لِقَاء وَدُعاء

لقاؤكما قد كان حُلْمَ زماني
وعهدُكُما للشرق فجرُ أماني
ولا عهدَ إلَّا للعروبة والعُلا
لِقَلْبَيْنِ في كفَّيْن يعتنقانِ
تُحَدِّثني عَيْني، وقد سِرْتُما معًا
حبيبينِ سارا، أم هما أخَوانِ
ويَسْألني قلبي، وقد لاح موكبٌ
من الأحمر اللُّجِّيِّ أشرقَ داني
على ملكيِّ من شراعٍ وَلُجَّةٍ
تَطَامُن في صفوٍ لهُ وأمانِ
تناسمهُ بين العشيَّات والضُّحَى
سرائرُ منْ أرضِ الحجازِ حواني
وأفئدةٌ من أرضِ مصر مَشُوقةٌ
شواخصُ في الثغر المشوق رواني
إلى أُفُقٍ فيهِ من الروح هِزَّةٌ
وَفيهِ مِنَ الوحي القديمِ مَعاني
أتسْألُ يا قلبي وأنت بجانبي؟
وَكَيفَ؟ ألم تعلم من الخفقانِ
وأنتَ الذي تُصغِي، وأنت الذي تَرَى
وَتُنْطِقُ مني خاطري ولساني
ومنك الذي أوحى إليَّ فهزَّني
وفَجَّر شِعري مِن سماءِ بياني
أنالَ جلالُ اليوم منك، فَخِلْتُهُ
رُؤى يقظةٍ؟ بل ذَاك رأيُ عيانِ
هو الملكُ الفاروقُ في موقف الهدى
تسير إليه الفلكُ دون عنانِ
يؤمُّ بها ربُّ الجزيرة مصرَهُ
وما هيَ إلَّا فرحةٌ وأغاني
هما عاهلا الشرق العريق وركنُهُ
هما حِصْنُهُ الواقي من الحدثانِ
هما الحبُّ والإيمانُ والمَجدُ والنَّدَى
تَمَثَّلَ في آياتها ملكانِ!

•••

سلامًا «طويلَ العمر» مصرُ تَبُثُّهُ
بأعذبِ ما رفَّت به شَفَتَانِ
وللنِّيل أمواجٌ يثبنَ صبابةً
بأفْرَاح دورٍ فوقهُ ومَغاني
تَجلَّى طرازًا في لقائكَ مُفْردًا
رفارفَ خُضْرًا في ظلالِ جنانِ
يُحيِّي بكَ الشعبَ الحجازيَّ شعبُهُ
وفيكَ يُحيِّي «القِبْلَةَ» الهرَمانِ
تساءَل فيها الصاحبان وقد بَدَت
مخاضرها من لُؤلؤٍ وجُمانِ
وآفاقُها «مَكِّيةَ» النور والشَّذَى
يُضئْنَ بأقمارٍ بهنَّ حِسانِ
جلاها المساءُ القاهريُّ صَباحةً
تَغايرَ في لألائِها القمرانِ
«سعوديةَ» الإشراق تُزْهَى بنورها
مطالعُ «فاروقيةُ» اللَّمعانِ
أَفي مصرَ؟ أم بطحاء مكةَ يومُنا؟
هُنَا وَطَنٌ أم هَا هُنَا وطنَانِ
وتلكَ قطوفُ النِّيل دانيةَ الجنَى
أمَ أنَّ قطوفًا «للرياضِ» دواني
هوًى لكَ يا «عبد العزيز» أصارها
وما اختلفتْ في صورةٍ ومكانِ
وأنت أخو «الفاروق» دارك دارُهُ
على الرَّحب، والدَّاران تَلْتقيانِ
فإنْ تذكر الأوطانَ والأهلَ عندها
فما مصرُ إلَّا موطنٌ لكَ ثاني
وما هي إلَّا أمَّةٌ عربيَّةٌ
مُوَحَّدَةٌ في فكرةٍ ولسانِ

•••

أيُنصِتُ لي الضيفُ العظيم هنيهَةً
ويسمع لي الفاروقُ صوتَ جَناني؟
يقولون: نارُ الحرب في الغرب أُخْمِدَتْ
فما لي أرى في الشرق سُحْبَ دخانِ!
مَشَتْ بالشتاءِ الجهم فوق تخومه
برعْدِ حسامٍ والتماعِ سنانِ
بإيرانَ صيحاتٌ، وفي الشام ضجَّةٌ،
وفي القدس جمرٌ مُوشِكُ الثَّورانِ
وفي الساحل الغربيِّ من «آل طارقٍ»
جريحَا إباءٍ في دمٍ غرِقانِ
طماعيةٌ فيهِ أزالتْ قناعها
وما سترتْ وجهًا لها ببنانِ
رمتْ عن يدٍ قفَّازَها وتحفَّزَتْ
مخالبَ ضارٍ أو براثنَ جاني
فإن قيل: هذا «مجلسُ الأمْنِ» فاسألوا
علام تضجُّ الأرض بالشَّنَآنِ
وفيمَ دعاة السَّلْمِ طالَ حديثهمْ
على غير معنًى من رِضًى وأمانِ
وَأُبْهِمَ حتى بانَ كالظلِّ طامسًا
وَدَاورَ حتى راغَ في الدَّوَرانِ
أَرَى اليوم مثل الأمس صورةَ غاصبٍ
وإنْ حُوِّرَتْ في صبغةٍ ودهانِ

•••

إليكم ملوكَ الشرق كم عن مقالةٍ
تثاني حيائي والوفاءُ دَعَاني
أشَدْتُ بما شِدتم فرادى، وكلكم
يُفاخر جيلٌ بالذي هُوَ باني
أناشدكُمْ والشرقُ بيْنَ مطامعٍ
تُهددهُ في حوزةٍ وكيَانِ
فهلَّا جمعتم أمره واستعنتمُ
بكلِّ فتًى بالطَّيبات مُعانِ
أرَى حُلَفاء الأمْس لم يَحفِلوا بهِ
وما زال من خُلْفِ الوعُود يُعانِي
وما قرَّ في ظلِّ السلام بحقِّهِ
وَلَا فَازَ منْ حريَّةٍ بضِمانِ
وَتلْكَ أمَانيهِ على عَتَباتهم
مطرَّحةٌ في ذِلَّةٍ وهوانِ
أنقنع من حقٍّ و«جامعةٍ» لهُ
بجمعٍ يُدبر الرأْيَ حَوْلَ خوانِ
وليس لها من قُوَّةٍ غير أَلْسنٍ
وأقلام كُتَّابٍ وسحرِ بَيَانِ
وماذا يفيد الرأْيُ لا سيفَ عنده
وماذا يُصيب القولُ يوم طعَانِ
على البأس فابْنوا رُكْنَها وتأهَّبوا
بمستقتلٍ مِنْ حَوْلها مُتفاني
تَلاقَى به راياتُ كلِّ شُعوبهِ
وأسيافُهم من صُلْبةٍ ولَدانِ
كأمواج بحرٍ زاخرٍ مُتَلاطمٍ
ينابيعُهُ شتَّى ذُرًى ورِعانِ
ضَمِنْتُ بكمْ مَجْدَ العروبةِ خالدًا
على كرِّ دَهْرٍ واخْتلافِ زَمانِ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤