القسم الثاني

رسالة الملامتيَّة ومُؤلِّفها

(١) أبو عبد الرَّحمن السُّلَمِي ومَنزلَتُه من تاريخ التصوُّف

هو الزَّاهِد أبو عبد الرَّحمن مُحمد الحُسين بن مُحمَّد بن مُوسى النَّيْسابوري الصُّوفي الأزْدِي السُّلَمي: الأزْدِي من جهةِ أبيه، والسُّلَمي نِسبةً إلى جَدِّه لأُمِّه.١
وفي نِسبة السُّلَمي إلى جدِّه لأُمِّه شيء من الغرابة؛ لأنه ليس من مَألوف عادة العَرَب نِسبة الرَّجُل منهم إلى قَبيلة أُمِّه. ولكن رُبَّما ارتفَع ذلك العجَب إذا أدَرَكْنا أن أهل السُّلَمي من جهة أبيه لم يكن لهم من عَريض الجاه ونابِهِ الذِّكر ما كان لأهله من جهة أُمِّه؛ فقد كان أبو عمرو بن نُجيد السُّلَمي الذي نُسِب إليه أبو عبد الرحمن من كِبار رجال الصُّوفية في عصره، واسِع الثَّراء عَريض الجاه. يَحكي لنا السُّبكي في طبَقات الشَّافعيَّة:٢ «أنه وَرِث من آبائه أموالًا جَزيلةً فأنفَقَها على العُلَماء ومشايخ الزُّهد … وأنه صحِب — وهو فتًى — أبا عثمان الحِيري٣ شَيخَ الملامتيَّة بنَيسابور في وقتِه وأخذ عنه طريقته، وكان مقربًا عند الشيخ حتى قال فيه مرَّة: «أبو عمرو خلَفي من بَعدي.» ومرَّة أُخرى: «يَلومُني الناس في هذا الفتى، وأنا لا أعرِف على طريقته سواه.»٤ وممَّا يُستدلُّ به على ثراء أبي عمرو وبذْله المال عن سَعةٍ في وجوه الخير أن أبا عُثمان الحِيري طلَب شيئًا من المال لبعض الثُّغور فتأخَّر عنه فضاق صدرُه وبكى على رءوس الناس، فأتاه أبو عمرو بن نُجيد بعد العَتمَةِ بكِيسٍ فيه ألفا دِرهم، ففرِح أبا عُثمان ودَعا له. ولمَّا جلَس في مَجلِسه قال: يا أيُّها الناس إن أبا عمرو قد ناب عن الجماعة في ذلك الأمر وحمَل كذا وكذا فجزاه الله عنِّي خيرًا، فقام أبو عمرو وقال: إنما حملتُ ذلك من مال أُمِّي وهِيَ غير راضِيةٍ فينبَغي أن تَرُدَّه عليَّ لأَرُدَّه عليها، فأمر أبو عُثمان بذلك الكِيس فأُخرِج إليه وتفرَّق الناس، فلمَّا جاء الليل جاء إلى أبي عُثمان وقال: «يُمكِن أن تَجعل هذا في مِثل ذلك الوَجه من حيث لا يَعلَم به غَيرُنا.» فبكى أبو عُثمان. وكان يقول: إنَّني أخشى من هِمَّة أبي عمرو.٥
وفي أبي عبد الرحمن السُّلَمي نفسه يقول السُّبكي:٦ «قال شيخُنا أبو عبد الله الذَّهبي: كان [أي السُّلَمي] وافِرَ الجَلالة له أملاك ورِثَها عن أُمِّه وَورِثَتْها هي عن أبيها.»

على أن أبا عمرو بن نُجيد لم يكن الوَحيد من أجداد أبي عبد الرحمن لأُمِّه مِمَّن اختصُّوا بالزُّهد والعِلم ونَباهة القدْر، فقد كان له جدٌّ آخر من جلَّة العُلماء المُحدِّثين بنَيسابور هو أحمد بن يوسف بن خالد النَّيسابوري. أمَّا أبوه الحُسين بن محمد بن موسى فلا نَعرِف عنه شيئًا سوى أنه كان من رِجال الصُّوفيَّة أيضًا، وأنه عنه وعن جَدِّه أبي عمرو بن نُجيد ورِثَ أبو عبد الرحمن التصوُّف، وكان لهُما في نشأته الأولى في طريق القوم أثرٌ كبير.

ويَدلُّ نَسَب السُّلَمي على أنه انحدَر من أصلٍ عربيٍّ خالِص من جهة أبيه وأُمِّه على السواء، فنَسَبُه من جِهة أُمِّه [أي السُّلَمي] يَصِلُه بالقبيلة العربية المعروفة باسم سُلَيم بن منصور بن عِكرمة بن حَفصة بن قَيس عيلان بن مضر.٧ ونَسبُه من جِهة أبيه [الأزدي] يدلُّ على أنه من سُلالة قبيلةٍ عربية أخرى يُحتمَل أن تكون قبيلة أزْد بن الغَوث المَشهورة. فهو بِكلِّ ذلك يَختلِف عن جُمهور مُؤلِّفي التَّصوُّف ومُترجِمي رِجاله ممَّن عاشوا قبله أو بعده وكانوا من أصلٍ غير عربي.

ولد أبو عبد الرحمن في رمضان سنة ٣٣٠ﻫ في بيت علمٍ وزُهدٍ كما قُلنا، وفي هذا البيت نشأ، وعن أهله أخذَ علوم التصوُّف والحديث، فقد أدرَك جَدَّه أبا عمرو، ورَوى عنه، وكان من المُعجَبين والمُقتدِين به.

ولا نعرِف شيئًا عن حياته الأولى سوى أنه عكَفَ مُنذ حداثة سِنِّه على القراءة والدَّرس وجمْع الكُتب حتى أصبَح لدَيه منها مَكتبَةٌ عظيمة، وأنه سمِع لعددٍ كبير من شُيوخ عصرِه، منهم: أبو العبَّاس الأصم، وأحمد بن علي بن حَسنوَيه المقري، وأحمد بن محمد عبدوس، ومحمد بن أحمد بن سعيد الرَّازي، وغيرُهم.٨
وأكثر ما عُرِف به السُّلَمي مُؤلَّفاته في التصوُّف، فقد وَصَفَه الحافِظ بن عبد الغفَّار فقال: «شَيخ الصوفيَّة في وقتِه، المُوفَّق في جميع علوم الحقائق ومَعرفة طريق التصوُّف، وصاحِب التَّصانيف المَشهورة العَجيبة في عِلم القوم.»٩ وفيه أيضًا يقول الهَجويري صاحِب كشْف المَحْجوب:١٠ إنه كان من أوائل من كَتَب في طبَقات المَشايخ وسِيَرِهم وَرَوى أقوالَهم وبَحث طُرُقَهم وسُلوكَهم وآدابهم ومُعاملاتِهم وصُحبَتَهم، وألَّف في أصول بعض فِرَقِهم،١١ ودافَع عن تعاليمِهم وتقاليدهم بالأدلَّة الشَّرعيَّة من الكِتاب والسُّنَّة، كما فعل في كِتابه «السَّماع». ولكن السُّلَمي كَتَب أيضًا في التفسير والحديث، فقد حدَّث — على حدِّ قول السُّبكي — أكثر من أربعين سنةً إملاءً وقراءةً.
ويظهر أنَّ التَّأليف في التَّصوُّف كان شُغله الشاغِل وهمَّه الأول، وأنه لم يُعْنَ بالتفسير والحديث إلا بِمقدار ما يَستعين بِهما على خِدمة التصوُّف، فقد كتَب تفسيرًا للقرآن بلِسانٍ صُوفيٍّ يُعرَف بتفسير أهل الحَقِّ وبحقائق التَّفسير.١٢ واتُّهِم بوضْع الأحاديث للصُّوفية، اتَّهَمَه بذلك مُحمَّد بن يوسف النَّيْسابوري القطَّان فقال: «السُّلَمي غَير ثِقَة [أي في الحديث]، وكان يَضَع للصُّوفية.»١٣ وإن كانت هذه تُهمَة حاوَل ردَّها عنه كلٌّ من السُّبكي والخطيب. والظاهر أنَّ حِرصَه الشديد على تأييد تعاليم الصُّوفية بالأدلَّة النَّقليَّة من الكتاب والسُّنَّة دَفَع به إلى تلمُّس الأحاديث التي يُمكِنه أن يَستعين بها على تحقيق مأربِه مهما كان مَصدرها، ولا أستبعِد أنه وضَع الكثير منها، فقد جعل من كلِّ صُوفيٍّ ترجَم له في طبَقاته مُحدِّثًا يَروي من الأحاديث ما يتمشَّى عادةً مع نَزعتِه الصُّوفية. وكلُّ هذه الأحاديث وارِدة في الدُّنيا ومُحاسَبة النفس على حلالِها وحرامِها وأنها سِجنُ المؤمن وجنَّة الكافر، وفي الرِّزق وحَمْد الناس عليه دُون الله، وفي الرِّضا والسُّخط، ونحو ذلك ممَّا هو أدخَلُ في صميم التصوُّف. وتُرْوَى هذه الأحاديث على لِسان شقيقٍ البَلخي والحارِث المُحاسَبي وذي النُّون المِصري وأبي يزيد البَسطامي ونَحوِهم، ممَّن عُرِف عنهم أنَّهم من رُواة الحديث أو مِن غير رُواته. أمَّا تأييده قواعِد التصوُّف بالحديث فظاهِر في طبقاته هذه وفي رِسالته في الملامتيَّة، فإنه يعقِد صِلةً بين كلِّ أصلٍ من أصولهم وحديثٍ من الأحاديث أو آيةٍ من الآيات القرآنية، وهو مَنهج يكاد يَنفرِد به السُّلَمي في تأريخه للتصوُّف ورجاله، ومن أجلِه اتُّهِم بالضَّعف والوَضْع للصُّوفية وعدَم الأمانة في النَّقل. على أنَّني لا أستبعِد وضْعَه بعض الأحاديث فحسْب، بل لا أستبعِد كذلك وضعه كثيرًا من عِبارات الصُّوفية على ألسِنة القوم بما يتناسَب مع مَشارِبهم ونزَعاتهم؛ فإن اللفظ في مُعظَم المُناسَبات له، والمَعنى والنَّزعة لَهُم. على أنَّ هذا ليس بقادِحٍ في تآليفِ السُّلَمي ولا في قِيمتِها ومَنزِلَتِها العالِية في تاريخ التصوُّف، فإن السُّلَمي سيظلُّ بالرغم من كل هذا أستاذ مُؤرِّخي هذا العِلم غير مُنازَع. ويكفي أن يَشهد له ويُدافِع عنه رجال لهم خَطَرهم في تاريخ التصوُّف، أمثال أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القُشيري وأبي نُعيم الأصفهاني وغيرهما، ممن نقلوا عنه وأخذوا بمنهجه، واعتَبروه حُجَّةً في التصوُّف ومَرجِعًا ثَبْتًا.١٤ فلا تكاد تخلو صفحة من صفحات رسالة القُشيري من رواية عن السُّلَمي — لا سيما في ترْجَمات المَشايخ — وكثيرًا ما يلجأ إلى الرواية عنه أبو نُعيم في حِليَتِه، والخطيب البغدادي في تاريخه، مع ما عُرِف عن هذا الأخير من عدَم تَحيُّزه إلى الصُّوفية. أما أبو نُعيم فيعترِف بفضل السُّلَمي عليه حيث يقول: «قد أتينا على من ذَكَرهم الشيخ أبو عبد الرحمن السُّلَمي ونَسَبهم إلى تَوطين الصُّفَّة١٥ ونُزولها، وهو أحدُ من لَقِيناه ومِمَّن له العِناية التامَّة بتَوطئة مَذهب المُتصوِّفة وتَهذيبه على ما بيَّنَه الأوائل من السَّلَف مُقْتَدٍ بسِيمَتهم، مُلازمٌ لطريقتهم، مُتَّبِعٌ لآثارهم، مُفارِقٌ لما يُؤثَر عن المُتخَرِّمين المُتهَوِّسين من رجال هذه الطائفة، مُنكِر عليهم؛ إذ حقيقة هذا المَذهب عنده مُتابعة الرسول فيما بلَّغ وشرَع، وأشار إليه وصدَع، ثم القُدوةِ المُتَحقِّقين من عُلماء المُتصوِّفة ورُواة الآثار وحُكَّام الفُقهاء.»١٦

ومِمَّا عِيب على أبي عبد الرحمن السُّلَمي أيضًا تَواجُدُه في السَّماع، وأنه كان يقوم فيه مُوافقةً للفُقراء. ولكن الدلائل تَشهَد بأنه لم يكُن يفهَم التَّواجُد بالمعنى الذي يُنقِص من قدْر الصُّوفيِّ المُتواجِد، ولا يفهمه على أنه وَليد السَّماع وحدَه، بل على أنه نَشوةٌ رُوحيَّة تَعرِض للرَّجُل عندما يتبيَّن له معنًى من المعاني التي أشْكلَت عليه، وأن السَّماع لا مَدْخَل له في إيجاد حركة المُتواجِد، وإنما هي نَشوة الظَّفَر بالمطلوب، وكشْف غوامِض الأسرار. يُؤيِّد ذلك حِكايتان ذَكَرَهما السُّبكي في تَرجمتِه للسُّلَمي:

الأولى أنه جَرى يومًا ذِكر أبي عبد الرحمن السُّلَمي بين أبي القاسِم القُشيري وأبي علي الدَّقَّاق، فقال القُشيري: «كنتُ بين يدَي أبي علي الدقَّاق، فجرى حديث أبي عبد الرحمن السُّلَمي وأنه يقوم في السَّماع مُوافقةً للفقراء، فقال أبو علي: مِثْلُه في حاله لعلَّ السُّكون أولى به، امضِ إليه فستَجِده عاقِدًا في بيت كُتُبه، وعلى وجه الكُتُب مُجلَّدة صغيرة مُربَّعة فيها أشعار الحُسَين بن منصور، فهاتِها ولا تقُل له شيئًا. قال: فدخلتُ عليه، فإذا هو في بيت كُتُبه والمُجلَّدة بحيث ذَكَر أبو علي، فلمَّا قعدتُ أخذَ في الحديث وقال: «كان بعضُ الناس يُنكِر على واحدٍ من العُلَماء حرَكَتَه في السَّماع، فرُئي ذلك الإنسان يومًا خاليًا في بيتٍ وهو يَدور كالمُتواجِد، فسئل عن حاله، فقال: كانت مسألة مُشكِلة عليَّ فتبيَّن لي معناها، فلم أتمالَك من السُّرور حتى قُمتُ أدور، فقُل له مثل هذا يكون حالُهم.» وهذه الحِكاية فوقَ دِلالتها على قوَّة الفِراسة عند كلٍّ من أبي علي الدَّقاق والسُّلَمي، تُوضِّح لنا ما يَفهمُه هذا الأخير من معنى التَّواجُد، وأن حركة التَّواجُد لا يُحدِثُها السَّماع، وإنما تنكشِف للصُّوفيِّ أسرارٌ ومعانٍ تكون قد أشكَلَتْ عليه قبل السَّماع، فهي مَظهَر الاغتِباط الرُّوحي بما يظفَر به الصُّوفي، لا دَليل لذَّةٍ حِسِّيَّة ناشئة من السَّماع.

والحِكاية الثانية تدلُّ على إنكار السُّلَمي للسَّماع، وهي أنَّه خرَج يومًا من نَيسابور إلى مَرْو ليزُور الأستاذ أبا سهلٍ الصعلوكي، وكان من عادته أن يَعقِد في غَدَوات أيام الجُمعة مَجلِس وِرْد القرآن ليُختَم فيه، فلَّما حضَر مجلِس الصعلوكي وجدَه قد رَفَع مجلِس القرآن وعقَد لرَجُل مجلِس القول، فأحسَّ بمرارَةٍ في نفسه من ذلك، فلمَّا سأله الصعلوكي: «إيش يقول الناس فيَّ؟» قال: «يقولون رفَع مجلِس القرآن ووضَع مجلِس القول.» فقال الصعلوكي: «مَنْ قال لأستاذه لِمَ، لا يُفلِح أبدًا.»١٧ والمُراد بمجلِس القول هنا مجلِس السماع، فالسُّلَمي في هذه الناحية أقرَب إلى مَشرَب السَّلَف ومَذهَب الملامتيَّة الذين يُنكِرون السَّماع، ويَعتبرون التواجُد فيه ضربًا من ضروب الرِّياء.

تلاميذ السُّلَمي

قصَد كثير من العُلَماء أبا عبد الرحمن السُّلَمي للصُّحبة والدَّرس والرِّواية عنه، لمَكانتِه في التصوُّف وبُعد صِيته في هذا المَيدان وفي مَيدان الحديث وغَيره من علوم الدين. وقد ذَكَر كلٌّ من الذَّهبي في طبقات الحُفَّاظ وتَذكِرة الحفَّاظ، والسُّبكي في طبَقات الشافعيَّة، عددًا غير قليلٍ من العُلماء الذين تَتلمَذوا له ونقَلُوا عنه، وكان له على مُؤلَّفاتهم في التصوُّف وغيره فضلٌ كبير. قال الذَّهبي:١٨ «وحمَل عنه (أي عن السُّلَمي) القُشيري والبَيهقي، وأبو صالح المؤذن، ومحمد بن يحيى المزكي، وأبو عبد الله الثَّقفي، وعلي بن أحمد الأخرَم المُؤذِّن، ومحمد بن إسماعيل التفليسي، وخلقٌ سواهم.» وقال في طبَقات الحُفَّاظ:١٩ «سمع [أي السُّلَمي] الأصم، ومنه البَيهقي والقشيري.» وقال السُّبكي:٢٠ «روى عنه [أي السُّلمي] الحاكِم أبو عبد الله، وأبو القاسِم القُشيري، وأبو بكر البَيهقي، وأبو سعيد بن مرامش، وأبو بكر بن يَحيى المزكي، وأبو صالح المؤذِّن، وأبو بكر بن خَلَف، وعلي بن أحمد المَديني المؤذِّن،٢١ والقاسِم بن الفضل الثَّقفي، وخلقٌ سواهم.»
ويكفي السُّلَمي فخرًا أن يكون القُشيري صاحِب الرسالة المَشهورة في التصوُّف أحد تلاميذه الذين عاشَرُوه وأخَذوا عنه مُباشرةً. ويُجمِع مُترجِمو القُشيري على أنه صحِب السُّلَمي وروى عنه إلى أن صار أستاذ خُراسان، فيقول السُّبكي في طبَقاته:٢٢ إن القُشيري سمِع الحديث من طائفةٍ من العُلماء منهم أبو عبد الرحمن، ويذكُر في مكانٍ آخر٢٣ أنَّ القُشيري بعد وَفاة أبي علي الدَّقاق [صِهره] عاشَر أبا عبد الرحمن السُّلَمي. والرسالة القُشيرية ذاتُها تفيض بِرِوايات مُؤلِّفها مُباشرة عن السُّلَمي مِمَّا لا يدَع مجالًا للشَّكِّ في فضل الأستاذ على تلميذه. ولسُوء الحظِّ لم يُخلِّف لنا القُشيري ترجمةً صُوفيَّةً لأستاذه كنَّا نَستشفُّ منها شيئًا عن حياته الرُّوحية التي نجهَل الكثير من نواحيها، بل هو يَعتذِر عن إغفاله ذلك في آخِر الفَصْل الذي أفرَدَه لترجَمات المَشايخ٢٤ حيث يقول: «فأمَّا المشايخ الذين أدَركْناهم وعاصَرْناهم وإن لم يتَّفق لنا لُقياهُم، مثل الأستاذ الشَّهيد لِسان وَقتِه وأوْحَد عَصرِه أبي علي الحسن بن علي الدَّقاق، والشَّيخ نَسيج وحدَه في وَقْته أبي عبد الرَّحمن السُّلَمي إلخ، فلو اشتغَلْنا بذِكرِهم وتفصيل أحوالِهم لخرجْنا عن المَقصود في الإيجاز، وغير مُلتَبِسٍ من أحوالِهم حُسْنُ سَيْرهم في مُعامَلاتِهم.» وقد مات القُشيري سنة ٤٦٥ﻫ، أي بعد وفاة السُّلمي بثلاثٍ وخمسين سنة.
أمَّا أبو بكر البَيهقي فهو أحمد بن الحُسَين بن علي بن عبد الله بن موسى الحافِظ النَّيسابوري الخُسْرَجردي،٢٥ كان من فُحول الحُفَّاظ الذين أخَذوا عن السُّلَمي وتَتلمَذوا له، وكان مُحدِّثًا كبيرًا ومُؤلِّفًا في مَذهب الشَّافِعي لا نِدَّ له، شَهِد له إمام الحَرَمَين شهادةً لم يَشهدْها لشافِعيٍّ غيره فقال: «ما من شافِعيٍّ إلَّا وللشَّافِعيِّ في عُنقِه مِنَّةٌ إلا البَيهَقي، فإنَّ له على الشَّافِعيِّ مِنَّةً لتَصانِيفِه في نُصرَةِ مَذهبِه.»٢٦

وليس للبَيهقي أثرٌ في التَّصوُّف وتاريخه مثل ما للقُشيري، فإن كان للسُّلَمي فضل عليه فذاك في عِلم الحديث الذي يُعدُّ البَيهقي من فُحول رِجاله. وقد مات البيهقي سنة ٤٥٨ﻫ، أي بعد وَفاة السُّلَمي بستٍّ وأربعين سنة.

ويَجِب أن نَعتبِر أيضًا من تلاميذ السُّلَمي الحافِظ الكبير أبا نُعيم الأصفهاني صاحِب الحِلية، وإن لم يَذكُر مُترجِموه أنه رَوى عن السُّلَمي مُباشرةً، ولكن أبا نُعيم نفسه يعترِف بفضل السُّلَمي عليه وأخذِه أخبار الصُّوفية عنه، ويَشهَد فيه شهادةً تُبرِّئه من كثيرٍ ممَّا ألصَقَه به بعض النَّاقِمين عليه. يقول أبو نُعيم:٢٧ «وهو (أي السُّلَمي) أحد من لَقِيناه ومِمَّن له العِناية بِتوطِئة مَذهب المُتصوِّفة وتَهذيبه … وسأقتَفي في باقي الكِتاب من ذِكر التابِعين حَذْوه، إذ هو شرَع في تأليف طبَقات النُّسَّاك.» فأبو نُعَيم يَعدُّ نفسَه صراحةً من تلاميذ السُّلَمي في مادَّتِه ومَنهجه. والناظر في تَرجَمات المَشايخ المُشتَرَكة بين حِليَة أبي نُعيم وطبَقات السُّلَمي يُدرِك مدى انتِفاع صاحِب الحِلية بِمُؤلِّف الطَّبقات في طريقتِه في عرْض تراجِم الصُّوفيَّة واقتِباس الأقوال المَأثورة عنهم، وإن كان لأبي نُعيمٍ أسلوبُه الخاصُّ به، وهو أسلوبٌ يَمتاز بالإطناب والمُبالَغة في وَصف عجائب الصُّوفية وكراماتهم.
على أنَّ السُّلَمي من ناحيةٍ أخرى قد رَوى عن أبي نُعيم مع تَقدُّمه في السِّنِّ عليه، إلى حدِّ أن السُّبكي يَعُدُّ أبا نُعيم من مَشايخِه،٢٨ إلَّا أنه مِمَّا لا شَكَّ فيه أن فضل السُّلَمي على أبي نُعيم يَربو بكثيرٍ عن فضل أبي نُعيم عليه. وقد مات أبو نُعيم سنة ٤٣٠ﻫ، أي بعد وفاة السُّلَمي بثماني عَشرةَ سنة.
أمَّا بَقيَّة تلاميذ السُّلَمي الذين ذَكَرهم السُّبكي والذَّهَبي، فليس لهم كبير حظٍّ من ناحية التصوُّف وتاريخه، وإن كان لبعضهم مُؤلَّفات في علوم الحديث والتاريخ العام، نَخصُّ بالذِّكر منهم أبا عبد الله٢٩ الحاكِم صاحِب التَّصانيف في عِلم الحديث وصاحِب تاريخ نَيسابور، وأبا صالح المؤذِّن الذي كان من كِبار الحفَّاظ وقد رَوى عن السُّلمي وأبي نُعيم معًا.٣٠

تَصانِيفه

كان السُّلَمي — كما أسلَفْنا — من أوائل مُؤرِّخي التصوُّف ومُصنِّفي الطبَقات، ولكنه لم يكن مُؤرِّخًا للتصوُّف ورجاله فحسْب، بل كتَب أيضًا في مسائل التصوُّف ذاتها عدَدًا غير قليلٍ من الكُتُب ضاع للأسف بعضها، وبقِيَ بعضُها مَخطوطًا لم يُنشَر بعدُ. وقد تناوَل وُجوهًا كثيرةً من التصوُّف في كُتُبه، مُلخِّصًا قواعد الطريق الصُّوفي وآدابه أحيانًا، أو شارحًا وناقدًا مَن يرى أنه خَرَج على رُوح التصوُّف الحقيقيَّة أحيانًا أخرى. كما أنه انفرَد بوضْع كُتُب في بعض فِرَق الصُّوفية، كرسالته في المَلامتيَّة وأصول تَعاليمهم، وهي الرِّسالة التي ننشُرُها هنا.

ويذكُر الحافِظ عبد الغافر في كُتُبه أنَّ السُّلَمي قد ألَّف في علوم التصوُّف «ما لم يُسبَق إلى تَرتيبه حتى بلَغَ فهرس تصانيفه المائة وأكثر.»٣١ ولكنِّي لم أقِف على أسماء أكثرَ من ستَّةَ عَشَر كتابًا له، ورَد بعضُها في بروكلمان ولم يرِد البعض الآخر. ولم تُتَحْ لي الفرصة بعد لدَرْسِها كلها وتحليل مادتها، وإن كنتُ اطَّلعتُ على ما نَشَره منها الأستاذ ماسنيون من النُّصوص المُتَّصِلة بالحلَّاج، كما اطَّلعتُ على طَبَقات السُّلَمي المَخطوطة بمكتَبة المُتحَف البريطاني وعلى رِسالتَيه في المَلامتيَّة وغلَطَات الصُّوفية؛ ولهذا سأكتفي بمُجرَّد سرْد أسمائها والنَّصِّ على أنها مَخطوطة أو مطبوعة، وأين تُوجَد مَخطوطاتها.
  • (١)
    كِتاب طبَقات الصُّوفية: مَخطوط تُوجَد منه نُسخة بالمُتحَف البريطاني بلندرة رقم Add 18520، وأخرى ببرلين رقم ٩٩٧٢، وثالِثة بمكتبة عاشر أفندي رقم ٦٧٧، ورابعة بمكتبة عمومي بإسطنبول رقم ١٥٧، وتوجد بمكتبة الجامعة المصرية نُسخة شمسيَّة مأخوذة من نُسخة المُتحَف البريطاني، ويشتغل الأستاذ J. Pederson الآن بنَشر هذا الكِتاب.
  • (٢)
    تاريخ الصُّوفية: مخطوط نَشَر منه الأستاذ ماسنيون بعض أجزائه في كِتابه Quatre Textes inédits relatifs à Hallaj، في باريس سنة ١٩١٤، من ص١٧–٢٥.
  • (٣)
    تفسير صُوفي للقرآن يُعرَف بتفسير أهل الحقِّ أو بحقائق التَّفسير: مَخطوط بالمُتحَف البريطاني وبمكتبة الأزهر. وتُوجَد منه ثلاث نُسَخ خطِّيَّة بمكتبة فاتح بإسطنبول رقم ٢٦٠ و٢٦١ و٢٦٢، واثنتان بمكتبة كوبرولو رقم ٩١ و٩٢ بإسطنبول إلخ. وقد نَشَر منه الأستاذ ماسنيون ما يَتَّصِل بالحلَّاج في مجموعة النُّصوص الحلَّاجِيَّة في كِتابه Essai sur les Origines du lexique technique de la mystique، من ص٢٣–٧٦.
  • (٤)
    رسالة الملامتيَّة: وتُوجَد مخطوطة بدار الكُتب المصرية رقم ١٧٨ مجاميع تَصوُّف تحت عنوان أصول الملامتيَّة وغلَطات الصُّوفية، كما تُوجد منها نُسخَة أخرى خَطِّيَّة بمكتبة بِرلين رقم ٣٣٨٨ تحت عنوان رسالة الملامتيَّة، وبالجامعة المِصريَّة صُورة شمسيَّة من هذه الأخيرة رقم ٢٦٠٣٦، وبالمَتحَف البِريطاني مخطوط رقم Or 7555 … وسأرمُز لمَخطوطة برلين بالحَرْف ب ومخطوطة القاهرة بحرف ق.
  • (٥)
    رسالة غَلَطات الصُّوفية: وهي جُزء من مخطوط القاهرة الآنِف الذِّكر رقم ١٧٨ مجاميع تصوُّف، وإليها يُشير ابن عربي في كلامه عن الجُوع، ورأي السُّلَمي فيه، حيث يقول في قول النَّبي في الجُوع: «إنه لبئس الضَّجيع»: إن هذا لسان العموم، والرأي الذي عليه أئمة المَشايخ أنَّ الجُوع لو كان أمرًا يُباع في السُّوق للَزِم الصُّوفية أن يَشتروه. ومن نظَر إلى ما نظَره النبي جعلَه من أغاليط أهل الطريق كأبي عبد الرحمن السُّلَمي، إذ عمل أوراقًا فيما غلطَتْ فيه الصُّوفية، وهو مَذهبُنا.»٣٢
  • (٦)

    جَوامِع الصُّوفية: مخطوط بمكتبة جامِع لالالي بإسطنبول رقم ١٥١٦.

  • (٧)

    جوامِع آداب الصُّوفية: مَخطوط ببرلين رقم ٣٠٨١. ولعلَّه الكِتاب السابِق.

  • (٨)

    منهج العارفين: مَخطوط ببرلين رقم ٢٨٣١.

  • (٩)

    عيوب النَّفس ومُداواتُها: مخطوط ببرلين رقم ٣١٣١، ومنه نُسخة خطِّيَّة أخرى بالخِزانة التَّيموريَّة المَحفوظة بدار الكُتب المصرية رقم ٧٤ لم يذكُرها بروكلمان.

  • (١٠)

    دَرَجات المُعامَلات: مخطوط ببرلين رقم ٣٤٥٣.

  • (١١)
    أدَب الصُّحبة وحُسن العِشرة.٣٣
  • (١٢)

    سلوك العارِفين: مخطوط بالخِزانة التَّيمورية: مجموعة رقم ٧٤ لم يذكُره بروكلمان.

  • (١٣)
    كتاب السُّنَن [لعلَّه المعروف بسُنَن الصُّوفية]: ذكَرَه ابن الجَوزي في كِتاب تَلبيس إبليس، حيث قال: «وجاء أبو عبد الرحمن السُّلَمي فصنَّف لهم كِتاب السُّنَن وجمَع لهم حقائق التَّفسير.»٣٤
  • (١٤)
    تاريخ أهل الصُّفَّة: أشار إليه الهَجويري في كشْف المَحجوب،٣٥ وهو الكِتاب الذي نقَل عنه أبو نُعيم الأصفهاني مُعظَم تراجِم أهل الصُّفَّة، كما سبَقَت الإشارة إليه.
  • (١٥)
    كِتاب السَّماع: أشار إليه الهَجويري أيضًا.٣٦
  • (١٦)

    ذِكر أسماء [مُختَصر الكِتاب الأول الذي هو الطَّبَقات]: مخطوط بمكتبة كوبرولو رقم ١٦٠٣.

وقد تُوفِّي أبو عبد الرحمن السُّلَمي سنة ٤١٢ﻫ / ١٠٢١م.

(٢) رسالة الملامتية

[٤٧ب]٣٧ الحمد لله الذي اختار من عباده عبادًا جعلهم أئمةً في بلاده، فزيَّن بعبادته ظواهِرَهم، ونوَّر بواطنَهم بمعرفته ومَحبَّته، ودلَّهم على معرفة أنفسهم، ومكَّنَهم من تذليلها، وعرَّفهم مكْرَهَا، وأعانَهم على تصغيرها وتحقيرها، فهُم العُلَماء بالله وأحكامه، والقائمون بأمره والعارفون بإنعامه، والله يختصُّ برحمته من يشاء. سألتَني وفَّقك الله أن أُبَيِّن لك طريقًا من طرُق «أهل الملامة» وأخلاقهم وأحوالهم، فاعلَمْ رحمك الله أنه ليست للقوم كتُب مُصنَّفة، ولا حكايات مؤلَّفة، وإنما هي أخلاق وشمائل ورياضات، وأنا ذاكِرٌ من ذلك قدْرَ وُسْعِي وطاقتي أطرافًا يُستدَلُّ بها على ما وراءها من سِيَرهم وأحوالهم، بعد أن أستعين بالله في ذلك وأستوفِقُه وأستهديه، وهو حسبي ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العلي العظيم.
اعلَمْ وفَّقك الله الرَّشاد أنَّ أرباب العلوم والأحوال على طبقاتٍ ثلاث: طبقة انتدبوا إلى علوم الأحكام والاشتِغال على جمعها ومنعها، وبذْلِها وعطائها، ولا يُخبِرون عمَّا عليه الخواصُّ من أهل المُعامَلات والمُنازَلات والمُشاهَدات، وهم علماء الظاهر وأرباب الاختلافات والمسائل التي بها يَحفظون أساس الشريعة وأصول الدين، وإليهم المَرجِع في تصحيح المُعاملات وتقييدها بالكتاب والسُّنَن. فهم عُلماء الشَّرع وأئمة الدِّين، ما لم يَخلطوا عملهم ويُدَنَّسوا، بطبع أنفسهم، بجمْع شيءٍ من حُطام هذه الفانية، فحينئذٍ يَسقُط عنهم الاقتداء، فلا يكونون من أهله. والطبقة الثانية منهم الخواصُّ الذين خصَّهم الله تعالى بمعرفته، وقَطَعهم عما فيه الخلْق من جميع الأشغال والإرادات، فشُغلهم بالله وإرادتهم له، فلا حظَّ لهم فيما فيه الخلْق من أسباب الدُّنيا، ولا لهم هِمَّة فيما هم فيه من جميع جِهاتها، بل هِمَّتهم مُجتمع الهِمَّة له وعليه، فلا لهم مع الخلْق قرار، ولا لغيرهم إليه سبيل بحال. بل هم خواصُّ [٤٨أ] الخواصِّ الذين خصَّهم الله بأنواع الكرامات وقَطَع أسرارَهم عن المكنونات، فكانوا له وبه وإليه. وهذا بعد أن أحكَموا طريق المُعاملات، وحفِظوا على أنفسهم ألْسُن المُجاهدات، فأسرارهم إلى الحقِّ ناظِرة، وإلى الغُيوب مُتطلِّعة، وجوارحهم بزينة العبادات مُزيَّنة، لا يخالف ظاهرهم شيئًا من سُنَن الشرع، ولا يغيب باطنُهم عن مُلاحظة الغيب. وهم الذين قال فيهم النبي : «من جعل الهموم همًّا واحدًا كفاه الله سائر همومه.» فهؤلاء أهل المَعرفة بالله عزَّ وجل. والطبقة الثالثة، وهم الذين لُقِّبوا بالملامتيَّة: وهم الذين زيَّن الله تعالى بواطنَهم بأنواع الكرامات من القُربة والزُّلفة والاتِّصال، وتحقَّقوا في سرِّ السرِّ في معاني الجمع، بحيث لم يكن للافتِراق عليهم سبيل بحالٍ من الأحوال، فلمَّا تحقَّقوا في الرُّتَب السَّنِية من الجمع والقُربة والأُنس والوصلة، غار الحقُّ عليهم أن يجعلَهم مكشوفين للخلْق، فأظهرَ للخلْق منهم ظواهرَهم التي هي في معنى الافتِراق من علوم الظواهر، والاشتِغال بأحكام الشرع وأنواع الأدب، ومُلازمة المُعاملات، فيسلَم لهم حالُهم مع الحقِّ في جمع الجمع والقُربة، وهذا من أسنى الأحوال ألَّا يؤثِّر الباطِنُ على الظاهر. وهذا شبيه بحال النبي لمَّا رُفعَ إلى المحلِّ الأعلى من القُرْب والدُّنو، وكان قاب قوسين أو أدنى، ثم لمَّا رجَع إلى الخلْق تكلَّم معهم في الأحوال الظاهرة، ولم يُؤثِّر من حال الدُّنوِّ والقُرْب على ظاهره شيء. والحال التي تقدَّم ذِكرها كحال موسى عليه السلام [مِن] أنه لم يُطِق أحدٌ النظر إلى وجهه بعدما كلَّمَه الله عزَّ وجل. وذلك شبيه بحال الصُّوفية، وهم الطبقة الثانية ممن تقدم ذِكرنا لهم، وهم الذين تظهر عليهم أنوار أسرارهم. وأهل المَلامة إذا صحِبَهم المُريدون دلُّوهم على ما يُظهِرون لهم من الإقبال على الطاعة واستِعمال السُّنَن في جميع الأوقات ومُلازمة الآداب ظاهرًا وباطنًا في كلِّ الأحوال. ولا يُمكِّنونهم من الدَّعاوى والإخبار عن آيةٍ أو كرامة ولا الاستناد إليه، بل يدلُّونهم [٤٨ب] على تصحيح المُعاملات وإدامة المُجاهَدات، فيأخُذ المُريد في طريقهم ويتأدَّب بآدابهم، وإذا رأوا منه تعظيمًا لشيءٍ من أفعاله وأحواله بيَّنوا له عُيوبه ودلُّوه على إزالة ذلك العيب لئلا يَستحسِنوا شيئًا من أفعالهم ولا يعتمدوها. ومتى ادَّعى المُريد عندهم حالًا أو لنفسه مقامًا، صغَّروا ذلك في عينه إلى أن يتحقَّق صِدق إرادته وظهور الأحوال عليه، فيدلُّونه على ما هو عليه من سِرِّ الأحوال وإظهار الآداب من الأوامر والنواهي، فيكون تصحيح المقامات كلها عليه في حال الإرادة؛ فبِصحَّة الإرادة عندهم تصِحُّ المقامات كلها إلَّا مقام المعرفة. والمُريد إذا تأدَّب بغيرهم أطلقوا له الدَّعاوى في حال الإرادة، فيأخُذ أحوال الأئمة سترًا لنفسه، فيدَّعي بها، فلا يَزيدهم مُرور الأيام عليه إلا إدبارًا وبُعدًا عن سبيل الحقِّ وطريقه؛ ولذلك كان شيخ هذه القصَّة أبو حفص النَّيسابوري قدَّس الله رُوحه٣٨ يقول فيما أخبَرني عنه محمد بن أحمد بن حمدان٣٩ قال: سمِعتُ أبي يقول: سمِعتُ أبا حفص يقول: مُريدو أهل الملامة مُتقلِّبون في الرُّجوليَّة لا خطَر لأنفسهم، ولا لِما يبدو منها عليهم، إلى مقامهم سبيل؛ لأن ظواهرهم مكشوفة وحقائقهم مَستورة، ومُريدو الصوفية يُظهِرون من رُعونات الدَّعاوى والكرامات ما يضحك منه كلُّ مُتحقِّق، لكثرة دعاويهم وقلَّة حقائقهم. سمعتُ أحمد بن عيسى٤٠ يقول: سمِعتُ أبا الحَسن القنَّاد٤١ يقول: سُئل أبو حفص: ما هذا الاسم الذي سُمِّيتُم به من المَلامة؟ فقال: هم قَوم قاموا مع الله تعالى على حِفظ أوقاتِهم ومُراعاة أسرارهم، فلامُوا أنفسهم على جميع ما أظهروا من أنواع القُرَب والعبادات، وأظهروا للخلْق قبائح ما هُم فيه وكتَموا عنهم مَحاسِنهم، فلامَهُم الخلْق على ظواهرهم، ولامُوا أنفسهم على ما يعرفونه من بواطنهم، فأكرمهم الله بكشْف الأسرار والاطِّلاع على أنواع الغيوب وتصحيح الفِراسة في الخلْق وإظهار الكرامات عليهم، فأخفَوا ما كان من الله تعالى إليهم بإظهار ما كان منهم في بَدء الأمر من ملامة النفس ومُخالَفتها، والإظهار للخلْق ما يُوحشهم [٤٩أ] ليَتنافى الخلْق عنهم ويسلَم لهم حالُهم مع الله. وهذا طريق أهل الملامة. وسمعتُ أحمد بن أحمد الملامتي٤٢ يقول: سمعتُ إبراهيم القنَّاد يقول: سألتُ حمدون القصَّار٤٣ عن طريق الملامة، قال: ترْك التزيُّن للخلْق بكلِّ حالٍ وترْك طلَب رضاهم في نوع من الأخلاق والأفعال، وألَّا يأخُذَك فيما لله عليك لَومة لائم بحال. قال عبد الله بن المُبارك ٤٤ حين سُئل عن الملامة، فقال: هم قَوم لم يكن لهم في الظاهر آيات للخلْق ولا لهم في باطنهم دَعوى مع الله تعالى، وسرُّهم الذي بينهم وبين الله عزَّ وجلَّ لا تطَّلِع عليه أفئدتهم ولا قلوبهم. قال: وسمِعتُ جدِّي إسماعيل٤٥ بن نُجيد يقول: لا يبلُغ الرجل شيئًا من مقام القوم حتى تكون أفعالُه كلها عنده رِياء وأحواله كلها دَعاوى. وسئل بعض مشايخهم: ما أول هذه القصَّة؟ فقال: تذليل النفس وتحقيرها ومنعها عمَّا تسكُن إليه، أو يكون لها فيه راحة وإليه رُكون، وتعظيم الخلْق وحُسن الظنِّ لهم وتحسين قبائحهم وتحقير النفس وتذليلها وسوء الظنِّ بها. وحضر بعض المشايخ مع حمدون القصَّار في مجلِس، فَجرى فيه ذِكر بعض أخدانِهم فقِيل: إنه كثير الذِّكر، فقال حمدون: ولكنَّه دائم الغَفْلة، فقال له بعضُ من حضَر: أليس يجِب عليه شُكر ما أنعم الله عليه بأن وَفَّقه للذكر باللِّسان؟ فقال: أوَلَا يجِب عليه رؤية تقصيره في غَفْلة القلب عن الذِّكر؟
قال رحِمَه الله: ورأيتُ في كتابٍ كَتَبه أبو حفصٍ إلى شاه الكَرماني٤٦ فقال له: اعلَمْ يا أخي أنَّ مَن لم يعرِف فاقَة نفسِه وعجزَه في جميع ما يبدو منه من الطاعات، ليَشوبُها بالرِّياء، ومَن لم يستعمل الترقِّي ويجعلْه زمامًا لنفسه في جميع أحواله، ثم يعلَمْ أنها (أي النفس) وإن لانَت أنها الأمارة بالسوء لا تنقاد لطاعةٍ إلَّا وتُضمِر فيها خِلافًا، فيُقابِلها بالملامة في جميع أوقاته ولا يدَعها تستقرَّ في حالةٍ من أحوالها، فقد أخطأ النَّظر في نفسه. وحكى عن يحيى بن مُعاذ ٤٧ أنه قال: من أخلَص لله لا يُحِبُّ أن يُرَى شخصُه ولا يُحكى قوله. وسئل بعضهم عن أحوال القوم، فقال: هم قوم تولَّى الله حِفظ أسرارهم وأسبَل على أسرارهم سَتْر الظاهر، فهم مع الخلْق من حيث الخلْق، ولا يُفارِقونهم في أسواقِهم ومكاسِبهم، ومع الله سبحانه من حيث الحقيقة والتولِّي، [٤٩ب] فباطِنُهم يلُوم ظاهرهم على الانبِساط مع الخلْق والكون معهم برسُوم العوام، وظاهرهم يلُوم باطِنهم بأنه ساكِن في مُجاوَرة الحقِّ وغافِل عمَّا فيه الظاهر من مُعاشَرة الأضْداد، وهذا من أحوال الأئمة والسَّادة. قِيل لأبي يزيد: ما أعظمُ آيةِ العارِف؟ قال: أن تراه يؤاكِلك ويُشارِبك ويُمازِحك، ويُبايِعك ويُشاريك، وقلبُه في ملكوت القُدس؛ هذا أعظم الآيات. وقال أبو يزيد:٤٨ مَنْ صدَق في عين الجَمع بالحُرِّية كان لازمًا بِجوارِحه على أدَب العبودية وبصيرته في مُشاهَدة الحق، ومَن كان في عين الافتِراق فإنه يَجمع جَمْع المُجتهِدين في عُبودِيَّته ويكون ذلك كالهَباء. قال: وسمِعتُ عبد الرحمن بن محمد٤٩ يقول: سألتُ عبد الله الخيَّاط٥٠ عن «الملامة» فقال: مَن يُفَرِّق بين ملامته لنفسه وملامة الغَير له، ويتغيَّر عنده الحال والوقت في ذلك، فهو بَعْدُ في رُعونة الطبع، ولم يبلغ درَجة القوم. وسُئل بعضهم: من يَستحقُّ اسم «الفتوَّة»؟ فقال: مَن كان فيه اعتِذار آدم، وصلاح نُوح، ووفاء إبراهيم، وصِدق إسماعيل، وإخلاص موسى، وصبر أيوب، وبكاء داود، وسخاء محمد ، ورأفة أبي بكر، وحَمِيَّة عمر، وحياء عثمان، وعِلم علي؛ ثُمَّ مع هذا كله يَزدري نفسه ويَحتقِر ما هو فيه، ولا يقَعُ بقلبه خاطِر ممَّا هو فيه أنه شيء، ولا أنه حال مَرضي، يرى عيوب نفسه ونُقصان أفعاله وفضلَ إخوانه عليه في جميع الأحوال. قال: ورأى أبو حفصٍ بعض أصحابه وهو يَذمُّ الدُّنيا وأهلها، فقال: أظهرتَ ما كان سبيلك أن تُخفيَه، لا تُجالِسْنا بعد هذه ولا تُصاحبْنا. وسمِعتُ أبا أحمد بن عيسى٥١ يقول: سمِعتُ أبا زكريا السنجي يقول: الأحوال أمانات عند أهلها، فإذا أظهروها فقد خَرجوا من حدِّ الأمناء. قال: وأنشد محمد بن الحسَن٥٢ لبعضهم في معناه:
من سارروه فأبدى السرَّ مُشتهرًا
لم يأمَنُوه على الأسرار ما عاشا
وجانَبُوه ولم يَسعَد بقُربهم
وأبدَلُوه مكان القُربِ إيحاشا
لا يَصطفون مُذيعًا بعضَ سِرِّهم
حاشا وِدادَهُمُ من ذلكم حاشا٥٣
قال: وسمِعتُ أبا طاهر أحمد بن طاهر٥٤ يقول: سمعتُ أبا الحَسن الشركي٥٥ يقول: سمعتُ محفوظًا٥٦ يقول: كان أبو حفص يَكره لأصحابه الأسفار من غَير فرض حَجٍّ أو غَزوٍ أو رؤية شَيخ أو طلَب عِلم، فأما الأسفار على المُراد فكان يكرَهُها، ويقول: الرُّجولِيَّة البَصَر في مَوضِع الإرادة، فقال له حمدون القصَّار مُعارضًا له: أليس الله يقول: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا، [٥٠أ] فقال: إنما يَسير في الأرض من لا ينظُر إلا بالمَسير، فمن فُتِح عليه الطريق في المقام فسَيرُه تركٌ للطريق وإضلال له. وسأل عبد الله الحجَّام حمدون القصَّار، فقال: أعليَّ مُطالَبة في ترْك الكسْب؟ فقال: الزَمِ الكسْب؛ فلَأن تُدْعَى عبد الله الحجَّام أحبُّ إليَّ من أن تُدعى عبد الله العارِف أو عبد الله الزَّاهِد. وسئل بعض مشايخهم عن الخشوع، فقيل له: إنك تُبطِل إظهار شيءٍ من الأحوال، فهل الخُشوع إلَّا على ظاهِر البدَن؟ فقال: أوَّه من فهوم بَعُدَتْ عن حقائق المعاني، بل الخشوع اطِّلاع الله على الأسرار فتخشع، فتتأدب الظواهر بذلك الاطلاع. ألا ترى إلى قوله : إن الله تعالى إذا تجلَّى إلى شيء خضَع له؟ هل التجلِّي إلَّا على الأسرار؟ فإذا خشعت الأسرار بالتجلِّي ورَّثت الظواهِرَ حسنَ الأدب. وقال بعضهم: أفضلُ مصحوب الإنسان العِلم؛ لأنه اقتداء، ولا حَظَّ للنفس فيه بحال، وهو جارٍ على مُخالَفة الطبع، وشرُّ مصحوب الإنسان نُسكه؛ لأنه لا ينفكُّ من التزَيُّن والإخبار عنه، ورؤيته التكبُّر والتعظيم. ألا ترى الملائكة لمَّا كان مصحوبهم الطاعات، كيف سالَموا رؤيتهم بقولهم: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ، فلمَّا بلَغوا مقام العِلم قالوا: لَا عِلْمَ لَنَا؟ فإذن أفضل مصحوب الإنسان العِلم، وشرُّ مصحوب الإنسان النُّسك. وقيل لأبي يزيد: متى يبلغ الرجُل مقام الرجال في هذا الأمر؟ فقال: إذا عرَف عيوب نفسه، وقوِيَت تُهمته عليها. وقال بعضهم: مَن أراد أن يُسقِط عنه الافتِخار بما هو فيه، أو النظر إلى ما هو عليه، فليعلَم من أين جاء هو، وأين هو، وكيف هو، ولمن هو، وممن هو، وإلى أين هو، فمن صحَّ له علوم هذه المقامات لم يرَ لنفسه حظًّا، ولم يظهر له خطَر بحال، بل يراها مذمومةَ الكون ساقِطة الأفعال، لا يبقى له من ظاهرِه افتِخار ولا من باطنه اغتِرار. وقال بعضهم: لا يبلُغ العبد درجة القوم في الإيمان حتى لا يفكر فيما مضى ولا في شيء فيما يأتي، ويكون في وقته على مشيئة مَليكه؛ وهذا هو الباعِث على إسقاط التكليف. وعندهم أن الكامل في أفعاله مَن يبقي ظاهِرُه للمُريدين على آداب العبوديَّة للاقتِداء به والأخذ عنه، ويُبقي سرَّه وحاله لمن يَقصده إلى سياسات الأحوال وآداب المُشاهَدة، فيكون السرُّ مُشاهِدًا للحقِّ في جميع الأوقات، يتلاشى فيه من يقصده، وهو مُشرِف على الخلْق وعَيْن عليهم، فسرُّه أمام تصحيح العارِفين، وظاهِرُه أمام آداب المُريدين، وهذا من أحوال أئمة الصادِقين. كذلك قال النبي : «تنام عيناي ولا يَنام قلبي.» [٥٠ب] أخبر عن الظاهر بحال النَّوم وهو الإغفاء، وأخبر عن السِّرِّ بالتَّيقُّظ الدائم والمُشاهَدة والقُرب. وسُئل بعضهم: لِمَ استوجبَت النفوس منكم المَلامة على دَوام الأوقات؟ فقال: لأنها كفٌّ من عُجْب في قالِب ظُلمة مربوط بشواهِد العامة، ولأنها كفٌّ من جهل في قالِب الرُّعونة مربوط بحِبال الأطماع، فدواؤها الإعراض عنها، وتأدُّبُها مُخالفتها، وصيانتها ملامتها. وقال: لقد أسقط الله رؤية الأفعال حتى عن الأنبياء والرُّسل عليهم السلام، ألا ترى الكليم موسى صلوات الله عليه لمَّا قال: كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا، قال: وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى، أي كيف يَجوز أن تَعُدَّ عليَّ تسبيحك وتكبيرك وتنسى ما كان منِّي إليك من أنواع الفضل في قوله: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي الآية، وأنت تَعُدُّ عليَّ تسبيحك والكلُّ مني إليك. وسُئل بعضهم: لِمَ أذللْتُم أنفسكم وأظهرتم منها ما لامكم عليه الخلق؟ قال: لأن النفس خُلِقت مهانة من ماء مَهين ومن حمأ مسنون، فأورَثَت فيها مُخاطبة الحقِّ معها عزًّا، فتعزَّزَت بذلك، ولم تَعلَم أنَّ العزيز فيها ما [هو] مُلحَق مُستودَع [بها] لا ما هي مجبولة عليه، فإن تُركت النفس في تعزِّيها ترعَّنت، وخرجت من حدِّها، ورسخَت في طبعها. فالمُوفَّق من العباد من أراها من قِيمتها، فأعلَمَها أن جميع ما يتَّصِل بها من أعمالها وأحوالها مذموم، لئلا تَسكُن إلى شيء ولا تفتخِر بشيء؛ لأن العزيز منها ما لله فيها من كريم وَدائعه وجميل نظرِه وفوائده. وقال بعضهم: مَن أراد أن يعرِف رُعونة النفس وفساد الطبع فليُصْغِ إلى مادِحه، فإن رأى نفسه خرجت عن الحدِّ بأقلِّ قليلٍ فليعلَم أنه لا سبيل لها إلى الحق؛ لأنها تسكُن إلى ما لا حقيقة لمدحه، وتضطرِب من ذَمِّ ما لا حقيقةَ لذمِّه، فإذا قابلها في الأوقات بما تستحقُّ من التذليل لم يؤثِّر فيه مدْح مادح، ولم يلتفِت إلى ذمِّ ذام، حينئذٍ يدخل في أحوال «الملامة». قال أبو يزيد: كنتُ اثنَي عشر عامًا حدَّاد نفسي، وخمس سنين مرآةَ قلبي، وسنةً كنتُ أنظُر فيما بينهما، فنظرتُ فإذا في باطني زُنَّار، فعمِلتُ في قطعِه خمس سنين أنظر كيف أقطَعُه، فكُشِف لي، فنظرتُ إلى الخلْق فإذا هم مَوتى، فكبَّرتُ عليهم أربعَ تكبيرات، قال الله تعالى: أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ فهذا من رُسوم القوم وأخلاقِهم. وأبو يزيد في حالته يُخبِر عن نفسه بمِثل هذا، وهو إمام أهل المَعرِفة وقائدهم، يعمل كلَّ هذا ويُروِّض نفسه حتى يرى الخلْق بعين الفناء فيُسقِط عنه رؤيتَهم والتزيُّن لهم، فهذا من جليل مقاماتهم. قال الله تعالى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ، قالوا فيه ميتًا بنفسِه ونظَره إلى الخلق، فأحيَيْناه بنا وبإسقاط الخلْق منه [٥١أ]. وقال أبو يزيد رَضِي الله عنه: أشدُّ الناس حِجابًا عن الله ثلاثة: عالِم بعلمِه، وعابِد بعبادته، وزاهِد بزُهده. فأمَّا العالِم فلو عَلِم ماذا عَلِم، وأنَّ عِلْم الخلْق كلهم وما أخرَجه الله تعالى إلى الخلْق لا يكون سطرًا من اللَّوح المَحفوظ، ثم ماذا عَلِم من جُملة العلوم التي أخرَجها الله تعالى إلى الخلْق، يعلمُ أن التكبُّر بذلك والتزيُّن به خطأ مَحض. والزاهِد لنفسه إن عَلِم أن الله تبارك وتعالى يُسمِّي الدُّنيا بأسرِها «قليلًا»،٥٧ فكم ملكُهُ من ذلك القليل، وفي كم زَهِد فيما ملك، يعلَم أنَّ زُهده فيما ملك ليس مما يُوجِب الافتِخار به. والعابد لو عرف مِنَّة الله تعالى عليه فيما أهَّله له من عبادته، لذابَت رؤيته لعبادته في جنب ما يرى من مِنَن الله تعالى عليه. وسئل بعض مشايخهم: كيف يعمل الإنسان فلا يقع له رؤية ولا مُطالَبة؟ قال: إذا شغَله فرَحه بالأمر وأنه مأمور به من جِهة الحق، ويقَع على قلبه هَيبة الأمر فتشغَلُه هَيبة الأمر وفرَحه بالأمر عن النظر إلى شيءٍ مما يَظهر عليه وما يبدو منه. وسئل بعضهم: ما بال هؤلاء لم يُحقِّقوا لأنفسهم حالًا، ولم يُظهِروا لها طاعةً، ولم يَنسِبوا إليها شيئًا ولم ينتهوا إلى شيء؟ فقال: كيف يتحقَّق لها شيء وهي لا شيء؟ وما كان لها من شيء فهو عارِية مُؤدَّاة، فإذا تحقَّق العطاء لا يحتاج إلى إظهاره، فإن الحقيقة ناطِقة عنها وإن كتَمَها. قال بعض السَّلَف: كاد وجه المُؤمِن أن ينطِق بما في قلبه. وأكثر مشايخهم حذَّروا أصحابهم أن يَجِدوا طعم العبادة والطاعة؛ فإن ذلك من الكبائر عندَهم، فإن الإنسان إذا استحلى شيئًا واستلذَّه عظُم عنده وفي عَينه، ومَن استحسَن من أفعاله شيئًا واستلذَّه أو نظر إليه بعين الرِّضا فقد سقط من درجة الأكابر. وقال: سمِعتُ عبد الواحد بن علي السَّياري٥٨ يقول: سمِعتُ خالي القاسِم بن القاسم السَّياري٥٩ يقول: سمِعتُ محمد بن موسى الواسِطي٦٠ يقول: إياكم والنفس في جميع الأحوال، حتى إنَّ أحدَهم ليُسلِّم على من يَرُدُّ عليه بالكراهية، ويترُك السلام على من يَرُدُّ عليه طوعًا، ويترك مُجالَسة من يَسرُّه ويختار مُجالَسة من يُحقِّره، ويسأل من يَمنعُه ولا يسأل من يُعطيه، [٥١ب] ويُقبلُ على مَن يُعْرضُ عنه ويُعرِض عمَّن يُقبل عليه، ويعطي من لا يُحبُّه ولا يُعطي من يحبُّه، وينزل عند من يكرهه ولا ينزل عند من يهواه، ويُعاشر من يُبغِضه ولا يُعاشر من يهواه، ويأكل ما يَعافه ولا يأكل ما يشتهيه، ويُسافِر إذا أراد المقام، ويُقيم إذا أراد السفر، وهكذا في جميع الأحوال يختارون مُخالَفة النفس، ويَدَعون ما للنفس فيه راحة ولها إليه سكون، ويَجتهِدون غاية جهدهم في إسقاط الجاه ونظَر الخلْق إليهم بعَين التعظيم، ويركبون من ظاهر الأمور ما يُلامون عليه وإن كان ذلك مُباحًا في ظاهر العِلم مثل صُحبة من ليس هو من طبقَتِهم من الناس، والقعود في مواضِع تَشينُهم؛ كلُّ ذلك تلبيسًا للحال، وصَونًا لوقتِهم أن يَعترِض لهم مُعترِض. بل ابتَذلوا الظواهر للمعاني والتَّذلُّل، وصانوا أحوالهم وأسرارَهم بذلك عن الاطِّلاع عليها. وهذا من وصيَّة مشايخهم إليهم.
  • (١)

    ومن أصولهم أنهم رأوا التزيُّن بشيءٍ من العبادات في الظواهر شِركًا، والتزيُّن بشيء من الأحوال في الباطن ارتدادًا.

  • (٢)

    ومن أصولِهم ألَّا يقبلوا ما يُفتَح عليهم بعزٍّ ويسألوا بِذُل، حتى إنَّ أحدهم يُسأل عن ذلك فيقول: في السؤال ذلٌّ وفي الفُتوح عزٌّ، وإنَّا لا نأكل إلَّا بِذُلٍّ لأنه ليس في العبودية تَعزُّز. وأصلُهم في ذلك قول النبي : «إنما أنا عبدٌ آكلُ كما يأكلُ العبيد.» فإن قيل إن هذا مُخالِف لظاهر العِلم، فإن النبي قال لعُمَر بن الخطَّاب رضِيَ الله عنه: ما آتاك الله من هذا المال من غَير مسألةٍ ولا إشراف فاقبَله. قيل: إن عمر رضي الله عنه رأى في ذلك عزًّا لنفسه، فرأى النبي تعزُّزَه بذلك، فقال يَحثُّه على ذلك مُخالفةً لنفسه وإسقاطًا لذلك التَّعزُّز عنه، فقال: ما آتاك الله من هذا المال بغير مسألةٍ ولا إشراف فاقبلْه، ولا تَعزَّزْ بذلك، فإنَّ في ردِّ الرِّفق حظًّا للنفس وتكبُّرًا يحدُث فيها.

  • (٣)

    ومن أصولهم قضاء الحقوق وترْك اقتِضاء الحقوق.

  • (٤)
    ومن أصولهم مَحبَّة استِخراج الشيء منهم بالجُهد، وإن كانوا يُحبُّون إخراجَه بضِدِّ الجُهد إسقاطًا بذلك لحظِّ رؤية النفس منهم إنْ أحَدُهُم بذَلَه، أو يستحي أن يُستخرَج ذلك منه كُرهًا،٦١ حتى بلَغَني عن بعض مشايخهم أنه كان يؤخَذ ما له منه ويقول لهم: هذا حرام ولا يَحلُّ لكم، والقوم يأخذونه، فقيل له [٥٢أ] في ذلك: أنت تقول هو حرام وهم يأخذونه، فقال: إنما يأخُذون أموالهم، ليس لي فيها شيء، ولكن كذا يُستخرَج الحقُّ من البخيل. وأصلُهم في ذلك قول النبي : إن النَّذْر لا يُغني من الحق شيئًا، وإنما يُستخرَج به من البَخيل.
  • (٥)

    ومن أصولهم أن الغفلة هي التي أطلقَتْ للخلْق النظر في أفعالهم وأحوالهم، ولو عايَنوا أمانًا من الحقِّ إليهم لاستَحقروا ما يبدو منهم في جميع الأحوال، واستصغَروا ما لهم في جنْب ما عليهم.

  • (٦)

    ومن أصولهم مُقابَلة من يَجفوهم بالحِلم، والاحتِمال والخُضوع والاعتِذار والإحسان دُون مُقابلتِهم بمثل ذلك. وأصلهم في ذلك قول الله عز وجل لنبيِّه : «ادفَع بالتي هي أحسَن.»

  • (٧)

    ومن أصولهم اتِّهام النفس في جميع الأحوال، أقبلَت أم أدبرَت، أطاعت أم عصَت، وقلَّة الرِّضا عنها والمَيل إليها بحال.

  • (٨)
    ومن أصولِهم أن ما ظهر من أحوال الرُّوح للسرِّ صار رِياء في السر، وما ظهَر من أحوال السِّرِّ في القلب صار شِركًا في السر، وما ظهر من القلب إلى النفس صار هباءً منثورًا، وما أظهَرَه الإنسان من أفعاله وأحواله فهو رُعونة الطبع ولَعِب الشيطان به. والذي يُحقِّرها يكون في زيادة، ولا يزال يترقَّى في الأحوال حتى يَعلوَ حال السِّرِّ إلى حال الرُّوح، والقلبُ لا يشعُر بذلك، ويترقى حال القلب إلى حال السِّرِّ والنفسُ لا تشعُر بذلك، ويترقَّى حال النفس إلى حال القلب والطبعُ لا يشعُر بذلك. فحِينئذٍ يكون مُكاشفًا ينظُر بِعينه إلى ما يشاء، فيُشاهِده على ما هو عليه، وينظُر بقلبه فيُخبَر عن مواضِع الغَيب. والرُّوح والسرُّ حصلا في المُشاهَدة، فليس لهما إلى القلب والنفس رُجوع بحال. ومع هذا فظاهِرُه مُلازِم للعلم، مُظهِر للتُّهمة، مُخاطِب لنفسه بأنها في حال الاغتِرار والاستِدراج؛ لئلا يألَفَه فيَسقُط عن دَرَجات الصدِّيقين. وسُئل بعضُهم: ما صِفة أهلِ الملامة؟ فقال: دَوام التُّهمة، فإن فيها دَوام المُحاذَرة، ومن قَوِيَت مُحاذَرته سهُل عليه ردُّ الشُّبهات وتركُ السيئات. سمعتُ محمد بن الفراء٦٢ يقول: سَمِعتُ عبد الله بن منازِل٦٣ يقول، وقد سُئل: هل يكون للمَلامتيِّ دَعوى، فقال: وهل يكون له شيء فيدَّعي به؟ وسمعتُ عبد الله بن مُحمَّد٦٤ يقول: سمعتُ أبا عمرو بن نُجَيْد وسألته: هل للملامَتي صِفة؟ فقال: نعم! لا يكون له في الظاهِر رِياء ولا في الباطِن دَعوى، ولا يَسكُن إليه شيء. قال: وسمِعتُه يقول: [٥٢ب] سألتُه مرَّةً عن هذا الاسم، فقال: هو التِزام ما به وُصفَتْ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ، إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا، إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ، إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا. أيمدح من كان بهذه الأوصاف أم يُذَم؟ فهذه صِفة الملامة. وأحبَّ مَشايخُهم التَّزيِّي بزيِّ الشُّطَّار والاستِعمال بعمل الأبرار، وأحبُّوا لأصحابِهم أيضًا مُلازَمة الأسواق بالأبدان والفِرار منها بالقلوب. وسمعتُ جدِّي يقول: سمعتُ أبا محمد الجوني، وكان من أصحاب أبي حَفص: الزَم السُّوق والكسْب، وإياك أن تأكُلَ من كسبِك وأنفِقْه على الفُقراء، وما تأكلُه فاسأل الناس. فكنتُ إذا سألتُ الناس يقولون هذا الطموع الشَّرِه يعمل طول نهاره ثم يسأل الناس، حتى عرَفوا ما أمرَني به أبو حَفص، فكانوا يُعطونني، فقال لي أبو حَفص: اترُك الكسْب والسؤال جميعًا، فتركتُهما. وقال أبو حفص: أخبِر الخلْق عن القُرب والوصول والمقامات العالية، وإنما سؤالي الله عزَّ وجلَّ يدلني الطريق ولو بِخُطوة. قال أبو يزيد البسطامي: الخلْق يَظنُّون أن الطريق إلى الله تعالى أبينُ من الشمس وأشهرُ منها، وإنما سؤالي منه أن يفتَح عليَّ من الطريق ولو مِقدار رأسِ إبرة. وكان سادات مَشايِخِهم كلَّما كان حالُهم مع الله أصحَّ وأعلى كانوا أشدَّ تَواضُعًا وأكثر ازدِراءً بأحوالِهم وأنفسهم، وذلك ليتأدَّب المُريدون بِهم، وتصحيح ما بينهم وبين الحقِّ ألَّا يَلتفِتوا منه إلى شيءٍ سواه فيُحرَموا ذلك المقام. وسُئل بعضهم: ما بالُكم قَلَّ ما يقَع بكم ادَّعاء؟ فقال: وهل الدَّعاوى إلَّا رُعونات وسُخرية؟ إذا رجَع صاحِبها إلى نفسه رآها خاليةً ممَّا أظهر، بعيدةً ممَّا ذَكر، وهل هو إلا كما قال الشاعر:
    وفي نَظر الصَّادي إلى الماء حَسرةٌ
    إذا كان ممنوعًا سبيلُ الموارِد
    قال: وسمعتُ محمد بن الفرَّاء إذ قلتُ له: ما أصلُ الملامة؟ قال: كلَّما كان حالُهم مع الله أصحَّ ووقتُهم معه أعلى، كانوا أكثر التِجاءً وتضرُّعًا، وألزَمَ لطريق الخَوف والرهَّبة، خوفًا [من] أنَّ الذي هم فيه مَحلُّ استِدراج، كما وَصَف الله عزَّ وجلَّ أصحاب نَبيٍّ من أنبيائه عليهم السلام في قوله: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا الآية، فوصَفَهم بهذه الصِّفة (٥٣أ) وقولُه الحق. ثم أخبر الله تعالى بما أظهروه من أنفسهم مع ما تقدَّم لهم من الأحوال، فقال: وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. والنبي يقول: «إنما أنا عبدٌ آكُل كما يأكُل العبيد.» وممَّا يُشبِه هذا الحال ما سَمِعتُ علي بن بندار٦٥ يقول: سمعتُ محفوظًا يقول: سمعتُ أبا حَفص يقول: منذ أربعين سنة حالي مع الله أنه يَنظُر إليَّ نظرةَ أهلِ الشقاوة، وعمَلي دليل على شقاوتي. وكلُّ طريقة أبي حَفص وأصحابه في هذا أنَّهم يُرغِّبون المُريدين في الأعمال والمُجاهَدات، ويُظهِرون لهم مناقِبَ الأعمال ومَحاسنَها ليَرغَبوا بذلك في دَوام المُعامَلة والمُجاهَدة والمُلازَمة عليها. وكانت طريقة حمدون القصَّار وأصحابه تَحقير المُعامَلات عند المُريدين، ودلالتهم على عُيوبها لئلَّا يُعجَبوا بها ويقَع ذلك منهم مَوقعًا؛ فتوسَّط أبو عثمان٦٦ رحمَه الله وأخَذ طريقًا بين طريقتَين وقال: كِلا الطريقين صحيح، ولكلِّ واحدٍ منهما وقت، فأوَّلُ ما يَجيء المُريد إلينا نَدُلُّه على تصحيح المُعاملات ليلزَم العمل ويَستقرَّ عليه، وإذا استقرَّ عليه ودام فيه واطمأنَّت نفسه إليه، فحينئذٍ نكشِف له عن عيوب مُعامَلاته والأنَفَة منها لِعِلمه بتقصيره فيها، وأنها ليسَت ممَّا يَصلُح لله تعالى، حتى يكون مُستقِرًّا على عمَلِه غير مُغْتَرٍّ به. وإلا فكيف نَدلُّه على عيوب الأفعال وهو خالٍ من الأفعال؟ وإنما ينكشِف له عيبُ الشيء إذا لَزِمه وتحقَّق به، وهذا أعدل الطرُق إن شاء الله تعالى. وسُئل بعضهم: ما طريق الملامة؟ فقال: ترْك الشُّهرة فيما يقَع فيه التمييز من الخلْق في اللِّباس والمَشي والجلوس والكون معهم على ظاهِر الأحكام، والتفرُّد عنهم بحُسن المُراقَبة، ولا يُخالِف ظاهِره ظاهرَهم بحيث يتميَّز منهم، ولا يُوافِق باطِنه باطِنَهم، فيُساعِدهم على ما هم عليه من العادات والطبائع، ولا يُخالِف ظاهرَهم بحيث يتميَّز. وسُئل بعضهم: ما الملامة؟ فقال: ألا تُظهِر خيرًا ولا تُضمِر شرًّا. وسئل بعضُهم: مالكم لا تَحضُرون مجالس السماع؟ فقال: ليس تركُنا مجلس السَّماع كراهةً ولا إنكارًا، ولكن خَشية أن يظهَر علينا من أحوالِنا ما نُسِرُّه، [٥٣ب] وذلك عزيزٌ علينا وعندنا. سمعتُ محمد بن أحمد البهمي٦٧ يقول: سمعتُ أحمد بن حمدون يقول: سمعتُ أبي، حمدونَ القصار، يقول وقد سُئل عن الملامة، فقال: خَوف القَدَرِيَّة ورجاء المُرجئة. وإنما أحبُّوا هم حُضور مجالِس السَّماع للمُتمَكنِين الذين لا يَظهر عليهم شيءٌ من السَّماع وإن أداموا عليه.
  • (٩)

    ومن أصولِهم أن الأذكار أربعة: فذِكر باللِّسان وذِكر بالقلْب وذِكر بالسِّرِّ وذِكر بالرُّوح، فإذا صحَّ ذِكر الرُّوح سكتَ السرُّ والقلبُ عن الذِّكر، وذلك ذِكر المُشاهَدة. وإذا صَحَّ ذِكر السرِّ سكتَ القلبُ والرُّوح عن الذِّكر، وذلك ذِكر الهَيْبة. وإذا صحَّ ذِكر القلب فَتَر اللسان عن الذِّكر، وذلك ذِكر الآلاء والنَّعماء. وإذا غَفَل القلب عن الذِّكر أقبل اللِّسان على الذِّكر، وذلك ذِكر العادة. ولكلِّ واحدٍ من هذه الأذكار عندَهم آفة: فآفة ذِكر الرُّوح اطِّلاع السرِّ عليه، وآفة ذِكر النفس رؤية ذلك وتَعظيمه أو طلَب ثَواب أنك تَصِل به إلى شيء من المقامات. وأقلُّ الناس قِيمةً من يُريد إظهارَه إلى الخلق، ويُريد الإقبال عليه بذلك أو بشيءٍ منه، وهو أخسُّ الطبْع وأدْوَنُه. وقال بعضهم: خَلَق الله الخلْق وزيَّن بعضَهم بِلطائف أنوارِه ومُشاهدَتِه ومُوافقَتِه وسابِقِ عِنايَته، وجعل بعضَهم في ظُلمات نفوسهم وطبائعهم وشَهواتهم، فمن زيَّنَهم بالزِّينة أهل التصوُّف، لكنهم أظهَروا ما لله تعالى عليهم من الكرامات للخلْق، وابتدءوا بالتزيُّن بها والإخبار عنها، والكشْف عن أسرار الحقِّ إلى الخلق. وأهل الملامة أظهروا للخلْق ما يَليقُ بهم من أنواع المُعامَلات والأخلاق، وما هو نتائج الطباع، وصانوا ما للحقِّ عندهم من وَدائعه المَكنونة أن يَجعلوا لأحدٍ إليها نظرًا أو للخلْق إليها سبيلًا، أو يُكرَّمُوا عليها أو يُعظَّموا بها، ومع ذلك غاروا على جميع أخلاقِهم ومَحاسن أفعالِهم، فخافوا أن يُظهِروها، وعلِموا ما للنفس فيها من المُراد، فأظهروا للخلْق ما يُسقِطهم عن أعيُنهم، وما يكون فيه تذليلُهم وردُّهم، وما لا قَبول لهم معها ليخلُص لهم ظاهرُهم وباطِنُهم. وقال بعضهم: طريق الملامة إظهار «مقام التفرِقة» للخلْق، وإضمار «التحقُّق بعَين الجَمع» مع الحق.

  • (١٠)

    ومن أصولهم مُخالَفة لذَّة الطاعات، [٥٤أ] فإن لها سمومًا قاتِلة.

  • (١١)
    ومن أصولهم تعظيم ما لله عِندهم من جميع الوُجوه، وتصغير ما يبدو منهم من المُوافَقات والطاعات، ومُلازَمة حدِّهم مع الله من غير قصْد، من استِنباطٍ في قَولٍ أو إظهار ما يَجِب كتْمُه من الأحوال، كما حُكِي عن محمد بن موسى الفرغاني٦٨ قال: خلَق الله آدَم عليه السلام بيَدِه ونفَخ فيه من رُوحه، وأسجَدَ له ملائكته، وعلَّمَه الأسماء كلَّها، ثم قال له: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى، عرَّفَه قدْرَه لئلَّا يَعدو طَوْرَه. وحكي لي عن بعض مَشايِخِهم أنه قال: من قام بنفسه ظهَر فيه الفُضول واعترَضَه الفُتور. قال: وسمِعتُ منصور بن عبد الله الأصفهاني٦٩ يقول: سمعت عُميَّ٧٠ البَسطامي يقول: سمِعتُ أبا يزيد يقول: من لم ينظُر إلى شاهِده بعَين الاضطرار، وإلى أوقاته بعَين الاغتِرار، وإلى أحواله بعَين الاستِدراج، وإلى كلامِه بعَين الافتِراء، وإلى عبادتِه بعَين الاجتِزاء، فقد أخطأ النظَر. وكتَبَ محمد ابن الفضل٧١ إلى أبي عثمان يسأله عمَّا يَخلُص للعبد من الأفعال والأحوال، فقال له: اعلَم أكرمك الله بمرضاته أنه لا يَخلُص للعبد من الأحوال والأفعال إلَّا ما أجرى الله تعالى عليه من غَير تكلُّفٍ له فيه، وأسقطَ عنه رؤيتَه أو رؤية الناظِرين إليه، وليس له من الأحوال إلا حال السرِّ الذي لا يطَّلِع عليه إلَّا فُحوله. قال الله تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ، وعندي والله أعلم، أن المُعظِّم لشعائر الله هو المُتَّبِع لكتاب الله تعالى وسُنَّة نبيِّه ، يَعظُم ذلك في قلبه حتى لا يَجِد إلى غير الاقتِداء وترْك الاختيار سبيلًا. وهذا من علامة الصادِقين، وهذا الذي كان يأمُرنا به شيخُنا أبو حَفص؛ وعلى ذلك كان يَدلُّ كبار أصحابه. قال: وسمِعتُ منصور بن عبد الله يقول: سمعتُ عُميَّ يقول: سمِعتُ أبي يقول: سمِعتُ أبا يزيد يقول: لو صَفَتْ لي تهليلة ما بالَيتُ بعدَها بشيء. وحكى عن أبي حفصٍ أنه قال: العبادات في الظاهر سُرور وفي الحقيقة غُرور؛ لأن المَقدور قد سُنَّ فلا يُسرُّ بفعله إلا مَغرور. وقال: خُلقَت النفس مريضةً ومرضُها طاعاتها، وجُعل دواؤها الاستِناد إلى مسبوق القضاء، فلا يزال العبدُ يتقلَّب في الطاعات وهو مُنقطِع عنها. ولقد رأيتُ لرُوَيم٧٢ رحمه الله فصلًا في كِتاب «دليل العارِفين» يُقرِّب من طريقتهم وقال: [٥٤ب] حين سُئل كيف يَبرأ من السُّكون والحرَكة من جُعِل ساكنًا مُتحرِّكًا، أو يَخلو من الاختِيار من جُعل مُختارًا مُميِّزًا؟ فقال: لا يَبرأ من ذلك حتى تكون حركتُه لا به، وسُكونه لا إليه، ولا يَخلو من الاختِيار حتى يُوافِق اختياره اختيار الحقِّ فيه وله، فيحصُل له سكون وحركة في الظاهر، ولا حركة ولا سكون في الحقيقة، ويحصُل له اختيار ولا اختيار له؛ لأن اختِياره اختيار الحقِّ له، وهذه من المَقامات السَّنيَّة، وهو قريب ممَّا يُضمِر القوم في خَفِيِّ علومهم دُون ما يُبدُونه.
  • (١٢)
    وممَّا يُشبِه أصولَهم ما بلَغَني عن سهل بن عبد الله٧٣ نَضَّر الله وَجْهه أنه قال: ليس للمؤمِن نفس لأن نفسَه ذهبَت. قيل له: فأين ذهبَت نفسُه؟ قال في المُبايَعة، قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ.٧٤
  • (١٣)
    ومن أصولهم ما سمعتُ محمد بن عبد الله الرَّازي٧٥ يقول: سمعتُ أبا علي الجُرجاني٧٦ يقول: حُسنُ الظنِّ بالله غاية المَعرِفة، وسوء الظنِّ بالنفس أصلُ المَعرِفة بها. سمعتُ محمد بن أحمد الفرَّاء يقول: سمعتُ أبا الحَسن الشَّراكهي٧٧ يقول: سمعتُ أبا عثمان يقول: قال رجل لأبي حَفص: أوصِني، قال: لا تكن عبادتك لربِّك سبيلًا لأن تكون معبودًا، واجعَل عبادتك له إظهارَ رسْم الخِدمة والعبودية عليك، فإنَّ من نظَر إلى عبادته فإنما يعبُد نفسه. وقال بعضُهم: من رجَع إلى الخلْق قبل الوصول فقد رجَع من الطريق، فيُورِّثه ما تقدَّم من رياضتِه حُبَّ الرياسة وطلب الاستِعلاء على الخلْق، ومن رجَع إلى الخلْق بعد الوصول صار إمامًا ينتفِع به المُريدون. وسمعتُ أبا عمرو بن محمد بن أحمد بن حمدان يقول: سمِعتُ أبي يقول: كان أبو حفصٍ إذا دخل البيت لبِسَ المرقعة والصُّوف وغير ذلك من ثِياب القوم، وإذا خرَج إلى الناس خرج بزيِّ أهل السُّوق، يرى في لِبس ذلك فيما بين الناس رِياء أو شِبه رِياء أو تَصنُّع.
  • (١٤)
    ومن أصولِهم التأدُّب بإمامٍ من أئمة القوم، والرُّجوع في جميع ما يقَع لهم [٥٥أ] من العلوم والأحوال إليه. سمعتُ أحمد بن أحمد يقول: سمعتُ أبا عمرو الزَّجَّاجي٧٨ يقول: لو أنَّ رجلًا بلَغ أعلى المَراتِب والمقامات حتى يُكشَف له عن الغَيب ولا يكون له أستاذ لم يَجيء منه شيء. وقال: وسمِعتُ الشيخ أبا يزيد مُحمَّد بن أحمد الفَقيه٧٩ يقول: سمعتُ إبراهيم بن شَيبان٨٠ يقول: من لم يتأدَّب بأُستاذ فهو بطَّال. وكرَّه أكثرُ مشايخهم أن يُشهِر الإنسان نفسه بشيء من العبادات، كالصَّوم الدائم والصَّمت الدائم والأوراد الظاهرة من الصلاة وغير ذلك، حتى يُعرَف بذلك ويُذكَر به. ولقد سمعتُ قريبًا من هذا من محمد بن عبد الله الرازي، يقول: سمعتُ حمزة البزَّاز٨١ يقول: سمعتُ عبد الله بن حمدون يقول: سمعتُ عبد الله المَغازِلي٨٢ يقول: سمعتُ بِشر الحافي٨٣ يقول: أتيتُ المُعافَى بن عمران٨٤ فدقَقْتُ الباب فقِيل: من ذا؟ قلت: أنا بِشر، وجرى على لِساني حتى قلتُ الحافي، فقالت لي بُنيَّة من الدار: يا عم! لو اشتريتَ نعلًا بدانِقين لسقَط عنك هذا الاسم. ورُوي عن النبي أنه نهى عن الشُّهرتَين، وقال عليه السلام: كفى بالمرء شرًّا أن يُشار إليه في أمرٍ من الدُّنيا أو الآخِرة. وكرَّه أكثر مشايخهم القُعود للناس على وَجه التَّذكير والمَوعِظة، وقالوا في ذلك: إخراج أحسن ما عِندك إلى الخلْق، فما تبقَّى لك مع الحق؟ إن كلِمتهم بأحوال السَّلَف ظلَمَتهُم، حيث طرَّقَت لهم السبيل إلى الدَّعاوى. قال كذلك سمعتُ أبا عمرو بن حمدون يقول: سمعتُ أبا حَفصٍ يقول لأبي عثمان: القُعود للخلق هو الرُّجوع من الله إلى الخلْق، فانظُر أي رجُلٍ تكون.
  • (١٥)
    ومن أصولهم أنَّ كلَّ عملٍ وطاعة وقعَت عليه رؤيتُك واستحسنْتَه من نفسك فذلك باطِل. وأصلُهم في ذلك ما حدَّثنا أبو محمد عبد الله٨٥ بن علي بن زياد عن محمد بن المُسيَّب الأرغاني قال: حدَّثني عبد الله بن حسن قال: قال علي بن الحُسين عليهما السلام: كلُّ شيءٍ من أفعالِك اتَّصلَت به رؤيتُك فذلك دليل أنه لم يُقبَل منك؛ لأنَّ القَبول مَرفوع مُغيَّب عنك، وما انقَطَع عنه رؤيتك فذلك دليل القَبول.
  • (١٦)
    ومن أصولِهم رؤية تقصير أنفسهم ورؤية عُذْر الخلق فيما هم فيه. قال كذلك: سمعتُ عبد الله بن محمد المُعلِّم٨٦ يقول: سمعتُ أبا بكر الفارِسي٨٧ يقول: خير الناس من يرى الخير في غَيره ويعلم أن الطُّرق إلى الله كثيرة [٥٥ب] غير الطريق الذي هو عليه؛ لكي يرى تقصير نفسه بنفسِه فيما هو فيه، ولا ينظُر إلى أحدٍ بعَين التقصير والنَّقص. سمعتُ جدِّي إسماعيل بن نُجيد يَحكي عن شاه الكرماني أنه قال: من نظَر إلى الخلْق بعينه طالت خُصومته معهم، ومن نظَر إليهم بعَين الحق عَذَرهم فيما هم فيه، وعلِمَ أنهم لا يستطيعون غير ما جُبروا عليه.
  • (١٧)

    ومن أصولهم حِفظ القلب مع الله بحُسن المُشاهَدة، وحِفظ الوقت مع الخلْق بحُسن الأدب، وكِتمان ما يظهَر عليه من المُوافقات إلا ما لا بُدَّ من إظهاره؛ ولذلك قال أبو محمد سهل رحمه الله: وقتُك أعزُّ الأشياء عندك، فاشغلْه بأعزِّ الأشياء عليك. وقال أبو عبد الله الحَربي: ليس في الدُّنيا شيء أعزُّ من قلبك ووقتك، فإن ضيَّعْتَ قلبك عن مُطالَعات الغيوب، وضيَّعتَ وقتك عن مُمارَسة آداب النفس، فقد ضيَّعتَ أعزَّ الأشياء عليك.

  • (١٨)

    ومن أصولهم أنَّ أصل العبودية شيئان: حُسن الافتِقار إلى الله عَزَّ وجل، وهذا من باطِن الأحوال، وحُسن القُدوة برسول الله ، وهذا الذي ليس فيه للنفس نَفَسٌ ولا راحة.

  • (١٩)
    ومن أصولهم أنَّ الإنسان يجِب أن يكون خَصمًا على نفسه، غير راضٍ بحالٍ من الأحوال. قال كذلك: سمعتُ أبا بكر بن شاذان٨٨ يقول: سمعت علي بن داود العَكِّي يقول: المؤمن خَصم الله على نفسِه في جميع أحوالِه وأفعالِه وأذكاره وأقواله.
  • (٢٠)
    ومن أصولهم أنَّ النَّظر إلى العمل والعُجْب [به] من قلَّة العَقل ورُعونة الطبع. كيف تفتخِر بما ليس لك فيه شيء، وهو يَجري من الغَير إليك، يُنسَب ذلك إليك نِسبةً عارِيةً، وفي الحقيقة ليس لك معه نِسبة، لأنك مُدبَّر فيه ومَجبور عليه. وهل الافتِخار بهذا الأمر إلَّا من قلَّة العقل ورُعونة الطبع؟ ورُويَ عن النَّبي أنه قال: المُتصنِّع بما لم يُعطِ كلابِس ثَوبَي زُور. قال: سمعتُ محمد بن عبد الله يقول: سمعتُ محمد بن علي الكتَّاني٨٩ يقول: كيف يُعجَب عاقِل بعمَلِه وهو يَعلَم أنه لا يقدِر على شيءٍ من عملِه؟
  • (٢١)
    ومن أصولهم ترْك الكلام في العِلم والمُباهاةِ به وإظهار أسرار الله منه عند غير أهله. قال: سمعتُ منصور بن عبد الله يقول: سمعتُ عبد الله بن محمد٩٠ النَّيسابوري يقول: قلتُ لأبي حفصٍ [٥٦أ]: ما بالُكم لا تتكلَّمون كما يتكلم البغداديُّون وغيرهم من الناس، وما بالُكم اخترتُم الصَّمت؟ فقال: لأن مَشايِخَنا صمَتوا بعلمٍ ونطَقوا على الضَّرورة، فوقَع لهم محلُّ الأدَب في الكلام، فلم يَتكلموا إلَّا بعد ما عَقلوا عن الله، فصاروا أُمَناء الله في أرضه، والأمين حريصٌ على حِفظ أمانتِه.
  • (٢٢)
    ومن أصولهم أنَّ السَّماع إذا عَمِلَ فيمن يتحقَّق فيه أنَّ هيْبتَه تمنَع الحرَكة والصِّياح، لتمام هَيبته عليهم. قال: سمعتُ محمد بن الحَسن الخشَّاب٩١ يقول: سمعتُ علي بن هارون الحصري٩٢ يقول: السَّماع الحقيقي إذا صادَفَ مكانًا من قلب مُتحقِّق زيَّنه بأنواع الكرامات، أوَّلُهُ أن تَبدو هَيبتُه على الحاضرين حتى لا يتحرَّك بحضرته أحد، ولا يَصيح ولا ينزعِج لتمام هَيبته. وحقيقة مُصاحَبة السَّماع منه أن يغلِب وقتُه أوقات الحاضرين ويقهرَهم، فهم تحت قهرِه وأمرِه.
  • (٢٣)
    ومن أصولهم أن الفقر سرٌّ لله عنده، فإذا ظهَر عليه فقرُه منه فقد خرَج عن حدِّ الأُمَناء. والفقير منهم عندَهم فقير ما لم يعلَم أحد فقرَه إلَّا مَن يكون افتِقاره إليه، فإذا عَلِمَ منه غَيْرُه فقد خرَج من حدِّ الفقر إلى حدِّ الحاجة، والمُحتاجون كثير والفُقراء قليل. وأصلُهم في ذلك ما سمعتُ محمد بن أحمد بن إبراهيم٩٣ يقول: سمعتُ طلْحة السُّلَمي [السلي هكذا] يقول: كان شاه الكرماني يقول: الفقر سِرُّ الله عند العبد، فإذا كتَمَه كان أمينًا، وإذا أظهرَه سقط عنه اسم الفَقْر.
  • (٢٤)

    ومن أصولهم ترْك تغيير اللِّباس، والكونُ مع الخلْق على ظاهِر ما هم عليه، والاجتِهادُ في إصلاح السر. وأصلُهم في ذلك ما رُوي عن النبي أنه قال: إن الله تعالى لا ينظُر إلى صُوَركم، ولكن ينظُر إلى قلوبكم ونِيَّاتكم.

  • (٢٥)
    ومن أصولهم ترْك الاشتِغال بعُيوب الناس شُغلًا بما يلزَمُهم من عُيوب أنفسهم، مُحاذَرَة شرِّها ودَوام تُهمتِها، والإقامة على إصلاحِها ومَكنون عُذرِها وخَفاء سرِّها. وأصلُهم في ذلك قول الله تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ. قيل المعنى إلَّا من ذَلَّلَها الله لصاحِبها وأظهَرَه عليها بدَوام المُخالَفة، ورَدَّها من طريق المُخالَفة إلى طريق المُوافَقة، وما روي عن النبي أنه قال: طُوبَى لِمَن شغَلَه عيبُه عن عيوب الناس.
  • (٢٦)

    ومن أصولِهم أن المُعطي يَجِب عليه ألَّا يرى عطاءه شيئًا؛ لأنه يُعطي ما لله عندَه ويُوصِّل الحقوق إلى مُستَحقِّها، فإذا أعطى حقَّ الغَير كيف يَعْظُمُ ذلك عنده؟ وأصلُهم في ذلك حديث أبي مُوسى الأشعري رضِيَ الله عنه [٥٦ب] حِين أتى النبي مع الأشعريِّين ليَستحملوه، فحلَف ألا يَحمِلَهم، ثم حَملَهم، فقالوا: نَسِيَ رسول الله يَمينه، فأتوا النبي فقالوا له: حلفْتَ ألا تَحمِلَنا، فقال: ما أنا حَملتُكم ولكن الله حمَلَكم. وقوله عليه السلام: أنا قاسِم والله المُعطي. فإذا عرَف العبد حقيقة ذلك سقَط عنه رؤية بذلِه وسَخائه.

  • (٢٧)

    ومن أصولهم أن أقلَّ العبيد معرفةً بربِّه عبدٌ ظنَّ أن فِعلَه وطاعته تَستجلِب عطاءه، وأن عطاءه يُقابِل فضله، ولا يَصحُّ للعبد عندَهم شيءٌ من مقام المعرِفة حتى يعلَم أن كلَّ ما يرِد عليه من ربِّه من جميع الوجوه فضلٌ غير استِحقاق. وأصلُهم في ذلك قول النبي : لا يدخُل أحدَكم الجنَّة بعملِه، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلَّا أن يتغمَّدَني الله برحمته.

  • (٢٨)

    ومن أصولهم ألَّا يُبصِر [الإنسان] عَيب أخيه إلَّا أن يكون مَعيبًا. وأصلُهم في ذلك قول النبي لصفوان: هلَّا سترتَه برِدائك كان خيرًا لك؟

  • (٢٩)

    ومن أصولهم كراهةُ الدُّعاء إلَّا للمُضطرِّين، والمُضطرُّ عندَهم من لا يجِد لنفسه وَجهًا ولا مَتاعًا ولا مَقامًا عند الله تعالى ولا عند الخلق، فيكون رُجوعه إلى ربِّه بانكِسار وضعفٍ دون أن يُقدِّم أحوالَه وأفعاله، ويكون رُجوعه إلى ربِّه على حدِّ الإفلاس والتخلِّي من كلِّ شيء، فيكون الدُّعاء مُباحًا في ذلك الحال، ويُرجى لدُعائه الإجابة. وأصلُهم في ذلك ما حُكيَ عن أبي حَفصٍ أنه قيل له: بماذا تُقْدِمُ على ربِّك؟ قال: وما للفقير أن يُقدِم به على الغنيِّ سوى فقرِه إليه؟ قال أبو يزيد: نودِيتُ في سِرِّي: «خزائني مملوءة من الخِدمة، فإن أردْتَنا فعليك بالذِّلَّة والافتِقار.»

  • (٣٠)

    ومن أصولهم أن الغَفلة — التي هي رحمة الله — هي على من استَوفى أوقاتَه في المُجاهَدة والمُعاملة، فإذا أراد الله به رِفقًا أو رفاهيةً أوْرَدَ عليه غفلةً يَستريح فيها لذلك. سُئل شيخُهم أبو صالِح عن الغَفلة التي هي رحمة، فقال: ذلك يكون على فُلان الذي لا يُمكِنه أن يأتي الفِراش إلا حَبوًا من كثرة الاجتِهاد، وإذا أتى الفِراش يكون كالحيَّة على المَقْلى.

  • (٣١)

    ومن أصولهم أنَّ كثرةَ الحرَكة في الأسباب من علامة الشقاوة، وأنَّ التفويض والسُّكون تحت مَجاري الأقدار من علامات السعادة؛ ولذلك قال حمدون: خلَق الله الخلْقَ مُضطرِّين إليه لا حِيلةَ لهم، [٥٧أ] فأسعدُ الناس من أراد الله قلَّةَ حِيلته.

  • (٣٢)

    ومن أصولهم أنهم كرِهوا أن يُخْدَموا أو يُعظَّموا أو يُقصَدوا، ويقولون: ما للعبد وهذه المُطالَبات؟ إنما هي للأحرار. وأصلُهم في ذلك ما سمعتُ من محمد بن أحمد الفرَّاء يقول: سمعتُ عبد الله بن أحمد بن منازِل يقول: سمعتُ حمدون يقول وقد سُئل: مَن العبد؟ فقال: الذي يعبُدُ ولا يُحِبُّ أن يُعبَد. قال أبو حفص: لا تكن عبادتُك سببًا [في] أن تكون ربًّا يَستعبِد عبيده.

  • (٣٣)

    ومن أصولهم في الفِراسة أنَّ الإنسان يجِب أن يُتَّقى من فِراسته، والمؤمن لا يدَّعي فِراسة لنفسه؛ لأن النبي يقول: اتَّقوا فِراسة المؤمن. ومن يتقي [فِراسة] الغَير فيه كيف يدَّعي فِراسة لنفسه؟ وهذا قول أبي حَفص.

  • (٣٤)

    ومن أصولِهم ما سمعتُ محمد بن أحمد الفرَّاء يقول: سمعتُ ابن منازل يقول: سمعتُ أبا صالح يقول: المؤمن يجِب أن يكون بالليل سِراجًا لإخوانه وعصًا لهم بالنهار. المعنى: حُسن عَونِه لهم في اشتِغالهم وما يَحتاجون إليه.

  • (٣٥)

    ومن أصولهم ما حَكى أبو عثمان عن أستاذِه أبي حَفصٍ أنه قال: مَن كثُر عِلمه قَلَّ عملُه، ومن قَلَّ عِلمُه كثُر عمَلُه، فرجعتُ إلى أبي حفصٍ فسألتُه عن معنى كلامه هذا، فقال: من كثُر عِلمه استقلَّ كثيرَ عملِه، لعِلمِه بتقصيره فيه، ومن قلَّ عِلمه استكثَرَ قليلَ عمله، لقلَّةِ رؤية التقصير فيه والعَيب.

  • (٣٦)

    ومن أصولهم أنَّ سَماع الأذُن يجِب ألَّا يغلِب مُشاهَدة البصر؛ المعنى ألَّا يغلِبه سَماع ما سَمِعَه في نفسه من الثناء بالظنِّ بما يتحقَّقه هو من آفات نفسه ومُشاهَدَته، وأول هذا الفضل لأبي حَفص. وأصلُهم في ذلك ما رُويَ عن النبيِّ أنه قال: ليس الخَبَر كالمُعايَنة. وقال عُمر رضي الله عنه: المَغرور من غَرَرْتُموه.

  • (٣٧)
    ومن أصولهم ترْك الكلام في دقائق العلوم والإشارات، وقلَّة الخَوض فيها، والرُّجوع إلى حدِّ الأمر والنهي. وأصلُهم في ذلك ما سمعتُ عبد الله بن علي٩٤ يقول: سمعتُ إسحاق بن إبراهيم بن شَيبان٩٥ يقول: كتَبَ محمد بن القاسم الحلواني إلى أبي كتابًا أكثرَ فيه الإشارات، وكتبَ إليه أبي: «بسم الله الرحمن الرحيم، من العبد الذَّليل إبراهيم بن شَيبان. يا أخي! إن اتبَّعتَ الأمر والنهي فأنت بخَير.» قال: وحدَّثَني جدِّي قال: سمعتُ أبا عِياض يقول: إذا نُزِعَ عن باطِن الإنسان الخَيرات أُطلِقَ لسانُه بالدَّعاوى العظيمة ودقائق العلوم.
  • (٣٨)

     [٥٧ب] ومن أصولِهم في التَّوكُّل ما سمعتُ ابن عبد الله يقول: سمعتُ عُميَّ البسطامي يقول: سمعتُ أبا يزيد يقول: حسبُك من التَّوكل ألَّا تَرى ناظِرًا غَيره، ولا لرِزقك جالبًا غيره، ولا لعملِك شاهدًا غَيره.

  • (٣٩)
    ومن أصولهم كِتمان الآيات والكرامات، والنَّظر إليها بعَين الاستِدراج والبُعد عن سبيل الحق. كذلك سمعتُ محمد بن شاذان يقول: سمعتُ أبا عمرو الدِّمشْقي٩٦ يقول: كما فرَض الله على الأنبياء إظهارَ الآيات والكرامات، كذلك فرَض على الأولِياء كِتمانَها لئلا يُفتَتَن بها الناس.
  • (٤٠)

    ومن أصولهم ترْك البكاء عند السَّماع والذِّكر والعِلم وغير ذلك، ومُلازَمة الكمَد، فإنه أحمَدُ للبَدَن. وأصلُهم في ذلك ما سمعتُ أبا بكر محمد بن عبد الله يقول: سمِعتُ أبا بكر محمد بن عبد العزيز المكي يقول لرجُلٍ في مجلِسه وقد بكى: تلذُّذُك بالبُكاء ثمَن البُكاء. وأطلَقَ أبو حَفصٍ لأصحابه من البُكاء بُكاء الأسَف، وقال هو محمود. وخالَفَه أبو عثمان في ذلك، وقال بُكاء الأسَف يذهَبُ بالأسَف، ومُداوَمة الأسَفِ أحمَدُ عاقِبةً من التَّسلِّي عنه بالبُكاء، إلَّا أن يكون البُكاء بُكاءَ ذَوَبان الرُّوح، فتكون الدَّمعةُ من ذلك البُكاء تهدُّ البدَن وتُفنيه، وأنشدَ في هذا المعنى:

    وليسَ الذي يَجري من العَين ماؤها
    ولكنَّها رُوحي تَذوب وتقطُر
  • (٤١)
    ومن أصولهم قالوا: يجِب أن يكون الواعِظ منك يوم مَوتِك بيتَك، لا أن تُظهِر من الفقر طول حياتك، فإذا مِتَّ كان بيتُك كأحد بُيوت مَن سلَف من أرباب الفَقْر. وقالوا: يجِب أن تُظهِر الغِنى والاستِغناء أيام حياتك، فإذا متَّ أظهر فقرَك بيتُكَ، فيكون مَوتُك راحةً للماضِين ومَوعِظةً للباقِين. وأصلُهم في ذلك ما قال أبو حفصٍ لعبد الله الحجَّام:٩٧ إن كُنتَ فتًى فيكون بيتُك يوم مَوتك مَوعِظةً للفِتيان.
  • (٤٢)
    ومن أصولِهم تركُ الرُّجوع إلى أحدٍ من المَخلوقِين والاستِعانة بهم، فإنك لا تَستعين إلا بمُحتاجٍ أو مُضطر، ولعلَّه أشدُّ حاجةً واضطرارًا منك وأنت لا تشعُر. وأصلهم في ذلك ما سمعتُ منصور بن عبد الله يقول: سمعتُ أبا علي الثَّقَفي٩٨ يقول: سمعتُ حمدون يقول: استِعانة المَخلوق بالمَخلوق كاستِعانة المَسجون بالمَسجون.
  • (٤٣)
    ومن أصولِهم إذا رأوا لأنفُسِهم إجابةَ دَعوةٍ حزِنوا واستَوحَشُوا، وقالوا هذا مَكرٌ واستِدراج، كما حُكيَ عن الدقِّي٩٩ عن أبي نَصر الرافِعي [٥٨أ] عن أبي عثمان النَّيسابوري أنه قال: خرجْنا مع أبي حفصٍ إلى بعض الجبال، فقَعد أبو حَفصٍ يكلِّمُنا، فبَيْنا هو كذلك إذ جاءه ظَبيٌ فبَرَك بين يَدَيه، فبكى أبو حَفصٍ وتغيَّر عليه وقتُه، فقُلنا له: ما بالُك؟ فقال: وَقَع في قلبي أنه لو كان عِندنا هذه اللَّيلة شاةٌ لاجتمَعْنا عليه، فما استَحكَم هذا الخاطِر من قلبي حتَّى جاء هذا الظبيُ كما تراه، وما يُؤمِّنُني أن أكون كفِرعون، أُجيبَ لمَّا سأل وقد خُتِم له من الله بالشَّقاوة؟
  • (٤٤)
    ومن أصولهم قَبولُ الرِّزق إذا كان فيه ذُل، وردُّه إذا كان فيه عزَّة نفسٍ وشرَه طَبع. سمعتُ محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعتُ الحُسين بن علي الدِّمشقي يقول: وجَّه عِصام البلخي١٠٠ إلى أبي حاتم الأصمِّ١٠١ شيئًا فقبِلَه منه، فقِيل له: لم قبِلت؟ فقال: وجدتُ في أخذِه ذُلِّي وعِزَّهُ، وفي ردِّه عِزِّي وذُلَّه، فاخترتُ عِزَّه على عزِّي وذُلِّي على ذُلِّه.
  • (٤٥)
    ومن أصولِهم ما سمعتُ عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الرازي يقول: سمعتُ أبا عثمان سعيد بن إسماعيل١٠٢ يقول وقد سُئل عن الصُّحبة فقال: حُسن الصُّحبة ظاهِرُه أن تُوسِّع على أخيك من مال نفسك ولا تَطمَع في ماله، وتُنصِفه ولا تطلُب منه الإنصاف، وتكون تَبَعًا له ولا يكون تَبَعًا لك، وتتَحمَّل منه الجَفْوَةَ ولا تَجفُوَه، وتَستكثِر قليلَ بِرِّه وتَستقلُّ ما منك إليه. ومن جامِع ما سمعتُ شَيخ هذه القصَّة محمد بن أحمد الفرَّاء يقول: سألَني الأحدَبُ غلام القنَّاد: «ما الملامتية وما كلامهم؟» فقال: ليس لهم مَرسوم علمٍ ولا مَكتوبُ كتُب، ولكن كان لهم شَيخ يُقال له حمدون القصَّار، فقال: «الملامتي» لا يكون له من باطِنه دَعوى، ولا من ظاهِره تَصنُّع ولا مُراءاة، وسرُّه الذي بينَه وبين الله لا يطَّلِع عليه صدرُه، فكيف الخلْق؟ قال محمد بن أحمد الفرَّاء: بلَغَني أنه حَكى الحاجِب للشيخ أبي الحسَن الحصري ببغداد فقال له: لو جاز أن يكون في هذا الزَّمان نبيٌّ لكان منهم.

    قال أبو عبد الرحمن رحمةُ الله عليه: بَيَّنْتُ في هذه الفصول التي تقدَّمتْ من مَنثور كلام مَشايِخِهم وأئمتِهم من ظاهِر أصولِهم ما نسألُ الله تعالى ألَّا يحرِمَنا بركاتِه، ومنها ما يَستدِلُّ به من وفَّقه الله لفَهمِه على ما وراءه من أحوالِهم وعبادَتِهم. ونحن نسأل الله تعالى ذِكرُه أن يُوفِّقَنا لمَرضاتِه، ويُعينَنا على ما فيه الصَّلاح لدُنيانا وأُخْرانا، بفضلِه وَسَعَةِ رحمته، إنه وليُّ ذلك والقادِر عليه.

(تمت الرسالة.)
١  وهو الصُّوفي الكبير أبو عمرو إسماعيل بن نُجَيد (بالنون) بن أحمد بن يُوسف السُّلَمي، مات سنة ٣٦٦ﻫ، وستأتي الإشارة إليه في الرِّسالة. راجِع القُشيري، ص٢٨؛ وتَذْكِرة الحُفَّاظ للذَّهبي، ج٣، ص٢٤٨.
٢  السُّبكي: طبَقات الشافعية، ج٢، ص١٨٩.
٣  المَعروف بالواعِظ، تُوفِّي سنة ٢٩٨ﻫ، وستأتي ترجمَتُه.
٤  طبَقات السُّبكي، ج٢، ص١٩٠.
٥  السبكي، ج٢، ص١٩٠. قارِن السَّمعاني ٣٠٣أ، فإنه يذكُر الحكاية، ولكنَّه يذكُر ألفًا بدلًا من ألفَين. وللقِصَّة دِلالة أخرى من حيث إشارتها إلى أصلٍ من أهمِّ أصول الملامتيَّة وهو إخفاء الأعمال وعدَم التعرُّض لمدْح الناس وثنائهم، لكي يُشهِدوا الله وحدَه على أفعالِهم.
٦  طبقات الشافعية، ج٣، ص٦٢.
٧  الأنساب للسَّمعاني، ٣٠٣أ.
٨  طبقات السبكي، ج٣، ص٦٠.
٩  نفس المرجع، ج٣، ص٦٠-٦١.
١٠  كشف المَحجوب تَرجَمة الأستاذ نيكولسون، ص٤٠١.
١١  يظهر هنا أنَّ الضَّمير عائد إلى أصول الملامتيَّة الوارِدة في هذه الرسالة.
١٢  قال فيه الذَّهبي: «وليْتَه لم يُصنِّفه فإنه تَحريفٌ وقَرمَطة، دُونَك الكِتاب فسترى العَجَب.» هذا مع أنَّ الذَّهَبيَّ يَصِف السُّلَمي بأنه «وافِر الجلالة». ولذلك يُدافِع السُّبكي عنه فيقول: «لا يَنبغي أن يُوصَف بالجلالة من يُدَّعى فيه التَّحريف والقَرمَطة. وكتاب حقائق التفسير المُشار إليه قد كثُر فيه الكلام من قِبَل أنَّه اقتُصِر فيه على ذِكر تأويلاتٍ ومَحالَّ للصُّوفية يَنبُو عنها ظاهِر اللَّفظ.» طبقات السبكي، ج٣، ص٦٢.
١٣  راجِع تَلبيس إبليس لابن الجَوزي، ١٦٤.
١٤  راجِع رسالة القُشيري، ص٣٠-٣١.
١٥  في عرْض كلامه عن «أهل الصُّفَّة»، فإنه يعترِف بأنه نقَلَ تراجِمَهم عن السُّلَمي وأبي سعيدٍ الأعرابي. وقد عُرِف أنَّ السُّلمي قد كتَب كتابًا في تاريخ هذه الطائفة، وعدَدُ من ترجَم لهم أبو نُعَيم مِنهم ممَّن أخذ ترجماتِهم عن السُّلَمي وابن الأعرابي تِسعون، أضاف إليهم المؤلِّف ثمانيةً أخرى لم يذكُرهم السُّلَمي وابن الأعرابي. راجِع الحِليَة لأبي نُعيم، ج١، ص٣٤٧–٣٩٧؛ ج٢، ص٣–٣٤.
١٦  الحِليَة، ج٢، ص٢٥.
١٧  السبكي، ج٣، ص٦١.
١٨  تذكرة الحُفَّاظ، ج٣، ص٢٤٨.
١٩  طبقات الحُفَّاظ، ج٣، ص٨-٩.
٢٠  طبَقات الشافعية، ج٣، ص٦٠.
٢١  يَظهر أنه عليُّ بن أحمد الأخرَم المؤذِّن الذي ذَكَره الذَّهبي.
٢٢  راجِع ترجَمة القُشيري المُطوَّلة فيه، ج٣، ص٢٤٢–٢٤٨.
٢٣  المَرجِع نفسه، ص٢٤٥.
٢٤  رسالة القُشيري، ص٣٠-٣١. وحاشِية العروسي عليها، ج٢، ص١٨.
٢٥  خُسروجرد قَرية من قُرى بَيهَق بخُراسان.
٢٦  السُّبكي، ج٣، ص٣–٥. قارِن هذا بما ورَد في طبَقات الحُفَّاظ للذَّهَبي، ج٣، ص٣٢٨.
٢٧  الحِلية، ج٢، ص٢٥.
٢٨  السبكي، ج٣، ص٧ وما يَليها.
٢٩  تُوفِّي سنة ٤٠٥ﻫ. راجِع السُّبكي، ج٣، ص٦٤–٧٢.
٣٠  السبكي، ج٣، ص٨.
٣١  وردَت هذه العِبارة في السُّبكي، ج٣، ص٦١، نقلًا عن كِتاب «السياق» لعبد الغافِر. ويذكُرها الذَّهبي في تَذكِرة الحُفَّاظ، ج٣، ص٢٤٩، نقلًا عن تاريخ نَيسابور للمُؤلِّف نفسه.
٣٢  الفتُوحات المَكيَّة لابن عربي، ج٢، ص٨٧١.
٣٣  راجِع بروكلمان في المُلحق.
٣٤  تلبيس إبليس لابن الجَوزي، ص١٦٤. ويَظهر أنَّ كِتاب السُّنَن هذا أو سُنَن الصُّوفيَّة هو بِعَينه كتاب جَوامع آداب الصُّوفية.
٣٥  ص٨١ ترجَمة الأستاذ نيكولسون.
٣٦  المرجع نفسه، ص٨٢. يقول فيه الهَجويري: «كِتاب في السَّماع ذَكَر فيه أحاديث في إباحة السَّماع وأقوالًا للصَّحابة تَدلُّ على أنَّ النبي كان يُحِبُّ الاستِماع إلى الصَّوتِ الحَسَن.»
٣٧  تُشير هذه الأرقام إلى ورَقات مخطوطة برلين.
٣٨  هو عمرو بن سلَمة (وقيل سالم وقيل مُسلم) الحدَّاد النَّيسابوري، مات سنة ٢٧٠. كان شيخ الملامتية بخُراسان ومن أوائل مؤسِّسيها. راجِع ترجمته في رسالة القُشيري، ص١٧؛ وطبقات السُّلَمي، مخطوط ١٢٤ب؛ وتاريخ بغداد، ج١٢، ص٢٢٠–٢٢٢؛ والحِلية لأبي نُعيم، ج١٠، ص٢٢٩؛ وطبقات الشَّعراني، ج١، ص٧٠؛ واللُّمَع للسراج، ص١٠٨، ١٨٨، ٣٢٨-٣٢٩.
٣٩  لا نعلم شيئًا عنه، ولكنَّه يروي عن أبيه أبي جعفر أحمد بن حمدان بن علي بن سِنان من صُوفيَّة نَيسابور الذين صَحِبوا أبا حفص. راجِع ترجمته في الشَّعراني، ج١، ص٨٨؛ والسُّلَمي، مخطوط ٧٦ب. مات أحمد بن حمدان سنة ٣١١ ومات ابنه حوالي سنة ٣٧٦.
٤٠  لعلَّه أبو أحمد بن عيسى الذي يروي عنه السُّلَمي عادةً كلام ابن مُنازِل وغيره. قارن الرسالة القُشيرية، ص١٦ و٢٦. وقد ذُكِرت روايات السُّلَمي عنه في تاريخ البغدادي أيضًا. راجِع تاريخ بغداد، ج١٢، ص٢٢١.
٤١  هو أبو الحسن علي بن عبد الرحيم الواسِطي القنَّاد الصُّوفي المُتوفَّى سنة ٣٠٩. روى عن أبي حفص وعن الحلَّاج وروى عنه البقلي في تفسير العرائس س٣٨ آية ٨٥. راجِع في ترجمته الأنساب للسَّمعاني، ٤٦٢أ. ولا يُحتَمل أن يكون «الورَّاق» كما ورَد في «ق» لأن كُنيته على ما ورَد في طبقات السُّلَمي (٦٩ب) أبو الحُسَين، وقد مات الورَّاق سنة ٣٢٠ فبَينه وبين أبي حفص ٦٠ سنة.
٤٢  أشار إليه السُّلَمي مرةً أخرى باسم أحمد بن أحمد، وربما كان أحمد بن حمدون الوارد اسمه في رسالة القُشيري يروي عنه السُّلَمي كلام أبي عمرو الزجَّاجي، أو أبو محمد بن أحمد بن حمدون الفرَّاء الذي سيأتي ذِكره.
٤٣  هو أبو صالح حمدون بن أحمد بن عمارة النَّيسابوري ثاني مؤسِّسي مَذهب الملامتية، من أقران أبي تُراب النَّخشبي وسلمان الباروسي [نسبةً إلى باروس بنيسابور]. مات سنة ٢٧١. راجِع في ترجمته القُشيري، ص١٨؛ والشَّعراني، ج١، ص٧١؛ والحِلية لأبي نُعيم، ج١٠، ص٤٦؛ وطبقات السُّلَمي، ٢٦أ؛ والأنساب للسَّمعاني، ٥٩أ.
٤٤  في رواية أُخرى: وسمِعتُ أحمد بن مُحمد الفرَّاء [وهو محمد بن أحمد] يقول: قال عبد الله بن مُنازِل، وهذا هو الصحيح لا ابن المُبارك الصُّوفي المُتوفَّى سنة ١٨١. وعبد الله بن مُنازِل هو أبو عبد الله محمد بن مُنازِل النَّيسابوري المُتوفَّى سنة ٣٢٩ أو سنة ٣٣٠، من أتباع حمدون القصَّار. راجِع عنه طبقات السُّلَمي، ٤٨أ؛ الشَّعراني، ج١، ص٩٢؛ وشَذَرات الذهب، ج٢، ص٣٣٠؛ يُشير إليه القُشيري في الرسالة، ص٢٦.
٤٥  إسماعيل بن نُجيد السُّلَمي جدُّ أبي عبد الرحمن السُّلَمي لأمِّه، مات سنة ٣٦٦. راجِع طبَقات السُّلَمي، ١٠٥أ؛ والشَّعراني، ج١، ص١٠٢؛ والقُشيري، ص٢٨؛ نفَحات الأُنس لجامي، ٢٨١؛ تذكِرة الأولياء للعطَّار، ج٢، ص٢٦٢؛ تذكرة الحُفَّاظ للذَّهبي، ج٣، ص٢٤٨؛ السبكي، ج٢، ص١٨٩، السَّمعاني، ٣٠٣أ.
٤٦  هو أبو الفَوارس شاه بن شُجاع مات قبل سنة ٣٠٠. راجِع ترجمته في طبَقات السُّلَمي، ص٤٢ب؛ والقُشيري، ص٢٢؛ والحِلية، ج١٠، ص٢٣٧؛ والشَّعراني، ج١، ص٧٧.
٤٧  هو أبو زكريا يحيى بن مُعاذ الرَّازي، من كِبار المشايخ، مات بنَيسابور سنة ٢٥٨ﻫ. راجِع ترجمته في طبَقات السُّلَمي، ٢٢ب؛ ورسالة القُشيري، ص١٦؛ وطبقات الشَّعراني، ج١، ص٦٩؛ والحِلية، ج١٠، ص٥١.
٤٨  هو طيفور بن عيسى البَسطامي الصُّوفي الكبير، مات سنة ٢٦١ﻫ. راجِع ترجمته في السُّلَمي ١٤ب؛ والقُشيري، ص١٣؛ والشعراني، ج١، ص٦٥؛ والحِلية، ج١٠، ص٣٣–٤٠.
٤٩  وفي رواية: عبد الله بن مُحمَّد، وهذا هو الأقرَب إلى الصَّواب، لأنني لا أعلَم أحدًا ممَّن يروي عنهم السُّلَمي اسمه عبد الرحمن بن محمد. ولكن السُّلَمي يروي عن ثلاثة اسم كلٍّ منهم عبد الله بن محمد، أولهم عبد الله بن محمد الدَّاري، والثاني عبد الله بن مُحمد بن أحمد بن حمدان العُكبَري، والثالث عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الرازي المعروف بالشَّعراني. وقد ورَد اسم الأول في الرسالة القُشيرية ص١٥، والثاني فيها ص١٦، والثالث فيها ص١٩. وأظنُّ أن المُراد هنا هو الأخير لأنه هو الذي يروي عنه السُّلَمي أخبار الخُراسانيين أمثال أبي عثمان الحِيري وعبد الله الخيَّاط، والظاهر أنَّ النُّسختَين ب، ق قسَّمَتا الاسم الكامل لهذا الصُّوفي بينهما. مات الشَّعراني سنة ٣٥٣ﻫ. راجِع السُّلَمي، ١٠٤ب؛ وطبقات الشَّعراني، ج١، ص١٠٢.
٥٠  لعلَّه أبو بِشر عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمويه الزاهد النَّيسابوري، كانت وفاته سنة ٣٨٨ﻫ، ويذكر السَّمعاني أنه كان عظيم القَدْر مُجابَ الدَّعوة. انظر الأنساب، ٢١٤أ.
٥١  هو أحمد بن عيسى الذي تقدَّم ذِكره.
٥٢  وفي رواية: محمد بن الحُسَين العَلوي.
٥٣  يُذكَر في ق ثمانية أبيات بدلًا من هذه الثلاثة، ولكن يظهر فيها التَّعمُّل والتَّفريع على المعنى الأصلي، بل يظهر في كثيرٍ منها الرَّكاكة، ولهذا لم أجِد ضرورةً لإثباتها، لأنها لا تخرُج في معناها عن الثلاثة المذكورة. وقد أورَد الشيخ مُحيي الدين بن عربي في كتابه «مُحاضرة الأبرار ومُسامَرة الأخيار»، ج٢، ص٢٤٠، الأبيات الثلاثة بعَينها، وذكر قصَّة من أنشدَها، وهو فتًى من أتباع ذِي النُّون المصري غاب عن أستاذه زمنًا، فلمَّا حضَر عنده سأله ذو النون عما أكسبَتْه خدمة الله من المَواهِب، وما مَنحَه اجتهادُه في العبادة من المِنح، فقال: يا أستاذ هل رأيتَ عبدًا اصطَنَعه الله واصطفاه ثم أسرَّ إليه سرًّا، أيحسُن به أن يُفشيَ ذلك السِّر؟ ثم أنشَدَ هذه الأبيات. إلَّا أنَّ ابن عربي يذكُر أن المُنشِد للأبيات هو يُوسُف بن الحُسَين، لا مُحمد بن الحسَن كما في ب، ولا محمد بن الحُسَين العلوي كما في ق.
٥٤  وفي رواية: أبا طاهر محمد بن أحمد بن طاهر.
٥٥  ق: أبا الحسن الشركي ساقِطة. ولم أقِف على نِسبته في «السَّمعاني» ولا في غَيره، وقد رَوى عنه السُّلَمي مرَّتَين في هذه الرسالة: مرَّةً عنه عن محفوظ بن محمود الملامتي، وأُخرى عنه عن أبي حَفص الملامتي.
٥٦  هو محفوظ بن محمود النَّيسابوري الملامتي، مات سنة ٣٠٣. راجِع ترجمته في الشَّعراني، ج١، ص٨٦؛ وتاريخ بغداد، ج١٢، ص٢٢١؛ وحِلية الأولِياء، ج١٠، ص٣٥١.
٥٧  في قوله تعالى: قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ، س٤، آية ٧٦.
٥٨  وهو ممَّن يروي عنهم السُّلَمي عادةً، ورد اسمُه في رسالة القُشيري، ص٥، إذ يروي عن خاله القاسِم بن السَّياري الآتي ذِكره.
٥٩  وكُنيَته أبو العباس، يُقال إنه كان يقول بالجَبْر ويدعو إليه. مات سنة ٣٤٢ أو سنة ٣٤٤ﻫ. راجِع عنه القُشيري، ص٢٨؛ والأنساب، ٣٢٠ب؛ وطبَقات السُّلَمي، ١٠٢ب؛ وشذرات الذهب، ج٢، ص٣٦٤.
٦٠  أبو بكر الواسطي، أصلُه خُراساني، عاش بمروٍ ومات ببغداد سنة ٣٢٠ﻫ. راجِع عنه القُشيري، ص٢٤؛ وطبقات الشَّعراني، ج١، ص٨٥؛ وطبَقات السُّلَمي، ٦٨ب.
٦١  لعلَّ المُراد من الجُملة بأسرِها أنَّ من أصولهم أنهم يُحبُّون أن تخرج الأشياء منهم بالجُهد، وإن كانوا يُحبُّون إخراجها بغَير جُهد، ليُسقِطوا بذلك حظَّ النفس في أن ترى الأشياء وهي تُبذَل، أو أن يستحي صاحبُها من أن تُخرَج منه كُرهًا.
٦٢  هو أبو عبد الله (وقيل أبو بكر) محمد بن أحمد بن حمدون الفرَّاء النَّيسابوري، ويُسمِّيه الشَّعراني القرَّاد خطأ، مات سنة ٣٧٠. راجِع عنه السُّلَمي، الطبقات، ١١٧ب؛ والشَّعراني، ج١، ص١٠٧؛ ونفَحات الأُنس للجامي، ص٢٣١.
٦٣  في الأصل عبد الله بن المُبارَك وهو خطأ. وقد تقدَّمَت ترجمتُه.
٦٤  لعله عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الرَّازي الذي تقدَّمَت ترجمته.
٦٥  هو أبو الحسن علي بن بندار بن الحُسين الصيرفي. راجِع طبقات السُّلَمي، ١١٦ب.
٦٦  يعني سعيد بن إسماعيل بن منصور الحِيري النَّيسابوري المعروف بالواعِظ، ثالث مؤسِّسي الملامتية بعد أبي حَفص وحمدون، وقد صحِبَ شاه الكرماني ويَحيى بن مُعاذ وأبا حَفصٍ وتخرَّج به، مات سنة ٢٩٨. راجِع ترجمته في طبَقات السُّلَمي، ٣٦ب وما بعدها؛ والقُشيري، ص١٩؛ والحِلية، ج١٠، ص٢٤٤؛ والشعراني، ج١، ص٧٤؛ وما ورَد من أقواله في اللُّمَع للسراج، ص١٠٣، ١١٧، ٢٢٦، ٢٩٦، ٣٠٦.
٦٧  أو السَّهمي بالسين، ويظهَر أنه محمد بن أحمد بن حمدون الفرَّاء السابق الذِّكر، ولا وجود للبهمي أو السهمي في ق.
٦٨  هو أبو بكر محمد بن موسى الواسِطي الفرغاني، سُمِّي بالفرغاني لأن أصلَه في فرغانة. راجِع ترجمَته فيما سبَق.
٦٩  يَروي عنه السُّلَمي عادةً أقوال أبي يزيد البسطامي وأبي علي الروذباري والجُنَيد وأحمد ابن خضرويه وغيرهم. قارن القُشيري مثلًا.
٧٠  لعلَّه موسى بن عيسى المَعروف بِعُمَي، كما تدلُّ عليه الرُّوايات الوارِدة في رسالة القُشيري، ص٤، ٦، ١٤، ١٦، ٢٦. قارِن اللُّمَع للسراج، ص١٠٣، ١٠٤، ٣٢٤.
٧١  هو أبو عبد الله محمد بن الفضل البلخي، كان من المُعجَبين بأبي عُثمان والمُقتَدين به، مات سنة ٣١٩. راجِع ترجمته في طبَقات السُّلَمي، ٤٧ب؛ والقُشيري، ص٢١؛ وقارِن ذلك أيضًا بما جاء في الحِلية، ج١٠، ص٢٤٤.
٧٢  هو أبو أحمد أو أبو محمد بن يزيد البغدادي الصُّوفي المَعروف، مات سنة ٣٠٣. راجِع ترجمةً مُطوَّلة له في تاريخ بغداد، ج٨، ص٤٣٢–٤٣٤؛ طبَقات الشَّعراني، ج١، ص٧٥؛ والقشيري، ص٢٠؛ طبقات السُّلَمي، ٣٩أ؛ والحِلية، ج١٠، ص٢٩١.
٧٣  هو الصُّوفي المَعروف أبو محمد سهل بن عبد الله التُّستَري المُتوفَّى سنة ٢٨٣، راجِع ترجمته في القُشيري، ص١٤؛ والشَّعراني، ج١، ص٦٦؛ وطبَقات السُّلَمي، ٤٥ب وما بعدَها؛ والحِلية، ج١٠، ص١٨٩–٢١٢.
٧٤  سورة التوبة آية ١١٠.
٧٥  عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الرَّازي. واسمُه الكامل أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الرَّازي المَعروف بالشَّعراني، وُلِد بنَيسابور ومات بها سنة ٣٥٣، وقد سبَقَ ذِكره. ولكن إشارة المَتْن إنما هي إلى مُحمد بن عبد الله الرَّازي المعروف بابن شاذان.
٧٦  يُسمِّيه الشَّعراني الجُوزجاني، وهو أبو علي بن علي الجُرجاني من كبار مشايخ خُراسان من أقران محمد بن علي التِّرمذي. راجِع ترجمته في طبقات السُّلَمي، ٥٥ب؛ والحِلية، ج١٠، ص٣٥٠؛ والشعراني، ج١، ص٧٧.
٧٧  لعلَّه أبو الحسن الشركي الذي تقدَّم ذِكره.
٧٨  هو محمد بن إبراهيم الزَّجَّاجي النَّيسابوري، مات بمكة سنة ٣٤٨. راجِع السُّلَمي، ١٠٠أ؛ والقُشيري، ص٢٨؛ والشعراني، ج١، ص١٠٠.
٧٩  لعلَّه أبو يزيد المَروزي الوارِد ذِكره في رسالة القُشيري، ص٢٧ س٤ من أسفل.
٨٠  هو أبو إسحق إبراهيم بن شَيبان القرمسيني شيخ الجَبل، مات سنة ٣٣٠. راجِع السُّلَمي، ٩٣ب؛ القُشيري، ص٢٧؛ والحِلية، ج١٠، ص٣٦١؛ والشَّعراني، ج١، ص٩٧؛ والأنساب، ٤٤٨أ.
٨١  وهو غير أبي حمزة البزَّاز البغدادي الصُّوفي المُتوفَّى سنة ٢٨٩ﻫ.
٨٢  لعلَّه أبو جعفر محمد بن منصور المَغازِلي نسبةً إلى صُنع المَغازِل. راجع الأنساب للسَّمعاني، ٥٣٨أ.
٨٣  هو أبو نصر بِشر بن الحارِث المعروف بالحافي، أصلُه من مَرو وسكن بغداد ومات بها سنة ٢٢٨ﻫ. راجِع القُشيري، ص١١؛ والسُّلَمي، ٩ب؛ والشَّعراني، ج١، ص٦٢؛ وتاريخ الخطيب البغدادي، ج٧، ص٦٧–٨٠.
٨٤  هو أبو مسعود الأزْدي المَوصِلي من كِبار المُحدِّثين في عصره، تخرَّج على سفيان الثوري، مات سنة ١٨٤ أو ١٨٥ﻫ. راجِع تاريخ بغداد، ج١٣، ص٢٢٦–٢٢٩.
٨٥  لعلَّه عبد الله بن علي الطُّوسي الذي يَروي عنه السُّلَمي في رسالة القُشيري. راجِع ص١٢–١٤.
٨٦  وفي رواية أخرى: عبد الله محمد بن المُعلِّم. قارِن القُشيري ص٢٦.
٨٧  وهو أبو بكر الطمستاني الفارسي المُتوفَّى سنة ٣٤٠. راجِع السُّلَمي، ١٠٩أ؛ ورسالة القُشيري، ص٢٩؛ والشَّعراني، ج١، ص١٠٩؛ والحِلية، ج١٠، ص٣٨٢.
٨٨  هو محمد بن عبد الله بن عبد العزيز أبو بكر المَعروف بابن شاذان الرَّازي الصُّوفي الواعِظ، مات سنة ٣٧٦ﻫ. يقول فيه صاحِب الشَّذَرات: «وقال في المُغني [وهو كِتاب للذَّهبي الحافِظ] طعَن فيه الحاكِم، ولأبي عبد الرَّحمن السُّلَمي عنه عجائب.» شذَرات الذهب لابن العِماد، ج٣، ص٨٧. وهو غَير عبد الله الرَّازي الذي هو أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الرَّازي المَعروف بالشَّعراني المُتوفَّى سنة ٣٥٣ﻫ، وقد تقدَّم ذِكره كذلك.
٨٩  هو أبو بكر محمد بن علي بن جَعفر الكَتَّاني الصُّوفي المُتوفَّى سنة ٣٢٢ﻫ. راجِع عنه القُشيري، ص٢٦؛ والسُّلَمي في الطبَقات، ٨٦أ؛ والشَّعراني، ج١، ص٩٤؛ والحلية، ج١٠، ص٣٥٧؛ وشذَرات الذهب، ج٢، ص٢٩٦.
٩٠  محمد المزين النَّيسابوري، والمزين تَحريف ولعلَّه أبو محمد عبد الله بن محمد النيسابوري المُلقَّب بالمُرتعِش، صحِب أبا حفصٍ وأبا عثمان والجُنيد، وأقام ببغداد ومات بها سنة ٣٢٨ﻫ. راجِع طبقات السُّلَمي، ٨٠ب؛ والقُشيري، ص٢٦؛ والشَّعراني، ج١، ص٩٠.
٩١  محمد بن الحسَن الخشَّاب البغدادي، يُشير إليه السُّلَمي أحيانًا باسم أبي العباس البغدادي، قارِن رُوايات السُّلَمي عنه في رسالة القُشيري، ص٦، ٨، ١٠، ٢٢، إلخ.
٩٢  ولعلَّه علي بن هارون (لا إبراهيم) الحصري (بالصَّاد) الصُّوفي، مات ببغداد سنة ٣٧١ﻫ. راجِع عنه السُّلَمي، ١١٤أ؛ والأنساب للسَّمعاني، ١٦٩ب؛ وتاريخ بغداد، ج١١، ص٣٤٠؛ ورسالة القُشيري، ص٣٠.
٩٣  يروي عنه السُّلَمي عادةً أحاديث شاه الكرماني، كما هو وارِد في الرسالة وفي الحِلية لأبي نعيم، ج١٠، ص٢٣٧، ٣٨، ويُسمِّيه أبو نعيم أحيانًا «أبو عبد الله محمد بن أحمد».
٩٤  لعلَّه عبد الله بن علي الطُّوسي الذي يَروي عنه السُّلَمي أقوال الحارِث المُحاسَبي وأبي يزيد البسطامي والسرِّي السقطي. قارِن رسالة القُشيري ص١٠، ١٢، ١٤، إلخ.
٩٥  وهو ولَد إبراهيم بن شَيبان الذي تقدَّمَت ترجمتُه.
٩٦  من كِبار مَشايِخ الشام ومن أقران ابن الجَلاء وذي النون، مات سنة ٣٢٠ﻫ. راجِع طبقَات السُّلَمي، ٦٢أ؛ وحِلية الأولياء، ج١٠، ص٣٤٦؛ وطبَقات الشَّعراني، ج١، ص٨٦؛ وشذَرات الذهب، ج٢، ص٢٨٧.
٩٧  لعلَّه عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي. راجِع الأنساب للسَّمعاني، ١٥٦ب.
٩٨  وهو محمد بن عبد الوهاب الثَّقفي، لقِيَ أبا حَفصٍ وحمدون القصَّار، مات سنة ٣٢٨ﻫ. راجِع السُّلَمي، ٨٣أ؛ والقُشيري، ص٢٦؛ والشَّعراني، ج١، ص٩١.
٩٩  هو أبو بكر محمد بن داود الدَّينوري الدقِّي، مات سنة ٣٥٠. راجِع السُّلَمي، ١٠٣ب؛ والأنساب للسَّمعاني، ٢٢٨أ؛ ورسالة القُشيري، ص٢٨؛ والشَّعراني، ج١، ص١٠٢ (وهو يُسمِّيه الرقي بالرَّاء)؛ ونفحات الأنس، ٢٢٩.
١٠٠  هو عِصام بن يوسُف بن ميمون بن قُدامة البلخي، من كبار المُحدِّثين الثِّقات، مات سنة ٢١٠. راجِع الأنساب للسَّمعاني، ٨٩أ.
١٠١  وهو أبو عبد الرحمن حاتِم بن يوسُف، ويقال حاتِم بن عفوان [أو علوان] المَعروف بالأصم، وهو من أقدَم مشايخ خُراسان، وكان من أهل بلخ، مات سنة ٢٣٧ﻫ. راجِع طبَقات السُّلَمي، ١٨ب؛ ورِسالة القُشيري، ص١٥؛ وطبَقات الشَّعراني، ج١، ص٦٨؛ وتاريخ بغداد، ج٨، ص٢٤١.
١٠٢  وهو أبو عثمان الحِيري المَلامتي المَشهور، تقدَّمَت ترجمتُه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤