تمثالٌ بلا قلبٍ (بجماليون)

مهداةٌ إلى الفنان التشكيلي: عبد الوهاب عبد المحسن.
أنا، يا حبَّةَ الرملِ التي جرحَتْ
لكي تجتازَ أحشائي،
وتثوي في ربوعِ القلب لؤلؤةً،
تؤسِّسُ عرشها الدُّرِّيَّ في أحضانِ مملكتي،
أسيرُك أم أثيرك،
حين أبعث مهجتي شعرًا
ودفئًا يحتويك، ويشتهي جرحك؟!

•••

وأنت بداخلي جبلٌ جليديٌّ
يشفُّ حرارتي وعصارتي،
ويشلُّ كيميائي، يعضُّ صقيعهُ قلبي،
يجمِّدُ خصبُه الثلجيُّ أمشاجي،
ويعلن عن تمرُّدِهِ
جحودًا ليس تصهرُهُ شموسٌ هاجرت طوعًا،
وتاهت في مجرَّاتك،
فيا أفيونتي،
مهلًا إذا أدمنتُ ترياقَك،
وكررت انتحاري؛
لانعتاقي من جنوني واشتهاءاتك،
فكم أهدرت فوق الصخرِ إصراري،
وأهرقت الدم المكنون؛
كي أُحيي تماثيلي وأحجاري،
وأحرقت العروقَ الخضرَ والأعصابَ فوقَ ترابها،
ونفخت من حبي وروحي في خلاياها
التي لا تستجيبُ لسوطِ أعماقي،
هتفت بها:
دعي وَهْمَ الخلود،
تشبَّثي بالحلم،
وامتزجي بإكسير الحياةِ،
ورفرفي،
وتنفَّسي بالحبِّ في رئتيَّ،
وانفلتي من الموت.

•••

فلا صُنْت انتماءَك للجمال،
ولا رؤي الفنان
لما حاولت كفَّاه أن تُحيي
حروفًا في لسانِ الصخرِ كي تنطق،
ونورًا في عيونٍ من زجاجٍ علَّها تشفق،
وأن تحيي عبيرًا دونما رئةٍ،
وإحساسًا من الأصنام،
وأنغامًا بأسماعِ الهوى الأخرس،
ونبضًا في فؤادٍ من رخامٍ باردٍ أملس!
فهل تبقين عنوانًا بلا وطنٍ،
وعازفةً بلا لحنٍ،
وغانيةً بلا معنًى،
وفاتنةً بلا إيحاء؟!
فليست أعينُ الفيروزِ رائعةً وجامدةً
بأحلى من عيونِ الطفلِ ملهِمةً،
وليس الزئبقُ البرَّاقُ أشهى من قراح الماء،
جمالُك قطعةٌ مني، وفيضٌ من خيالاتي،
ووَحْيٌ عبقريٌّ قد تلبَّسني؛
لأهديه إليكِ
صبابةً فنًّا ومُوسيقا.

•••

وَحُبُّكِ يا معذبتي
سرابٌ عشتُ أجنيهِ،
وأمزج مهجتي فيهِ،
أنا من صُغْتُ من ناري وصلصالي لك التمثالَ،
واستنزفتُ
ألواني، وألحاني، وأوهامي،
جعلت القلب قاعدةً،
رفعتك في سماواتي،
حضنتك ملْءَ ذرَّاتي،
توحَّدْنا،
وخلتك تبسمين وتنظرين إليَّ،
يا حلمًا هلاميًّا،
وتكتسبين مني صبغةَ الأحياء،
حتى تطلعي للكائناتِ بسرِّ ملحمتي،
وأحسست اختلاجك في عناقٍ،
زلزل الوجدان، أيقظني!

•••

«كيوبيدُ» الهوى انطلقَتْ سهامٌ منه،
حاملةً دمي المسفوحَ،
وانكسرتْ على أضلاعِكِ الصمَّاء،
وأنهاري — التي روَّتْك — ظامئةٌ،
لعلَّ الماء!
فهل أعطيتني بعضَ الذي أهدرتُ من حبي،
فقلبي الآن أطلالٌ بلا قلب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤