التوءمان

أنموذجانِ بصفحتي متطابقانِ
كأنما صنوان والمرآةُ بينهما،
وقلبي طائرٌ بالدفءِ فوقهما،
ومشطورٌ تقاسَمَ ضفتَيْه حميمُ حبِّهما،
تلاشت لُجَّةُ المرآةِ؛
حين رأيتُ أشكالًا من الحركاتِ والسكناتِ
— في غير انتظامٍ —
رد فعلهما نظامٌ عبقريٌّ رائعٌ،
متشابهٌ ثمري،
بهذي الجنةِ الفيحاءِ مشتبهٌ،
يحفُّ بنورهِ المهدَ الصغير،
التوءمان تفرَّدا وتوحَّدا في مقلتيَّ،
تمدَّدا في مهجتي؛
فمن لديَّ هو الأثيرُ،
فمن هنيهاتٍ توارتْ خضرةُ الأرحامِ دونهما،
وقد عَبَرا إلى شطِّ الحياةِ،
ومن صراخهما البشاراتُ استحمتْ في عروقي،
تحتويني في ثناياها ضُوَيْضَاءُ القطيفةِ،
والرؤى الملساءُ من غصنِ العيونِ تلألأت
فكأنها تستكشفُ الكونَ الجديدَ،
تعانقُ الأضواءَ
لكنْ ترْعَوِي عن ضوئها،
وتزيغُ غير مرَأْرئَاتٍ في المدى،
تهفو إلى وجهي؛
فأحسو الحسنَ من وجهَيْهما،
أهمي على خديهما
من ثَرَّةِ القبلاتِ أزواجًا،
وأزواجًا من الأشواقِ
من أعماق ذرَّاتي.

•••

وإن حملت ذراعايَ الفُرَيْخَيْنِ البريئَيْنِ؛
استحالا لي جناحَيْنِ،
السماءُ بلهفة تدعوهما حتى أطيرَ،
ويبتدي ثغريهما أهزوجة الأفلاكِ،
تبذرها الملائكُ في الأثير.

•••

هذان في الدنيا
بنيَّايَ الملاكانِ
اللذانِ كم انتظرتُ مواسمَ الخصبِ النديةِ فيهمَا،
رئتاي — حين بلهفةِ المخنوقِ — أشهقُ منهما،
أركان كوني،
فالشروقُ مع الغروبِ تعانَقا،
قطبا الشمالِ مع الجنوبِ تجاذَبا،
نجمانِ — دوَّاران في فلكي — دمي يحويهما،
يتشبَّثانِ بدونِ وعيٍ إنْ ضممتُهما
كأني مغناطيسٌ يجذبُ الزغب الهلامي
الذي يكسو العصيفيرَيْنِ،
والأطرافُ أهدابٌ تطوقني برفقٍ مستحيلٍ،
حين تنغرسُ البراعمُ في لحائي،
فانتماؤهما لشوقٍ في دمائي.
والبساتينُ الصغيرةُ في يدي قد أينعَتْ،
باضَ الحمامُ على ضلوعي آمنًا،
وانشقَّ صدري علَّهُ يؤوي الأجِنة،
علَّني أبني لهم في الأرضِ جنَّة.

•••

يا خالق الحُبِّ،
الحبيبان
اشتهاءً واحدًا،
يتنازعان الحُبَّ.
يا ليتَ انفلاق القلبِ كونين،
السعادةُ منهما تهمي على قلبَيْهما،
تَفْجُرُ الينبوعَ من قدمَيْهما،
يروي الصحاري خالدًا،
فتصير حبلى بالسنابلِ والنخيل،
من كل سنبلةٍ ملايينُ الحروفِ ترقرقَتْ،
ونخيلُها في كلِّ وادٍ أغدقَتْ،
ورياضُها فوقَ المدائنِ أورقَتْ،
مترقِّبًا فيضَ الطفولةِ منهما.
أرنو
متى تنمو على ثغرَيْهما البسمات؟!
كيف يبادلاني نشوةَ القُبُلات؟!
كيف يناديان بغبطةٍ «ماما وبابا»
يجريان، ويفتحان الكونَ لي بابا؟
متى؟!
ومتى أراني فيهما أغدو شبابًا؟!
طائرًا
أجني ثمارًا من غصونهما،
وأهتف: مَنْ لديَّ هو الأثيرُ،
ومن لديَّ هو الصديقُ؟
ومن سيهديني القصيدةَ والرحيق؟
أيعادل الظمآن للماءِ
اشتياق الماءِ للحلقِ الحريق؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤