قافية الراء

وقال في وصف الربيع وأيام الشباب: (من الطويل)

رَمَتْ بِخُيُوطِ النُّورِ كَهْرَبَةُ الْفَجْرِ
وَنَمَّتْ بِأَسْرَارِ النَّدَى شَفَةُ الزَّهْرِ
وَسَارَتْ بِأَنْفَاسِ الْخَمَائِلِ نَسْمَةٌ
بَلِيلَةُ مَهْوَى الذَّيْلِ عَاطِرَةُ النَّشْرِ
فَقُمْ نَغْتَنِمْ صَفْوَ الْبُكُورِ فَإِنَّهَا
غَدَاةُ رَبِيعٍ زَهْرُهَا بَاسِمُ الثَّغْرِ
تَرَى بَيْنَ سَطْحِ الأَرْضِ وَالْجَوِّ نِسْبَةً
تُشَاكِلُ مَا بَيْنَ السَّحَائِبِ وَالْغُدْرِ
فَفِي الْجَوِّ هَتَّانٌ يَسِيلُ وَفِي الثَّرَى
سُيُولٌ تَرَامَى بَيْنَ أَودِيَةٍ غُزْرِ
غَمَامَانِ فَيَّاضَانِ هَذَا بِأُفْقِهِ
يَسيرُ وَهَذَا فِي طِبَاقِ الثَّرَى يَسْرِي
وَقَدْ مَاجَتِ الأَغْصَانُ بَيْنَ يَدِ الصَّبا
كَمَا رَفْرَفَتْ طَيْرٌ بِأَجْنِحَةٍ خُضْرِ
كَأَنَّ النَّدَى فَوْقَ الشَّقيقِ مَدَامِعٌ
تَجُولُ بِخَدٍّ أَوْ جُمَانٌ عَلَى تِبْرِ
إِذَا غَازَلَتْهَا لَمْعَةٌ ذَهَبِيَّةٌ
مِنَ الشَّمْسِ رَفَّتْ كَالشَّرَارِ عَلَى الْجَمْرِ
فَفِي كُلِّ مَرْعَى لَحْظَةٍ وَشْيُ دِيمَةٍ
وَفِي كُلِّ مَرْمَى خَطْوَةٍ أَجْرَعٌ مُثْرِي
مُرُوجٌ جَلاهَا الزَّهْرُ حَتَّى كَأَنَّها
سَمَاءٌ تَرُوقُ الْعَيْنَ بِالأَنْجُمِ الزُّهْرِ
كَأَنَّ صِحَافَ النُّورِ والطَّلُّ جَامِدٌ
مَبَاسِمُ أَصْدَافٍ تَبَسَّمْنَ عَنْ دُرِّ
وَقَدْ شَاقَنِي وَالصُّبْحُ فِي خِدْرِ أُمِّهِ
حَنِينُ حَمَامَاتٍ تَجَاوَبْنَ فِي وَكْرِ
هَتَفْنَ فَأَطْرَبْنَ الْقُلُوبَ كَأَنَّمَا
تَعَلَّمْنَ أَلْحَانَ الصَّبَابَةِ مِنْ شِعْرِي
وَقَامَ عَلَى الْجُدْرَانِ أَعْرَفُ لَمْ يَزَلْ
يُبَدِّدُ أَحْلامَ النِّيَامِ وَلا يَدْرِي
تَخَايَلَ فِي مَوْشِيَّةٍ عَبْقَرِيَّةٍ
مُهَدَّلَةِ الأَرْدَانِ سَابِغَةِ الأَزْرِ
لَهُ كِبْرَةٌ تَبْدُو عَلَيْهِ كَأَنَّهُ
مَلِيكٌ عَلَيْهِ التَّاجُ يَنْظُرُ عَنْ شَزْرِ
فَسَارِعْ إِلَى دَاعِي الصَّبُوحِ مَعَ النَّدَى
لِتَجْنِي بِأَيْدِي اللَّهْوِ بَاكُورَةَ الْعُمْرِ
فَقَدْ نَسَمَتْ رِيحُ الشَّمالِ فَنَبَّهَتْ
عُيُونَ الْقَمَارِي وَهْيَ فِي سِنَةِ الْفَجْرِ
وَنَادَى الْمُنَادِي لِلصَّلاةِ بِسُحْرَةٍ
فَأَحْيَا الْوَرَى مِنْ بَعْدِ طَيٍّ إِلَى نَشْرِ
فَبَادِرْ لِمِيقَاتِ الصَّلاةِ وَمِلْ بِنَا
إِلَى الْقَصْفِ مَا بَيْنَ الْجَزِيرَةِ وَالنَّهْرِ
إِذَا مَا قَضَيْنَا وَاجِبَ الدِّينِ حَقَّهُ
فَلَيْسَ عَلَينَا فِي الْخَلَاعَةِ مِنْ وِزْرِ
أَلا رُبَّ يَومٍ كَانَ تَارِيخَ صَبْوَةٍ
مَضَى غَيرَ إِثْرٍ فِي الْمَخِيلَةِ أَوْ ذِكْرِ
عَصَيتُ بِهِ سُلْطَانَ حِلْمِي وَقَادَني
إِلى اللَّهْوِ شَيْطَانُ الْخَلَاعَةِ وَالسُّكْرِ
لَدَى رَوْضَةٍ رَيَّا الْغُصُونِ تَرَنَّحَتْ
مَعَاطِفُهَا رَقْصًا عَلَى نَغْمَةِ الْقُمْرِي
تَدُورُ عَلَينَا بِالْمُدَامَةِ بَيْنَها
تَمَاثِيلُ إِلا أَنَّها بَيْنَنَا تَجْرِي
تَرَى كُلَّ مَيْلاءِ الْخِمَارِ مِنَ الصِّبَا
هَضِيمَةِ مَجْرَى الْبَنْدِ نَاهِدَةِ الصَّدْرِ
إِذَا انْفَتَلَتْ فِي حَاجَةٍ خِلْتَ جُؤْذُرًا
أَحَسَّ بِصَيَّادٍ فَأَتْلَعَ مِنْ ذُعْرِ
لَوَى قَدَّهَا سُكْرُ الْخَلَاعَةِ وَالصِّبَا
فَمَالَتْ بِشَطْرٍ وَاسْتَقَامَتْ عَلَى شَطْرِ
وَعَلَّمَهَا وَحْيُ الدَّلالِ كَهَانَةً
فَإِنْ نَطَقَتْ جَاءَتْ بِشَيءٍ مِنَ السِّحْرِ
أَحَسَّتْ بِمَا فِي نَفْسِهَا مِنْ مَلَاحَةٍ
فَتَاهَتْ عَلَينَا وَالْمَلَاحَةُ قَدْ تُغْرِي
وَأَعْجَبَهَا وَجْدِي بِهَا فَتَكَبَّرَتْ
عَلَيَّ دَلَالًا وَهْيَ تَصْدُرُ عَنْ أَمْرِي
فَتَاةٌ يَجُولُ السِّحْرُ فِي لَحَظَاتِهَا
مَجَالَ الْمَنَايَا فِي الْمُهَنَّدَةِ الْبُتْرِ
إِذَا نَظَرَتْ أَوْ أَقْبَلَتْ أَوْ تَهَلَّلَتْ
فَوَيْلُ مَهَاةِ الرَّمْلِ وَالْغُصْنِ وَالْبَدْرِ
فَمَا زِلْنَ يُغْرِينَ الطلا بِعُقُولِنَا
إِلَى أَنْ سَقَطْنَا لِلْيَدَيْنِ وَلِلنَّحْرِ
فَمِنْ وَاقِعٍ يَهْذِي وَآخَرَ ذَاهِلٍ
لَهُ جَسَدٌ مَا فِيهِ رُوحٌ سِوَى الْخَمْرِ
صَرِيعٌ يَظُنُّ الشُّهْبَ مِنْهُ قَرِيبَةً
فَيَسْدُو بِكَفَّيهِ إِلَى مَطْلَعِ النَّسْرِ
إِذَا مَا دَعَوْتَ الْمَرْءَ دَارَ بِلَحْظِهِ
إِلَيْكَ وَغَشَّاهُ الذُّهُولُ عَنِ الْجَهْرِ
بَعِيدٌ عَنِ الدَّاعِي وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا
كَأَنَّ بِهِ بَعْضَ الْهَنَاتِ مِنَ الْوَقْرِ
تَحَكَّمَتِ الصَّهْبَاءُ فِيهِمْ فَغَيَّرَتْ
شَمَائِلَ مَا يَأْتِي بِهِ الْجِدُّ بِالْهَذْرِ
فَيَا سَامَحَ اللهُ الشَّبَابَ وَإِنْ جَنَى
عَلَيَّ وَحَيَّا عَهْدَهُ سَبَلُ الْقَطْرِ
مَلَكْتُ بِهِ أَمْرِي وَجَارَيْتُ صَبْوَتِي
وَأَصْبَحْتُ مَرْهُوبَ الْحَمِيَّةِ وَالْكِبْرِ
إِذَا أَبْصَرُونِي فِي النَّدِيِّ تَحَاجَزُوا
عَنِ الْقَوْلِ وَاسْتَغْنَوا عَنِ الْعُرْفِ بِالنُّكْرِ
وَقَالُوا فَتًى مَالَتْ بِهِ نَشْوَةُ الصِّبَا
وَلَيْسَ عَلَى الْفِتْيَانِ فِي اللَّهْوِ مِنْ حَجْرِ
يَخَافُونَ مِنِّي أَنْ تَثُورَ حَمِيَّتِي
فَيَبْغُونَ عَطْفِي بِالْخَدِيعَةِ وَالْمَكْرِ
أَلا لَيتَ هَاتِيكَ اللَّيَالِي وَقَدْ مَضَتْ
تَعُودُ وَذَاكَ الْعَيْشُ يَأْتِي عَلَى قَدْرِ
مَواسِمُ لَذَّاتٍ تَقَضَّتْ وَلَمْ يَزَلْ
لَهَا أَثَرٌ يَطْوي الْفُؤَادَ عَلَى أُثْرِ
إِذَا اعْتَوَرَتْهَا ذُكْرَةُ النَّفْسِ أَبْصَرَتْ
لَهَا صُورَةٌ تَخْتَالُ فِي صَفْحَةِ الْفِكْرِ
فَذَلِكَ عَصْرٌ قَدْ مَضَى لِسَبِيلِهِ
وَخَلَّفَنِي أَرْعَى الْكَواكِبَ في عَصْرِ
لَعَمْرُكَ مَا في الدَّهْرِ أَطْيَبُ لَذَّةً
مِنَ اللَّهْوِ فِي ظِلِّ الشَّبِيبَةِ وَالْيُسْرِ

وقال: (من الطويل)

بِنَاظِرِكَ الْفَتَّانِ آمَنْتُ بِالسِّحْرِ
وَهَلْ بَعْدَ إِيمَانِ الصَّبَابَةِ مِنْ كُفْرِ
فَلا تَعْتَمِدْ بِالْهَجْرِ قَتْلَ مُتَيَّمٍ
فَإِنَّ الْمَنَايَا لا تَزِيدُ عَنِ الْهَجْرِ
فَلَوْلَاكَ مَا حَلَّ الْهَوَى قَيْدَ مَدْمَعِي
وَلا شَبَّ نِيرَانَ اللَّوَاعِجِ فِي صَدْرِي
وَإِنِّي عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ لَصَابِرٌ
لِعِلْمِي أَنَّ الْفَوْزَ مِنْ ثَمَرِ الصَّبْرِ
فَلَيْتَ الَّذِي أَهْدَى الْمَلَامَةَ فِي الْهَوَى
تَوَسَّمَ خَيْرًا أَوْ تَكَلَّمَ عَنْ خُبرِ
رَأَى كَلَفِي لَا يَسْتَفِيقُ فَظَنَّ بِي
هَنَاتٍ وَسُوءُ الظَّنِّ دَاعِيَةُ الْوِزْرِ
وَمَاذَا عَلَيهِ وَهْوَ خَالٍ مِنَ الْجَوَى
إِذَا هِمْتُ شَوْقًا أَوْ تَرَنَّمْتُ بِالشِّعْرِ
فَإِنْ أَكُ مَشْغُوفًا فَذُو الْحِلْمِ رُبَّمَا
أَطَاعَ الْهَوَى وَالْحُبُّ مِنْ عُقَدِ السِّحْرِ
وَأَيُّ امْرِئٍ يَقْوَى عَلَى رَدِّ لَوْعَةٍ
إِذَا الْتَهَبَتْ أَرْبَتْ عَلَى وَهَجِ الْجَمْرِ
عَلَى أَنَّنِي لَمْ آتِ في الْحُبِّ زَلَّةً
تَغُضُّ بِذِكْرِي فِي الْمَحَافِلِ أَوْ تُزْرِي
وَلَكِنَّنِي طَوَّفْتُ فِي عَالَمِ الصِّبَا
وَعُدْتُ وَلَمْ تَعْلَقْ بِفَاضِحَةٍ أُزْرِي
سَجِيَّةُ نَفْسٍ آثَرَتْ مَا يَسُرُّهَا
وَلِلنَّاسِ أَخْلَاقٌ عَلَى وَفْقِها تَجْرِي
مَلَكْتُ يَدِي عَنْ كُلِّ سُوءٍ وَمَنْطِقِي
فَعِشْتُ بَرِيءَ النَّفْسِ مِنْ دَنَسِ الْعُذْرِ
وَأَحْسَنْتُ ظَنِّي بِالصَّدِيقِ وَرُبَّمَا
لَقِيتُ عَدُوِّي بِالطَّلاقَةِ والْبِشْرِ
فَأَصْبَحْتُ مَأْثُورَ الْخِلالِ مُحَبَّبًا
إِلَى النَّاسِ مَرْضِيَّ السَّرِيرَةِ وَالْهَجْرِ
فَمَا أَنَا مَطْلُوبٌ بِوَتْرٍ لِمَعْشَرٍ
وَلا أَنَا مَلْهُوفُ الْجَنَانِ عَلَى وَتْرِ
رَضِيتُ مِنَ الدُّنْيَا وَإِنْ كُنْتُ مُثْرِيًا
بِعِفَّةِ نَفْسٍ لا تَمِيلُ إِلَى الْوَفْرِ
وَأَخْلَصْتُ لِلرَّحْمَنِ فِيمَا نَوَيْتُهُ
فَعَامَلَنِي بِاللُّطْفِ مِنْ حَيْثُ لا أَدْرِي
إِذَا مَا أَرَادَ اللهُ خَيْرًا بِعَبْدِهِ
هَدَاهُ بِنُورِ الْيُسْرِ فِي ظُلْمَةِ الْعُسْرِ
فَيَا بْنَ أَبِي وَالنَّاسُ أَبْنَاءُ واحِدٍ
تَقَلَّدْ وَصَاتِي فَهْيَ لُؤْلُؤَةُ الْفِكْرِ
إِذَا شِئْتَ أَنْ تَحْيَا سَعِيدًا فَلا تَكُنْ
لَدُودًا وَلا تَدْفَعْ يَدَ اللِّينِ بِالْقَسْرِ
وَلا تَحْتَقِرْ ذَا فَاقَةٍ فَلَرُبَّمَا
لَقِيتَ بِهِ شَهْمًا يُبِرُّ عَلَى الْمُثْرِي
فَرُبَّ فَقِيرٍ يَمْلَأُ الْقَلْبَ حِكْمَةً
وَرُبَّ غَنِيٍّ لا يَرِيشُ وَلا يَبْرِي
وَكُنْ وَسَطًا لا مُشْرَئِبًّا إِلَى السُّهَا
وَلا قَانِعًا يَبْغِي التَّزَلُّفَ بِالصُّغْرِ
فَأَحْمَدُ أَخْلَاقِ الْفَتَى مَا تَكَافَأَتْ
بِمَنْزِلَةٍ بَيْنَ التَّوَاضُعِ وَالْكِبْرِ
وَلا تَعْتَرِفْ بِالذُّلِّ فِي طَلَبِ الْغِنَى
فَإِنَّ الْغِنَى فِي الذُّلِّ شَرٌّ مِنَ الْفَقْرِ
وَإِيَّاكَ وَالتَّسْلِيمَ بِالْغَيْبِ قَبْلَ أَنْ
تَرَى حُجَّةً تَجْلُو بِهَا غَامِضَ الأَمْرِ
وَدَارِ الَّذِي تَرْجُو وَتَخْشَى وِدَادَهُ
وَكُنْ مِنْ مَوَدَّاتِ الْقُلُوبِ عَلَى حِذْرِ
فَقَدْ يَغْدِرُ الْخِلُّ الْوَفِيُّ لِهَفْوَةٍ
وَيَحْلُو الرِّضَا بَعْدَ الْعَدَاوَةِ وَالشَّرِّ
وَفِي النَّاسِ مَنْ تَلْقَاهُ فِي زِيِّ عَابِدٍ
وَلِلْغَدْرِ فِي أَحْشَائِهِ عَقْرَبٌ تَسْرِي
إِذَا أَمْكَنَتْهُ فُرْصَةٌ نَزَعَتْ بِهِ
إِلَى الشَّرِّ أَخْلَاقٌ نَبَتْنَ عَلَى غِمْرِ
وَلَا تَحْسَبَنَّ الْحِلْمَ يَمْنَعُ أَهْلَهُ
وُقُوعَ الأَذْى فَالْمَاءُ وَالنَّارُ مِنْ صَخْرِ
فَهَذِي وَصَاتِي فَاحْتَفِظْها تَفُزْ بِمَا
تَمَنَّيْتَ مِنْ نَيْلِ السَّعَادَةِ فِي الدَّهْرِ
فَإِنِّي امْرُؤٌ جَرَّبْتُ دَهْرِي وَزَادَنِي
بِهِ خِبْرَةً صَبْرِي عَلَى الْحُلْوِ وَالْمُرِّ
بَلَغْتُ مَدَى خَمْسِينَ وَازْدَدْتُ سَبْعَةً
جَعَلْتُ بِهَا أَمْشِي عَلَى قَدَمِ الْخِضْرِ
فَكَيفَ تَرَانِي الْيَوْمَ أَخْشَى ضَلَالَةً
وَشَيْبِيَ مِصْبَاحٌ عَلَى نُورِهِ أَسْرِي
أَقُولُ بِطَبْعِ لَسْتُ أَحْتَاجُ بَعْدَهُ
إِلى الْمَنْهَلِ الْمَطْرُوقِ وَالْمَنْهَجِ الْوَعْرِ
وَلِي مِنْ جَنَانِي إِنْ عَزَمْتُ وَمِقْوَلي
سِرَاجٌ وَعَضْبٌ ذَا يُضِيءُ وَذَا يَفْرِي
إِذَا جَاشَ طَبْعِي فَاضَ بِالدُّرِّ مَنْطِقِي
وَلا عَجَبٌ فَالدُّرُّ يَنْشَأُ فِي الْبَحْرِ
تَدَبَّرْ مَقَالِي إِنْ جَهِلْتَ خَلِيقَتِي
لِتَعْرِفَنِي فَالسَّيْفُ يُعْرَفُ بِالأَثْرِ
وَلَا تَعْجَبَنْ مِنْ مَنْطِقِي إِنْ تَأَرَّجَتْ
بِهِ كُلُّ أَرْضٍ فَهْوَ رَيْحَانَةُ الْعَصْرِ
سَيَذْكُرُنِي بِالشِّعْرِ مَنْ لَمْ يُلَاقِنِي
وَذِكْرُ الْفَتَى بَعْدَ الْمَمَاتِ مِنَ الْعُمْرِ

وقال: (من الطويل)

أَبَى الشَّوْقُ إِلا أَنْ يَحِنَّ ضَمِيرُ
وَكُلُّ مَشُوقٍ بِالْحَنِينِ جَدِيرُ
وَهَلْ يَسْتَطِيعُ الْمَرْءُ كِتْمَانَ لَوْعَةٍ
يَنِمُّ عَلَيهَا مَدْمَعٌ وَزَفِيرُ
خَضَعْتُ لِأَحْكَامِ الْهَوَى وَلَطَالَمَا
أَبَيْتُ فَلَمْ يَحْكُمْ عَلَيَّ أَمِيرُ
أَفُلُّ شَبَاةَ اللَّيْثِ وَهْوَ مُنَاجِزٌ
وَأَرْهَبُ لَحْظَ الرِّئْمِ وَهْوَ غَرِيرُ
وَيَجْزَعُ قَلْبِي لِلصُّدودِ وَإِنَّنِي
لَدَى الْبَأْسِ إِنْ طَاشَ الْكَمِيُّ صَبُورُ
وَمَا كُلُّ مَنْ خَافَ الْعُيُونَ يَرَاعَةٌ
وَلا كُلُّ مَنْ خَاضَ الْحُتُوفَ جَسُورُ
وَلَكِنْ لأَحْكَامِ الْهَوَى جَبَرِيَّةٌ
تَبُوخُ لَهَا الأَنْفَاسُ وَهْيَ تَفُورُ
وَإِنِّي عَلَى مَا كَانَ مِنْ سَرَفِ الْهَوَى
لَذُو تُدْرَأٍ فِي النَّائِباتِ مُغِيرُ
يُرَافِقُنِي عِنْدَ الْخُطُوبِ إِذَا عَرَتْ
جَوَادٌ وَسَيفٌ صَارمٌ وَجَفِيرُ
وَيَصْحَبُنِي يَوْمَ الْخَلَاعَةِ وَالصِّبَا
نَدِيمٌ وَكَأْسٌ رَيَّةٌ وَمُدِيرُ
فَطَوْرًا لِفُرْسَانِ الصَّبَاحِ مُطَارِدٌ
وَطَوْرًا لإِخْوَانِ الصَّفَاءِ سَمِيرُ
وَيَا رُبَّ حَيٍّ قَدْ صَبَحْتُ بِغَارَةٍ
تَكَادُ لَهَا شُمُّ الْجِبَالِ تَمُورُ
وَلَيْلٍ جَمَعْتُ اللَّهْوُ فِيهِ بِغَادَةٍ
لَهَا نَظْرَةٌ تُسْدِي الْهَوَى وَتُنِيرُ
عَقَلْنَا بِهِ مَا نَدَّ مِنْ كُلِّ صَبْوَةٍ
وَطِرْنَا مَعَ اللَّذَّاتِ حَيْثُ تَطِيرُ
وَقُلْنَا لِسَاقِينَا أَدِرْهَا فَإِنَّمَا
بَقَاءُ الْفَتَى بَعْدَ الشَّبابِ يَسِيرُ
فَطَافَ بِهَا شَمْسِيَّةً ذَهَبِيَّةً
لَهَا عِنْدَ أَلْبَابِ الرِّجَالِ ثُئُورُ
إِذَا مَا شَرِبْنَاهَا أَقَمْنَا مَكَانَنَا
وَظَلَّتْ بِنَا الأَرْضُ الْفَضَاءُ تَدُورُ
إِلَى أَنْ أَمَاطَ اللَّيْلُ ثِنْيَ لِثَامِهِ
وَكَادَتْ أَسَارِيرُ الصَّبَاحِ تُنِيرُ
وَنَبَّهَنَا وَقْعُ النَّدَى فِي خَمِيلَةٍ
لَهَا مِنْ نُجُومِ الأُقْحُوانِ ثُغُورُ
تَنَاغَتْ بِهَا الأَطْيَارُ حِينَ بَدَا لَهَا
مِنَ الْفَجْرِ خَيْطٌ كَالْحُسَامِ طَرِيرُ
فَهُنَّ إِلَى ضَوءِ الصَّبَاحِ نَوَاظِرٌ
وَعَنْ سُدْفَةِ اللَّيْلِ الْمُجَنَّحِ زُورُ
خَوَارِجُ مِنْ أَيْكٍ دَوَاخِلُ غَيرِهِ
زَهَاهُنَّ ظِلٌّ سَابِغٌ وَغَدِيرُ
تَوَسَّدُ هَامَاتٌ لَهُنَّ وَسَائِدًا
مِنَ الرِّيشِ فِيهِ طَائِلٌ وَشَكِيرُ
كَأَنَّ عَلَى أَعْطَافِهَا مِنْ حَبِيكِها
تَمَائِمَ لَمْ تُعْقَدْ لَهُنَّ سُيُورُ
إِذَا ضَاحَكَتْهَا الشَّمْسُ رَفَّتْ كَأَنَّمَا
عَلَى صَفْحَتَيْهَا سُنْدُسٌ وَحَرِيرُ
فَلَمَّا رَأَيتُ اللَّيْلَ وَلَّى وَأَقْبَلَتْ
طَلَائِعُ مِنْ خَيْلِ الصَّبَاحِ تُغِيرُ
ذَهَبْتُ أَجُرُّ الذَّيْلَ تِيهًا وَإِنِّمَا
يَتِيهُ الْفَتَى إِنْ عَفَّ وَهْوَ قَدِيرُ
وَلِي شِيمَةٌ تَأْبَى الدَّنَايَا وَعَزْمَةٌ
تَفُلُّ شَباةَ الْخَطْبِ وَهْوَ عَسِيرُ
مُعَوَّدَةٌ أَلا تَكُفَّ عِنَانَهَا
عَنِ الْجِدِّ إِلا أَنْ تَتِمَّ أُمُورُ
لَهَا مِنْ وَرَاءِ الْغَيْبِ أُذْنٌ سَمِيعَةٌ
وَعَينٌ تَرَى ما لا يَرَاهُ بَصِيرُ
وَإِنِّي امْرُؤٌ صَعْبُ الشَّكِيمَةِ بَالِغٌ
بِنَفْسِي شَأْوًا لَيْسَ فِيهِ نَكِيرُ
وَفَيْتُ بِمَا ظَنَّ الْكِرَامُ فِرَاسَةً
بِأَمْرِي وَمِثْلِي بِالْوَفَاءِ جَدِيرُ
فَمَا أَنَا عَمَّا يُكْسِبُ الْعِزَّ نَاكِبٌ
وَلا عِنْدَ وَقْعِ الْمُحْفِظَاتِ حَسِيرُ
إِذَا صُلْتُ كَفَّ الدَّهْرُ مِنْ غُلَوائِهِ
وَإِنْ قُلْتُ غَصَّتْ بِالْقُلُوبِ صُدُورُ
مَلَكْتُ مَقَالِيدَ الْكَلامِ وَحِكْمَةً
لَهَا كَوْكَبٌ فَخْمُ الضِّيَاءِ مُنِيرُ
فَلَو كُنْتُ فِي عَصْرِ الْكَلَامِ الَّذِي انْقَضَى
لَبَاءَ بِفَضْلِي جَرْوَلٌ وَجَرِيرُ
وَلَو كُنْتُ أَدْرَكْتُ النُّوَاسِيَّ لَمْ يَقُلْ
أَجَارَةَ بَيْتَيْنَا أَبُوكِ غَيُورُ
وَمَا ضَرَّنِي أَنِّي تَأَخَّرْتُ عَنْهُمُ
وَفَضْلِي بَيْنَ الْعَالَمِينَ شَهِيرُ
فَيَا رُبَّمَا أَخْلَى مِنَ السَّبْقِ أَوَّلٌ
وَبَزَّ الْجِيَادَ السَّابِقَاتِ أَخِيرُ

وقال: (من الطويل)

تَلَاهَيْتُ إِلا ما يُجِنُّ ضَمِيرُ
وَدَارَيْتُ إِلا مَا يَنِمُّ زَفِيرُ
وَهَل يَسْتَطِيعُ الْمَرْءُ كِتْمَانَ أَمْرِهِ
وَفِي الصَّدْرِ مِنْهُ بَارِحٌ وَسَعِيرُ
فَيَا قَاتَلَ الله الْهَوَى مَا أَشَدَّهُ
عَلَى الْمَرْءِ إِذْ يَخْلُو بِهِ فَيُغِيرُ
تَلِينُ إِلَيهِ النَّفْسُ وَهْيَ أَبِيَّةٌ
وَيَجْزَعُ مِنْهُ الْقَلْبُ وَهْوَ صَبُورُ
نَبَذْتُ لَهُ رُمْحِي وَأَغْمَدْتُ صَارِمِي
وَنَهْنَهْتُ مُهْرِي وَالْمُرَادُ غَزِيرُ
وَأَصْبَحْتُ مَفْلُولَ الْمَخَالِبِ بَعْدَمَا
سَطَوْتُ وَلِي فِي الْخَافِقَيْنِ زَئِيرُ
فَيَا لَسَرَاةِ الْقَومِ دَعْوَةُ عَائِذٍ
أَمَا مِنْ سَمِيعٍ فِيكُمُ فَيُجِيرُ
لَطَالَ عَلَى اللَّيْلُ حَتَّى مَلِلْتُهُ
وَعَهْدِي بِهِ فِيمَا عَلِمْتُ قَصِيرُ
أَلا فَرَعَى اللهُ الصِّبَا مَا أَبَرَّهُ
وَحَيَّا شَبَابًا مَرَّ وَهْوَ نَضِيرُ
إِذِ الْعَيْشُ أَفْوَافٌ تَرِفُّ ظِلالُهُ
عَلَيْنَا وَسَلْسَالُ الْوَفَاءِ نَمِيرُ
وَإِذْ نَحْنُ فِيما بَيْنَ إِخْوَانِ لَذَّةٍ
عَلَى شِيَمٍ مَا إِنْ بِهِنَّ نَكِيرُ
تَدُورُ عَلَينَا الْكَأْسُ بَيْنَ مَلاعِبٍ
بِهَا اللَّهْوُ خِدْنٌ وَالشَّبَابُ سَمِيرُ
فَأَلْحَاظُنَا بَيْنَ النُّفُوسِ رَسَائِلٌ
وَرَيْحَانُنَا بَيْنَ الْكُئُوسِ سَفِيرُ
عَقَدْنَا جَنَاحَيْ لَيلِنا بِنَهَارِنَا
وَطِرْنَا مَعَ اللَّذَّاتِ حَيثُ تَطِيرُ
وَقُلْنَا لِساقِينَا أَدِرْهَا فَإِنَّمَا
بَقَاءُ الْفَتَى بَعْدَ الشَّبَابِ يَسِيرُ
فَطَافَ بِهَا شَمْسِيَّةً لَهَبِيَّةً
لَهَا عِنْدَ أَلْبَابِ الرِّجَالِ ثُئُورُ
إِذَا مَا شَرِبْنَاهَا أَقَمْنَا مَكَانَنَا
وَظَلَّتْ بِنَا الأَرْضُ الْفَضَاءُ تَدُورُ
وَكَمْ لَيلَةٍ أَفْنَيْتُ عُمْرَ ظَلامِهَا
إِلَى أَنْ بَدَا لِلصُّبْحِ فيهِ قَتِيرُ
شَغَلْتُ بِهَا قَلْبِي وَمَتَّعْتُ نَاظِرِي
وَنَعَّمْتُ سَمْعِي وَالْبَنَانُ طَهُورُ
صَنَعْتُ بِهَا صُنْعَ الْكَرِيمِ بِأَهْلِهِ
وَجِيرَتِهِ وَالْغَادِرُونَ كَثِيرُ
فَمَا رَاعَنَا إِلا حَفِيفُ حَمَائِمٍ
لَهَا بَيْنَ أَطْرَافِ الْغُصُونِ هَدِيرُ
تُجَاوِبُ أَتْرَابًا لَهَا فِي خَمَائِلٍ
لَهُنَّ بِهَا بَعْدَ الْحَنِينِ صَفِيرُ
نَوَاعِمُ لا يَعْرِفْنَ بُؤْسَ مَعِيشَةٍ
وَلا دَائِرَاتِ الدَّهْرِ كَيْفَ تَدُورُ
تَوَسَّدُ هَامَاتٌ لَهُنَّ وَسَائِدًا
مِنَ الريِّشِ فِيهِ طَائِلٌ وَشَكِيرُ
كَأَنَّ عَلَى أَعْطَافِهَا مِنْ حَبِيكِها
تَمَائِمَ لَمْ تُعْقَدْ لَهُنَّ سُيُورُ
خَوَارجُ مِنْ أَيْكٍ دَوَاخِلُ غَيْرِهِ
زَهَاهُنَّ ظِلٌ سَابِغٌ وَغَدِيرُ
إِذَا غَازَلَتْهَا الشَّمْسُ رَفَّتْ كَأَنَّما
عَلَى صَفْحَتَيْهَا سُنْدُسٌ وَحَرِيرُ
فَلَمَّا رَأَيْتُ الصُّبْحَ قَدْ رَفَّ جِيدُهُ
وَلَمْ يَبْقَ مِنْ نَسْجِ الظَّلامِ سُتُورُ
خَرَجْتُ أَجُرُّ الذَّيْلَ تِيهًا وَإِنَّمَا
يَتِيهُ الْفَتَى إِنْ عَفَّ وَهْوَ قَدِيرُ
وَلِي شِيمَةٌ تَأْبَى الدَّنَايَا وَعَزْمَةٌ
تَرُدُّ لُهَامَ الْجَيْشِ وَهْوَ يَمُورُ
إِذَا سِرْتُ فَالأَرْضُ الَّتِي نَحْنُ فَوْقَهَا
مَرَادٌ لِمُهْرِي وَالْمَعَاقِلُ دُورُ
فَلَا عَجَبٌ إِنْ لَمْ يَصُرْنِي مَنْزِلٌ
فَلَيْسَ لِعِقْبَانِ الْهَوَاءِ وُكُورُ
هَمَامَةُ نَفْسٍ لَيْسَ يَنْقِي رِكَابَها
رَوَاحٌ عَلَى طُولِ الْمَدَى وَبُكُورُ
مُعَوَّدَة أَلا تَكُفَّ عِنَانَهَا
عَنِ الْجِدِّ إِلا أَنْ تَتِمَّ أُمُورُ
لَهَا مِنْ وَرَاءِ الْغَيْبِ أُذْنٌ سَمِيعَةٌ
وَعَيْنٌ تَرَى مَا لَا يَرَاهُ بَصِيرُ
وَفَيْتُ بِمَا ظَنَّ الْكِرامُ فِرَاسَةً
بِأَمْرِي وَمِثْلِي بِالْوَفَاءِ جَدِيرُ
وَأَصْبَحْتُ مَحْسُودَ الْجَلالِ كَأَنَّنِي
عَلَى كُلِّ نَفْسٍ فِي الزَّمَانِ أَمِيرُ
إذَا صُلْتُ كَفَّ الدَّهْرُ مِنْ غُلَوَائِهِ
وَإِن قُلْتُ غَصَّتْ بِالْقُلُوبِ صُدُورُ
مَلَكْتُ مَقَالِيدَ الْكَلامِ وَحِكْمَةً
لَهَا كَوْكَبٌ فَخْمُ الضِّيَاءِ مُنِيرُ
فَلَوْ كُنْتُ فِي عَصْرِ الْكَلامِ الَّذِي انْقَضَى
لَبَاءَ بِفَضْلِي جَرْوَلٌ وَجَرِيرُ
وَلَوْ كُنْتُ أَدْرَكْتُ النُّوَاسِيَّ لَمْ يَقُلْ
أَجَارَةَ بَيْتَيْنَا أَبُوكِ غَيُورُ
وَمَا ضَرَّنِي أَنِّي تَأَخَّرْتُ عَنْهُمُ
وَفَضْلِي بَيْنَ الْعَالَمِينَ شَهِيرُ
فَيَا رُبَّمَا أَخْلَى مِنَ السَّبْقِ أَوَّلٌ
وَبَذَّ الْجِيَادَ السَّابِقَاتِ أَخِيرُ

وَقَالَ مَادحًا ومُهَنِّئًا بِعيدِ الْجُلُوسِ: (من البسيط)

أَضَوْءُ شَمْسٍ فَرَى سِرْبَالَ دَيْجُورِ
أَمْ نُورُ عِيدٍ بِعَقْدِ التَّاجِ مَشْهُورِ؟
وَأَنْجُمٌ تِلْكَ أَمْ فُرْسَانُ عَادِيَةٍ
تَخْتَالُ فِي مَوْكِبٍ كَالْبَحْرِ مَسْجُورِ؟
مِنْ كُلِّ أَرْوَعَ يَجْلُو ظِلَّ عِثْيَرِهِ
بِصَارِمٍ كَلِسَانِ النَّارِ مَسْعُورِ
لا يَرْهَبُونَ عَدُوًّا فِي مُغَاوَرَةٍ
وَكَيفَ يَرْهَبُ لَيثٌ كَرَّ يَعْفُورِ
مُستَوفِزُونَ لِوَحْيٍ مِنْ لَدُنْ مَلِكٍ
بَادِي الْوَقَارِ عَلَى الأَعْدَاءِ مَنْصُورِ
فِي دَولَةٍ بَلَغَتْ بِالْعَدْلِ مَنْزِلَةً
عَلْيَاءَ كَالشَّمْسِ فِي بُعْدٍ وَفِي نُورِ
طَلَعْتَ فِيهَا طُلُوعَ الْبَدْرِ فَازْدَهَرَتْ
أَقْطَارُهَا بِضِيَاءٍ مِنْكَ مَنْشُورِ
فَلْيَفْخَرِ التَّاجُ إِذْ دَارَتْ مَعَاقِدُهُ
عَلَى جَبِينٍ بِنُورِ السَّعْدِ مَغْمُورِ
كَأَنَّمَا صَاغَ كَفُّ الأُفْقِ أَنْجُمَهُ
لِلْبَدْرِ مَا بَيْنَ مَنْظُومٍ وَمَنْثُورِ
فَيَا لَهَا حَفْلَةً لِلْملكِ مَا بَرِحَتْ
تَارِيخَ مَجْدٍ بِكَفِّ الدَّهْرِ مَسْطُورِ
ظَلَّتْ بِهَا حَدَقُ الأَمْلاكِ شَاخِصَةً
إِلَى مَهيبٍ بِفَضْلِ الْحِلْمِ مَشْكُورِ
فَكَمْ أَمِيرٍ بِحُسْنِ الْحَظِّ مُبْتَهِجٍ
وَكَمْ وَزِيرٍ بِكَأْسِ الْبِشْرِ مَخْمُورِ
فَالأَرْضُ فِي فَرَحٍ وَالدَّهْرُ فِي مَرَحٍ
وَالنَّاسُ مَا بَيْنَ تَهْلِيلٍ وَتَكْبِيرِ
فِي كُلِّ مَمْلَكَةٍ تَيَّارُ كَهْرَبَةٍ
يَسْرِي وَفِي كُلِّ نَادٍ صَوتُ تَبْشِيرِ
يَومٌ بِهِ طَنَّتِ الأَسْمَاعُ مِنْ طَرَبٍ
كَأَنَّ فِي كُلِّ أُذْنٍ سِلْكَ طُنْبُورِ
وَكَيفَ لا تَبْلُغُ الأَفْلاكَ دَوْلَةُ مَنْ
أَضْحَى بِهِ الْعَدْلُ حِلًّا غَيرَ مَحْظُورِ
هُوَ الْمَلِيكُ الَّذِي لَوْلا مَآثِرُهُ
مَا كَانَ فِي الدَّهْرِ يُسْرٌ بَعْدَ مَعْسُورِ
فَلَّ النَّوَائِبَ فَانْصَاحَتْ دَيَاجِرُهَا
بِمُرْهَفٍ مِنْ سُيُوفِ الرَّأْيِ مَأْثُورِ
وَأَصْلَحَتْ عَنَتَ الأَيَّامِ حِكْمَتُهُ
مِنْ بَعْدِ مَا كَانَ صَدْعًا غَيرَ مَجْبُورِ
مُسَدَّدُ الرَّأْيِ مَوْقُوفُ الظُّنُونِ عَلَى
رَعْيِ السِّيَاسَةِ فِي ثَبْتٍ وَتَحْوِيرِ
لا يُغْمِدُ السَّيْفَ إِلا بَعْدَ مَلْحَمَةٍ
وَلا يُعَاقِبُ إِلا بَعْدَ تَحْذِيرِ
يَا أَيُّهَا الْمَالِكُ الْمَيْمُونُ طَائِرُهُ
أَبْشِرْ بِفَتْحٍ عَظِيمِ الْقَدْرِ مَنْظُورِ
إِنَّ الْخُطُوبَ الَّتِي ذَلَّلْتَ جَانِبَهَا
بِحُسْنِ رَأْيِكَ لَمْ تُقْدَرْ لِمَقْدُورِ
بَلَغْتَ بِالشَّرْقِ مَا أَمَّلْتَ مِنْ وَطَرٍ
وَنِلْتَ بِالْغَرْبِ حَقًّا غَيْرَ مَنْكُورِ
فَمَنْ يُبَارِيكَ فِي فَضْلٍ وَمَكْرُمَةٍ
وَمَنْ يُدَانِيكَ فِي حَزْمٍ وَتَدْبِيرِ
لَوْلاكَ مَا دَامَ ظِلُّ السِّلْمِ وَانْحَسَرَتْ
ضَبَابَةُ الْحَرْبِ إِلا بَعْدَ تَغْرِيرِ
وَلا سَرَى الأَمْنُ بَعْدَ الْخَوفِ وَاعْتَصَمَتْ
بِجَانِبِ الصَّبْرِ هِمَّاتُ الْمَغَاوِيرِ
فَاسْلَمْ لِمُلْكٍ مَنِيعِ السَّرْحِ تَكْلَؤُهُ
بِعَيْنِ ذِي لِبَدٍ فِي الْغَابِ مَحْذُورِ
وَاقْبَلْ هَدِيَّةَ فِكْرٍ قَدْ تَكَنَّفَهَا
رَوْعُ الْخَجَالَةِ مِنْ عَجْزٍ وَتَقْصِيرِ
وَسَمْتُهَا بِاسْمِكَ الْعَالِي فَأَلْبَسَهَا
جِلْبَابَ فَخْرٍ طَوِيلِ الذَّيْلِ مَجْرُورِ
لَوْلا صِفَاتُكَ وَهْيَ الدُّرُّ مَا بَهرَتْ
أَبْيَاتُهَا الْغُرُّ مِنْ حُسْنٍ وَتَحْبِيرِ
شَمَائِلٌ زَيَّنَتْ قَولِي بِرَوْنَقِها
كَالسِّحْرِ يَفْتِنُ بَيْنَ الأَعْيُنِ الْحُورِ
شَفَّتْ زُجَاجَةُ فِكْرِي فَارْتَسَمْتُ بِهَا
عُلْيَاكَ مِنْ مَنْطِقِي فِي لَوْحِ تَصْوِيرِ
فَاسْعَدْ بِيَومٍ تَجَلَّى السَّعْدُ فِيهِ عَلَى
نَادِي عُلاكَ بِتَعْظِيمٍ وَتَوْقِيرِ
وَدُمْ عَلَى الدَّهْرِ فِي مُلْكٍ تَعِيشُ بِهِ
مُرَفَّهَ النَّفْسِ حَتَّى نَفْخَةِ الصُّورِ

وقَالَ في الفَخْرِ: (من الطويل)

طَرِبْتُ وَعَادَتْنِي الْمَخِيلَةُ وَالسُّكْرُ
وَأَصْبَحْتُ لا يُلْوِي بِشِيمَتِي الزَّجْرُ
كَأَنِّي مَخْمُورٌ سَرَتْ بِلِسَانِهِ
مُعَتَّقَةٌ مِمَّا يَضِنُّ بِهَا التَّجْرُ
صَرِيعُ هَوًى يُلْوي بِيَ الشَّوْقُ كُلَّمَا
تَلأْلأَ بَرْقٌ أَوْ سَرَتْ دِيَمٌ غُزْرُ
إِذَا مَال ميزَانُ النَّهارِ رَأَيْتنِي
عَلَى حَسَراتٍ لا يُقَاوِمُها صَبْرُ
يَقُولُ أَنَاسٌ إِنَّهُ السِّحْرُ ضَلَّةً
وَمَا هِيَ إِلا نَظْرَةٌ دُونَهَا السِّحْرُ
فَكَيْفَ يَعِيبُ النَّاسُ أَمْرِي وَلَيْسَ لِي
وَلا لِامْرِئٍ فِي الْحُبِّ نَهْيٌ وَلا أَمْرُ
وَلَوْ كَانَ مِمَّا يُسْتطَاعُ دِفَاعُهُ
لأَلْوَتْ بِهِ الْبِيضُ الْمَباتِيرُ وَالسُّمْرُ
وَلَكِنَّهُ الْحُبُّ الَّذِي لَوْ تَعَلَّقَتْ
شَرَارَتُهُ بِالْجَمْرِ لاحْتَرَقَ الْجَمْرُ
عَلَى أَنَّنِي كَاتَمْتُ صَدْرِيَ حُرْقَةً
مِنَ الْوَجْدِ لا يَقْوَى عَلَى حَمْلِهَا صَدْرُ
وَكَفْكَفْتُ دَمْعًا لَوْ أَسَلْتُ شُئُونَهُ
عَلَى الأَرْضِ مَا شَكَّ امْرُؤٌ أَنَّهُ الْبَحْرُ
حَيَاءً وَكِبْرًا أَنْ يُقَالَ تَرَجَّحَتْ
بِهِ صَبْوَةٌ أَوْ فَلَّ مِنْ غَرْبِهِ الْهَجْرُ
وَإِنِّي امْرُؤٌ لَوْلا الْعَوائِقُ أَذْعَنَتْ
لِسُلْطَانِهِ الْبَدْوُ الْمُغِيرَةُ وَالْحَضْرُ
مِنَ النَّفَرِ الْغُرِّ الَّذِينَ سُيُوفُهُمْ
لَهَا فِي حَوَاشِي كُلِّ دَاجِيَةٍ فَجْرُ
إِذَا اسْتَلَّ مِنْهُمْ سَيِّدٌ غَرْبَ سَيْفِهِ
تَفَرَّعَتِ الأَفْلاكُ وَالْتَفَتَ الدَّهْرُ
لَهُمْ عُمُدٌ مَرْفُوعَةٌ وَمَعَاقِلٌ
وَأَلْوِيَةٌ حُمْرٌ وَأَفْنِيَةٌ خُضْرُ
وَنَارٌ لَهَا فِي كُلِّ شَرْقٍ وَمَغْرِبٍ
لِمُدَّرِعِ الظَّلْمَاءِ أَلْسِنَةٌ حُمْرُ
تَمُدُّ يَدًا نَحْوَ السَّمَاءِ خَضِيبَةً
تُصَافِحُهَا الشِّعْرَى وَيَلْثِمُهَا الْغَفْرُ
وَخَيْلُ يَعُمُّ الْخَافِقَيْنِ صَهِيلُهَا
نَزَائِعُ مَعْقُودٌ بِأَعْرَافِها النَّصْرُ
مَعَوَّدَةٌ قَطْعَ الْفَيَافِي كَأَنَّهَا
خُدَارِيَّةٌ فَتْخَاءُ لَيْسَ لَهَا وَكْرُ
أَقَامُوا زَمَانًا ثُمَّ بَدَّدَ شَمْلَهُمْ
مَلُولٌ مِنَ الأَيَّامِ شِيمَتُهُ الْغَدْرُ
فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ غَيْرُ آثارِ نِعْمَةٍ
تَضُوعُ بِرَيَّاهَا الأَحَادِيُث وَالذِّكْرُ
وَقَدْ تَنْطِقُ الآثَارُ وَهْيَ صَوَامِتٌ
وَيُثْنِي بِرَيَّاهُ عَلَى الْوَابِلِ الزَّهْرُ
لَعَمْرُكَ مَا حَيٌّ وَإِنْ طَالَ سَيْرُهُ
يُعَدُّ طَلِيقًا وَالْمَنُونُ لَهُ أَسْرُ
وَمَا هَذِهِ الأَيَّامُ إِلا مَنَازِلٌ
يَحُلُّ بِهَا سَفْرٌ وَيَتْرُكُهَا سَفْرُ
فَلا تَحْسَبَنَّ الْمَرْءَ فِيها بِخَالِدٍ
وَلَكِنَّهُ يَسْعَى وَغَايَتُهُ الْعُمْرُ

وَقَالَ يُهَنِّئُ الخِديو عَبَّاسَ حِلْمي الثَانِي بِعِيدِ جُلُوسِهِ: (من البسيط)

لِمِثْلِ ذَا الْيَوْمِ كَانَ الْمُلْكُ يَنْتَظِرُ
فَاسْعَدْ بِهَا دَوْلَةً عُنْوَانُها الظَّفَرُ
تَهَلَّلَتْ مِصْرُ بَعْدَ الْيَأْسِ وَابْتَهَجَتْ
بِكَ الرَّعِيَّةُ حَتَّى عَمَّهَا الْحَبَرُ
نَالَتْ بِنَصْرِكَ مَا كَانَتْ تُؤَمِّلُهُ
لا زِلْتَ لِلْمُلْكِ وَالإِسْلامِ تَنْتَصِرُ
فَالْعَدْلُ مُنْبَسِطٌ وَالْجَوْرُ مُنْقَبِضٌ
وَالأَمْنُ مُنْسَدِلٌ وَالْخَوفُ مُنْشَمِرُ
نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَافَى بَعْدَ دَاجِيَةٍ
كَمَا تَبَلَّجَ عَنْ مَكْنُونِهِ السَّحَرُ
فَالنَّاسُ مِنْ طَرَبٍ فِي نَشْوَةٍ أَخَذَتْ
بِهِمْ فَمَالُوا كَأَنَّ الْقَومَ قَدْ سَكِرُوا
مُسْتَوفِضُونَ إِلَى الدَّاعِي تَسِيلُ بِهِمْ
أَرْضٌ وَتَجْمَعُهُمْ أُخْرَى فَهُمْ زُمَرُ
فِي كُلِّ نَادٍ خَطِيبٌ حَوْلَ مِنْبَرِهِ
جَمْعٌ وَفِي كُلِّ وَادٍ تَرْكُضُ الْبَشَرُ
يَسْتَعْذِبُ السَّمْعُ مَا يُمْلِي اللِّسَانُ لَهُ
وَيَعْلَقُ الْقَلْبُ مَا يُوحِي بِهِ الْبَصَرُ
فَلا شَقَاءٌ وَلا بَأْسٌ وَلا فَزَعٌ
وَلا عَدَاءٌ وَلا غَدْرٌ وَلا حَذَرُ
عِيدٌ تَهلَّلَتِ الدُّنْيَا بِهِ فَرَحًا
وَنِعْمَةٌ لَيْسَ يَقْضِي حَقَّهَا الْبَشَرُ
وَكَيْفَ لا تَفْخَرُ الدُّنْيَا بِطَلْعَةِ مَنْ
لَوْلاهُ لَمْ يَبْقَ فِيهَا لِامْرِئٍ وَطَرُ
فَاسْتَبْشِرُوا يَا بَنِي الأَوْطَانِ إِنَّ لَكُمْ
مِنْ عَدْلِهِ جَنَّةً يَجْرِي بِهَا نَهَرُ
هُوَ الْمَلِيكُ الَّذِي لَوْلا سِيَاسَتُهُ
مَا كَانَ لِلْعَدْلِ لا عَيْنٌ وَلا أَثَرُ
أَفْضَى إِلَى مِصْرَ وَالدُّنْيَا عَلَى خَطَرٍ
فَمَا تَمَثَّلَ حَتَّى أَجْفَلَ الْخَطَرُ
مُوَفَّقٌ لِصَنِيعِ الْخَيْرِ مُبْتَدِعٌ
لِمَا تُقَصِّرُ عَنْ إِدْرَاكِهِ الْفِكَرُ
يَهْمِي نَدًى وَرَدًى جُودًا وَمَحْمِيَةً
كَذَلِكَ الدَّهْرُ فِيهِ النَّفْعُ وَالضَّرَرُ
يَسْطُو بِرِفْقٍ إِذَا مَا الْحَزْمُ أَعْوَزَهُ
إِلَى الْعِقَابِ وَيَعْفُو حِينَ يَقْتَدِرُ
فَالْبَطْشُ مَا لَمْ يَكُنْ عَنْ حِكْمَةٍ سَرَفٌ
وَالْحِلْمُ مَا لَمْ يَكُنْ عَنْ قُدْرَةٍ خَوَرُ
إِذَا ارْتَأَى بَدَرَتْ أَنْوَارُ حِكْمَتِهِ
كَمَا تَطَايَرَ بَعْدَ الْقَدْحَةِ الشَّرَرُ
دَلَّتْ عَلَى فَضْلِهِ آثارُ حِكْمَتِهِ
وَكُلُّ شَيءٍ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَثَرُ
إِذَا تَبَسَّمَ فَاضَتْ رَاحَتَاهُ لَنَا
جُودًا وَمَا كُلُّ بَرْقٍ خَلْفَهُ مَطَرُ
تَمَلَّ بِالْمُلْكِ يَا عَبَّاسُ وَابْقَ لَنَا
فِي نِعْمةٍ لَمْ يُخَالِطْ صَفْوَهَا كَدَرُ
فَأَنْتَ مِنْ دَوْحَةٍ فِي الْمَجْدِ بَاسِقَةٍ
طَابَتْ وَدَلَّ عَلَيْهَا النَّوْرُ وَالثَّمَرُ
بَلَغْتُ مَجْهُودَ نَفْسِي فِي الثَّنَاءِ وَلَمْ
أَبْلُغْ عُلاكَ وَأَنَّى يُدْرَكُ الْقَمْرُ
فَامْنُنْ عَلَيَّ بِإِصْغَاءٍ إِلَى كَلِمٍ
تُعَدُّ فِي النُّطْقِ إِلا أَنَّهَا دُرَرُ
وَسَمْتُهَا بِاسْمِكَ الْعَالِي فَأَلْبَسَهَا
حُسْنًا تَتِيهُ بِهِ الدُّنْيَا وَتَفْتَخِرُ
إِذَا تَلاهَا لِسَانُ الشُّكْرِ قَامَ لَهَا
حُبًّا بِذِكْرِ عُلاكَ الْبَدْوُ وَالْحَضَرُ
لا زِلْتَ مَوْرِدَ آمَالٍ تَحُومُ بِهِ
طَيْرُ الْقُلُوبِ إِلَى أَنْ تُنْشَرَ الصُّوَرُ

وَقَالَ يَصِفُ الْهَرمَيْنِ: (من الطويل)

سَلِ الْجِيزَةَ الْفَيْحَاءَ عَنْ هَرَمَيْ مِصْرِ
لَعَلَّكَ تَدْرِي غَيْبَ مَا لَمْ تَكُنْ تَدْرِي
بِنَاءانِ رَدَّا صَوْلَةَ الدَّهْرِ عَنْهُمَا
وَمِنْ عَجَبٍ أَنْ يَغْلِبَا صَوْلَةَ الدَّهْرِ
أَقَامَا عَلَى رَغْمِ الْخُطُوبِ لِيَشْهَدَا
لِبَانِيهِمَا بَيْنَ الْبَرِيَّةِ بِالْفَخْرِ
فَكَمْ أُمَمٍ فِي الدَّهْرِ بَادَتْ وَأَعْصُرٍ
خَلَتْ وَهُمَا أُعْجُوبَةُ الْعَيْنِ وَالْفِكْرِ
تَلُوحُ لِآثَارِ الْعُقُولِ عَلَيهِمَا
أَسَاطِيرُ لا تَنْفَكُّ تُتْلَى إِلَى الْحَشْرِ
رُمُوزٌ لَوِ اسْتَطْلَعْتَ مَكْنُونَ سِرِّها
لأَبْصَرْتَ مَجْمُوعَ الْخَلائِقِ فِي سَطْرِ
فَمَا مِنْ بِنَاءٍ كَانَ أَوْ هُوَ كَائِنٌ
يُدَانِيهِمَا عِنْدَ التَّأَمُّلِ وَالْخُبْرِ
يُقَصِّرُ حُسْنًا عَنْهُمَا صَرْحُ «بَابِلٍ»
وَيَعْتَرِفُ الإِيَوانُ بِالْعَجْزِ وَالْبَهْرِ
فَلَوْ أَنْ «هَارُوتَ» انْتَحَى مَرْصَدَيْهِما
لأَلَقْى مَقَالِيدَ الْكَهَانَةِ وَالسِّحْرِ
كَأَنَّهُمَا ثَدْيَانِ فَاضَا بِدِرَّةٍ
مِنَ النِّيلِ تُرْوِي غُلَّةَ الأَرْضِ إِذْ تَجْرِي
وَبَيْنَهُمَا «بَلْهِيبُ» فِي زِيِّ رَابِضٍ
أَكَبَّ عَلَى الْكَفَّيْنِ مِنْهُ إِلَى الصَّدْرِ
يُقَلِّبُ نَحْوَ الشَّرْقِ نَظْرَةَ وَامِقٍ
كَأَنَّ لَهُ شَوْقًا إِلَى مَطْلَعِ الْفَجْرِ
مَصَانِعُ فِيهَا لِلْعُلُومِ غَوَامِضٌ
تَدُلُّ عَلَى أَنْ ابْنَ آدَمَ ذُو قَدْرِ
رَسَا أَصْلُهَا وَامْتَدَّ فِي الْجَوِّ فَرْعُها
فَأَصْبَحَ وَكْرًا لِلسِّمَاكَيْنِ وَالنَّسْرِ
فَقُمْ نَغْتَرِفْ خَمْرَ النُّهَى مِنْ دِنَانِهَا
وَنَجْنِي بِأَيْدِي الْجِدِّ رَيْحَانَةَ الْعُمْرِ
فَثَمَّ عُلُومٌ لَمْ تُفَتَّقْ كِمَامُهَا
وَثَمَّ رُمُوزٌ وَحْيُهَا غَامِضُ السِّرِّ
أَقَمْتُ بِهَا شَهْرًا فَأَدْرَكْتُ كُلَّ مَا
تَمَنَّيْتُهُ مِنْ نِعْمَةِ الدَّهْرِ فِي شَهْرِ
نَرُوحُ وَنَغْدُو كُلَّ يَومٍ لِنَجْنَتِي
أَزَاهِيرَ عِلْمٍ لا تَجِفُّ مَعَ الزَّهْرِ
إِذَا مَا فَتَحْنَا قُفْلَ رَمْزٍ بَدَتْ لَنَا
مَعَارِيضُ لَمْ تَفْتَحْ بِزِيجٍ وَلا جَبْرِ
فَكَمْ نُكَتٍ كَالسِّحْرِ فِي حَرَكَاتِهِ
تُرِيكَ مَدَبَّ الرُّوحِ فِي مُهْجَةِ الذَّرِّ
سَكِرْنَا بِمَا أَهْدَتْ لَنَا مِنْ لُبَابِها
فَيَا لَكَ مِنْ سُكْرٍ أُتِيحَ بِلا خَمْرِ
وَمَا سَاءَنِي إِلا صَنِيعُ مَعَاشِرٍ
أَلَحُّوا عَلَيْهَا بِالْخِيَانَةِ وَالْغَدْرِ
أَبَادُوا بِهَا شَمْلَ الْعُلُومِ وَشَوَّهُوا
مَحَاسِنَ كَانَتْ زِينَةَ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
فَكَمْ سَمَلُوا عَيْنًا بِهَا تُبْصَرُ الْعُلا
وَشَلُّوا يِدًا كَانَتْ بِهَا رَايَةُ النَّصْرِ
تَمَنَّوْا لِقَاطَ الدُّرِّ جَهْلا وَمَا دَرَوْا
بِأَنَّ حَصَاهَا لا يُقَوَّمُ بِالدُّرِّ
وَفَلُّوا لِجَمْعِ التِّبْرِ صُمَّ صُخُورِهَا
وَأَيْسَرُ مَا فَلُّوهُ أَغْلَى مِنَ التِّبْرِ
وَلَكِنَّهُمْ خَابُوا فَلَمْ يَصِلُوا إِلَى
مُنَاهُمْ وَلا أَبْقَوْا عَلَيهَا مِنَ الْخَتْرِ
فَتَبًّا لَهُمْ مِنْ مَعْشَرٍ نَزَعَتْ بِهِمْ
إِلَى الْغَيِّ أَخْلَاقٌ نَبَتْنَ عَلَى غِمْرِ
أَلا قَبَّحَ اللهُ الْجَهَالَةَ إِنَّهَا
عَدُوَّةُ مَا شَادَتْهُ فِينَا يَدُ الْفِكْرِ
فَلَوْ رَدَّتِ الأَيَّامُ مُهْجَةَ «هُرْمُسٍ»
لأَعْوَلَ مِنْ حُزْنٍ عَلَى نُوَبِ الدَّهْرِ
فَيَا نَسَمَاتِ الْفَجْرِ أَدِّي تَحِيَّتِي
إِلَى ذَلِكَ الْبُرْجِ الْمُطِلِّ عَلَى النَّهْرِ
وَيَا لَمَعَاتِ الْبَرْقِ إِنْ جُزْتِ بِالْحِمَى
فَصُوبِي عَلَيهَا بِالنِّثَارِ مِنَ الْقَطْرِ
عَلَيهَا سَلامٌ مِنْ فُؤَادٍ مُتَيَّمٍ
بِهَا لا بِرَبَّاتِ الْقَلائِدِ وَالشَّذْرِ
وَلا بَرِحَتْ فِي الدَّهْرِ وَهْيَ خَوَالِد
خُلُودَ الدَّرَارِي وَالأَوَابِدِ مِنْ شِعْرِي

وَكَتَبَ إلى صَدِيقِهِ «عبد الله باشا فكري»: (من الطويل)

أَدِيرَا كُئُوسَ الرَّاحِ قَدْ لَمَعَ الْفَجْرُ
وَصَاحَتْ بِنَا الأَطْيَارُ أَنْ وَجَبَ السُّكْرُ
أَمَا تَرَيَانِ اللَّيْلَ كَيْفَ تَسَلَّلَتْ
كَوَاكِبُهُ لِلْغَرْبِ وَانْحَدَرَ النَّسْرُ
فَقُومَا انْظُرَا مَا يَصْنَعُ الصُّبْحُ بِالدُّجَى
فَإِنِّي أَرَى مَا لَيْسَ يَبْلُغُهُ الذُّكْرُ
أَرَى أَدْهَمًا يَتْلُوهُ أَشْهَبُ طَارِدٌ
كِلا الْفَرَسَيْنِ اغْتَالَ شَأْوَهُمَا الْحُضْرُ
وَقَدْ حَنَّتِ الأَطْيَارُ فِي وُكُنَاتِهَا
وَقَامَ يُحَيِّينَا عَلَى سَاقِهِ الزَّهْرُ
وَأَصْبَحَتِ الْغُدْرَانُ تَصْقُلُها الصَّبَا
وَيَرْقُمُ مَتْنَيْهَا بِلُؤْلُئِهِ الْقَطْرُ
تَرِفُّ كَمَا رَفَّتْ صَحَائِفُ فِضَّةٍ
عَلَيْهِنَّ مِنْ لأْلاءِ شَمْسِ الضُّحَى تِبْرُ
كَأَنَّ بَنَاتِ الْمَاءِ تَقْرَأُ مَتْنَها
صَبَاحًا وَظِلُّ الْغُصْنِ لاحَ بِها سَطْرُ
عَصَائِبُ حَولَ الْمَاءِ يَدْرِمْنَ هُتَّفَا
بِلَحْنٍ لَهُ فِي كُلِّ سَامِعَةٍ أَثْرُ
إذَا صَرْصَرَ الْبَازِي تَلَبَّدْنَ بِالثَّرى
مِنَ الرُّعْبِ حَتَّى لا يَبِينَ لَهَا صَرُّ
يُسَارِقْنَهُ حَتَّى إِذَا غَابَ ظِلُّهُ
عَنِ الْمَاءِ عَادَ اللَّحْنُ وَانْتَشَرَ الْهَدْرُ
تَرَاهُنَّ أَسْرَابًا عَلَى الْمَاءِ حُوَّمًا
يُقَرِّبُهَا ظِمْءٌ وَيُبْعِدُها ذُعْرُ
تَرُوحُ وَتَغْدُو بَيْنَ أَفْنَانِ دَوْحَةٍ
سَقَاهَا مِنَ الْوَسْمِيِّ مُسْتَوْكَفٌ غَزْرُ
لَهَا فِي نَوَاحِي الأُفْقِ لَفْتَةُ أَصْيَدٍ
يَلُوحُ عَلَى أَطْرَافِ عِرْنِينِهِ الْكِبْرُ
مَلاعِبُ لَهْوٍ يَقْصُرُ الطَّرْفُ دُونَهَا
وَدُنْيَا نَعِيمٍ لا يُحِيطُ بِهَا الْفِكْرُ
فَيَا صَاحِبَيْ نَجْوَايَ قُومَا لِشُرْبِهَا
فَفِي مِثْلِ هَذَا الْيَومِ طَابَتْ لَنَا الْخَمْرُ
وَشَأْنَكُمَا فِي الرِّاحِ فَالْعَيْشُ وَالصِّبَا
إِذَا الرَّاحُ لَمْ تَخْفِرْهُمَا فَسَدَ الْعُمْرُ
خَبِيئَةُ قَوْمٍ خَلَّفُوهَا لِغَيْرِهِمْ
خَلَتْ دُونَهَا الأَيَّامُ وَاخْتَلَفَ الْعَصْرُ
فَجَاءَتْ كَمِصْبَاحِ السَّمَاءِ مُنِيرَةً
إِذَا اتَّقَدَتْ فِي الْكَأسِ سَارَ بِهَا السَّفْرُ
وَإِنْ أَنْتُمَا غَنَّيْتُمَانِي فَلْتَكُنْ
أَنَاشِيدَ يَهْفُو دُونَ تَسْمَاعِهَا الصَّبْرُ
أَنَاشِيدَ فِيهَا لِلْمَلِيحَةِ وَالْهَوَى
مَعَاذِيرُ أَحْوَالٍ يَلِينُ لَهَا الصَّخْرُ
لَعَلَّ هَواهَا أَنْ يَعُودَ كَمَا بَدَا
رَخِيَّ الْحَوَاشِي قَبْلَ أَنْ يَنْشَبَ الْهَجْرُ
مِنَ الْبِيضِ مَيْسَانُ الْعَشِيَّاتِ غَادَةٌ
سَلِيمَةٌ مَا تَحْوِي الْمَعَاقِدُ وَالأُزْرُ
إِذَا سَفَرَتْ وَالْبَدْرُ لَيْلَةَ تَمِّهِ
وَلاحَا سَوَاءً قِيلَ أَيُّهُما الْبَدْرُ
لَهَا لَفْتَةُ الْخَشْفِ الأَغَنِّ وَنَظْرَةٌ
تُقَصِّرُ عَنْ أَمْثَالِهَا الْفَتْكَةُ الْبِكْرُ
تَرُدُّ النُّفُوسَ السَّالِمَاتِ سَقِيمَةً
وَتَفْعَلُ مَا لا تَفْعَلُ الْبِيضُ وَالسُّمْرُ
خَفَضْتُ لَهَا مِنِّي جَنَاحَيْ مَوَدَّةٍ
وَدِنْتُ لِعَيْنَيْهَا كَمَا حَكَمَ الدَّهْرُ
عَلَى أَنَّ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَشِيرِهَا
قَوَارِعُ سُوءٍ لا يَنَامُ لَهَا وِتْرُ
فَيَا رَبَّةَ الْخَلْخَالِ رِفْقًا بِمُهْجَتِي
فَبِالْغَادَةِ الْحَسْنَاءِ لا يَحْسُنُ الْغَدْرُ
وَبُقْيَا عَلَى قَلْبِي فَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِ
سِوَى حُبِّ عَبدِ اللهِ كَانَ لَهُ عُذْرُ
أَخِي وَصَدِيقِي وَابْنُ وُدِّي وَصَاحِبِي
وَمَوْضِعُ سِرِّي حِينَ يَعْتَلِجُ الصَّدْرُ
هُوَ الصَّاحِبُ الْمَشْكُورُ فِي الْوُدِّ سَعْيُهُ
وَمَا خَيرُ وُدٍّ لَيْسَ يَلْحَقُهُ شُكْرُ
أَمِينٌ عَلَى غَيْبِ الصَّدِيقِ إِذَا وَنَتْ
عُهُودُ أُنَاسٍ أَوْ تَطَرَّقَهَا فَتْرُ
فَلا جَهْرُهُ سِرٌّ وَلا سِرُّ صَدْرِهِ
إِذَا امْتَحَنَ الْوَاشِي ضَمَائِرَهُ جَهْرُ
يَدِبُّ عَلَى الْمَعْنَى الْخَفِيِّ بِفِكْرَةٍ
سَوَاءٌ لَدَيهَا السَّهْلُ فِي ذَاكَ وَالْوَعْرُ
لَهُ الْبُلْجَةُ الْغَرَّاءُ يَسْرِي شُعَاعُهَا
إِذَا غَامَ أُفْقُ الْفَهْمِ وَالْتَبَسَ الأَمْرُ
تزَاحَمُ أَفْوَاجُ الْكَلامِ بِصَدْرِهِ
فَلَوْ غَضَّ مِنْ صَوْتٍ لَكَانَ لَهَا هَدْرُ
لَهُ قَلَمٌ لَوْلا غَزَارَةُ فِكْرِهِ
لَجَفَّتْ لَدَيْهِ السُّحْبُ أَوْ نَفِدَ الْبَحْرُ
إِذَا اخْتَمَرَتْ بِاللَّيْلِ قِمَّةُ رَأْسِهِ
تَفَجَّرَ مِنْ أَطْرَافِ لِمَّتِهَا الْفَجْرُ
إِلَيْكَ ابْنَ بَطْحَاءِ الْكَلامِ تَشَذَّرَتْ
بِرَكْبِ الْمَعَانِي لا يُكَفْكِفُهَا الزَّجْرُ
قَلائِصُ لا يَرْعَيْنَ عَازِبَةَ الْكَلا
وَلا يَسْتَبِقْنَ الْمَاءَ إِنْ فَاتَهَا الْعِشْرُ
وَمَا هُوَ إِلا الشِّعْرُ سَارَتْ عِيَابُهُ
وَفِي طَيِّهَا مِنْ طِيبِ مَا ضُمِّنَتْ نَشْرُ
فَأَلْقِ إِلَيهِ السَّمْعَ يُنْبِئْكَ أَنَّهُ
هُوَ الشِّعْرُ لا مَا يَدَّعِي الْمَلأُ الْغَمْرُ
يَزِيدُ عَلَى الإِنْشَادِ حُسْنًا كَأَنَّنِي
نَفَثْتُ بِهِ سِحْرًا وَلَيْسَ بِهِ سِحْرُ
فَدُمْ لِلْعُلا وَالْعِلْمِ وَالْحِلْمِ وَالتُّقَى
وَنَيْلِ الْمُنَى مَا أَوْرَقَ الْغُصُنُ النَّضْرُ

وقال: (من الكامل)

لِهَوَى الْكَوَاعِبِ ذِمَّةٌ لا تُخْفَرُ
وَأَخُو الْوَفَاءِ بِعَهْدِهِ لا يَغْدِرُ
فَعَلامَ يَنْهَانِي الْعَذُولُ عَنِ الصِّبَا
أَوَلَيْسَ أَنَّ هَوَى النُّفُوسِ مُقَدَّرُ
قَدْ كَانَ لِي فِي بَعْضِ مَا صَنَعَ الْهَوَى
عُذْرٌ وَلَكِنْ أَيْنَ مَنْ يَتَبَصَّرُ
وَمِنَ الْبَلِيَّةِ غَافِلٌ عَمَّا جَنَتْ
يَدُهُ عَلَيَّ وَلائِمٌ لا يَعْذِرُ
لَمْ يَدْرِ مَنْ كَحَلَ الْكَرَى أَجْفَانَهُ
مَاذَا يُكَابِدُ فِي الْهَوَى مَنْ يَسْهَرُ
يَا غَافِلا عَنِّي وَبينَ جَوَانِحِي
لَهَبٌ يَكَادُ لَهُ الْحَشَا يَتَفَطَّرُ
دَعْنِي أَبُثُّكَ بَعْضَ مَا أَنَا وَاجِدٌ
وَاحْكُمْ بِمَا تَهْوَى فَأَنْتَ مُخَيَّرُ
فَلَو اطَّلَعْتَ عَلَى تَبَارِيحِ الْجَوَى
لَعَلِمْتَ أَيُّ دَمٍ بِحُبِّكَ يُهْدَرُ
مَا كُنْتُ أَعْلَمُ قَبْلَ حُبِّكَ أَنَّنِي
أُغْضِي عَلَى مَضَضِ الْهَوَانِ وَأَصْبِرُ
أَوْرَدْتَنِي بِلِحَاظِ عَيْنِكَ مَوْرِدًا
لِلْحُبِّ مَا لِلْقَلْبِ عَنْهُ مَصْدَرُ
هِيَ نَظْرَةٌ كَانَتْ ذَرِيعَةَ صَبْوَةٍ
وَاللَّحْظُ أَضْعَفُ مَا يَكُونُ وَأَقْدَرُ
مَا كُنْتُ أَعْلَمُ قَبْلَ وَحْيِ جُفُونِهَا
أَنَّ الْعُيُونَ الْجُؤْذُرِيَّةَ تَسْحَرُ
ظَلَمُوا الأَسِنَّةَ خَاطِئِينَ وَلَيْتَهُمْ
عَلِمُوا بِمَا صَنَعَ السِّنَانُ الأَحْوَرُ
أَمُطَاعِنَ الْفُرْسَانِ فِي حَمَسِ الْوَغَى
أَقْصِرْ فَرُمْحُكَ عَنْ غَرِيمِكَ أَقْصَرُ
أَينَ الرِّمَاحُ مِنَ الْقُدُودِ وَأَينَ مِنْ
لَحْظٍ تَهِيمُ بِهِ السِّنَانُ الأَخْزَرُ
هَيْهَاتَ يَثْبُتُ فِي الْوَقِيعَةِ دَارِعٌ
يَسْطُو عَلَيْهِ مُخَلْخَلٌ وَمُسَوَّرُ
لِلْحُسْنِ أَسْلِحَةٌ إِذَا مَا اسْتَجْمَعَتْ
فِي حَوْمَةٍ لا يَتَّقِيهَا مِغْفَرُ
فَاللَّحْظُ عَضْبٌ صَارِمٌ وَالْهُدْبُ نَبـ
ـلٌ صَائِبٌ وَالْقَدُّ رُمْحٌ أَسْمَرُ
أَنَّى يَطِيشُ عَنِ الْقُلُوبِ لِغَمْزَةٍ
سَهْمٌ وَقَوْسُ الْحَاجِبَيْنِ مُوَتَّرُ
يَا لَلْحَمِيَّةِ مِنْ غَزَالٍ صَادَنِي
وَمِنَ الْعَجَائِبِ أَنْ يَصِيدَ الْجُؤْذَرُ
بَدْرٌ لَهُ بَيْنَ الْقُلُوبِ مَنَازِلٌ
يَسْرِي بِهَا وَلِكُلِّ بَدْرٍ مَظْهَرُ
انْظُر لِطُرَّتِهِ وَغُرَّةِ وَجْهِهِ
تَلْقَ الْهِدَايَةَ فَهْوَ لَيْلٌ أَقْمَرُ
نَادَيتُ لَمَّا لاحَ تَحْتَ قِنَاعِهِ
هَذَا الْمُقَنَّعُ فَاحْذَرُوا أَنْ تُسْحَرُوا
طَبَعَتْهُ فِي لَوْحِ الْفُؤَادِ مَخِيلَتي
بِزُجَاجَةِ الْعَينَينِ فَهُوَ مُصَوَّرُ
وَسَرَتْ بِجِسْمِي كَهْرَبَاءةُ حُسْنِهِ
فَمِنْ الْعُرُوقِ بِهِ سُلُوكٌ تُخْبرُ
أَنَا مِنْهُ بَيْنَ صَبَابَةٍ لا يَنْقَضِي
مِيقَاتُهَا وَمَواعِدٍ لا تُثْمِرُ
جِسْمٌ بَرَتْهُ يَدُ الضَّنَى حَتَّى غَدَا
قَفَصًا بِهِ لِلْقَلْبِ طَيْرٌ يَصْفِرُ
لَوْلا التَّنَفُّسُ لاعْتَلَتْ بِي زَفْرَةٌ
فَيَخَالُنِي طَيَّارَةً مَنْ يُبْصِرُ
لا غَرْوَ أَنْ أَصْبَحْتُ تَحْتَ قِيَادِهِ
فَالْحُبُّ أَغْلَبُ لِلنُّفُوسِ وَأَقْهَرُ
يَعْنُو لِقُدْرَتِهِ الْمَلِيكُ الْمُتَّقَى
وَيَهَابُ صَوْلَتَهُ الْكَمِيُّ الْقَسْوَرُ
وَالْعِشْقُ مَكْرُمَةٌ إِذَا عَفَّ الْفَتَى
عَمَّا يَهِيمُ بِهِ الْغَوِيُّ الأَصْوَرَةُ
يَقْوَى بِهِ قَلْبُ الْجَبَانِ وَيَرْعَوِي
طَمَعُ الْحَريصِ وَيَخْضَعُ الْمُتَكَبِّرُ
فَتَحَلَّ بِالأَدَبِ النَّفِيسِ فَإِنَّهُ
حَلْيٌ يَعِزُّ بِهِ اللَّبِيبُ وَيَفْخَرُ
وَإِذَا عَزَمْتَ فَكُنْ بِنَفْسِكَ وَاثِقًا
فَالْمُسْتَعِزُّ بِغَيْرِهِ لا يَظْفَرُ
إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْءِ مِنْ بَدَهاتِهِ
فِي الْخَطْبِ هَادٍ خَانَهُ مَنْ يَنْصُرُ
وَاحْذَرْ مُقَارَنَةَ اللَّئِيمِ وَإِنْ عَلا
فَالْمَرْءُ يُفْسِدُهُ الْقَرِينُ الأَحْقَرُ
وَمِنَ الرَّجَالِ مَنَاسِبٌ مَعْرُوفَةٌ
تَزْكُو مَوَدَّتُهَا وَمِنْهُمْ مُنْكَرُ
فَانْظُرْ إِلَى عَقْلِ الْفَتَى لا جِسْمِهِ
فَالْمَرْءُ يَكْبُرُ بِالْفِعَالِ وَيَصْغُرُ
فَلَرُبَّمَا هَزَمَ الْكَتِيبَةَ وَاحِدٌ
وَلَرُبَّمَا جَلَبَ الدَّنيئَةَ مَعْشَرُ
إِنَّ الْجَمَالَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا
خَفِيَ الصَّوَابُ لأَنَّهُ لا يَظْهَرُ
فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ مَا تَعِيشُ بِذِكْرِهِ
فَالْمَرْءُ فِي الدُّنْيَا حَدِيثٌ يُذْكَرُ

وَقَالَ يَصِفُ الرَّبيعَ: (من الكامل)

رَفَّ النَّدَى وَتَنَفَّسَ النُّوَّارُ
وَتَكَلَّمَتْ بِلُغَاتِهَا الأَطْيَارُ
وَتَأَرَّجَتْ سُرَرُ الْبِطَاحِ كَأَنَّمَا
فِي بَطْنِ كُلِّ قَرَارَةٍ عَطَّارُ
زَهْرٌ يَرِفُّ عَلَى الْغُصُونِ وَطَائِرٌ
غَرِدُ الْهَدِيرِ وَجَدْوَلٌ زَخَّارُ
وَنَوَاسِمٌ أَنْفَاسُهُنَّ طَويِلَةٌ
وَهَوَاجِرٌ أَعْمَارُهُنَّ قِصَارُ
وَالْبَاسِقَاتُ الْحَامِلَاتُ كَأَنَّهَا
عُمُدٌ مُشَعَّبَةُ الذُّرَى وَمَنَارُ
عَقَدَتْ ذَلاذِلَ سُوقِهَا فِي جِيدِهَا
وَسَمَتْ فَلَيْسَ تَنَالُهَا الأَبْصَارُ
فَأُصُولُهَا لِلسَّابِحَاتِ مَلاعِبٌ
وَفُرُوعُهَا لِلنَّيِّرَاتِ مَطَارُ
يَبْدُو بِهَا زَهْوٌ تَخَالُ إِهَانَهُ
فُتُلا تَمَشَّتْ فِي ذُرَاهَا النَّارُ
طَورًا تَمِيلُ مَعَ الرِّيَاحِ وَتَارَةً
تَرْتَدُّ فَهْيَ تَحَرُّكٌ وَقَرَارُ
فَكَأَنَّمَا لَعِبَتْ بِهَا سِنَةُ الْكَرَى
فَتَمَايَلَتْ أَوْ بَيْنَهَا أَسْرَارُ
فَإِذَا رَأَيتَ رَأَيْتَ أَحْسَنَ جَنَّةٍ
خَضْرَاءَ تَجْرِي بَيْنَهَا الأَنْهَارُ
يَتَرَنَّمُ الْعُصْفُورُ فِي عَذَبَاتِهَا
وَيَصِيحُ فِيهَا الْعَنْدَلُ الصَّفَّارُ
فَالتُّرْبُ مِسْكٌ وَالْجَدَاوِلُ فِضَّةٌ
وَالْقَطْرُ دُرٌّ وَالْبَهَارُ نُضَارُ
فَاشْرَبْ عَلَى وَجْهِ الرَّبِيعِ فَإِنَّهُ
زَمَنٌ دَمُ الآثَامِ فِيهِ جُبَارُ
وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْمَرْءَ غَيْرُ مُخَلَّدٍ
وَالنَّاسُ بَعْدُ لِغَيْرِهِمْ أَخْبَارُ
إِنِّي وَإِنْ لَعِبَ الزَّمَانُ بِصَعْدَتِي
وَابْيَضَّ مِنِّي مَفْرِقٌ وَعِذَارُ
فَلَنِعْمَ ما بَقِيَتْ لَدَيَّ مَهَابَةٌ
تَقْذَى بِهَا عَيْنُ الْعِدَا وَوَقَارُ
وَسَعَى إِلَى الْحِلْمُ فِي أَثْوَابِهِ
طَرِبًا وَآنَ لِجَهْلِيَ الإِقْصَارُ
أَنَا لِلصَّدِيقِ كَمَا يُحِبُّ وَلِلْعِدَا
عِنْدَ الْكَرِيهَةِ ضَيغَمٌ زَءَّارُ
خَيْلِي مُسَوَّمَةٌ وَرُمْحِي ذَابِلٌ
يَوْمَ الطِّعَانِ وَصَارِمِي بَتَّارُ
وَبِرَاحَتِي قَلَمٌ إِذَا حَرَّكْتُهُ
رَوِيَتْ بِهِ الأَفْهَامُ وَهْيَ حِرَارُ
تَرْتَدُّ عَنْهُ قَنَابِلٌ وَجَحَافِلٌ
وَتَكِلُّ عَنْهُ أَسِنَّةٌ وَشِفَارُ
غَرِدٌ إِذَا مَا جَالَ فَوْقَ صَحِيفَةٍ
سَجَدَتْ لِحُسْنِ صَرِيرِهِ الأَوْتَارُ
وَإِذَا امْتَطَى ظَهْرَ الْبَنَانِ لِغَايَةٍ
خَضَعتْ إِلَيهِ قَوَارِحٌ وَمِهارُ
فَإِذَا رَكِبْتُ فَكُلُّ قِرْنٍ أَمْيَلٌ
وَإِذَا نَطَقْتُ فَكُلُّ نُطْقٍ رَارُ
أَلْقَى الْكَلامُ إِليَّ ثِنْيَ عِنَانِهِ
وَتَفَاخَرَتْ بِكَلامِي الأَشْعَارُ

وَقَالَ وهو في جَزيرِة سَرَنْدِيبَ وَقَدْ رَأَى ابْنَتَهُ الْوُسْطَى في الْمَنام: (من الطويل)

تَأَوَّبَ طَيْفٌ مِنْ سَمِيرَةَ زَائِرٌ
وَمَا الطَّيْفُ إِلَّا مَا تُريهِ الْخَوَاطِرُ
طَوَى سُدْفَةَ الظَّلْمَاءِ وَاللَّيْلُ ضَارِبٌ
بَأَرْوَاقِهِ وَالنَّجْمُ بِالأُفْقِ حَائِرُ
فَيَا لَكَ مِنْ طَيْفٍ أَلَمَّ وَدُونَهُ
مُحِيطٌ مِنَ الْبَحْرِ الْجَنُوبِيِّ زَاخِرُ
تَخَطَّى إِليَّ الأَرْضَ وَجْدًا وَمَا لَهُ
سِوَى نَزَواتِ الشَّوْقِ حَادٍ وَزَاجِرُ
أَلَمَّ وَلَمْ يَلْبَثْ وَسَارَ وَلَيْتَهُ
أَقَامَ وَلَوْ طَالَتْ عَلَيَّ الدَّيَاجِرُ
تَحَمَّلَ أَهْوَالَ الظَّلامِ مُخَاطِرًا
وَعَهْدِي بِمَنْ جَادَتْ بِهِ لا تُخَاطِرُ
خُمَاسِيَّةٌ لَمْ تَدْرِ مَا اللَّيْلُ وَالسُّرَى
وَلَمْ تَنْحَسِرْ عَنْ صَفْحَتَيْهَا السَّتَائِرُ
عَقِيلَةُ أَتْرَابٍ تَوَالَيْنَ حَوْلَهَا
كَمَا دَارَ بِالْبَدْرِ النُّجُومُ الزَّواهِرُ
غَوَافِلُ لا يَعْرِفْنَ بُؤْسَ مَعِيشَةٍ
وَلا هُنَّ بِالْخَطْبِ الْمُلِمِّ شَواعِرُ
تَعَوَّدْنَ خَفْضَ الْعَيْشِ فِي ظِلِّ وَالِدٍ
رَحِيمٍ وَبَيْتٍ شَيَّدَتْهُ الْعَنَاصِرُ
فَهُنَّ كَعُنْقُودِ الثُّرَيَّا تَأَلَّقَتْ
كَواكِبُهُ فِي الأُفْقِ فَهْيَ سَوَافِرُ
تُمَثِّلُهَا الذِّكْرَى لِعَيْنِي كَأَنَّنِي
إِلَيهَا عَلَى بُعْدٍ مِنَ الأَرْضِ نَاظِرُ
فَطَوْرًا أَخَالُ الظَّنَّ حَقًّا وَتَارَةً
أَهِيمُ فَتَغْشَى مُقْلَتَيَّ السَّمَادِرُ
فَيَا بُعْدَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَحِبَّتِي
وَيَا قُرْبَ مَا الْتَفَّتْ عَلَيهِ الضَّمائِرُ
وَلَوْلا أَمَانِي النَّفْسِ وَهْيَ حَيَاتُهَا
لَمَا طَارَ لِي فَوْقَ الْبَسِيطَةِ طَائِرُ
فَإِنْ تَكُنِ الأَيَّامُ فَرَّقْنَ بَيْنَنَا
فَكُلُّ امْرِئٍ يَومًا إِلَى اللهِ صَائِرُ
هِيَ الدَّارُ مَا الأَنْفَاسُ إِلا نَهَائِبٌ
لَدَيْهَا وَمَا الأَجْسَامُ إِلا عَقَائِرُ
إِذَا أَحْسَنَتْ يَوْمًا أَسَاءَتْ ضُحَى غَدٍ
فَإِحْسَانُهَا سَيْفٌ عَلَى النَّاسِ جَائِرُ
تَرُبُّ الْفَتَى حَتَّى إِذَا تَمَّ أَمْرُهُ
دَهَتْهُ كَمَا رَبَّ الْبَهِيمَة جَازِرُ
لَهَا تَرَةٌ فِي كُلِّ حَيٍّ وَمَا لَهَا
عَلَى طُولِ مَا تَجْنِي عَلَى الْخَلْقِ وَاتِرُ
كَثِيرَةُ أَلْوَانِ الْوِدَادِ مَلِيَّةٌ
بِأَنْ يَتَوَقَّاهَا الْقَرِينُ الْمُعَاشِرُ
فَمَنْ نَظَرَ الدُّنْيَا بِحِكْمَةِ نَاقِدٍ
دَرَى أَنَّهَا بَيْنَ الأَنَامِ تُقَامِرُ
صَبَرْتُ عَلَى كُرْهٍ لِمَا قَدْ أَصَابَنِي
وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَنْدُوحَةً فَهْوَ صَابِرُ
وَمَا الْحِلْمُ عِنْدَ الْخَطْبِ وَالْمَرْءُ عَاجِزٌ
بِمُسْتَحْسَنٍ كَالْحِلْمِ وَالْمَرْءُ قَادِرُ
وَلَكِنْ إِذَا قَلَّ النَّصِيرُ وَأَعْوَزَتْ
دَوَاعِي الْمُنى فَالصَّبْرُ فِيهِ الْمَعَاذِرُ
فَلا يَشْمَتِ الأَعْدَاءُ بِي فَلَرُبَّمَا
وَصَلْتُ لِمَا أَرْجُوهُ مِمَّا أُحَاذِرُ
فَقَدْ يَسْتَقِيمُ الأَمْرُ بَعْدَ اعْوِجَاجِهِ
وَتَنْهَضُ بِالْمَرْءِ الْجُدُودُ الْعَوَاثِرُ
وَلِي أَملٌ فِي الله تَحْيَا بِهِ الْمُنَى
وَيُشْرِقُ وَجْهُ الظَّنِّ وَالْخَطْبُ كَاشِرُ
وَطِيدٌ يَزِلُّ الْكَيْدُ عَنْهُ وَتَنْقَضِي
مُجَاهَدَةُ الأَيَّامِ وَهْوَ مُثَابِرُ
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَرْكَنْ إِلَى اللهِ فِي الَّذِي
يُحَاذِرُهُ مِنْ دَهْرِهِ فَهْوَ خَاسِرُ
وَإِنْ هُوَ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَهُ
فَلَيْسَ لَهُ فِي مَعْرِضِ الْحَقِّ نَاصِرُ
وَمَنْ لَمْ يَذُقْ حُلْوَ الزَّمَانِ وَمُرَّهُ
فَمَا هُوَ إِلا طَائِشُ اللُّبِّ نَافِرُ
وَلَوْلا تَكَالِيفُ السِّيَادَةِ لَمْ يَخِبْ
جَبَانٌ وَلَمْ يَحْوِ الْفَضِيلَةَ ثَائِرُ
تقلُّ دَوَاعِي النَّفْسِ وَهْيَ ضَعِيفَةٌ
وَتَقْوَى هُمُومُ الْقَلْبِ وَهْوَ مُغَامِرُ
وَكَيفَ يَبِينُ الْفَضْلُ وَالنَّقْضُ فِي الْوَرَى
إِذَا لَمْ تَكُنْ سَوْمَ الرِّجَالِ الْمَآثِرُ
وَمَا حَمَلَ السَّيْفَ الْكَمِيُّ لِزِينَةٍ
وَلَكِنْ لأَمْرٍ أَوْجَبَتْهُ الْمَفَاخِرُ
إِذَا لَمْ يَكُنْ إِلا الْمَعِيشَةَ مَطْلَبٌ
فَكُلُّ زَهِيدٍ يُمْسِكُ النَّفْسَ جَابِرُ
فَلَوْلا الْعُلا مَا أَرْسَلَ السَّهْمَ نَازِعٌ
وَلا شَهَرَ السَّيْفَ الْيَمَانِيَّ شَاهِرُ
مِنَ الْعَارِ أَنْ يَرْضَى الدَّنِيَّةَ مَاجِدٌ
وَيَقْبَلَ مَكْذُوبَ الْمُنَى وَهْوَ صَاغِرُ
إِذَا كُنْتَ تَخْشَى كُلَّ شَيءٍ مِنَ الرَّدى
فَكُلُّ الَّذِي فِي الْكَوْنِ لِلنَّفْسِ ضَائِرُ
فَمِنْ صِحَّةِ الإِنْسَانِ مَا فِيهِ سُقْمُهُ
وَمِنْ أَمْنِهِ مَا فَاجَأَتْهُ الْمَخَاطِرُ
عَلَيَّ طِلابُ الْعِزِّ مِنْ مُسْتَقَرِّهِ
وَلا ذَنْبَ لِي إِنْ عَارَضَتْنِي الْمَقَادِرُ
فَمَا كُلُّ مَحْلُولِ الْعَرِيكَةِ خَائِبٌ
وَلا كُلُّ مَحْبُوكِ التَّرِيكَةِ ظَافِرُ
فَمَاذَا عَسَى الأَعْدَاءُ أَنْ يَتَقَوَّلُوا
عَليَّ وَعِرْضِي نَاصِحُ الْجَيْبِ وَافِرُ
فَلِي فِي مرَادِ الْفَضْلِ خَيْرُ مَغَبَّةٍ
إِذَا شَانَ حَيًّا بِالْخِيَانَةِ ذَاكِرُ
مَلَكْتُ عُقَابَ المُلكِ وَهْيَ كَسِيرَةٌ
وَغَادَرْتُهَا فِي وَكْرِهَا وَهْيَ طَائِرُ
وَلَو رُمْتُ مَا رَام امْرُؤٌ بِخِيَانَةٍ
لَصَبَّحَنِي قِسْطٌ مِنَ الْمَالِ غَامِرُ
وَلَكِنْ أَبَتْ نَفْسِي الْكَرِيمَةُ سَوْأَةً
تُعَابُ بِهَا والدَّهْرُ فِيهِ الْمعايِرُ
فَلا تَحْسَبَنَّ الْمَالَ يَنْفَعُ رَبَّهُ
إِذَا هُوَ لَمْ تَحْمَدْ قِرَاهُ الْعَشَائِرُ
فَقَدْ يَسْتَجِمُّ الْمَالُ وَالْمَجْدُ غَائِبٌ
وَقَدْ لا يَكُونُ الْمَالُ وَالْمَجْدُ حَاضِرُ
وَلَوْ أَنَّ أَسْبَابَ السِّيَادَةِ بِالْغِنَى
لَكَاثَرَ رَبَّ الْفَضْلِ بِالْمَالِ تَاجِرُ
فَلا غَرْوَ أَنْ حُزْتُ الْمَكَارِمَ عَارِيًا
فَقَدْ يَشْهَدُ السَّيْفُ الْوَغَى وَهْوَ حَاسِرُ
أَنَا الْمَرْءُ لا يَثْنِيهِ عَنْ دَرَكِ الْعُلا
نَعِيمٌ وَلا تَعْدُو عَلَيهِ الْمَفَاقِرُ
قَئُولٌ وَأَحْلَامُ الرِّجالِ عَوَازِبٌ
صَئُولٌ وَأَفْوَاهُ الْمَنَايَا فَوَاغِرُ
فَلا أَنَا إِنْ أَدْنَانِيَ الْوَجْدُ بَاسِمٌ
وَلا أَنَا إِنْ أَقْصَانِيَ الْعُدْمُ بَاسِرُ
فَمَا الْفَقْرُ إِنْ لَمْ يَدْنَسِ الْعِرْضُ فَاضِحٌ
وَلا الْمَالُ إِنْ لَمْ يَشْرُفِ الْمَرْءُ سَاتِرُ
إِذَا ما ذُبَابُ السَّيفِ لَمْ يَكُ مَاضِيًا
فَحِلْيَتُهُ وَصْمٌ لَدَى الْحَرْبِ ظَاهِرُ
فَإِنْ كُنْتُ قَدْ أَصْبَحْتُ فَلَّ رَزِيَّةٍ
تَقَاسَمَهَا فِي الأَهْلِ بَادٍ وَحَاضِرُ
فَكَمْ بَطَلٍ فَلَّ الزَّمَانُ شَبَاتَهُ
وَكَمْ سَيِّدٍ دَارتْ عَلَيهِ الدَّوائِرُ
وَأَيُّ حُسَامٍ لَمْ تُصِبْهُ كَلالَةٌ
وَأَيُّ جَوَادٍ لَمْ تَخُنْهُ الْحَوَافِرُ
فَسَوْفَ يَبِينُ الْحَقُّ يَوْمًا لِنَاظِرٍ
وَتَنْزُو بِعَوْرَاءِ الْحقُودِ السَّرائِرُ
وَمَا هِيَ إِلا غَمْرَةٌ ثُمَّ تَنْجَلِي
غَيَابَتُهَا وَاللهُ مَنْ شَاءَ نَاصِرُ
فَقَدْ حَاطَنِي فِي ظُلْمَةِ الْحَبْسِ بَعْدَمَا
تَرَامَتْ بِأَفْلاذِ الْقُلُوبِ الْحَنَاجِرُ
فَمَهْلا بَنِي الدُّنْيَا عَلَينَا فَإِنَّنَا
إِلَى غَايَةٍ تَنْفَتُّ فَيهَا الْمَرَائِرُ
تَطُولُ بِهَا الأَنْفَاسُ بُهْرًا وَتَلْتَوِي
عَلَى فَلْكَةِ السَّاقَيْنِ فِيهَا الْمَآزِرُ
هُنَالِكَ يَعْلُو الْحَقُّ وَالْحَقُّ وَاضِحٌ
وَيَسْفُلُ كَعْبُ الزُّورِ وَالزُّورُ عَاثِرُ
وَعَمَّا قَلِيلٍ يَنْتَهِي الأَمْرُ كُلُّهُ
فَمَا أَوَّلٌ إِلا وَيَتْلُوهُ آخِرُ

وقال في الغزل: (من البسيط)

أَرَبَّةُ الْعُودِ أَمْ قُمْرِيَّةُ السَّحَرِ
غَنَّتْ فَحَرَّكَتِ الأَشْجَانَ بِالْوَتَرِ
حَورَاءُ لِلسِّحْرِ فِي أَلْحَاظِهَا أَثَرٌ
يَرِيكَ أَنَّ الرُّقَى ضَرْبٌ مِنَ الْهَذَرِ
لَوْ لَمْ تَكُنْ قَمَرًا فِي الْحُسْنِ مَا ظَهَرَتْ
لأَعْيُنِ النَّاسِ فِي لَيْلٍ مِنَ الشَّعَرِ
أَمْلَتْ عَلَيَّ بِلَحْظَيْهَا حَدِيثَ هَوًى
عَرَفْتُ مِنْهُ ضَمِيرَ الْعَينِ بِالأَثَرِ
كَأَنَّمَا بَيْنَ جَفْنَيْهَا إِذَا نَظَرَتْ
«هَارُوتُ» يَعْبَثُ بِالأَلْبَابِ وَالْفِكَرِ
لا غَرْوَ أَنْ هِمْتُ مِنْ وَجْدٍ بِصُورَتِهَا
فَالْحُسْنُ مَشْغَلَةٌ لِلْعَقْلِ وَالْبَصَرِ
لا تَقْنَعُ الْعَيْنُ مِنْهَا كُلَّمَا نَظَرَتْ
وَكَيْفَ يَقْتَنِعُ الْمُشْتَاقُ بِالنَّظَرِ
نَاغَيتُهَا بِلِسَانِ الشَّوْقِ فَازْدَهَرَتْ
لِلْحُسْنِ فِي وَجْنَتَيْهَا وَرْدَتَا خَفَرِ
وَازْوَرَّ حَاجِبُهَا عَنْ نَظْرَةٍ رَشَقَتْ
سَوَادَ قَلْبِي بِسَهْمٍ صِيغَ مِنْ حَوَرِ
فَلَمْ أَزَلْ بِرُقَى الأَشْعَارِ أَعْطِفُهَا
وَرُقْيَةُ الشِّعْرِ تُجْرِي الْمَاءَ فِي الْحَجَرِ
حَتَّى إِذَا عَلِمَتْ أَنِّي بِهَا كَلِفٌ
وَأَنَّنِي مِنْ تَجَنِّيهَا عَلَى خَطَرِ
تَبَسَّمَتْ فَجَلَتْ لِلْعَيْنِ مِنْ فَمِهَا
يَاقُوتَةً أُودِعَتْ سَطْرَيْنِ مِنْ دُرَرِ
فَبِتُّ مِنْ وَصْلِهَا فِي جَنَّةٍ يَنَعَتْ
أَفْنَانُهَا بِثِمَارِ الأُنْسِ وَالْحَبَرِ
أَبَحْتُ لِلْعَيْنِ فِيهَا مَا تَقَرُّ بِهِ
وَذُدْتُ كَفَّ الصِّبَا عَنْ مَعْقِدِ الأُزُرِ
حَتَّى اشْرَأَبَّتْ عُقَابُ الْفَجْرِ وَانْطَلَقَتْ
حَمَائِمُ الشُّهْبِ مِنْ أُحْبُولَةِ السَّحَرِ
فَيَا لَهَا لَيْلَةً كَانَتْ بِرَوْنَقِهَا
تَارِيخَ لَهْوٍ لِمَا أَحْرَزْتُ مِنْ وَطَرِ
وَسَمْتُهَا بِضِيَاءِ الْكَأْسِ فَالْتَمَعَتْ
وَزِينَةُ الدُّهْمِ فِي الأَوْضَاحِ وَالْغُرَرِ
لَوْ كَانَ يَسْمَحُ لِي دَهْرِي بِعَودَتِهَا
لَبِعْتُ فِيهَا لَذِيذَ النَّوْمِ بِالسَّهَرِ
وَلَّتْ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا غَيرُ فَذْلَكَةٍ
تَلُوحُ فِي دَفْتَرِ الأَوْهَامِ وَالذُّكَرِ
وَأَيُّ بِاقٍ عَلَى الأَيَّامِ نَطْلُبُهُ
وَكُلُّ وَارِدَةٍ يَومًا إِلَى صَدَرِ
فَلا تَثِقْ بِوَفَاءِ الدَّهْرِ إِنَّ لَهُ
غَدْرًا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْعُودِ وَالثَّمَرِ
وَلا تَغُرَّنْكَ مِنْ وَجْهٍ بَشَاشَتُهُ
فَالسَّمُّ يُوجَدُ فِي نَضْرٍ مِنَ الشَّجَرِ
قَدْ كِدْتُ أُتْهِمُ ظَنِّي فِي فِرَاسَتِهِ
مِنْ طُولِ مَا اشْتَبَهَتْ عَيْنَايَ فِي الصُّوَرِ
فَخُذْ لِنَفْسِكَ مِنْ دُنْيَاكَ مَا سَمَحَتْ
بِهِ إِلَيكَ وَكُنْ مِنهَا عَلَى حَذَرِ
وَسَالِمِ الدَّهْرَ تَسْلَمْ مِنْ غَوَائِلِهِ
فَصَاحِبُ الشَّرِّ لا يَنْجُو مِنَ الْكَدَرِ
لا يَبْلُغُ الْمَرْءُ مَا يَهْوَاهُ مِنْ أَرَبٍ
إِلا بِتَرْكِ الَّذِي يَخْشَاهُ مِنْ ضَرَرِ
فَانْعَمْ وَطِبْ وَالْهُ وَاطْرَبْ وَاسْعَ وَاعْلُ وَسُدْ
وَاشْرَبْ وَغَنِّ وَتِهْ وَالْعَبْ وَهِمْ وَطِرِ
لَا يَقْنَطُ الْمَرْءُ مِنْ غُفْرَانِ خَالِقِهِ
مَا لَمْ يَكُنْ كَافِرًا بِالْبَعْثِ وَالْقَدَرِ

وقال: (من البسيط)

لا شَيءَ فِي الدَّهْرِ يُغْنِي عَنْ أَخِي ثِقَةٍ
يَكُونُ فِيهِ بَلاغُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ
قَضَيْتُ مِنْ كُلِّ شَيءٍ رُمْتُهُ وَطَرًا
إِلا مُحَادَثَةَ الإِخْوَانِ فِي السَّمَرِ

وقال: (من المنسرح)

صُبْحٌ مَطِيرٌ وَنَسْمَةٌ عَطِرَه
وَأَنْفُسٌ لِلصَّبُوحِ مُنْتَظِرَهْ
فَدُرْ بِعَيْنَيْكَ حَيْثُ شِئْتَ تَجِدْ
مُلْكًا كَبِيرًا وَجَنَّةً خَضِرَهْ
سَمَاؤُهَا بِالْغُصُونِ وَاشِجَةٌ
وَأَرْضُهَا بِالنَّبَاتِ مُؤْتَزِرَهْ
مَنْظَرُ لَهْوٍ تُعِيدُ بَهْجَتُهُ
أَكِنَّةَ الْعَيشِ وَهْيَ مُنْحَسِرَهْ
فَالْعُفْرُ تَحْتَ الظَّلالِ رَاتِعَةٌ
وَالطَّيْرُ فَوقَ الْغُصُونِ مُنْتَشِرَهْ
وَالطَّلُّ يَنْهَلُّ مِنْ مَسَاقِطِهِ
مِثْلَ عُقُودِ الْجُمَانِ مُنْتَثِرَهْ
جَدَاوِلٌ فِي الْفَضَاءِ جَارِيَةٌ
وَمُزْنَةٌ فِي السَّمَاءِ مُنْهَمِرَهْ
دُنْيَا نَعِيمٍ تَكَادُ زَهْرَتُهَا
تَزْرِي عَلَى الشَّمْسِ وَهْيَ مُزْدَهِرَهْ
لا ظِلُّهَا رَاكِدُ النَّسيمِ وَلا
غُدْرَانُهَا بِالْغُثَاءِ مُخْتَمِرَهْ
فَيَا بْنَ وُدِّي هَلُمَّ نَقْتَسِمِ الـ
ـلَهْوَ فَنَسْفِي إِلَى الصِّبَا حَسِرَهْ
وَخَلِّنَا مِنْ سِيَاسَةٍ دَرَجَتْ
بَيْنَ أُنَاسٍ قُلُوبُهُمْ وَغِرَهْ
يَقْضُونَ أَيَّامَهُمْ عَلَى خَطَرٍ
فَبِئْسَ عُقْبَى السِّياسَةِ الْخَطِرَهْ
خَدِيعَةٌ لا يَزَالُ صَاحِبُهَا
بَيْنَ هُمُومٍ وَعِيشَةٍ كَدِرَهْ
مَا لِي وَلِلنَّاسِ لا لَدَيَّ لَهُمْ
حَقٌّ يُؤَدَّى وَلا عَلَيَّ تِرَهْ
قَدِ الْتَقَيْنَا مِنْ غَيرِ سَابِقَةٍ
فِي دَار دُنْيَا بِأَهْلِهَا غَدِرَهْ
نَلْهُو بِهَا حِقْبَةً وَنَتْرُكُهَا
إِلَى مَهَاوٍ فِي الأَرْضِ مُنْحَدِرَهْ
كُلُّ امْرِئٍ ذَاهِبٌ لِغَايَتِهِ
وَكُلُّ نَفْسٍ بِالْغَيبِ مُؤْتَمِرَهْ
يَا رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الْكَرَامَةِ مَا
يَسُرُّ نَفْسِي فَإِنَّهَا وَجِرَهْ
وَلا تَكِلْنِي لِمَنْ يُعَذِّبُنِي
فَإِنَّ نَفْسِي إِلَيكَ مُفْتَقِرَهْ

وَقَالَ يَرْثي حَاضنَتَهُ: (من الطويل)

أَمَرْيَمُ لا وَاللهِ أَنْسَاكِ بَعْدَما
صَحِبْتُكِ فِي خَفْضٍ مِنَ الْعَيْشِ أَنْضَرِ
فَقَدْ كُنْتِ فِينَا بَرَّةَ الْقَوْلِ سَرَّةً
سَلِيمَةَ قَلْبٍ فِي مَغِيبٍ وَمَحْضَرِ
فَلُقِّيتِ مِنْ ذِي الْعَرْشِ خَيْرَ تَحِيَّةٍ
تُوافِيكِ فِي رَوْضٍ مِنَ الْقُدْسِ أَخْضَرِ

وَقَالَ يَرْثِي وَلَدَهُ: (من الطويل)

بَكَيتُ عَلِيًّا إِذْ مَضَى لِسَبِيلِهِ
بِعَيْنٍ تَكَادُ الرُّوحُ فِي دَمْعِهَا تَجْرِي
وَإِنِّي لأَدْرِي أَنَّ حُزْنِي لا يَفِي
بِرُزْئِي وَلَكِنْ لا سَبِيلَ إِلَى الصَّبْرِ
وَكَيفَ أَذُودُ الْقَلْبَ عَنْ حَسَرَاتِهِ
وَأَهْوَنُ مَا أَلْقَاهُ يَصْدَعُ فِي الصَّخْرِ
يَلُومُونَنِي أَنِّي تَجَاوَزْتُ فِي الْبُكَا
وَهَلْ لِامْرِئٍ لَمْ يَبْكِ فِي الْحُزْنِ مِنْ عُذْرِ
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَفْرَحْ وَيَحْزَنْ لِنِعْمَةٍ
وَبُؤْسٍ فَلا يُرْجَى لِنَفْعٍ وَلا ضَرِّ
وَمَا كُنْتُ لَوْلا قِسْمَةُ اللهِ فِي الْوَرَى
لأَصْبِرَ لَكِنَّا إِلَى غَايَةٍ نَسْرِي
لَقَدْ خَفَّفَ الْبَلْوَى وَإِنْ هِيَ أَشْرَفَتْ
عَلَى النَّفْسِ مَا أَرْجُوهُ مِنْ مَوعِدِ الْحَشْرِ

وَقَالَ يَرْثِي وَلَدَهُ أيضًا: (من السريع)

لَمْ أَصْطَبِرْ بَعْدَكَ مِنْ سَلْوَةٍ
لَكِنْ تَصَبَّرْتُ عَلَى جَمْرِ
وَشِيمَةُ الْعَاقِلِ فِي رُزْئِهِ
أَنْ يَسْبِقَ السَّلْوَةَ بِالصَّبْرِ

وَقَالَ في الصَّبْرِ: (من الطويل)

صَبَرْتُ وَمَا بِالصَّبْرِ عَارٌ عَلَى الْفَتَى
إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَعَابٌ وَلا نُكْرُ
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّبْرِ أَعْدَلُ شَاهِدٍ
عَلَى كَرَمِ الأَخْلَاقِ مَا حُمِدَ الصَّبْرُ

وقال: (من البسيط)

لَوْ كَانَ يَدْرِي الْفَتَى مَكْنُونَ مَا خَبَأَتْ
لَهُ الْمَقَادِيرُ لَمْ يَرْكَنْ إِلَى الْحَذَرِ
وَلَوْ دَرَى أَنَّ مَا يَلْقَاهُ مِنْ عَنَتٍ
مِنْ خَيْبَةِ الرَّأْيِ لَمْ يَعْتُبْ عَلَى الْقَدَرِ

وقال: (من الطويل)

بَلَوْتُ إِخَاءَ النَّاسِ دَهْرًا فَلَمْ أَجِدْ
أَخَا ثِقَةٍ يَرْعَى مَغِيبِي كَمَحْضَرِي
فَإِنْ أَتَغَيَّرْ عَنْ وِدَادٍ فَإِنَّنِي
أَرَى كُلَّ شَيءٍ عُرْضَةً لِلتَّغَيُّرِ

وَقَالَ لأَحَد الوُلاة في يَوْمِ قَطْع سَدِّ النِّيلِ: (من الوافر)

أَيَا مَلِكًا هَمَتْ كَفَّاهُ جُودًا
عَلَى الثَّقَلَيْنِ مِنْ بَادِ وَقَارِي
عَرَاكَ النِّيلُ مِنْ بَلَدٍ بَعِيدٍ
فَأَلْبِسْهُ الْكَرَامَةَ فَهْوَ عَارِي

وقال: (من الطويل)

يُسَائِلُنِي عَمَّا كَتَمْتُ مِنَ الْهَوَى
صَدِيقي وَفِي بَعْضِ الإِجَابَةِ مَا يُزْرِي
فَإِنْ لَمْ أَقُلْ حَقَّا كَذَبْتُ عَلَى الْهَوَى
وَإِنْ قُلْتُ إِنِّي عَاشِقٌ بُحْتُ بِالسِّرِّ

وقال: (من الرجز)

يَا رُبَّ بَيضَاءَ مِنَ الْجَوَارِي
جَاءَتْ بِطِفْلٍ أَسْوَدٍ كَالْقَارِ
أَخْرَجَهُ مِنْ لُجَّةِ الأَنْوَارِ
مَنْ أَخْرَجَ اللَّيْلَ مِنَ النَّهَارِ
سُبْحَانَهُ مِنْ فَاعِلٍ مُخْتَارِ

وقال: (من الطويل)

لَعَمْرِي لَقَدْ أَيْقَظْتُ مَنْ كَانَ رَاقِدًا
وَأَنْذَرْتُ لَكِنْ لَمْ تَكُنْ تَنْفَعُ النُّذْرُ
نَصَحْتُ فَكَذَّبْتُمْ فَلَمَّا أَتَّى الرَّدَى
عَمَدْتُمْ لِتَصْدِيقِي وَقَدْ قُضِيَ الأَمْرُ
فَلَمْ يَبْقَ فِي أَيْدِيكُمُ غَيْرُ حَسْرَةٍ
وَلَمْ يَبْقَ عِنْدِي غَيْرُ مَا عَافَهُ الصَّدْرُ
فَجَاءَ الَّذِي كُنْتُمْ تَخَافُونَ شَرَّهُ
وَزَالَ الَّذِي لَمْ يَبْقَ مِنْ بَعْدِهِ شِعْرُ

وقال: (من المتقارب)

صَبَرْتُ عَلَى رَيْبِ هَذَا الزَّمَانِ
وَلَوْلا الْمَعَاذِرُ لَمْ أَصْبِرِ
فَلا تَحْسَبَنِّي جَهِلْتُ الصَّوَابَ
وَلَكِنْ هَمَمْتُ فَلَمْ أَقْدِرِ
ثَنَتْ عَزْمَتِي ثَوْرَةُ الْمُفْسِدِينَ
وَغَلَّتْ يَدِي فَتْرَةُ الْعَسْكَرِ
وَكُنَّا جَمِيعًا فَلَمَّا وَقَعْتُ
صَبَرْتُ وَغَادَرَنِي مَعْشَرِي
وَلَوْ أَنَّنِي رُمْتُ إِعْنَاتَهُمْ
لَقُلْتُ مَقَالَةَ مُسْتَبْصِرِ
وَلَكِنَّنِي حِينَ جَدَّ الْخِصَامُ
رَجَعْتُ إِلَى كَرَمِ الْعُنْصُرِ

وقال وَهُوَ في السِّجْنِ: (من الرمل)

شَفَّنِي وَجْدِي وَأَبْلَانِي السَّهَرْ
وَتَغَشَّتْنِي سَمَادِيرُ الْكَدَرْ
فَسَوَادُ اللَّيْلِ مَا إِنْ يَنْقَضِي
وَبَيَاضُ الصُّبْحِ مَا إِنْ يُنْتَظَرْ
لا أَنِيسٌ يَسْمَعُ الشَّكْوَى وَلا
خَبَرٌ يَأْتِي وَلا طَيْفٌ يَمُرْ
بَيْنَ حِيطَانٍ وَبَابٍ مُوصَدٍ
كُلَّمَا حَرَّكَه السَّجَّانُ صَرْ
يَتَمَشَّى دُونَهُ حَتَّى إِذَا
لَحِقَتْهُ نَبْأَةٌ مِنِّي اسْتَقَرْ
كُلَّمَا دُرْتُ لأَقْضِي حَاجَةً
قَالَتِ الظُّلْمَةُ مَهْلا لا تَدُرْ
أَتَقَرَّى الشَّيءَ أَبْغِيهِ فَلا
أَجِدُ الشَّيءَ وَلا نَفْسِي تَقَرْ
ظُلْمَةٌ مَا إِنْ بِهَا مِنْ كَوْكَبٍ
غَيرُ أَنْفَاسٍ تَرامَى بِالشَّرَرْ
فَاصْبِرِي يَا نَفْسُ حَتَّى تَظْفَرِي
إِنَّ حُسْنَ الصَّبْر مِفْتَاحُ الظَّفَرْ
هِيَ أَنْفَاسٌ تقَضَّى وَالْفَتَى
حَيثُمَا كَانَ أَسِيرٌ لِلْقَدَرْ

وكتب إلى بَعْضِ أَصْحَابِهِ في صَدْرِ رِسالة: (من الطويل)

لَئِنْ فَرَّقَتْ مَا بَيْنَنَا شُقَّةُ النَّوَى
لَعَمْرِي وَحَالَتْ دُونَنَا نُوَبُ الدَّهْرِ
فَشَخْصُكَ فِي عَيْنِي وَذِكْرُكَ فِي فَمِي
وَحُبُّكَ فِي قَلْبِي وَسِرُّكَ فِي صَدْرِي

وقال في النَّصيِحَةِ: (من الرمل)

مَنْ طَلَبَ الْعِزَّ بِلا آلَةٍ
أَدْرَكَهُ الذُّلُّ مَكانَ الظَّفَرْ
فَاصْبِرْ عَلَى الْمَكْرُوهِ تَظْفَرْ بِمَا
شِئْتَ فَقَدْ حَازَ الْمُنَى مَنْ صَبَرْ
وَقِفْ إِذَا مَا عَرَضَتْ شُبْهَةٌ
فَاللُّبْثُ خَيرٌ مِنْ رُكُوبِ الْغَرَرْ
وَلا تَقُولَنَّ لِشَيءٍ مَضَى
يَا لَيْتَهُ دَامَ وَخُذْ مَا حَضَرْ
وَلا تُعَامِلْ صَاحِبًا بِالَّتِي
تَرْجِعُ عَنهَا تَائِبًا تَعْتَذِرْ
وَغُضَّ مِنْ طَرْفِكَ إِنْ خِفْتَهُ
فَحَاجِبُ الشَّهْوَةِ غَضُّ الْبَصَرْ

وقال: (من البسيط)

وَنَبْأَةٌ أَطْلَقَتْ عَيْنَيَّ مِنْ سِنَةٍ
كَانَتْ حِبَالَةَ طَيْفٍ زَارَنِي سَحَرَا
فَقُمْتُ أَسْأَلُ عَيْنِي رَجْعَ مَا سَمِعَتْ
أُذْنِي فَقَالَتْ لَعَلِّي أَبْلُغُ الْخَبَرَا
ثُمَّ اشْرَأَبَّتْ فَأَلْفَتْ طَائِرًا حَذِرًا
عَلَى قَضِيبٍ يُدِيرُ السَّمْعَ وَالْبَصَرَا
مُسْتَوْفِزًا يَتَنَزَّى فَوْقَ أَيْكَتِهِ
تَنَزِّي الْقَلْبِ طَالَ الْعَهْدُ فَادَّكَرَا
لا تَسْتَقِرُّ لَهُ سَاقٌ عَلَى قَدَمٍ
فَكُلَّمَا هَدَأَتْ أَنْفَاسُهُ نَفَرَا
يَهْفُو بِهِ الْغُصْنُ أَحْيَانًا وَيَرْفَعُهُ
دَحْوَ الصَّوَالِجِ فِي الدَّيمُومَةِ الأُكَرَا
مَا بَالُهُ وَهْوَ فِي أَمْنٍ وَعَافِيَةٍ
لا يَبْعَثُ الطَّرْفَ إِلا خَائِفًا حَذِرَا
إِذَا عَلا بَاتَ فِي خَضْرَاءَ نَاعِمَةٍ
وَإِنْ هَوَى وَرَدَ الْغُدْرَانَ أَوْ نَقَرَا
يَا طَيْرُ نَفَّرْتَ عَنِّي طَيْفَ غَانِيَةٍ
قَدْ كَانَ أَهْدَى لِيَ السَّرَّاءَ حِينَ سَرَى
حَوْرَاءُ كَالرِّئْمِ أَلْحَاظًا إِذَا نَظَرَتْ
وَصُورَةِ الْبَدْرِ إِشْرَاقًا إِذَا سَفَرَا
زَالَتْ خَيَالَتُهَا عَنِّي وَأَعْقَبَهَا
شَوْقٌ أَحَالَ عَلَيَّ الْهَمَّ وَالسَّهَرَا
فَهَلْ إِلَى سِنَةٍ إِنْ أَعْوَزَتْ صِلَةٌ
عَوْدٌ نَنَالُ بِهِ مِنْ طَيْفِهَا الْوَطَرَا

وقال: (من السريع)

مَا أَطْوَلَ اللَّيْلَ عَلَى السَّاهِرِ
أَمَا لِهَذَا اللَّيْلِ مِنْ آخِرِ
يَا مُخْلِفَ الْوَعْدِ أَلا زَوْرَةٌ
أَقْضِي بِهَا الْحَقَّ مِنَ الزَّائِرِ
تَرَكْتَنِي مِنْ غَمَرَاتِ الْهَوَى
فِي لُجِّ بَحْرٍ بِالرَّدَى زَاخِرِ
أَسْمَعُ فِي قَلْبِي دَبِيبَ الْمُنَى
وَأَلْمَحُ الشُّبْهَةَ فِي خَاطِرِي
فَتَارَةً أَهْدَأُ مِنْ رَوْعَتِي
وَتَارَةً أَفْزَعُ كَالطَّائِرِ
وَبَيْنَ هَاتَيْنِ شَبَا لَوْعَةٍ
لَهَا بِقَلْبِي فَتْكَةُ الثَّائِرِ
فَهَلْ إِلَى الْوُصْلَةِ مِنْ شَافِعٍ
أَمْ هَلْ عَلَى الصَّبْوَةِ مِنْ نَاصِرِ
يَا قَلْبُ لا تَجْزَعْ فَإِنَّ الْمُنَى
فِي الصَّبْرِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِ

وَقَالَ يُؤَرِّخُ عَوْدَةَ «إسْماعِيلَ بَاشا» خديو مِصْرَ مِنْ دار الخِلافَةِ العليَّة: (من مجزوء الكامل)

رَجَعَ الْخِدِيو لِمِصْرِهِ
وَأَتَتْ طَلائِعُ نَصْرِهِ
وَتَهَلَّلَتْ بِقُدُومِهِ
فَرَحًا أَسِرَّةُ عَصْرِهِ
فَلْتَبْتَهِجْ أَوْطَانُهُ
بِحُلُولِهِ فِي قَصْرِهِ
وَلْيَشْتَهِرْ تَارِيخُهُ
رَجَعَ الْخِدِيو لِمِصْرِهِ

وقال في «محمد توفيق باشا» حِينَ عُيِّنَ ناظِرَ النَّظَّار: (من السريع)

بِكَ اسْتَقَامَتْ مِصْرُ حَتَّى غَدَتْ
يَحْمَدُهَا الْوَارِدُ وَالصَّادِرُ
وَكَيْفَ لا تُبْصِرُ قَصْدَ الْهُدَى
حُكُومَةٌ أَنْتَ لَهَا نَاظِرُ

وقال: (من المجتث)

أَغُرَّةٌ تَحْتَ طُرَّهْ
أَمْ نُورُ فَجْرٍ بِسُحْرَهْ
وَذَاكَ فَرْعٌ وَنَهْدٌ
أَمْ صَوْلَجَانٌ وَأُكْرَهْ
سَمْرَاءُ تَهْفُو بِقَدٍّ
كَالرُّمْحِ لِينًا وَسُمْرَهْ
مَرَّتْ عَلَيَّ تَهَادَى
مِثْلَ الْمَهَاةِ بِشَبْرَهْ
فَقُلْتُ يَا نُورَ عَيْنِي
مَا لِي عَلَى الصَّبْرِ قُدْرَهْ
فَنَقَّبَتْ وَجْنَتَيْهَا
يَدُ الْحَيَاءِ بِحُمْرَهْ
وَقَالَتْ اسْكُتْ وَإِلا
تَصِيرُ فِي النَّاسِ شُهْرَهْ
فَقُلْتُ هَلْ مِنْ وِصَالٍ
يَكُونُ لِلْحُبِّ أُجْرَهْ
فَاسْتَضْحَكَتْ ثُمَّ قَالَتْ
عَلَى الْخَدِيعَةِ بُكْرَهْ

وقال: (من الخفيف)

غَادَةٌ كَالْمَهَاةِ تَهْفُو بِخَصْرٍ
تَحْتَ بَنْدٍ كَمِعْصَمٍ فِي سِوارِ
تِلْكَ عَمْرِي هِيَ الْحَيَاةُ فَلا تُؤْ
ثِرْ عَلَيْهَا جَلائِلَ الأَوْطَارِ
فَاقْسِمِ الْعُمْرَ بَيْنَ جَدٍّ وَهَزْلٍ
وَوَقَارٍ طَوْرًا وَخَلْعِ عِذَارِ
وَاسْعَ تَبْلُغْ مَا رُمْتَهُ مِنْ نَفِيسٍ
فَالْمَسَاعِي مَدَارِجُ الأَحْرَارِ
قَدْ يَنَالُ الْفَتَى إِذَا كَانَ شَهْمًا
مُبْتَغَاهُ فِي ضَحْوَةٍ مِنْ نَهَارِ

وقال: (من الطويل)

أُصَافِي خَلِيلِي مَا صَفَا لِي فَإِنْ جَفَا
عَتَبْتُ عَلَيهِ غَيرَ جَافٍ وَلا وَعْرِ
فَإِنْ عَادَ لِي بِالْوُدِّ عُدْتُ وَإِنْ أَبَى
صَبَرْتُ لأَرْعَى ذِمَّةَ الْوُدِّ بِالصَّبْرِ
فَإِنْ زَادَنِي هَجْرًا ضَرَبْتُ عَنِ اسْمِهِ
وَأَمْسَكْتُ عَنْ سُخْطِي عَلَيهِ وَعَنْ شُكْرِي
وَمَا تِلْكَ مِنِّي نَبْوَةٌ غَيْرَ أَنِّنِي
أُنَزِّهُ نَفْسِي عَنْ مُلابَسَةِ الْغَدْرِ

وقال: (من البسيط)

لِكُلِّ حَيٍّ نَذِيرٌ مِنْ طَبِيعَتِهِ
يُوحِي إِلَيهِ بِمَا تَعْيَا بِهِ النُّذُرُ
يَرْجُو وَيَخْشَى أُمُورًا لَوْ تَدَبَّرَهَا
لَزَالَ مِنْ قَلْبِهِ التَّأْمِيلُ وَالْحَذَرُ
تَرَاهُ يَسْعَى لِجَمْعِ الْمَالِ مُعْتَقِدًا
أَنَّ الْفَتَى مَنْ لَدَيْهِ السَّامُ وَالشَّذَرُ
وَكَيْفَ تَنْقَى ثِيابُ الْمَرْءِ مِنْ دَنَسٍ
وَقَلْبُ لابِسِهَا مِنْ غَدْرِهِ قَذِرُ
يَا فَارِسَ الْخَيْلِ كَفْكِفْ عَنْ أَعِنَّتِهَا
فَقَدْ شَكَتْ فِعْلَكَ الأَحْلَاسُ وَالْعُذُرُ
إِنْ كُنْتَ تَبْغِي بِهَا مَا لَسْتَ تَبْلُغُهُ
مِنَ الْبَقَاءِ فَبِئْسَ الْبُطْلُ وَالْهَذَرُ
إِنَّ الْحَيَاةَ وَإِنْ طَالَتْ إِلَى أَمَدٍ
وَالدَّهْرُ قُرْحَانُ لا يُبْقِي وَلا يَذَرُ
لا يَأْمَنُ الصَّامِتُ الْمَعْصُومُ صَوْلَتَهُ
وَلا يَدُومُ عَلَيهِ النَّاطِقُ الْبَذِرُ
فَاضْرَعْ إِلَى اللهِ وَاسْتَوهِبْهُ مَغْفِرَةً
تَمْحُو الذُّنُوبَ فَجَانِي الذَّنْبِ يَعْتَذِرُ
وَاعْجَلْ وَلا تَنْتَظِرْ تَوْبًا غَدَاةَ غَدٍ
فَلَيْسَ فِي كُلِّ حِينٍ تُقْبَلُ الْعِذَرُ
هَيْهَاتَ لا يَسْتَوِي الشَّخْصَانِ فِي عَمَلٍ
هَذَا صَحِيحٌ وَهَذَا فَاسِدٌ مَذِرُ

وقال: (من الطويل)

أَلا هَتَفَتْ بِالأَيْكِ سَاجِعَةُ الْقُمْرِ
فَطُفْ بِالْحُمَيَّا فَهْيَ رَيْحَانَةُ الْعُمْرِ
وَإِنْ أَنْتَ أَتْرَعْتَ الأَبَارِيقَ فَلْتَكُنْ
سُلافًا وَإِيَّاكَ الْفَضِيخَ مِنْ التَّمْرِ
فَقَاتِلَةُ الْعُرْجُونِ لِلْفَاقِدِ النَّدَى
وَصَافِيَةُ الْعُنْقُودِ لِلْمَاجِدِ الْغَمْرِ
مُوَرَّدَةٌ تَمْتَدُّ مِنهَا أَشِعَّةٌ
تَدُورُ بِهَا فِي ظِلِّ أَلْوِيَةٍ حُمْرِ
إِذَا شَجَّهَا السَّاقُونَ دَارَ حَبَابُها
عَلَيْهَا كَمَا دَارَ الشَّرَارُ عَلَى الْجَمْرِ
ثَوَتْ فِي ضَمِيرِ الدَّهْرِ وَالْجَوُّ ظُلْمَةٌ
بِلا كَوْكَبٍ وَالأَرْضُ تَسْبَحُ في غَمْرِ
فَجَاءَتْ وَلَوْلا عَرْفُهَا وَبَرِيقُهَا
لَكَانَتْ خَفًا بَيْنَ الدَّسَاكِرِ كَالضَّمْرِ
تُزَفُّ بِأَلْحَانِ الْمَثَانِي كُئُوسُهَا
كَمَا زُفَّتِ الْحَسْنَاءُ بِالطَّبْلِ وَالزَّمْرِ
كُمَيْتٌ جَرَتْ فِي حَلْبَةِ الدَّهْرِ فَانْطَوَتْ
ثَمِيلَتُهَا وَالْخَيْلُ تُحْمَدُ بِالضُّمْرِ
فَكَمْ بَيْنَ آصَالٍ أَدَرْنَا كُئُوسَهَا
وَبَيْنَ لَيَالٍ مِنْ كَوَاكِبِها نُمْرِ
إِذَا أَنْتَ قَامَرْتَ الزَّمَانَ عَلَى الْمُنَى
بِمَا دَارَ مِنْ أَقْدَاحِهَا فُزْتَ بِالْقَمْرِ
فَخُذْ فِي أَفَانِينِ الْخَلَاعَةِ وَالصِّبَا
وَدَعْنِي مِنْ زَيْدِ النُّحَاةِ وَمِنْ عَمْرِو
أَولَئِكَ قَوْمٌ فِي حُرُوبٍ تَفَاقَمَتْ
وَلَكِنْ خَلَتْ مِنْ فَتْكَةِ الْبِيضِ وَالسُّمْرِ
فَمَا تَصْلُحُ الأَيَّامُ إِلَّا إِذَا خَلَتْ
قُلُوبُ الْوَرَى فِيها مِنَ الْحِقْدِ وَالْغِمْرِ
وَلا تَتَعَرَّضْ لِامْرِئٍ بِمَسَاءَةٍ
وَلا تَحْتَلِبْ ضَرْعَ الشِّقَاقِ وَلا تَمْرِ
وَلا تَحْتَقِرْ ذَا فَاقَةٍ بَيْنَ طِمْرِهِ
فَيا رُبَّ فَضْلٍ يَبْهَرُ الْعَقْلَ فِي طِمْرِ
وَكَيفَ يَعِيشُ الْمَرْءُ فِي الدَّهْرِ آمِنًا
وَلِلْمَوتِ فِينا وَثْبَةُ اللَّيْثِ وَالنِّمْرِ
وَمَا أَحْسَبُ الأَيَّامَ تَصْفُو لِعَاقِلٍ
وَلَكِنْ صَفَاءُ الْعَيْشِ لِلْجَاهِلِ الْغُمْرِ
سَعَيْتُ فَأَدْرَكْتُ الْمُنَى فِي طِلابِها
وَكُلُّ امْرِئٍ فِي الدَّهْرِ يَسْعَى إِلَى أَمْرِ

وقال: (من السريع)

نَمَّ الصَّبَا وَانْتَبَهَ الطَّائِرُ
وَاسْتَحَرَ الصَّاهِلُ وَالْهَادِرُ
وَأَضْحَتِ الأَرْضُ لِفَيْضِ الْحَيَا
مَصْقُولَةً يَلْهُو بِهَا النَّاظِرُ
تَبْدُو بِهَا أَنْجُمُ زَهْرٍ لِهَا
مَنَازِلٌ يَجْهَلُهَا الْخَابِرُ
كَأَنَّمَا أَلْبَسَهَا نَثْرَةً
مِنَ النُّجُومِ الْفَلَكُ الدَّائِرُ
فَقُمْ بِنَا نَلْهُ بِلَذَّاتِنَا
فَإِنَّمَا الْعَيْشُ لَهُ آخِرُ
وَلا تَقُلْ نَنْظُرُ مَا فِي غَدٍ
رُبَّ غَدٍ آمِلُهُ خَاسِرُ
فَإِنَّمَا الْعَيْشُ وَلَذَّاتُهُ
فِي سَاعَةٍ أَنْتَ بِهَا سَادِرُ
لا يَغْنَمُ اللَّذَّةَ غَيْرُ امْرِئٍ
لَيْسَ لَهُ عَنْ لَهْوِهِ زَاجِرُ
قَدْ خَبَرَ الدَّهْرَ فَمَا غَائِبٌ
يَجْهَلُهُ مِنْهُ وَلا حَاضِرُ
يَا سَاقِيَيَّ اعْتَوِرَا كَأْسَهَا
فَلِي بِهَا عَنْ غَيرِهَا عَاذِرُ
حَمْرَاءُ تُلْقِي بِلَحَاظِ الْفَتَى
صِبْغًا بِهِ يَعْتَرِفُ النَّاكِرُ
تَفْعَلُ بِالشَّارِبِ أَضْعَافَ مَا
جَرَّ عَلَى عُنْقُودِهَا الْعَاصِرُ
عَتَّقَهَا الدُّهْقَانُ فِي دَيْرِهِ
حِينًا وَلَمْ يَشْعُرْ بِهَا شَاعِرُ
شَجٍ بِهَا يَكْتُمُهَا نَفْسَهُ
وَهْوَ لِيَرْضَاهَا غَدًا صَابِرُ
حَتَّى إِذَا تَمَّتْ مَوَاقِيتُهَا
وَزَالَ عَنْهَا الزَّبَدُ الْمَائِرُ
جَاءَتْ وَقَدْ شَاكَلَهَا كَأْسُهَا
فَاشْتَبَهَ الْبَاطِنُ وَالظَّاهِرُ
بِمِثْلِهَا تُعْجِبُنِي صَبْوَتِي
وَيَزْدَهِينِي اللَّيْلُ وَالسَّامِرُ
فَمَا لِهَذِي النَّاسِ فِي غَفْلَةٍ
عَمَّا إِلَيهِ يَنْتَهِي السَّائِرُ
أَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ مَضَتْ قَبْلَهُمْ
مِنْ أُمَمٍ لَيْسَ لَهَا ذَاكِرُ
إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الأَمْرِ مِنْ حِكْمَةٍ
فَفِيمَ هَذَا الشَّغَبُ الثَّائِرُ
كُلُّ امْرِئٍ أَسْلَمَهُ عَقْلُهُ
فَمَا لَهُ مِنْ بَعْدِهِ نَاصِرُ

وقال: (من الطويل)

وَلَمَّا اسْتَقَلَّ الْحَيُّ فِي رَوْنَقِ الضُّحَى
وَقَطَّعَ أَنْفَاسَ الْمُقِيمِ الْمُسَافِرُ
تَحَوَّلَ رَاعِي الصَّبْرِ عَنْ مُسْتَقَرِّهِ
وَبَاحَتْ بِأَسْرَارِ الْقُلُوبِ النَّوَاظِرُ

وقال في الهجاء: (من البسيط)

يَا بْنَ الَّذِي رَهَنَ الْخَمَّارَ سُبْحَتَهُ
يَوْمَ الْعرُوبَةِ في عَدِّ الْقَوارِيرِ
مَا زَالَ يَشْرَبُ خَمْرًا غَيْرَ مُدَّكِرٍ
إِثْمًا وَيَأْكُلُ سُحْتًا غَيْرَ مَنْحُورِ
حَتَّى إِذَا نَالَ مِنْهُ السُّكْرُ قَامَ إِلَى
فَيَّاضَةِ الْقَرْءِ لَمْ تُعْهَدْ بِتَطْهِيرِ
فَكُنْتَ نُطْفَةَ سُوءٍ قَدْ تَعَجَّلَهَا
دَاعِي الْغَوَايَةِ مِنْ خَمْرٍ وَخَنْزِيرِ

وقال: (من الكامل)

يَا أَيُّهَا السَّرِفُ الْمُدِلُّ بِنَفْسِهِ
كَسَفِينَةٍ فِي لُجِّ بَحْرٍ ماخِرَهْ
أَتَظُنُّ أَنَّ الْفَخْرَ ثَوْبٌ مُعْلَمٌ
تَزْهُو بِلِبْسَتِهِ وَقِدْرٌ باخِرَهْ
هَيْهَاتَ ظَنُّكَ فَالْعُلا أُمْنِيَةٌ
مِنْ دُونِ مَبْلَغِهَا بِحارٌ زَاخِرَهْ
أَتْلَفْتَ دُنْيَاكَ الَّتِي أُوتِيتَهَا
وَلَسَوْفَ تَهْلِكُ حَسْرَةً فِي الآخِرَهْ
تَاللهِ لَوْ رَاجَعْتَ نَفْسَكَ مَرَّةً
لَوَجَدْتَهَا مِنْ سُوءِ فِعْلِكَ سَاخِرَهْ
حَتَّامَ تَفْخَرُ بِالْجُدُودِ وَلَمْ تَنَلْ
مَا أَحْرَزَتْ تِلكَ الْجُدُودُ الْفَاخِرَهْ
فَاجْعَلْ لِنَفْسِكَ مِنْ فِعَالِكَ شَاهِدًا
يُغْنِيكَ عَنْ ذِكْرِ الْعِظَامِ النَّاخِرَهْ

وقال يذم: (من المجتث)

فَعَلْتُ خَيْرًا بِقَوْم
فَعَامَلُونِي بِضَيْرِ
فَلا تَلُمْنِي إِذَا مَا
أَصْبَحْتُ أَلْعَنُ خَيْرِي

وقال في الزُّهْد: (من السريع)

أَلْهَتْكُمُ الدُّنْيَا عَنِ الآخِرَهْ
وَهْيَ مِنَ الْجَهْلِ بِكُمْ سَاخِرَهْ
وَغَرَّكُمْ مِنْهَا وَأَنْتُمْ بِكُمْ
جُوعٌ إِلَيْهَا قِدْرُهَا الْبَاخِرَهْ
يَمْشِي الْفَتَى تِيهًا وَفِي ثَوْبِهِ
مِنْ مَعْطِفَيْهِ جِيفَةٌ جَاخِرَهْ
كَأَنَّهُ فِي كِبْرِهِ سَادِرٌ
سَفِينَةٌ فِي لُجَّةٍ مَاخِرَهْ
كَمْ أَنْفُسٍ عَزَّتْ بِسُلْطَانِهَا
فِي ما مَضَى وَهْيَ إِذَنْ دَاخِرَهْ
وَعُصْبَةٍ كَانَتْ لأَمْوَالِهَا
مَظنَّةَ الْفَقْرِ بِهَا ذَاخِرَهْ
فَأَصْبَحَتْ يَرْحَمُهَا مَنْ يَرَى
وَقَدْ غَنَتْ فِي نِعْمَةٍ فَاخِرَهْ
فَلا جَوَادٌ صَاهِلٌ عَزَّهُمْ
يَومًا وَلا خَيْفَانَةٌ شَاخِرَهْ
بَلْ عَمَّ دُنْيَاهُمْ صُرُوفٌ لَهَا
مِنَ الرَّدَى أَوْدِيَةٌ زَاخِرَهْ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ
وَاخْشَوْا عَذَابَ اللهِ وَالآخِرَهْ
أَنْتُمْ قُعُودٌ وَالرَّدَى قَائِمٌ
يُسْقِيكُمُ بِالْكُوبِ وَالصَّاخِرَهْ
فَانْتَبِهُوا مِنْ غَفَلاتِ الْهَوَى
وَاعْتَبِرُوا بِالأَعْظُمِ النَّاخِرَهْ

وقال: (من الطويل)

لَكَ الْحَمْدُ إِنَّ الْخَيْرَ مِنْكَ وَإِنَّنِي
لِصُنْعِكَ يَا رَبَّ السَّمَواتِ شَاكِرُ
فَأَنْتَ الَّذِي أَوْلَيْتَنِي كُلَّ نِعْمَةٍ
وَهَذَّبْتَنِي حَتَّى اصْطَفَتْنِي الْعَشَائِرُ
فَقَرِّبْ لِيَ الْخَيْرَ الَّذِي أَنَا رَاغِبٌ
وَبَاعِدْنِي الشَّرَّ الَّذِي أَنَا حَاذِرُ
فَلَيْسَ لِمَنْ تُقْصِيهِ فِي النَّاسِ نَافِعٌ
وَلَيْسَ لِمَنْ تُدْنِيهِ فِي النَّاسِ ضَائِرُ
وَلا لِامْرِئٍ أَلْهَمْتَهُ الرُّشْدَ خَاذِلٌ
وَلا لِامْرِئٍ أَوْرَدْتَهُ الْغَيَّ نَاصِرُ
فَإِنْ أَدْرَكَتْ نَفْسِي الْمَرَامَ وَلَمْ أَقُمْ
مَقَامَ ضَلِيعٍ بِالَّذِي أَنْتَ آمِرُ
فَلا لاحَ لِي فِي ذُرْوَةِ الْمَجْدِ كَوكَبٌ
وَلا طَارَ لِي فِي قُنَّةِ الْعِزِّ طَائِرُ

وقال: (من البسيط)

مَنْ خَالَفَ الْحَزْمَ خَانَتْهُ مَعَاذِرُهُ
وَمَنْ أَطَاعَ هَوَاهُ قَلَّ نَاصِرُهُ
وَمَنْ تَرَبَّصَ بِالإِخْوَانِ بَادِرَةً
مِنَ الزَّمَانِ فَإِنَّ اللهَ قَاهِرُهُ
لا يَجْمُلُ الْمَرْءُ فِي ظَرْفٍ وَفِي أَدَبٍ
مَا لَمْ تَكُنْ فَوْقَ مَرْآهُ سَرَائِرُهُ
وَمَا الصَّدِيقُ الَّذِي يُرْضِيكَ بَاطِنُهُ
مِثْلُ الصَّدِيقِ الَّذِي يُرْضِيكَ ظَاهِرُهُ
قَدْ لا يَفُوهُ الْفَتَى بِالأَمْرِ يُضْمِرُهُ
وَبَيْنَ عَيْنَيْهِ مَا تُخْفِي ضَمَائِرُهُ
أَسْتَودِعُ اللهَ عَصْرًا قَدْ خَلَعْتُ بِهِ
عُذْرَ الْهَوَى وَهْوَ غَضَّاتٌ مَكَاسِرُهُ
لَمْ يَمْضِ مِنْ حُسْنِهِ مَا كُنْتُ أَعْهَدُهُ
حَتَّى أَصَابَ سَوَادَ الْقَلْبِ نَاقِرُهُ
كَيْفَ الْوُصُولُ إِلَى حَالٍ نَعِيشُ بِهَا
وَالدَّهْرُ مَأْمُونَةٌ فِينَا بَوَادِرُهُ
إِذْ لا صَدِيقَ يَسُرُّ السَّمْعَ غَائِبُهُ
وَلا رَفِيقَ يَرُوقُ الْعَيْنَ حَاضِرُهُ
كُنَّا نَوَدُّ انْقِلابًا نَسْتَرِيحُ بِهِ
حَتَّى إِذَا تَمَّ سَاءَتْنَا مَصَايِرُهُ
فَالْقَلْبُ مُضْطَرِبٌ فِي مَا يُحَاوِلُهُ
وَالْعَقْلُ مُخْتَبَلٌ مِمَّا يُحَاذِرُهُ
قَدْ كَانَ فِي السَّلَفِ الْمَاضِينَ نَافِعُهُ
فَصَارَ فِي الْخَلَفِ الْبَاقِينَ ضَائِرُهُ
مَا أَبْعَدَ الْخَيْرَ فِي الدُّنْيَا لِطَالِبِهِ
وَأَقْرَبَ الشَّرَّ مِنْ نَفْسٍ تُحَاذِرُهُ
أَكُلَّمَا مَرَّ مِنْ دَهْرٍ أَوَائِلُهُ
كَرَّتْ بِمِثْلِ أَوَالِيهِ أَوَاخِرُهُ
إِنْ دَامَ هَذَا أَضَاعَ الرُّشْدَ كَافِلُهُ
فِي مَا أَرَى وَأَطَاعَ الْغَيَّ زَاجِرُهُ
تَنَكَّرَتْ مِصْرُ بَعْدَ الْعُرْفِ وَاضْطَرَبَتْ
قَوَاعِدُ الْمُلْكِ حَتَّى رِيعَ طَائِرُهُ
فَأَهْمَلَ الأَرْضَ جَرَّا الظُّلْمِ حَارِثُهَا
وَاسْتَرْجَعَ الْمَالَ خَوْفَ الْعُدْمِ تَاجِرُهُ
وَاسْتَحْكَمَ الْهَوْلُ حَتَّى مَا يَبِيتُ فَتًى
فِي جَوْشَنِ اللَّيْلِ إِلا وَهْوَ سَاهِرُهُ
وَيْلُمِّهِ سَكَنًا لَوْلا الدَّفِينُ بِهِ
مِنَ الْمَآثِرِ مَا كُنَّا نُجَاوِرُهُ
أَرْضَى بِهِ غَيْرَ مَغْبُوطٍ بِنِعْمَتِهِ
وَفِي سِوَاهُ الْمُنَى لَوْلا عَشَائِرُهُ
يَا نَفْسُ لا تَجْزَعِي فَالْخَيْرُ مُنْتَظَرٌ
وَصَاحِبُ الصَّبْرِ لا تَبْلَى مَرَائِرُهُ
لَعَلَّ بُلْجَةَ نُورٍ يُسْتَضَاءُ بِهَا
بَعْدَ الظَّلامِ الَّذِي عَمَّتْ دَيَاجِرُهُ
إِنِّي أَرَى أَنْفُسًا ضَاقَتْ بِمَا حَمَلَتْ
وَسَوْفَ يَشْهَرُ حَدَّ السَّيْفِ شَاهِرُهُ
شَهْرَانِ أَوْ بَعْضُ شَهْرٍ إِنْ هِيَ احْتَدَمَتْ
وَفِي الْجَدِيدَيْنِ مَا تُغْنِي فَوَاقِرُهُ
فَإِنْ أَصَبْتُ فَعَنْ رَأيٍ مَلَكْتُ بِهِ
عِلْمَ الْغُيُوبِ وَرَأْيُ الْمَرْءِ نَاظِرُهُ

وقال: (من الطويل)

أَبَابِلُ رَأْيَ الْعَيْنِ أَمْ هَذِهِ مِصْرُ
فَإِنِّي أَرَى فيها عُيُونًا هِيَ السِّحْرُ
نَوَاعِسُ أَيْقَظْنَ الْهَوَى بِلَوَاحِظٍ
تَدِينُ لَهَا بِالْفَتْكَةِ الْبِيضُ وَالسُّمْرُ
فَلَيْسَ لِعَقْلٍ دُونَ سُلْطَانِهَا حِمًى
وَلا لِفُؤَادٍ دُونَ غِشْيَانِهَا سِتْرُ
فَإِنْ يَكُ مُوسَى أَبْطَلَ السِّحْرَ مَرَّةً
فَذَلِكَ عَصْرُ الْمُعْجِزَاتِ وَذَا عَصْرُ
فَأَيُّ فُؤادٍ لا يَذُوبُ صَبَابَةً
وَمُزْنَةِ عَيْنٍ لا يَصُوبُ لَهَا قَطْرُ
بِنَفْسِي وَإِنْ عَزَّتْ عَلَيَّ رَبِيبَةٌ
مِنَ الْعِينِ في أَجْفَانِ مُقْلَتِهَا فَتْرُ
فَتَاةٌ يَرِفُّ الْبَدْرُ تَحْتَ قِنَاعِهَا
وَيَخْطِرُ فِي أَبْرَادِهَا الْغُصْنُ النَّضْرُ
تُرْيكَ جُمَانَ الْقَطْرِ فِي أُقْحُوانَةٍ
مُفَلَّجَةِ الأَطْرَافِ قِيلَ لَهَا ثَغْرُ
تَدِينُ لِعَيْنَيْهَا سَوَاحِرُ بَابِلٍ
وَتَسْكَرُ مِنْ صَهْبَاءِ رِيقَتِهَا الْخَمْرُ
فَيَا رَبَّةَ الْخِدْرِ الَّذِي حَالَ دُونَهُ
ضَرَاغِمُ حَرْبٍ غَابُهَا الأَسَلُ السُّمْرُ
أَمَا مِنْ وِصَالٍ أَسْتَعِيذُ بِأُنْسِهِ
نَضَارَةَ عَيْشٍ كَانَ أَفْسَدَهُ الْهَجْرُ
رَضِيتُ مِنَ الدُّنْيَا بِحُبِّكِ عَالِمًا
بِأَنَّ جُنُونِي فِي هَوَاكِ هُوَ الْفَخْرُ
فَلا تَحْسَبِي شَوْقِي فُكَاهَةَ مَازحٍ
فَمَا هُوَ إِلا الْجَمْرُ أَوْ دُونَهُ الْجَمْرُ
هَوًى كَضِمِيرِ الزَّنْدِ لَوْ أَنَّ مَدْمَعِي
تَأَخَّرَ عَنْ سُقْيَاهُ لاحْتَرَقَ الصَّدْرُ
إِذَا مَا أَتَيْتُ الْحَيَّ فَارَتْ بِغَيْظِهَا
قُلُوبُ رِجَالٍ حَشْوُ آماقِهَا الْغَدْرُ
يَظُّنُّونَ بِي شرًّا وَلَسْتُ بِأَهْلِهِ
وَظَنُّ الْفَتَى مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وِزْرُ
وَمَاذَا عَلَيْهِمْ إِنْ تَرَنَّمَ شَاعِرٌ
بِقَافِيَةٍ لا عَيْبَ فِيهَا وَلا نُكْرُ
أَفِي الْحَقِّ أَنْ تَبْكِي الْحَمَائِمُ شَجْوَها
وَيُبْلَى فَلا يَبْكِي عَلَى نَفْسِهِ حُرُّ
وَأَيُّ نَكِيرٍ فِي هَوًى شَبَّ وَقْدُهُ
بِقَلْبِ أَخِي شَوْقٍ فَبَاحَ بِهِ الشِّعْرُ
فَلا يَبْتَدِرْنِي بِالْمَلَامَةِ عَاذِلٌ
فَإِنَّ الْهَوَى فِيهِ لِمُعْتَذِرٍ عُذْرُ
إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحُبِّ فَضْلٌ عَلَى النُّهَى
لَمَا ذَلَّ حَيٌّ لِلْهَوَى وَلَهُ قَدْرُ
وَكَيْفَ أَسُومُ الْقَلْبَ صَبْرًا عَلَى الْهَوَى
وَلَمْ يَبْقَ لِي فِي الْحُبِّ قَلْبٌ وَلا صَبْرُ
لِيَهْنَ الْهَوَى إِنِّي خَضَعْتُ لِحُكْمِهِ
وَإِنْ كَانَ لِي فِي غَيْرِهِ النَّهيُ وَالأَمْرُ
وَإِنِّي امْرُؤٌ تَأْبَى لِيَ الضَّيْمَ صَوْلَةٌ
مَوَاقِعُهَا فِي كُلِّ مُعْتَرَكٍ حُمْرُ
أَبِيٌّ عَلَى الْحِدْثَانِ لا يَسْتَفِزُّنِي
عَظِيمٌ وَلا يَأْوِي إِلَى سَاحَتِي ذُعْرُ
إِذَا صُلْتُ صَالَ الْمَوْتُ مِنْ وَكَرَاتِهِ
وَإِنْ قُلْتُ أَرْخَى مِنْ أَعِنَّتِهِ الشِّعْرُ

وقال: (من البسيط)

لِلشِّعْرِ فِي الدَّهْرِ حُكْمٌ لا يُغَيِّرُهُ
مَا بِالْحَوَادِثِ مِنْ نَقْضٍ وَتَغْيِيرِ
يَسْمُو بِقَوْمٍ وَيَهْوِي آخَرُونَ بِهِ
كَالدَّهْرِ يَجْرِي بِمَيْسُورٍ وَمَعْسُورِ
لَهُ أَوَابِدُ لا تَنْفَكُّ سَائِرَةً
فِي الأَرْضِ مَا بَيْنَ إِدْلَاجٍ وَتَهْجِيرِ
مِنْ كُلِّ عَائِرَةٍ تَسْتَنُّ فِي طَلَقٍ
يَغْتَالُ بِالْبَهْرِ أَنْفَاسَ الْمَحَاضِيرِ
تَجْرِي مَعَ الشَّمْسِ فِي تَيَّارِ كَهْرَبَةٍ
عَلَى إِطَارٍ مِنَ الأَضْوَاءِ مَسْعُورِ
تُطَارِدُ الْبَرْقَ إِنْ مَرَّتْ وَتَتْرُكُهُ
فِي جَوشَنٍ مِنْ حَبِيكِ الْمُزْنِ مَزْرُورِ
صَحَائِفٌ لَمْ تَزَلْ تُتْلَى بِأَلْسِنَةٍ
لِلدَّهْرِ فِي كُلِّ نَادٍ مِنْهُ مَعْمُورِ
يَزْهَى بِهَا كُلُّ سَامٍ فِي أَرُومَتِهِ
وَيَتَّقِي الْبَأْسَ مِنْهَا كُلُّ مَغْمُورِ
فَكَمْ بِهَا رَسَخَتْ أَرْكَانُ مَمْلَكَةٍ
وَكَمْ بِهَا خَمَدَتْ أَنْفَاسُ مَغْرُورِ
وَالشِّعْرُ دِيوانُ أَخْلاقٍ يَلوحُ بِهِ
مَا خَطَّهُ الْفِكْرُ مِنْ بَحْثٍ وَتَنْقِيرِ
كَمْ شَادَ مَجْدًا وَكَمْ أَوْدَى بِمَنْقَبَةٍ
رَفْعًا وَخَفْضًا بِمَرْجُوٍّ وَمَحْذُورِ
أَبْقَى «زُهَيْرٌ» بِهِ مَا شَادَهُ هَرِمٌ
مِنَ الْفَخَارِ حَدِيثًا جدَّ مَأْثُورِ
وَفَلَّ «جَرْوَلُ» غَرْبَ «الزِّبرِقَانِ» بِهِ
فَبَاءَ مِنْهُ بِصَدْعٍ غَيرِ مَجْبُورِ
أَخْزَى «جَرِيرٌ» بِهِ حَيَّ النُّمَيْرِ فَمَا
عَادُوا بِغَيْرِ حَدِيثٍ مِنْهُ مَشْهُورِ
لَوْلا «أَبُو الطَّيِّبِ» الْمَأْثُورُ مَنْطِقُهُ
مَا سَارَ فِي الدَّهْرِ يَومًا ذِكْرُ «كَافُورِ»

وقال: (من الوافر)

فُؤَادِي وَالْهَوَى قَدَحٌ وَخَمْرُ
أَمَا فِي ذَاكَ لِي طَرَبٌ وَسُكْرُ
يَلُومُونِي عَلَى كَلَفِي بِلَيْلَى
وَلَيْلَى فِي سَمَاءِ الْحُسْنِ بَدْرُ
لَهَا خَدٌّ بِهِ لِلْحُسْنِ وَرْدٌ
وَلَحْظٌ فِيهِ لِلْمَلَكَيْنِ سِحْرُ
تَضِنُّ عَلَيَّ بِالتَّسْلِيمِ تِيهًا
وَهَلْ فِي سُنَّةِ التَّسْلِيمِ وِزْرُ
يَلُوحُ جَبِينُهَا فِي طُرَّتَيْهَا
كَمَا أَوفَى عَلَى الظَّلْمَاءِ فَجْرُ
وَتَبْسِمُ عَنْ جُمَانٍ فِي عَقِيقٍ
يُقَالُ لَهُ بِحُكْمِ الذَّوقِ ثَغْرُ

وقال: (من الطويل)

أَبَى الضَّيْمَ فَاسْتَلَّ الْحُسَامَ وَأَصْحَرَا
وَذُو الْحِلْمِ إِنْ سِيمَ الْهَوَانَ تَنَمَّرَا
وَطَارَتْ بِهِ فِي مُلْتَقَى الْخَيْلِ عَزْمَةٌ
أَعَادَتْ جَبِينَ الصُّبْحِ بِالنَّقْعِ أَكْدَرَا
فَرَدَّ ذُبَابَ الْمَشْرَفِيِّ مُثَلَّمًا
وَغَادَرَ صَدْرَ السَّمْهَرِيِّ مُكَسَّرَا
جِلادُ امْرِئٍ آلَى بِقَائِمِ سَيْفِهِ
عَلَى الْمَجْدِ أَنْ يُولِيهِ نَصْرًا مُؤَزَّرَا
جَدِيرٌ إِذَا مَا هَمَّ أَنْ يَكْسُوَ الْقَنَا
وَبِيضَ الظُّبَا ثَوْبًا مِنَ الدَّمِ أَحْمَرَا
وَمَا كُلُّ مَنْ سَاسَ الأَعِنَّةَ فَارِسًا
وَلا كُلُّ مَنْ نَاشَ الأَسِنَّةَ قَسْوَرَا

وقال: (من الخفيف)

حَبَّذَا الرَّاحُ فِي أَوَانِ الْبَهَارِ
وَاقْتِرَانُ الْكُئُوسِ بِالنُّوَّارِ
وَرَنِينُ الأَوْتَارِ فِي فَلَقِ الصُّبـْ
ـحِ وَسَجْعُ الطُّيُورِ فِي الأَوْكَارِ
بَيْنَ جَوٍّ مَعَ الْغَمَائِمِ سَارٍ
وَفَضَاءٍ مَعَ الْجَدَاوِلِ جَارِي
مَنْظَرٌ يَفْتِنُ الْعُقُولَ وَيَجْلُو
صَفَحَاتِ الْقُلُوبِ وَالأَبْصَارِ
إِنَّ عَصْرَ الشَّبَابِ فِينَا مُعَارٌ
وَاللَّيَالِي تَرُدُّ كُلَّ مُعَارِ
فَاسْرَحَا وَامْرَحَا فَقَدْ آذَنَتْنَا
نَسَمَاتُ الصَّبَا بِخَلْعِ الْعِذَارِ
وَاغْنَما صَفْوَةَ الرَّبِيعِ بِدَارًا
فَالأَمَانِي مَعْقُودَةٌ بِالْبِدارِ
هُوَ فَصْلٌ تَخْتَالُ فِيهِ غُصُونُ الرْ
رَوض فِي حِلْيَةٍ مِنَ الأَزْهَارِ
مَائِسَاتٍ مِثْلَ الْعَذَارَى عَلَيْهِنْ
ثِيَابٌ دُرِّيَّةُ الأَزْرَارِ
غَمَزَتْهَا يَدُ الصَّبَا فَتَلَوَّتْ
رَاقِصَاتٍ عَلَى غِنَاءِ الْقَمَارِي
رَشَفَتْ خَمْرَةَ النَّدَى مِنْ كُئُوسِ الز
هْرِ حَتَّى تَمَايَلَتْ مِنْ خُمَارِ
فَانْتَبِهْ يَا نَدِيمُ وَاسْتَصْبِحِ السَّا
قِي بِكَأسٍ تَفِيضُ بِالأَنْوَارِ
وَاسْقِيَانِي وَغَنِّيَانِي بِلَحْنٍ
يَبْعَثُ النَّفْسَ مِنْ إِسَارِ الْوَقَارِ
فَلَقَدْ آذَنَ الشِّتَاءُ بسَيْرٍ
وَاسْتَهَلَّتْ طَلائِعُ النُّوبَهارِ
وَاسْتَدَارَ النَّهَارُ حَتَّى تَسَاوَتْ
كَفَّتَاهُ بَيْنَ الدُّجَى وَالنَّهَارِ

وقال يَفْتَخِرُ: (من الطويل)

يَلُومُونَنِي فِي الْجُودِ وَالْجُودُ مُزْنَةٌ
إِذَا هَمَلَتْ فِي مَوْضِعٍ نَبَتَ الشُّكْرُ
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يُنْفِقْ مِنَ الْمَالِ وُسْعَ مَا
دَعَتْهُ الْمَعَالِي فَالثَّراءُ هُوَ الْفَقْرُ

وقال: (من الطويل)

أَرَى كُلَّ شَيءٍ عُرْضَةً لِلتَّغَيُّرِ
فَمَا بَالُنَا بَعْدَ الْحَقِيقَةِ نَمْتَرِي؟
تَرَسَّمْ فَضَاءَ الأَرْضِ شَرْقًا وَمَغْرِبًا
عَسَاكَ تَرَى آثَارَ كِسْرَى وَقَيْصَرِ

وقال: (من الطويل)

أَلائِمَتِي كُفِّي الْمَلامَ عَنِ الَّذِي
أُحَاوِلُهُ مِنْ رِحْلَةٍ وَسِفَارِ
فَلَوْلا سُرَى الْبَدْرِ الْمُنِيرِ لَعَاقَهُ
عَنِ التِّمِّ لُبْثٌ فِي مَغِيبِ سِرَارِ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤