الفصل السادس والعشرون

رأي في البرطيل

– والله يا شيخ صرفت أكتر من ٧٥ ليرة إنكليز، وياريت خلصنا منها بعد. عمرك سمعت ولا شفت في الدنيا أنه منشان توتة أتخصَّر أنا وحدي — بقطع النظر عن خسارة بو موسى — عشرة آلاف قرش؟ وكمان الدعوى بعدها معلَّقة بالحكومة، والله بيعرف قدِّيش بعد بيلحقها من المصاريف والمشاوير، واللي كان يشيل ديني المشاوير أكتر من الكل. أنا ما شفت متل هالنظام يا شيخ! منشان دعوى صغيرة ياخدونا عالمركز وعابتدِّين، وبيكون الواحد ساكن بآخر ما عمَّر الله. بدِّي أعرف ليش عاملين مديريات طالما ما بيقدروا ينهوا الدعاوي اللي ما بتزيد عن تلات مية قرش؟ عاملينها بس منشان كتر المصاريف عالخزينة.

– تقبر هاك المصاريف يا فنيانوس! ماهية المدير تلات مية قرش بالشهر، ونحن الواحد منا بيحط عا قعدته خمسين ألف ريش ومية ألف ريش كأنه ما حط شي. شو بتقول لي مصاريف؟ هو ليش بتكتر الرشوة والبرطيل؟ لأن الماهيَّات ما بتكفي؛ لذلك الرشوة موجودة بكترة، حتى إنك بتجد كل الوظايف في بلادنا بتنالها الناس بالبرطيل، وهذا هو المرض الوحيد اللي بيقوِّض أركان الممالك ويثل العروش ويخرب البيوت وبيحرق ديبها. ومِتل ما قلت أنت إن البرطيل ماشي من العسكر لأكبرها متوظِّف، يعني ددِّي أخدها من جدي، ومهما كان الواحد عظيم وشايف نفسه وما بيتحاكى إلَّا بعرض حال، بتلاقيه ذليل عند قضاء مصلحته، فخفخة بالخارج وذل بالداخل، وعلى هالطريقة ماشية الأمور في بلادنا، والله أعلم بعاقبة الأمور. ولكن ما بتخلى الدنيا من الصلاح، عندك كتيرين في بلادنا عفاف النفوس، رجال من صحيح، ولكن أيديهم مغلولة. الخلاصة، شو عُدت عملت بعمار البيت؟

– شو بدِّي أعمل؟ تقبر اللي هو لهن! تركته من غير سقف ومن غير قن ومن غير يوك، وأنا بقيت من غير زاجة وحطَّيت كل مصريَّاتي اللي طلع مسِّيني وأنا جمِّعهن، ومتل مانَّك شايف هلَّق رجعت إيد لخلف وإيد لقدَّام.

– أنا ما قلت لك يا مقصوف العمر لا تروح! لا تروح، بتندم؟ ما كنت تسمع مني. أنا بعرف حالة بلادنا، وبعرف إن الواحد منا ما بقى يقدر يسكن هونيك، تعوَّدنا عا حركة الشغل والحرية، مستحيل الواحد يقدر يعيش بعد هونيك إلَّا إذا تغيَّرت الأحوال.

– إي والله يا خَيِّي ابو الاجران، لو كنت سمعت منك ما كان صار لي كل هالمصايب. نصيبنا هيك. فهدا اللي جرى لي، وهَي حكايتي حكيتها وبعُبَّك حطيتها. هلَّق جا دورك، بدَّك تخبِّرني شو صار بغيبتي في البرازيل حرف بحرف.

– شو بدِّي خبِّرك؟ البنانا رخصت كتير وصارت كل عشرة بقرش، والبتنجان كتِر، والبرغل متلِّي الدنيا. والسلام عليك.

– هَد اللي عمَّال أسألك عنُّه؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤