الفصل الخامس عشر

جيم يستأنف سرد القصة

حامية عسكرية في قلب الحصن

ما إن رأى بن العلم يتطاير حتى نبهني إلى أنني يمكنني أن أجد أصدقائي هناك، وظننت أن القراصنة هم الموجودون هناك، لكنه أخبرني أن القراصنة ما كانوا ليرفعوا علم بريطانيا وإنما علم القراصنة المرعب، ذلك العلم الأسود المشهور الذي يحمل جمجمة عليها عظمتان متقاطعتان مطبوعتان باللون الأبيض.

قال بن: «هذا المكان بناه فلينت نفسه، الذي لم يكن يخشى أي مخلوق سوى لونج جون سيلفر!»

أجبته: «حسنًا، لنذهب إلى هناك قبل أن يعثر سيلفر علينا!»

لكن بن الذي لم يكن يثق في إنسان، قرر ألا يذهب. وجعلني أقسم له أن أرسل إليه أحد أفراد معسكرنا غدًا للقائه؛ فلديه اقتراح لنا. وقد أصر أنه لا بدّ أن يأتي أحدنا رافعًا بيده منديلًا أبيض من أجل دواعي الحيطة والحذر.

وأضاف بن قائلًا: «وإذا وقعت في يد سيلفر، لا تدعه يعرف أن بن جان موجود في هذه الجزيرة. فستكون هذه أخرتنا!»

وعدته بأنني لن أفعل هذا، وفي تلك اللحظة، وقعت إلى جانبنا مباشرة قذيفة مدفع فرقتنا، وركض كل منا في طريقه. استمرت القذائف، وكنت على يقين من أنهم يطاردونني. وبعد قليل وصلت إلى أرض فضاء ورأيت أن الهيسبانيولا بعيدة عن الشاطئ ويرفرف عليها علم القراصنة.

ورأيت أيضًا ما الذي كان القراصنة على الشاطئ يفعلونه؛ لقد كانوا يفصلون أجزاء القارب الذي يُلحق بالسفينة ويلقون بالخشب في النيران المستعرة. وكان أولئك الرجال، الذين كانوا مكتئبين بشدة في إحدى المرات وهم يجدّفون بالقوارب الخفيفة جيئة وذهابًا إلى السفينة، يصفقون ويتشدقون بالأغاني ويبدون مثل الحمقى والسفهاء. وكدت أشعر بالأسف على الرجال الذين يتصرفون كالحيوانات المتوحشة.

ورأيت أن هذا الوقت مناسب كي أشق طريقي نحو الحصن، وبينما كنت في طريقي، إذ بي أتعثر بالصخرة البيضاء التي يخفي بن قاربه عندها، وحفظت الأمر في قلبي تحسبًا لاحتياجه في وقت لاحق، وواصلت مسيري وتسلقت سور الحصن واتجهت إلى زمرة أصدقائي.

وعلى الفور أخبرتهم بما جرى معي، ثم أخذت أتحقق من الحصن، فوجدته يفي بالغرض، لكنه كان مليئًا بالدخان من النيران التي كنا نشعلها، ناهيك عن أن جراي المسكين كان معصوبًا من جرّاء الطعنة التي تلقاها في وجهه، وكانت جثة ريدروث المسكين ترقد باردة في أحد أركان الغرفة.

لكن الكابتن بحكمته جعل كلًّا منا ينهمك في بعض المهام؛ نجمع الحطب، ونحفر قبرًا من أجل ريدروث. وتحدثت إلى الطبيب بشأن بن، فقال لي أن لديه شيئًا مميزًا من أجله.

«لدي في منديلي قطعة من الجبن المطبوخ المستوردة من إيطاليا، وسنعطيها له.»

وعقدنا اجتماعًا، ولما أحصينا عدد المتمردين المتبقين وجدناهم خمسة عشر متمردًا فحسب؛ اثنان منهم مصابان، وواحد أصابته المدفعية ومات على الأرجح. وأدركنا أن الجو والبعوض سرعان ما سيتركان أثرهما في الباقين منهم، وقد يمرضون بعد قليل ويصيرون في حالة مزرية.

قال الطبيب: «قد يقررون ببساطة الرجوع في السفينة ويرحلون ويعودون لمزاولة القرصنة.»

دمدم الكابتن، لكنه سرعان ما أدرك أن فقدان سفينته الأولى قد يكون أفضل شيء يحدث لنا.

فجأة، سمعنا صوتًا يرتفع.

«هناك علم هدنة! إنه سيلفر نفسه!»

فركت عيناي وهرعت إلى كوة الجدار لأحدق عبرها.

•••

رأينا رجلين، أحدهما سيلفر الذي كان يلوح براية بيضاء.

قال الكابتن: «من هناك؟»

أجاب سيلفر: «إنني أطالب بالهدنة، سأصعد أنا الكابتن عندك لنصل إلى اتفاق.»

تأفف الكابتن من سيلفر الذي يدعو نفسه كابتن، ومع ذلك وعد بألا يؤذي سيلفر إن جاء إلى هذا الحصن غير مسلح. قفز سيلفر فوق السور، وقد شق طريقه ببطء وصعوبة، فوق التل باتجاهنا. وكان سيلفر يرتدي السترة الزرقاء، أبهى حلله، وقبعة مزخرفة طرفها في مؤخرة رأسه.

وعندما دخل الحصن لم يسمح له الكابتن بذلك، وأُجبر سيلفر على أن يمكث في الرمال على الجانب المقابل من الكابتن.

قال سيلفر: «إنه صباح قارص البرودة يا سيدي على أن أجلس على الرمال في الخارج.»

لم يكترث الكابتن لكلامه مخبرًا سيلفر بأنه هو من جلب على نفسه هذا.

«أنت إما طباخ السفينة، أو الكابتن سيلفر وفي هذه الحالة أنت متمرد وقرصان ويمكن أن تُشنق!»

رأى سيلفر كيف أن كل واحد منا يضطلع بحماية أحد أركان الحصن وقد حيانا جميعًا، وعندئذ أشار إلى أن الكابتن قد قتل أحد رجاله في الليل عندما كانوا يقضون وقتًا طيبًا معًا. طار قلبي فرحًا إذ أدركت أن هذا صنيع صديقي الجديد بن جان.

قال سيلفر: «حسنًا، على كل حال نحن نريد الكنز. وأنتم تريدون النجاة بحياتكم؛ وأنتم لديكم الخريطة، والآن لا أنوي أن أؤذيكم …»

عندئذ ثار ثائرة الكابتن، وأخبر سيلفر أنه يعرف خطته بالكامل، ويرفض أن يلبي له أي مطلب.

حدق كل منهما في عيني الآخر دون أن ينبس ببنت شفة، وكان الأمر أشبه بمشاهدة مسرحية على المسرح.

تكلم سيلفر بعد لحظات: «أعطنا الخريطة وسيكون أمامك اختيار من اثنين: إما أن نأخذكم معنا ونعود بكم ونترككم في مكان آمن، أو يمكنكم المكوث هنا وسنعطيكم نصف مخزوننا من المؤن، وهذا كرم مني.»

قال الكابتن: «هل هذا كل ما لديك؟ إن كان الأمر كذلك، اسمعني أنت، إليك ما لدي، إذا جئتم إليَّ فردًا فردًا غير مسلحين، فلسوف أكبل كل واحد منكم وستخضعون لمحاكمة عادلة، وإذا لم تأتوا فلسوف أراكم جميعًا غرقى في قاع البحر. لن تعثروا على الكنز. كما لا يمكنكم أن تبحروا بالسفينة، وهذه آخر الكلمات الطيبة التي تسمعونها مني، وبعدها ستتلقى طلقة في ظهرك. والآن اغرب عن وجهي.»

قال سيلفر بصوت مرتفع: «حسنًا، دعنا نتصافح للتصديق على ما توصلنا إليه.»

أجاب الكابتن: «أرفض هذا رفضًا تامًا.» ورفضنا نحن أيضًا بدورنا.

فزحف سيلفر إلى الخارج، وعندما خرج بصق في نبع مياهنا العذب.

قال سيلفر: «هذا هو رأيي فيك! اضحك كيفما شئت الآن، وستندم بعد ساعة من الآن. محظوظ من سيموت!» وقد شق طريقه نحو السور وهو يصرخ بهذا ويلعن، حيث جره رجاله إلى الجانب الآخر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤