خاتمة

إن وجود اختلافات خاصة من الناحيتين الجسدية والنفسية حقيقةٌ واقعةٌ لا تقبل الجدل، وفي كل جنس وأُمَّة وطبقة وجماعة؛ يوجد من الأفراد مَنْ هو موهوبٌ ومَنْ هو سيِّئُ الحظ. وهذه حقيقة بيولوجية ليس لها أية استثناءات. والاختلافات المشار إليها لا ترتبط إطلاقًا بالتفوق أو الانحطاط المزعومين، التي يوصَم بها هذا الشعب أو ذاك الجنس.

وإنه حقًّا لَاعتقادٌ قديمٌ متأصلُ الجذور أن يعد الفرد منا أسرته أو جنسه أحسن من غيرها من الأسر، أو أحسن من غيره من الأجناس. والجديدُ في هذا الاعتقاد القديم محاولةُ تبرير هذا «التفوق» المزعوم بواسطة الأساليب العلمية، وعلى أساس صفاتٍ بيولوجية موروثة.

إن الشعور المتزايد بعدم الرضا بين شعوب الهند، وظهور الإحساس بالجنس عند الزنوج، والشعور بالثقة الذاتية الذي أظهرته كل من الشعوب اليابانية، والصينية، والأندونيسية، كل هذا من الأدلة على أن الأجناس التي كانت تُدمغ بصفات الانحطاط والنقص، فيما مضى، ليست اليوم على استعدادٍ لقبول الأحكام الصادرة عليهم من بعض عناصر الجنس الأبيض.

وتعترف الديمقراطية بوجود فروق واختلافات بين سكان العالم، ولكنها في الوقت ذاته ترى أن لكل الناس حقوقًا متماثلة لا يمكن انتزاعها. وتسعى لأنْ تُقدِّم لكل الناس فُرَصًا متكافئةً في النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وتقبل الدكتاتورية مبدأ: وجود اختلافات بين الأفراد والشعوب على أنه شيءٌ محتومٌ، ولكنها ترى أن هذه الاختلافات تعني، وتتضمن مبدأ أن تُطيع الشعوب رغبة الجنس «السيد» التي يعبر عنها «الأشخاص غير العاديين»، وأهم ما يشغل بال المذهب الدكتاتوري استرقاق كل من لديهم القدرة على إطاعة رغبات «الأسياد»، وإبادة كل من لا يستطيعون أن يندمجوا كوحدات داخل العالم الدكتاتوري.

وقد اضطرت النظرياتُ العنصريةُ المعاصرةُ أن تختفي وراء قِنَاع علميٍّ، وقد جاء ذلك بعد أن أَدَّت الاكتشافات العلمية والتقدم الفني التكنولوجي إلى تحطيم كل الخرافات الخاصة بالأجناس في نظر الجمهور. ومِن ثم كان لا بد للنظريات العنصرية في القرن العشرين أن تبدو كأنها مبنيَّةٌ على أُسس علمية، حتى ولو أدى ذلك، كما يرى برنان Pernant إلى إقامة هذه النظريات «على أساس أقبح المغالطات، والمتناقضات (العلمية).»

لقد حاولت النظريات العنصرية أن تستمر، وتستغل علم الأنثروبولوجيا لخدمة أغراضها، وفروع أخرى من العلوم مثل فسيولوجية الدم وقوانين الوراثة … إلخ، ولكنها باءت بالفشل الذريع. وفي سنة ١٩١٨ رفض الحلفاء المنتصرون اقتراحًا قدمه وفد ياباني إلى مؤتمر باريس عام ١٩١٩ يرمي إلى إدخال فقرة في ميثاق عصبة الأُمَم تنص على إعلان المساواة لجميع الأجناس، ومنذ عام ١٩٤٥ نرى أن كل أعمال هيئة الأُمَم المتحدة، بما فيها لجانها الخاصة، وقد اشترك فيها طوال الرءُوس، الشقر، طوال القامة، وطوال الرءُوس ذوو البشرة الملونة، القصار القامة، وعراض الرءُوس من الأجناس الصفراء، وأفراد ينتمون إلى الأجناس الزنجية، وأجناس مختلطة، ومندوبون عن أُمم كثيرة تختلف كثيرًا في الحضارة والسلالة. وقد اشتركت كل هذه العناصر في وضع ميثاق حقوق الإنسان العالمي، ووافقت عليه في ديسمبر ١٩٤٨. وتنص المادة الثانية من هذا الميثاق على أن «لكل فرد كل الحقوق والحريات التي أعلنها الميثاق، دون تمييز في أيِّ شكل من الأشكال، مثل الجنس واللون، أو الانتماء إلى أحد الجنسين، أو الدين، أو المذاهب السياسية، أو غيرها من الآراء، أو أصل الجنسية، أو الأصل الاجتماعي، أو من حيث الملكية والثراء أو أي وضع آخر.»

وفي عام ١٧٩٠م كتب بورجس Burgess — بجرأة غريبة — يبرر السياسة الاستعمارية الألمانية، فقال: إن «للألمان الحق في ضم أي إقليم يظهر أهله الوطنيون (في أفريقيا وغيرها من القارات المتأخرة)، أي مقاومة (للتوسع الألماني)، وأن يحولوا هذا الإقليم إلى موطن للإنسان المتمدين.» ولا شك أن هذا المقال يوضح بجلاء كيف أن فكرة «التفوق» تقود صاحب النظرية العنصرية إلى أن يقبل — ودون أي اعتبار للقانون أو الأخلاق — مقياس القوة على أنه منبع وأصل القانون فيما يختص بمعاملة الشعوب «المنحطة».

وهناك سؤالان سيترتب على الرد عنهما خطواتٌ واسعة نحو محو أساطير الأجناس: ما مقدار الاختلاف الذي يمكن حدوثه بين أفراد من نفس نوع الوراثة يعيشون في بيئات غير متشابهة؟ والسؤال الثاني هو: ما مبلغ الاختلافات بين أفراد يختلفون من حيث الوراثة، ويعيشون في إقليم، أو بيئة واحدة؟

إن الاختلافات بين الأفراد يجب أن يُنظر إليها على أنها حقائقُ تستوجب الفهم، والتحليل، وليس على أنها صفاتٌ تستحق الثناء أو تستوجب اللومَ، وقد كتب الماجور موتون Major Moton في سنة ١٩٢٠ يقول: «إن كثيرًا من الاحتكاكات بين الأجناس، وكذلك بين الأُمم أو الأفراد مَرَدُّهُ سوءُ الفهم. فإذا كان الناس على استعداد لتخصيص جزء صغير من وقتهم لفهم وجهات نظر الآخرين فإنهم سوف يتحققون في حالاتٍ كثيرة أن الأُمور ليست سيئةً كما يظنون»، إن التعصب الجنسي قد ينشأ عن أسباب سياسية، أو اقتصادية. وربما نشأ عن عُقدة تفوُّق، أو عُقدة نقص عن شعب معين. وربما نشأ عن خلافات بيولوجية، أو غرائز وراثية، أو نتيجة لترابط عدد من هذه الأسباب. وفي كل حالة تسوء الأُمور إلى حد كبير نتيجة الميل إلى قبول نظريات وفروض دون أن توضع موضع النقد والاختبار.

لقد لعبت مذاهب التفوق الجنسي دورًا لا مثيل له في السياسات العليا للدول، فطالما كانت هذه المذاهب العذرَ الوحيدَ لتبرير القسوة والدوافع غير الإنسانية. كما خدمت التوسعَ الأُوربيَّ الاستعماري كسبب للاستعمار، وتخدم التوسع الإمبريالي الحديث. لقد زادت هذه المذاهبُ من حدة كُرْهِ الأجناس بعضها لبعض، ومَشَتْ بالوطنية المتطرفة إلى أبعادٍ سخيفة. وطالما ساقت العنصريةُ الدولَ إلى الحروب!

إننا لن نكسب شيئًا ضد النظريات العنصرية إذا ما أقمنا عليها حدود القانون، أو أنشأنا قوانين جديدة، أو فرضنا إطاعة القانون بالقوة؛ وذلك لأن مدى سريان هذه القوانين وتطبيقها يعتمد على مدى اعتقاد الغالبية من المواطنين بصحتها، وإقناعهم بالحاجة إليها وإلى صحتها الذاتية. وإنا قد نكسب المعركة ضد العنصرية وأساطير التعصب الجنسي بمحاولتنا إصلاح الظروف التي استمدتْ منها هذه النظريات أصولها وأسبابها.

والخوفُ هو أول هذه الظروف: الخوف من الحرب، الخوف من عدم الأمان الاقتصادي، الخوف من فُقدان المركز والميزات الفردية أو الجماعية، والخوف من عوامل أخرى كثيرة. إن التعصب الجنسي في شكل أو آخر سيستمر في عالمنا ما دام هناك شعورٌ بالحاجة إلى مزيد من الأمن الفردي.

ومن الضروري جدًّا أن نُوضِّح مدى سخف الرأي الذي يصف مجموعات إنسانية بأكملها بأنها مجموعات «طيبة»، أو «مجموعات سيئة»، إن صنوف العلم والمعتقدات الديمقراطية والمشاعر الإنسانية تلتقي كلها في بنيان واحد لرفض أَيَّة أحكام على أَيِّ فرد تقوم على أساس جنسه أو لونه، أو إذا تصادف انتماؤه إلى أوضاع العبيد.

إن النظريات العنصرية أمرٌ يختلف كل الاختلاف عن قبول، أو دراسة حقيقة الجنس قبولًا أو دراسة علمية موضوعية. وحقيقة عدم تساوي المجموعات الإنسانية الخالية أن النظريات العنصرية تتضمن التأكيد بأن عدم التساوي هذا هو شيء مطلقٌ لا شروط له. أي: أن الأجناس بطبيعتها، وبناءً على الوراثة الذاتية؛ أجناسٌ متفوقة أو منحطة. وأن هذا التفوق أو الانحطاط شيءٌ مستقل بطبعه عن الظروف الطبيعية لموطن الجنس وبيئته وعوامله الاجتماعية.

لقد شهد نصفُ القرن الأخير تطورًا للوطنية المتطرفة. إن أهوال الحروب والقلق الذي يرجع إلى حالات السلم المسلح؛ لَهِيَ من العوامل المهمة التي تزيد وتُبقي على هذا النوع من الوطنية. ولا شك أن محو أساطير الأجناس عن طريق اقتناع الأفراد والجماعات سيكون له أثر بالغ، ويخلق روحًا أحسن وجَوًّا أكثر استعدادًا للتفاهم في العلاقات بين الأفراد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤