فاتحة
هذه مجموعةٌ من الأبحاث والدراسات في الميثولوجيا وأديان الشرق القديم، يعالج كلٌّ منها موضوعًا خاصًّا ولكنه وثيق بما يليه؛ وذلك وفق خطةٍ مدروسة بعنايةٍ تجعل من أبحاث الكتاب سلسلة متصلة، يؤدي كل بحثٍ إلى آخَر ويساعد على توضيح مقدماته، وولوج القارئ إليه بيسرٍ وسهولة. فإذا عمدتَ إلى قراءةٍ متصلة للكتاب خرجت بحصيلةٍ واحدةٍ تلخص أهدافه ومراميه؛ وإذا فضلت قراءة انتقائية وعلى فتراتٍ متقطعةٍ، خرجت بحصيلةٍ جزئية يوصلك إليها كلُّ بحثٍ على حدة؛ فالقارئ، والحالة هذه، مخيَّرٌ بين طريقتين، وفي كلٍّ خير.
لم تُكتب هذه الأبحاث على فتراتٍ متباعدة، ولم يُنشر أي منها مُستقلًّا في الصحف أو الدوريات، وإنما كُتبت بشكلٍ مطرد خلال عامين استنادًا إلى مسوداتٍ سابقة وملاحظاتٍ متفرقة وترجمات مبدئية أعددتها لعددٍ من نصوص الشرق القديم. وكما سيلاحظ القارئ في إقباله على هذا الكتاب، فإن معظم موضوعاته كان يستحق مني أن أفرد له كتابًا خاصًّا يستنفذ جوانبه كلها، ويسمح ببسط التفصيلات التي تم عرضها هنا في خطوطها العامة وبكثيرٍ من التكثيف والإيجاز، ولكن «العين بصيرة واليد قصيرة» على حدِّ قول المَثَل السوري الدارج.
وقِصر الزمن وضيقه أكثر إيلامًا للنفس من قصر اليد؛ غير أن إحساسي بالتقصير عن بلوغ الأرب، يخفف منه معرفتي بأن عملية البحث هي سلسلةٌ متتابعة الحلقات؛ فمن قصَّر هنا أو توقف هناك، سيليه من يفلح من حيث قصَّر ويتابع من حيث توقف؛ خصوصًا إذا انجلت أمامه هذه الشروط الكابحة التي يعيشها باحث اليوم على كلِّ صعيد، في هذه المنطقة من العالم.