مقدمة

الأحلام هي النار التي تستعر بداخلنا.

مارج بيرسي

أي خريطة للعالم لا تضم «يوتوبيا» لا تستحق مجرد التطلُّع إليها؛ إذ إنها تغفل البلد الوحيد الذي تستقر فيه الإنسانية دائمًا. وعندما تستقر الإنسانية هناك، فإنها تنظر خارجًا، وعندما تجد بلدًا أفضل، تنطلق إليه؛ فالتقدم هو تحقيق اليوتوبيات على أرض الواقع.

أوسكار وايلد

آخر ما نحتاجه بالفعل المزيد من الرُّؤى اليوتوبية.

إيمانويل فالرشتاين
إذن هذه هي اليوتوبيا!
أليس كذلك؟ حسنًا …
أستميحك عذرًا؛
اعتقدتُ أنها الجحيم.
ماكس بيربوم

فدَّان في ميدلسكس أفضل من إمارة في اليوتوبيا؛ فأقل القليل من الخير الواقعي أفضل من أكثر الوعود روعة بالمستحيلات.

توماس بابنجتون ماكولي

اليوتوبيات كثيرًا ما تكون حقائق لم تنضج بعد.

ألفونس ماري لوي دي برا دي لامارتين
صاغ توماس مور (١٤٧٨–١٥٣٥) كلمة «يوتوبيا» لتكون اسم البلد الخيالي الذي وصفه في كتابه القصير الذي ظهر في عام ١٥١٦، والمنشور باللاتينية تحت اسم «كتاب مفيد وممتع حقًّا عن الحكومة المُثْلَى للجمهورية والجزيرة الجديدة المُسمَّاة يوتوبيا»، والمعروف الآن باسم «يوتوبيا». والمقابل الإنجليزي لكلمة يوتوبيا utopia مأخوذ من الكلمة الإغريقية topos التي تعني مكانًا أو موقعًا، والحرف u مأخوذ من البادئة ou التي تعني لا أو بدون. وفي كتاب مور «ستة أسطر عن جزيرة يوتوبيا»، قدم للقارئ قصيدة تطلق على يوتوبيا كلمة Eutopia (أي الأرض السعيدة أو المكان الطيب). نتيجةً لذلك، أصبحت كلمة يوتوبيا، التي تعني لامَكان أو ليس في أي مكان، تشير إلى مكان طيب غير موجود.
مع أن أغلب المثقفين في القرن السادس عشر كانوا يقرءون باللغتين الإغريقية واللاتينية، فإنه سريعًا ما دخلت كلمة utopia اللغات الأوروبية الأخرى مع نشر كتاب مور بالألمانية في عام ١٥٢٤، والإيطالية في عام ١٥٤٨، والفرنسية في عام ١٥٥٠. ونظرًا لأن مور قد عارض ترجمة كتابه إلى الإنجليزية، فلم يُتح الكتاب بالإنجليزية حتى عام ١٥٥١ عندما ترجمه صهره.

وفي كتابه «يوتوبيا»، صوَّر مور سفينة تكتشف جزيرة غير معروفة تأسس عليها مجتمع قائم على مساواة واسعة النطاق، لكنه كان يُحكمه رجال حكماء كبار السن. إنه مجتمع هرمي أبوي، له قوانين صارمة جدًّا وعقوبات قاسية، لكنه كان يوفِّر حياة لمواطنيه أفضل كثيرًا من الحياة المتوفرة لمواطني إنجلترا حينها. تلك هي خصائص اليوتوبيا. إنها تتحدث عن أماكن طيبة (تصبح فيما بعدُ سيئة)، وتمثلها كما لو كانت حقيقية، فتستعرض أناسًا يعيشون حياتهم اليومية، وتصوِّر الزواج والأسرة والتربية والوجبات والعمل وما شابه ذلك، إضافة إلى النظم السياسية والاقتصادية. إن هذا التصوير للتحوُّل الحادث في الحياة اليومية هو ما يميز اليوتوبيا، وما اليوتوبية إلا هذا التحول في مجريات الحياة اليومية.

fig1
شكل ١: كان توماس مور (١٤٧٨–١٥٣٥) محاميًا وسياسيًّا وكاتبًا إنجليزيًّا معروفًا بأنه ذو توجُّه إنساني ينتمي لعصر النهضة، ومناهض لحركة الإصلاح البروتستانتي. أَنْعَمَ عليه هنري الثامن برتبة فارس نظير خدماته التي قدمها له، وأُعدم بسبب رفضه التوقيع على قسَم يعترف فيه بهنري الثامن رئيسًا للكنيسة في إنجلترا، وأعلنته الكنيسة الكاثوليكية الرومانية قديسًا في عام ١٩٣٥. وأشهر كتبه كان «يوتوبيا» (١٥١٦). وقد رسم هانز هولباين الصغير (١٤٩٨ تقريبًا–١٥٤٣) هذه اللوحة الشهيرة لمور في عام ١٥٢٧.

رغم أن توماس مور هو مَن صك كلمة «يوتوبيا»، فللفكرة نفسها فعليًّا تاريخ طويل ومعقد؛ فقد ظهرت الفكرة قبل ابتكار مور للكلمة بوقت طويل، وأُضيفت إلى اللغة كلمات أخرى لوصف أنواع مختلفة من اليوتوبيات، مثل «ديستوبيا» التي تعني المكان السيئ، والتي استخدمها لأول مرة، على قدر علمنا، هنري لويس يونج (المولود في عام ١٦٩٤) وذلك في عام ١٧٤٧ في عمله «يوتوبيا: أو أيام أبوللو الذهبية»، وأصبح استخدامها شائعًا الآن. وأمسى — منذ وقت مبكر جدًّا — وصْف شيءٍ ما بأنه «يوتوبي» طريقة لصرف النظر عنه؛ لكونه غير واقعي.

دائمًا ما يستاء الناس من ظروف معيشتهم، ويُكوِّنون رؤًى لحياة أفضل وأطول، ويتطلعون لحياة أحسن وأبدية تستمر بعد الموت. وفي بعض الأحيان، ساور البعضَ القلقُ من احتمال أن يعيشوا حياة أسوأ بعد الممات، واعتقدوا أنه مهما كان سوء هذه الحياة، فيمكن أن تصبح أسوأ؛ ومِن ثَمَّ ظَهَرَ أول انقسام كبير في اليوتوبية بين الأفضل والأسوأ في وقت مبكر جدًّا.

لا يمكننا معرفة متى حلم أحدهم لأول مرة بحياة أفضل، لكن يجب أن نعتمد على أولى الرؤى التي وصلت إلينا، أيًّا كان أصحابها وثقافاتهم، وهذه الرؤى موجودة في أقدم السجلات المكتوبة التي وصلت إلينا، مثل أحد الألواح السومرية الطينية الذي يعود تاريخه لعام ٢٠٠٠ قبل الميلاد. كانت الرؤى الأولى لليوتوبيا أشبه كثيرًا بالأحلام، التي لم يكن للبشر فيها دخلٌ نهائيًّا؛ أيْ شيئًا يحدث على نحو طبيعي أو بسبب مشيئة أحد الآلهة.

كل أشكال اليوتوبيا تطرح أسئلة؛ فهي تسأل إن كان يمكن تحسين الطريقة التي نحيا بها، وتجيب بأنه يمكن ذلك، ويقارن أغلبها بين الحياة الحالية والحياة في اليوتوبيا، وتوضِّح أوجه الخطأ في الطريقة التي نحيا بها الآن؛ وبذلك تقترح ما ينبغي القيام به لتحسين الأوضاع.

كما هو الحال مع أغلب الموضوعات، ثمة اختلافات على التعريف. إحدى المسائل التي تحير الناس دائمًا تنشأ من عدم التمييز بين اليوتوبية باعتبارها فكرة عامة، والأدب اليوتوبي باعتباره فرعًا من فروع الأدب؛ فاليوتوبية تشير إلى الأحلام والكوابيس المتعلقة بالسبل التي تنظم بها الجماعات البشرية حيواتها، التي عادةً ما تضع تصورًا لمجتمع مختلف كليًّا عن المجتمع الذي يعيش فيه الحالمون. واليوتوبية، على العكس من معظم النظريات الاجتماعية، تركِّز على الحياة اليومية، إضافة إلى المشكلات المتعلقة بالأمور الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

ويمكن التعرف على نطاق الكلمة في وصف الفيلسوف البولندي ليشك كولاكفسكي (١٩٢٧–٢٠٠٩) للعملية التي بموجبها برزت الكلمة:

كَاسْم مصاغ اصطناعيًّا، واكتسبت، في القرنين الماضيين، معنًى واسعًا لدرجة أنه لا يشير إلى جنس أدبي وحسب، وإنما أيضًا طريقة في التفكير، إلى عقلية، إلى موقف فلسفي، وتُستخدم في تصوير ظواهر ثقافية تعود إلى الماضي البعيد.

يعرض كولاكفسكي التعقيد الذي تنطوي عليه اليوتوبية. إنني أُطلق على اليوتوبية: «الحلم الاجتماعي»، في حين تُطلِق عليها عالمة الاجتماع روث ليفيتاس (المولودة في عام ١٩٤٩): «الرغبة في طريقة أفضل للوجود»؛ بحيث تكون اليوتوبيا جانبًا في «تثقيف هذه الرغبة». وفي إطار هذا النطاق العريض للكلمة، يكمن ما أطلق عليه «أوجه اليوتوبية الثلاثة»: الأدب اليوتوبي، والتطبيق العملي لليوتوبيا، والنظرية الاجتماعية اليوتوبية. وكما توضح الاقتباسات المعروضة في صدر هذه المقدمة، أصبحت الكلمة تحمل معاني مختلفة لأشخاص مختلفين.

يستخدم الباحثون اليوم — على نحو عام — تعريفَين متشابهين جدًّا للأدب اليوتوبي: الأول وَضَعَه المنظِّر الأدبي داركو سوفين (المولود عام ١٩٣٠)، أما الثاني فأنا الذي وضعته:

البناء اللفظي لمجتمع شبه بشري خاصٍّ تُنظَّم فيه المؤسسات الاجتماعية السياسية، والأعراف، والعلاقات بين الأفراد حسب أسس أكثر مثالية من تلك الموجودة في مجتمع المؤلِّف؛ وهذا البناء يقوم على انفصال ناشئ عن فرضية تاريخية بديلة.

مجتمع غير موجود معروض بتفصيل كبير، عادةً ما يشغل زمانًا ومكانًا. وفي الاستخدام القياسي، تُستخدم اليوتوبيا كما هي معرَّفة هنا، وأيضًا باعتبارها مرادفًا للمجتمع السعيد الطيب؛ أي المجتمع غير الموجود المعروض بتفصيل كبير، الذي عادةً ما يشغل زمانًا ومكانًا، والذي يقصد المؤلف أن يراه القارئ المعاصر أفضل كثيرًا من المجتمع الذي يعيش فيه.

وحيث إن الكُتَّاب الذين يؤلفون أعمالًا عن اليوتوبيا يبتكرون باستمرار أشكالًا جديدة من اليوتوبيا لعرض أفكارهم، فيجب أن يكون لأي تعريف لليوتوبيا حدود مرنة نوعًا ما. واليوتوبيات المعاصرة لا تشبه على الإطلاق ما كنا نطلق عليه في السابق يوتوبيا؛ فهي على وجه الخصوص أكثر تعقيدًا، وأقل تحديدًا في مقاصدها، وتسعى لتوضيح عيوب البشرية.

ينطوي التطبيق العملي لليوتوبيا على ما نطلق عليه — في أغلب الأحيان — الآن المجتمعات المقصودة أو الكوميونات، إلا أنه كان يُطلَق عليها في السابق أسماء أخرى كثيرة، بما في ذلك المجتمعات اليوتوبية، والتجارب اليوتوبية، واليوتوبيا العملية. هنا، لا يوجد أي تعريف متَّفَق عليه، لكن يَستخدم كثيرٌ من الباحثين تعريفِي كثيرًا مع تغييرات طفيفة، والذي ينص على ما يلي:

المجتمع المقصود هو مجموعة من خمسة أفراد بالغين أو أكثر وأطفالهم، إن وُجدوا، قادمين من أكثر من أسرة نووية، واختاروا أن يعيشوا معًا لتعزيز قيمهم المشتركة، أو لغرضٍ ما آخر اتفقوا عليه فيما بينهم.

كان التطبيق العملي لليوتوبيا في وقت من الأوقات مقصورًا — بوجه عام — على تلك المجتمعات، ولكن نظرًا لاستخدام كلمة «يوتوبيا» الآن باعتبارها وصفًا لكثير من أنواع النشاط الاجتماعي والسياسي التي تسعى لإقامة مجتمع أفضل، وفي بعض الحالات تحوُّلًا شخصيًّا؛ فهي فئة أوسع مما كانت عليه في السابق. وكل عمليات التطبيق العملي لليوتوبيا تتناول التحوُّل الفعلي لا الخيالي للمجريات اليومية؛ فالمُنْضمُّون إلى المجتمعات المقصودة يختارون محاولة تغيير حياتهم، كما يفعل المشاركون في أشكال أخرى من التطبيق العملي لليوتوبيا، لكن بطُرق مختلفة.

تتضمن النظرية الاجتماعية اليوتوبية: اليوتوبيا باعتبارها طريقة في التحليل؛ والعلاقة بين اليوتوبيا والأيديولوجية، التي كان المنظِّر الاجتماعي كارل مانهايم (١٨٩٣–١٩٤٧) أول من أشار إليها في عام ١٩٢٩، والتي استخدمها آخرون بطرق مختلفة منذ ذاك الحين؛ والطرق التي استخدم بها مفكرون مثل الفيلسوف الماركسي الألماني إرنست بلوخ (١٨٨٥–١٩٧٧)، وعالم الاجتماع الهولندي فريدريك إل بولاك (١٩٠٧–١٩٨٥) اليوتوبيةَ لتفسير التغير الاجتماعي؛ ودور اليوتوبية في الدين، لا سيما في علم اللاهوت المسيحي؛ حيث رأى البعض أنها نوع من الهرطقة، في حين رأى آخرون أنها مفهوم أساسي؛ ودور اليوتوبيا في نظريتَي الكولونيالية وما بعد الكولونيالية؛ والمناظرات بين المؤيدين للعولمة والمناهضين لها. وسنتناول هذه المداخل كلها بين دفتَي هذا الكتاب.

اليوتوبية والمجتمعات المقصودة ظاهرتان معقدتان لهما تاريخان طويلان حدثتا في أُطرٍ عديدة ومختلفة؛ نتيجة لذلك، فهما تختلفان اختلافًا كبيرًا من زمان لآخر، ومن مكان لآخر؛ لذا فإن التعريف على مستوًى من التعميم يجمع كل شيء قد يكون نقطة بداية مفيدة، لكنه لن يخبرنا إلا بالقليل عن الظواهر الفعلية وهي تحدث؛ ومن ثم ينبغي علينا تحديد مواصفات مختلف الفئات الفرعية على نحو مناسب، بحيث نصل لأوجُه التشابه، ونتعرف على أوجه الاختلاف فيما بينها. وعلى وجه الخصوص، يجب أن يكون أي نقاش حول المجتمعات المقصودة مدركًا أن لكل مجتمع دورة حياته الخاصة، التي تبدأ بالرؤى والتخطيط المسبق إلى الميلاد والنمو والنضج، وغالبًا الموت؛ ويكون الموت ممكنًا في أي مرحلة من مراحل حياة المجتمع.

ومن الممكن أن توجد اختلافات جوهرية حول العناصر المشكِّلة للمكان الطيب. والحالة الكلاسيكية التي تعود إلى القرن العشرين هي رواية «والدن تو» (١٩٤٨)، لصاحبها عالم النفس بي إف سكينر (١٩٠٤–١٩٩٠)؛ وهي رواية تصف مجتمعًا صغيرًا — أنشأه عالِم نفس سلوكي — رآه كثيرون على نحو واضح باعتباره مكانًا طيبًا، بل وحتى دليلًا للمجتمع المقصود المثالي. أُقيمت بعض المجتمعات على هذا النموذج، ولا يزال بعضها قائمًا، في حين رأى آخرون الرواية باعتبارها صورةً لمجتمع شمولي. تختلف النظرة للمجتمعات من قِبَل مَن يلاحظونها من الخارج مقارنةً بمن يعيشون فيها، وتتغير تلك النظرات مع تغير المجتمعات والناس. على سبيل المثال، كثيرًا ما يُنظر إلى المجتمعات المقصودة على أنها أماكن رائعة إن كنت طفلًا تعيش فيها، وأماكن بغيضة إن كنت مراهقًا.

للأدب اليوتوبي ستة أهداف على الأقل، رغم أنه لا يمكن الفصل بينها بالضرورة. يمكن أن تكون اليوتوبيا مجرد فانتازيا، أو يمكن أن تكون وصفًا لمجتمع مرغوب أو غير مرغوب فيه، أو استقراءً أو تحذيرًا أو بديلًا للواقع، أو نموذجًا يجب أن يتم الاقتداء به. والمجتمع المقصود المقدم على هيئة يوتوبيا يضيف غرضًا سابعًا؛ ألا وهو إثبات أنه من الممكن عَيْش حياة أفضل في الوقت الحاضر. ينظر المؤيد لليوتوبية إلى البشرية ومستقبلها نظرة أمل أو نظرة خوف. إن كانت النظرة نظرة أمل، فعادةً ما تكون النتيجة يوتوبيا. أما إن كانت نظرة خوف، فتكون النتيجة في العادة ديستوبيا. لكن اليوتوبية هي في الأساس فلسفة أمل، وتتسم بتحويل أمل عام إلى وصف لمجتمع غير موجود. وبالطبع، كثيرًا ما لا يزيد الأمل على كونه تلبية لرغبة ساذجة نوعًا ما، كما في بعض الحكايات الخرافية (وإن كانت معظم الحكايات الخرافية تتحول إلى ديستوبيات إن جرى تحليلها بدقة). على الجانب الآخر، فإن الأمل ضروري لأي محاولة لتغيير المجتمع إلى الأفضل. لكن هذا يطرح احتمالَ أنْ يحاول أحدهم فرض فكرته عن المستقبل المرغوب على الآخرين الذين يرفضونها. ودائمًا ما يواجه اليوتوبيون هذه المعضلة عندما يحاولون نقل حلمهم إلى أرض الواقع؛ هل حلمهم متوافق مع فكرة فرضه على الآخرين؟ وهل يمكن أن تتحقق الحرية من خلال اللاحرية؟ أو المساواة من خلال اللامساواة؟

ثمة أسباب وجيهة لكلٍّ من التقييمات السلبية والإيجابية لليوتوبية منعكسة في الاقتباسات المعروضة في صدر هذه المقدمة، وسيجري تناول تلك الأسباب عبر صفحات الكتاب. كانت التقييمات السلبية قوية في القرن العشرين نتيجة لمحاولة فرض نسخ بعينها من الحياة الطيبة، لا سيما الشيوعية في الاتحاد السوفييتي والصين وفي أماكن أخرى، وكذلك الاشتراكية القومية في ألمانيا ونسخة طالبان من حركة الإسلام السياسي في أفغانستان. كانت نظرة آخرين إلى اليوتوبية إيجابية بوصفها الوسيلة الرئيسية لمواجهة مثل هذه المحاولات.

على الرغم من أنني أهدف إلى تقديم عرض شامل ومتوازن في هذا الكتاب، فإن لي طرحًا معينًا أود تناوله؛ في المجمل العام، طرحي هو أن اليوتوبية ضرورية لتحسين وضع البشر. وبهذا المضمون، فالمناهضون لليوتوبية مخطئون ويمكن أن يشكلوا خطرًا. لكني أدفع أيضًا بأنه إن استُخدمت اليوتوبية بشكل خاطئ — وقد حدث هذا بالفعل — فهي خطيرة. وبهذا المضمون، فالمؤيدون لليوتوبية مخطئون ويمكن أن يشكلوا أيضًا خطرًا؛ لذا تستكشف الخاتمة الطبيعة المتناقضة لليوتوبية، وتسعى إلى تداركها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤