موتونا وريحونا

  • في لندن: اعتقلت السلطات البريطانية ١٦٠ متظاهرًا من بين أكثر من ألفَيْ متظاهر تجمعوا أمام مقر رئيسة الحكومة البريطانية، ونظم بعضهم اعتصامًا خارج المقر.

    وقد أعلنت تاتشر أنها وضعت جميع المنشآت العسكرية والحكومية البريطانية في حالة تأهب؛ استعدادًا لأي عمليات إرهابية.

    وأكد نبيل كينوك زعيم المعارضة العمالية في مجلس العموم البريطاني إدانته لموقف حكومة تاتشر.

  • وفي روما: اتهم بنيتو كراكسي رئيسُ وزراء إيطاليا الولاياتِ المتحدةَ بعدم احترام المبادئ التي تحكم تحالفها مع أوروبا الغربية؛ وذلك بالقيام بغاراتها الجوية على ليبيا — وقال إن حكومته لم تتلقَّ أية إشارة مسبقة بخطط الهجوم.
  • وفي برلين الغربية: قامت عشرات المظاهرات أمس في أنحاء ألمانيا الغربية احتجاجًا على العدوان الأميركي، واشتبك المتظاهرون مع البوليس مما أدى لإصابة كثير منهم بجراح.

    وقد انتقدت المعارضة الديمقراطية الاشتراكية العدوان الأميركي.

  • وفي مدريد: اندلعت موجة من المظاهرات في العاصمة الإسبانية بمدينة برشلونة احتجاجًا على العدوان الأميركي، وقام نحو ألفي شخص بالتظاهر أمام السفارة الأمريكية ووضعت القوات البحرية والجوية الإسبانية في حالة تأهب تام.
  • وفي باريس: أكد رولان دوما وزير الخارجية الفرنسي السابق أن الهجوم الأميركي ضد ليبيا يهدد الأمن والاستقرار في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وأنه سيؤدي إلى تصعيد حدة التوتر والأعمال الإرهابية في العالم.
  • وفي واشنطن: أصدرت الحكومة الأمريكية أوامرها بتشديد إجراءات الأمن على رحلات الطائرات الأمريكية في المطارات الأجنبية، وصرح «برنارد كالب» المتحدث باسم الخارجية الأمريكية بأن على الأمريكيين المسافرين إلى الخارج التزام الحذر في الفترة المقبلة.

    •••

    أوروبا الغربية كلها، حليفة أمريكا، قامت للعدوان الأميركي على هذا الشعب العربي المسلم الصغير، ليس فقط من أجل أنه صغير اعتدت عليه دولة كبرى عيانًا جهارًا وفي وضح النهار وبكل ما يمكن أن يشكل إرهابًا من نوع جديد تقوم به دولة كبرى دون أن تراعي الرأي العام العالمي، أو حتى تقاليد الدول في قليل أو كثير؛ مما يشكل مرحلة جديدة في تاريخ العالم هي مرحلة القوة الأمريكية الريغانية الغاشمة، التي لا بُدَّ أن تقف الإنسانية كلها، شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا ضدها، ولكن لأن هذه الدول الأوروبية نفسها — إذا ساد هذا القانون — قد تقع ضحية لنفس ما تتعرض له ليبيا إذا هي احتدَّت في خلافها السياسي مع أمريكا أو الوقوف ضد مشاريعها العدوانية. وتعالَوْا بنا الآن نرى ردود فعل العدوان الأميركي المجرم على الشعب الليبي في عالمنا العربي.

  • في الرباط: أدانت المغرب رسميًّا العدوان الأميركي، وأعلن الملك الحسن الثاني في برقية بعث بها للعقيد الليبي معمر القذافي عن مساندة المغرب وتضامنه مع الشعب الليبي.
  • وفي عَمَّان: عززت سلطان الأردن قوات البوليس الخاصة بمكافحة الشغب بقوات من الجيش لحماية المصالح والمنشآت الأمريكية والبريطانية.
  • وفي أبو ظبي: أعلنت دولة الإمارات العربية عن إلغاء اجتماع وزاري مشترك كان مُقرَّرًا عقده اليوم مع بريطانيا لتنمية وتطوير العلاقات بين الدولتين؛ وذلك احتجاجًا على موافقة بريطانيا على استخدام واشنطن لقواعده لضرب ليبيا.
  • وفي تونس: أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية إدانتها الكاملة للعدوان الأميركي، ووقوفها إلى جانب الشعب الليبي، كما أعربت عن اندهاشها لموقف بريطانيا من الحادث.
  • وفي الكويت: أعلن الشيخ صباح الأحمد وزير الخارجية تأييد الكويت لعقد قمة عربية لبحث الغارة.
  • وفي الظهران: عقد مجلس الوزراء السعودي اجتماعًا طارئًا برياسة جلالة الملك فهد ملك السعودية لبحث آخر تطورات الغارة الأمريكية على ليبيا. وكانت السعودية قد أدانت العدوان الأميركي على الشعب الليبي، وأعربت عن أسفها لهذه الأساليب التي تتعارض مع كافة الاتفاقات الدولية.
  • وفي الخرطوم: ذكرت وكالة الأنباء السودانية أن السودان قد قررت استدعاء صلاح أحمد محمد صلاح سفيرها في واشنطن للتشاور عقب الغارة الأمريكية على ليبيا، وأضافت أن حوالي عشرة آلاف من المتظاهرين قاموا صباح أمس بتسليم مذكرة إلى الحكومة يطالبونها بقطع العلاقات الدبلوماسية مع أمريكا.
  • وأخيرًا في القاهرة: عرضت الحكومة المصرية على السلطات الليبية مساعدات طبية لعلاج الجرحى بعد أن كان قد صرح وزير الإعلام عقب اجتماع مجلس الوزراء باستنكار الحكومة المصرية للغارة على الشعب الليبي الشقيق.

    شجب، استنكار، بحث، استنفار القوات لحماية السفارات الأمريكية والبريطانية، اقتراح لعقد مؤتمر قمة «لبحث» الوضع.

وكأن ما حدث كان مفاجأة هبطت على العالم العربي كما يحدث الرعد فجأة، وكأن أمريكا لم تضرب منشآت خليج سرت منذ أيام، وتحدثت منذ ذلك التاريخ عن أنها لن تكفَّ عن غاراتها على ليبيا. وكأن العالم كله، بما فيه المواطنون العاديون في العالم العربي، لم يكونوا يتحدثون عن الوضع وعما يمكن عمله.

أمَّا المضحك حقًّا فإنه في وسط هذه المعمعة التي يتعرض لها الشعب الليبي أن يُقيم مجلس الشعب المصري محاكمة جنائية صارخة لإبراهيم شكري رئيس حزب العمل؛ لأنه في وسط المعمعة قام بزيارة ليبيا ومقابلة القذافي؛ لإبلاغه وقوف جماهير حزب العمل الاشتراكي مع الشعب الليبي في معركته ضد الإمبريالية العالمية المجرمة.

أعتقد أنه من استعراضنا لتلك البرقيات التي أوردتْها وكالات الأنباء العالمية ونشرتْها صحف العالم بما فيها الصحف العربية، نستطيع أن ندرك — بلا أي إعمال للذكاء — أننا من جَرَّاء حكامنا والطريقة التي نحكم بها في قضية كبرى لا يعلم مداها سوى الله.

لا هم ينسقون عسكريًّا فيما بينهم، ولو حتى لاستعراض القوة، ولا هم يتركون شعوبهم لتقوم بواجب المؤازرة وتخويف هذا الغول الأحمق المدعو أمريكا.

ولا هم يتحسبون لكل أمر حسابه قبل أن يقع؛ فيتباحثون قبل أن يقع، ويقلبون الأمر على وجوهه قبل أن يقع، ويتخذون القرارات وبدائل القرارات، قبل أن يقع، ولكنهم ينتظرون إلى أن يقع ما يقع، ليوقعونا نحن في حيرة، ماذا نستطيع أو يستطيعون أن يفعلوا تجاه هذا الأمر «المفاجئ» الذي لم يكن في حسبانهم، على أنه كان في حسبان العالم أجمع.

•••

إن الهجوم الأميركي على ليبيا، والهجوم الأميركي على الطائرة المصرية، والهجوم الأميركي الإسرائيلي على لبنان، والهجوم الإيراني على العراق، وهجوم بعض الفلسطينيين على منظمة التحرير، وهجوم سورية عليها وعلى لبنان، وهجوم جنوب السودان على شمال السودان، وهجوم الحبشة على إريتريا، وهجوم اليمن على اليمن؛ كل تلك أعمال عنف؛ بمعنى أن باستطاعة كل دولة عربية، أو كل قبيلة أو طائفة، أن تستعمل الأسلحة وتجيِّش الجيوش وتهاجم، ولكن تهاجم من؟ تلك هي المشكلة، إنها بارعة شديدة البراعة والكفاءة في الهجوم على جارتها العربية، أو طائفتها المشاركة لها في نفس الوطن، أمَّا الهجوم على العدو الحقيقي إسرائيل وإسرائيل الكبرى (أمريكا) فهو أمر غير وارد، وحتى إذا حدث الهجوم منها فالتصدي له غير وارد أيضًا إلا بالشجب والدراسة، ورفع سارية اجتماع القمة الذي لا يجتمع أبدًا. باختصار، التصدي له يكون تصدي المهزوم المسحوق، الخائف المرتعش، بينما الاستشهاد والعنترة لا تكون إلا ضد العرب المساكين من أمثالهم ومِن بَنِي جِلْدتهم.

بصراحة أكتب هذه الكلمات وأنا في حالة غثيان بالغ؛ فمنذ وعيي بعروبتي وأنا أعتز بها وأشمخ، وأدافع حتى عن بعض أخطائها. ومنذ وعيي بعروبتي وأنا أحلم لها ولها أكتب، وقريحتي تعمل من أجلها، وطموحي هو جزء لا يتجزأ من طموحها، انتصاراتها انتصاراتي وهزائمها هي أمراضي ونكساتي. وقد كنتُ، وأنا أرى الأحوال تتدهور والأمة بشعوبها وحكوماتها المختلفة تنحدر إلى أسفل وأسفل، أطمئن النفس وأقول إن هي إلا سحابة صيف ستمر، إن هي إلا عثرة الشاطر، سيقوم بعدها وتنتصب قامته.

ولكن العكس كان يحدث تمامًا؛ فسحابة الصيف تتغامق حتى تسوِّد السماء، والعثرة تتحول إلى سقطة في حاجة إلى كل روافع العالم لانتشالنا منها.

وما حزني فقط على ما جرى ويجري لشعب ليبيا؛ فتاريخ الأمة العربية الحديث منذ الخمسينيات إلى الآن حافل بالعدوان تلو العدوان، والحرب تلو الحرب، وسقوط مئات الآلاف من الشهداء وتخريب المدن والمصانع والمدارس والمستشفيات، وما حدث ويحدث وسوف يحدث لليبيا إنما هو إضافة لقائمة طويلة من المآسي والنكبات أُصيبت بها الأمة ولا تزال.

كل ما في الأمر أن الشعوب لا تسكت على هزائمها أبدًا؛ فبعد هزيمة ٦٧ بدأت مصر وسورية في الاستعداد لرد العدوان في حرب ٧٣، ولبنان لم يسكت على الاحتلال الأميركي واجتثه اجتثاثًا ولا يزال في حرب طاحنة مع إسرائيل، لولا الطائفية البغيضة التي تفت في عضده وتشل معظم قواه وعضلاته. والغريب أني لا زلت لم أفقد الأمل، لا زلت أعتقد أننا نستطيع أن نحزم أمورنا، ونجمع شملنا، ونقف في شجاعة الرجال نصون أرضنا وعرضنا وعروبتنا وإسلامنا.

فهل هو مجرد حلم آخر من أحلام اليقظة؟

اللهم إن كان الأمر كذلك فإني سأفعل كما فعل الشاعر إسماعيل الحبروك، حين قال أيام الاحتلال البريطاني:

سأنام حتى لا أرى
بلدي تُباع وتُشترى

أو كما قال الشاعر الشعبي مأمون الشناوي:

«يا تبلشفونا، يا ترسملونا، يا تموِّتونا وتريحونا.
ملعون أبوكم على أبونا.»

وآسف للغة الشوارع التي أنهيت بها القصيدة؛ فلم يعد أمامنا سوى استعمال أبشع الكلمات للتعبير عن أبشع الأوضاع التي صارت إليها أمتنا بفضل سياسة حكامها الأماجد والأشاوس.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤