الفصل التاسع عشر

نكست علم القراصنة وجعلت إسرائيل هاندز يساعدني في ذلك

تأرجحت وأنا معلق في عمود السفينة، وأدركت أنني لا بدّ أن أنطرح في البحر، وكانت ضربات قلبي تتسارع بشدة عندما زحفت عائدًا إلى ظهر السفينة، ووقعت عيناي على منظر مفجع ومحبط؛ إذ كان الطين يغطي كل الأرجاء مكونًا طبقة جافة، وكانت هناك زجاجة مكسورة تتدحرج في أرضية السفينة جيئة وذهابًا. ووجدت أن كل الأشرعة مرفوعة، لكن الحارسين يرقدان على كومة على سطح السفينة.

رأيت إسرائيل والبحار الآخر يتدحرجان مع الرياح، ومع أن إسرائيل كان يتحرك، إلا أن الآخر كان يرقد على ظهره ثابتًا كالصنم، وتعلو وجهه ابتسامة مريعة؛ لقد كان غارقًا في بحيرة من الدماء. وفجأة بدأ إسرائيل يتأوه وينقلب، ورأيته مجروحًا وينزف. سرت بتؤدة نحو جسده ونظرت إليه من أعلى.

قلت في سخرية: «أفق يا مستر هاندز.»

وعندئذ انقلب هاندز وطلب شيئًا ليشربه إذ كان يشعر بظمأ شديد، وأدركت عندئذ أنه يستطيع القيام بنفسه، ولم يكن لدي وقت لأهدره، فأسرعت إلى الجزء السفلي من السفينة لأجد كل شيء مدمرًا؛ الطين والزجاج المكسور في كل الأرجاء، والكتب مفتوحة، والمخزون من المؤن مبعثر على نحو عشوائي. وفي الضوء الباهت أخذت أبحث عن طعام وبرميل ماء، فعثرت على بسكويت، وفاكهة محفوظة، وزبيب، وبعض الجبن. فأحضرت هذا إلى الجزء العلوي من السفينة، وبعدما تناولت وشربت كفايتي، أعطيت لهاندز بعض الجبن والبسكويت، بالإضافة إلى بعض الماء ليشرب.

سألته: «هل تشعر بالألم الشديد؟»

أومأ برأسه وتأوه وقال: «لقد مات. والآن، من أين جئت؟»

«لقد جئت لأرجع بالسفينة، وستدعونني الكابتن حتى إشعار آخر.»

نظر إليّ شزرًا، ولم ينبس ببنت شفة. وأخبرته أنني سوف أنكس علم القراصنة ثم صعدت وفككت العلم في سعادة.

قلت: «هناك آخرة لسيلفر.»

قال هاندز: «حسنًا، أنا وهذا الرجل كنا ننوي أن نعود بالسفينة، والآن مات هذا الرجل ونحتاج إلى رجلين للإبحار بها، لذا أقترح أن تحضر لي منديلًا كي أربط به رجلي النازفة، وسأساعدك في العودة بها.

أجبته: «لست أحمق، لن أعود إلى خليج كيد حيث يكون سيلفر.»

– «حسنًا، ليس أمامي خيار الآن، أليس كذلك؟ إنها سفينتك الآن، وأنا مجروح، لذا سوف أبحر أينما تريد، أقسم لك!»

وعندئذ عقدنا اتفاقًا، وقد ربطت جرحه ثم تناول هاندز قدرًا يسيرًا من الطعام، ثم بدأنا نبحر بالسفينة لنعود بها إلى الشاطئ. وبعد قليل كنا في طريقنا، ولكن حينما أخذ يستعيد قوته، رأيت نظرته المنكسرة تتحول إلى سخرية. ثم بدأ يراقبني بمكر عن كثب وهو يحدق إليّ وأنا أعمل.

•••

والآن شققنا طريقنا أنا وهاندز تحت إرشاده عبر المياه المزبدة في عرض البحر في سفينة الهيسبانيولا. وتوقفنا مرة أخرى بعد قليل لتناول وجبة أخرى، وبدأنا نتحدث.

قال هاندز: «حسنًا أيها الكابتن، أتساءل هل بمقدورك أن تنزل إلى أسفل وتحضر لي المنظار؛ فهاتان العينان الكليلتان تحتاجان إلى بعض المساعدة في ضبط مسارنا.»

حول نظره عني ونظر نحو البحر، وكان من الجلي أنه ينوي أن يفعل شيئًا ما خلسة، ويريدني أن أبتعد عن سطح السفينة، لكنني فكرت أنه ربما يكون بمقدوري أن أفوقه حيلة.

قلت له: «بالطبع، لن يستغرق هذا مني سوى لحظة واحدة.»

وبعدها أسرعت إلى أسفل، وخلعت نعلي، واقتربت منه عن طريق ممر آخر حيث يتسنى لي رؤيته دون أن يراني، فرأيته وقد دبت الروح فيه، وأخذ يزحف بعناء نحو الرجل الميت، وانتزع من جسده سكينًا، ومسح الدم عنه، ثم دسه في كمه وزحف إلى مكانه مرة أخرى. وصار من الجلي أنه ينوي قتلي.

رجعت بسرعة إلى الجزء السفلي من السفينة لأجد منظاره، وأدركت أنه كان في حاجة إليّ كي أقود السفينة لأعود بها إلى الشاطئ، وعندما نصل إلى هناك سأكون في حيص بيص، لكني الآن في أمان.

عدت إلى أعلى السفينة وأعطيته آلته النحاسية المصقولة.

ثم قال هاندز: «والآن يا كابتن هوكينز، اتبع أوامري ولسوف نصل إلى الشاطئ في وقت لا يُذكر.»

وقد أراني أين عسانا أن نصل، وبدأت أضبط الشراع، وأتأكد من أننا سنبلغ مبتغانا.

قال هاندز: «اثبت، اثبت، اثبت!» وفي اللحظة الأخيرة غيرت اتجاهنا، واتجهنا نحو شاطئنا. وكنت منكبًّا على العمل حتى إنني لم أشعر به ورائي إلا في اللحظة الأخيرة، فاستدرت وصرخت عندما رأيته يندفع نحوي، وأطلقت الشراع الذي سرعان ما أطبق عليه بإحكام وكبح جماحه تمامًا. وقبل أن يستطيع أن يحرر نفسه منه، ركضت بعيدًا، لكنه كان عاقد العزم على أن ينال مني.

وبسرعة حاولت الوصول إلى مسدساتي وضغطت على الزناد، لأجد أن مياه البحر قد أفسدتها، فلعنت غبائي وركضت مرة أخرى. وكان هاندز يتحرك بخفة غير معهودة لرجل مجروح، وسرعان ما ضيق الخناق عليّ على ظهر المركب. راوغته وراوغني، وظللنا على هذا المنوال بعض الوقت، وكل منا يحترز من الآخر.

وعندئذ، ارتطمت السفينة على حين غرة بالشاطئ، فألقت الرجّة الناجمة عن الارتطام بنا في الهواء، وعندما توقفت، مالت السفينة فلم يكن هناك مكان للوقوف على سطحها، تعثر هاندز بالجثة، في حين كنت أنا أتسلق إلى أعلى نحو قمة صاري السفينة، وهناك حشوت مسدساتي في عجالة وجعلتها قيد الاستعمال. رفع هاندز عينيه نحوي وأخذ يهزأ بي في خبث، ثم وضع سكينه بين أسنانه وبدأ يتسلق الصاري ورائي ببطء وعناء شديدين. وبعد وقت قليل، دنا مني بدرجة كبيرة أزعجتني.

قلت له: «خطوة واحدة أخرى يا سيد هاندز، وسوف أنسف رأسك.» وكانت تمتزج بنبرتي بعض السخرية، إذ خِلت أنني المنتصر. توقف هاندز مكانه، وأدركتُ بطء تفكيره، ثم أخرج الخنجر من فمه كي يتحدث.

– «حسنًا، نحن عالقان، ولولا هذا الارتطام لكنت نلت منك، لكنني غير محظوظ.»

وابتسمت عندما لاحظته يسحب يده بخفة وببطء إلى الوراء، وأمسك بسكينه الذي صوبه نحوي مباشرة فثبتَ كتفي بالصاري. صرخت متألمًا، وبعد أن أطلقت نيران كلا المسدسين من هول الصدمة، وألقيتهما في المحيط، لكنهما لم يسقطا وحدهما؛ إذ صحبهما إسرائيل هاندز ميتًا إلى قاع المحيط.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤