خواطر في شئون الناس

القدر يشكو

صغيرٌ يطلب الكبرا
وشيخٌ وَدَّ لو صغرا
وخالٍ يشتهي عملًا
وذو عملٍ به ضجَرا
وربُّ المالِ في تعَبٍ،
وفي تعَبٍ من افتقَرا
ويشقى المرءُ منهزمًا
ولا يرتاح منتصِرا
ولا يرضى بلا عقب
فإن يعقب، فلا وزرا١
ويبغي المجد في لهف
فإن يظفر به فترا
ويخمد إن سلا، فإذا
توله قلبه زفرا
فهل حاروا مع الأقدا
ر أو هم حيروا القدرا!
شكاة ما لهم حكم
سوى الخصمين، إن حضرا

الحمد المعكوس

يا رُبَّ حَمْدٍ لم ينله الذي
قد ناله إلا لهجوي أنا
ورُبَّ هجوٍ طافَ بي لم يكُنْ
يطوفُ بي لو لم أكُنْ مُحسِنا

عدل الموازين

إنا نريد إذا ما الظلمُ حاق بنا
عدلَ الأناسيِّ لا عدلَ الموازينِ
عدلُ الموازينِ ظُلْمٌ حين تنصبُها
على المساواةِ بين الحُرِّ والدُّونِ
ما فرَّقتْ كفَّةُ الميزانِ أو عدَّلَتْ
بين الحُلِيِّ وأحجارِ الطواحينِ

الخبز والفقير

أحسب الخُبْزَ لو دَرَى لتأبَّى
في يدِ الجائعِ الفقير إليْهِ
إنما تُسلَسُ الطِّلاب جميعًا
لامرئٍ هانت الطِّلابُ عليْهِ

عداة مريحون

نَعَمِ العُداةُ تكفَّلوا بمدائحي
لما استحقُّوا الذمَّ والتعذيرا
وتكفَّلوا بالثَّأرِ منهم كُلَّما
ملأُوا صدورَهُمُ لظى وسعيرا
حملوا المتاعبَ واسترحتُ فلم يزل
سعي العداة موفَّقًا مشكورا

عم صباحًا، عم مساء

عِمْ صباحًا عِمْ مساءَ
ذهبَ العُمْرُ هباءَ!
أَقْبَلَ الصبح وولَّى
ومضى اللَّيْلُ وجاءَ
وأخذنا ورددنا
فحكى الأخذُ العطاءَ
ولقينا أصدقاءً
وفقدنا أصدقاءَ
فشقينا بولاءٍ
وتملينا عداءَ!
وعشقنا وتركنا
حبَّ من سَرَّ وساءَ
من عشقناه ومن لم
نره قط سواءَ
وعرفنا الحق أحيا
نًا فلم نعرف هناءَ
وجهلنا الحق أحيا
نًا فلم نجهل شقاءَ
وقتلنا الجسم والرُّو
ح سقامًا وشفاءَ
ثم نمضي حيثما نمـ
ـضي سراعًا أو بطاءَ
لم نزد في الأرض مملو
ءًا ولم ننقص فضاءَ
عِمْ صباحًا يا زماني!
يا زماني عِمْ مساءَ!

شطور

دليل على أن الكمال محرَّمٌ
إناثٌ خُلِقْن بينها وذُكُورُ
فما المرء في جسمٍ ورُوحٍ بكامل
ولكنَّ كُلَّ العالمين شُطُورُ

سوء الظن

من ساء بالناس ظنًّا دون ما ألمِ
أحق عندي بسوء الظن والتُّهَمِ
أسئ ظنونك لكن مكرهًا أبدًا
كمن يظن ببعض الآل والحرَمِ

البرهان المحسوس

تعب الفلاسفةُ الكرامُ ليَهدموا
حُجَجَ الشُّرور ويدعموا البُرهانا
وأرى الدمامةَ في وُجُوه جُناتها
عصفت بفلسفةِ الشُّرور عيانا

الآمال

كانتِ الآمالُ تحملني
فأراني اليومَ أحملُهَا
إن أحلامًا تعلِّلني
غير أحلامٍ أعلِّلُهَا

سِرْ في طريقك

سِرْ في طريقكَ بينَ اللائمين ولا
تحفَلْ بمن جدَّ في لومٍ ومن لَعِبا
فالنَّاس يرضَوْنَ عمَّن ليس يحفلُهُمْ
ويغضبون على من يحفَلُ الغضَبا

اعرف ما ترميه، تعرف ما تجنيه

تعلم كيف تستغني
إذا ما شئتَ أن تغنَى
فمن يجهل ما يُلقى
فقد يجهل ما يُجنَى

إنصاف الظالم

أنصفت مظلومًا فأنصف ظالمًا
في ذلَّةِ المظلوم عُذر الظالِمِ
من يرضَ عُدوانًا عليه يضيره
شرٌّ من العادي عليه الغانِمِ

عزاء

لا اليأسُ أوَّلَ يأسٍ
ولا الرجاءُ بسرمَدْ
فإن تقضَّى رجاءٌ
فإنه يتجدَّدْ
أو حلَّ يأسٌ فأهلًا
إنَّ الطريقَ مُمَهَّدْ
شُقَّ الطريق قديمًا
فالعودُ أهدى وأحمَدْ!

الخلاصة

ليستْ خلاصةُ كلِّ شيء غنيةً
عنه، وإن كانتْ خلاصة ماهِرِ
فالشَّهْدُ وهو خلاصة الأزهار لا
يُغني العيونَ عن الربيعِ الزَّاهِرِ

تكاليف العظمة

كُنْ عظيمًا ولا تلومنَّ إلا
همَّة كلفتكَ همًّا جسيما
كل راجٍ يلقي عليك مُناه،
فإذا خاب كُنتَ أنت الملُوما
تُنصِف الأُمَّةُ الضعيفَ ولا تُنـ
ـصِفُ يومًا عظيمَها المظلُوما

رب عبوسة خير من بشاشة

إذا ما تبيَّنتَ العبوسةَ في امرئ
فلا تلحَهُ، واسأل سؤال حكيمِ
أجَلْ سلْهُ قبل اللوم فيمَ انقباضه
وفيمَ رمى الدنيا بطرف كظيمِ
لعلَّ طلاب الخير سِرُّ انقباضه
وعلة حزن في الفؤاد مقيمِ
فما تحمد العينان كلَّ بشاشة
ولا كلَّ وجه عابسٍ بذميمِ
قطوبٌ كريمٌ خاب في الناس سعيه
أحب من البشرى بفوز لئيمِ

وصايا معكوسة

من عمل بها فلعيه وزرها.

ومن لم يعمل بها فأجره على الله!

إذا قال الرجل لرسوله: «اذهب إلى السوق فهاتِ عنبًا حامضًا!» فليس معنى ذلك أنه يطلب العنب الحامض وإنما معناه أنه يأباه وينبه إلى اجتنابه، وكذلك هذه الوصايا إنما هي وصايا أسف وتحذير وليست بوصايا رضا وترغيب، والقصد منها أن تصف ما يقع أحيانًا بين الناس، وتنكر أن يشيع:

الضعة والشرف

والِ المدنَّس بالعيوب ولا تكن
يومًا وليًّا للنبيل الطاهرِ
فذوو المعائب لا تناحر بينهم
والنبل فيه سبيل كل تناحرِ
وذوو المعائب آمنون لمن وفى
والنبل ليس بآمن للغادرِ
وذوو المعائب ما لهم من حاصر
والنبل محصور قليل الناصرِ
وذوو المعائب يسترون خلالهم
والنبل ما لهناته من ساترِ
وذوو المعائب عذرهم في نقصهم
والنبل ما لكماله من عاذرِ
وذوو المعائب ينعمون بحظهم
والنبل ما لشقائه من آخرِ
ولرب ربح فات من ذي ذمة
يسعى إليك مع الخئون الخافرِ
رأي السلامة إن أردت فخذ به
أو لا فدعه إن استطعت وخاطرِ

مصائب النخوة

لا تكن موئلًا لآمال قوم
سوف تُمنَى بيأسهم منك بعْدُ
وأخِفْ ما استطعت منهم يَخالوا
أمنَهم من أَذاكَ غنمًا يُعَدُّ
أن في طينة ابن آدم لؤمًا
يستوي في قذاه حر وعَبْدُ

بمن تثق؟!

ثق بالرذيلة تلقَها
في كل حين حاضرَهْ
إن الفضيلة قلما
تلقاك إلا عابرَهْ
حتى الأفاضل عرضة
لهوى الهنات البادرَهْ
ما كل يوم يُرتجَى
عطف النفوس الطاهرَهْ
ومن النوادر أن تُرى
عند التعطف قادرَهْ
من لم يدر في دهره
دارت عليه الدائرَهْ

من تكون؟ ومن لا تكون؟

كن بينهم «بوذا» فإن لم تطق
فكن كتيمور ونيرونا …!
أو عش معافًى بينهم لا ترى
إصلاحهم دنيا ولا دينا
قد ضل من يطلب إصلاحهم
لا غرو أن سموه مجنونا!
يأمنهم من فاتهم طائعًا
أو ساقهم كرهًا مطيعينا
أو راح فيهم طالبًا نفعه
لا عاليًا يأبى ولا دونا
من هان أو هان الورى عنده
أو سامهم في ظلمه الهونا
أولئك الرهط الذي لم يزل
يأمن ما يخشى النبيونا
يا بؤس أرض لا نرى فوقها
إلا طغاة أو مراثينا

الخلاصة الأولى والأخيرة

هما سبيلان من يبغِ السلامة لا
يأسف على الحق أو يحلم برؤياهُ
ومن بغى الحق في الدنيا فلا أسف
على السلامة إن خانته دنياهُ
قد يهجر الأمن من ذلوا ومن وهنوا
وما تفرق قط الهول والجاهُ
فاختر لنفسك: إما المجد في خطر
أو الهوان، وقد تشقى ببلواهُ
وما اختيارك إلا ما خُلِقتَ له
إن الطبائع ما ترضاه نرضاهُ

عداوة الرجال وعداوة الأفكار

قصدوا الرجال ورحت أقصد دونهم
إرضاء آمال لمصر كبارِ
فجنيت أحقاد الرجال وما جنوا
حقدًا من «الآمال» والأفكارِ
ولعلهم إن جاء يوم حسابهم
كسبوا من «الآمال» كل فخارِ
لولا الطبائع ما توسل عاقل
أبدًا بغير وسائل الفجارِ

صراع بين ندين

بعض المجرمين يُوصَفون بقوة العقول؛ لأنهم صرعوا ضمائرهم ومضوا خفافًا في طريق النجاح، ولو كانت ضمائرهم حية قوية لما استطاعوا قهرها ولا وصفهم أحد بكبر العقول، فرُبَّ عقل صغير غلب ضميره؛ لأن ضميره ميت لا يتحرك، ورب عقل كبير عنا لضميره لأن ضميره أكبر … فخير لمن يصف عقلًا بالقوة أن ينظر إلى الندين، وأن يرجع في حكمه إلى أصول الصراع!

صرع الضمير الميت فالتفتوا
يتعجبون لعقله العاتي
ليس الصراع بفن مقدرة
ما بين أحياء وأمواتِ
ولرب عقل للضمير عنا
تعنو العقول له زرافاتِ

صور الرجاء

أمسيت أذكرها ما مضى من صبوتي
والذكر آمال الزمان الغابرِ
قد ييأس الإنسان من غده ولا
تلقاه ييأس من حنين الذاكرِ
ما شئت من صور الرجاء فَلُذْ به
بعض الغد الآتي كأمس الدابرِ

شفاعة العفو

إن الإساءة إن رجعت بها إلى
أصل غرست لها جذورًا في الثرى
من علَّل الأشياء ردَّ دفينَها
حيًّا ويابسها المحطم أخضرا
أولى بمحو الذنب أن يُلْقَى به
كالفرع جف على الثرى فتكسرا
١  الوزر: الملجأ والمعتصم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤