ابن رشد في تيار الفكر العربي

١

مجال النظر في هذا البحث محدود بالكتب الثلاثة الآتية لابن رشد: «فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال» و«الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد المِلة» و«تهافت التهافت»، وهي الكتب التي عرض فيها ابن رشد آراءه الخاصة، في مشكلاتٍ كانت قد لبثت فترة طويلة من الزمن، مدارًا للنظر عند رجال الفكر المُسلمين. ولم يكن ابن رشد في هذه الكتب — كما كان في معظم كتبه الأخرى — شارحًا لفلسفة غيره، مع كل ما تميَّز به ذلك الشرح من أصالة، وما اشتمل عليه من إضافات.

ولقد انتهت بي محاولة النظر، إلى نتائج أُرجِّح لها الصواب، وأرجو أن تكون جديرةً بالعرض والمناقشة، ومن أهم تلك النتائج ما يلي:
  • أولًا: كانت الغاية عند ابن رشد، هي أن يُبين أن ما جاء في الشريعة وحيًا، فيما له صِلة بحقيقة الكون، هو نفسه ما يستخلصه العقل من دراسته للكون دراسةً مباشرة، فكأنما نحن أمام كتابٍ واحدٍ كُتب بلغتَين: كتاب الإسلام وكتاب الكون، فنقرأ في هذا ما نقرؤه في ذاك، شريطة أن نُحسن فهم اللغة التي ينطق بها كلٌّ منهما.

    فسلك ابن رشد إلى غايته تلك طريقَين، جعل لكل طريقٍ منهما مؤلفًا خاصًّا. أما أول الطريقين فهو أن يبدأ الرحلة من الشريعة لينتهي إلى النتائج التي كان العقل قد وصل إليها في دراسته للكون، وكان ذلك في كتاب «مناهج الأدلة»، وأما الطريق الثاني فهو أن يسير في الاتجاه المضاد، بأن يبدأ الرحلة هذه المرَّة من النتائج التي حققتها الدراسة العقلية — وهي ما أطلق عليه اسم الحكمة — لينتهي إلى ما أوردته الشريعة وحيًا، وكان ذلك في كتاب «فصل المقال». وإذن فالغاية من الكتابَين واحدة، وإن يكن قد وصل إليها بالسير في اتجاهين متضادَّين.

    وفي هذا المعنى يقول ابن رشد: «… فالصواب أن تعلم الفرقة من الجمهور، التي ترى أن الشريعة مخالفة للحِكمة، أنها ليست مخالفة لها، وذلك بأن يعرِف كل واحدٍ من الفريقَين أنه لم يقف على كنههما بالحقيقة؛ أعني لا على كُنه الشريعة، ولا على كنه الحكمة، ولهذا المعنى اضطُررنا نحن، في هذا الكتاب (أي «مناهج الأدلة») أن نُعرِّف أصول الشريعة، فإن أصولها إذا تُؤُمِّلتْ وجِدَت أشد مطابقةً للحكمة مما أُوِّل فيها، وكذلك الرأي الذي ظُنَّ في الحكمة أنه مخالف للشريعة … لم يُحِط علمًا بالحكمة ولا بالشريعة، ولذلك اضطُررنا نحن أيضًا إلى وضع قول، أعني: فصل المقال في موافقة الحكمة للشريعة.»١

    لكننا نلاحظ أن ابن رشد وهو يسير رحلته بادئًا من الشريعة في كتابه «مناهج الأدلة» قد عزَّز القول بذِكر موضوعاتٍ مما كان محورًا للنظر بين الأطراف المختلفة، على حين أنه في سَيره المُضاد، البادئ من الحكمة، في كتابه الآخر «فصل المقال»، كاد يقتصِر على حديثٍ في قواعد المنهج، دون أن يتعرض للمسائل العينية التي كانت مطروحة للبحث.

  • ثانيًا: كان ابن رشد أقل إقناعًا من خصومه أمام الفكر الإسلامي، وبالتالي لم يترك بعدَه أثرًا يؤثِّر في دُنيا المسلمين، يتكافأ مع الأثر الذي تركه هؤلاء الخصوم — والغزالي منهم بصفةٍ خاصة — فلم يكن عجيبًا أن تقلَّ شُهرته بينهم عما كان ينبغي لها أن تكون. يقول برتراند رسل: «فيلسوفان إسلاميَّان يقتضيان منَّا وقفةً خاصة، أحدهما من فارس هو ابن سينا، والآخر من إسبانيا هو ابن رشد. أما ابن سينا فقد كان أبعدهما صوتًا بين المسلمين، وأما ابن رشد فكان أكثر شهرةً من زميله بين المسيحيين.»٢
    ومدار الضعف عند ابن رشد في موقعِه من تيار الفكر العربي الإسلامي — كما أراه — هو:
    • (أ) أنه كان أكثر اهتمامًا بقواعد المنهج، منه بالتطبيق على فحوى المشكلات نفسها.
    • (ب) وأنه في بعض المواضع — خصوصًا عند إقامته لدليلي العناية والاختراع (في مناهج الأدلة) — قد صادر على المطلوب؛ إذ أيد الشريعة بالشريعة.
    • (جـ) وأنه في نقده للمُتكلمين، بأنهم استخدموا الأدلة الجدلية، وكان ينبغي لهم أن يستخدموا الأدلة البُرهانية، كان في نقده هذا نفسه — فيما أرى — أقرب إلى الجدل منه إلى البرهان.
  • ثالثًا: كان من أهم النتائج التي انتهيتُ إليها من النظر في كتب ابن رشد الثلاثة التي ذكرتها، أن هنالك تشابهًا في بنية الحركة الفكرية في العالم العربي إبَّان القرنين الحادي عشر والثاني عشر، وبِنيتها إبَّان القرن التاسع عشر والعشرين، من حيث أن كليهما مُتفِق على أن شريعة الإسلام هي بمثابة الأساس في بنيان الفكر العربي. ثم وفد إلى ذلك الفكر من خارج الحدود فكر آخر، مؤسَّس على العقل (هو فلسفة اليونان في الحالة الأولى، وهو علوم عصرنا الحاضر في الحالة الثانية)، وفي كلتا الحالتين، رأى فريق من رجال الفكر بأن في ذلك الوافد خطرًا يتهدَّد الفكر الأصيل، بينما وجد فريق آخر ألَّا خطر هناك، لِما بين الوافد والأصيل من اتفاقٍ في الغاية، وإن اختلفا في طرُق الوصول. وكان ابن رشد — في الحالة الأولى — أبرز من حمَل هذه الدعوى.

فإذا صحَّ هذا التشابُه بين العصرين في البنية الفكرية — مع الاختلاف البعيد بينهما في المادة الفكرية المعروضة — كان لنا في هذه المحاولة التي ننظُر من خلالها إلى ابن رشد وموقفه، ما قد نهتدي به في حياتنا الثقافية الراهنة.

٢

يستهل ابن رشد كتابه «فصل المقال» بقوله: إن الغرض منه هو أن يسأل عن «النظر في الفلسفة وعلوم المنطق» إن كان مباحًا بالشرع أم محظورًا. ولكي يجيب لنفسه عن سؤاله هذا، رأى أن يُحدِّد «فعل الفلسفة» فقال عنه: «إنه ليس شيئًا أكثر من النظر في الموجودات، واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع بمعرفة صنعتها.»٣
ولمَّا كان «اعتبار الموجودات بالعقل» قد جاء به الأمر في غير ما آيةٍ من كتاب الله، كقوله تعالى: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَلْبَابِ، ثم لمَّا كان «الاعتبار» — كما فهِمه ابن رشد — «ليس شيئًا أكثر من استنباط المجهول من المعلوم، واستخراجه منه، وهذا هو القياس، أو بالقياس.»٤ كان معنى ذلك هو أن استعمال القياس العقلي، أو قُل إنه العقلي والشرعي معًا، أمر واجب بحكم الشريعة نفسها؛ فهذه الشريعة لا تقتصر على أن تجيزه، بل هي تُوجِبه.

وإنما يبلُغ القياس أتمَّ درجاته، فيما يُسمَّى بالقياس البرهاني، فكيف تتم معرفة الإنسان لله تعالى معرفة برهانية عن طريق دراسة مخلوقاته، إلا إذا سبقتْها دراسة تفصيلية لمنطق القياس بأنواعه وأجزائه وقواعده؟

فإذا تقرَّر أن دراسة هذا المنطق واجبة بحُكم الشريعة نفسها، ما دام هذا المنطق هو من النظر بمنزلة الآلات من العمل، وجب علينا أن نستعين بما خلَّفه القدماء في هذا المجال؛ لأن رجال العِلم في أي ميدان، لا يبدءون نظرهم العلمي من الصفر، وكأن أحدًا لم يسبقهم إلى شيءٍ منه، بل الحياة العلمية مُستمرة، يأخذها عصر عن عصر ليُضيف إلى ما أخذه، ثم يُسلم الحاصل إلى العصر الذي يليه، فإن كان «غيرنا» قَبْل ملة الإسلام — هكذا قال ابن رشد — قد ترك شيئًا، فيجب الأخذ عنه، «سواء أكان ذلك الغير مُشاركًا لنا أو غير مشارك في الملة.»٥ على أن يكون أخْذُنا عنهم مُقترنًا بالتمحيص النقدي «فإذا كان كله صوابًا قبلناه منهم، وإن كان فيه ما ليس بصوابٍ نبَّهنا عليه.»٦
هذا هو شيء مما بدأ به ابن رشد كتابه «فصل المقال»، فكان حريصًا منذ البداية على أن يطمئنَّ بأن الفلسفة جائزة، بل هي واجبة بحُكم الشريعة، وهو موقف — كما نرى — يجعل للشريعة أسبقيةً منطقية على الفلسفة، فكأنما أحكام الشريعة عنده هي بمثابة المُسلَّمات الأولى، التي يشتق منها ما يجوز بالنسبة إلى الفكر الفلسفي وما لا يجوز. وفي رأينا أن ذلك الموقف من ابن رشد يتعارَض مع طبيعة الوقفة الفلسفية إذا أُخذتْ على حقيقتها؛ لأن الفلسفة على حقيقتها تأبى المُسلَّمات، مما قد يُثير عندنا شيئًا من الريبة في أن يكون ابن رشد قد كان يُداري العامة حتى لا يتَّهِموه بالزندقة، وهي ريبة تُشبه تلك الريبة التي استشعرها ابن رشد نفسه إزاء الغزالي، حين قال عنه: «إنه مع الأشعرية أشعري، ومع الصوفية صوفي، ومع الفلاسفة فيلسوف.»٧ ثم يُعلل تقلُّبه هذا في «تهافت التهافت» بأنه ربما كان مُداراة للعامة، لينفي عن نفسه الظنَّة بأنه يرى رأي الحُكماء، فيقول ابن رشد في ذلك: «كبوة أبي حامد هي وضعُه هذا الكتاب (تهافت الفلاسفة)، ولعلَّه اضطُر إلى ذلك من أجل زمانه ومكانه.»٨

ومعنى هذا كله، هو أن ما زعمه ابن رشد عن نفسه (في مناهج الأدلة، ص١٨٥) من سَيره مرة من الشريعة إلى الفلسفة، ومرة من الفلسفة إلى الشريعة، على تطابُقٍ في الحالتين من حيث النتيجة، ليس صوابًا كل الصواب؛ إذ كان سَيره من الفلسفة إلى الشريعة أقلَّ رتبة من السير الآخر المُضاد؛ لأنه اشترط على نفسه فيه أن يكون مُستندًا إلى إيمانٍ مُسبق بالشريعة، فإذا قيل — كما يُقال أحيانًا — إن كتاب «فصل المقال» قد جاء دفاعًا عن الفلسفة ضدَّ أعدائها، استدرَكْنا على هذا القول بأنه كان دفاعًا منقوصًا في جانبٍ من أهم جوانبه.

٣

قلنا إن الشريعة والحكمة تتأدَّيان إلى حقيقةٍ واحدة، فما الذي يضمَن لنا ألا تتعارَضا؟ هنا يُجيب ابن رشد جوابًا لا يقنع إلا المؤمنين مُقدمًا بشريعة الإسلام. ومؤدَّى جوابه هو أن الشريعة حق والحِكمة حق، ولمَّا كان الحق لا يتعدَّد، كانت الشريعة والحِكمة هوية واحدة، وإن اختلفتا في طريقة التعبير، وهذه هي عبارة ابن رشد في ذلك، يقول: «وإذ كانت هذه الشريعة حقًّا، وداعية إلى النظر المؤدِّي إلى معرفة الحق، فإنَّا — معشر المُسلمين — نعلم، على القطع، أنه لا يؤدي النظر البُرهاني (يقصد مجال الفلسفة) إلى مخالفة ما ورَدَ به الشرع، فإن الحق لا يُضادُّ الحق، بل يُوافقه ويشهد له.»٩ وواضح أن ذلك من قبيل الأحكام «القبلية» التي يُصدرها الإنسان قبل النظر لا بعده، ولو كان المُتكلم من غير «معشر المسلمين» لَمَا قطع مُقدمًا بأن «هذه الشريعة حق» على نحو ما قطع ابن رشد.

مرةً أخرى نرى ابن رشد يجعل إيمانه بالشريعة بمثابة المُسلَّمة الشارطة، وكان الأجدر للتفكير الفلسفي أن يستقلَّ بذاته، حتى إذا ما انتهى إلى ما يؤيد الشريعة، جاء هذا التأييد أقوى دلالة. وفي هذه الحالة لو سُئلنا: ما الذي يضمن لنا ألا تتعارَض الشريعة والحكمة؟ كان جوابنا هو: إنه لا ضمان، فهذه هي الشريعة قائمة كما هي قائمة، وها نحن أولاء باذلون الجهد النظري في استكْناهِ حقيقة الكون بالفكر الفلسفي البُرهاني، فإن وجدناها مُتفقة مع الشريعة كان خيرًا، وإلا فنحن مُضطرُّون عند التعارُض أن نختار بين التصديق القائم على الإيمان الصرف، والأخذ بما أنتجه البحث العقلي، أو نلجأ إلى تأويل الشريعة بما يتفق مع نتائج البرهان العقلي.

إنه إذا انتهى النظر العقلي إلى معرفةٍ تتعارَض مع ما ورد في الشريعة عن موضوعها، فلا سبيل أمامنا إلا تأويل ظاهر النص تأويلًا، معناه — كما يُحدِّده ابن رشد — هو «إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية، من غير أن يُخلَّ ذلك بعادة لسان العرب.»١٠ وهنا يُفيض ابن رشد في شروط التأويل إفاضةً نُحسُّ من حديثه فيها أنه يريد أن تُضيَّق حدود التأويل، بحيث لا نلجأ إليه إلا فيما لا حيلةَ لنا أمامه، إلا أن نؤَوِّل ظاهر الشريعة فيه. وحتى في هذه الحالات الضرورية، سنجد في ظاهر الشريعة في مواضع أخرى، ما يؤيد تأويلنا ذاك؛ يقول: «إنه ما من منطوقٍ به في الشرع، مُخالفٍ بظاهره لما أدَّى إليه البرهان، إلا — إذا اعتُبِرَ وتُصُفِّحَتْ سائر أجزائه — وُجِدَ في ألفاظ الشرع ما يشهد بظاهره لذلك التأويل، أو يُقارب أن يشهد.»١١

وظاهر الشريعة من حيث جواز التأويل أو عدم جوازه، ثلاثة أصناف: فهنالك ظاهر من الشرع لا يجوز تأويله قط، وظاهر مقطوع بتأويله، وصنف ثالث يقَع بين الطرفين، وهو موضع خلاف، فيُلحقه بعضهم بالقسم الأول، ويُلحقه آخرون بالقسم الثاني. لكن من ذا الذي يُقرر للناس هذا التقسيم؟ من ذا الذي يقطع بالتأويل هنا وبعدم جواز التأويل هناك؟ إنه الإجماع الذي يُقرِّر ذلك.

وفي هذا الموضع يلفت ابن رشد أنظارنا إلى نقطةٍ هامة، هي استحالة هذا الإجماع في الأمور النظرية؛ إذ كيف يتحقَّق الإجماع إلا إذا عرفنا جميع العلماء الموجودين في عصرٍ مُعين، ثم استطلعنا آراءهم واحدًا واحدًا في المسألة المطروحة، على شرط ألا يكون هنالك من العلماء من نجهل وجوده، أو نعلمه، لكنه يكتُم رأيه. وإذا كان الموضوع موضوع تأويل لظاهر الشريعة، ازداد الأمر صعوبة؛ لأن العلماء قد يتفقون على ضرورة التأويل في موضعٍ من المواضع، ثم يختلفون على طريقته. وإذا كان ذلك كذلك فكيف جاز لأبي حامدٍ الغزالي في كتابه «تهافت الفلاسفة» أن يُكفِّر الفلاسفة المُسلمين كأبي نصر الفارابي وابن سينا، على خرقِهم للإجماع في التأويل؟١٢ مع أنه يكفي أن يكون هنالك من الفلاسفة من يخرق الإجماع، حتى نقول إنه إذن لا إجماع هناك، على أننا نلحَظ في هذا تناقُضًا من ابن رشد، ولا ندري كيف السبيل إلى فضِّه، وهو أنه في الوقت الذي يجعل الإجماع مدارًا لقسمة الشريعة إلى أصنافها الثلاثة من حيث جواز التأويل وعدم جوازه، نراه يلفِت أنظارنا إلى ما يُشبه الاستحالة في أن يتحقَّق إجماع على الإطلاق.

ولمَّا كان التأويل مجالًا يتعرَّض فيه المُؤوِّل للخطأ، رأى ابن رشد أن يكون للقائم بالتأويل شروط، هي أن يكون من العلماء أصحاب النظر البرهاني؛ إذ الناس على ثلاثة مراتب في قُدراتهم الإدراكية، فمرتبةٌ منها هي أولئك العلماء، ومرتبة ثانية هي صنف من الناس مدى قُدرته هو أن يستخدموا القياس الجدلي دون القياس البرهاني. والفرق الجوهري بينهما هو أنه بينما البرهاني يُبنى على مُقدمات يقينية، يكتفي القياس الجدلي بأن تكون المقدمات مشهورة بين الناس، سواء أكانت يقينيةً في ذاتها أم لم تكن. وكذلك في الناس صنف ثالث، لا يتجاوز في قدراته حدود القياس الخطابي، أعني أن يُساق لهم القول على نحوٍ يستريحون إليه ولا عليهم بعد ذلك أن يكون مُستدَلًّا من مُقدماته استدلالًا بُرهانيًّا أو جدليًّا، فمن هذه الجماعات الثلاث، لا يجوز التأويل إلا لجماعة القياس البرهاني.

وهنا نعود إلى ما يمكن للمُؤوِّل أن يقع فيه من خطأ، فيقول ابن رشد إنه إذا ما كان من أهل العلم البُرهاني، فالخطأ معذور، وأما الخطأ الذي يقع من غير العلماء إذا ما تعرَّضوا لتأويل الشريعة، فهو إثمٌ محض. والمسألة في مجال النظر الفلسفي كالمسألة في مجال الفقه: «فكما أن الحاكم الجاهل بالسنَّة، إذا أخطأ في الحُكم لم يكن معذورًا، كذلك الحاكم على الموجودات إذا لم تُوجَد فيه شروط الحُكم فليس بمعذور، بل هو إما آثم وإما كافر.»١٣ وما تلك الشروط المطلوبة إلا «أن يعرف الأوائل العقلية، ووجه الاستنباط منها.»١٤
وخلاصة القول هي «أن النظر في كتب القدماء (يقصد فلسفة اليونان) واجب بالشرع؛ إذ كان مغزاهم في كتبهم، ومقصدهم، هو المقصد الذي حثَّنا الشرع عليه، وأنَّ من نهى عن النظر فيها مَن كان أهلًا لينظر فيها … فقد صدَّ الناس عن الباب الذي دعا الشرعُ منه الناس إلى معرفة الله.»١٥ ويضرب ابن رشد لذلك مثلًا، فيقول: «إن مَثَلَ من منع النظر في كتب الحِكمة مَنْ هو أهل لها، من أجل أنَّ قومًا من أراذل الناس قد يُظَنُّ بهم أنهم ضلُّوا مِن قِبَل نظرهم فيها، مَثَلُ من منع العطشان شُرْبَ الماء البارد العذب حتى مات؛ لأن قومًا شَرَقوا به فماتوا، فإن الموت عن الماء بالشَّرَق أمر عارِض، وعن العطش أمرٌ ذاتيٌّ وضروري.»١٦

٤

حين فرغ ابن رشد من كتابه «فصل المقال» كان بذلك قد فرغ من رحلته الأولى، التي بدأها بالنظر فيما خلَّفه القدماء من فلسفةٍ ومنطق، لينتهي إلى أن الشريعة تؤيده وتحث عليه؛ لأنه بمثابة النظر في الموجودات المصنوعة، نظرًا يدل على صانعها. فانتقل بعد ذلك إلى رحلته الثانية المضادة في اتجاهها لاتجاه الرحلة الأولى؛ إذ هي تبدأ هذه المرة من النظر في الشريعة نظرًا يدل آخِر الأمر على أنه هو ما كان النظر العقلي قد تأدَّى إليه، وكانت هذه الرحلة الثانية هي موضوع كتابه «مناهج الأدلة في عقائد الملة».

بدأه بإشارةٍ سريعة إلى عمله في المرحلة الأولى، ليُبين للقارئ أنه إنما يستأنف بجهده الحالي جهدًا سابقًا، فقال: «لمَّا كنا قد بَيَّنا، قبل هذا، في قولٍ أفردناه (يشير بذلك إلى «فصل المقال») مُطابقة الحكمة للشرع وأثر الشريعة بها، قلنا هناك إن الشريعة قسمان: ظاهر ومُؤوَّل، وأنَّ الظاهر منها فرض الجمهور، وأنَّ المُؤوَّل فرض العلماء.»١٧ وبهذه الإشارة السريعة لخَّص ابن رشد نتيجة من أهم النتائج التي قدَّمها في كتابه الأول، وهي قسمة الناس إلى جمهور وعلماء. أما الجمهور فلا يجوز له مجاوزة الشرع في ظاهر نصوصه، وأما العلماء فهم وحدهم الذين لهم حق تأويل ذلك الظاهر بمعانٍ مجازية مُضمَرة فيه، ولكن لا يحل لهؤلاء العلماء أن يُفصِحوا بتأويله للجمهور، لماذا؟ لأن التأويل يُوصَل إليه بالقياس البرهاني، على حين أن مدى ما يمكن للجمهور بلوغه هو القياس الخطابي، فإذا أنت حدَّثت الجمهور بما لا يفهمونه، أحدثت لهم اضطرابًا وحيرةً بغير جدوى.
كان الهدف الرئيسي أمام ابن رشد من «مناهج الأدلة» هو البحث «عن الظاهر من العقائد التي قصد الشرع حمل الجمهور عليها.»١٨ وذلك لأن طوائف أخرى من رجال الفكر في عصره، تأوَّلوا ظاهر الشرع بمعانٍ من عندهم، وقدموها للناس على أن تلك التأويلات هي عقائد الإسلام. ولمَّا كانت تأويلات الطوائف المختلفة مُتباينة متنافرًا بعضها مع بعض، أخذت كل طائفة تقذف ما عداها بأنها إما مُبتدعة، وإما كافرة مُستباحة الدم والمال.
ويُعيِّن ابن رشد الطوائف التي يريد مناقشتها من أجل تفنيدها، لكي يتقدَّم هو بعد ذلك بما يراه في طريقة النظر إلى العقائد، بحيث يتبين صلتها بالتفكير العقلي، فيقول: «وأشهر هذه الطوائف في زماننا هذا أربعة: الطائفة التي تُسمَّى بالأشعرية، وهم الذين يرى أكثر الناس اليوم أنهم أهل السنَّة، والتي تُسمَّى بالمعتزلة، والطائفة التي تُسمَّى بالباطنية، والطائفة التي تُسمَّى بالحشوية.»١٩ (ولم يذكر الصوفية بين الطوائف، مع أنه تناولها بالمناقشة أيضًا).
ويُجمِل ابن رشد اتهامه للطوائف الأربعة جميعًا، قبل أن يبدأ في القول المُفصَّل، فيقول: «كل هذه الطوائف قد اعتقدت في الله اعتقاداتٍ مختلفة، وصرفت كثيرًا من ألفاظ الشرع عن ظاهرها إلى تأويلاتٍ نزَّلوها على تلك الاعتقادات، وزعموا أنها الشريعة الأولى، التي قُصِدَ بالحمْل عليها جميعُ الناس، وأن من زاغ عنها فهو إما كافر وإما مُبتدع. وإذا تُؤُمِّلتْ جميعها، وتؤمِّل مقصد الشرع، ظهر أن جُلَّها أقاويل مُحدثة وتأويلات مبتدعة.»٢٠ ونقرأ هذا الاتهام المُوجَّه إلى الطوائف المذكورة كلها، ثم ننتقل فورًا إلى الطائفة الأولى التي قدَّمها للمناقشة — وهي الحشوية — فإذا هي بِحُكم مبدئها لا تأخذ بالتأويل، وتلتزم الظاهر التزامًا مُتطرفًا، حتى لتُحرِّم إعمال العقل في شيءٍ منه.

فليس وجه النقص — إذن — في طائفة الحشوية، أنها أوَّلت ظاهرًا بمجاز، بل وجه النقص فيها هو أنها انصرفت عن الأدلة العقلية في معرفة وجود الله، قائلةً إنَّ طريق هذه المعرفة هو «السمع» لا «العقل»، أي أنه يكفي للإيمان بوجود الله أن يكون صاحب الشرع قد ألقى هذه الحقيقة على مسامع الناس، والشأن في معرفة وجود الله هو نفسه الشأن في كل ما يُطلب منَّا الإيمان به، كالمَعاد وغيره، مما لا مدخل فيه للعقل. هذا هو وجه النقص في الحشوية؛ لأنها كانت بمَوقفها ذاك — بعبارة ابن رشد فيها — «مُقصِّرة عن مقصود الشرع في الطريق التي نَصَبَها للجميع، مُفْضِيَة إلى معرفة وجود الله تعالى، ودعاهم من قِبَلِها إلى الإقرار به.» إذ دعا الناس إلى التصديق بوجود البارئ بأدلة عقلية منصوص عليها في كثيرٍ من الآيات، مثل قوله تعالى: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ إلى غير ذلك من الآيات الواردة في هذا المعنى.

وأراني مُضطرًّا إلى السؤال في هذا الموضع — لأنه موضع نموذجي يُمثل ما سوف يتكرَّر في كتاب «مناهج الأدلة» من أوله إلى آخره — كيف يكون التمثيل لفكرةٍ ما، بآياتٍ من القرآن الكريم، دليلًا عقليًّا برهانيًّا، وهو نوع الأدلة الذي يجده ابن رشد مُميزًا للعلماء؟ إننا إذا اتخَذْنا من آيةٍ ما مُقدمةً نبني عليها قياسنا، كان القياس قائمًا على منقولٍ لا على معقول، مما يزيل عنه صفة البرهان، اللهم إلا إذا كان المعنى الذي أراده ابن رشد هو ما قد يرِد في الآية من موضوعاتٍ كونية تصلح للبحث العقلي؛ ففي الآية السابقة — مثلًا — ذِكرٌ لموضوع «خلْق» الله للناس في حاضرهم وفي ماضيهم، ليكون ذلك بمثابة الإشارة إلى ما يمكن التحوُّل إلى بحثه بحثًا عقليًّا، وهو في هذا المثل موضوع «الخلق»، وكيف يُفهَم بالبراهين العقلية، إما أن يكون ذِكر الآية في حدِّ ذاته هو البرهان، فذلك ما أعجز عن رؤيته، وأقول ذلك تعليقًا على ما فهمته من المُقدمة المُستفيضة التي قدَّم بها المرحوم الدكتور محمود قاسم لتحقيقه لكتاب «مناهج الأدلة»، والتي شعرت خلالها في مواضع كثيرة منها، بأنه يرى أن ذِكر الشواهد القرآنية هو في ذاته بُرهان عقلي على ما يُراد إقامة البرهان عليه من الشريعة.

وكأنما تخيَّل ابن رشد في تعليقه على قصور الرؤية الحشوية، أن أنصار هذه الطائفة قد ردُّوا على اعتراضه، بقولهم إنه إذا كانت الأدلة العقلية مطلوبة للوصول إلى معرفة الشريعة، لوجب أن يعرض النبي عليه السلام تلك الأدلة العقلية عندما عرض دعوته إلى الإسلام، وهو اعتراض أراه وجيهًا، لم يُجبْ عليه ابن رشد بما يتناسَب مع قوته، إذا قال ما معناه إن العرب جميعًا تعترف بوجود الله سبحانه، فلم يكن من الضروري لصاحب الدعوة أن يسُوق فيها من الأدلة على وجوده أكثر من أدلة شرعية، فإذا كان بين الناس من لا تُسعفه قواه العقلية في متابعة تلك الأدلة، فهؤلاء وحدَهم هم الذين يكون إيمانهم قائمًا على السماع.

ثم ينتقل ابن رشد إلى طوائف الأشعرية وسائر المُتكلمين، فيجدهم على نقيض الحشوية؛ إذ هم يريدون ألا يكون التصديق بوجود الله إلا بالعقل، وطريقة ذلك عندهم هي أن يضعوا المقدمات التي يظنُّون بها اليقين، ثم يستخلصون منها النتائج، مثال ذلك أن يضعوا المقدمات الآتية؛ ليُقِيموا عليها حدوث العالَم، ثم ليقِيموا على هذا الحدوث وجود الله الذي أحدثه، والمقدمات هي:
  • (١)

    الجواهر لا تنفك عن الأعراض.

  • (٢)

    الأعراض حادثة.

  • (٣)

    ما لا ينفك عن الحوادث حادث.

وهنا يتصدَّى ابن رشد لهذه المقدمات؛ ليُبين أنها لا تتَّصِف باليقين، وبالتالي فما يُبنى عليها لا يعدو أن يكون جدلًا وليس هو بالبرهان. فالمقدمة الأولى هنا تتحدَّث عن «الجواهر» وكأن وجودها واضح بذاته، مع أنها لو كان وجودها مفروضًا على العقل فرضًا، لسلَّم به الجميع، ولقالوا عنه قولًا يتفقون عليه، وليست هذه هي الحال. وفي المقدمة الثانية نسبة الحدوث للأعراض، كأن الحدوث لا يكون للجواهر أيضًا، فإذا شكَكْنا في حدوث الأعراض، جاز لنا كذلك أن نشُكَّ في وجود الجواهر. وأما المقدمة الثالثة فهي لا تحمِل معنًى واحدًا محددًا؛ إذ يمكن فهمها على وجهَين؛ أحدهما: ما لا يخلو من جنس الحوادث فهو حادث، والثاني: هو ما لا يخلو من حادثٍ مخصوصٍ منها.٢١
والخلاصة التي ينتهي إليها ابن رشد إزاء هذا المَثَل الواحد من أمثلة التفكير عند الأشعرية وسائر المُتكلمين، هي أنهم بهذا التفكير لا هُم من أهل البرهان الذين يقيمون أدلتهم على مُقدمات يقينية واضحة، ولا هُم قدَّموا شيئًا يتناسب مع الجمهور؛ لأن سواد الناس لا قِبَل لهم بهذا الضرب من الجدل العويص، الذي قد يتعذَّر على كثيرٍ من أهل الرياضة في صناعة الجدل، فضلًا عن الجمهور.٢٢
ولا يفوتنا أن نذكر هنا بأن ابن رشد، وقد وضع طائفة المُعتزلة بين الطوائف الأربعة، لم يتعرَّض لمناقشتها مناقشةً تفصيلية كالتي أجراها مع الأشعرية، قائلًا في ذلك: «وأما المعتزلة فإنه لم يصِل إلينا في هذه الجزيرة من كتُبهم شيء نقِف منه على طرُقهم التي سلكوها … ويشبه أن تكون طرقُهم من جنس طرُق الأشعرية.»٢٣ ولقد كان في ذلك على حق؛ لأنه ما دام نقدُه موجَّهًا إلى طريقة القياس التي استخدموها، وهي طريقة الجدل التي تعتمِد على مقدماتٍ مشهورة بغضِّ النظر عن يقينها، فإن المعتزلة هي والأشعرية وسائر ضروب المُتكلمين سواء، ودحْض فرقةٍ منهم هو دحْض للفِرَق جميعًا.

وأما الصوفية فبرغم اختلاف طريقتهم عن طريقة المُتكلمين، إلا أنها ليست طريقة مُركبة من مُقدمات واقية، وإنما يعتمد الصوفية في معرفتهم لله على شيءٍ يُلقى في النفس إلقاء، فمهما قيل في هذه الطريقة، فهي على أية حالٍ مما لا يندرج تحت مقولة الفكر النظري. وأما وقد دعانا القرآن إلى «النظر» فليست طريقة الصوفية — إذن — هي المقصودة. وإذا فرضنا أن إماتة الشهوات التي يُمارسها الصوفي في حياته، شرط ضروري لصفاء الذهن استعدادًا للنظر، فليست هي التي تُفيد المعرفة بذاتها.

٥

تلك كانت لمحةً سريعة، أردنا أن نصور بها على سبيل الإيجاز الشديد، وقفة ابن رشد من طوائف المفكرين في عصره. وهي وقفة عمادها الأساسي هو أن تلك الطوائف على اختلافها لم تلجأ في معرفة الله إلى الطريقة الشرعية التي أرادها لنا القرآن الكريم، فهي جميعًا مُتفقة على رفض الفلسفة القديمة الوافدة من أُمَّةٍ غير أُمَّتهم، لكنها لم توفق إلى ما يمكن أن يكون بديلًا مُقنعًا؛ إذ لا بديل عن النظر البرهاني في المعرفة اليقينية. وإنه — أي النظر البرهاني — لَطريقة عقلية حثَّنا الشرع على انتهاجها. ومع ذلك فلم توفق تلك الطوائف إلى انتهاجها على الوجه الصحيح. ومن أبرز ما تتميز به الطريقة الشرعية هذه، أنها تصلح للناس جميعًا على اختلاف فِطَرهم، إذا ما أرادوا معرفة الله سبحانه. ويسأل ابن رشد: «فما هي الطريقة الشرعية التي نبَّه الكتاب العزيز عليها، واعتمدتها الصحابة؟» ثُم يجيب لنفسه عن سؤاله، فيقول إنها طريقة «تنحصر في جنسين؛ أحدهما: طريق الوقوف على العناية بالإنسان، وخلق جميع الموجودات من أجلها، ولنُسَمِّ هذه دليل العناية. والطريقة الثانية: ما يظهر من اختراع جواهر الأشياء الموجودات، مثل اختراع الحياة في الجماد، والإدراكات الحسية والعقلية، ولنُسَمِّ هذه دليل الاختراع.»٢٤
فأما الطريقة الأولى — دليل العناية — فتنبني على أصلين؛ أحدهما: أن جميع الموجودات في هذا العالم موافقة لوجود الإنسان. والأصل الثاني: أن هذه الموافقة هي ضرورة أرادها فاعل قاصد؛ إذ ليس يمكن أن تكون هذه الموافقة قد جاءت مُصادَفة. فأما كونها موافِقة لوجود الإنسان، فدليلنا اليقيني على ذلك هو مُوافقة الليل والنهار والشمس والقمر لوجود الإنسان، وكذلك مُوافقة الأزمنة الأربعة له، والمكان الذي هو فيه أيضًا، وهو الأرض، وكذلك تظهر مُوافقة كثيرٍ من الحيوان له والنبات والجماد، وجزئيات كثيرة مثل الأمطار والأنهار والبحار، وكذلك أيضًا تظهر العناية في أعضاء البدن وأعضاء الحيوان، أعني أن هذه الأعضاء موافقة لحياة الإنسان ووجوده. ومن أجل هذا كله، وجب على من أراد أن يعرف الله تعالى المعرفة التامة، أن ينظر في منافع الموجودات جميعًا.٢٥

ذلك هو أول الدليلَين اللذين ساقهما ابن رشد، ليُبين للطوائف الفكرية في عصره كيف يكون الدليل عقليًّا ومأخوذًا من الشرع في آنٍ واحد، ففي القرآن آيات كثيرة تُشير إلى هذه العناية بالإنسان، ولقد يكون مثل هذا الدليل صالحًا لعصر ابن رشد، لكنه — فيما نرى — يخلو من النظرة العقلية المنهجية كما تصوَّرَها الفلاسفة من قديم؛ فلو قال ابن رشد عن هذا الدليل إنه شرعي وكفى لَما كان اعتراض، لكنه قال: إنه شرعي ليقول بعد ذلك إنه فلسفي كذلك، مما يجعل الشريعة والفلسفة تتلاقيان، وهو ما لا نراه، فلا الموجودات كلها في هذا العالم موافقة لوجود الإنسان — بدليل أنه يمرض ويموت — ولا هي، حتى إن كانت موافقة لوجوده، أمر ضروري لم يكن من الممكن أن يكون سواه. نعم إن هذين الأصلين — موافقة الموجودات لحياة الإنسان، وكونها موافقة مقصودة بالضرورة — هي مما يقبله السامع قبولًا يطمئنُّ له ويستريح، لكن مثل هذا القبول ليس هو ما يتألَّف منه مقدمات النظر البرهاني الذي أراده ابن رشد في آخر الأمر. وإذن فبينما أقام هجومه على سائر الطوائف في عصره، على أساس أن القياس عندهم كان إما جدليًّا أو خطابيًّا، نراه قد لجأ بدَورِه إلى مثل هذا القياس نفسه.

وليس دليل الاختراع بأسْلَمَ من دليل العناية من هذه الناحية، فهو أيضًا ينبني عند ابن رشد على أصلَين «موجودين بالقوة في جميع فِطَر الناس»؛ أحدهما أنَّ هذه الموجودات (يعني الحيوان والنبات والسماوات) مُخترعة، والثاني هو أن كل مخترَع فله مُخترِع، ولذلك وجب على من أراد معرفة الله حق المعرفة أن يعرف جواهر الأشياء، ليقف على الاختراع الحقيقي في جميع الموجودات. ولكي يؤيد ابن رشد هذين الأصلين، ساق لكلٍّ منهما آياتٍ قرآنية؛ ففي كون الموجودات مُخترَعة، يسوق — مثلًا — قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ، وفي الأصل الثاني القائل بأن لكلِّ مُخترَع مُخترِع، يسوق قول الله تعالى: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ، ولسْنا ندري كيف تكون هذه الطريقة برهانية؟ إنها طريقة يقبلها المُسلِم بإيمانه، وأما الإنسان من حيث هو إنسان غير مُفترَض فيه عقيدة دينية مُعينة، بل هو إنسان يقتصر في تصوره على أنه ناطق — عاقل — وكفى، فلا أظن أن مثل هذا العرْض يُرضيه.

إذا أردنا أن نُصوِّر الموقف بين ابن رشد وخصومه، قُلنا: افرض أن عناصر الشريعة هي أ ب ﺣ د، فجاءت الفلسفة اليونانية بعناصر فيها ما ينقض عناصر الشريعة من أحد جوانبها، كأن تكون عناصر الفلسفة الوافدة هي: أ ب «لا-ﺣ» د، فعندئذٍ نرى أن طوائف الأشعرية والمُتكلمين تحاول أن تُثبت بأن القول «لا-ﺣ» ينطوي على تناقُض داخلي، وبالتالي فهو باطل، وإذا ثبت بطلانه كان نقيضه (وهو ﺣ) صحيحًا، ونقيضه هذا هو ما قالته الشريعة. وأما ابن رشد فيتلخَّص دوره، في أنه يُحلِّل الأدلة التي أثبتت بها طوائف خصومه بطلان «لا-ﺣ»، لكنه لا يترك الأمر عند هذا الحد، وإلا كان بمثابة من يأخُذ بما ينقض الشريعة، بل نراه يلجأ إلى إحدى طرُق يستخدمها لفض الإشكال: فهو إما أن يبين — مثلًا — بأن الاختلاف بين «ﺣ» و«لا-ﺣ» لا يعدو أن يكون اختلافًا في الأسماء، وأما المعنى المقصود ذاته فواحِد في كلتا الحالتين، وإما أن يُؤوِّل الظاهر في «ﺣ» ليجعلها في حقيقتها الباطنة هي و«لا-ﺣ» على سواء، وإما أن يقول ما معناه: لنبدأ طريقنا العقلي من «ﺣ» وهي ستؤدي بنا حتمًا إلى ما يريده الشرع وتريده الفلسفة معًا.

ولنضرب لذلك مثلًا، فلقد كان من العناصر التي ذكرتها الشريعة ما يدل على أن العالَم مُحدَث في مجرى الزمن، قال له الله تعالى كن فكان، وأما فلسفة اليونان فقد أشارت إلى ما قد يعني أن العالَم قديم، أي أنه أزلي مع أزلية الله، فها هنا جعل المُتكلمون مُهمتهم أن يُبينوا بطلان القول بأزلية العالم، وأن يُثبتوا حدوثه، كأن يقولوا بتركيب الأجسام من أجزاء لا تتجزَّأ. ولمَّا كان الجزء الذي لا يتجزأ مُحدثًا بطبيعته، كانت الأجسام محدثة بحدوثه، وعندئذٍ تكون مهمة ابن رشد بيان الخطأ في منطقهم هذا، فيقول: «إذا فرضنا أن العالَم مُحدَث، لزِم — كما يقولون — أن يكون له، ولا بد، فاعل مُحدِث، ولكن يعرض في وجود هذا المُحدِث شك … وذلك أن هذا المُحدِث لسنا نقدِر أن نجعله أزليًّا ولا مُحدَثًا، أما كونه مُحدَثًا فلأنه يفتقر إلى مُحدِث، وذلك المُحدِث إلى مُحدِث، ويمر الأمر إلى غير نهاية، وذلك مُستحيل، وأما كونه أزليًّا، فإنه يجب أن يكون فعله المتعلق بالمفعولات أزليًّا فتكون المفعولات أزلية، والحادث يجب أن يكون وجوده مُتعلقًا بفعل حادث …»٢٦
هذه طريقة، وطريقة أخرى عند ابن رشد أن يُبين لخصومه ألا اختلاف بين القول بقِدم العالَم وحدوثه إلا في التسمية، فالكل مُتفق على ثلاثة أصناف من الموجودات، صنف منها هو الأجسام، وهذه لا يختلف أحد على حدوثها، وصنف آخر فهو الموجود الذي «لم يكن من شيء، ولا عن شيء، ولا تَقَدَّمه زمان»، ولقد اتفق الجميع على أن هذا الموجود قديم، وأما الصنف الثالث فيقع بين هذين الطرفَين، وهو العالَم مأخوذًا بأسره (لا من حيث هو جزئيات) «فهو موجود لم يكن من شيء، ولا تقدَّمه زمان، ولكنه وُجد عن شيء، أعني عن فاعل.»٢٧ والكل مُتفق على وجود هذه الصفات الثلاث للعالَم، فالمُتكلمون يُسلمون أن الزمان غير مُتقدم عليه، وهم مُتفقون مع القدماء على أن الزمان المُستقبل غير مُتناه، وكذلك الوجود المُستقبل، وموضع الاختلاف بينهما هو في الزمان الماضي والوجود الماضي، فالمُتكلمون يرون أنه مُتناه، فالعالم مأخوذًا بأسره، فيه شبه من الموجود القديم، وفيه كذلك شبه من الموجودات الجزئية الحادثة، فمن نظَر إليه من ناحيته الأولى، قال عنه إنه قديم، ومن نظر إليه من ناحيته الثانية قال عنه إنه حادث، «وهو في الحقيقة ليس مُحدثًا حقيقيًّا، ولا قديمًا حقيقيًّا.»٢٨

إن موقفنا في هذا العصر، شديد الشبه بالموقف الذي جاء ابن رشد ليجد نفسه فيه؛ إذ العناصر الأساسية في كلا الموقفَين، هي: شريعة يتمسَّك بها الجميع، ونتاج عقلي وافد من خارج، هو إما مُتفِق مع ما ورد في الشريعة فلا إشكال، وإما مسكوت عنه في الشريعة فلا إشكال أيضًا، وإما يُناقِض في الظاهر ما ورد في الشريعة. فلو كان بيننا ابن رشد يؤدي المهمة نفسها التي أدَّاها في زمانه، لحاول أن يدْحَض منطق الرافضين حيث يراه باطلًا، وأن يُبين أن مواضع الاختلاف لا تعدو أن تكون اختلافًا في التسمية، مع اتفاقٍ في مضمون المعنى.

٦

كانت المواجهة التي تمت بين «تهافت الفلاسفة» للغزالي، و«تهافت التهافت» لابن رشد، من أهم ما رصده تاريخ الفكر العربي الإسلامي، وكدتُ أقول من أهم ما رصدَه تاريخ الفكر الإنساني على إطلاقه. وليست المسألة — كما أراها — مقصورة على كتابٍ أصدره صاحبه لينقد به كتابًا آخر، وإلا فتاريخ الفلسفة هو سلسلة من هذه اللقاءات النقدية، لكن «التهافت» و«تهافت التهافت» كان مواجهةً بين وقفتَين حضاريتَين، فمحور الأمر فيها هو سؤال كهذا: هل تأخذ حضارة لاحِقة أصولًا ثقافية من حضارة سابقة، لا سيما إذا كانت الحضارتان من لونَين مُتعارِضَين، أو أن في هذا الأخذ خطرًا على إحداهما أن تنمحي في الأخرى؟ إن الحضارة الأوروبية الحديثة لم تكن لترى ما تخشاه في أنْ تستمدَّ أصولها من أسلافها اليونان والرومان؛ لأنها مع تلك الأصول عند الأسلاف أسرة واحدة تتعدَّد صورها مع تعاقب العصور، لكن أساسها واحد، وأما أن تأخُذ حضارة إسلامية روافد فكرها من أصول يونانية، فها هنا يكون للسؤال مغزاه، وهو سؤال ما يزال — كما أشرْنا فيما سبق — مُعلَّقًا فوق رءوسنا إلى يومنا هذا، فهل نفتح صدورنا اليوم للحضارة الغربية العلمية، أو نخشى أن يُصيبنا هذا بما يُشبه الغزو الذي يمحو معالِم ما يغزوه؟

فالغزالي حين تصدَّى للفلسفة الأرسطية كما وجدها منعكسةً على صفحات الفارابي وابن سينا، إنما قصد أساسًا إلى حماية الفكر الإسلامي مما ظنَّ أنه يُفسده ويهدم أركانًا أساسية فيه. وحين اضطلع ابن رشد بالرد على الغزالي، فلقد كان صميم موقفه هو الدفاع عن ضرورة اغتذاء الفكر الإسلامي بفلسفة اليونان القدماء، ولا خطر هناك على شريعة الإسلام من مثل ذلك الغذاء، على أن نلحظ هنا بأن المواجهة بين الغزالي وابن رشد في كتابيهما، إنما تُجاوِز أن تكون علاقة بين طرفين، لتكون في حقيقتها صورة للعقل الفلسفي في حياة المسلمين خلال فترةٍ تزيد على قرنين، تبدأ بالفارابي وابن سينا في القرن العاشر، ويتوسَّطها الغزالي في القرن الحادي عشر، ثم تنتهي بابن رشد في القرن الثاني عشر.

وأول ما أريد أن أُعلق به على صُلب العمل الذي نُطالعه في «التهافت» وفي «تهافت التهافت» معًا، هو أننا في حقيقة الأمر إزاء وقفةٍ سلبية تُبين التناقض في البناء الفكري الذي تتصدَّى له، أكثر منَّا أمام فكرٍ إيجابي يتناول مشكلاتٍ بعينها ليقترح لها الحلول، فالكتابان مثَل جيد ﻟ «برهان الخلف» الذي تميَّز به الفكر الفلسفي في كثيرٍ جدًّا من نشاطه. ومؤدَّى هذا المنهج الفكري، هو أن نعرض الفكرة التي نريد فحصها، فنستخرج منها ما يمكن استخراجه من نتائج تتولَّد عنها، وإذا بهذه النتائج التي استخرجناها مُتنافرة لا يتسق بعضها مع بعض، ثم لا تتسق مع القضية أو مجموعة القضايا الأولى، التي عرضْنا بها الفكرة المطروحة للبحث بادئ ذي بدء. وعندئذٍ لا نرى مندوحة من رفض تلك الفكرة المعروضة؛ لاحتوائها على عناصر ينقُض بعضها بعضًا.

إن «برهان الخلف» في مُعالجته للقضايا التي يُراد فحصها، أشبه شيء بالآلة التي ندرس بها الغلال في الحقول، لا تضيف إليها جديدًا، لكنها تفصل الحبوب في ناحية والقش في ناحية، وكذلك برهان الخلف لا ينتهي بنا إلى قضايا جديدة، كائنًا ما كان الموضوع الذي بين أيدينا، إذ إن مهمته منحصرة في اختبار الأفكار المُراد اختبارها من حيث الصلابة وصحة التكوين، وهو اختبار يُشبه ما يؤديه المهندسون في اختبارهم لصلابة المعادن، إذ يُعرِّضونها لآلاتٍ تحاول مَطَّها وليَّها وضغطها وتهشيمها إذا استطاعت، فتظهر من هذه المحاولات قوة تلك المعادن أو ضعفها، وهكذا الحال بالنسبة للأفكار عند فحصها ﺑ «برهان الخلف».٢٩

كانت طريقة ابن رشد في «تهافت التهافت» هي أن يعرض ما أورده الغزالي في «التهافت» نقطةً نقطة، يضعها بلغة الغزالي نفسه، ثم يأخذ في بيان أوجه الضعف المنطقي الذي رأى أن الغزالي قد وقع فيه، فإذا أمعنَّا نحن النظر إما في قول الغزالي، وإما في ردِّ ابن رشد، لم نجد في أي القولين إلا تحليلًا منطقيًّا من النوع الذي أسميناه «برهان الخلف»، وحَسْبنا مثَل واحد نسوقه لبيان ما نُريد، ونراعي في اختيارنا للمثَل أنه مُوجز يسهل إيراده، وليكن ما نختاره هو القضية الخامسة في تسلسل القضايا المعروضة حول المسألة الأولى، وهي المسألة الخاصة بقول الفلاسفة عن العالَم إنه قديم.

فقد عارض الغزالي قول الفلاسفة باستحالة أن تكون هنالك إرادة قديمة تتعلق بشيءٍ حادث، وكانت مُعارضته في الصورة الآتية:
كيف عرفتم استحالة ذلك؟ «وعلى لُغتكم في المنطق: أتعرفون الالتقاء بين هذين الحدَّين، بحدٍّ أوسط، أو من غير حدٍّ أوسط؟ فإن ادَّعيتُم حدًّا أوسط — وهو الطريق النظري — فلا بدَّ من إظهاره، وإن ادَّعيتم معرفة ذلك ضرورة، فكيف لم يُشارككم في معرفته مُخالفوكم؟ والفرقة المُعتقِدة لحدوث العالم بإرادة قديمة لا يحصرها بلد، ولا يُحصيها عدد، ولا شكَّ في أنهم لا يُكابرون العقول عنادًا مع المعرفة، فلا بدَّ من إقامة برهان على شرط المنطق، يدل على استحالة ذلك …»٣٠

بعبارةٍ موجزةٍ من عندنا، نُلخِّص بها اعتراض الغزالي على قول الفلاسفة باستحالة أن يخلق الله بإرادته الأزلية عالمًا مُحدثًا يجيء فيه مجرى الزمن، نقول: هذه الاستحالة المزعومة إما أن تكون نتيجة لقياس، وفي هذه الحالة نلحظ أن عناصر القياس غير متوافرة؛ إذ ليس هنا حد أوسط يربط بين الطرفَين، وإما أن تكون إدراكًا حدسيًّا، لكنها لو كانت كذلك لاتفق عليها جميع الناس. وواقع الأمر أن الناس يختلفون في شأنها، ولعلَّه واضح أن الغزالي هنا لم يزد على أن أظهر ما في قول الفلاسفة من مفارقة، مما يؤيد ما أسلفناه.

فماذا قال ابن رشد تعليقًا على اعتراض الغزالي؟ قال ما معناه إنه ليس بصحيحٍ ما زعمه الغزالي من أن المعرفة الأدلية — أي المعرفة المُدركة بالحدْس — يعترف بها جميع الناس، «لأن ذلك ليس أكثر من كونه مشهورًا، كما أنه ليس يلزم فيما كان مشهورًا أن يكون معروفًا بنفسه.»٣١ ونلاحظ في إجابة ابن رشد أنه لم يتعرَّض للشقِّ الأول من اعتراض الغزالي، وهو أن قول الفلاسفة ليس قياسًا كامل الأجزاء، واكتفى بالرد على الشقِّ الثاني، الخاص بالإدراك بالحدْس، فضلًا عن أن إجابة ابن رشد — كما نرى — لم تزِد بدَورها عن تحليل عبارة الاعتراض الذي قدمه الغزالي، تحليلًا يظهر ما فيه من أوجه الضعف. وعلى هذا النحو يجري «تهافت التهافت»، وذلك هو ما صرَّح به ابن رشد نفسه في أول سطور كتابه، إذ قال: «إن الغرض في هذا القول، أن نُبين مراتب الأقاويل المُثبَتة في كتاب «التهافت» لأبي حامد، في التصديق والإقناع، وقصور أكثرها عن رتبة اليقين والبرهان.»

هكذا كان موقع ابن رشد من تيار الفكر العربي الإسلامي في عصره، فأراد له أن يظلَّ على صلته الإيجابية بفلسفة اليونان، وكانت دعوته إلى ذلك هي آخر صوتٍ يرتفع دفاعًا عن الفلسفة وضرورة دخولها مع الشريعة في نسيجٍ واحد. ولم يكن الوجدان العربي الإسلامي مُهيَّأً لقبول الدعوة، فانسدل عليها ستار، لم يأخذ في الارتفاع إلا بعد عصره بأكثر من سبعة قرون.

١  مناهج الأدلة، تحقيق: محمود قاسم، نشر: مكتبة الأنجلو المصرية بالقاهرة، ص١٨٤-١٨٥.
٢  Russell, B., History of Western Philosophy, p. 445.
٣  فصل المقال، تحقيق محمد عمارة، دار المعارف بمصر، ص٢٢.
٤  المرجع، نفسه، ص٢٣.
٥  المرجع السابق نفسه، ص٢٦.
٦  المرجع السابق نفسه، ص٢٦.
٧  المرجع نفسه، ص٥٢.
٨  تهافت التهافت، تحقيق سليمان دنيا، دار المعارف بمصر، ص٢٠٠.
٩  فصل المقال، ص٣١.
١٠  فصل المقال، ص٣٢.
١١  المرجع نفسه، ص٣٣.
١٢  المرجع نفسه، ص٣٦.
١٣  المصدر نفسه، ص٤٤.
١٤  المصدر نفسه، ص٤٥.
١٥  المصدر نفسه، ص٢٨.
١٦  المصدر نفسه، ص٣٠.
١٧  مناهج الأدلة، تحقيق محمود قاسم، نشر مكتبة الأنجلو المصرية بالقاهرة، ص١٣٢.
١٨  المرجع نفسه، ص١٣٣.
١٩  المرجع نفسه، في الصفحة نفسها.
٢٠  المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
٢١  مناهج الأدلة، ص١٤٢ وما بعدها.
٢٢  المرجع نفسه، ص١٣٧.
٢٣  المرجع نفسه، ص١٤٩.
٢٤  مناهج الأدلة، ص١٥٠.
٢٥  المرجع نفسه، في الصفحة نفسها.
٢٦  مناهج الأدلة، ص١٣٥.
٢٧  فصل المقال، ص٤١.
٢٨  فصل المقال، ص٤٢.
٢٩  Ryle, Gilbert, Philosophical Arguments: وهي المحاضرة الافتتاحية التي ألقاها في أكسفورد سنة ١٩٤٦م.
٣٠  تهافت التهافت، تحقيق سليمان دنيا، ج١، ص٧٤.
٣١  المرجع نفسه، ص٧٥.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤