قافية الحاء

وقال وهو في حربِ الرُّوس يذكر شوقَهُ إِلى الوطن، ويَصِفُ هذه الحربَ: (من الطويل)

هَنِيئًا لِرَيَّا ما تَضُمُّ الْجَوَانِحُ
وَإِنْ طَوَّحَتْ بِي في هَواهَا الطَّوائِحُ
فَتَاةٌ لَهَا فِي مَنْصِبِ الْحُسْنِ سُورَةٌ
تُقَصِّرُ عَنها الْغِيدُ وَهيَ رَوَاجِحُ
أَحَاطَ عَلَى مِثْلِ الْكَثِيبِ إِزَارُهَا
وَدَارَتْ عَلَى مِثْلِ الْقَنَاةِ الْوَشائِحُ
فَفِي الْغُصْنِ منها إِنْ تَثَنَّتْ مَشابَةٌ
وفي الْبَدْرِ منها إِنْ تَجَلَّتْ مَلامِحُ
مَحَاسِنُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ كَثِيرَةٌ
وَلَكِنَّها إِنْ وَازَنَتْها مَقَابِحُ
كَأَنَّ اهْتِزَازَ الْقُرْطِ في صَفْحِ جِيدِها
سَنَا كَوْكَبٍ في مَطْلَعِ الْفَجْرِ لائِحُ
لها ذُكْرَةٌ عِنْدِي وَطَيْفٌ، كِلاهُمَا
بِتِمْثَالِها غادٍ عَليَّ ورائِحُ
عَجِبْتُ لِعَيْنِي كَيْفَ تَظْمَأُ دُونَها
وإِنْسَانُها فِي لُجَّةِ الْمَاءِ سَابِحُ
أَحِنُّ لَهَا شَوْقًا، ودُونَ مَزارِهَا
مَسَالِكُ يَأْوِيهَا الرَّدَى وَمَنَادِحُ
فَيَافٍ يَضِلُّ النَّجْمُ فِي قُذُفاتِها
وَتَظْلَعُ فِيهَا النَّائِجَاتُ الْبَوَارِحُ
وَلُجَّةُ بَحْرٍ كُلَّمَا هَبَّ عاصِفٌ
مِنَ الرِّيحِ، دَوَّى مَوْجُهَا الْمُتَنَاطِحُ
فَقَلْبِيَ تَحْتَ السَّرْدِ كَالنَّارِ لافِحٌ
وَدَمْعِي فَوقَ الْخَدِّ كالمَاءِ سافِحُ
وَلَوْ كُنْتُ مَطْلُوقَ الْعِنَانِ لَما ثَنَتْ
هَوايَ الْفَيَافِي وَالبِحَارُ الطَّوَافِحُ
ولَكِنَّنِي فِي جَحْفَلٍ لَيْسَ دُونَهُ
بَراحٌ لِذِي عُذْرٍ، وَلا عَنْهُ بَارِحُ
يُكَافِحُنِي شَوْقِي إِذَا اللَّيلُ جَنَّنِي
وَأَعْذُو عَلَى جَمْعِ الْعِدَا فَأُكَافِحُ
خَصِيمانِ: هذا بِالْفُؤَادِ مُخَيِّمٌ
وَذَلِكَ عَنْ مَرْمَى الْقَذِيفَةِ نَازِحُ
ومَا بِي أَخْشاهُ مِنْ صَوْلَةِ الْعِدَا
لَو أَنَّ الْهَوَى يُولِي يَدًا، أَوْ يُسَامِحُ
فَيَا رَوْضَةَ الْمِقْيَاسِ، حَيَّاكِ عَارِضٌ
مِنَ الْمُزْنِ خَفَّاقُ الْجَنَاحَيْنِ دَالِحُ
ضَحُوكُ ثَنايَا الْبَرْقِ، تَجْرِي عُيُونُهُ
بِوَدْقٍ بِهِ تَحْيَا الرُّبَا وَالصَّحَاصِحُ
تَحُوكُ بِخَيطِ الْمُزْنِ مِنْهُ يَدُ الصَّبَا
لَها حُلَّةً تَخْتَالُ فِيهَا الأَبَاطِحُ
مَنَازِلُ حَلَّ الدَّهْرُ فِيهَا تَمَائِمي
وَصَافَحَنِي فِيها الْقَنَا وَالصَّفَائِحُ
وَإِنَّ أَحَقَّ الأَرْضِ بِالشُّكْرِ مَنْزِلٌ
يَكونُ بِهِ لِلْمَرْءِ خِلٌّ مُنَاصِحُ
فَهَلْ تَرْجِعُ الأَيَّامُ فِيهِ بِمَا مَضَتْ
وَيَجْرِي بِوَصْلٍ مِنْ«أُمَيْمَةَ» سَانِحُ؟
لَعَمْرِي لَقَدْ طالَ النَّوَى، وَتَقاذَفَتْ
مَهامِهُ دُون الْمُلْتَقَى وَمَطاوِحُ
وَأَصْبَحْتُ فِي أَرْضٍ يَحَارُ بها الْقَطَا
وَتَرْهَبُها الْجِنَّانُ وَهْيَ سَوارِحُ
بَعِيدَةُ أَقْطَارِ الدَّيامِيمِ، لَو عَدا
«سُلَيْكٌ» بِها شَأْوًا قَضَى وَهْوَ رازِحُ
تَصِيحُ بِها الأَصْدَاءُ فِي غَسَقِ الدُّجى
صِيَاحَ الثَّكَالَى هَيَّجَتْها النَّوائِحُ
تَرَدَّتْ بِسَمُّورِ الْغَمَامِ جِبَالُها
وَمَاجَتْ بِتَيَّارِ السُّيُولِ الْبَطَائِحُ
فَأَنْجَادُها لِلْكَاسِرَاتِ مَعَاقِلٌ
وَأَغْوَارُهَا لِلْعَاسِلَاتِ مَسَارِحُ
مَهالِكُ يَنْسَى الْمَرْءُ فِيهَا خَلِيلَهُ
وَيَنْدُرُ عَنْ سَوْمِ الْعُلا مَنْ يُنَافِحُ
فَلا جَوَّ إِلا سَمْهَرِيٌّ وَقَاضِبٌ
وَلا أَرْضَ إِلَّا شَمَّرِيٌّ وَسَابِحُ
تَرانَا بِها كَالأُسْدِ نَرْصُدُ غَارَةً
يَطِيرُ بِها فَتْقٌ مِنَ الصُّبْحِ لَامِحُ
مَدافِعُنَا نُصْبُ الْعِدَا، ومُشاتُنَا
قِيَامٌ، تَلِيها الصَّافِنَاتُ القَوارِحُ
ثَلاثَةُ أَصْنَافٍ تَقِيهنَّ سَاقَةٌ
صِيَالَ الْعِدَا إِنْ صَاحَ بِالشَّر صائِحُ
فَلَسْتَ تَرَى إِلَّا كُمَاةً بَوَاسِلا
وَجُرْدًا تَخُوضُ الْمَوتَ وَهْيَ ضَوابِحُ
نُغِيرُ عَلَى الأَبْطَالِ والصُّبْحُ بَاسِمٌ
وَنَأْوِي إِلَى الأَدْغَالِ وَاللَّيلُ جَانِحُ
بَكَى صاحِبِي لَمَّا رَأَى الْحَرْبَ أَقْبَلَتْ
بِأَبْنَائِها، وَالْيَوْمُ أَغْبَرُ كَالِحُ
وَلَم يَكُ مَبْكاهُ لِخَوفٍ، وَإِنَّما
تَوَهَّمَ أَنَّى فِي الْكَرِيهَةِ طَائِحُ
فَقَالَ اتَّئِدْ قَبْلَ الصِّيَالِ ولا تَكُنْ
لِنَفْسِكَ حَرْبًا إِنَّنِي لَكَ نَاصِحُ
أَلَمْ تَرَ مَعْقُودَ الدُّخَانِ، كَأَنَّمَا
عَلَى عَاتِقِ الْجَوْزَاءِ مِنْهُ سَرائِحُ؟
وَقَدْ نَشَأَتْ لِلْحَرْبِ مُزْنَةُ قَسْطَلٍ
لَهَا مُسْتَهِلٌّ بِالْمَنِيَّةِ راشِحُ
فَلا رَأْيَ إلا أَنْ تَكُونَ بِنَجْوَةٍ
فَإِنَّكَ مَقْصُودُ الْمَكَانَةِ وَاضِحُ
فَقُلْتُ تَعَلَّمْ إِنَّمَا هِيَ خُطَّةٌ
يَطُولُ بِها مَجْدٌ وَتُخْشَى فَضَائِحُ
فَمَا كُلُّ مَا تَرْجُو مِنَ الأَمْرِ نَاجِعٌ
وَلا كُلُّ مَا تَخْشَى مِنَ الْخَطْبِ فَادِحُ
فَقَدْ يَهْلَكُ الرِّعْدِيدُ فِي عُقْرِ دارِهِ
وَيَنْجُو مِنَ الْحَتْفِ الْكَمِيُّ الْمُشايِحُ
وَكُلُّ امْرِئٍ يَومًا مُلاقٍ حِمَامَهُ
وإِنْ عَارَ فِي أَرْسَانِهِ وَهْوَ جَامِحُ
فَمَا بَارِحٌ إِلا مَعَ الْخَيْرِ سَانِحٌ
ولا سَانِحٌ إِلا مَعَ الشَّرِّ بارِحُ
فَإِنْ عِشْتُ صَافَحْتُ الثُّرَيَّا وَإِنْ أَمُتْ
فَإِنَّ كَرِيمًا مَنْ تَضُمُّ الصَّفَائِحُ

وسَأَلَهُ أَحَدُ الْفُضَلاءِ أَنْ يُوازِنَ قَصِيدَةَ ابْنِ النَّبِيِه التي أَوَّلُها:

يا سَاكِني السَّفْحِ كَمْ عَيْنٍ بِكُمْ سَفَحَتْ
نَزَحْتُمُ، فَهْيَ بَعْدَ الْبُعْدِ مَا نَزَحَتْ

فقال: (من البسيط)

مَاذَا عَلَى قُرَّةِ الْعَيْنَينِ لَوْ صَفَحَتْ
وَعَاوَدَتْ بِوِصالٍ بَعْدَ مَا صَفَحَتْ
بايَعْتُها الْقَلْبَ إِيجَابًا بِمَا وَعَدَتْ
فَيَا لَهَا صَفْقَةً فِي الْحُبِّ مَا رَبِحَتْ
قَدْ يَزْعُمُ النَّاسُ أَنَّ الْبُخْلَ مَقْطَعَةٌ
فَمَا لِقَلْبِي يَهْوَاهَا وَمَا سَمَحَتْ
خُوطِيَّةُ الْقَدِّ لَو مَرَّ الْحَمَامُ بِها
لَمْ يَشْتَبِهْ أَنَّها مِنْ أَيْكِهِ انْتَزَحَتْ
خَفَّتْ مَعاطِفُها لَكِنْ رَوادِفُها
بِمِثْلِ مَا حَمَّلَتْنِي فِي الْهَوَى رَجَحَتْ
وَيْلَاهُ مِنْ لَحْظِهَا الْفَتَّاكِ إِنْ نَظَرَتْ
وَآهِ مِنْ قَدِّهَا الْعَسَّالِ إِنْ سَنَحَتْ
يَمُوتُ قَلبِي وَيَحْيَا حَيْرَةً وَهُدًى
فِي عَالَمِ الْوَجْدِ إِنْ صَدَّتْ وَإِنْ جَنَحَتْ
كَالْبَدْرِ إِنْ سَفَرَتْ وَالظَّبْيِ إِنْ نَظَرَتْ
وَالْغُصْنِ إِنْ خَطَرَتْ وَالزَّهْرِ إِنْ نَفَحَتْ
وَا خَجْلَةَ الْبَدْرِ إِنْ لَاحَتْ أَسِرَّتُهَا
وَحَيْرَةَ الرَّشَإِ الْوَسْنَانِ إِنْ لَمَحَتْ
لَها رَوَابِطُ لا تَنْفَكُّ آخِذَةً
بِعُرْوَةِ الْقَلْبِ إِنْ جَدَّتْ وَإِنْ مَزَحَتْ
يَا سَرْحَةَ الأَمَلِ الْمَمْنُوعِ جَانِبُهُ
وَيَا غَزَالَةَ وَادِي الْحُسْنِ إِنْ سَرَحَتْ
تَرَفَّقِي بِفُؤَادٍ أَنْتِ مُنْيَتُهُ
وَمُقْلَةٍ لِسِوَى مَرْآكِ ما طَمَحَتْ
حَاشَاكِ أَنْ تَسْمَعِي قَوْلَ الْوُشَاةِ بِنَا
فَإِنَّها رُبَّمَا غَشَّتْ إِذَا نَصَحَتْ
أَفْسَدْتُ فِي حُبِّكُمْ نَفْسِي جَوًى وَأَسًى
وَالنَّفْسُ في الحُبِّ مَهْمَا أُفْسِدَتْ صَلَحَتْ
مَا زِلْتُ أَسْحَرُها بالشِّعْرِ تَسْمَعُهُ
مِنْ ذاتِ فَهْمٍ تُجِيدُ الْقَوْلَ إِنْ شَرَحَتْ
حَتَّى إِذَا عَلِمَتْ مَا حَلَّ بِي وَرَأَتْ
سُقْمِي وَخَافَتْ عَلَى نَفْسٍ بِهَا افْتَضَحَتْ
حَنَّتْ رَثَتْ عَطَفَتْ مالَتْ صَبَتْ عَزَمَتْ
هَمَّتْ سَرَتْ وَصَلَتْ عَادَتْ دَنَتْ مَنَحَتْ
فَبِتُّ مِنْ وَصْلِهَا فِي نِعْمَة عَظُمَتْ
مَا شِئْتُ أَو جَنَّةٍ أَبْوَابُها فُتِحَتْ
أَنَالُ مِنْ ثَغْرِهَا الدُّرِّيِّ مَا سَأَلَتْ
نَفْسِي وَمِنْ خَدِّهَا الْوَرْدِيِّ مَا اقْتَرَحَتْ
فِي رَوْضَةٍ بَسَمَتْ أَزْهَارُها وَنَمَتْ
أَفْنَانُهَا وَسَجَتْ أَظْلَالُها وَضَحَتْ
تَكَلَّلَتْ بِجُمَانِ الْقَطْرِ وَاتَّزَرَتْ
بِسُنْدُسِ النَّبْتِ وَالرَّيْحَانِ وَاتَّشَحَتْ
تَرَنَّحَ الْغُضْنُ مِنْ أَشْوَاقِهِ طَرَبًا
لَمَّا رَأَى الطَّيرَ في أَوْكَارِهَا صَدَحَتْ
صَحَّ النَّسِيمُ بِها وَهْوَ الْعَلِيلُ وَقَدْ
مَالَتْ بِخَمْرِ النَّدَى أَغْصَانُها وَصَحَتْ
وَلَيلَةٍ سَالَ فِي أَعْقَابِها شَفَقٌ
كَأَنَّهَا بِحُسَامِ الْفَجْرِ قَدْ ذُبِحَتْ
طَالَتْ وَقَصَّرَها لَهْوِي بِغَانِيَةٍ
إِنْ أَعْرَضَتْ قَتَلَتْ أَو أَقْبَلَتْ فَضَحَتْ
هَيفَاءُ، إِنْ نَطَقَتْ غَنَّتْ، وَإِنْ خَطَرَتْ
رَنَّتْ، وَإِنْ فَوَّقَتْ أَلَحَاظَهَا جَرَحَتْ
دَارَتْ عَلَينَا بِها الْكَاسَاتُ مُتْرَعَةٌ
بِخَمْرَةٍ لَو بَدَتْ فِي ظُلْمَةٍ قَدَحَتْ
حَمْرَاء سَلْسَلَهَا الإِبْرِيقُ في قَدَحٍ
كَشُغْلَةٍ لَفَحَتْ فِي ثَلْجَةٍ نَصَحَتْ
رُوحٌ إِذَا سَلَكَتْ فِي هَامِد نَبَضَتْ
عُرُوقُهُ أَوْ دَنَتْ مِنْ صَخْرَةٍ رَشَحَتْ
طَارَتْ بِأَلْبَابِنَا سُكرًا، وَلا عَجَبٌ
وَهْيَ الْكُمَيْتُ إِذَا في حَلْبَةٍ جَمَحَتْ
حَتَّى بَدَا الْفَجْرُ مِنْ أَطْرَافِ ظُلْمَتِهَا
كَغُرَّةٍ فِي جَوَادٍ أَدْهَمٍ وَضَحَتْ
فَيَا لَهَا لَيلَةٌ مَا كانَ أَحْسَنَهَا
لَوْ أَنَّها لَبِثَتْ حَوْلاٍ، وَمَا بَرِحَتْ

وقال عَلَى وَزْن مُخْتَرَع: (من مجزوء المتدارك)

امْلَأِ الْقَدَحْ
واعْصِ مَنْ نَصَحْ
وَارْوِ غُلَّتِي
بِابْنِةِ الْفَرَحْ
فَالْفَتَى مَتَى
ذَاقَها انْشَرَحْ
وَهْيَ إِنْ سَرَتْ
في الْعَلِيلِ صَحْ
أَوْ صَبَابَها
باخِلٌ سَمَحْ
فَاهْجُرِ الْكَرَى
وَاغْدُ نَصْطَبِحْ
فَالدُّجَى مَضَى
وَالسَّنَا لَمَحْ
وَالْحَمَامُ فِي
أَيْكِهِ صَدَحْ
فَاتْبَعِ الْهَوَى
حَيْثُمَا سَرَحْ
وَاصْطَحِبْ بِمَنْ
يَبْعَثُ الْمَرَحْ
فِيهِ لِلْمُنَى
كُلُّ مُقْتَرَحْ
وَاحْذَرِ الَّذِي
إِنْ وَعَى سَبَحْ
كُلَّمَا رَأَى
فُرْصَةً قَدَحْ
لَيْسَ مَنْ أَسَا
مِثْلَ مَنْ جَرَحْ
أَينَ مَنْ رَأَى
فَاسِدًا صَلَحْ
كُلُّ مَنْ وَشَى
سَوْفَ يَفْتَضِحْ
فَاتْرُكِ الأَذَى
فَالأَذَى تَرَحْ
وَاسْعَ لِلْعُلَا
مَنْ سَعَى نَجَحْ
وَارْعَ مَا حَوَتْ
هَذِهِ الْمُلَحْ

وقال يَصِفُ لَيْلَةَ أُنْسٍ: (من البسيط)

وَلَيلَةٍ بِضِيَاءِ الْكَأْسِ لَامِعَةٍ
أَدْرَكْتُ بِاللَّهْوِ فِيها كُلَّ مُقْتَرَحِ
أَحْيَيْتُهَا — بَعْدَمَا نَامَ الْخَلِيُّ بِها —
بِغَادَةٍ لَوْ رَأَتْهَا الشَّمْسُ لَمْ تَلُحِ
فَلَوْ تَأَمَّلْتَنِي وَالْكَأْسُ دَائِرَةٌ
لَخِلْتَنِي مَلِكًا يَخْتَالُ مِنْ مَرَحِ
وَكَيفَ لَا تَبْلُغُ الأَفْلَاكَ مَنْزِلَتِي
وَالْبَدْرُ فِي مَجْلِسِي وَالشَّمْسُ فِي قَدَحِي

وقَالَ فِي الْغَزَلِ: (من البسيط)

وَا لَوْعَةَ الْقَلْبِ مِنْ غِزْلانِ أَخْبِيَةٍ
تَكَادُ تَشْكرُ مِنْ أَحْدَاقِهَا الرَّاحُ
مِنْ كُلِّ مَائِسَةٍ كَالْغُصْنِ قَدْ جَمَعَتْ
بَدَائِعًا، كُلُّهَا لِلْحُسْنِ أَوْضَاحُ
فَالْعَينُ نَرْجِسَةٌ، وَالشَّعْرُ سَوْسَنَةٌ
وَالنَّهْدُ رُمَّانَةٌ، وَالْخَدُّ تُفَّاحُ

وقال: (من الطويل)

أَلَا يَا حَمَامَ الأَيْكِ إِلفُكَ حَاضِرٌ
وَغُصْنُكَ مَيَّادٌ فَفِيمَ تَنُوحُ
غَدَوتَ سَلِيمًا في نَعِيمٍ وَغِبْطَةٍ
وَلَكِنَّ قَلْبِي بِالْغَرَامِ جَرِيحُ
فَإِنْ كُنْتَ لِي عَونًا عَلَى الشَّوقِ فاسْتَعِرْ
لِعَينَيكَ دَمعًا فَالْبُكَاءُ مُريحُ
وَإلا فَدَعنِي مِنْ هَدِيلِكَ وانْصَرِفْ
فَلَيْسَ سَواءً بَاذِلٌ وَشَحِيحُ

وقَالَ يصفُ سَحابةً: (من الرجز)

سَارِيَةٌ خَفَّاقَةُ الْجَنَاحِ
تُوَاصِلُ الْغُدُوَّ بِالرَّوَاحِ
تَبِيتُ فِي مَهْدٍ مِنَ الْبِطَاحِ
باكِيَةً بِمَدْمَعٍ سَفَّاحِ
ضَحَّاكَةً كَثِيرَةَ النُّوَاحِ
مَنْشُورَةً فِي الأُفْقِ كَالْوِشَاحِ
تَحْمِلُهَا كَوَاهِلُ الرَّيَاحِ

وقال: (من السريع)

يَا كَوكَبَ الصُّبْحِ! مَتَى يَنْقَضِي
عُمْرُ الدُّجَى؟ يَا كَوْكَبَ الصُّبْحِ
قَدْ سَدَّ حِصْنُ اللَّيلِ أَبْوابَهُ
فَاتْلُ عَلَيهِ سُورَةَ الْفَتحِ
إِنِّي أَرَى أَنْجُمَهُ قَدْ وَنَتْ
فَمَا لَهَا أَيْدٌ عَلَى السَّبْحِ
وَقَدْ بَدَا ذُو ذَنَبٍ طَالِعًا
كَأَنَّهُ سُنْبُلَةُ الْقَمْحِ

وقال في الرُّوحِ بَعْدَ مُفارَقَةِ الجِسْمِ: (من الوافر)

بَلَغْتِ مَدَاكِ مِنْ أَرَبٍ فَسِيحِي
فَأَنْتِ الْيَوْمَ فِي جَوٍّ فَسِيحِ
تَرَكْتِ الْجِسْمَ فَيمَا كَانَ مِنْهُ
وَغِبْتِ بِلُجَّةٍ لَوْنِ الْمَسِيحِ
فَعَادَتْ صُورَةُ الْجُثْمَانِ عُطْلا
لِفَقْدكِ مِثْلَ دِينارٍ مَسِيحِ
وَلَو يَقْوَى لَسَارَ، وَكَيفَ يَقْوَى
عَلَى هَولِ السُّرَى قَدَمُ الْكَسِيحِ
سَبَحْتِ بِغَمْرةٍ كَالشَّمْسِ نُورًا
وَعَامَ مِنَ الْخَجَالَةِ فِي مَسِيحِ
فَلَيتَكِ تَرْجِعِينَ لَنَا بِصِدْقٍ
يُبَاغِتُ كُلَّ خَتَّالٍ مَسِيحِ
بِرَبِّكِ، هَلْ وَجَدْتِ كَمَا وَجَدْنَا
خِلافًا بَيْنَ أَحْمَدَ وَالْمَسِيحِ

وقال في صباه: (من الخفيف)

هُوَ مَا قُلْتُ فَاحْذَرَنْهَا صَبَاحَا
غَارَةٌ تَمْلَأُ الْفَضَاءَ رِمَاحَا
تَتْرُكُ الْمَاءَ لا يَسُوغُ لِظَامٍ
وَتَرُدُّ الدَّمَ الْحرَامَ مُباحَا
لا تَرَى بَيْنَهَا سِوَى عَبْقَرِيٍّ
يَأْلَفُ الطَّعْنَ نَجْدَةً وَارْتِيَاحَا
لَهِجٌ بِالْحُروبِ، لا يَأْلَفْ الْخَفْضَ
ولا يَصْحَبُ الْفَتَاةَ الرَّدَاحَا
مِسْعَرٌ لِلْوَغَى، أَخُو غَدَوَاتٍ
تَجْعَلُ الأَرْضَ مَأْتمًا وصِيَاحَا
لا يُرَى عَاتِبًا عَلَى شِيَمِ الدَّهـ
ـرِ وَلا عَابِثًا، ولا مَزَّاحَا
يَفْعَلُ الْفَعْلَةَ الَّتِي تَبْهَرُ النَّاسَ
وتَرْنُو لَهَا العُيُونُ طِمَاحَا
لا كَمَنْ يَسْأَلُ الوُفُودَ عَنِ الأَنْبَاءِ
عَجْزًا وَيَرْقُبُ الأَشْبَاحَا
فَاعْتَبِرْ أَيُّهَا الْمُجَاهِرُ بِالْقَوْ
لِ وَلا تَبْعَثَنْ عَلَيْكَ نُواحَا
إِنَّ فِي بُرْدَتَيَّ هَاتَيْنِ لَيْثًا
يَقِصُ الْقِرْنَ أَوْ يَفُلُّ السِّلاحَا
سَدِكَاتٍ بِالرُّمْحِ مِنْهُ بَنانٌ
تَمْلأ الأَرْضَ وَالسَّمَاءَ جِرَاحَا
أَنَا مِنْ مَعْشَرٍ كِرامٍ عَلَى الدَّهْرِ
أَفَادُوهُ عِزَّةً وَصَلاحَا
فَرَعُوا بِالْقَنَا قِنَانَ الْمَعَالِي
وَأعَدُّوا لِبَابِهَا مِفْتَاحَا
عَمَرُوا الأَرْضَ مُدَّةً ثُمَّ زَالُوا
مِثْلَمَا زَالَتِ الْقُرونُ اجْتِيَاحَا
وَأَتَتْ بَعْدَهُمْ عَلَيَّ لَيالٍ
لا أَرَى فِي سَمَائِهَا مِصْبَاحَا
فَسَقَاهُمْ مُنَزِّلُ الْغَيثِ سَجْلًا
يَجْعَلُ النَّبْتَ لِلْعَرَاءِ وِشَاحَا

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤