ما بين «القمني» وهذا المترجم!١

يُسجل مترجم هذا الكتاب الطبيب د. رفعت السيد واقعةً مرة المذاق في مقدمة ترجمته لكتاب «عصور في فوضى، من الخروج إلى الملك أخناتون» لمؤلفه عالم الطبيعة اليهودي الروسي «إيمانويل فلايكوفسكي»، والواقعة نسبها المترجم بما نصه: «ثم التقيتُ بالدكتور سيد محمود القمني عام ١٩٩٢م، وكنتُ أُكِنُّ له من خلال كتاباته كلَّ تقدير نظرًا لرؤيته المتميزة لبعض جوانب التراث الشعبي الديني في الشرق العربي ومدلولاته التاريخية، وحين طلب استعارة المخطوطة المترجمة للاطلاع عليها نظرًا لما ترامى إلى سمعه عنها وتشوقه لقراءتها لاستخلاص ما يمكن استخلاصُه منها في إعداد مادة كتابِه الذي كان مشتغلًا فيه في ذلك الوقت، وهو كتاب «النبي إبراهيم والتاريخ المجهول»، لم أتوانَ عن إعارته المخطوطة مع وعْدٍ منه بعدم نشر أية أجزاءٍ منها. ولم تكد تمرُّ بضعةُ أسابيع حتى فوجئتُ بالفصل الأول منشورًا على هيئة مقالات أسبوعية في جريدة «مصر الفتاة» مع تعليقات وحواشٍ، والمقالات تحمل اسم د. سيد القمني. وهالني أن يَنكُثَ عالمٌ جليل مثله بوعودٍ كان قد قطعها على نفسه، وبذلتُ كلَّ جهدٍ ممكن لوقْف النشر، ولم أنجحْ في ذلك إلا بعد أن كان الفصل الأول قد نُشر بأكمله، وغنيٌّ عن البيان أنه قد جمع تلك المقالات بعد ذلك مع بعض الإضافات في كتاب آخر أصدره باسم: «إسرائيل: التوراة، التاريخ، التضليل».»

والكتاب الذي وردت فيه هذه الواقعة صدر عن دار سينا للنشر هذا العام في شهوره الأخيرة، ومعنى ما ورد أن المترجمَ يوجه اتِّهامًا صريحًا إلى د. سيد القمني بأنه لم ينكث بوعوده له فقط! بل ونشَر الفصل الأول من المخطوطة المترجمة مقالات باسمه دون نسبتها إلى المترجم! الذي سعى بالطبع إلى وقْف النشر فتمَّ له ما أراد بعد لأْيٍ!

ولولا أن هذا قد أصبح منشورًا ما كنا تعرضنا له هنا بالتعليق، كما أننا لا نملك تأكيد ما ورد أو نفيه، والحقيقة فيه عند د. سيد القمني، لكننا نسعى لجلاء هذا الأمر، لاسيما وأن المسألة تخصُّ باحثًا كبيرًا وكاتبًا ومفكرًا مبدعًا وصاحب اجتهاد متميز وملحوظ فيما يختص بالدراسات التراثية العربية والإسلامية، والصلة نراها منعقدة بين المترجم ومخطوطته وبين د. سيد القمني. ليس فيما كتبه المترجم فقط، بل وفي كتاب د. سيد القمني «إسرائيل: التوراة، التاريخ، التضليل» الذي ذكر المترجم أنه يحوي تلك المقالات التي نشرها د. القمني في جريدة «مصر الفتاة» محتوى الفصل الأول من مخطوطة المترجم! والكتاب نشرتْه «دار كنعان» للدراسات والنشر ومقرُّها دمشق، وطُبعت منه ألفُ نسخة في طبعته الأولى عام ١٩٩٤م، ونلاحظ في هذا الكتاب أن المترجم صاحب المخطوطة يَرِدُ ذكرُه في صفحة رقم ٩٧ بعنوان «التأسيس» في الهامش أسفل الصفحة هكذا «إيمانويل فليكوفسكي: عصور في فوضى عن ترجمة مخطوطة قام بها الطبيب د. رفعت السيد»، وفي حين أن هذه الصفحة بداية لفصل طويل موضوعه كله مناقشة د. القمني لوجهات نظر «فليكوفسكي» في الكتاب الأصلي «عصور في فوضى» من خلال المخطوطة المترجمة، فإننا لا نجد بعد ذلك أيَّةَ إشارة إلى المترجم ومخطوطته إلا هذه المرة الوحيدة! حتى في ثبْت المراجع واستشهادات البحث الواردة في آخر الكتاب لا يرد ذكْرُ المترجم ولا مخطوطته! مع أن د. القمني نراه يُورِد في هوامش بعض الصفحات المراجعَ وأصحابها ويعود إلى ذكرها مرة أخرى في ثبْت المراجع واستشهادات البحث آخر الكتاب! وفي نص إهداء «فليكوفسكي» كتابَه لأبيه، يلتزم د. القمني بترجمة د. رفعت السيد بالنص! وفي كثير من المواضع يفعل نفس الشيء مع إضافات وتعليقات بالطبع، وكان هذا ما طالعناه من أوراق المسألة هنا وهناك، ونثيره بكل الحرص على ألا يظلَّ اتهامُ المترجم للدكتور القمني معلقًا في ثنايا صفحات كتابه الصادر مؤخرًا ودون جلاء لحقيقة يملكها المترجم ود. القمني وحدهما فقط.

١  مقال كتبه الأستاذ حازم هاشم بصحيفة الوفد بتاريخ ٧ / ١١ / ١٩٩٥م، القاهرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤