فرس النهر
كان فرس النهر من الحيوانات التي كان المصري القديم يعتمد على صيدها
١ ⋆
بكثرة منذ العصر الحجري الحديث — مرمدة بني سلامة — وفي عصرِ ما قبل وبداية الأسرات.
٢ ولوحظ انتشارُ بقايا فرس النهر في النصف الشمالي من مصر أكثرَ من نصفها
الجنوبي، نظرًا لكثرة وجود مناطق المستنقعات بالدلتا عن مصر العليا، وبالرغم من ذلك
فقد عُثر في بعض مناطق مصر العليا على بعض الهياكل العظمية لبعض الحيوانات، وكان
فرس النهر من بينها، ومن ثَم فليس من المستبعَد أن يكون هذا الحيوان قد انتشر في
مصر كلها، ثم اقتصر على منطقة الدلتا بسبب تغيُّر المناخ من ناحية، ومطاردة السكان
له في الجنوب من ناحية أخرى.
٣
ففي مرمدة ببني سلامة تكرَّر العثور على عظام فرس النهر
٤ ⋆
وفي جبَّانة البداري، عُثر في المقبرة رقم ٥٧١٩ على دفنة كانت تغلِّفها الحيرة؛ إذ
عُثر على طفل، وكان معه أجزاءٌ من عظام فرس النهر وقد زُوِّدت الدفنة ببعض المتاع الجنائزي.
٥
⋆
وتكرَّر العثورُ على أجزاءٍ عظمية لفرس النهر في مختلف الجبَّانات المصرية إلا
أنها لم تُصنَّف على أنها دفنات حيوانية، الشكل رقم
٧-٦٧. هذا،
ومن المعروف أنَّ لفرس النهر دلالته الرمزية والدينية في العصور التاريخية بمصر القديمة؛
٦ ⋆
إذ كانت أنثى فرس النهر من أهم رموز الأمومة والخصوبة والحماية،
٧ بينما كان ذكر فرس النهر قد جسَّد القوة الفائقة، والصور المخيفة التي
ترمز للشر، وكان ارتباطه بست قد ظهر منذ عصورِ ما قبل التاريخ، واعتُبر رمزًا من
رموز الشر.
٨
التماسيح
عاشت التماسيح على ضفاف نهر النيل في مصر القديمة بأعدادٍ كبيرة منذ عصورِ ما قبل
التاريخ، وكانت من الحيوانات التي قدَّسها المصري القديم برغم بغضه لها، وذلك بدافع
الخوف منها؛ إذ كانت في مواسم الجفاف على وجه الخصوص تجوب الأراضي الزراعية لتهاجم
وتفترس حتى تُشبِع جوعها.
٩
ومن ثَم فقد نظر المصري القديم إلى التمساح منذ عصوره المبكِّرة، على أنه تجسيدٌ
لقوى الشر المبيدة، التي تعبِّر عن نفسِها من خلال تدمير الحياة البشرية والحيوانية.
١٠ وقد رمز التمساح كحيوان مقدَّس في العصور التاريخية للإله سوبك، أحدِ
الإلهة المرتبطة بالعقيدة الشمسية منذ عصرِ ما قبل وبداية الأسرات.
١١ وربما تأكَّد ذلك من خلالِ ما عُثر عليه من دفنات للتمساح تُؤرَّخ بعصر
نقادة الثانية والثالثة في هيراكونبوليس، الشكل رقم
٧-٧١؛ إذ
عُثر في الجبَّانة
HK6 على قدْرٍ غير عادي من
البقايا العظمية لتماسيحَ كبيرة ضمن ما عُثر عليه من دفنات حيوانية أخرى حول
المقبرة الصخرية التي عُثر عليها في الجزء الغربي منها، مما دعا
Hoffman أن يطلق على هذا الجزء من الجبَّانة،
مصطلح «الحدود الحيوانية» أو «التخوم الحيوانية» بالجبَّانة.
١٢
وعُثر على أجزاءٍ من التماسيح في العديد من الجبَّانات المصرية القديمة — التي لم
تُصنَّف على أنها دفنات حيوانية — ففي النوبة عُثر في الجبَّانة رقم ٧٩ بجرف حسين،
على جمجمة تمساح، وذلك في المقبرة رقم ٨٧، جاءت الجمجمة من فرط الاعتناء بها أشبهَ
بالعمل الفني.
١٣
وكان للتماسيح شهرتها وقدسيتها حتى نهاية العصور التاريخية؛ إذ عُثر لها على
العديد من المومياوات في مختلف الجبَّانات.
١٤
أسباب تقديس التماسيح
كان المصري القديم يُقدِّس القوةَ بوجه عام — وذلك قبل عبادة الآلهة — ثم تلا
ذلك أنْ عبدَ الإنسان ما مثَّل هذه القوة، لا سيما من حيوانات البيئة، ولم يعبد
الحيوان لذاته، وإنما لروحٍ سامية تكمُن فيه.
١٥ ولقد جاءت إشاراتُ تقديس التمساح منذ عصرِ ما قبل وبداية الأسرات،
متمثِّلة فيما عُثر عليه من نقوش ربطته بمعبودات عدة؛
١٦ فقدَّس التمساح رهبةً منه، ورغبةً في اتقاء شرِّه، وجعل له رمزًا
قدسيًّا مرتبطًا بأحد الآلهة، ألا وهو كما ذكر آنفًا «سوبك» الإله التمساح،
الذي تقرَّبوا إليه بالقربان، وأقاموا له المعابد — في العصور التاريخية —
تكريمًا له، وكانوا يعتقدون أنَّ التمساح يستطيع بقوَّته أن يطرد عنهم الأرواح الشريرة،
١٧
⋆ وفي نفس الوقت ارتبط التمساح
بالإله ست، ولربما كان الربط ما بين ست والتمساح راجعًا إلى أنَّ التماسيح لها
طبيعةٌ مزدوجة؛ فهي حيواناتٌ برمائية، تحيا على الأرض، وبالماء. وفي ذلك إشارةٌ
ضمنية إلى أنَّ الشرَّ يوجد في شطري العالم؛ الأرضِ والماءِ، وهو يرمز من ناحية
أخرى للطبيعة الإنسانية المزدوجة، حيث خُلق الإله الأول من الماء، ثم خَلق من
نفسه الآلهةَ والناس أجمعين، وهذه نظرية فلسفية يحاول بها
Cooper تفسيرَ أسباب تقديس التمساح.
١٨
هذا بخلاف ارتباطه بالشمس؛ إذ يأخذ إله الشمس شكلَ التمساح في الساعة الأولى
من الصباح بعد ولادته من العالم الآخر وصعوده إلى الأفق الشرقي، وذلك تبيَّن من
خلال تفسير العلاقة التي تربط إله الشمس بالتمساح في بعض فقرات نصوص الأهرام
والتي يتضح فيها كيف أنَّ ولادةَ إله الشمس من المياه الأزلية تكون في صورة التمساح،
١٩ ولقد اعتُبر التمساح أيضًا أحدَ رموز الحماية في العالم الآخر؛ فهو
يقوم بحماية جثة إله الشمس بل وحماية الآلهة الأخرى.
فالتمساح من الحيوانات التي رأى
المصريون القدماء فيها جانبَ خير وجانبَ شر، فوجودها بكثرة في النيل، وقد حمى
البلاد من أي اعتداءات عن طريق النهر (جانب الخير)، أما جانب الشر فهو من
الحيوانات المفترسة التي تقضي على مَن يقترب منها وتفترسه.
القطط
كانت أرض مصر هي المقرَّ الأصليَّ للقطط
felis
Libica، ولقد عُرف في مصر نوعان من القطط؛ نوعٌ من السلالة
الأليفة قريبة الشبه من القطط الحالية، ونوعٌ من السلالة المتوحشة التي كان منها
قطُّ المستنقعات الذي يتميز بكبر حجمه.
٢٠
ولقد عُثر على بقايا عظمية للقطط منذ العصر الحجري الحديث في كلٍّ من مرمدة بني
سلامة بالدلتا، ومنطقة النبتة بالصحراء الغربية، وكذلك بواحة الداخلة، فكان لها
انتشارها في مصر، بل وثبَت استئناسها أيضًا منذ عصورِ ما قبل التاريخ، واعتُبِرت
القطط من الحيوانات المقدَّسة في مصر القديمة؛ إذ عُثر لها على العديد من الدفنات.
٢١
وأمَّا دفنات القطط التي عُثر عليها، والتي يُؤرَّخ أقدمها بعصرِ ما قبل الأسرات،
فكانت قد جاءت في المستجدة؛ إذ عُثر في جبَّانة المستجدة على دفنةٍ لقطٍّ، جاء
هيكله العظمي كاملًا، ولم يوضَّح بعدُ ما إذا كان قد احتُفظ باتجاه معيَّن في الدفن
أم لا، وكذلك لم يوضَّح بعدُ ما إذا كان قد زُوِّد بأيٍّ من المتاع الجنائزي أم لا.
هذا، وتُؤرَّخ هذه الدفنة بحوالي ٤٠٠٠ق.م.، وفي نفس الجبَّانة عُثر على دفنةٍ أخرى
ولكنها لم تكن فقط لقطٍّ، وإنما كانت دفنة حيوانية مزدوجة لقطٍّ وغزال،
كان قد عُثر عليهما عند قدمي المتوفَّى، ولربما
كانت تلك الدفنة تعبِّر عن كونها دفنةً خاصة بحيوانات مفضلة لدى أصحابها، ولذا جاءت
بنفس الدفنة الآدمية.
٢٢
وفي البداري، عُثر على دفناتٍ لكثير من القطط الصغيرة، التي كانت قد أُلحِقت
بمقابرَ آدمية، تُؤرَّخ بعصرِ ما قبل الأسرات.
٢٣
وفي أبيدوس، عُثر على هيكل عظمي كامل لقطٍّ، لا ندري إن كان بريًّا أم مستأنسًا،
وذلك في دفنةٍ تُؤرَّخ بالألف الثالث ق.م.، بينما عُثر على فكِّ قطٍّ آخرَ في دفنة
أخرى بالجبَّانة تُؤرَّخ بعصرِ ما قبل الأسرات.
٢٤
وفي هيراكونبوليس، عُثر في الجبَّانة
HK6 على
دفنةٍ لقطٍّ صغير، وذلك في المقبرة رقم ١٢، جاء هيكله العظمي كاملًا، ويُرجَّح أن
يكون هذا القط من أصولٍ مستأنسة، الشكل رقم
٧-٦٨ -
٧-٦٩.
وكان لوجود هذا القطِّ في تلك الدفنة أهميته الكبرى، لكونه دليلًا مؤكَّدًا على
معرفة استئناس القطط في مصر القديمة.
٢٥ ولا شكَّ أنَّ إمكانية استئناس القط في ذلك التوقيت، يتوقَّف على مدى
سهولة التمكُّن من السيطرة عليه، وعلى مدى الارتباط به.
٢٦
الغرض من دفنات القطط
لقد وضَح الدور العقائدي للقطِّ أشدَّ الوضوح في العصور التاريخية القديمة؛
إذ عُثر في سقارة على مئاتٍ من مومياوات القطط في سراديبَ شاسعة، كانت قد
قُدِّمت كنذورٍ للإله من قِبل الحجاج القادمين إلى حرم المعابد المقدَّسة بشمال سقارة.
٢٧ بينما عُثر على الآلاف من
التماثيل النذرية — البرونزية والخشبية — وعلى الكثير من البقايا العظمية
والمومياوات الخاصة بالقطط، وذلك في الجبَّانة التي عُثر عليها في تل بسطة،
والتي جاءت على بُعد حوالي ٥٠٠م شمال معبد الإلهة باستت، وبالكشف عن هذه
المومياوات وجد أنها ترجع إلى عصورٍ مختلفة كان أقدمها يرجع إلى العصر المبكر.
٢٨
الأسد
عاشت الأسود
Panthera Leo في مصر في عصورِ ما قبل
التاريخ بأعدادٍ كبيرة، ثم انحصر تواجدها في تخوم الصحراء والوديان في العصور التاريخية.
٢٩ ولقد قُدِّست الأسود في مصر القديمة بدءًا من عصورِ ما قبل التاريخ،
حيث كان الأسد يرمز للقوة، التي هي رمزٌ للملك، وفي نفس الوقت كان الأسد رمزًا من
رموز الشمس، وكان له علاقة بالإله رع.
٣٠ وبمعبوداتٍ عدة مثل سخمت ومحيت.
٣١
وعن البقايا العظمية التي عُثر عليها للأسد، فيؤكِّد كلٌّ من
Driesch
و
Boessneck أنهما كانا قد عثرا على بقايا عظمية
له، كان من بينها اثنتان من العظام المحترقة، في مرمدة بني سلامة.
٣٢
هذا، ولقد عُثر على بقايا دفنات للأسود تُؤرَّخ بعصرِ ما قبل وبداية الأسرات؛ ففي
الجبَّانة الملَكية
B16 الخاصة بملوك الأسرة الأولى
بأم الجعاب — أبيدوس — عُثر على دفنةٍ لما لا يقل عن سبعة من الأسود الصغيرة، وذلك
بالقرب من النهاية الشرقية لمقبرة فرعية ذات مقصورة مزدوجة، كانت جزءًا من المجموعة
الجنائزية الكاملة للملك عحا — الأسرة الأولى – وكانت الأسود في مرحلة عمرية صغيرة،
عدا واحد فقط، كان قد وصل إلى مرحلة البلوغ. ولم تُشِر بقاياها العظمية إلى
تعرُّضها للأسرِ قبل موتها.
٣٣ فلربما ماتت بسبب صِغَر سنِّها وعدم تحمُّلها لظروف الطبيعة؛ إذ لم
يتضح بالدراسة وجودُ آثارِ قتلٍ على جثثها، ولا دليل يؤكِّد أسْرها.
ولا شكَّ أنَّ دفنهم هنا يدُل على نوعٍ من العقيدة المرتبطة بهم، وعلى نوعٍ من
القدسية، لا سيما وأنَّ الأسود كانت رمزًا للقوة والبطش والشراسة والنُّبل، وأيضًا
رمزًا للشرِّ فيما بعدُ باعتبارها أقوى الحيوانات البرية.
٣٤
فكانت الأسود بذلك ترمز إلى قوة الحكم، وإلى قوة وسيطرة الملِك، وكثيرًا ما
تأكَّد ذلك في أعمال الفن المختلفة منذ العصر المبكِّر، واستمر تقديس الأسد طوال
مراحل العصور التاريخية، وانتشرت أماكنُ عبادته في مصر؛
٣٥ إذ عُثر في سقارة على مومياوات لأسودٍ بالجبَّانة الحيوانية المقدَّسة
بها، مما يؤكَّد على ذلك التقديس المرتبط بها.
٣٦
ومن نفس الفصيلة عُثر على دفنةٍ للنمر الأرقط
Leopard بالمقبرة رقم ٥٠ بجبَّانة هيراكونبوليس
HK6 الشكل رقم
٧-٧٠، وكانت
من أغرب الدفنات المكتشفة حديثًا.
الخنزير
عُرف الخنزير في مصر منذ العصر الحجري الحديث؛ إذ كان هدفًا للصيد آنذاك، كما أنه
كان أول الحيوانات التي تم رعيها، وثبَت
استئناسها منذ مرحلةٍ مبكرة تُقدَّر بحوالي ٣٥٠٠ق.م.، وقد انحدر من فصيلة الخنزير
البري الذي كان يسكن الدلتا وأراضي المستنقعات وأحراش الفيوم، وبالفعل عُثر على
بقاياه العظمية بكثرة في مرمدة بني سلامة، والفيوم، والمعادي.
٣٧
وكثيرًا ما عُثر على أجزاءٍ عظمية من الخنزير في المقابر المصرية؛ إذ كان للخنزير
أهميته الجنائزية منذ العصر الحجري الحديث،
٣٨ ففي مرمدة بني سلامة عُثر على ناب خنزير بري في إحدى الدفنات الآدمية.
٣٩ ⋆
ربما كان له دورٌ طقسي أو سحري معيَّن.
وبوجه عام … يُعَد الخنزير من الحيوانات التي وُجِدت لها دفنات قليلة؛ ففي
هليوبوليس عُثر على دفنةٍ حيوانية لخنزير ضمن ثلاث من الدفنات الحيوانية الأخرى
«غزال – كلب – خنزير»، جاءت الدفنات الثلاث على غِرار الدفنات البشرية بالجبَّانة.
٤٠ بينما في وادي دجلة عُثر على دفناتٍ منفصلة لخنازير كان لها ارتباطاتها
الجنائزية بالموقع؛ ففي المقبرة رقم
WD53 عُثر على
دفنة لخنزير بري حديث الولادة، أُلحِق بدفنة آدمية لرجل، هذا بخلاف دفنة حيوانية
أخرى عُثر عليها في الجزء الغربي من الجبَّانة، التي ربما كانت لخنزير.
٤١
وطبقًا لأعمال الكشف الأثري التي تمَّت عام ١٩٦٤م في المنطقة المحيطة بحلوان،
ثبَت وجود العديد من دفنات الخنازير، جاءت مدفونة بأعداد كبيرة في جبَّانات خاصة
بها.
ومن المعروف أنَّ الخنزير كان مقدَّسًا «كإله للشر» في المواقع المحيطة بحلوان،
التي تُؤرَّخ بعصر الأسرة الأولى، وإن كنا لم نعثر على دليل يؤكِّد ذلك التفسير،
وما إذا كان ينطبق بالفعل على طبيعة تلك الدفنات، أم لا … فمن غير الواضح بعدُ ما
إذا كان الغرض من تلك الدفنات هو غرضًا دينيًّا متعلقًا بهذا الحيوان لدى أهل
حلوان، أم إنه كان هناك غرضٌ آخر لم يتحدَّد بعدُ.
٤٢
ولم يتوقَّف العثور على دفنات الخنزير في شمال مصر، إنما عُثر على دفناتٍ له
أيضًا في الجنوب، وكانت بنفس الندرة؛ ففي العضايمة عُثر على دفنةٍ لخنزير، وذلك
بحفرة بالطبقة الأصلية — الأولى — على بُعد قليل من الموقع السكني، ولربما يشير
العثور على تلك الدفنة إلى ارتباطاتٍ دينية للخنزير في هذا الموقع،
٤٣ ولربما كان حيوانًا نجسًا في ذهن المصري القديم، لصلته بإله الشر «ست»
الذي تقمص في هيئة خنزير بري أسود مخيف، وأصاب الإلهَ حورس في عينه وأصبح مجرمًا في
حق الآلهة وفي حق حورس،
٤٤ ويُرجَّح
Hecker أن تكون أقدمُ دفنات
الخنازير قد جاءت في جبَّانة العمرة (جنوب شرق أبيدوس)؛ إذ عُثر في إحدى مقابر هذا
الموقع على تمثال صغير لخنزير مع أربعة تماثيل صغيرة لأبقار.
٤٥
ويؤكِّد
Newberry على ارتباط الخنزير بالإله ست،
باعتباره رمزًا حيوانيًّا لهذا الإله الذي اختلفت حوله الآراء باعتباره من الهيئات
الإلهية أو المخلوقات ذات الدلالات المتعدِّدة.
٤٦
الجَمل
يُعد الجمل من الحيوانات التي لم يُعثر لها على دفناتٍ إلا في القليل النادر، وإن
ثبت وجوده في مصر منذ العصر الحجري الحديث،
٤٧ ⋆
وكان الجمل من الحيوانات ذات القدرة على اجتياز الصحراوات، ولا بد وأنَّ المصري
القديم كان قد لاحظه وأُعجب بقدرته على ذلك، فهو وسيلةُ انتقال قوية مثابرة، رغِب
المصري القديم في أن يكون معه، ويصحبه في العالم الآخر.
٤٨ ⋆
هذا، ويعتقد كلٌّ من
Chlide
و
Emer أنه ربما كان الجمل من بين الحيوانات
التي استُؤنست في مصر خلال عصر الأسرتين الأولى والثانية.
٤٩
وتأكَّد ذلك من خلال العثور على بقايا عظمية لجملٍ في المقبرة رقم
720 Hs بحلوان، التي تُؤرَّخ بعصر (قبيل وبداية
الأسرات)؛ إذ عُثر على بقايا عظمية لعنق وضلوع حيوانية بدراستها تبيَّن أنها لجمل،
وكانت هذه هي المرة الأولى التي يُعثر فيها على دفنةٍ لجمل، وإن كان هذا لا ينفي
معرفةَ الجمل قبل تلك الفترة كما ذكر.
٥٠
وقد يكون العثور على تلك الدفنة، ما يؤكِّد التفسيرَ السابق بشأن الرغبة في أن
يكون الجمل بالمقبرة كوسيلة انتقال ينتفع بها صاحب المقبرة في العالم الآخر.
٥١
الأرنب
عُرف الأرنب
Lepus aegyptus في مصر القديمة منذ
أقدمِ العصور؛ إذ عُثر على بقاياه العظمية على طول وادي النيل وحدوده منذ نهاية عصر البلايستوسين.
٥٢
ولقد عُثر على بقايا دفنة نادرة لأرنب كانت جمجمته مفقودة، وذلك في المقبرة رقم
٧٥٩٧ بجبَّانة نجع الدير، كان الأرنب قد أُلحق بدفنة آدمية بالمقبرة.
٥٣ ولم يتم وضْع تفسير لتلك الدفنة، ولا لغرضٍ من وراء دفن هذا الحيوان،
وإن كان من المرجَّح اعتباره قربانًا حيوانيًّا للمتوفَّى.
هذا، وقد اعتُبر الأرنب في مصر القديمة رمزًا لإله العالم السفلي،
٥٤ فلقد كان من صفات الأرنب أنه يحفر جحورًا طويلة عميقة يختبئ ويلد وينام
فيها، ولعل سكناه في الجحور كانت تذكِّر المصري القديم بالعالم السفلي الذي كان
يعتقد أنه طريق الجنة ومقر أوزيريس إله الموتى،
٥٥ وربما قدَّسه المصري القديم لِما له من قدرة إنجابية وتناسلية.
وقد ورد عن العديد من الكتَّاب الكلاسيكيين وجودُ عبادة للأرنب في مصر القديمة،
حيث لاحظ المصريون سرعةَ هذا الحيوان، ويقظته في توقُّع الخطر، ولأنه ينام وعيناه
مفتوحتان، لفت انتباه المصري القديم، ولهذا كان يُعبِّر الأرنب في الهيروغليفية عن
كلمة «يفتح» أو عن «الفتح» وحمَل لقب
Wnw بمعنى
القافز، المساوي للأرنب الذي يقفز في الصباح مع طلوع الشمس.
٥٦
الأسماك
لعِبت الأسماك في الحضارة المصرية القديمة أدوارًا متفاوتة، تتسم بالوضوح
أحيانًا، وبالغموض أحيانًا أخرى، وكثيرًا ما عُثر على بقاياها ليس فقط في المواقع
السكنية وإنما أيضًا ضمن المتاع الجنائزي في المقابر الآدمية، وكانت الأسماك
تُعَدُّ غذاءً رئيسيًّا للمصري القديم، لا سيما للطبقات العامة والبسيطة من المجتمع.
٥٧ ويرى
Dunnigan بشأن الأسماك أنها كانت
مصدرًا للطعام، وبالتالي رمزًا للحياة، وفي تقديمها للمتوفَّى استمرار وضمان للحياة
في العالم الآخر، لا سيما لسلوكها المتَّبع عندما تضع صغارها في فمها عند الشعور
بالخطر، وإخراجها لهم بانتهاء أو زوال الخطر، فهي رمزٌ للبعث، ومن ثمَّ ربطت ما بين
الموت والحياة واستمرارية البقاء.
٥٨
ولقد عرف المصري القديم تقديسَ
٥٩ ⋆
الأسماكِ منذ عصورِ ما قبل التاريخ؛ حيث عُثر على بقاياها في العديد من دفنات
هليوبوليس، التي تُؤرَّخ بعصر نقادة
II.
٦٠
⋆
السلاحف
هي من الحيوانات التي عاشت على شواطئ النيل منذ آلاف السنين، ولم تكن تؤكل في
مصر، ولقد ثبَت وجودها في مصر منذ العصر الحجري الحديث؛ ففي الموقع رقم
E29GA بالفيوم عُثر على واحدةٍ من السلاحف.
٦١ بينما عُثر لها على دفنات نادرة؛ ففي المقبرة رقم
264H2 بحلوان عُثر على دفنة لسلحفاة برية كانت
بحالة سيئة من الحفظ، ولم تتبيَّن حالة الحيوان إلا من خلال الصدف الذي كان يغطي
الظهر، فجاءت الدفنة أشبهَ بالعمل الفني أكثرَ من كونها دفنة حيوانية كاملة،
٦٢ وعُثر على دفنةٍ أخرى لسلحفاة في مقبرة تُؤرَّخ بعصر الأسرة الثانية
بتل بسطة.
٦٣ بينما عُثر في جبَّانة نجع الدير على عظامٍ لسلحفاة كانت قد أُلحِقت
بالمصطبة رقم ٥١٨، وهي مصطبة خاصة بالأسرة الثانية، عُثر فيها على دفنة آدمية كان
قد أُلحق بها بعض الدفنات الحيوانية التي كان من بينها دفنة لسلحفاة.
٦٤
وكانت للسلاحف ارتباطاتها الدينية؛ إذ كانت من الحيوانات المقدَّسة التي عُرفت
منذ العصر المبكِّر، وظهرت على صلايات عصرِ ما قبل وبداية الأسرات،
٦٥ واعتبرها المصريون القدماء أحدَ آلهة الحفظ في المقابر.
٦٦
الطيور
قدَّس المصري القديم أنواعًا من الطيور، وجعل لها رمزيتها العقائدية والدينية.
٦٧ وكان من بين أهم هذه الطيور:
الصقر
كان الصقر من أهم الطيور التي قدَّسها المصري القديم؛ إذ كان رمزًا للإله
حورس في العصور التاريخية،
٦٨ ولربما كانت عبادة الصقر حورس قد تركَّزت في منطقة هيراكونبوليس
٦٩
⋆ في عصرِ ما قبل وبداية بداية
الأسرات، واستمرَّت تلك العبادة المحلية طَوال العصور التاريخية.
٧٠ ولقد عُثر للصقر على دفناتٍ في كلٍّ من حلوان وسقارة تُؤرَّخ بعصر
الأسرة الأولى؛ ففي المقبرة رقم
668H5 بحلوان
عُثر على دفنة لطائر تبيَّن من دراسته بأنه صقر، كان قد دُفن في تابوت خشبي
صغير، وبالقرب منه عُثر على دفنة لكلب.
٧١ الشكل رقم
٧-٧٢ والشكل رقم
٧-٧٣.
وعن تفسير هذه الدفنة، فقد رأى البعض أنَّ لهذه الدفنة ارتباطًا بنشاطٍ
صيديٍّ كان يقوم به صاحب المقبرة، فلربما كان صيادًا، أو كان يمارس الصيد في
وقت فراغه، ولعل العثور على دفنة الكلب الملحقة بالصقر يؤكد ذلك، وإن صحَّ هذا
التفسير لكان ذلك دليلًا على الرقي الاجتماعي لصاحب تلك الدفنة.
ورأى البعض الآخر أنَّ لهذه الدفنة ارتباطًا رمزيًّا بالإله حورس، الإله
الصقر، لا سيما وأنه كان قد عُثر على دفنةٍ أخرى لصقر في مقبرة حماكا بسقارة،
جاءت شبيهةً بدفنة الصقر التي عُثر عليها بحلوان، ويمكن اعتبار هاتين الدفنتين
دليلًا على بدء تقديس الإله حورس منذ عصر بداية الأسرات.
٧٢
الطيور المنزلية
أظهرت الاكتشافات الجنائزية التي ترجع لعصر الأسرة الثانية بسقارةَ ما كانت
تتضمَّنه المقابر من طيور (الحمَام – الأوز – السُّمان – البط)،
٧٣ ففي دفنةٍ
فرعية ملحَقة بالمصطبة رقم ٣٠٣٥ بسقارة،
عُثر على ثلاثةٍ من الطيور، كل طائر منها كان قد كُفِّن في قماش، ووُضِع في
تابوتٍ خاص به، وأُلحق بكلٍّ منها إناء فخاري صغير.
٧٤
وفي طرخان عُثر على الدفنة الفرعية رقم ٢٠٥٤ لبطة كانت ملحَقة بالمصطبة رقم
٢٠٥٠، كانت البطة قد وُضِعت في تابوت خشبي، وأُلحق بها اثنان من القدور
الفخارية كنوع من المتاع الجنائزي،
٧٥ وعُثر على شبيه تلك الدفنة أيضًا بأبيدوس؛ إذ في المقبرة رقم
M13 عُثر على دفنةٍ لطائر تُؤرَّخ بعصر
الأسرة الأولى
٧٦ الشكل رقم
٧-٧٤.
هذا، ومن المعروف أنَّ البط كان من الطيور المنزلية المستأنسة، والتي فضَّلها
المصري القديم، ولا شكَّ أنَّ دفنها معه دليلٌ على تلك الأفضلية، هذا بخلاف
كونها رمزًا للأمومة والرعاية.
٧٧
وقد عُثر على عظامٍ لطائر الأوز في المقبرة رقم
722
H5 بحلوان، وكان قد أُلحق به العديد من الأواني والقدور
الفخارية والحجرية.
٧٨
والأوز من الطيور التي كان لها رمزيتها الدينية في العصور التاريخية؛ إذ
أظهرت النصوص المصرية القديمة ارتباطَ طائر الأوز — كطائر مقدَّس — بالإله آمون.
٧٩
وهكذا، فكما لعِبت الطيور الجارحة — كالصقر — دورًا هامًّا في الديانة المصرية،
٨٠ لعِبت الطيور المستأنَسة وغير الجارحة دورًا مماثلًا في العقيدة
المصرية، وضَح ليس فقط من خلال العثور على دفناتٍ لها، وإنما أيضًا من خلالِ ما
جاء في أعمال الفن المختلفة؛ إذ كانت الطيور بذلك بمثابة رموز دالة على آلهة
الخصب والحب في العصور التاريخية ليس في مصر وحدَها وإنما في العديد من بلاد
الشرق الأدنى القديم.
٨١
وهكذا تعدَّدت الدفنات الحيوانية، واختلفت دلائلها، واختلف الغرض منها،
فبعضها كان له ارتباط بالقوة، وبعضها كان له ارتباط بالخصوبة، والبعض الآخر كان
غامضَ الدلالة، إلا أنه يمكن القول بأنَّ المصري القديم كان قد شعر بوجود كل
هذه الأنواع الحيوانية، وأحسَّ بتأثيراتها عليه، سواء كانت تأثيراتٍ ضارة أو
نافعة، فما لبِث أن اختار بعض تلك الأنواع الحيوانية ليقدِّسها؛ إذ اعتقد أنها
حوت شيئًا قويًّا وإلهيًّا في نفسِها، إلا أنَّ المصري لم يقدِّس هذا الحيوان
في كل نماذجه، بل اختار نموذجًا واحدًا لهذا الغرض. ولم يقدِّس الحيوان لذاته
بل إنَّ تقديسه للقوى الربانية الخفية التي تبيَّنها في دنياه، هي التي وجَّهته
إلى إظهار الود نحو مخلوقاتها التي توهَّم فيها آياتٍ من قدرة أربابه.
ولم يكن تقديس المصري للحيوان مانعًا إياه من التقرب به للإله، كأضحية
حيوانية في كثير من الأحيان، واعتُبرت تلك الأضاحي الحيوانية بمثابة هدية
للإله، لاكتساب رضائه من ناحية، ومن ناحية أخرى اعتُبرت تلك الحيوانات بمثابة
قوة سحرية ينتفع بها المتوفَّى في عالمه الآخر.
٨٢