أهل العلم بين مصر وفلسطين

ترجع الصلة العلمية بين فلسطين ومصر إلى القرن الأول الهجري، واستمرت في العصر العباسي، مع أن العباسيين أهملوا فلسطين لأسباب سياسية، ولكنها ازدادت توثقًا في عهد الفاطميين والدولة الأيوبية والمماليك، وفي العهد التركي انتقلت المراكز العلمية إلى الأناضول والروملي، وضعفت مراكز العلم الإسلامية في فلسطين.

غير أن الأزهر ظلَّ الرابطة الكبرى بين البلدين، واشتدت الروابط عند فتح إبراهيم باشا لفلسطين واستيلائه عليها (١٨٣٠–١٨٤٠م) فأصبحت تابعة لمصر، ويندر أن تجد عالمًا أو فقيهًا أو كاتبًا فلسطينيًّا منذ القرن الرابع الهجري لم يدرس في الأزهر أو لم يتتلمذ على أحد علمائه.

وقصدنا من هذه الرسالة أن نذكر باختصار أهل العلم والقضاء الفلسطينيين الذين تعلموا في مصر أو استوطنوها أو توافوا فيها، والعلماء المصريين الذين سكنوا بيت المقدس أو الخليل، أو قدموها، أو درسوا في معاهد فلسطين وكانت لهم بالبلاد صلة علمية ملحوظة.

ولسنا ندَّعي أننا أتينا على ذكر جميع أهل العلم في هذه العصور الطويلة، ولكننا حاولنا إعطاء القارئ صورة واضحة عن رجال العلم ممن حملوا مشعل النور، فبددوا ظلمات الجهل بما كتبوا وألفوا ودرسوا أو تولوا القضاء وكان لهم في البلاد أثر علمي. ولم نذكر رجال العلم الفلسطينيين الذين درسوا في دمشق أو بغداد أو الآستانة، إذ لا علاقة لهؤلاء ببحثنا هذا، وسنفرد لهؤلاء بحثًا خاصًّا.

ويرى القارئ أن كثيرين منهم ألفوا الكتب والرسائل في الحديث والفقه والأصول، وكتب بعضهم في اللغة والرياضيات والتاريخ والرحلات، والبعض الآخر لم يقتصر نشاطه على مجال العلم والفتاوى، بل تعدَّاه إلى العمران والإنشاء، ونشير بالأخص إلى شيخ الإسلام خير الدين الرملي (جد عائلة الخيري) بالرملة، فقد زرع ألوف الأشجار وغرس الكروم، ولا يزال المسافر بين الرملة ويافا يشاهد تلك البساتين الغنَّاء.

واشتهر بعضهم بالتصوف وألفوا فيه وبلغوا المرتبة العليا، وكان له مريدون في سائر الجهات، ولا تزال مقاماتهم يشار إليها في المقابر العامة أو في المدن والقرى، وكان لبعضهم ميل لقرض الشعر، ولفئة منهم دواوين ما يزال أكثرها مخطوطًا.

وقد كان مصدرنا الرئيسي الأنس الجليل الذي ألفه مجير الدين الحنبلي المقدسي (٩٠١ﻫ)، واعتمدنا كذلك على شذرات الذهب للعماد الحنبلي، والمحبي، والمرادي للقرنين الحادي عشر والثاني عشر، وعلى مخطوط نفيس عن أعيان القرن الثاني عشر لحسن بن عبد اللطيف الحسيني وغير ذلك.

ويُرى من هذا كله أن الصلة العلمية بين مصر وفلسطين لم تنقطع منذ القرن الأول الهجري حتى يومنا هذا.

هذا أبو شعيب القرشي العدوي الصحابي فإنه من أهل فلسطين، وكان أميرًا على مصر ليزيد بن معاوية، وقد روى عنه أهل مصر. الإصابة (٣ / ١٠٣).

والليث بن سعد عبد الرحمن الفهمي مولاهم، عالم أهل مصر، كان نظير مالك في العلم، قيل: إن دخله كان في كل سنة ثمانين ألف دينار، فما وجبت عليه زكاة! وفي رواية: لا ينقضي عليه عام إلا وعليه دَين من كثرة جوده وبره. وقدم بيت المقدس. قال الليث: لما ودَّعت أبا جعفر المنصور — يعني الخليفة — ببيت المقدس قال: «أعجبني ما رأيت من شدة عقلك، فالحمد لله الذي جعل في رعيتي مثلك». ويقال: إنه كان حنفي المذهب، وإنه ولي القضاء بمصر. وُلِدَ سنة ٩٢ﻫ، وتُوفي سنة ١٧٥ﻫ، ودُفِنَ بالقرافة الصغرى، وقبره أحد المزارات، وترجمه الشافعي وكان يأتي إلى قبره كل عشية جمعة ويستمر حتى يقرأ على قبره ختمًا كاملًا، ولأهل مصر اعتقاد عظيم به. الأنس الجليل (١ / ٢٥٩).

ومن مفاخر فلسطين الإمام الأعظم والحبر الأكرم محمد بن إدريس الشافعي المطلبي، أحد الأئمة المجتهدين الأعلام وإمام أهل السُّنَّة ركن الإسلام. وُلِدَ بغزة على الأصح سنة (١٥٠ﻫ)، وهي التي توفي فيها الإمام الأعظم أبو حنيفة. خرَّج كتاب الأم وكتاب السنن وأشياء كثيرة كلها في أربع سنين، قدم بيت المقدس وصلَّى فيه. توفي بمصر سنة ٢٠٤ﻫ ودفن بالقرافة الصغرى. الأنس الجليل (١ / ٢٦٠).

وهذا ذو النون المصري، أبو الفيض ثوبان بن إبراهبم الصالح المشهور، أحد رجال الطريقة، قدم بيت المقدس وقال: «وجدت على صخرة بيت المقدس: كل عاصٍ مستوحش، وكل مطيعٍ مستأنس، وكل خائفٍ هارب، وكل راجٍ طالب، وكل قانعٍ غني، وكل محبٍّ ذليل» قال: فرأيت هذه الكلمات أصول ما استعبد الله به الخلق. توفي سنة (٢٤٥ﻫ).

وقد جاء في الوفيات أنه كان أوحد وقته علمًا وورعًا وحالًا وأدبًا، سعوا به إلى المتوكل العباسي فاستحضره من مصر، فلما دخل عليه وعظه فبكى المتوكل وردَّه مكرمًا. دفن بمصر بالقرافة الصغرى. ابن خلِّكَان (١ / ١٠١).

واستولى الفاطميون (٣٥٨ﻫ)١ على الديار المصرية وما لبثوا أن امتد ملكهم لفلسطين والديار الشامية، وكان من مآثرهم في القدس خاصةً دار العلم التي أسسها الحاكم بأمر الله، وبيمارستان لم نعثر على بانيه، ولكن ناصر خسرو الرحَّالة الإيراني أشار إليه في رحلته (٤٣٧ﻫ).

واستولى العباسيون في أثناء ذلك على بيت المقدس من (٤٦٥ﻫ) إلى (٤٨٩ﻫ)، ثم استعادها الفاطميون، وما لبثت أن سقطت بأيدي الصليبيين (٤٩٢ﻫ).

ومن الذين كان لهم شأن في القرن الخامس أبو محمد الحسن بن علي عبد الرحمن اليازوري الفلسطيني، كان قاضي القُضاة وداعي الدُّعاة في خلافة الإمام المستنصر بالله الفاطمي، كان أبوه من أهل يازور قرية من عمل الرملة، وكان من ذوي اليسار، وانتقل إلى الرملة وولي الحكم فيها بعد والده، وتعلَّق بخدمة السيدة والدة الخليفة المستنصر بالله. تولَّى الوزارة (٤٤٢ﻫ) ولقب بالناصر لدين الله غياث المسلمين. قُتِل (٤٥٠ﻫ). انظر ترجمته وحوادثه في القيروان، ونشر الدعوة الفاطمية في بغداد (الإشارة إلى مَنْ نال الوزارة، لابن منجب الصيرفي ص٧٣).

ومنهم أبو القاسم الرميلي الذي وُلِدَ (٤٣٢ﻫ)، فقد كانت تأتي إليه الفتاوى من مصر والشام وغيرهما. شرع في كتابة تاريخ بيت المقدس وفضائله وجمع منه أشياء كثيرة، ولما أخذ الإفرنج بيت المقدس (٤٩٢م) أخذوه أسيرًا، وقتل على باب أنطاكية. الأنس الجليل (٢٦٤، ج١).

ومنهم أبو الفتح سلطان بن إبراهيم بن المسلم المقدسي الفقيه الشافعي صاحب الذخائر. وُلِدَ بالقدس (٤٤٢ﻫ)، وتفقَّه على الفقيه نصر المقدسي (أستاذ الغزالي) حتى برع في المذهب ودخل مصر بعد (٤٧٠ﻫ)، وكان من الفقهاء في مصر وقرأ عليه أكثرهم. روى عنه السلفي وغيره. وصنَّف كتابًا في أحكام التقاء الختانين. تُوفي ٥١٨ﻫ، وقيل: ٥٣٨ﻫ.

وفي (٥٦٧ﻫ) أُقيمت الخطبة العباسية في مصر وقطعت خطبة العاضد لدين الله الفاطمي، وانقرضت الدولة العلوية الفاطمية، وأسس السلطان صلاح الدين المدرسة الصلاحية في القدس ٥٨٣ﻫ، وقد كانت كُبرى المدارس في القدس، وكان لها شأن عظيم في نشر العلوم الدينية (الفقه الشافعي خاصة) واللغة العربية والعلوم الرياضية، كما أنشأ البيمارستان الصلاحي والخانقاه الصلاحية في القدس، وأسس في مصر المدرسة الناصرية في القاهرة. المقريزي السلوك (١ / ٦٣).

ومارستانًا وخانقاه للصوفية، كما أنشأ في الإسكندرية مارستانًا ودارًا للمغاربة، ومدرسة على ضريح المعظم تُوران شاه، وذلك ٥٧٧ﻫ. السلوك (١ / ٧٦).

وكان أجل علماء القدس وفلسطين ومصر يتولون إدارة المدرسة الصلاحية، وظل الحال كذلك حتى أواخر دولة المماليك.

ومن أهم العلماء في العهد الصلاحي القاضي الفاضل مؤسس المدرسة الفاضلية بالقاهرة، وهو عبد الرحيم بن علي بن الحسن العسقلاني البيساني المصري، وذلك (٥٨٨ﻫ).

ومنهم القاضي ضياء الدين الهكاري أحد الأمراء بالدولة الصلاحية، اتصل بالأمير أسد الدين شيركوه — عم صلاح الدين — وصار إمامه، ولما توجَّه إلى مصر ولي الوزارة. أسره الإفرنج فافتدي بستين ألف دينار. تُوفي ٥٨٥ﻫ ودفن بماملا.

ومن الذين اشتهروا في القرن السادس: الزاهد الولي أبو عبد الله القرشي المغربي من الجزيرة الخضراء. قدم مصر وانتفع به الناس، ثم قدم القدس فذاع صيته وعم نفعه، وتُوفي (٥٩٩ﻫ)، ودُفِنَ بماملا، وكان أهل مصر يحكون عنه أشياء خارقة.٢

وممن اشتهر في القرن السابع شمس الدين بن مميل. حدَّث بمصر والقدس. توفي (٦٣٥ﻫ).

ومنهم شهاب الدين أبو العباس الخوبي الشافعي، تولى قضاء القدس وحلب ومصر، وصنَّف كتابًا في العلم في مجلد كبير يشتمل على عشرين فنًّا، وشرح الفصول لابن معطي، ونظم علوم الحديث لابن الصلاح، والفصيح لثعلب، وكفاية المتحفظ، وشرح من أول الملخص للقابسي. تُوفي ٦٩٣ﻫ بدمشق.

ومنهم الإمام جمال الدين أبو عبد الله محمد بن سليمان البلخي المقدسي المعروف بابن النقيب، وُلِدَ ٦٢١ﻫ بالقدس واشتغل بالقاهرة، وأقام مدة بالجامع الأزهر واستوطنه ومات به، وكان متفوقًا في التفسير، وله مصنف حافل كبير فيه خمسون مصنفًا من التفاسير بلغ تسعة وتسعين مجلدًا. توفي سنة ٦٩٨ﻫ.

ومما يجدر ذكره في هذه المناسبة أن القضاة في القدس والخليل والرملة ونابلس كان يوليهم قاضي دمشق، ولم يزل الأمر على ذلك إلى بعد الثمانمائة، ثم صار الأمر من الديار المصرية، ولم يكن في القدس قبل ذلك سوى قاضٍ شافعي فقط، وأول ما تجدد منصب قضاء الحنفية في ٧٨٤ﻫ، ثم تجدد منصب المالكية ٨٠٢ﻫ، ثم تجدد منصب الحنابلة ٨٠٤ﻫ.

ثم جاء القرن الثامن فاشتهر فيه كل من العلَّامة نجم الدين الطوخي الصرصري الحنبلي الذي لقي بالشام ابن تيميَّة، وسافر إلى القاهرة وولي الإعادة بالمدرستين الناصرية والمنصورية بها، وله تصانيف منها: بغية السائل في أمهات المسائل في أصول الدين، ومختصر الروضة في أصول الفقه، وشرحه في ثلاث مجلدات، ومختصر الحاصل في أصول الفقه، والقواعد الكبرى والصغرى، والأكسير في قواعد التفسير، والرياض النواضر في الأشباه والنظائر، وبغية الواصل إلى معرفة الفواصل، ومصنف في الجدل … إلخ.

والرحيق المسلسل في الأدب المسلسل، وتحفة أصل الأدب في معرفة لسان العرب، وشرح مقامات الحريري، وموائد الحسين في شعر امرئ القيس … إلخ.

وسافر إلى الصعيد ويقال: إن له بِقوص خزانةَ كتبٍ من تصانيفه، وأقام بها مدةً ثم نزل الخليل وتُوفي بها ٧١٠ﻫ.

ومنهم الشيخ العابد الزاهد جلال الدين العقيلي المعروف بابن القلانسي، بنى له الأمراء بمصر زاوية وترددوا عليه، ثم انتقل إلى القدس وتُوفي بها ٧٢٢ﻫ، ودُفِنَ بماملا.

ومنهم الشيخ الصالح أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المصري. تُوفي ٧٢٣ﻫ ودفن بماملا بالقدس.

ومنهم شهاب الدين بن جبارة المقدسي النحوي الحنبلي. ارتحل إلى مصر وقرأ بها القراءات والأصول العربية، واستوطن القدس، وله تصانيف منها: شرح الشاطبية، والرائية، وألفية ابن معطي، وصنَّف تفسيرًا وأشياء في القراءات. توفي بالقدس ٧٢٨ﻫ.

ومنهم القاضي بدر الدين أبو عبد الله الكتاني الحموي الذي تولى قضاء القدس، ثم نقل إلى قضاء الديار المصرية ومشيخة الشيوخ، ثم قضاء دمشق ثم مصر، وله مصنفات كثيرة منها: التبيان لمبهمات القرآن، وغرر التبيان، والفوائد اللائحة في سورة الفاتحة، والمنهل الروي في علوم الحديث النبوي، والفوائد الغزيرة في أحاديث بريرة، وتنقيح المناظرة في تصحيح المخابرة، وتحرير الأحكام في تدبير جيش الإسلام، ومستند الأجناد في آلات الجهاد، والطاعة في فضيلة صلاة الجماعة، وحجة السلوك في مهاداة الملوك، وكشف الغُمَّة في أحكام أهل الذمة. توفي ٧٣٣ﻫ ودفن قريبًا من الشافعي.

وممن اشتهر في القرن الثامن زين الدين أبو محمد البلبيسي. ولي قضاء الخليل وبيت جبرين، ونظر الأوقاف والمساجد. كان العهد به ٧٥٩ﻫ.

ومن مفاخر بيت المقدس الذين دفنوا بمصر الشيخ المحدث أبو محمود أحمد بن محمد هلال المقدسي، مدرس المدرسة التنكزية بالقدس ومؤلف كتاب مثير الغرام بفضائل القدس والشام أو إلى زيارة القدس والشام. صار رحلة. تُوفي أبو محمود بمصر ٧٦٥ﻫ.

ومنهم العلَّامة عماد الدين أبو الفدا إسماعيل بن جماعة الكناني الشافعي، خطيب المسجد الأقصى. ناب في القضاء بمصر، وكان يدرس في الصلاحية. توفي ٧٧٦ﻫ.

ومن المصريين الذين اشتهروا شيخ الإسلام تقي الدين أبو الفدا إسماعيل القرقشندي المصري الشافعي. قدم القدس ونزل بها. نشر العلم بالقدس وأعاد بالمدرسة الصالحية، توفي ٧٧٨ﻫ ودفن بماملا. وهو أول من استوطن القدس من بني القرقشندي، وله ذرية معروفون اشتهروا في القرنين الثامن والتاسع، وإليه تنسب المدرسة القرقشندية.

ومن المقادسة شمس الدين أبو العباس المقدسي قاضي القدس. ولي تدريس المدرسة الطازية، وناب في الحكم في القاهرة. توفي ٧٨٢ﻫ.

واشتهر منهم قاضي القضاة برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن جماعة الكناني المقدسي قاضي مصر والشام. وُلِدَ بمصر ٧٢٥ﻫ، وأصبح خطيب المسجد الأقصى، وانقطع بالقدس ودرس بالصلاحية، ثم باشر قضاء الديار المصرية، وهو الذي عمَّر المنبر الرخام بالصخرة الشريفة الذي يخطب عليه للعيد، وكان قبل ذلك من خشب يحمل على عجل. تُوفي ٧٩٠ﻫ.

ومنهم نجم الدين أبو عبد الله الكناني المقدسي. وُلِدَ بحماة ٧٢٥ﻫ، ودرس في الصلاحية بالقدس، وتُوفي بالقاهرة ٧٩٥ﻫ.

ومنهم القاضي عماد الدين أبو عيسى أحمد العامري الأزرقي الكركي. وُلِدَ بالكرك ٧٤١ﻫ، ومات سنة ٧٩٩ﻫ. رحل إلى الشام والقاهرة في طلب الحديث. ولَّاه الظاهر برقوق القضاء في الديار المصرية، وتولى تدريس الصلاحية بالقدس ومات بها.

ومن الذين تولوا القضاء بمصر والقدس في القرن التاسع موفق الدين أبو سعيد علي الكلشهري الحنفي، قاضي العسكر بمصر. ولي القدس ومات بها ٨٠٢ﻫ.

ومن المصريين الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن الناصح المصري الصالح المحدث. اشتهر بالصلاح. توفي بالقدس ٨٠٤ﻫ.

ولعل من أشهر العلماء المصريين شيخ الإسلام شهاب الدين أبو العباس أحمد المصري المقدسي، المشهور بابن الهائم. ولد ٧٥٣ﻫ واشتغل بالقاهرة ومهر بالفرائض والحساب، واستنابه القمني عنه في تدريس المدرسة الصلاحية، وصار من شيوخه المقادسة. ولابن الهائم الرياضي تصانيف في الفرائض والحساب، وله العُجَالة في استحقاق الفقهاء أيام البطالة. توفي ٨١٥ﻫ ودفن بمأمن الله.

ومن المقادسة قاضي القضاة شيخ الإسلام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن جمال الدين الديري الخالدي العبسي الحنفي، والديري نسبة إلى قرية يقال لها: الدير بالقرب من مردى بجبل نابلس أو إلى حارة الدير بالقدس، والعبسي إلى طائفة بني عبس من عرب الحجاز. ولد ٧٥٠ﻫ واستوطن القدس، وتولى مدرستي المنجكية والمعظمية بالقدس، وحدث في سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق، أن الشيخ شمس الدين أفتى بقتل الملك المؤيد شيخ، وكان من أركان الدولة، فلما قتل الناصر وتسلطن الملك المؤيد شيخ؛ قدم القدس واستدعى الشيخ، فحضر إليه بالصخرة، وعتب السلطان عليه بسبب فتواه، فأجابه: إنه لم يفتِ عليه، بل على مَن حارب الإمام وخرج عن الطاعة، وقال له: لو استفتيتني أنت على مَن خرج عن طاعتك لأفتيت بقتله. فقبل منه السلطان ذلك وولاه قضاء الديار المصرية، ثم قرره شيخًا لمدرسته المؤيدية في القاهرة. وعاد إلى القدس وتوفي فيها ٨٢٧ﻫ. وهو والد قاضي القضاة سعد الدين الديري الخالدي.

وممن ولي القضاة بالديار المصرية شيخ الإسلام أبو عبد الله محمد الرازي، من ذرية الفخر الرازي. ولد بهراة ٧٦٧ﻫ واشتغل بالعلم، وسكن القدس، وفوض إليه تدريس الصلاحية ٨١٥ﻫ، ثم ولي قضاء الديار المصرية، ثم ولي نظر القدس والخليل، وكان يقرأ المذهبين: مذهب أبي حنيفة والشافعي، وصنَّف شرح مسلم وشرح تلخيص الجامع للحنفية، وذلك أنه لما دخل القدس كان حنفيًّا، فقال: لما رأيت الرئاسة بهذه البلاد للشافعية صرت شافعيًّا. توفي بالقدس ٨٢٩ﻫ ودفن بماملا بالبسطامية.

ومنهم شيخ الإسلام شمس الدين أبو عبد الله محمد عبد الدائم العسقلاني الأصل البرماوي المصري. ولد ٧٦٣ﻫ. حج من مصر ورجع إليها ٨٣٠ﻫ، وعين لتدريس الصلاحية، وتوفي ٨٣١ﻫ. كتب شرحًا على البخاري ولم يبيِّضه، وجمع شرحًا على العمدة سمَّاه: جمع العدة لفهم العمدة، وأفرد أسماء رجال العمدة، وله الألفية في الأصول وشرحها، وله منظومة بالفرائض، وشرح خطبة المنهاج للنووي في مجلد كبير، ونظم ثلاثيات البخاري.

ومن المصريين الذين تَوَلَّوْا التدريس في المدرسة الصلاحية في القدس زين الدين أبو بكر القمني المصري الخزرجي، أصله من قمن من الريف. قدم مصر واشتغل بالعلم. ولي تدريس الصلاحية ٧٩٧ﻫ. توفي ٨٣٣ﻫ.

ومن المقادسة الذين دفنوا في مصر العالم المحدِّث تاج الدين محمد بن محمد المشهور بابن الغرابيلي الكركي المقدسي. توجَّه للقاهرة لزيارة الحافظ ابن حجر، فعظَّمه كثيرًا وأثنى عليه. توفي بالقاهرة ٨٣٥ﻫ ودفن بالصوفية بباب النصر.

ومن العلماء: العالم المحدث شمس الدين أبو عبد الله محمد الشهير بابن المصري. أصله من حلب. نزل القدس وصار شيخ المدرسة الباسطية. توفي ٨٤١ﻫ.

ومنهم ناصر الدين البصروي. ولي قضاء القدس، وكان أركان الدولة يهابونه. تعين لكتابة السر لمصر. مات ٨٤٢ﻫ.

ومن المصريين قاضي القضاة شيخ الإسلام شهاب الدين أبو العباس أحمد الأموي المصري المشهور بابن المجمرة. كتب الطباق والأجزاء، وولي تدريس الصلاحية ٨١٧ﻫ. توفي ٨٤٤ﻫ ودفن في مأمن الله.

ومن العلماء عز الدين أبو البركات البغدادي المقدسي. قدم دمشق. له مصنفات منها: القمر المنير في أحاديث البشير النذير. ولي القضاء بالقدس ٨٠٤ﻫ بعد فتنة تيمورلنك، وهو أول قاض حنبلي في القدس ثم دمشق، وولي تدريس المؤيدية بالقاهرة، ثم قضاء الديار المصرية. توفي ٨٤٦ﻫ.

ومنهم الإمام زين الدين عبد الرحيم الحموي. ولي خطابة المسجد الأقصى، وأقامه الأشرف برسباي خطيبًا لجامعة المسجد بالقاهرة، وكان يقرأ الحديث بمجلس أمير المؤمنين وأتابك الديار المصرية والأمراء. توفي ٨٤٨ﻫ.

ومن الفلسطينيين الذين رحلوا إلى مصر في الصغر شمس الدين محمد بن حسين الأوتاري، نسبة لأوتارية قرية من عمل جلجوليا. اشتغل على مسند القاهرة البرهان الشامي. له مؤلف سمَّاه: فتح الخلَّاق في تنبيه أبي إسحاق. توفي ٨٤٩ﻫ.

ومن مفاخر فلسطين شيخ الإسلام الحافظ شهاب الدين أحمد الشهير بابن حجر الكناني، العسقلاني الأصل، المصري المولد والمنشأ. ولد ٧٧٣ﻫ، وسمع بمصر وبغزة عن أحمد الخليلي، وبالرملة عن أحمد الأيكي، وبالخليل عن صالح بن سالم، وببيت المقدس عن القلقشندي، وبدر الدين بن مكي، ومحمد المنجبي، ومحمد بن عمر بن موسى، كما أخذ في دمشق عن عدد من كبار السيدات؛ منهنَّ: فاطمة التنوخية، وفاطمة بنت عبد الهادي، وعائشة بنت عبد الهادي، ورحل إلى اليمن.

وكان شاعرًا، وصار حجة في الحديث، وكان يملي بخانقاه بيبرس بالقاهرة، وانتقل إلى دار الحديث الكاملية، وولي القضاء بمصر، وله مصنفات كثيرة منها: الإصابة في تمييز الصحابة، والدرر الكامنة في المائة الثامنة، وإنباء الغمر بأنباء العمر … إلخ إلخ. توفي ٨٥٢ﻫ. شذرات الذهب (٧ / ٢٧٠).

ومن العلماء شيخ الإسلام رحلة الآفاق عز الدين بن عبد السلام السعدي المقدسي. ولد في قرية كفر الماء من عجلون ٧٧٢ﻫ. قدم القدس واستنابه الجلال البلقيني في الحكم بالديار المصرية ٨١٤ﻫ. ولي تدريس الصلاحية، وتوفي بالقدس ٨٥٠ﻫ.

ومن المصريين الإمام العلَّامة شهاب الدين أبو البقاء أحمد الزبيري. ولد في صعيد مصر ٧٧٠ﻫ، وقدم القدس بعد ٨٣٠ﻫ وانقطع بالمدرسة الطولونية. توفي بالقدس ٨٥٤ﻫ، وحضر جنازته نائب السلطنة مبارك شاه.

ومن المقادسة الإمام شمس الدين محمد بن علي بن حسان الشافعي. اشتغل بالعلم وانتقل إلى مصر ٨٣٢ﻫ، فصار من أعيان علماء القاهرة، وسُئل لمشيخة المدرسة الصلاحية بالقدس فأَبَى مفارقة الديار المصرية. ولي مشيخة سعيد السعداء (الخانقاه)، وتوفي بمصر ٨٥٥ﻫ.

ومن الفلسطينيين القاضي الحنفي عماد الدين إسماعيل بن الأخرم النابلسي، أحد خلفاء الحكم العزيز بالديار المصرية. باشر القضاء في القدس ٨٥٦ﻫ.

ومن المقادسة الذين كان لهم شأن في مصر القاضي أمين الدين عبد الرحمن بن شمس الدين الخالدي الديري المقدسي. باشر نيابة القضاء في الديار المصرية نيابة عن أخيه قاضي القضاة سعد الدين الديري الخالدي الذي درس بالمدرسة المعظمية بالقدس، وولي نظر الحرمين بالقدس والخليل، وعيَّن له كتب السر بمصر. وهو والد شيخ الإسلام بدر الدين الديري الخالدي أحد علماء الديار المصرية. توفي بالقدس ٨٥٦ﻫ، ودفن بماملا بالقدس.

ومن الفلسطينيين الذين رحلوا إلى مصر لطلب العلم المحدث عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن برهان الدين القرقشندي. أخذ العلم في مصر عن الحافظ ابن حجر، وقد شرح الألفية في علم الحديث للزين العراقي، وشرح تصريف العزي، وألفاظ الشفاء، وذكر الغريب منه. أعاد بالمدرسة الصالحية، وشارك بني غانم في مشيخة الخانقاه الصلاحية. توفي ٨٦١ﻫ، ودفن بماملا.

ومن المقادسة شيخ الإسلام جمال الدين أبو محمد بن جماعة الكناني. ولد بالقدس ٧٨٠ﻫ، ورحل إلى القاهرة وأخذ عن مشايخها، ومن أجلِّهم سراج الدين البلقيني. ولي قضاء الشافعية بالقدس أكثر من مرة، ثم تدريس الصلاحية. توفي ٨٦٥ﻫ.

ومن المقادسة الذين استوطنوا مصر قاضي القضاة شيخ الإسلام سعد الدين أبو السعادات الخالدي الديري. ولد بالقدس ٧٦٨ﻫ. ولي مشيخة المدرسة المنجكية والمعظمية بالقدس، ثم استوطن مصر وانتهت إليه الرئاسة بالديار المصرية، واستقر في مشيخة المدرسة المؤيدية بباب زويلة، ثم ولي القضاء بالديار المصرية ٨٤٢ﻫ أيام الملك الأشرف بن برسباي. توفي ٨٦٧ﻫ.

ومن الفلسطينيين العلَّامة زين الدين أبو المفاخر بن سراج الدين الجعبري الخليلي. أخذ عن علماء مصر الحديث، وأجاز له شيخ الإسلام ابن حجر والقاياتي، وجمَع معجمًا لأسماء شيوخه. ولد ٨٦٩ﻫ، وتوفي …

ومن المصريين العلَّامة زين الدين أبو الجود ماهر الأنصاري المصري المقدسي، شيخ المسلمين. أصله من بلاد مصر. استوطن القدس ٨٠٢ﻫ، ومن تلامذته شيخ الإسلام الكمال بن أبي شرف. توفي ٨٦٩ﻫ.

ومن المقادسة قاضي القضاة برهان الدين الخالدي الديري (أخو سعد الدين). باشر الوظائف السنية بالقاهرة، منها: نظر الإسطبل ونظر الجيوش، وكتابة السر، وولي القضاء بالديار المصرية ٨٧٠ﻫ، واستقر في مشيخة المدرسة المؤيدية بالقاهرة. تُوفي ٨٧٦ﻫ بالقاهرة.

ومن المصريين قاضي القضاة نور الدين البدرشي المالكي المصري. نشأ بالقاهرة وناب في الحكم فيها، وله مصنف في النحو. وهو أستاذ مجير الدين الحنبلي المقدسي مؤلِّف الأنس الجليل. توفي بالقدس ٨٧٨ﻫ.

ومن الفلسطينيين بدر الدين الجعفري النابلسي (هاشم) الحنبلي. باشر قضاء نابلس ثم القدس والرملة، وناب في الحكم بالديار المصرية. توفي ٨٨١ﻫ.

ومن المقادسة الذين استوطنوا مصر العلَّامة برهان الدين أبو إسحاق العجلوني. رحل إلى مصر قبل ٨٨٠ﻫ، واستوطن دمياط ثم القاهرة. توفي بها ٨٨٧ﻫ.

ومن المقادسة الذين سكنوا مصر مدةً العلَّامة المحقق الشريف تاج الدين أبو الوفا الحسيني البدري، شيخ الفقراء الوفائية بالأرض المقدسة، ثم عاد إلى وطنه بالقدس. توفي ٨٩١ﻫ.

ومن المصريين الشيخ العلَّامة زين الدين عبد الرزاق بن المصري الخليلي. كان من أعيان فقهاء الخليل. استوطن القدس وأعاد بالصلاحية، وتوفي ٨٩١ﻫ.

ومن المصريين الذين أقاموا بالقدس ودفنوا فيها الشيخ الصالح عثمان الحطاب المصري الزاهد من أعيان الصالحين بالقاهرة، وله زاوية عظيمة بها بخط البندقانيين، وله خلق من المريدين، وللناس فيه اعتقاد.

قدم القدس زائرًا وأقام بها مدة، وتوفي بها، ودفن بماملا ٨٩٢ﻫ.

ومن الفلسطينيين القاضي شمس الدين أبو عبد الله محمد التميمي. ولي قضاء الخليل وكانت كلمته نافذة. توجَّه إلى القاهرة وتوفي بها ٨٩٢ﻫ.

ومن المقادسة تاج الدين سعد بن شمس الدين الخالدي الديري. ولد بالقدس ٧٩٥ﻫ، ودرس بالمعظمية، وناب عن والده في قضاء الديار المصرية، وولي قضاء الحنفية بالقدس. عمر عمارة هائلة بظاهر القدس بأرض كرمه عند خان الظاهر، ومصرفها يقرب من عشرة آلاف دينار، وتوجَّه بعد ذلك إلى القاهرة، وفُوِّض إليه مشيخة المؤيدية. تردد بين القاهرة والقدس. توفي ٨٩٢ﻫ.

ومن الفلسطينيين الذين أقاموا مدة في القاهرة شيخ الإسلام برهان الدين أبو إسحاق الأنصاري الخليلي. رحل إلى القاهرة وأخذ الحديث عن الحافظ ابن حجر، والفقه عن تقي الدين بن شبهة. رحل إلى القدس وباشر نيابة الحكم، واستدعي إلى القاهرة ومنع من سكنى القدس، فاستمر مقيمًا في القاهرة إلى ٨٨٨ﻫ، ثم عاد إلى الخليل. توفي ٨٩٣ﻫ.

ومن الفلسطينيين الذين درسوا ثم حدَّثوا في القاهرة سراج الدين أبو حفص عمر الجعبري الخليلي. درس في القدس والخليل. رحل إلى القاهرة ودرس على القاياتي، وأخذ عن ابن حجر، وحدث بالخليل والقدس والقاهرة. ولي نصف مشيخة حرم الخليل، ونظر وقْف عم جده الشيخ علي البكاء. توفي بالخليل ٨٩٣ﻫ.

ومنهم أيضًا قاضي القضاة خير الدين أبو الخير الإمام المقري الغزي المقدسي. سافر إلى الديار المصرية وتفقَّه بالقاهرة على الشيخ قاسم الحنفي وغيره. ولي قضاء القدس ٨٧٦ﻫ. درس بالمعظمية.

وقد عمل طريقة في المصحف الشريف لم يسبق إليها في مقابلة الأحرف، وهي أنه إذا كان أول حرف من أول سطر من الصحيفة ألفًا؛ يكون أول حرف من أول السطر الأخير منها كذلك، وإذا كان أول السطر الثاني واوًا؛ فيكون الذي يقابله قبل السطر الأخير كذلك … وهلم جرًّا، وكتب أحرف المقابلة بالأحمر، ويكون أول الصفحة أول الآية وآخر الصفحة آخر الآية، وكل جزء في كراس كامل، فيكون المصحف ثلاثين كراسًا، واشتهر هذا المصحف في الحجاز والعراق والروم. توفي ٨٩٤ﻫ، ودفن بماملا.

ومنهم أيضًا العلَّامة علاء الدين أبو الحسن البطائحي. ولد بالخليل ودرس بها ورحل إلى مصر، وتفقَّه على الشيخ شمس الدين الجوهري بالقاهرة، وتوفي بالخليل ٨٩٦ﻫ.

ومن المقادسة الذين استوطنوا مصر القاضي كمال الدين بن عمران المقدسي. اتصل بالأمير جوهر الزمام وكثر ماله واتسعت دنياه، وصار مباشِرًا على الأوقاف. ولي مباشرة بديوان السلطان. مات ٩٠٠ﻫ.

ومن القضاة المالكيين القاضي كمال الدين محمد بن أبي الوفاء. ولي قضاء القدس، وناب في الحكم في الديار المصرية. كان حيًّا يرزق ٩٠١ﻫ.

ومن الفلسطينيين الذين رحلوا إلى مصر وأخذوا عن علمائها العلَّامة شمس الدين أبو الجود محمد الخليلي. أخذ العلم عن شرف الدين المُناوي وكمال الدين إمام الكاملية، والعلوم عن تقي الدين الشمني.

وأعاد بالمدرسة الصلاحية، وله تصانيف منها: شرح الآجرومية، وشرح المقدمة الجزرية، وشرح مقدمة الهداية في علوم الرواية للجزري، وشرح معونة الطالبين في معرفة اصطلاح المعربين، وقطعة من شرح تنقيح اللباب للعراقي. كان لا يزال حيًّا في زمن كتابة مجير الدين لكتابه الأنس الجليل ٩٠١ﻫ.

ومن الفلسطينيين محمد الخليلي الأنصاري. أخذ من علماء مصر؛ منهم: المُناوي، وكمال الدين ابن إمام الكاملية، والشمني، وأعاد بالصلاحية، وله تصانيف منها: شرح الآجرومية والجزرية، ومقدمة الهداية في علم الرواية لابن الجزري. تأخرت وفاته عن ٩٠١ﻫ.

ومن المقادسة الذين استوطنوا مصر مدةً كمال الدين محمد بن أبي شريف المقدسي. ولد بالقدس ونشأ بها، ودرس على علمائها، وتتلمذ في مصر على ابن حجر والقاياتي، وتردد إلى القاهرة، وتولى مشيخة الصلاحية بالقدس، واستوطن القاهرة ٨٨١ﻫ، وتردد إليه الطلبة هناك، وارتفعت كلمته عند السلطان، وولَّاه مشيخة المدرسة الأشرفية، وكانت ترد إليه الفتاوى من مصر والشام، وتولى الخانقاه الصلاحية بالقدس والمدرسة الجوهرية، وهو أستاذ مجير الدين الحنبلي مؤلف الأنس الجليل.

وله تصانيف كثيرة منها: الإسعاد بشرح الإرشاد في الفقه، والدرر اللوامع بتحرير جمع الجوامع في الأصول … إلخ.

وأنشد لما غاب عن القدس مدةً:

أحيي بقاع القدس ما هبت الصبا
فتلك رباع الأنس في زمن الصبا
وما زلت من شوقي إليها مواصلًا
سلامي على تلك المعاهد والربا

ومنهم محمد الخالدي الديري القاهري شيخ المدرسة المؤيدية ومفتي الحنفية بمصر. توفي ٩١٤ﻫ.

ومن الفلسطينيين محمد الغزي نزيل القاهرة، وإمام وخطيب مدرسة السلطان الغوري بالقاهرة. كان مقدَّمًا على سائر علماء القاهرة. توفي ٩١٨ﻫ.

ومن المقادسة الذين استوطنوا مصر ودرسوا فيها وتميزوا شيخ الإسلام برهان الدين أبو إسحاق ابن الأمير ناصر الدين بن أبي شريف المقدسي. رحل به أخوه شيخ الإسلام الكمال أبو شريف إلى القاهرة، فأخذ الفقه عن البلقيني، والأصول عن جلال الدين المحلي. تزوج ابنة قاضي قضاة مصر شرف الدين المناوي، وناب عنه في القضاء. أعاد بالصلاحية بالقدس، وولي الوظائف السنية من التدريس وغيرها من الأنظار بالقاهرة، وصار المعول عليه في الفتوى بالديار المصرية. كان يتردد بين القاهرة والقدس. توفي ٩٢٣ﻫ.

ومنهم محمد الحصكفي أبو اللطف. درس ببيت المقدس ثم رحل إلى مصر وأخذ عن علمائها، منهم الجوجري ٩٢٨ﻫ.

وفي القرن العاشر زالت دولة المماليك وأصبحت فلسطين ٩٢٢ﻫ، ومصر بعد ذلك تابعة لآل عثمان، وانتقل مركز الثقل بطبيعة الأمر إلى تركيا، وأصبحت الآستانة لا القاهرة هي العاصمة، وأخذت اللغة التركية تغزو البلاد العربية، وكان الأتراك قد أسسوا المدارس العلمية في الآستانة وبروسة وأدرنة وقونية، ومع هذا ظل الأزهر عامرًا، وظل الطلاب من جميع الأقطار العربية والإسلامية يرتادونه وينهلون منه.

وجاء القرن الحادي عشر٣ فازدادت الصلات العلمية، فمن المقادسة جمال الدين بن العجمي القدسي. شهد والده فتح رودس مع السلطان سليمان، ودفن بقبة أنشأها بجوار البسطامية شمالي الكبكبية. رحل جمال الدين إلى مصر وصحب المرصفي، وعاد إلى القدس. قرر في تدريس دار القرآن السلامية شرقي الظافرية، وكانت متهدمة فعمر بها عمارة، وله مجموع في الوعظ، وله تراجم لبعض معاصريه تشتمل على ألف مجلس. توفي ١٠٠١ﻫ.

ومنهم محمد بن أحمد الخريشي القدسي. رحل إلى القاهرة واشتغل بالجامع الأزهر، كان متفوقًا في اللغة العربية، وكان إمام الحنابلة بالمجمع تحت المدرسة القايتبائية (الأشرفية بالقدس) ومفتيهم. توفي ١٠٠١ﻫ. والخريشي نسبة إلى قرية بجبل نابلس.

ومن المقادسة عرفة بن أحمد الدجاني القدسي. كان منقطعًا في منزله بدير صهيون بجوار ضريح نبي الله داود. رحل في حياة والده هو وأخواه محمد ومحمود إلى مصر، وقرأ بالجامع الأزهر، واشتغل بمذهب الإمام مالك، ومحمد بمذهب الشافعي، ومحمود بمذهب أبي حنيفة.

ومنهم عمر بن أبي اللطف (جار الله) المقدسي، رئيس علماء القدس ومفتيها ومدرسها. رحل إلى مصر، وأخذ عن ابن النجار. لما قدم من القاهرة قبَّل يد والده، فقال له: «بأي هدية قدمت إلينا؟ وعمَّن أخذت الحديث؟» فقال له: «عن ابن النجار». فحمد الله وقال: إن للأب أن يأخذ عن الابن. فاستعفاه، فألحَّ فأجازه متأدبًا. توفي ١٠٠٣ﻫ.

ومن المقادسة علي بن محمد غانم الخزرجي السعدي المقدسي الأصل، القاهري المولد والمسكن، رأس الحنيفية بعصره. انتفع من الغنيمي والخفاجي والطالوي، وكان إمامًا للأشرفية ومشيخة مدرسة سليمان باشا، ومشيخة الإقراء بمدرسة السلطان حسن، وتدريس الصرغتمشية. رحل إلى القدس ثلاث مرات، وألَّف في الفقه كتابًا سمَّاه الرمز، وشرح الأشباه والنظائر، وله الشمعة في أحكام الجمعة ١٠٠٤ﻫ.

ومنهم محمد بن داود الداودي القدسي الدمشقي. قرأ بالقدس ثم رحل إلى مصر ودرس على الغيطي والطبلاوي والشربيني، ودخل دمشق وتفقَّه على الشيخ إسماعيل النابلسي. ولي مشيخة الحافظية، ودرس الحديث بالأموي ١٠٠٦ﻫ.

ومن المقادسة محمد بن الخطيب المقدسي الدمشقي. رحل إلى مصر ودرس فيها. أخذ تدريس الجوزية والعمرية بدمشق، والعزراوية وقضاء الشافعية بدمشق. توفي ١٠٠٨ﻫ.

ومن الفلسطينيين عثمان بن علي الغزي المالكي، أحد أجلاء شيوخ العربية، وممن تصدر بالديار المصرية للتدريس. ولد ونشأ بمصر، وأخذ عن الخفاجي، وألف مؤلفات مفيدة. توفي ١٠٠٩ﻫ.

ومن المقادسة محمد بن علي العلمي القدسي الدمشقي. درس على الكمال بن أبي شريف، ثم دخل القاهرة وتفقَّه، ثم قطن دمشق. ولي تدريس القضاعية. توفي ١٠١٨ﻫ.

ومنهم جار الله المقدسي بن أبي بكر بن أبي اللطف (جار الله) مفتي الحنفية بالقدس، ومدرس المدرسة العثمانية بالقدس، له رحلة إلى مصر أخذ بها العربية والفقه. توفي ١٠٢٨ﻫ.

ومن الفلسطينيين الشيخ مرعي الكرمي (نسبة لطور كرم) المقدسي، أحد أكابر الحنابلة بمصر. دخل مصر وتوطنها، وأخذ بها عن أحمد حجازي والغنيمي. تصدر للإقراء والتدريس بالأزهر، وتولى المشيخة بجامع السلطان حسن، له تصانيف كثيرة منها: غاية المنتهى في الفقه، ودليل الطالبين لكلام النحويين، والبُرهان في تفسير القرآن، والكواكب الدرية في مناقب ابن تيميَّة، وتحقيق الظنون في أخبار الطاعون … إلخ، وقلائد العقيان في فضائل آل عثمان. توفي بمصر ١٠٣٣ﻫ.

ومنهم محمد بن عبد الحق أبي اللطف (جار الله). رحل إلى القاهرة وأقام بها سنين عديدة، وأعطي تدريس المدرسة العثمانية بالقدس، وله شعر جيد. توفي ١٠٣٣ﻫ.

ومن الفلسطينيين أيضًا الشيخ أحمد بن محمد بن يوسف الخالدي الصفدي. رحل إلى القاهرة وأخذ عن البهنسي والعمري والشرنبلالي والنحريري والعجمي الشنشوري … إلخ. رجع إلى صفد وأفتى وناب في القضاء، وله شروح على ألفية ابن مالك، وكتاب في العروض، وله رحلة إلى الحج. وأخرى إلى بيت المقدس. توفي ١٠٣٤ﻫ، وله كتاب لبنان في عهد الأمير فخر الدين المعني الثاني — لم يذكره المحبي.

والشيخ حسين بن النخالة الغزي مفتي الشافعية بغزة. رحل إلى مصر وأخذ عن الشنشوري الخطيب بجامع الأزهر، وعن محمد الرملي والشنواني والأنبابي والتمرتاشي والشربيني. توفي ١٠٥١ﻫ.

ومنهم محمد بن حافظ الدين المقدسي. ولي القضاء في إقليم مصر، ثم صار مفتيًا بالقدس، ومدرسًا بالمدرسة العثمانية، ثم أعطي قضاء طرابلس الشام، ثم القضاء بصوفية وبالبوسنة، وله أشعار. توفي ١٠٥٥ﻫ.

ومن المقادسة عبد الغفار العجمي المقدسي، وله رحلتان إلى القاهرة؛ أولهما: ٩٩٣ﻫ. أخذ الحديث عن البكري، وعلي بن غانم المقدسي، والنحريري، والحانوتي، والشنشوري، والطناني، والمناوي. ولي إفتاء الحنفية بالقدس وتدريس المدرسة العثمانية ١٠٥٧ﻫ.

ومن المقادسة حافظ الدين بن محمد المقدسي السروري، ومن ولد غانم. درس في القدس ورحل إلى القاهرة، وأخذ عن المحبي والشناوي ورجع إلى القدس، وكان من رجال التصوف. توفي ١٠٦٣ﻫ.

ومن المقادسة فخر الدين المعري القدسي. رحل إلى القاهرة وأقام بالجامع الأزهر مدة، وتفقَّه بالشهاب الشوبري، وأخذ الحديث عن الشربيني والشرنبلالي، ورجع للقدس يدرس بحجرة المسجد الأقصى قرب رواق منصور، فاشتهرت بخلوة المعري. توفي ١٠٧٠ﻫ.

ومن المقادسة محمد بن صالح الدجاني المقدسي. ارتحل إلى مصر وأقام بالأزهر سنين عديدة، واشتغل بالفقه على القليوبي والمزاحي، ثم اشتغل بالتصوف وصنَّف رسالة العقد المفرد في حكم الأمرد. توفي ١٠٧١ﻫ.

ومن المقادسة مصطفى العلمي. رحل إلى مصر وأقام بالأزهر زمنًا طويلًا حتى كادت لغة أهل مصر تغلب عليه، وكان دائمًا يتكلم بها. رجع إلى القدس وولي نيابة المحكمة. له وقف على المؤذنين بالأقصى ١٠٧٥ﻫ.

ومن الفلسطينيين صالح بن علي الصفدي مفتي الحنفية بصفد. رحل إلى القدس ثم إلى القاهرة، وتفقَّه على الشرنبلالي والشوبري، ورجع إلى صفد. من تأليفه كتابه (بغية المبتدي في اختصار متن الكنز)، وسكن عكة (عكا) وكان يفتي بها. توفي ١٠٧٨ﻫ.

ومن المقادسة عبد الباقي بن عبد الرحمن بن غانم المقدسي الأصل، المصري، إمام الأشرفية بمصر. توفي ١٠٧٨ﻫ.

ومن الفلسطينيين يوسف بن يحيى بن مرعي الطور كرمي الحنبلي. رحل إلى مصر في طلب العلم ١٠٤٤ﻫ، وأخذ عن البهوتي، وكان يفتي في بلاد نابلس ١٠٧٨ﻫ.

ومن مفاخر فلسطين الشيخ خير الدين الرملي الفاروقي، صاحب الفتاوى الخيرية. رحل إلى مصر للأزهر، وعاد فدرَّس وأفتى، وكان يغرس الكروم ويباشرها بيده حتى إنه غرس ألوفًا من الأشجار المختلفة من الفواكه والتين والزيتون. توفي ١٠٨١ﻫ. المحبي (٢ / ١٣٤).

ومن الفلسطينيين الشيخ عبد القادر بن أحمد الغصين الغزي الولي. رحل إلى مصر ١٠٣٣ﻫ، وأخذ عن الحلبي واللقاني والمنياوي. توفي ١٠٨٧ﻫ.

ومن المقادسة أبو اليسر العسيلي القدسي. ينتهي نسبه إلى الشيخ عبد الرحمن الصنابحي. رحل إلى مصر هو وأخوه يوسف، وأخذ عن السنجيد واليمني واللقاني. ولي الإمامة بالمسجد الأقصى ١٠٨٧ﻫ.

ومن المقادسة محمد بن حافظ السروري المقدسي، من أولاد غانم. رحل إلى مصر، وأخذ عن الشرنبلالي وغيره. ولي في القدس المدرسة التنكزية والمأمونية، وكان يحفظ ديوان المتنبي. توفي ١٠٨٩ﻫ.

ومن الفلسطينيين الشيخ أبو بكر بن الأخرم النابلسي المحدِّث. رحل إلى القاهرة وأخذ عن عامر الشبراوي، ورجع إلى نابلس وألف مصنفات منها: حاشية على الجامع الصغير في الحديث، وشرحه في مؤلَّفين، وشرح ألفية ابن مالك، وله في الفقه والنحو والتوحيد والتصوف. توفي ١٠٩١ﻫ.

ومن الفلسطينيين الشيخ أحمد بن يحيى الحنبلي الكَرمي (نسبة إلى طولكرم). ولد في القدس، وكان ملازمًا بمكانه المعروف بجامع الأزهر. كان من العلماء الزاهدين. توفي بمصر ١٠٩١ﻫ.

ومن الفلسطينيين محمد بن تاج الدين بن محمد المقدسي الرملي الأصل، مفتي الرملة، وهو ابن ابن أخت شيخ الإسلام خير الدين الرملي. رحل إلى مصر ١٠٦٦ﻫ، وتوفي ١٠٩٧ﻫ.

ثم جاء القرن الثاني عشر٤ فاشتهر فيه علماء عِدَّة، منهم: السيد أحمد الخالدي، فقد جاء في المرادي (١ / ٨٦) أنه ممن تصدر في الأزهر للإقراء والتدريس. ولم يذكر تاريخ وفاته.

ومن الفلسطينيين الذين درَّسوا في الأزهر السيد عبد المعطي الخليلي. ذهب إلى الجامع الأزهر وهو مراهق وبقي أربع عشرة سنة، ومن مشايخه الشيخ عبد الرءوف البشبيشي، وأحمد النقراوي، ويوسف الدمرداشي، وإبراهيم أبو الفتح الدلجي القرضي. جاور في الحجرة المعروفة بالنحوية بسطح الصخرة الجنوبية (الزاوية الغربية). ولي منصب إفتاء السادة الشافعية، له فتاوٍ ورسائل في النحو. توفي ١١٤٥ﻫ.

ومن المقادسة حسين عارف العسيلي المقدسي. ذهب لمصر ١١٤٥ﻫ، وأقام بالجامع الأزهر، وناب عن محمد أبي هاني البكري، شيخ السجادة البكرية ونقيب أشراف مصر باختيار علماء مصر ورؤسائها، سافر فيما بعد للآستانة. لم يذكر الحسيني تاريخ وفاته.

ومن المقادسة الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن أبي اللطف (جار الله). توجَّه إلى القاهرة ١١٤٨ﻫ، ومكث عشر سنين في الجامع الأزهر، فدرس على المشايخ الملوي، والجوهري، والعزيزي، والبلدي، وأحمد الإسكندراني، وأحمد الدمنهوري، ومحمد الحفني، وأحمد الإسقاطي، وسليمان المنصوري، وحسن المقدسي، ومحمد الدلجي، وإبراهيم الحلبي، ويوسف الحنفي، وإسماعيل الغنيمي، وأحمد الأشبولي، وسليمان الزيات.

ومن مفاخر فلسطين مفتي السادات الشافعية الشيخ محمد الخليلي٥ صاحب الفتاوى الخليلية، فقد سافر لمصر وأخذ عن علمائها؛ منهم: الشيخ ابن البنا الدمياطي، والسيد محمد العاني، والبقري. توفي — على رأي الحسيني — ١١٤٩ﻫ، ودفن في المدرسة البلدية بالقدس، وترك خزانة كتب.

ومن الذين توطَّنوا بيت المقدس من شيوخ التصوف: الرحَّالة مصطفى البكري الصديقي الدمشقي المقدسي. سكن القدس وتزوج بها، وله رحلات إلى القدس والحجاز وحلب ومصر، وترك مصنفات كثيرة تزيد عن المائة أكثرُها في التصوف. توفي في مصر، ودفن بالقرافة ١١٦٢ﻫ.

ومن المقادسة السيد علي بن محمد بن علي جار الله. رحل إلى مصر وأخذ عن فحول علماء الجامع الأزهر، منهم: العلَّامة الحفني، والعلَّامة الشبراوي، والشهاب الملوي. درس في المدرسة الصلاحية. توفي ١١٦٩ﻫ.

ويستدل من هذا أن المدرسة الصلاحية بالقدس كانت عامرة حتى هذا التاريخ.

ومنهم محمد الكوراني المقدسي. طلب العلم بالجامع الأزهر، ثم رحل إلى دمشق، وله رحلة سمَّاها: أسد المعاني في رحلة محمد الكوراني، وله ديوان موجود في مكتبة سليمان باشا. توفي ١١٧١ﻫ.

ومن الفلسطينيين نجم الدين (الخيري) الرملي بن خير الدين الرملي. جاور بالجامع الأزهر، وصار مفتيًا للحنفية بالقدس، وسكن بها. توفي ١١٧٣ﻫ، ودفن بمأمن الله.

ومن المصريين الذين توطَّنوا بيت المقدس الشيخ علي بن محمد الخلفاوي المقدسي الأزهري، يتصل نسبه بالشيخ الغريب صاحب المقام بالسويس، المتصل نسبه بالولي مروان المدفون بمنية خلف من بلاد مصر الغربية. جاور بالجامع الأزهر. أخذ العلم عن الديري، والسندوبي، والمصيلحي، والحفناوي، والجوهري، والطحلاوي، والنفراوي، والصعيدي، والشبراوي، وأذن له بقراءة الحديث والتدريس بالأزهر. مكث بالأزهر عشرين سنة، ثم حضر للقدس ١١٧٤ﻫ واستوطنها، وله مصنفات منها: مختصر المقاصد الحسنة للعلَّامة السخاوي، واختصر متن صحيح البخاري. لم يذكر الحسيني تاريخ وفاته.

ومن المقادسة السيد محمد بن علي جار الله القدسي. كان مدرسًا في المدرسة الصلاحية. جاور في الجامع الأزهر، وبعد ذلك سافر إلى إسلامبول (إستانبول). تولى إفتاء القدس ومنصب نقابة الأشراف ١١٨١ﻫ.

اجتمع بالسلطان مصطفى وسأله عن مسائل بحضرة الوزير صاحب الصدارة أمين باشا، وتوجَّه مع الوزير إلى سفر المسقو (أي حرب الروس) — وقُتل الوزير فيها. جاور أخوه أحمد بالجامع الأزهر معه، وتولى الإفتاء عن أخيه. لم يذكر الحسيني تاريخ وفاتهما.

ومنهم السيد محمد بن جار الله أبي اللطف الذي عرف بالأزهري العبهري. توجَّه للأزهر ودرس فيه، وخطب فيه خطبة بليغة، ثم عاد مدرسًا في المسجد الأقصى. توفي ١١٨٦ﻫ.

ومنهم الشيخ محمد بن بدير بن محمد. أخذ العلم في القاهرة، ودرس على محمد الميهني، وعيسى البراوي، وأحمد الترزي، ومحمد العارسكوري، والشيخ أحمد الملوي، وأحمد الجوهري، ومحمد الحفناوي، وأحمد الراشدي، وأحمد الدمنهوري، وعلي الصعيدي، ومحمود الكردي. حج ١١٩٣ﻫ، وخرج عليه العُربان وأطلقوا عليه رصاصة فجرح، له رسائل عديدة منظومة ومنثورة، منها: زهرة الأدب وهي قصيدة.

ومنهم الشيخ أحمد الفاهوم النيني الأزهري قاضي الناصرة ومتسلمها، واشتهر في القرن الثالث عشر السيد موسى الخالدي الذي وصل إلى مرتبة قاضي عسكر الأناضول، فقد درس في القدس، ثم في الأزهر.

وأرسل منشورًا لأهالي البلاد لمقاتلة نابليون ١٢١٣ﻫ/١٧٩٨م، وكان إذ ذاك في الآستانة. توفي بأنطاكية ودفن فيها، وذلك ١٢٤٧ﻫ.

من شيوخ القدس الشيخ أبو السعود أفندي مفتي الشافعية. درس في الأزهر، وقد جاء ذكره في تاريخ جودت باشا ١٢٢٨ﻫ، المجلد العاشر ص١٢٦، وذلك أن شيخ الإسلام عبد الله أفندي دري زاده كان يبحث ذات يوم في الآستانة مع قاضي العسكر موسى أفندي الخالدي عن المشايخ والصلحاء ليحضرهم إلى الآستانة، فذكَر له الشيخ أبا السعود أحد مشايخ العرب، وأثنى عليه، وطلب منه أن يُحضره لدار السعادة، فتوجَّه موسى أفندي إلى القدس وأحضره مع خدمه وأولاده وأحفاده، وأُنزِل في دار تجاه شيخ الإسلام قُرْب جامع الفاتح، وأحسن إليه ولجماعته بعطايا من قِبَل السلطان محمود خان، وكان الشيخ أبو السعود هرمًا قد بلغ مائة واثنتي عشرة سنة فلم يقدر أن يتوجه لسراي السلطان.

ورعاية للقاعدة: القادم يُزار، عزم السلطان محمود بعد يومين على الزيارة، ثم عدل لأن الشيخ كان مغمًى عليه، وأُحضر في اليوم الثاني لسراي السلطان، ثم أعيد لداره لمرضه، ومات الشيخ أبو السعود في تلك السنة ودفن في تربة أبي أيوب الأنصاري.

ومن العلماء الأعلام الذين حملوا مشعل العلم ودرسوا وأفتوا، وانتفع الناس بعلمهم وفضلهم في القرن الثالث عشر الشيخ أسعد الإمام الحسيني المقدسي، والشيخ عبد القادر أبو السعود المقدسي.

ومنهم الشيخ علي الخطيب الجماعي المقدسي، والشيخ محمد الطبري مفتي طبريا، والشيخ محمد النحوي مفتي صفد، والشيخ طاهر الحسيني مفتي القدس، والشيخ أحمد الخطيب التميمي الخليلي مفتي الحنفية في مصر، وقد حضر هذا حفلة ختان السلطان عبد الحميد، والشيخ عبد الله الفاهوم النيني قاضي الناصرة، والشيخ راغب الخالدي المقدسي، وجميعهم درسوا في الأزهر وعادوا إلى البلاد فدرَّسوا فيها.

وممن اشتهر في القرن الرابع عشر الشيخ وجيه الكيلاني الأزهري مفتي جزائر الفليبيين وشيخ إسلامها — توفي هناك ١٩١٤ﻫ — والشيخ عبد المجيد طهبوب الخليلي، والشيخ محمد الداري البكري الخليلي الذي تولى إفتاء الحنفية في الخليل، والشيخ عائش المحتسب الخليلي مفتي الشافعية في الخليل، وجميعهم درسوا في الأزهر.

ومن الفلسطينيين الذين تميَّزوا في هذا القرن: الشيخ يوسف النبهاني، الذي ولد في أجزم (حيفا)، ونزح إلى بيروت، وألف كتاب الأنوار المحمدية وغيره، وقد جاور في الأزهر.

ومن الذين تميزوا في الشعر: الشيخ علي الديماوي الأزهري، وفي الفقه: الشيخ محمد مراد الغزي أستاذ الشريعة في كلية دمشق، والشيخ علي العوري الأزهري أمين الإفتاء في القدس، والشيخ أسعد الشقيري الأزهري العكي مفتي الجيش الرابع ورئيس مجلس التدقيقات الشرعية، والشيخ خليل جواد الخالدي الأزهري، رئيس مجلس التدقيقات الشرعية في الآستانة ورئيس محكمة الاستئناف الشرعية في فلسطين الرَّحالة الجوَّالة، والفقيه الكبير الشيخ منيب هاشم الجعفري النابلسي الأزهري المفتي الكبير وصاحب الفتاوى الشهيرة، والشيخ أمين الفاهوم الأزهري مفتي الناصرة، والشيخ عبد اللطيف الفاهوم الأزهري قاضي طبريا، والشيخ يوسف الفاهوم الأزهري، وولده الشيخ عمر مفتي الناصرة، والشيخ عبد السلام الطبري الأزهري مفتي طبريا، والشيخ سليم المفتي الأزهري مفتي صفد، والشيخ محمد القلقيلي الأزهري صاحب مجلة الكوكب، والشيخ عبد الله باشا الجزار العكي الأزهري المفتي ومدير الكلية الأحمدية، والشيخ إبراهيم باشا الجزار العكي الأزهري المفتي، والشيخ سعيد الكرمي الأزهري مفتي بني صعب وقاضي قضاة الأردن الفقيه الشاعر، والشيخ علي ميري الأزهري مفتي عكا.

وجميع هؤلاء درسوا في الأزهر الشريف، وجاوروا فيه، وانتقلوا بين مصر وفلسطين والآستانة، وحملوا لواء العلم وتولَّوا الإفتاء أو القضاء في أوائل القرن الرابع عشر.

ولعلنا أتينا على صفوة أهل العلم والقضاء والإفتاء من المقادسة والفلسطينيين الذين درَسوا في مصر ودرَّسوا فيها، أو تولوا القضاء في أحد القطرين، كما ذكرنا العلماء المصريين الذين توطنوا بيت المقدس أو الخليل أو غيرهما من المدن الفلسطينية، أو درسوا في بيت المقدس، أو دُفنوا فيه، أو كان لهم بالبلاد شأن علمي، ولكننا لم نأتِ على ذِكر رجال الإدارة والحكم، فذلك لا يدخل في متناول بحثنا هذا، ولعل في ذلك ما يحفز الهِمم لزيادة توثيق الصلات العلمية القديمة القائمة بين القطرين الشقيقين اللذين يرتبطان بروابط الدم، واللغة، والتاريخ، والتقاليد، والشعور المشترك، والمُثل العليا والأهداف. والله هو الهادي إلى سواء السبيل.

١  ظلوا إلى أن قضى على الدولة صلاح الدين الأيوبي سنة ٥٦٧ﻫ.
٢  انظر: الأنس الجليل (٢ / ٤٨٦، ٥٨٠، ٥٩٣، ٦٠٤).
٣  انظر: المحبي، خلاصة الأثر (١ / ٤).
٤  انظر: المرادي، أعيان القرن الثاني عشر، وأعيان القدس في القرن الثاني عشر لحسن بن عبد اللطيف الحسيني (مخطوط).
٥  كان له ولد اسمه محمد سعيد تولَّى إفتاء الشافعية بالقدس، وألَّف رسالة سمَّاها هداة الأمة في معرفة الأئمة. توفي بالإسكندرية ١١٨٠ﻫ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤