الطليقُ يظلُّ رباطًا لجِيدي

تشبِّين في داخلي
مارجًا من قلق،
وتنمين في مهجتي
ماردًا من أرق،
يُفزِّعُ نومي، ويهتكُ حلمي،
ويسكنني؛
فأصير أسيرًا لهُ لا أريد انعتاقًا،
ويسلبني معطيات الإرادة،
يجرِّعني في هواه الخضوعَ، الخنوعَ، كئوسَ البلادة،
ويرُجعني — رغم أني الغنيُّ — لعامِ الرمادة.

•••

أيا شمعةً تذرفُ الدمعَ زُلْفَى إليَّ،
وتحنو عليَّ،
وتحرقني مثل نارِ المجوسِ؛ فأُبْعَثُ حيًّا،
وتهتف — بي دائمًا للعذابِ المخلَّد — هيَّا.

•••

وأنثى تغازلني، تستثير الغرائزَ؛
حتى أمدَّ يدي أقطف الجمرَ، أسكبهُ في حَشَاي،
وأحشو الخلايا،
تعانقني فوق نصلٍ مُسَمَّم،
أراقصُها
رقصةَ الجوع والنارِ والموت والبعث والملحمة.

•••

أسير لحبِّكِ، أجرع من شفتيك السموم،
وألقي على كتفيكِ الرضا والهموم،
وليت الذي في هواه الشقاء يدوم!
وكم قيل: إنَّ جوى الحُبِّ تُذْكيه نارُ الفراق!
ولكن وصْلكِ
— هذا التوحُّد، هذا المزِيج المؤبَّد —
نارُ الصباباتِ والاشتياق.

•••

أيا نار «كسرى» متى تخمدين،
لعلِّيَ أشهق يومًا أريجَ النسيم النقي،
وأُعتَقُ من قيدِك السرْمديِّ؟

•••

جريمةُ حبيَ فوق القوانينِ؛
هل باركَتْها السماء؟!
ودون عقابٍ تبُثِّين فيَّ الفناء،
مراوغةً تحتويها الأصابِع،
أهفو إليها، وتهفو إليَّ،
وتفنى من الحب بين يديَّ؛
لتثويَ بين الدماء.

•••

هي الطائرُ الهمجيُّ الطليقُ يظلُّ
رباطًا لجيدي،
ومِشْنقَةً لوجودي،
وحتميةً ليس يلزمني منطقٌ أن أَحُومَ بقُربِ حِماها،
وتفاحةً — في يميني — حلالٌ سواها.
فيا وردةَ الضعفِ، ما زِلْتِ
رمزًا لضعفي،
وزيفًا لذيذًا أرى الحقَّ فيه،
وسيفًا على عُنُقي أشتهيه؛
فمن ذا يُخلِّصني من عذابي وحتفي؟
ويا أنتِ، أَفْعَى بكفِّي،
وفي كلِّ يوم أُقبِّلها ألف مَرَّة،
وأُدخلها جمرةً في فؤادي،
وأحضنها في عنائي وسعدي ونومي وسَعْيي،
وألقي على قدميها عنادي،
وأعشقها مشتهاةً ومُرَّة،
فيا شهقةً إلى رئتيَّ، ارحميني،
ويا جمرةً أدمنَتْها الجوارحُ، هيا اعتقيني؛
فما أنتِ في الصدرِ إلا دُخَان،
وهيفاءُ بيضاءُ فِتْنَةُ هذا الزمان،
بقدٍّ نحيلٍ، وخبثٍ جميلٍ.
تجوبين بحرَ المحال
بسحرِك أو حسنِكِ المستعار،
«وحوَّاءُ» منكِ تَغار،
وتعشق نكهتَك المرمرية،
ويا ليت شعريَ،
هل أنت أم أنها ستكون الضحية؟!

•••

وما أنتِ إلا حصانٌ جموحٌ مثيرٌ شهيٌّ،
سأخسر من أجلهِ كلَّ شيءٍ،
إذ كان حتى رحيقُ الحياة الرهان؛
ألستِ صديقًا لدودًا وفيًّا، يزفُّ السرابَ إليَّ
رضاه عليَّ رهينٌ بأرصدة «البنكنوت»؟
وغُولًا أنام بأحضانه مطمئنًّا،
وأشهقُ أنفاسه طائعًا للدماءِ الدفينة؟

•••

تكادُ تمزقُني رغبةٌ جامحة
سنابكُها فوقَ صمغِ الجراح،
وذرَّتها لا تَمَلُّ التكاثر في طفرةٍ وانشطار؛
فيجذبني كلُّ قطبٍ، وينثرني فوق كل مدار.

•••

إذا لم تكن ليَ كلُّ الغنيمةِ؛ لا شيءَ يكفي،
وإن لم تكن ليَ كلُّ الهزيمة؛ لا شيء يُرضي؛
فكيف إذا ما برأتُ أعاند نفسي،
وأقطع بالطيش رأسي؟
أصرُّ على أن أشقَّ بجسمي المهلهلِ
دربًا عسيرًا، وأجتاز نفسي
إلى غابة الشوكِ والجنِّ والانتحارِ،
وحلم الوصولِ إلى عالمٍ من سراب؟

•••

قُشَعْرِيرةُ الخوفِ تلهمني؛ فأهيمُ على كلِّ دربٍ؛
يطاردني ماردٌ من ظمأ؛
فألعقُ
صيفَ البوادي،
ووهمَ حلولِ الضبابِ المخلِّفِ طيفَ الغنائم.

•••

أيا خمرَ «أفيونتي» الأنثويَّة،
ويا «شهر زاد» السنينَ الشهيَّة،
أتدرين حجمَ الخسارةِ، إمَّا استمرَّ هوانَا؟
وكم سنعاني إذا
ما افترقنا برغمِ امتزاجِ دِمانا؟

•••

عذابي وحبُّكِ
أنشودةٌ عبقريَّة،
نردِّدُها دون حرفٍ ودون بيان،
وإن لفَّنا الصمتُ أم شلَّ منَّا اللسان؛
فعين الملاحمِ تبقى على الدهرِ حية.

•••

أيا نهرُ،
هل ينضبُ النهرُ حتى إذا ما احترق؟!
وهل يعبأ النهرُ
إمَّا غرقت بهِ أو جحيمٌ غرق؟

•••

أيا قلبَ معشوقتي الأزليَّة،
ويا صفوةَ الحبِّ والشعرِ والسحرِ والمستحيل،
أما آنَ وقتُ الرحيل؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤