رحلةُ التيهِ والحبِّ والمستحيلِ

مهداة إلى توءم الروح: أحمد صلاح الدين عيسى
محيطٌ من الكهرباء،
وأمواجُ بحرِ الضياء،
مغامرةٌ واشتهاء،
ومُدْهِشَةٌ تستحمُّ بقَيْظ الندى،
وألماسةٌ في ضبابِ الأصابعِ مرشوقةٌ في المدَى،
والمسافاتُ تهوي على عجَل الحافلاتِ،
وتنزاح خَلْفًا،
وخفقُ الفجاءاتِ يعلو،
ونصلُ الدقائقِ ينسابُ في كعكةِ الشوقِ،
والزَّبْدُ منصهرًا والزَّبَد.

•••

وشوقُ التعمُّقِ حلمٌ عصيٌّ،
ودربُ الوصولِ إلى قلبِ فاتنةٍ
يستبيها نزيفُ الأحبةِ؛
فالحبُّ للأقوياء،
ومن يبتغِ الشهد؛ فليعرج الفارسُ الفذُّ نحو السَّماء،
ويسَّاقط الآخرونَ.

•••

سألتُ الطيورَ، مُحَنَّطَةَ الشدوِ، عالقةً في الدخانِ،
فقالت:
كلانا هنا غرباء،
وحيتانُنا اعتصَرَتْنا، ومضت دِمانا؛
لتنبُذَنا في العَراء،
ولولبةُ الريحِ بعدَ الجفافِ
تبعثرنا في الغبارِ هشيمًا،
فلا لحنَ من شاعرٍ أو هَزار،
وما منْ قطارٍ يعود ليرجعنا أو مطار.

•••

ولما رأيتُ النجيماتِ شاحبةً في السديمِ،
استدارتْ، وقالتْ:
بمن تهتدي، يا ابن عصرِ النجوم؟!
أراكَ
تدورُ تحوِّم مثلَ الفراشةِ حولَ الحَريقِ،
وتصعدُ، تهبطُ كلُّ الدروبِ الجسور،
وتلهثُ، ثم تعودُ إلى نقطة الصفرِ؛
ماذا ترومُ؟

•••

العشيقةُ:
عُشَّاقها العنكبوت، واللافتاتُ مضلِّلةٌ، والمساء،
وفى زَخَمِ الرقصِ والخمرِ تطفو الملاهي،
ألوفُ المآذنِ، والنَّاطحات السحابَ بلا أفقٍ،
والنوافذُ تسكبُ ألحانها تخمةً،
والشوارعُ معجونةٌ بالضجيجِ،
وسبعونَ لونًا من الطيفِ،
مليونُ صوتٍ تشعُّ وتخبو.

•••

ومملكةُ العشقِ في ظلِّها
تتهامسُ من غير بوحٍ،
ورُبَّ وحيدٍ نشازٍ ببؤرة هذا العجيج!
وربَّ غريبٍ يسوح بوحشتهِ في خِضَمِّ الجنون
وطيفُ الصبابةِ وحشٌ أطاردُه؛ علَّني
أقتفي أثرًا للوصول لوجه الأميرة؛
فهل سندباد اهتدى؟
أم ترى كان وهمي الجزيرة؟

•••

سألت المجرَّاتِ، حراسَ غيبِ الفضاء القديمِ،
فقالوا:
رأوك بغيبوبةِ الكون ليل التواريخِ:
غانيةً شطرها يمَّمَ النيلُ وجهه،
وشقَّ من الصخر مجراهُ بعد دهورِ الجهامةِ والقحطِ،
فيضًا يزفُّ إليك جموعَ المطر،
وعرقًا يلمُّ المياهَ إلى القلبِ نضَّاخةً بالنماءِ،
وطفلًا إلى الأمِّ يحبو؛
ليستاف منها رحيق الحياةِ،
ويهدي إليها الحياةَ،
فهل أنت واهبةٌ أم هبة؟
ومنذ الفراعين،
لُوتَسَةٌ تتبختر في مفرقِ النهرِ،
يحرسها موكب الشمس بِنْتًا ﻟ «رَع».

•••

كيفَ أبدعَ آلهةُ المنتمينَ إليكَ على صدركَ المعجزاتِ
مهادًا إلى بَعثِهم، واصطفوكَ ملاذًا وأمنًا؟

•••

فهل أستجير بك الآن من أذرع التيهِ،
يا وطنًا أشتهيه؟!
دعيني أذوِّبهُ في يقيني،
دعيني أغني، وأبكي طويلًا،
وأبحر — بعد اغترابيَ — بالشعرِ في مقلتَيْكِ؛
فما غير عينيك، أُهدي نشيدي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤