تأملات في الحياة

الخلاصة الأولى والأخيرة

صح جسمًا فشاقت الأرض عينيـ
ـه جمالًا وفتنة وضياءَ
صح نفسًا فشاهت الناس حتى
كره الأرض حوله والسماءَ
عجبًا للحياة ما سر فيها
جانب ترتضيه إلا أساءَ

الهداية

كم في السماء نجوم
ضلت سواء السبيلِ
وأنت في الأرض تبغي
هديًا بغير دليلِ؟

سِحر الدنيا

سحر دنياك يا أُخَيَّ قديم
سوف يبقى، ويذهب الكهانُ
أفيمضي بسحرها كاهن ما
ت وفيها الشموس والأغصانُ؟
أفيمضي بسحرها كاهن ما
ت وفيها الثغور والأجفانُ؟
أفيمضي بسحرها كاهن ما
ت وفيها الألحان والألوانُ؟
كاهن الأولين أول مسحو
ر، وفي كل حقبة ترجمانُ
سحر دنياك دائم حيثما دا
م عليها الإنشاد والتبيانُ
سحر دنياك دائم حيثما دا
مت عليها الحياة والإنسانُ

مسودات الحياة

تأمل ترى الأحياء عُجمًا كأنها
«مسودة» للخلق لما تُنَقَّحِ
ويا رب سر في كلام «مسوّد»
يعود فيخفى في الكلام المصححِ
أراها كإخوان تفاوت حظهم
وميراثهم من سابقين ورُزَّحِ
فمن حائز نُعمى أبيه وأمه
إلى خاسر رفديهما أو مطرَّحِ
ومن يلقهم يلقَ الحياة كأنها
حبت طفلة من مهدها المترجحِ
figure

جلال الموت

أرى في جلال الموت إن كان صادقًا
جلالة حق لا جلالة باطلِ
فلا تجعلنَّ الموت حجة كاذب
لمدحة مذموم ورفعة سافلِ

المعروف والمنكر

كل ما تصنع الحياة يُرَجَّى
من بنيها قبوله واغتفارُهْ
فإذا أنكروا قبيحًا ففي القبـ
ـح من الموت لونه أو شعارُهْ
ذاك لب اللباب في كل رأي
شطَّ بالفكر أو تدانى مزارُهْ

رأي واحد في وضعين مختلفين

زعموا الإنسان قردًا
قد ترقَّى وَتَحَلَّى
وأناس يزعمون الـ
ـقرد إنسانًا تدلَّى
هو رأي واحد نقـ
ـلبه علوًا وسفلا!

فلسفة حياة

مسائل الفلسفة الكبرى هي:
  • (١)

    مسألة الإله.

  • (٢)

    مسألة الحياة بعد الموت.

  • (٣)

    مسألة السعادة في الدنيا.

  • (٤)

    مسألة الخير والشر والحلال والحرام.

والقصيدة التالية تنتهي بالقارئ في كل مسألة من هذه المسائل إلى رأي نوجزه هنا ولا نعرض لأسبابه وبراهينه؛ لأنها مما يضيق عنه المقام.

فأما في مسألة الإله، فخلاصة القول أن الإله الموجود في كل مكان كفيل أن يصل إليك إذا أنت لم تصل إليه، وأن يعرف حقيقتك إذا عجزت أنت عن عرفان حقيقته، وفي هذا عزاء لمن رام العزاء.

وأما في مسألة الحياة بعد الموت، فخلاصة القول أن خيال الإنسان لن يحيط وصف تلك الحياة، أو لن يصل في شأنها إلى وصف يستقر عليه، فهو لا يرضى أن تكون الحياة الأخرى كهذه الحياة الدنيا؛ لأنه يطمح أبدًا إلى كمال بعد نقص وغبطة بعد ألم، وهو لا يرضى أن تكون الحياة الأخرى مبدلة مستحيلة؛ لأنه متى تغير شعوره وتبدلت مداركه ومقاييس نظره أصبح مخلوقًا آخر، وأصبح النعيم الذي يرجوه كأنما هو نعيم مكتوب لإنسان سواه … فهو يحب أن يغير حياته ولا يحب أن يغيرها في وقت واحد! … والخروج من هذه الحيرة لن يكون إلا على حالة فوق ما يعقل وفوق ما يتخيل.

وأما مسألة السعادة، فالرأي في القصيدة أن ترك الدنيا كما يتركها عباد الهند خطأ، وأن التهالك عليها كما يتهالك عباد الحضارة خطأ كذاك، وأيًّا كان الحرمان الذي يُمنَى به الإنسان فيشقيه، ففي الدنيا ولا ريب نعم جزيلة لم يُحرَمها قط إنسان يحبها ويشتاقها، وتلك هي محاسن الطبيعة والإعجاب بالجمال حيث كان.

وأما مسألة الخير والشر والحلال والحرام، فالرأي في القصيدة أنه لا حرام في الجمال ولا حلال في القبح، فالفعل القبيح هو الفعل الحرام، ومن تجنب أن يشوِّه جميلًا أو ينقص كاملًا فهو في حل من أن يصنع ما يشاء:

الغرام الملك، والملك الضياعْ
هاتِ لي الحُسْنَ الذي ليس يضيعُ
ليلة قمراء، أو سحر سماعْ
أو قصيدًا راق، أو زهر ربيعُ
قال قوم زينة الدنيا خداعْ
قلت: خَيْرٌ! بالذي نَشْري نبيعُ

•••

زاهد الهند نعى الدنيا وصامْ
أنا أنعاها ولكن لا أصومْ!
طامع الغرب رعى الدنيا وهامْ
أنا أرعاها، ولكن لا أهيمْ
بين هذين لنا حدٌّ قوامْ
وليلُمْ من كل حزب من يلومْ

•••

أيها السائل: ما بعد المماتْ؟
يمِّم الصحراء وانظر قفرَها
ما وراء القبر في قول الثقاتْ
حالة تحمد يومًا سرَّها
لستَ بالراضي حياةً كالحياةْ
لا ولا ترضى حياةً غيرَها

•••

يعبد الأقوامُ ما يخشونَهُ
وأنا أعبد ما لستُ أخافْ
ليس يَنسى اللهُ من ينسونَهُ
فعلامَ البحثُ فيه والخلافْ؟!
إنْ وصلتُمْ أو وقفتُمْ دونَهُ
لم يقف دون مقامٍ أو مطافْ

•••

شرعك الحسن فما لا يحسنُ
فهو لا يحلو، وإن حلَّ الحرامْ
ليس في الحقِّ أثامٌ بيِّنُ
غير مسخِ الحُسْن أو نقص التمامْ
ما عدا هذين مما يمكنُ
فاستبحه، وعلى الدنيا السلامْ

الحظان

قسِّم حياتَك بين حُسْن بارعٍ
يُذْكِي الحياةَ، وحكمةٍ تُنْمِيها
ما في سوى الحظَّيْنِ من أمنيةٍ
للمرءِ يَنشُدها ويستبقِيها

إنذار الغضب إلى الحق المحتجب

يا حقُّ لا تبرحْ خباءَكْ
أتعبتنا سعيًا وراءَكْ
فيمَ الإباءُ؟ ولم نكن
يا حقُّ إلا أصدقاءَكْ
فالزم مكانَكَ في الثرى
إن شئتَ، أو فالزم سماءَكْ
ما الروضة الغنَّاء ذا
بلة إذا حُرِمت ضياءَكْ
والناس لا يجفوننا
يومًا، إذا علموا جفاءَكْ
والحسن عند المبطليـ
ـن، وعند من يهوى عداءَكْ
ما فاز من يرجو رِجا
لَكَ في الحياة ولا نِساءَكْ
أنا إن سلوتُكَ لم أكد
أشتاق ما يغني غناءَكْ
يا حقُّ هذا حدُّنا
فاختر ظهورَك أو خفاءَكْ
إن جئتنا طوعًا فجئ
أو لا فلا تبرح خباءَكْ!

رعونة الحياة

فِيمَ اقتحامُ جنين واهن عطلٍ
أرضًا أبوه بها حيرانُ مهمومُ
هي الرعونةُ في طبعِ الحياةِ ثوَتْ
وإنما حكمةُ الأقوامِ تعليمُ

حكمة جهل الأطفال!

تجمَّع في إهاب الطفـ
ـل كلُّ غرارة الدنيَا
ليطرق بابها طوعًا
ويدرج فوقها حيَّا
أيترُكُ بَطْنَ والدةٍ
لو انَّ لمثله رأيَا
لأمر ما دخلناها
ولا عزمًا ولا وعيَا

كلنا شجعان

ما شجاعٌ وجبانُ؟
نحن شجعان جميعَا!
كل مولود تراه
داهم الحِصْنَ المنيعَا
أَوَلَمْ يطرق جنينًا
عسكرَ الكونِ الوسيعَا؟
جاءه فردًا ولم ير
جع كما جاءَ سريعَا

حكمة التوائم

حكيم ذلك التوأَمْ
ومن آبائه أحزَمْ
تهيَّب أرضَهم فردًا
فجاء بصاحب مُلزَمْ!
ولو جاء بجيش كا
نَ في تدبيره أحكَمْ!

حب الدنيا، معجزة خارقة

هل هذه الدنيا جميلة والأوامر الإلهية هي التي تنهانا أن نسعد بجمالها ونفرغ لمحبتها؟ أو هي دميمة والقدرة الإلهية هي التي تحببها إلينا وترغبنا فيها؟

الجواب في القصيدة التالية أنه لا قدرة — دون قدرة المعجزات والخوارق — تستطيع أن تحبب هذه الدنيا إلى الناس، على ما بها من الآفات والأرجاس!

قالوا الدنيا الحسناءُ سها
عنها ربٌّ لا يقبلُهَا
بل قالوا: يحجبها عنَّا،
أو ينهاها، أو يعقلُهَا
ونرى الشيطانَ يزيِّنها
ونرى الشيطانَ يدللُهَا
يا قوم أَلَا عينٌ نظرَتْ
هذي الشوهاء تمثِّلُهَا؟
ما يقدر إلا رب الكو
نِ يحببها ويُجَمِّلُهَا
لولاه قتلنا أنفسَنا
أو لم نعذل من يقتلُهَا
أفهذي دنيا نعشقها
لولا رضوان يكفلُهَا؟
من شكَّ فهذي قُدرتُهُ
فليعرفها من يجهلُهَا!

الحياة والتفكير

ما لي أفكِّر في الحياة ولا أرى
شيئًا يقرُّ بها على التفكيرِ؟!
إنِّي مضيت بها انقطعتُ كأنني
شجر على الدنيا بغير جذورِ

خذ من الحياة

الموت طرَّاق على الْـ
أَبواب، عافٍ١ كالعفاةْ
الموت أخَّاذ فخُذْ
ما تستطيع من الحياةْ

أم شحيحة

لكل شيء ثمنٌ
قد زعموا من الألَمْ
يا شحَّ دنيا لم تجُدْ
إلا تولَّاها الندَمْ
لا تُرضِع الأبناءَ إلَّا
بدواةٍ وقلَمْ
وبالربا مُضَاعفًا
غُولِط في كلِّ رقَمْ!

على بحر الحياة

أَمِنْ نظرةِ الآبادِ والمَثَلِ الأعلى
إلى اليومِ بعدَ اليومِ والنظرةِ العُجْلَى؟
لقد كانتِ الأجيالُ عندي قريبةً
فقد عادتِ الساعاتُ تُوسِعُني ثقلَا
نظرتُ إلى عليا الحياةِ أَرُودها
فألفيتُها صفرًا، ولم أحمدِ السُّفلَى
فآليتُ أقضِيها كمن راح طافيًا
على اليمِّ، لم يضرب يدًا فيه أو رِجلَا
فإن شئتَ قُلْ هذا غريقٌ وإن تَشَأْ
فقل سابِحٌ لم يُدرَ أَقْبَلَ أَمْ وَلَّى

نقمة في نعمة

نِعمةُ الإحساسِ ما بَرِحَتْ
نعمة في طيِّها نِقَمُ
لا يُحِسُّ الفَقْدَ فاقِدُها
ونَصِيب الواجِدِ الألَمُ

بنية قوية

تعاقبَ السُّوس والجراد وما
بادَ ربيعٌ ولا انطوى شجَرُ
فلا تخَفْ آفةً ولا غِيَرًا
يُمنَى بها في الضمائرِ البشَرُ
دُنياك هذي قويَّةٌ صمدَتْ
لكلِّ شرٍّ جرى به القدَرُ

ما فوق الحياة

يا طالبًا فوق الحياةِ مدًى له
يعلو عليها هل بلغتَ مداها؟
ما في خيالك صورة تشتاقها
إلا وحَوْلَكَ لو نظرتَ تراها
ولو استويتَ على الخلودِ وجدتَهَا
كفؤًا لعينك لا تروم سواها

سر أبي الهول

أَكرهُونا على هواكَ وقالوا
أنتَ يا عالم الشَّقاءِ حبيبُ
إن يكُنْ فيكَ يا أبا الهَوْلِ سِرٌّ
فهو هذا الهوى الخفيُّ العجيبُ
من دعانا إلى هواكَ؟ أَجِبْني
نحنُ أم أنتَ أم سميعٌ مُجِيبُ؟

زَمِيلان في البيت، عدُوَّان في الطريق

لا حينَ كانوا مؤمنين تقيَّدوا
بهُدًى، ولا حين استرابُوا في الهُدَى
الطبع والإيمان إن سكنا معًا
ركبا الطريق هنيهة فتفرَّدَا

على الشاطئ

وَرَدُوا البحرَ فأهلًا
بِهِمُ — يا بحرُ — أَهلا
أنت لا تحفل منهُمْ
من وَلَى أو من تولَّى

•••

نزلوا شطَّك غِيدًا
وشبابًا ومشِيبا
طلبوا في الماء بردًا
فذكا الماءُ لَهِيبا

•••

وَرَدُوا البحرَ عِطاشًا
رشفوه غرفُوهُ!
لو يكونُ البحرُ بحرًا
من سُرورٍ نزفُوهُ
المساكينُ يريدو
نَ من الدنيا اتِّساعا
اخدعوها، فهي لا تو
سِعُكم إلا خِداعا

•••

وإذا لاحَتْ بوجهٍ
يملأ الأبصار رُعبا
فاضحكوا منها وقولوا
ما أُحَيْلى! ما أحبا!

•••

وإذا مدت إليكم
بِيَدٍ فيها الحِمَامْ
فَخُذوا الموتَ وقولوا
هو خُلْدٌ وسَلامْ!

نصف رغيف

عجبي للحياة أَشْرفُ ما تحْـ
ـوِيه وَقفٌ على الحقيرِ الطفيفِ
صفحاتُ السَّماءِ والأرضِ طُرًّا
والمعاني من تالِدٍ وطرِيفِ
والوجوهُ التي تَشُوقُكَ حُسنًا
تنطوي إن فقدتَ نصفَ رغيفِ

لا ضيف في الخان

إيهِ يا دنيا! لو اسْطَعْتِ سماعِي
قد نزلنا منك في غير اتِّساعِ
أكرمينا حيثما تدعيننا!
أَوْ دَعِينا من لقاءٍ ووداعِ
قالت الدنيا: ولَمْ أُكرِمْكُمُ؟!
كلنا في الحق مدعُوٌّ وداعِ
حبَّذا الخان! فلا ضيف هنا
إنما تُجزَى متاعًا بمتاعِ

في جانب الهرم

دعا به هاتِفٌ من جانبِ الهرَمِ
بين الظُّلامَيْنِ من ليلٍ ومن قِدَمِ
تملَّ ما شئتَ من سُخْفٍ ومن عِظَمٍ!
هنا الْتَقَى السُّخْفُ في التاريخِ بالعِظَمِ
ما خلَّد الدَّهرُ شيئًا قط نعلمُهُ
إلَّا وفيهِ من الأنوارِ والظُلَمِ

طفل على البحر

عَدَا على البحرِ جذلانًا فقلتُ له:
هل قصر البحر أو أربى على الأمَلِ
فقال في لثغةِ الطفلِ البريء وفي
صراحة الطِّفل قولًا بيِّن الخطَلِ
يا حبَّذا البحرُ في عُمْقٍ وفي سعةٍ
لو كان من سُكَّرٍ أو كان من عسَلِ!
كذلك الناس في بحرِ الحياةِ لهم
سُخْفٌ من القولِ في صدقٍ من العمَلِ
لا تُلْقِ بالًا إلى ما ينطقون به
وانظر إلى ما تولاهم من الجذَلِ٢

ذات وجوه

وُجُوه حياتنا متعدداتٌ
ودَعْ عنكَ البراقعَ والطلاءَ
فإن تحمَدْ وسامتَهَا صباحًا
فقد تنعى دمامتَهَا مساءَ

قبرة شلي

للشاعر الإنجليزي «شلي» قصيدة ساحرة يناجي بها القبرة الشادية، وللشاعر الإنجليزي «توماس هاردي» قصيدة حزينة يود فيها أن يستنقذ من ركام الأرض أشلاء تلك القبرة الهزيلة التي هاجت خيال «شلي» الفياض.

وقد نظمتُ الأبيات التالية عقب تلاوة هذه القصيدة الأخيرة:

فِيمَ افتقادك جِسمَ قُبَّرةٍ ثَوَى
في الأرضِ بين رمائم وحفائِرِ؟
الأنَّ صوت الشعر خلَّد صَوْتَها
تبغِي الخُلُودَ لجسمِها المتطايِرِ؟!
خُذْ ما بدا لكَ من ثَرَى الدُّنيا تُصِبْ
فيه رُفاتًا هاجَ مُهجةَ شاعِرِ

ضلال الخلود

كان في الأرض قبل عشرين ألفًا
من سِنِي الأرض، شاعرٌ عبقرِيُّ
كان، لا شك فيه عندي ولا ميـْ
ـنٌ، وإن شك جاحد وغبِيُّ
نظم الشِّعرَ في الحسان وحيَّى
قِبلةَ الشمس وهو داعٍ شجِيُّ
ليتَ لي مِن قصيدةٍ بيتَ شعرٍ
في ثنايا البلاد يرويه حيُّ
ليت لي من قصيدة فرد بيت
صح أم لم يصح من الرويُّ
أشتري بيته بديوان شعبيـ
ـن فأين المساومُ الصيرفيُّ
ضلة للخلود نأسى عليه،
أخلد الخالدين فيها دعيُّ!

النور

إذا كان النور مما يُحَس بالعين فليس يلزم من ذلك أن العين هي الوسيلة الفريدة بيننا وبين النور؛ إذ نحن نحسه بأرواحنا وبكل ملكة روحانية فينا، فنشعر أنه والحياة من معدن واحد في عنصرها المحسوس وعنصرها المجرد على السواء … وإلى أين ينتهي بنا تحليل النور على أيدي علماء الطبيعة فضلًا عن الفلاسفة والمتصوفة؟ ينتهي بنا إلى أنه «معنى» يشبه المعاني المجردة في الكنه والقياس، ولو أمكن تحليل الفكر على هذا النمط لالتقى بعنصر النور التقاء القريب بالقريب، وهذا شعور شعرنا به من قديم في الدواوين الأولى قبل أن يصل العلماء إلى تحليل النور على النمط الحديث، وقد عدنا إليه في هذه الأبيات:

النُّور سِرُّ الحياةْ
النُّور سِرُّ النجاةْ
النور وَحْيُ النُّهى
النور وحي الصلاةْ
النور شوقُ الفتى
النور شوقُ الفتاةْ
المحْهُ بالرُّوحِ لا
لمحَ العُيونِ الخواةْ
ما تبصر العين من
معناه إلا أداةْ
هذا سبيل الهُدَى
لا ما افتراه الهُدَاةْ

الشمس

أرى الشمسَ روحانيةً في جمالِهَا
وإلا فما بالُ النفوسِ بها تسمُو؟!
إذا فاض منها النورُ هزَّتْ قلوبَنا
سعادةُ رُوحٍ ليس يعرفها الجِسْمُ
ولو أنها من لذة الحس عفتها
كما قد يعاف اللمح والسمع والشَّمُّ
كرهتُ من الدهرِ الكثيرَ ولم يزل
بقلبيَ من شمسِ النَّهارِ هوًى جمُّ
تُرى كلَّ يوم وهي عندي كأنَّها
غريب عرا، لم يُدرَ وَصْفٌ له واسْمُ
عجبتُ لأرضٍ تخطر الشمسُ فوقَها
وتُشرِق فيها، كيف يطرُقُها الغمُّ!

إلى غاندي حين أعلن الصيام

أتيتَ إلى الدُّنيا العريضةَ عاريًا
وتقضي بها جوعًا، وما عزَّ مأكَلُ!
تركتَ لهم حتى الطعام فقل لنا
على أي شيء بعد موتك تقبلُ؟!
إذا البؤس والحرمان كانا شفاعةً
لعالَمِكَ الأعلى، فما هو أفضَلُ
إذا كان ما ندعوه بؤسى غنيمةً
لِمن يطلب النُّعمى فبئس المعوَّلُ

الوجه الفيلسوف

أرى لك أنتَ فلسفةً صُراحا
بلمح العين أقرأها جميعا
أَذُمُّ العَيْشَ في ألفَيْ كتابٍ
وتعرض لي فأمدحه سريعا
إذا ما الفيلسوف أطالَ سخطي
على لؤمِ الحياةِ فكن شفيعا
غُنِيتَ عن الأدلة والأحاجي
ومن حاجاك٣ لم يكُ مستطيعا
١  العافي طالب الفضل أو الرزق.
٢  إن جذل الطفل على شاطئ البحر لم يمنعه أن يتمنى فيه الأماني لتغييره، فانظر إلى جذله ولا تنظر إلى أمانيه، وكذلك الناس على بحر الحياة حين يستمتعون بجذلها ويكثرون من التمني لما ليس يكون والأسف على ما كان.
٣  حاجاه: غالبه في الحجى أي العقل، أو ألقى عليه الأحاجي والألغاز.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤