النهاية

أصدر «أحمد» أمرًا لجميع الشياطين بالتوجُّه إلى حيث توجد الحاوية، ونظر مليًّا إلى الرجل القابع أمامه وقال له: لقد كنت تجري في اتجاه هذه الحاوية، أليس كذلك؟

لم يُجب الرجل … ولكن العرق المتصبِّب منه أجاب نيابة عنه … وشعر وقتها «أحمد» أن السر الخطير قد انكشف … وأنهم سيتمكَّنون من القبض على كل من بالمعرض من عملاء دفعة واحدة … فانتحى «إلهام» جانبًا وقال لها وعيناه على الرجل … ومسدَّسه موجه إليه: هذا الرجل أصبح عبئًا علينا …

إلهام: أتُريد التخلص منه؟

أحمد: على الأقل نُقيِّده في مكانٍ ما …

إلهام: إن الأشرطة اللاصقة كثيرة هنا، وكذلك الحبال.

أحمد: اجمعي لنا بعضها.

وامتثلت «إلهام» للأوامر … وقامت بالبحث عن شريط لاصق عريض حتى وجدت منه عبوات كاملة … وكذلك الحبال …

ودُون أي مقاومة … قاما بتقييد الرجل بالحبال … وغلق فمه بالشريط اللاصق … ثم تركاه ولحقا بزملائهما حيث تُوجد الحاوية، وما إن رآه الشياطين حتى صاحوا يُحيُّونه … أما «عثمان» فقد اقترب منه ومال على أذنه وقال له: نحن نشكُّ أن هذا وكر العملاء.

أحمد: وأنا أيضًا …

عثمان: ولكن تواجُدنا هنا بهذه الكثافة لن يجعلهم يخرجون منها …

أحمد: معك حق …

عثمان: وما الحل إذن؟

أحمد: ألا يقف أحد حول الحاوية … وأن نراقبها أنا وأنت و«إلهام» عن بُعدٍ في حضور أسلحتنا.

عثمان: إذن سأُبلغهم أنا أوامرك.

أحمد: نعم …

تفهم الزملاء سريعًا ما طلبه منهم «أحمد» على لسان «عثمان» … وعقدوا اجتماعًا سريعًا بينهم … تهامَسُوا فيه لبعض الوقت … ثم انفضُّوا … وخلال ثلاث دقائق لم يكن أحدٌ منهم يقف على أرضية الموقع …

أما «أحمد» و«عثمان» و«إلهام» … فقد اتخذوا لهم مكانًا وسط الظلام … وساد الهدوء المكان انتظارًا لما سيحدث … فالكل مُنتظِر لما سيخرج من هذه الحاوية …

وطال الوقت ولم يتغيَّر في الأمر شيء، فاستدعى «أحمد» عثمان، وقال له: هل أحد أفراد العصابة يَعرفك؟

عثمان: لا … لماذا؟

أحمد: أريدك … أن تذهب إلى قاعة ثلاثة، وتحلَّ رباط الرجل المقيَّد هناك …

عثمان: وكأنني رأيته فجأة …

أحمد: محض صدفة …

عثمان: نعم …

أحمد: إذن تحرَّك …

وبخفة ونشاط … ذهب «عثمان» إلى القاعة التي أخبره بها أحمد … وهناك وجد الرجل المقيد كما هو … فقال له: ما هذا؟! سأبلغ البوليس.

أخذ الرجل يئنُّ بصوتٍ عالٍ، فعاد إليه «عثمان» مرةً أخرى، فنزع الشريط اللاصق من على فمِه وقال له: ماذا تُريد؟

الرجل: تراني في هذه الحالة وتتركني لتأتيَ بالبوليس؟!

عثمان: هذا هو الإجراء السليم … فمن قيَّدوكم أحرار، وقد يفعلون هذا معي …

الرجل: لا تخشَ شيئًا يا فتى … فسأذهب.

عاد «عثمان» للخروج من الباب مرة أخرى وهو يقول له: وسأذهب أنا أيضًا للبحث عنهم.

صاح الرجل يُناديه في جزع قائلًا: إلى أين ذاهب أيها الذكي؟

عثمان: سأذهب للبحث عنهم …

الرجل: هل تعرفهم؟

عثمان: لا …

الرجل: إذن فكَّني أنا أولًا … انزع عنى هذه الأربطة من فضلك.

قام «عثمان» بنزع الأربطة عنه … فدفعه في وجهه فأسقطه على ظهره فوق الأرض.

فقال له: بدلًا من أن تشكرني تضربني؟

الرجل: إنك غبي.

عثمان: شكرًا لك.

كان عثمان بارعًا في تمثيل دور العامل المطحون … وصدَّقه الرجل … وتركه وذهب هو إلى أين؟

لم يمضِ وقت طويل حتى تعرفوا …

لقد رآه «أحمد» دون أن يراه … فالمكان مُظلم، غير أن الحاوية تقع في مكان يضيئه نور الكشاف الرئيسي … ولم يتوقَّف الرجل عن السير إلا أمامها … فتوقَّف لبعض الوقت، ثم تلفَّت يمينًا ويسارًا … ثم أخرج جهازًا صغيرًا ومرَّره على خط فضي يقطع الحاوية … وبعد قليل أضاء هذا الجهاز إضاءة حمراء … فقام بإخراج كارت ووضعه في فتحة دقيقة تختفي مع الخط الفضي … وفجأة، وسط ذهول الجميع … والذين كانوا يُراقبون ما يحدث في الظلام، انفتح باب الحاوية، وظهر خلفه ضوء مُبهر … من أين أتى هذا الضوء … والمفروض أن تكون الحاوية حالكة السواد من الداخل؟! …

قال «أحمد»: أنا أحتاج إلى قنبلة دخان.

سمعته «إلهام»: أو غاز مُسيِّل للدموع …

أحمد: وأين هي؟

إلهام: إنها معي …

لم يصدِّق «أحمد» ما سمعه وقال لها: أعطيني إياها …

ومِن أحد أجربة حزامها أخرجت كبسولة صغيرة … وقدَّمتها ﻟ «أحمد» الذي علق قائلًا حين رآها: إنها قنبلة مُتطوِّرة …

إلهام: إنها رغم حجمها تُنتج كمية ضخمة من الغاز.

أحمد: المهم أن يَخرج الرجل مرة أخرى.

وكأنه سمع «أحمد»، فقد انفتح الباب وخرج مُغلقًا الباب خلفه … وكان يسدُّ الباب بجسده، فلم يُعطِ فرصة له ليلقي بالكبسولة داخل الحاوية.

وفكر «أحمد» أن يظهر له ويُهدِّده بمسدَّسه كي يفتح الباب، إلا أنه له لم يحتجْ لذلك … فقد عاد الرجل حاملًا معه زجاجة ماء … ووقف يتلفت يمينًا ويسارًا قبل يضع الكارت في الحاوية.

ومرةً أخرى تاهَ عن مكان وضع الكارت، فأخرج الجهاز الصغير … وأخذ يمسح به الخط الفضي القاطع للحاوية حتى أضاء مربع أحمر فيه … فوضع الكارت الذي بيده في فتحة مُجاورة للمكان … وانفتح الباب …

وكانت فرصة ذهبية ﻟ «أحمد» ولن تتكرر.

فألقى الكبسولة بكل ما في ذراعه من قوة … فاندفعت كالطلقة … وسبقتْه إلى داخل الحاوية …

والعجيب أنه لم يَلحظها … فقام بإغلاق الباب خلفه … ولم تمضِ دقائق حتى سمعوا هروَلة أقدام … وطَرقًا عنيفًا على حوائط الحاوية … ولم تمضِ دقائق أخرى … إلا وانفتح الباب … ولكن لم يخرج أحد … فقالت إلهام له: إنهم يُغيِّرون هواء المكان.

أحمد: هل يحتاج الأمر لكبسولة أخرى؟

إلهام: لديَّ المزيد والمزيد منها.

«أحمد»، إذن أعطيني واحدة …

ومن أحد الأجربة بحزامها الجلدي أخرجت الكبسولة له وأعطتها ﻟ «أحمد» الذي نزع صمامًا، ثم ألقاها بقوة داخل الحاوية … ولم تمضِ دقيقة إلا وكان ثلاثة رجال وثلاثة فتيان يخرجون من الحاوية … يسعلون سعالًا شديدًا … ويَمسحون عيونهم وأنوفهم من الإفرازات التي انهمرت بغزارة.

وما كادوا يُفيقون مما هم فيه … حتى رأوا ثلاثة عشر فتًى وفتاة يُحيطون بهم … ممسكين ببنادق مُتطوِّرة ومُعَدة للإطلاق … وصاح كبيرهم يقول: مَن أنتم؟

أجابه «أحمد» بحدة قائلًا: لا شأنَ لك بنا … أنت مقبوض عليك …

وهنا صاحت «ريما» تقول: لماذا لا نُغلق عليهم الحاوية ونُسلِّمهم للبوليس مُعلَّبين.

أحمد: فكرة جيدة … عصابة معلَّبة …

كانت «إلهام» تحكي كل ذلك في رسالة صوتية أرسلتها إلى رقم «صفر» الذي ما إن سمعها حتى أرسل لهم رسالة تقول: أنتم رائعون …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤