تعالَ نتمرَّن على الحوار

من النظري إلى العملي

خلال الفصول القليلة السابقة استعرضنا جوانبَ أساسيةً لتقنية الحوار في السرد، تناوَلْنا أهميتَه والمسافة التي تفصل الحوار في أي عملٍ فني عن أحاديث الناس في حياتهم اليومية، وكيف أن العمل الفني يجب ألَّا ينقل حرفيًّا تلك الأحاديثَ مهما كان حريصًا على المصداقية. أشرنا بعد ذلك إلى أهم الأدوار التي يلعبها الحوار من كشفٍ لطبيعة ودواخل الشخصيات، وتطويرٍ للحبكة، ودفْعٍ للأحداث، وكيف يمثِّل استراحةً من السرد ويكسر رتابته، ويُضفي مزيدًا من المصداقية على الشخصيات. كما عرضنا بعضَ المسائل التقنية والشكلية لكتابة الحوار، وسُبُلَ تمييزه عن سائر فقرات السرد، ونوَّهنا إلى تقنية الكلام غير المباشِر ودورها في تجنُّب الثرثرة، وطريقتها الخاصة في عكس مشاعر الراوي على ما يسمعه، ثم ختمنا بالتأكيد على المراجعة النهائية للحوار وتفقُّد كلِّ جوانبه مع قراءته بصوتٍ مسموع.

الآن، أدعوك إلى الانتقال من الجانب النظري إلى العملي، حتى تثبت تلك المهارات والوسائل وتقترب من إتقانها التام، من خلال ممارسة بعض التمارين، مع ملاحظة أن التمارين التالية ليست نهاية القول، ويمكنك على الدوام ابتكار تمارينك الخاصة بحسب احتياجك وذوقك.

  • (١)
    احذف وأَضِفْ: من المفيد أن تميل لنقد أي حوار فني تلتقي به في الدراما أو الأدب؛ في أثناء مشاهدةِ فيلمٍ أو قراءةِ عملٍ أدبي استقبِلِ الحوارَ بعين متشكِّكة، اسأل نفسك: أَلَا يمكن أن يكون أكثرَ رشاقةً وأدقَّ تصويبًا نحو الهدف إذا حُذِفت عبارة أو جملة، أو أُضِيفت أخرى، أو تمَّ تعديلها؟ لن ينتقص هذا من متعتك بقدر ما سيُدَرِّبُك على تنظيفِ الحوار من شوائبه وصَقْلِه؛ ممَّا يؤهِّلك لكتابة حوار رائع في نصِّك.
  • (٢)
    خارج السياق: اكتب من خمس إلى عشر جُمَلٍ حوارية مقتطَفة من سياقها، لكنها تساعد في الإفصاح عن ملامح شخصية قائلها بطريقةٍ أو بأخرى.
  • (٣)
    خلاف: اكتبْ حوارًا بين طرفين يخوضان خلافًا حول أمرٍ محدد، قد يكونان زوجين مختلفين حول طريقة إنفاق مبلغٍ من المال؛ هل يسافران لقضاء إجازة أم يضيفانه إلى مدَّخراتهما؟ حاوِلْ ألَّا تنحاز إلى وجهة نظر أحدهما دون الآخَر، دافِعْ عن منطق كلِّ طرف بقدر استطاعتك، لا بد أن يخرج الحوارُ أقربَ إلى رقصة لفظية رشيقة، يتبارى فيها كلٌّ منهما بأسلحته الظاهرة والخفية، ويدافع عن رأيه ويهاجم منطقَ الآخَر.
  • (٤)
    داخل السياق: اكتبْ حوارًا مُفْعمًا بالمشاعر والعواطف بين شخصين، دون أيِّ ذِكْرٍ للمشهد المحيط بهما أو ما يفعلانه في أثناء حديثهما، ثم أَعِدْ كتابة الحوار نفسه، مع تطعيمه بعناصر المشهد البصري الضرورية؛ المكان والزمن، وماذا يفعلان. ارسمْ صورةً بصرية واضحة لكلِّ شخصية بينما تتحدَّث. جرِّبْ أكثرَ من سياقٍ لاكتشاف كيف يمكن أن يؤثِّر هذا على الكلام المنطوق ونبرته. إذا تخيَّلْتَ — على سبيل المثال — شابًّا وفتاةً اقترَبَ موعدُ زفافهما؛ فمن المؤكد أن حديثهما سيختلف إذا ما كان في جلسة هادئة على النهر، أو كانَا يقومان بتفقُّد الأجهزة المنزلية في أحد المتاجر، أو منهمَكَين في طلاء جدران شقة الزوجية معًا.
  • (٥)
    انقلْ وأوجِزْ: اختَرْ كاتبًا تُعجَب به، وأَعِدْ قراءةَ إحدى قصصه منتبهًا إلى الحوارات التي أدرَجَها بنصِّها، في مقابل تلك التي أخبر عنها بطريقة الخطاب غير المباشِر، وتبيَّنِ الفرْقَ بين كلٍّ منهما، ثم ابتكِرْ حوارًا طويلًا خاصًّا بك، تمضي فيه إحدى الشخصيات في الكلام طويلًا، تشتكي أو تجادل شريكًا، أو تعيد سرْدَ ذكرى قديمة. الآن قُمْ بتحويل أكبر قدر ممكن من حديث تلك الشخصية إلى الخطاب غير المباشِر، على طريقة: «وأخذ يروي، ثم واصَلَ حديثه عن …» حتى تتقن استخدام تلك الوسيلة الحيوية، وتدرك متى تستطيع الاستعانة بها.
  • (٦)
    كلٌّ يغنِّي: في بعض الأحيان — إنْ لم يكن في كثيرٍ من الأحيان — لا تتجاوب الشخصياتُ مع ما سمعَتْه من الطرف الآخَر، بقدر ما تهيم غارِقةً في أفكارها الخاصة وأهدافها الخفية. اكتبْ حوارًا يدور بين شخصين على الفراش أو مكانٍ حميم آخَر. دَعْهما يتحدثان لبضعة سطور على راحتهما دون أن يكون هناك تواصُلٌ حقيقي بينهما؛ إذ يبقى كلٌّ منهما يغني على ليلاه، متتبِّعًا خيطَ همومه وأفكاره، دون إنصاتٍ حقيقي لما يقوله الآخَر إلا بوصفه وسيلةً للرجوع من جديد إلى ما يودُّ التعبير عنه.
  • (٧)
    نُسَخ مختلفة: تذكَّرْ حديثًا جرى بينك وبين زميلٍ أو صديق مؤخَّرًا — يُستحسَن أن يكون صديقُك كاتبًا مثلك — واكتبه كما تتذكَّره على وجه التقريب، ثم اطلب منه أن يفعل الأمر نفسه. قارِنَا النسختين معًا، ضَعَا أيديكما على الفروق والاختلافات وما تذكَّرَه كلٌّ منكما. فكِّرْ فيما يُنبِئُك به هذا التمرين عن الحوار كما دار، ثم كما قد تتذكَّره شخصية أو أخرى.
  • (٨)
    أسرار وأكاذيب: ابتكِرْ موقفًا تتجنَّب فيه إحدى الشخصيات الاعترافَ بحقيقةٍ ما، لسببٍ أو لآخَر، تراوِغ وتتملَّص؛ كيف يمكنك أن تعكس الحقائقَ المضمرة بين السطور؟ فكِّرْ في الاحتمالات التالية: منسِّقةُ زهورٍ طلَّقَها زوْجُها مؤخرًا، تساعد عروسًا شابَّة في اختيار زهور حفل الزفاف؛ زوجٌ يشكو لصديقه المقرَّب إحساسًا غامضًا بأن مشاعر زوجته تغيَّرَتْ نحوه، ثَمَّة علاقة عاطفية بين الزوجة وهذا الصديق؛ أبٌ يساعد ابنه في تجهيز حقيبة السفر للعمل في الخارج، الأب يشجِّع ابنه ويداعبه، لكنه يُضمِر مشاعِرَ أخرى تغلبه أحيانًا.

•••

في الفصل التالي وقفة عن علاقة الكتابة بفن الطبخ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤