الشكَّاك

تعوَّدْنا باستمرار،
كلَّما بدا لنا أنَّنا وصلْنا للجَواب عن سؤالٍ مُعين،
على أن يفُكَّ واحد منَّا عُقدة الحَبل الذي يشدُّ
الستارة الصينية البيضاء،
بحيث تنزِل على الحائط ويظهَر عليها الرجُل الجالس على الأريكة،
ذلك الرَّجُل المُسرِف في الشك.
قال لنا: أنا الشكَّاك،
وأشكُّ في أنَّ العَمَل الذي ابتلَع أيامَكم قد حالَفه التوفيق،
وأن ما قُلتُموه — حتى ولو كان قد قيل بطريقةٍ سيئة —
كانت له أيُّ قِيمة بالنِّسبة لبعض الناس.
أو أنَّكم أحسنتُم في قوله ولكنَّكم لم تَثِقوا في صِدقه،
أو أنه قِيل بطريقةٍ مُلتبِسة، بحيث تتحمَّلون وِزر أيِّ خطأ مُمكن،
أو كان مُحدَّدًا وقادِرًا على استِبعاد التناقُض من الأشياء،
لكن ربَّما كان مُحدَّدًا أكثرَ من اللازِم!
وعندئذٍ يكون ما قُلتموه غيرَ صالِحٍ للاستِخدام
ويكون ما صنعتُم فاقدًا الحياة.
هل تعيشون حقًّا في مَجرى الأحداث؟
هل أنتم مُتفاهِمون مع كلِّ ما يتحوَّل ويصير؟
وهل ما زِلتم كذلك تتحوَّلون وتصيرون؟
من أنتم؟ لمن تتكلَّمون؟ من المُستفيد ممَّا تقولون؟
وعلى فكرة: هل يُساعِد على إيقاظ الوعي؟
هل يصلُح للقراءة في الصباح؟ وهل هو مُرتبِط بالواقع الراهن؟
وهل تُستخدَم العِبارات التي تُقال أمامكم،
أو تجِد على الأقلِّ من يَعترِض عليها ويُفنِّدها؟
وهل كلُّ ما يُقال مُدعَم بالحُجَّة وقائمٌ على أساس؟
على الخِبرة؟ وأية خِبرة؟
وقبل كلِّ شيءٍ ودائمًا وأبدًا قبلَ كلِّ شيء:
كيف يكون سلوك الناس عندما يُصدِّقون ما تقولون؟
ثم قبل كلِّ شيء: كيف يتصرَّف الإنسان (بشكلٍ عملي)؟
استغرَقَنا التأمُّل، مع حبِّ الاستطلاع، في الرجُل
الشكَّاك الأزرَق الذي يظهَر أمامنا على الشاشة البيضاء.
أخذنا ننظُر إلى بعضِنا
وشرعنا في البَدء من البداية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤