تكوين المشهد

شذِّبْ مشهدَكَ

في كتابة السيناريو — ومن قبله المسرحية — يُعَدُّ المشهد هو الوحدة الأساسية لتركيب البناء الدرامي للعمل، على الورق ثم على الشاشة أو على خشبة المسرح. وعلى الرغم من أن كتابة السرد لها معاييرها المختلفة، واعتباراتها الخاصة بالوحدة، فهناك كُتَّاب كثيرون يتَّخذون من المشهد لَبِنَةً أُولى في كتابتهم السردية. آخرون غيرهم قد يميلون إلى الفصل أو الفقرة أو حتى الجملة الواحدة، غير أن المشهد يبقى له ثِقَلُهُ وأهميته في الكتابة السردية؛ إذ يظل غالبًا هو الإطار المحدِّد للحدث.

المشهد ببساطة هو مكان وزمن وحركة، فعلى عكس الأحلام والخيالات لا يحدث أي شيء في الحياة الواقعة خارج نسيج الزمن والمكان، وإذا ما أدركتَ هذا فلا بدَّ أن تضع حركةَ شخصياتك في هذا الإطار المحدَّد، وأن تقدِّمه لقارئك من خلال وحدة المشهد. لا يمكنك أن تشرع في وصف شخصيةٍ أو شيءٍ أو حدثٍ، إن لم تضع أولًا الخطوطَ العامة لمشهدك ومحيطه. يمكنك الاستفادة من خبرات كتابة السيناريو في أكثر من نقطة، منها أن تعرف أين يدور مشهدك، وفي أي لحظة، قبل الشروع في كتابته. بالطبع لن يكون اختيار هذين العنصرين عشوائيًّا، لكن هذه قصة أخرى.

يشير الكاتب الأمريكي «سِيد فيلد» في كتابه «السيناريو» إلى أنَّ لكل مشهد — شأنه شأن التتابع أو الفصل أو السيناريو كاملًا — بنيةً مكتملة؛ أيْ بدايةً ووسطًا ونهايةً، ومع ذلك فليس عليك إلا أن تَعرض جزءًا محدَّدًا من مشهدك، أن تركِّز العدسة على جزئية بعينها، كما أنك تستطيع أن تبدأ مشهدك السردي بعد نقطة بدايته الزمنية، فلا يجب أن تتقصَّى البدايات الأولى لكل شيء؛ أيْ أنْ تبدأ من المنتصف، وأن تُنهِي قبل النهاية الطبيعية أو المفترَضة. إنها لُعبة اختزال وتكثيف من أجل شد الوتر وضبط الإيقاع وعدم الوقوع في فِخَاخ الترهل والثرثرة. تخيَّلِ الآنَ مشهدًا طويلًا يدور في حديقةٍ يومَ عيد، لو تتبَّعتَ جميعَ تفاصيل أحداث اليوم منذ بدايتها وحتى آخِر اليوم لَأثقلتَ مشهدَك بالبدايات والنهايات المتلكِّئة والزائدة عن الحاجة، التقِطِ اللحظة الخاصة والمطلوبة وذات التأثير، ثم قُصَّ جناحَيْهَا الفائضين، لتبرز هي وتلمع.

لا يعني هذا بالضرورة أن المشهد يجب أن يكون قصيرًا ومكثَّفًا وسريعًا على الدوام، فطُولُ المشهد في الكتابة السردية يختلف عن طوله في العمل الدرامي الذي قد يخضع لاعتبارات عملية وإنتاجية عديدة، أمَّا على الورق فقد يستمر مشهدُك لصفحات عديدة، ما دام يوجد لديك ما يُقال وما يُضاف كلَّ لحظة؛ وقد تُختطَف لقطةٌ سريعة في بضعة سطور؛ هذا ما يخلق إيقاعَ سردك، المهم أن تعرف أيُّ المشاهد يستحق أن يوجد أولًا بين صفحاتك، ثم أن تحدِّد الطولَ المناسِب له، وكيفيةَ الانتقال بينه وبين المشاهد الأخرى، وهذه أيضًا قصةٌ أخرى أقربُ لعملية المونتاج في السينما.

عناصر المشهد

إلى جانب عنصرَي الزمن والمكان، الأساسيَّيْن لأي تجربة إنسانية أو سردية — ما لم تكن حُلمًا أو خيالًا — هناك العديد من العناصر الأخرى التي يجب أن تضعها في اعتبارك وأنت ترسُم مشهدًا؛ وأهمها الشخصية. فهل يوجد شخص أو أكثر في مشهدك، أم أنه أقرب إلى الطبيعة الصامتة، مثل مجرَّد وصف لشارع خاوٍ في الفجر؟ إذا كان هناك شخص أو أكثر، فماذا يفعل؟ وكيف يتحرَّك؟ وماذا يقول؟ وما ثيابه؟ وما هو التفاعل بينه وبين الآخرين؟ إلى آخِر تلك الأسئلة التي يُفترَض أن تجيب عنها تلقائيًّا وأنت تكتب سردك. ثم هناك الإضاءة، طبيعيةً كانت أم صناعية؛ أهي شمس الظهيرة؟ أهي مصابيح ضعيفة؟ إلى آخِره. وبالطبع أضِفْ إلى ذلك الحواسَّ الخمسَ، من سمعٍ وبصرٍ وتذوُّقٍ ولمسٍ وشمٍّ، كل ما يمكن أن يدخل عبر تلك الحواس قد يكون عنصرًا من عناصر تكوين مشهدك، إذا احتجتَ إليه، ولا داعيَ لأن نكرِّر الآن أنَّ كل تلك ألوان متاحة أمامك لتغمس فرشاتك فيها وتزيِّن بها مشهدك، دون أن تكون مضطرًّا لاستخدامها جميعًا في كل مشهد، المهم أن تضعها في محيط بصرك، وألَّا تغفُل عنها.

ثمة عنصر مهمٌّ للغاية كثيرًا ما يتناساه كتَّابُ السرد — ربما لأن لديهم متَّسَعًا من الورق والحبر، على عكس كُتَّاب السيناريو الذين يعملون تحت قيودٍ إنتاجية واضحة — أَلَا وهو الغرض من ذلك المشهد؛ ما الذي يقوله؟ ماذا يضيف للحكاية ككلٍّ؟ ما الخطوة التي يدفع بها الأحداثَ قُدُمًا؟ هل يَشِي بالمزيد عن الشخصيات وطبيعتها أو أزْمتها، أم أنه يطوِّر طبيعة العلاقات بينها؟ إن لم يكن لمشهدك دورٌ أو وظيفة سردية واضحة، فعليك أن تراجع نفسك بشأنه؛ فقد يكون حجر عثرة في طريق سردك، وإنْ كانت وظيفتُه جماليةً فلا بأس، ولكن حتى المَشاهد ذات الغرض الجمالي يمكن لها أن تلعب دورًا في السرد، تمامًا كما يمكن للمَشاهد الدرامية أن تتَّسِم بمسحة جمالية على الرغم من أغراضها المباشِرة والواضحة، فلا داعي لهذا الفصل الباتر.

العبْ مع المشهد

  • (١)

    اختَرْ مشهدًا طويلًا من فيلم أو رواية، وأعِدْ كتابته بحيث يكون أكثف وأقصر، ما الذي يمكن حذفه دون أن يُخِلَّ هذا ببنية المشهد وبدوره؟ ثم اخترْ مشهدًا قصيرًا للغاية من فيلم أو رواية، وأعِدْ كتابته بحيث يكون أغنى وأطول، ما الذي يمكن إضافته لعناصر هذا المشهد بحيث يكون أقوى أثرًا دون المجازفة بالإطالة والترهُّل؟

  • (٢)

    اكتب قصةً في مشهد واحد، في زمن ومكان محدَّدَيْن، وبشخصيات محدَّدة، وأفعال وأحداث معدودة.

  • (٣)

    اكتبْ قصةً على طريقة كتابة السيناريو، التزِمْ بوصف الحركة والحوار دون البَوْح بما في داخل الشخصيات أو أفكارها. اكتبِ الصوتَ والصورة فقط في بضعة مشاهد، ثم حاوِلِ الاستفادةَ من نِتاج هذا التمرين في كتابة قصة مشهديَّة بعيدًا عن شكل السيناريو.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤