها حاجة إلى الدلال، ولا إلى توابع الدلال من المكابرة والولع بالممنوع.

•••

وهي تسيء الظن كما تسيء الظن كل رعية محكومة.

فالرعية التي طال عليها عهد التسلط والحكم تحسب كل أمر من الحاكم شيئًا يفيده ولا يعنيها، وتحسب كل نهي من الحاكم مصلحة تهمه ولا تهمها، واجتنابًا لمحظور يسوءه ولا يسوءها.

فينبعث منها سوء الظن بداهة وفطرة كلما دُعِيَتْ إلى فريضة أو نُهِيَتْ عن محظور.

وتلج بها رغبة المخالفة بغير بحث ولا روية، بل تخالف ولها منفعة في الطاعة؛ لأن المخالفة هوى والمنفعة تفكير، وما زال الهوى في النفوس أقوى عليها من التفكير.

فالمرأة تحسب أبدًا أن سيدها ينهاها لأنه يريد أن يستأثر بها ويخشى من المزاحمة عليها، فتلك رغبته إذن لا رغبتها، ومتعته إذن لا متعتها، وهي إذن تنصف نفسها كلما تمردت عليه، وتحقق غرضًا لها كلما فوَّتت عليه غرضًا من أغراضه، أو هكذا توحي إليها بداهة المخالفة بغير روية ولا بحث مفيد في حقائق الأسباب.

•••

ثم هي تعاند عناد الضعيف.

وعناد الضعيف شيء آخر غير تمرد المحكوم، وإن كان كلاهما قريبًا من قريب في العنصر الأصيل.

فالضعيف يتشبث بالحياة لأنه مهدَّد في الحياة، ومن تشبثه بالحياة تشبثه بالهوى، وتشبثه بالعادة التي يدرج عليها، ويخيل إليه أن الفناء في التحول عنها.

وفي الطفولة تشبث كثير.

وفي الشيخوخة تشبث كثير.

وفي الأنوثة تشبث كثير.

والخاسر على مائدة اللعب يتشبث بالبقاء عليها ولا يطيب له أن يفارقها، وكل أولئك باب من أبواب العناد المطبوع غير عناد المحكوم، أو غير الولع في الخاضع الذليل بالعصيان والإباء.

فهذا العناد وليد الخوف، وذاك العناد وليد الغضب، وليس الخائف كالغاضب في بواعث الشعور.

•••

ثم هي تولع بالممنوع لأنها تجهل وتستطلع وتشبه الطفل الناشئ في غريزة الجهل والاستطلاع.

والجهل والاستطلاع مولعان بالهدم قبل الولع بالبناء.

فهما لا يُذعنان إلا بعد معرفة يطول تحصيلها، وقبل الوصول إلى تلك المعرفة يأبيان الإذعان ويستريحان إلى الممانعة والتعويق والتحطيم.

•••

أما ضعف الإرادة فهو عذاب بين يدي الغواية لا يخلص منه الضعيف إلا بمقارفة الشيء الممنوع، فينتهي بذلك عذاب الفتنة والإغراء والمصابرة والامتناع.

فإذا وضع بين يدي الضعيف قَدَحٌ من الماء القراح وقيل له: لا تشرب منه، شرب منه وهو غير ظمآن.

لأنه يريد أن يمتنع فتنازعه الرغبة، ويريد أن يكبح الرغبة فيعذبه الكبح، ويريد أن يحتمل العذاب فيعييه الاحتمال. فهو ضعيف مع الرغبة، ضعيف مع الكبح، ضعيف مع العذاب، ضعيف مع هذا التردد كله لا يريحه منه إلا أن يفعل ما نُهِيَ عنه، ويفض المشكلة بهذه النهاية.

فهو يشرب الماء القراح لأنه يفض مشكلة الامتناع عنه، لا لأنه ظمآن إلى الماء القراح.

والشيطان حين قال لآدم وحواء: مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ [الأعراف: ٢٠]، قد ألهب في حواء كل علة من علل المخالفة والولع بالممنوع، وسوَّل لها الغواية والإغراء.

فأكلت وزيَّنت لآدم أن يأكل مثلها.

فتمت بذلك صفات الضعف كلها؛ لأن الإغراء علامة المشيئة التي تصل إلى بغيتها من طريق التحسين وإثارة الشهوة في غيرها، لا من طريق الأمر والإخضاع أو من طريق الغلبة بالشهوة الطاغية على شهوة أخرى.

وكأنما لسان الحال الذي تنطق به المرأة في هذا المقام: إنك أيها الرجل تُخضعني وأنا أغريك! أنت تخضعني بسلطانك، وأنا أخضعك بما أتيح لك من «شهوة النظر وبهجة العيون».

•••

فهذه الشجرة …

هذه الشجرة التي أكلت منها المرأة لأنها نُهِيَتْ عنها، والتي طعمت منها ثم أطعمت آدم معها …

هذه الشجرة هي عنوان ما في المرأة من خضوع يؤدي إلى لذة العصيان، ومن دلال يؤدي إلى لذة الممانعة، ومن سوء ظن، وعناد ضعف، واستطلاع جهل، ومن عجز عن المغالبة، وعجز عن الغلبة بغير وسيلة التشهية والتعرض والإغراء.

وهذه هي قصة «الأنثى الخالدة» كلها في كلمتين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤